المجموع : 123
هَنِيئاً لِرَيَّا ما تَضُمُّ الْجَوَانِحُ
هَنِيئاً لِرَيَّا ما تَضُمُّ الْجَوَانِحُ / وَإِنْ طَوَّحَتْ بِي في هَواهَا الطَّوائِحُ
فَتاةٌ لَهَا فِي مَنْصِبِ الْحُسْنِ سُورَةٌ / تُقَصِّرُ عَنْها الْغِيدُ وَهْيَ رَواجِحُ
أَحَاطَ عَلَى مِثْلِ الْكَثِيبِ إِزارُهَا / ودَارَتْ عَلَى مِثْلِ الْقَناةِ الْوَشائِحُ
فَفِي الْغُصْنِ مِنْها إِنْ تَثَنَّتْ مَشابِهٌ / وفي الْبَدْرِ مِنْها إِنْ تَجَلَّتْ مَلامِحُ
مَحَاسِنُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ كَثِيرَةٌ / وَلَكِنَّها إِنْ وازَنَتْها مَقابِحُ
كَأَنَّ اهْتِزازَ الْقُرْطِ فِي صَفْحِ جِيدِها / سَنَا كَوْكَبٍ فِي مَطْلَعِ الْفَجْرِ لائِحُ
لَها ذُكْرَةٌ عِنْدِي وَطَيْفٌ كِلاهُما / بِتِمْثَالِها غادٍ عَليَّ ورائِحُ
عَجِبْتُ لِعَيْنِي كَيْفَ تَظْمَأُ دُونَها / وإِنْسَانُها في لُجَّةِ الْمَاءِ سابِحُ
أَحِنُّ لَهَا شَوْقاً وَدُونَ مَزارِهَا / مَسَالِكُ يَأْوِيهَا الرَّدَى وَمَنَادِحُ
فَيَافٍ يَضِلُّ النَّجْمُ فِي قُذُفاتِها / وتَظْلَعُ فِيها النَّائِجَاتُ الْبَوَارِحُ
وَلُجَّةُ بَحْرٍ كُلَّما هَبَّ عَاصِفٌ / مِنَ الرِّيحِ دَوَّى مَوْجُهَا المُتَنَاطِحُ
فَقَلْبِيَ تَحْتَ السَّرْدِ كَالنَّارِ لافِحٌ / وَدَمْعِيَ فَوْقَ الْخَدِّ كالْمَاءِ سافِحُ
وَلَوْ كُنْتُ مَطْلُوقَ الْعِنَانِ لَما ثَنَت / هَوايَ الْفَيَافِي والْبِحَارُ الطَّوافِحُ
ولَكِنَّنِي في جَحْفَلٍ لَيْسَ دُونَهُ / بَراحٌ لِذِي عُذْرٍ وَلا عَنْهُ بَارِحُ
يُكافِحُنِي شَوْقِي إِذا اللَّيْلُ جَنَّنِي / وأَغْدُو عَلَى جَمْعِ العِدَا فَأُكَافِحُ
خَصِيمانِ هَذا بِالْفُؤَادِ مُخَيِّمٌ / وَذلكَ عَنْ مَرْمَى الْقَذِيفَةِ نازِحُ
وَمَا بِيَ ما أَخْشَاهُ مِنْ صَوْلَةِ الْعِدا / لَوَ انَّ الْهَوَى يُولِي يَداً أَوْ يُسامِحُ
فَيَا رَوْضَةَ الْمِقْياسِ حَيَّاكِ عارِضٌ / مِنَ الْمُزْنِ خَفَّاقُ الْجَنَاحَيْنِ دَالِحُ
ضَحُوكُ ثَنايَا الْبَرْقِ تَجْرِي عُيُونُهُ / بِوَدْقٍ بِهِ تَحْيَا الرُّبَا وَالصَّحَاصِحُ
تَحُوكُ بِخَيْطِ الْمُزْنِ مِنْهُ يَدُ الصَّبَا / لَها حُلَّةً تَخْتَالُ فِيهَا الأَبَاطِحُ
مَنَازِلُ حَلَّ الدَّهْرُ فِيهَا تَمائِمي / وصَافَحَنِي فيها الْقَنا وَالصَّفائِحُ
وإِنَّ أَحَقَّ الأَرْضِ بِالشُّكْرِ مَنْزِلٌ / يَكونُ بِهِ لِلْمَرْءِ خِلٌّ مُنَاصِحُ
فَهَلْ تَرْجِعُ الأَيَّامُ فيهِ بِمَا مَضَتْ / ويَجْرِي بِوَصْلٍ مِنْ أُمَيْمَةَ سانِحُ
لَعَمْرِي لَقَدْ طَالَ النَّوَى وَتَقَاذَفَتْ / مَهَامِهُ دُونَ الْمُلْتَقَى ومَطاوِحُ
وأَصْبَحْتُ في أَرْضٍ يَحَارُ بِها الْقَطا / وَتَرْهَبُها الْجِنانُ وَهْيَ سَوارِحُ
بَعِيدَةُ أَقْطَارِ الدَّيامِيمِ لَوْ عَدَا / سُلَيْكٌ بِها شَأْواً قَضَى وَهْوَ رازِحُ
تَصِيحُ بِها الأَصْدَاءُ فِي غَسَقِ الدُّجَى / صِيَاحَ الثَّكَالَى هَيَّجَتْها النَّوائِحُ
تَرَدَّتْ بِسَمُّورِ الْغَمامِ جِبالُها / ومَاجَتْ بِتَيَّارِ السُّيُولِ الْبَطَائِحُ
فَأَنْجادُها لِلْكَاسِراتِ مَعَاقِلٌ / وَأَغْوَارُها لِلْعاسِلاتِ مَسَارِحُ
مَهَالِكُ يَنْسَى الْمَرْءُ فِيها خَلِيلَهُ / ويَنْدُرُ عَنْ سَوْمِ الْعُلا مَنْ يُنَافِحُ
فَلا جَوَّ إِلَّا سَمْهَرِيٌّ وقاضِبٌ / وَلا أَرْضَ إِلَّا شَمَّرِيٌّ وَسابِحُ
تَرانَا بِهَا كَالأُسْدِ نَرْصُدُ غارَةً / يَطِيرُ بِهَا فَتْقٌ مِنَ الصُّبْحِ لامِحُ
مَدافِعُنَا نُصْبُ الْعِدَا ومُشاتُنَا / قِيَامٌ تَلِيها الصَّافِناتُ الْقَوارِحُ
ثَلاثَةُ أَصْنَافٍ تَقِيهنَّ ساقَةٌ / صِيَالَ الْعِدَا إِنْ صاحَ بِالشَّرِّ صَائِحُ
فَلَسْتَ تَرَى إِلَّا كُماةً بَوَاسِلا / وَجُرْداً تَخُوضُ الْمَوْتَ وَهْيَ ضَوابِحُ
نُغِيرُ عَلى الأَبْطَالِ والصُّبْحُ باسِمٌ / وَنَأْوِي إِلَى الأَدْغَالِ واللَّيْلُ جَانِحُ
بَكَى صاحِبِي لَمَّا رَأَى الْحَرْبَ أَقْبَلَتْ / بِأَبْنَائِها والْيَوْمُ أَغْبَرُ كالِحُ
ولَمْ يَكُ مَبْكاهُ لِخَوْفٍ وَإِنَّما / تَوَهَّمَ أَنِّي في الْكَرِيهَةِ طَائِحُ
فَقَالَ اتَّئِدْ قَبْلَ الصِّيَالِ ولا تَكُنْ / لنَفْسِكَ حَرْبَاً إِنَّنِي لَكَ ناصِحُ
أَلَمْ تَرَ مَعْقُودَ الدُّخَانِ كَأَنَّمَا / عَلَى عَاتِقِ الْجَوْزَاءِ مِنْهُ سَرائِحُ
وقَدْ نَشَأَتْ لِلْحَرْبِ مُزْنَةُ قَسْطَلٍ / لَهَا مُسْتَهِلٌّ بِالْمَنِيَّةِ راشِحُ
فَلا رَأْيَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ بِنَجْوَةٍ / فَإِنَّكَ مَقْصُودُ الْمَكَانَةِ واضِحُ
فَقُلْتُ تَعَلَّمْ إِنَّما هِيَ خُطَّةٌ / يَطُولُ بِها مَجْدٌ وتُخْشَى فَضَائِحُ
فَمَا كُلُّ ما تَرْجُو مِنَ الأَمْرِ ناجِعٌ / وَلا كُلُّ ما تَخْشَى مِنَ الْخَطْبِ فَادِحُ
فَقَدْ يَهْلَكُ الرِّعْدِيدُ في عُقْرِ دارِهِ / ويَنْجُو مِنَ الْحَتفِ الْكَمِيُّ الْمُشايِحُ
وَكُلُّ امْرِئٍ يَوْماً مُلاقٍ حِمَامَهُ / وإِنْ عَارَ في أَرْسَانِهِ وَهْوَ جَامِحُ
فَمَا بارِحٌ إِلَّا مَعَ الْخَيْرِ سَانِحٌ / ولا سَانِحٌ إِلَّا مَعَ الشَّرِّ بارِحُ
فَإِنْ عِشْتُ صافَحْتُ الثُّرَيَّا وإِنْ أَمُتْ / فَإِنَّ كَرِيماً مَنْ تَضُمُّ الصَّفَائِحُ
أَلا يَا حَمَامَ الأَيْكِ إِلْفُكَ حَاضِرٌ
أَلا يَا حَمَامَ الأَيْكِ إِلْفُكَ حَاضِرٌ / وَغُصْنُكَ مَيَّادٌ فَفِيمَ تَنُوحُ
غَدَوْتَ سَلِيماً فِي نَعِيمٍ وَغِبْطَةٍ / وَلكِنَّ قَلْبِي بِالْغَرَامِ جَرِيحُ
فَإِنْ كُنْتَ لِي عَوْناً عَلَى الشَّوْقِ فَاسْتَعِرْ / لِعَيْنَيْكَ دَمْعاً فَالْبُكَاءُ مُريحُ
وَإِلَّا فَدَعْنِي مِنْ هَدِيلِكَ وَانْصَرِفْ / فَلَيْسَ سَواءً بَاذِلٌ وشَحِيحُ
رَضِيتُ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا لا أَوَدُّهُ
رَضِيتُ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا لا أَوَدُّهُ / وَأَيُّ امْرِئٍ يَقْوَى عَلَى الدَّهْرِ زَنْدُهُ
أَحَاوِلُ وَصْلاً والصُّدُودُ خَصِيمُهُ / وَأَبْغِي وفَاءً والطَّبِيعَةُ ضِدُّهُ
حَسِبْتُ الْهَوَى سَهْلاً وَلَمْ أَدْرِ أَنَّهُ / أَخُو غَدَرَاتٍ يَتْبَعُ الْهَزْلَ جِدُّهُ
تَخِفُّ لَهُ الأَحْلامُ وَهْيَ رَزِيْنَةٌ / وَيَعْنُو لَهُ مِنْ كُلِّ صَعْبٍ أَشَدُّهُ
وَمِنْ عَجَبٍ أَنَّ الْفَتَى وَهْوَ عَاقِلٌ / يُطِيعُ الْهَوَى فِيمَا يُنَافِيهِ رُشْدُهُ
يَفِرُّ مِنَ السُّلْوَانِ وَهْوَ يُرِيحُهُ / وَيَأْوِي إِلى الأَشْجَانِ وَهْيَ تَكدُّهُ
وَمَا الْحُبُّ إِلَّا حاكِمٌ غَيْرُ عَادِلٍ / إِذا رامَ أَمْراً لَم يَجِدْ مَنْ يَصُدُّهُ
لَهُ مِنْ لَفِيفِ الْغِيدِ جَيْشُ مَلاحَةٍ / تُغِيرُ عَلى مَثْوى الضَّمائِرِ جُنْدُهُ
ذَوَابِلُهُ قَامَاتُهُ وسُيُوفُهُ / لِحَاظُ الْعَذَارَى والْقَلائِدُ سَرْدُهُ
إِذَا مَاجَ بِالْهِيفِ الْحِسَانِ تَأَرَّجَتْ / مَسَالِكُهُ واشْتَقَّ فِي الْجَوِّ نَدُّهُ
فَأَيُّ فُؤادٍ لا تَذُوبُ حَصاتُهُ / غَرَاماً وَطَرْفٍ لَيْسَ يُقْذِيهِ سُهْدُهُ
بَلَوْتُ الْهَوَى حَتَّى اعْتَرَفْتُ بِكُلِّ مَا / جَهِلْتُ فَلا يَغْرُرْكَ فالصَّابُ شَهْدُهُ
ظَلُومٌ لَهُ في كُلِّ حَيٍّ جَرِيرَةٌ / يَضِجُّ لَهَا غَوْرُ الْفَضَاءِ وَنَجْدُهُ
إِذَا احْتَلَّ قَلْباً مُطْمَئِنَّاً تَحَرَّكَتْ / وَسَاوِسُهُ في الصَّدْرِ واخْتَلَّ وَكْدُهُ
فَإِنْ كُنْتَ ذَا لُبٍّ فَلا تَقْرَبَنَّهُ / فَغَيْرُ بَعيدٍ أَنْ يُصِيبَكَ حَدُّهُ
وَقَدْ كُنْتَ أَوْلَى بِالنَّصِيحَةِ لَوْ صَغَا / فُؤَادِي وَلَكِنْ خَالَفَ الْحَزْمَ قَصْدُهُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ عَقْلٌ يَقُودُهُ / فَيُوشِكُ أَنْ يَلْقَى حُسَاماً يَقُدُّهُ
لَعَمْرِي لَقَدْ وَلَّى الشَّبَابُ وَحَلَّ بِي / مِنَ الشَّيْبِ خَطْبٌ لا يُطَاقُ مَرَدُّهُ
فَأَيُّ نَعِيمٍ فِي الزَّمَانِ أَرُومُهُ / وَأَيُّ خَلِيلٍ لِلْوَفَاءِ أُعِدُّهُ
وَكَيْفَ أَلُومُ النَّاسَ فِي الْغَدْرِ بَعْدَمَا / رَأَيْتُ شَبابِي قَدْ تَغَيَّرَ عَهْدُهُ
وَأَبْعَدُ مَفْقُودٍ شَبَابٌ رَمَتْ بِهِ / صُرُوفُ اللَّيَالِي عِنْدَ مَنْ لا يَرُدُّهُ
فَمَنْ لِي بِخِلٍّ صَادِقٍ أَسْتَعِينُهُ / عَلَى أَمَلِي أَوْ نَاصِرٍ أَسْتَمِدُّهُ
صَحِبْتُ بَنِي الدُّنْيا طَوِيلاً فَلَم أَجِدْ / خَلِيلاً فَهَلْ مِنْ صَاحِبٍ أَسْتَجِدُّهُ
فَأَكْثَرُ مَنْ لاقَيْتُ لَمْ يَصْفُ قَلْبُهُ / وَأَصْدَقُ مَنْ وَالَيْتُ لَمْ يُغْنِ وُدُّهُ
أُطَالِبُ أَيَّامِي بِما لَيْسَ عِنْدَها / وَمَنْ طَلَبَ الْمَعْدُومَ أَعْيَاهُ وجْدُهُ
فَمَا كُلُّ حَيٍّ يَنْصُرُ الْقَوْلَ فِعْلُهُ / وَلا كُلُّ خِلٍّ يَصْدُقُ النَّفْسَ وَعْدُهُ
وَأَصْعَبُ مَا يَلْقَى الْفَتَى فِي زَمَانِهِ / صَحَابَةُ مَنْ يَشْفِي مِنَ الدَّاءِ فَقْدُهُ
وَلِلنُّجْحِ أَسْبَابٌ إِذَا لَمْ يَفُزْ بِها / لَبِيبٌ مِنَ الْفِتْيَانِ لم يُورِ زَنْدُهُ
وَلَكِنْ إِذَا لم يُسْعِدِ الْمَرءَ جَدُّهُ / عَلَى سَعْيِهِ لَمْ يَبْلُغ السُّؤْلَ جِدُّهُ
وَمَا أَنَا بِالْمَغْلُوبِ دُونَ مَرامِهِ / وَلَكِنَّهُ قَدْ يَخْذُلُ الْمَرْءَ جَهْدُهُ
ومَا أُبْتُ بِالْحِرْمَانِ إِلَّا لأَنَّنِي / أَوَدُّ مِنَ الأَيَّامِ مَا لا تَوَدُّهُ
فَإِنْ يَكُ فَارَقْتُ الرِّضَا فَلَبَعْدَمَا / صَحِبْتُ زَماناً يُغْضِبُ الْحُرَّ عَبْدُهُ
أَبَى الدَّهْرُ إِلَّا أَنْ يَسُودَ وَضِيعُهُ / وَيَمْلِكَ أَعْنَاقَ الْمَطَالِبِ وَغْدُهُ
تَدَاعَتْ لِدَرْكِ الثَّأْرِ فِينَا ثُعَالُهُ / وَنَامَتْ عَلى طُولِ الْوَتِيرَةِ أُسْدُهُ
فَحَتَّامَ نَسْرِي فِي دَيَاجِير مِحْنَةٍ / يَضِيقُ بِهَا عَنْ صُحْبَةِ السَّيْفِ غِمْدُهُ
إِذَا المَرءُ لَمْ يَدْفَعْ يَدَ الجَوْرِ إِنْ سَطَتْ / عَلَيْهِ فَلا يَأْسَفْ إِذَا ضَاعَ مَجْدُهُ
وَمَنْ ذَلَّ خَوْف الْمَوْتِ كَانَتْ حَيَاتُهُ / أَضَرَّ عَلَيْهِ مِنْ حِمَامٍ يَؤُدُّهُ
وَأَقْتَلُ دَاءٍ رُؤْيَةُ العَيْنِ ظَالِماً / يُسِيءُ وَيُتْلَى في الْمَحَافِلِ حَمْدُهُ
عَلامَ يَعِيشُ الْمَرءُ فِي الدَّهْرِ خَامِلاً / أَيَفْرَحُ فِي الدُّنْيَا بِيَوْمٍ يَعُدُّهُ
يَرَى الضَّيْمَ يَغْشَاهُ فَيَلْتَذُّ وَقْعَهُ / كَذِي جَرَبٍ يَلْتَذُّ بِالْحَكِّ جِلْدُهُ
إِذَا الْمَرءُ لاقَى السَّيْلَ ثُمَّتَ لَمْ يَعُجْ / إِلَى وَزَرٍ يَحْمِيهِ أَرْدَاهُ مَدُّهُ
عَفَاءٌ عَلَى الدُّنْيَا إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَعِشْ / بِهَا بَطَلاً يَحْمِي الْحَقِيقَةَ شَدُّهُ
مِنَ الْعَارِ أَنْ يَرْضَى الفَتَى بِمَذَلَّةٍ / وَفِي السَّيْفِ ما يَكْفِي لأَمْرٍ يُعِدُّهُ
وَإِنِّي امْرُؤٌ لا أَسْتَكِينُ لِصَوْلَةٍ / وإِنْ شَدَّ سَاقِي دُونَ مَسْعَايَ قِدُّهُ
أَبَتْ لِيَ حَمْلَ الضَّيْمِ نَفْسٌ أَبِيَّةٌ / وقَلْبٌ إِذَا سِيمَ الأَذَى شَبَّ وَقْدُهُ
نَمَانِي إِلَى الْعَلْيَاءِ فَرْعٌ تَأَثَّلَتْ / أَرُومَتُهُ فِي الْمَجْدِ وافْتَرَّ سَعْدُهُ
وَحَسْبُ الْفَتَى مَجْداً إِذَا طالَبَ الْعُلا / بِمَا كَانَ أَوْصَاهُ أَبُوهُ وَجدُّهُ
إِذَا وُلِدَ الْمَوْلُودُ مِنَّا فَدَرُّهُ / دَمُ الصِّيدِ والْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ مَهْدُهُ
فَإِنْ عاشَ فَالْبِيدُ الدَّيَامِيمُ دَارُهُ / وإِنْ مَاتَ فَالطَّيْرُ الأَضَامِيمُ لَحْدُهُ
أَصُدُّ عَنِ الْمَرْمَى الْقَريبِ تَرَفُّعَاً / وأَطْلُبُ أَمْرَاً يُعْجِزُ الطَّيْرَ بُعْدُهُ
وَلا بُدَّ مِنْ يَوْمٍ تَلاعَبُ بِالْقَنَا / أُسُودُ الْوَغَى فيهِ وتَمْرَحُ جُرْدُهُ
يُمَزِّقُ أَسْتَارَ النَّواظِرِ بَرْقُهُ / وَيَقْرَعُ أَصْدَافَ الْمَسَامِعِ رَعْدُهُ
تُدَبِّرُ أَحْكَامَ الطِّعَانِ كُهُولُهُ / وَتَمْلِكُ تَصْرِيفَ الأَعِنَّةِ مُرْدُهُ
قُلُوبُ الرِّجَالِ الْمُسْتَبِدَّةِ أَكْلُهُ / وَفَيْضُ الدِّماءِ الْمُسْتَهِلَّةِ وِرْدُهُ
أُحَمِّلُ صَدْرَ النَّصْلِ فِيهِ سَرِيرَةً / تُعَدُّ لأَمْرٍ لا يُحَاوَلُ رَدُّهُ
فإِمَّا حَيَاةٌ مِثْلُ ما تَشْتَهِي الْعُلا / وإِمَّا رَدىً يَشْفِي مِنَ الدّاءِ وَفْدُهُ
سَرَى الْبَرْقُ مِصْرِيَّاً فَأَرَّقَنِي وَحْدِي
سَرَى الْبَرْقُ مِصْرِيَّاً فَأَرَّقَنِي وَحْدِي / وَأَذْكَرَنِي ما لَسْتُ أَنْسَاهُ مِنْ عَهْدِ
فَيَا بَرْقُ حَدِّثْنِي وَأَنْتَ مُصَدَّقٌ / عَنِ الآلِ والأَصْحَابِ مَا فَعَلُوا بَعْدِي
وَعَنْ رَوْضَةِ الْمِقْيَاسِ تَجْرِي خِلالَها / جَدَاوِلُ يُسْدِيهَا الْغَمَامُ بِمَا يُسْدِي
إِذَا صَافَحَتْهَا الرِّيْحُ رَهْواً تَجَعَّدَتْ / حَبَائِكُهَا مِثْلَ الْمُقَدَّرَةِ السَّرْدِ
وَإِنْ ضَاحَكَتْهَا الشَّمْسُ رَفَّتْ كَأَنَّهَا / مَنَاصِلُ سُلَّتْ لِلضِّرَابِ مِنَ الْغِمْدِ
نَعِمْتُ بِهَا دَهْراً وَمَا كُلُّ نِعْمَةٍ / حَبَتْكَ بِهَا الأَيَّامُ إِلَّا إِلَى الرَّدِّ
فَوَا أَسَفَا إِذْ لَيْسَ يُجْدِي تَأَسُّفٌ / عَلَى مَا طَواهُ الدَّهْرُ مِنْ عَيْشِنَا الرَّغْدِ
إِذِ الدَّهْرُ سَمْحٌ وَاللَّيالِي سَمِيعَةٌ / وَلَمْيَاءُ لَمْ تُخْلِفْ بِلَيَّانِها وَعْدِي
فَتَاةٌ تُرِيكَ الشَّمْسَ تَحْتَ خِمَارِهَا / إِذَا سَفَرَتْ وَالْغُصْنَ فِي مَعْقِدِ الْبَنْدِ
مِنَ الفَاتِنَاتِ الْغِيدِ لَوْ مَرَّ ظِلُّهَا / عَلَى قَانِتٍ دَبَّتْ بِهِ سَوْرَةُ الْوَجْدِ
فَتَاللهِ أَنْسَى عَهْدَها ما تَرَنَّمَتْ / بَنَاتُ الضُّحَى بَيْنَ الأَرَاكَةِ والرَّنْدِ
حَلَفْتُ بِمَا وَارَى الْخِمَارُ مِنَ الْحَيَا / وَمَا ضَمَّتِ الأَرْدَانُ مِنْ حَسَبٍ عِدِّ
وبِاللُّؤْلُؤِ الْمَنْضُودِ بَيْنَ يَواقِتٍ / هِيَ الشَّهْدُ ظَنَّاً بَلْ أَلَذُّ مِنَ الشَّهْدِ
يَمِيناً لَوِ اسْتَسْقَيْتَ أَرْضاً بِهِ الْحَيَا / لَخَاضَ بِهَا الرُّعْيَانُ فِي كَلإٍ جَعْدِ
لأَنْتِ وَأَيُّ النَّاسِ أَنْتِ حَبِيبَةٌ / إِلَيَّ وَلَوْ عَذَّبْتِ قَلْبِيَ بِالصَّدِّ
إِلَيْكِ سَلَبْتُ الْعَيْنَ طِيبَ مَنَامِهَا / وفِيكِ رَعَيْتُ النَّجْمَ فِي أُفْقِهِ وَحْدِي
وَذَلَّلْتُ هَذِي النَّفْسَ بَعْدَ إِبائِها / وَلَوْلاكِ لَمْ تَسْمَحْ بِحَلٍّ وَلا عَقْدِ
فَحَتَّامَ تَجْزِينِي بِوُدِّيَ جَفْوَةً / أَمَا تَرْهَبِينَ اللهَ فِي حُرْمَةِ الْمَجْدِ
سَلِي عَنِّيَ اللَّيْلَ الطَّوِيلَ فَإِنَّهُ / خَبِيرٌ بِمَا أُخْفِيهِ شَوْقاً وَمَا أُبْدِي
هَلِ اكْتَحَلَتْ عَيْنَايَ إِلَّا بِمَدْمَعٍ / إِذَا ذَكَرَتْكِ النَّفْسُ سَالَ عَلَى خَدِّي
أُصَبِّرُ عَنْكِ النَّفْسَ وَهْيَ أَبِيَّةٌ / وَهَيْهَاتَ صَبْرُ الظَّامِئَاتِ عَنِ الْوِرْدِ
كَأَنِّي أُلاقِي مِنْ هَوَاكِ ابْنَ خِيسَةٍ / أَخَا فَتَكَاتٍ لا يُنَهْنَهُ بِالرَّدِّ
تَنَكَّبَ مُمْسَاهُ وَأَخْطَأَ صَيْدَهُ / فَأَقْعَى عَلَى غَيْظٍ مِنَ الْجُوعِ وَالْكَدِّ
لَهُ نَعَراتٌ بِالْفَلاةِ كَأَنَّها / عَلَى عُدَوَاءِ الدَّارِ جَلْجَلَةُ الرَّعْدِ
يُمَزِّقُ أَسْتَارَ الظَّلامِ بِأَعْيُنٍ / تَطِيرُ شَراراً كَالسُّقَاطِ مِنَ الزَّنْدِ
كَأَنَّهُمَا مَاوِيَّتَانِ أُدِيرَتَا / إِلَى الشَّمْسِ فَانْبَثَّا شُعَاعاً مِنَ الْوَقْدِ
فَهَذَا الَّذِي أَلْقَاهُ مِنْكَ عَلَى النَّوَى / فَرَاخِي وَثَاقِي يَا بْنَةَ القَوْمِ أَوْ شُدِّي
هُوَ الْبَيْنُ حَتَّى لا سَلامٌ وَلا رَدُّ
هُوَ الْبَيْنُ حَتَّى لا سَلامٌ وَلا رَدُّ / وَلا نَظْرَةٌ يَقْضِي بِهَا حَقَّهُ الْوَجْدُ
لَقَدْ نَعَبَ الْوَابُورُ بِالْبَيْنِ بَيْنَهُمْ / فَسَارُوا وَلا زَمُّوا جِمَالاً وَلا شَدُّوا
سَرَى بِهِمُ سَيْرَ الْغَمَامِ كَأَنَّمَا / لَهُ فِي تَنَائِي كُلِّ ذِي خُلَّةٍ قَصْدُ
فَلا عَيْنَ إِلَّا وَهْيَ عَيْنٌ مِنَ الْبُكَى / وَلا خَدَّ إِلَّا لِلدُّمُوعِ بِهِ خَدُّ
فَيَا سَعْدُ حَدِّثْنِي بِأَخْبَارِ مَنْ مَضَى / فَأَنْتَ خَبِيرٌ بِالأَحَادِيثِ يَا سَعْدُ
لَعَلَّ حَدِيثَ الشَّوْقِ يُطْفِئُ لَوْعَةً / مِنَ الْوَجْدِ أَوْ يَقْضِي بِصَاحِبِهِ الْفَقْدُ
هُوَ النَّارُ في الأَحْشَاءِ لَكِنْ لِوَقْعِهَا / عَلَى كَبِدِي مِمَّا أَلَذُّ بِهِ بَرْدُ
لَعَمْرُ الْمَغَانِي وَهْيَ عِنْدِي عَزِيزَةٌ / بِسَاكِنِهَا مَا شَاقَنِي بَعْدَهَا عَهْدُ
لَكَانَتْ وَفيهَا مَا تَرَى عَيْنُ نَاظِرٍ / وَأَمْسَتْ وَمَا فِيها لِغَيْرِ الأَسَى وَفْدُ
خَلاءٌ مِنَ الأُلافِ إِلَّا عِصَابَةً / حَدَاهُمْ إِلَى عِرْفَانِهَا أَمَلٌ فَرْدُ
دَعَتْهُمْ إِلَيْهَا نَفْحَةٌ عَنْبَرِيَّةٌ / وَبِالنَّفْحَةِ الْحَسْنَاءِ قَدْ يُعْرَفُ الْوَرْدُ
وَقَفْنَا فَسَلَّمْنَا فَرَدَّتْ بِأَلْسُنٍ / صَوَامِتَ إِلَّا أَنَّهَا أَلْسُنٌ لُدُّ
فَمِنْ مُقْلَةٍ عَبْرَى وَمِنْ لَفْحِ زَفْرَةٍ / لَهَا شَرَرٌ بَيْنَ الْحَشَا مَا لَهُ زَنْدُ
فَيَا قَلْبُ صَبْرَاً إِنْ أَلَمَّ بِكَ النَّوَى / فَكُلُّ فِراقٍ أَوْ تَلاقٍ لَهُ حَدُّ
فَقَدْ يُشْعَبُ الإِلْفَانِ أَدْنَاهُمَا الْهَوَى / وَيَلْتَئِمُ الضِّدَّانِ أَقْصَاهُمَا الْحِقْدُ
عَلَى هَذِهِ تَجْرِي اللَّيَالِي بِحُكْمِها / فَآوِنَةً قُرْبٌ وَآوِنَةً بُعْدُ
وما كُنْتُ لَوْلا الْحُبُّ أَخْضَعُ لِلَّتي / تُسِيءُ وَلَكِنَّ الْفَتَى لِلْهَوى عَبْدُ
فَعُودِي صُلْبٌ لا يَلِينُ لِغَامِزٍ / وَقَلْبِيَ سَيْفٌ لا يُفَلُّ لَهُ حَدُّ
إِبَاءٌ كَمَا شَاءَ الفَخَارُ وَصَبْوَةٌ / يَذِلُّ لَهَا في خِيسِهِ الأَسَدُ الْوَرْدُ
وَإِنَّا أُنَاسٌ لَيْسَ فِينَا مَعَابَةٌ / سِوَى أَنَّ وادِينَا بِحُكْمِ الْهَوَى نَجْدُ
نَلِينُ وإِنْ كُنَّا أَشِدَّاءَ لِلْهَوَى / وَنَغْضَبُ في شَرْوَى نَقِيرٍ فَنَشْتَدُّ
وَحَسْبُكَ مِنَّا شِيمَةٌ عَرَبِيَّةٌ / هِيَ الْخَمْرُ مَا لَمْ يَأْتِ مِنْ دُونِها حَرْدُ
وَبِي ظَمأٌ لَمْ يَبْلُغِ الْماءُ رِيَّهُ / وَفِي النَّفْسِ أَمْرٌ لَيْسَ يُدْرِكُهُ الْجَهْدُ
أَوَدُّ وَما وُدُّ امْرِئٍ نَافِعٌ لَهُ / وإِنْ كانَ ذَا عَقْلٍ إِذَا لم يَكُنْ جَدُّ
وَمَا بِيَ مِنْ فَقْرٍ لِدُنْيَا وإِنَّمَا / طِلابُ الْعُلا مَجْدٌ وإِنْ كَانَ لِي مَجْدُ
وَكَمْ مِنْ يَدٍ لِلَّهِ عِنْدِي وَنِعْمَةٍ / يَعَضُّ عَلَيْهَا كَفَّهُ الْحاسِدُ الْوَغْدُ
أَنَا الْمَرْءُ لا يُطْغِيهِ عِزٌّ لِثَرْوَةٍ / أَصَابَ وَلا يُلْوِي بِأَخْلاقِهِ الْكَدُّ
أَصُدُّ عَنِ الْمَوفُورِ يُدْرِكُهُ الْخَنَا / وَأَقْنَعُ بِالْمَيْسُورِ يَعْقُبُهُ الْحَمْدُ
وَمَنْ كَانَ ذَا نَفْسٍ كَنَفْسِي تَصَدَّعَتْ / لِعِزَّتِهِ الدُّنْيَا وذَلَّتْ لَهُ الأُسْدُ
وَمَنْ شِيَمِي حُبُّ الْوَفاءِ سَجِيَّةً / وَما خَيْرُ قَلْبٍ لا يَدُومُ لَهُ عَهْدُ
وَلَكِنَّ إِخْوَاناً بِمِصْرَ وَرُفْقَةً / نَسُونَا فَلا عَهْدٌ لَدَيْهِمْ ولا وَعْدُ
أَحِنُّ لَهُمْ شَوْقاً عَلَى أَنَّ دُونَنَا / مَهامِهَ تَعْيَا دُونَ أَقْرَبِها الرُّبْدُ
فَيَا ساكِنِي الْفُسطَاطِ ما بالُ كُتْبِنَا / ثَوَتْ عِنْدَكُمْ شَهْراً وَلَيْسَ لها رَدُّ
أَفِي الْحَقِّ أَنَّا ذاكِرُونَ لِعَهْدِكُمْ / وَأَنْتُمْ عَلَيْنَا لَيْسَ يَعْطِفُكُمْ وُدُّ
فَلا ضَيْرَ إِنَّ الله يُعْقِبُ عَوْدَةً / يَهُونُ لَهَا بَعْدَ الْمُواصَلَةِ الصَّدُّ
جَزَى اللهُ خَيْرَاً مَنْ جَزانِي بِمِثْلِهِ / عَلَى شُقَّةٍ غَزْرُ الحَيَاةِ بِهَا ثَمْدُ
أَبِيتُ لِذكْراكُمْ بِها مُتَمَلْمِلاً / كَأَنِّي سَلِيمٌ أَوْ مَشَتْ نَحْوَهُ الْوِرْدُ
فَلا تَحْسَبُونِي غَافِلاً عَنْ وِدَادِكُمْ / رُوَيداً فَمَا فِي مُهْجَتِي حَجَرٌ صَلْدُ
هُوَ الْحُبُّ لا يَثْنِيهِ نَأْيٌ وَرُبَّما / تَأَرَّجَ مِنْ مَسِّ الضِّرَامِ لَهُ النَّدُّ
نَأَتْ بِيَ عَنْكُمْ غُرْبَةٌ وتَجَهَّمَتْ / بِوَجْهِيَ أَيَّامٌ خَلائِقُهَا نُكْدُ
أَدُورُ بِعَيْنِي لا أَرَى غَيْرَ أُمَّةٍ / مِنَ الرُّوسِ بِالْبَلْقَانِ يُخْطِئُهَا الْعَدُّ
جَوَاثٍ عَلَى هَامِ الْجِبَالِ لِغَارَةٍ / يَطِيرُ بِهَا ضَوْءُ الصَّبَاحِ إِذَا يَبْدُو
إِذَا نَحْنُ سِرْنَا صَرَّحَ الشَّرُّ بِاسْمِهِ / وَصَاحَ الْقَنَا بِالْمَوْتِ واسْتَقْتَلَ الْجُنْدُ
فَأَنْتَ تَرَى بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ كَبَّةً / يُحَدِّثُ فيها نَفْسَهُ الْبَطَلُ الْجَعْدُ
عَلَى الأَرْضِ مِنْها بِالدِّمَاءِ جَدَاوِلٌ / وَفَوْقَ سَرَاةِ النَّجْمِ مِنْ نَقْعِهَا لِبْدُ
إِذَا اشْتَبَكُوا أَوْ رَاجَعُوا الزَّحْفَ خِلْتَهُمْ / بُحُوراً تَوَالَى بَيْنَها الْجَزْرُ والْمَدُّ
نَشُلُّهُمُ شَلَّ الْعِطَاشِ وَنَتْ بِهَا / مُرَاغَمَةُ السُّقْيَا وَمَاطَلَهَا الْوِرْدُ
فَهُمْ بَيْنَ مَقْتُولٍ طَرِيحٍ وَهَارِبٍ / طَلِيحٍ وَمَأْسُورٍ يُجَاذِبُهُ الْقِدُّ
نَرُوحُ إِلَى الشُّورَى إِذَا أَقْبَلَ الدُّجَى / وَنَغْدُو عَلَيْهِمْ بِالمَنَايَا إِذَا نَغْدُو
وَنَقْعٍ كَلُجِّ الْبَحْرِ خُضْتُ غِمَارَهُ / ولا مَعْقِلٌ إِلَّا الْمَنَاصِلُ وَالْجُرْدُ
صَبَرْتُ لَهُ والْمَوْتُ يَحْمَرُّ تَارَةً / وَيَنْغَلُّ طَوْراً فِي الْعَجَاجِ فَيَسْوَدُّ
فَمَا كُنْتُ إِلَّا اللَّيْثَ أَنْهَضَهُ الطَّوَى / ومَا كُنْتُ إِلَّا السَّيْفَ فَارَقَهُ الْغِمْدُ
صَؤُولٌ وَلِلأَبْطَالِ هَمْسٌ مِنَ الْوَنَى / ضَرُوبٌ وقَلْبُ الْقِرْنِ في صَدْرِهِ يَعْدُو
فَمَا مُهْجَةٌ إِلَّا وَرُمْحِي ضَمِيرُهَا / ولا لَبَّةٌ إِلَّا وَسَيْفِي لَهَا عِقْدُ
وَمَا كُلُّ ساعٍ بَالِغٌ سُؤْلَ نَفْسِهِ / وَلا كُلُّ طَلاَّبٍ يُصَاحِبُهُ الرُّشْدُ
إِذَا الْقَلْبُ لَمْ يَنْصُرْكَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ / فَمَا السَّيْفُ إِلَّا آلَةٌ حَمْلُهَا إِدُّ
إِذَا كَانَ عُقْبَى كُلِّ شَيءٍ وَإِنْ زَكَا / فَنَاءٌ فَمَكْرُوهُ الْفَنَاءِ هُوَ الْخُلْدُ
وَتَخْلِيدُ ذِكْرِ الْمَرءِ بَعْدَ وَفاتِهِ / حَيَاةٌ لَهُ لا مَوْتَ يَلْحَقُها بَعْدُ
فَفِيمَ يَخَافُ الْمَرْءُ سَوْرَةَ يَوْمِهِ / وفي غَدِهِ ما لَيْسَ مِنْ وَقْعِهِ بُدُّ
لِيَضْنَ بِيَ الْحُسَّادُ غَيْظاً فَإِنَّنِي / لِآنافِهِمْ رَغْمٌ وَأَكْبَادِهِمْ وَقْدُ
أَنَا القائِلُ الْمَحْمُودُ مِنْ غَيْرِ سُبَّةٍ / وَمِنْ شِيمَةِ الْفَضْلِ الْعَدَاوَةُ وَالضَّدُّ
فَقَدْ يَحْسُدُ الْمَرْءُ ابْنَهُ وَهْوَ نَفْسُهُ / وَرُبَّ سِوَارٍ ضَاقَ عَنْ حَمْلِهِ الْعَضْدُ
فَلا زِلْتُ مَحْسُوداً عَلَى الْمَجْدِ والْعُلا / فَلَيْسَ بِمَحْسُودٍ فَتىً ولَهُ نِدُّ
أَرَاكَ الْحِمَى شَوْقِي إِلَيْكَ شَدِيدُ
أَرَاكَ الْحِمَى شَوْقِي إِلَيْكَ شَدِيدُ / وصَبْرِي وَنَوْمِي في هَوَاكَ شَريدُ
مَضَى زَمَنٌ لَمْ يَأْتِنِي عَنْكَ قَادِمٌ / بِبُشْرَى ولَمْ يَعْطِفْ عَلَيَّ بَرِيدُ
وَحِيدٌ مِنَ الْخُلانِ في أَرْضِ غُرْبَةٍ / أَلا كُلُّ مَنْ يَبْغِي الْوَفَاءَ وَحِيدُ
فَهَلْ لِغَرِيبٍ طَوَّحَتْهُ يَدُ النَّوَى / رُجُوعٌ وَهَلْ لِلْحَائِمَاتِ وُرُودُ
وَهَلْ زَمَنٌ وَلَّى وَعَيْشٌ تَقَيَّضَتْ / غَضَارَتُهُ بَعْدَ الذَّهَابِ يَعُودُ
أُعَلِّلُ نَفْسِي بِالقَدِيمِ وَإِنَّما / يَلَذُّ اقْتِبَالُ الشَّيءِ وَهْوَ جَدِيدُ
وَمَا ذِكْرِيَ الأَيَّامَ إِلَّا لأَنَّها / ذِمَامٌ لِعِرْفَان الصِّبَا وَعُهودُ
فَلَيْسَ بِمَفْقُودٍ فَتىً ضَمَّهُ الثَّرَى / وَلَكِنَّ مَنْ غَالَ الْبِعَاد فَقِيدُ
أَلا أَيُّها الْيَوْمُ الَّذِي لَمْ أَكُنْ لَهُ / ذَكُوراً سِوَى أَنْ قِيلَ لِي هُوَ عِيدُ
أَتَسْأَلُنَا لُبْسَ الجَدِيدِ سَفَاهَةً / وَأَثْوابُنَا ما قَدْ عَلِمْتَ حَدِيدُ
فَحَظُّ أُناسٍ مِنْهُ كَأْسٌ وَقَيْنَةٌ / وَحَظُّ رِجالٍ ذُكْرَةٌ وَنَشِيدُ
لِيَهْنَ بِهِ مَنْ باتَ جَذْلانَ نَاعِماً / أَخَا نَشَوَاتٍ ما عَلَيْهِ حَقُودُ
تَرَى أَهْلَهُ مُسْتَبْشِرينَ بِقُرْبِهِ / فَهُمْ حَوْلَهُ لا يَبْرَحُونَ شُهُودُ
إِذَا سارَ عَنْهُمْ سَارَ وَهْوَ مُكَرَّمٌ / وَإِنْ عَادَ فِيهِمْ عَادَ وَهْوَ سَعِيدُ
يُخَاطِبُ كُلاً بِالَّذِي هُوَ أَهْلُهُ / فَمُبْدِئُ شكُرٍْ تَارَةً وَمُعِيدُ
فَمَنْ لِغَرِيبٍ سَرْنَسُوفُ مُقَامُهُ / رَمَتْ شَمْلَهُ الأَيَّامُ فَهْوَ لَهِيدُ
بِلادٌ بِهَا ما بِالْجَحِيمِ وإِنَّما / مَكَانَ اللَّظَى ثَلْجٌ بِهَا وَجَلِيدُ
تَجَمَّعَتِ الْبُلْغارُ وَالرُّومُ بَيْنَها / وزَاحَمَهَا التَّاتَارُ فَهْيَ حُشُودُ
إِذَا رَاطَنُوا بَعْضاً سَمِعْتَ لِصَوْتِهِمْ / هَدِيداً تَكَادُ الأَرْضُ مِنْهُ تَمِيدُ
قِبَاحُ النَّوَاصِي وَالْوُجُوهِ كَأَنَّهُمْ / لِغَيْرِ أَبِي هَذَا الأَنَامِ جُنُودُ
سَواسِيَةٌ لَيْسُوا بِنَسْلِ قَبيلَةٍ / فَتُعْرَف آباءٌ لَهُمْ وجُدُودُ
لَهُمْ صُوَرٌ لَيْسَتْ وُجُوهاً وإِنَّما / تُنَاطُ إِلَيْهَا أَعْيُنٌ وَخُدودُ
يَخُورُونَ حَولِي كَالْعُجُولِ وَبَعْضُهُمْ / يُهَجِّنُ لَحْنَ الْقَوْلِ حِينَ يُجِيدُ
أَدُورُ بِعَيني لا أَرَى بَيْنَهُمْ فَتىً / يَرُودُ مَعِي في الْقَوْلِ حَيْثُ أَرُودُ
فَلا أَنَا مِنْهُمْ مُسْتَفِيدٌ غَرِيبَةً / وَلا أَنَا فِيهِمْ ما أَقَمْتُ مُفِيدُ
فَمَنْ لِي بِأَيَّامٍ مَضَتْ قَبْلَ هَذِهِ / بِمِصْرَ وَعَيْشِي لَوْ يَدُومُ حَمِيدُ
عَسَى اللهُ يَقْضِي قُرْبَةً بَعْدَ غُرْبَةٍ / فَيَفْرَحَ بِاللُّقْيا أَبٌ وَوَليدُ
تَوَلَّى الصِّبَا عَنِّي فَكَيْفَ أُعِيدُهُ
تَوَلَّى الصِّبَا عَنِّي فَكَيْفَ أُعِيدُهُ / وَقَدْ سَارَ فِي وادِي الْفَنَاءِ بَرِيدُهُ
أُحَاوِلُ مِنْهُ رَجْعَةً بَعْدَ ما مَضَى / وذَلِكَ رَأْيٌ غَابَ عَنِّي سَدِيدُهُ
فَمَا كُلُّ جَفْرٍ غَاضَ يَرْتَدُّ نَبْعُهُ / وَلا كُلُّ سَاقٍ جَفَّ يَخْضَرُّ عُودُهُ
فَإِنْ أَكُ فَارَقْتُ الشَّبَابَ فَقَبْلَهُ / بَكَيْتُ رَضَاعاً بَانَ عَنِّي حَمِيدُهُ
وَأَيُّ شَبَابٍ لا يَزُولُ نَعِيمُهُ / وَسِرْبالِ عَيْشٍ لَيْسَ يَبْلَى جَدِيدُهُ
فَلا غَرْوَ أَنْ شَابَتْ مِنَ الْحُزْنِ لِمَّتِي / فَإِنِّيَ فِي دَهْرٍ يَشِيبُ وَلِيدُهُ
يُهَدِّمُ مِنْ أَجْسَادِنَا مَا يَشِيدُهُ / وَيَنْقُصُ مِنْ أَنْفَاسِنَا مَا يَزِيدُهُ
أَرَى كُلَّ شَيءٍ لا يَدُومُ فَمَا الَّذِي / يَنَالُ امْرُؤٌ مِنْ حُبِّ مَا لا يُفِيدُهُ
وَلَكِنَّ نَفْساً رُبَّمَا اهْتَاجَ شَوْقُهَا / فَحَنَّتْ وَقَلْباً رُبَّمَا اعْتَادَ عِيدُهُ
فَوَا حَسْرَتَا كَمْ زَفْرَةٍ إِثْرَ لَوْعَةٍ / إِذَا عَصَفَتْ بِالْقَلْبِ كادَتْ تُبيدُهُ
أَحِنُّ إِلَى وادِي النَّقَا ويَسُرُّنِي / عَلَى بُعْدِهِ أَنْ تَسْتَهِلَّ سُعُودُهُ
وَأَصْدُقُهُ وُدِّي وإِنْ كُنْتُ عَالِماً / بِأَنَّ النَّقَا لَمْ يَدْنُ مِنِّي بَعِيدُهُ
مَعَانُ هَوىً تَجْرِي بِدَمْعِي وِهَادُهُ / وتُشْرِقُ مِنْ نِيرانِ قَلْبِي نُجُودُهُ
تَضِنُّ بِإِهْدَاءِ السَّلامِ ظِباؤُهُ / وتُكْرِمُ مَثْوَى الطَّارِقِينَ أُسُودُهُ
تَسَاهَمَ فِيهِ الْبَأْسُ والْحُسْنُ فَاسْتَوَتْ / ضَرَاغِمُهُ عِنْدَ اللِّقَاءِ وغِيدُهُ
تَلاقَتْ بِهِ أَسْيَافُهُ وَلِحَاظُهُ / وَمالَتْ بِهِ أَرْمَاحُهُ وقُدُودُهُ
فَكَمْ مِنْ صَرِيعٍ لا تُدَاوَى جِرَاحُهُ / وَكَمْ مِنْ أَسِيرٍ لا تُحَلُّ قُيُودُهُ
وَفي الْحَيِّ ظَبْيٌ إِنْ تَرَنَّمْتُ بِاسْمِهِ / تَنَمَّرَ وَاشِيهِ وَهَاجَ حَسُودُهُ
تَهِيمُ بِهِ أَسْتَارُهُ وخُدُورُهُ / وَتَعْشَقُهُ أَقْرَاطُهُ وَعُقُودُهُ
تَأَنَّقَ فِيهِ الْحُسْنُ فَامْتَدَّ فَرْعُهُ / إِلَى قَدَمَيْهِ واسْتَدَارَتْ نُهُودُهُ
فَلِلْمِسْكِ رَيَّاهُ ولِلْبَانِ قَدُّهُ / وَلِلْوَرْدِ خَدَّاهُ وَللظَّبْيِ جِيدُهُ
فَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ يَا صَاحِ بِالْهَوَى / فَإِنَّ الرَّدَى حِلْف الْهَوَى وَعَقِيدُهُ
وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَرْهَبُ المَوْتَ إِنْ سَطَا / إِذَا لَمْ تَكُنْ نُجْلَ الْعُيُونِ شُهُودُهُ
أَفُلُّ أَنَابِيبَ الْقَنَا ويَفُلُّني / قَوَامٌ تَنَدَّتْ بِالْعَبِيرِ بُرُودُهُ
فَإِنْ أَنَا سَالَمْتُ الْهَوَى فَلَطَالَمَا / شَهِدْتُ الْوَغَى وَالطَّعْنُ يَذْكُو وَقُودُهُ
وَتَحْتَ جَنَاحِ الدِّرْعِ مِنِّي ابْنُ فَتْكَةٍ / مُعَوَّدَةٌ أَلَّا تُحَطَّ لُبُودُهُ
إِذَا حَرَّكَتْهُ هِمَّةٌ نَحْوَ غايَةٍ / تَسَامَى إِلَيْهَا فِي رَعِيلٍ يَقُودُهُ
ومُعْتَرَكٍ لِلْخَيْلِ فِي جَنَبَاتِهِ / صَهِيلٌ يَهُدُّ الرَّاسِيَاتِ وَئِيدُهُ
بَعِيدِ سَماءِ النَّقْعِ يَنْقَضُّ نَسْرُهُ / عَلَى جُثَثِ الْقَتْلَى ويَنْغَلُّ سِيدُهُ
تَرِفُّ عَلَى هَامِ الكُمَاةِ سُيُوفُهُ / وَتَخْفُقُ بَيْنَ الْجَحْفَلَيْنِ بُنُودُهُ
إِذَا اشْتَجَرَتْ فِيهِ الرِّماحُ تَراجَعَتْ / سَوَافِرَ عَنْ نَصْرٍ يُضِيءُ عَمُودُهُ
تَقَحَّمْتُهُ والرُّمْحُ صَدْيانُ يَنْتَحي / نِطافَ الْكُلَى والْمَوْتُ يَمْضِي وَعِيدُهُ
فَمَا كُنْتُ إِلَّا الْغَيثَ طَارَتْ بُروقُهُ / ومَا كُنْتُ إِلَّا الرَّعْدَ دَوَّى هَدِيدُهُ
أَنَا الرَّجُلُ الْمَشْفُوعُ بِالْفِعْلِ قَوْلُهُ / إِذَا ما عَقِيدُ الْقَوْمِ رَثَّتْ عُقُودُهُ
تَعَوَّدْتُ صِدْقَ الْقَوْلِ حَتَّى لَوَ انَّنِي / تَكَلَّفْتُ قَوْلاً غَيْرَهُ لا أُجِيدُهُ
أُضَاحِكُ وَجْهَ الْمَرْءِ يَغْشَاهُ بِشْرُهُ / وأَعْلَمُ أَنَّ الْقَلْبَ تَغْلِي حُقُودُهُ
وَمَنْ لَمْ يُدارِ النَّاسَ عَادَاهُ صَحْبُهُ / وَأَنْكَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَسُودُهُ
فَمَنْ لِي بِخِلٍّ أَسْتَعِينُ بِقُرْبِهِ / عَلَى أَمَلٍ لَمْ يَبْقَ إِلَّا شَرِيدُهُ
أُحَاوِلُ وُدَّاً لا يُشَانُ بِغَدْرَةٍ / ودُونَ الَّذِي أَرْجُوهُ مَا لا أُرِيدُهُ
سَمِعْتُ قَدِيماً بِالْوَفَاءِ فَلَيْتَنِي / عَلِمْتُ عَلَى الأَيَّامِ أَيْنَ وُجُودُهُ
فَإِنْ أَنَا لَمْ أَمْلِكْ صَدِيقاً فَإِنَّني / لِنَفسِي صَدِيقٌ لا تَخِيسُ عُهُودُهُ
وَحَسْبُ الفَتَى مِنْ رَأْيِهِ خَيْرُ صَاحِبٍ / يُوازِرُهُ فِي كُلِّ خَطْبٍ يَؤُودُهُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرءِ مِنْ بَدَهَاتِهِ / نَصِيرٌ فَأَخْلِقْ أَنْ تَخِيبَ جُدُودُهُ
وإِنِّي وَإِنْ أَصْبَحْتُ فَرْدَاً فَإِنَّنِي / بِنَفْسِي عَشِيرٌ لَيْسَ يَنْجُو طَرِيدُهُ
وَلِي مِنْ بَدِيعِ الشِّعْرِ مَا لَوْ تَلَوْتُهُ / عَلَى جَبَلٍ لانْهَالَ فِي الدَوِّ رَيْدُهُ
إِذَا اشْتَدَّ أَوْرَى زَنْدَةَ الْحَرْبِ لَفْظُهُ / وَإِنْ رَقَّ أَزْرَى بِالْعُقُودِ فَرِيدُهُ
يُقَطِّعُ أَنْفَاسَ الرِّياحِ إِذَا سَرَى / وَيَسْبِقُ شَأْوَ النَّيِّرَيْنِ قَصِيدُهُ
إِذَا ما تَلاهُ مُنْشِدٌ في مَقَامةٍ / كَفَى الْقَوْمَ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ نَشِيدُهُ
سَيَبْقَى بِهِ ذِكْرِي عَلَى الدَّهْرِ خَالِداً / وذِكْرُ الْفَتَى بَعْدَ الْمَمَاتِ خُلُودُهُ
تَرَحَّلَ مِنْ وَادِي الأَرَاكَةِ بِالْوَجْدِ
تَرَحَّلَ مِنْ وَادِي الأَرَاكَةِ بِالْوَجْدِ / فَبَاتَ سَقِيماً لا يُعِيدُ وَلا يُبْدِي
سَقِيماً تَظَلُّ الْعَائِدَاتُ حَوَانِياً / عَلَيْهِ بِإِشْفَاقٍ وَإِنْ كَانَ لا يُجْدِي
يَخَلْنَ بِهِ مَسَّاً أَصَابَ فُؤَادَهُ / وَلَيْسَ بِهِ مَسٌّ سِوَى حُرَقِ الْوَجْدِ
بِهِ عِلَّةٌ إِنْ لَمْ تُصِبْهَا سَلامَةٌ / مِنَ اللهِ كَادَتْ نَفْس حَامِلِهَا تُرْدِي
وَمِنْ عَجَبِ الأَيَّامِ أَنِّي مُولَعٌ / بِمَنْ لَيْسَ يَعْنِيهِ بُكَائِي وَلا سُهْدِي
أَبِيتُ عَلِيلاً في سَرَنْدِيبَ سَاهِرَاً / أُعَالِجُ مَا أَلْقَاهُ مِنْ لَوْعَتِي وَحْدِي
أَدُورُ بِعَيْنِي لا أَرَى وَجْهَ صَاحِبٍ / يَرِيعُ لِصَوْتِي أَوْ يَرِقُّ لِمَا أُبْدِي
وَمِمَّا شَجَانِي بَارِقٌ طَارَ مَوْهِناً / كَمَا طَارَ مُنْبَثُّ الشَّرَارِ مِنَ الزَّنْدِ
يُمَزِّقُ أَسْتَارَ الدُّجُنَّةِ ضَوْؤُهُ / فَيَنْسِلُهَا مَا بَيْنَ غَورٍ إِلَى نَجْدِ
أَرِقْتُ لَهُ وَالشُّهْبُ حَيْرَى كَلِيلَةٌ / مِنَ السَّيْرِ وَالآفَاقُ حَالِكَةُ الْبُرْدِ
فَبِتُّ كَأَنِّي بَيْنَ أَنْيَابِ حَيَّةٍ / مِنَ الرُّقْطِ أَوْ في بُرْثُنَيْ أَسَدٍ وَرْدِ
أُقَلِّبُ طَرْفِي وَالنُّجُومُ كَأَنَّها / قَتِيرٌ مِنَ الْيَاقُوتِ يَلْمَعُ فِي سَرْدِ
وَلا صَاحِبٌ غَيْرُ الْحُسامِ مَنُوطَةٌ / حَمَائِلُهُ مِنِّي عَلَى عَاتِقٍ صَلْدِ
إِذَا حَرَّكَتْهُ رَاحَتي لِمُلِمَّةٍ / تَطَلَّعَ نَحْوِي يَشْرَئِبُّ مِنَ الْغِمْدِ
أَشَدُّ مَضَاءً مِنْ فُؤَادِي عَلَى الْعِدا / وَأَبْطَأُ نَصْرِي عَلَى الشَّوْقِ مِنْ فِنْدِ
أَقُولُ لَهُ وَالْجَفْنُ يَكْسُو نِجَادَهُ / دُمُوعاً كَمُرْفَضِّ الْجُمَانِ مِنَ الْعِقْدِ
لَقَدْ كُنْتَ لِي عَوْنَاً عَلَى الدَّهْرِ مَرَّةً / فَمَا لِي أَرَاكَ الْيَوْمَ مُنْثَلِمَ الْحَدِّ
فَقَالَ إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ سَوْرَةَ الْهَوَى / وَأَنْتَ جَلِيدُ الْقَوْمِ مَا أَنَا بِالْجَلْدِ
وَهَلْ أَنَا إِلَّا شِقَّةٌ مِنْ حَدِيدَةٍ / أَلَحَّ عَلَيْهَا الْقَيْنُ بِالطَّرْقِ وَالْحَدِّ
فَمَا كُنْتُ لَوْلا إِنَّنِي وَاهِنُ الْقُوَى / أُعَلَّقُ فِي خَيْطٍ وَأُحْبَسُ في جِلْدِ
فَدُونَكَ غَيْرِي فَاسْتَعِنْهُ عَلَى الجَوَى / وَدَعْنِي مِنَ الشَّكْوَى فَدَاءُ الْهَوَى يُعْدِي
خَلِيلَيَّ هَذَا الشَوْقُ لا شَكَّ قَاتِلِي / فَمِيلا إِلَى الْمِقْيَاسِ إِنْ خِفْتُمَا فَقْدِي
فَفِي ذَلِكَ الْوَادِي الَّذِي أَنْبَتَ الْهَوَى / شِفَائِي مِنْ سُقْمِي وَبُرْئِيَ مِنْ وَجْدِي
مَلاعِبُ لَهْوٍ طَالَمَا سِرْتُ بَيْنَهَا / عَلَى أَثَرِ اللَّذَّاتِ فِي عِيشَةٍ رَغْدِ
إِذَا ذَكَرَتْهَا النَّفْسُ سَالَتْ مِنَ الأَسَى / مَعَ الدَّمْعِ حَتَّى لا تُنَهْنَهُ بِالرَّدِّ
فَيَا مَنْزِلاً زَقْرَقْتُ ماءَ شَبيبَتِي / بِأَفْنَائِهِ بَيْنَ الأَرَاكَةِ والرَّنْدِ
سَرَتْ سَحَراً فَاسْتَقْبَلَتْكَ يَدُ الصَّبَا / بِأَنْفَاسِهَا وَانْشَقَّ فَجْرُكَ بِالْحَمْدِ
وَزَرَّ عَلَيْكَ الأُفْقُ طَوْقَ غَمَامَةٍ / خَضِيبَةِ كَفِّ الْبَرْقِ حَنَّانَةِ الرَّعْدِ
فَلَسْتُ بِنَاسٍ لَيْلَةً سَلَفَتْ لَنَا / بِوَادِيهِ والدُّنْيَا تَغُرُّ بِمَا تُسْدِي
إِذِ الْعَيْشُ رَيَّانُ الأَمَالِيدِ وَالْهَوَى / جَدِيدٌ وَإِذْ لَمْيَاءُ صَافِيَةُ الْوُدِّ
مُنَعَّمَةٌ لِلْبَدْرِ مَا فِي قِنَاعِهَا / وَلِلْغُصْنِ ما دَارَتْ بِهِ عُقْدَةُ الْبَنْدِ
سَبَتْنِي بِعَيْنَيْهَا وَقَالَتْ لِتِرْبِهَا / أَلا مَا لِهَذا الْغِرِّ يَتْبَعُنِي قَصْدِي
وَلَمْ تَدْرِ ذَاتُ الخَالِ وَالْحُبُّ فَاضِحٌ / بِأَنَّ الَّذِي أُخْفِيهِ غَيْرُ الَّذِي أُبْدِي
حَنَانَيْكِ إِنَّ الرَّأْيَ حَارَ دَلِيلُهُ / فَضَلَّ وَعادَ الْهَزْلُ فِيكِ إِلَى الْجِدِّ
فَلا تَسْأَلِي مِنِّي الزِّيَادَةَ في الْهَوَى / رُوَيْداً فَهَذَا الْوَجْدُ آخِرُ مَا عِنْدِي
وَهَأَنَا مُنْقَادٌ كَمَا حَكَمَ الْهَوَى / لأَمْرِكِ فَاخْشَيْ حُرْمَةَ اللهِ وَالْمَجْدِ
فَلَوْ قُلْتِ قُمْ فَاصْعَدْ إِلَى رَأْس شَاهِقٍ / وَأَلْقِ إِذَا أَشْرَفْتَ نَفْسَكَ لِلْوَهْدِ
لأَلْقَيْتُهَا طَوْعاً لَعَلَّكِ بَعْدَها / تَقُولِينَ حَيَّا اللهُ عَهْدَكَ مِنْ عَهْدِ
سَجِيَّةُ نَفْسٍ لا تَخُونُ خَلِيلَهَا / وَلا تَرْكَبُ الأَهْوَالَ إِلَّا عَلَى عَمْدِ
وَإِنِّي لَمِقْدَامٌ عَلَى الْهَوْلِ وَالرَّدَى / بِنَفْسِي وَفِي الإِقْدَامِ بِالنَّفْسِ مَا يُرْدِي
وَإِنِّي لَقَوَّالٌ إِذَا الْتَبَسَ الْهُدَى / وَجَارَتْ حُلُومُ الْقَوْمِ عَنْ سَنَنِ الْقَصْدِ
فَإِنْ صُلْتُ فَدَّانِي الْكَمِيُّ بِنَفْسِهِ / وَإِنْ قُلْتُ لَبَّانِي الْوَلِيدُ مِنَ الْمَهْدِ
وَلِي كُلُّ مَلْسَاءِ الْمُتُونِ غَرِيبَةٍ / إِذَا أُنْشِدَتْ أَفْضَتْ لِذِكْرِ بَنِي سَعْدِ
أَخَفُّ عَلَى الأَسْمَاعِ مِنْ نَغَمِ الْحُدَا / وَأَلْطَفُ عِنْدَ الْنَّفْسِ مِنْ زَمَنِ الْوَرْدِ
مُخَدَّرَةٌ تَمْحُو بِأَذْيَالِ حُسْنِهَا / أَسَاطِيرَ مَنْ قَبْلِي وَتُعْجِزُ مَنْ بَعْدِي
كَذَلِكَ إِنِّي قَائِلٌ ثُمَّ فَاعِلٌ / فِعَالِي وَغَيرِي قَدْ يُنِيرُ وَلا يُسْدِي
خَلِيلَيَّ هَلْ طَالَ الدُّجَى أَمْ تَقَيَّدَتْ
خَلِيلَيَّ هَلْ طَالَ الدُّجَى أَمْ تَقَيَّدَتْ / كَوَاكِبُهُ أَمْ ضَلَّ عَنْ نَهْجِهِ الْغَدُ
أَبِيتُ حَزِيناً فِي سَرَنْدِيبَ سَاهِراً / طِوَالَ اللَّيَالِي وَالْخَلِيُّونَ هُجَّدُ
أُحَاوِلُ مَا لا أَسْتَطِيعُ طِلابَهُ / كَذَا النَّفْسُ تَهْوَى غَيْرَ مَا تَمْلِكُ الْيَدُ
إِذَا خَطَرَتْ مِنْ نَحْوِ حُلْوَانَ نَسْمَةٌ / نَزَتْ بَيْنَ قَلْبِي شُعْلَةٌ تَتَوَقَّدُ
وَهَيْهَاتَ مَا بَعْدَ الشَّبِيبَةِ مَوْسِمٌ / يَطِيبُ وَلا بَعْدَ الْجَزِيرَةِ مَعْهَدُ
شَبَابٌ وَإِخْوَانٌ رُزِئْتُ وِدَادهُمْ / وَكُلُّ امْرِئٍ فِي الدَّهْرِ يَشْقَى وَيَسْعَدُ
وَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ أَعِيشَ بِغُرْبَةٍ / يُعَلِّلُنِي فِيهَا خُوَيْدِمُ أَسْوَدُ
أَرَى نَفْحَةً دَلَّتْ عَلَى كَبِدِي الْوَجْدَا
أَرَى نَفْحَةً دَلَّتْ عَلَى كَبِدِي الْوَجْدَا / فَمَنْ كَانَ بِالْمِقْيَاسِ أَقْرَبَكُمُ عَهْدَا
مَلاعِبُ آرامٍ وَمَجْرَى جَدَاوِلٍ / وَمُلْتَفُّ أَفْنَانٍ تَقِي الْحَرَّ وَالْبَرْدَا
إِذَا انْبَعَثَتْ فِيهِ النَّسَائِمُ خِلْتَهَا / تُنِيرُ عَلَى مَتْنِ الْغَدِيرِ بِهِ بُرْدَا
كَأَنَّ الصَّبَا تُلْقَى عَلَيْهِ إِذَا جَرَتْ / مَسَائِل فِي الأَرْقَامِ أَوْ تَلْعَبُ النَّرْدَا
أَقَامَ الرَّبِيعُ الطَّلْقُ فِي حَجَراتِهَا / وَأَسْدَى لَهَا مِنْ نِعْمَةِ النِّيلِ مَا أَسْدَى
فَلِلَّهِ كَمْ مِنْ صَبْوَةٍ كَانَ لِي بِهَا / رَوَاحٌ إِلَى حُسَّانَةِ الْجِيدِ أَوْ مَغْدَى
إِذِ الدَّهْرُ لَمْ يُخْفِرْ ذِمَاماً وَلَمْ يَخُنْ / نِظَاماً وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَى ذِي هَوىً حِقْدَا
تَدُورُ عَلَيْنَا بِالأَحَاظِي شُمُوسُهُ / وَتُمْسِي عَلَيْنَا طَيْرُ أَنْجُمِهِ سَعْدَا
وَيَا رُبَّ لَيْلٍ لَفَّنَا بِرِدَائِهِ / عِناقاً كَمَا لَفَّ الصَّبَا الْبَانَ وَالرَّنْدَا
وَلَثْمٍ تَوَالَى إِثْرَ لَثْمٍ بِثَغْرِهَا / كَما شَافَهَ الْبازِي عَلَى ظَمَأٍ وِرْدَا
فَتَاةٌ كَأَنَّ اللهَ صَوَّرَ لَحْظَهَا / لِيَهْتِكَ أَسْرَارَ الْقُلُوبِ بِهِ عَمْدَا
لَهَا عَبَثَاتٌ عِنْدَ كُلِّ تَحِيَّةٍ / تَسُوقُ إِلَيْهَا عَنْ فَرائِسِها الأُسْدَا
إِذَا انْفَتَلَتْ بِالْكَأْسِ خِلْتَ بَنَانَها / تُدِيرُ عَلَيْنَا مِنْ جَنَى خَدِّهَا وَرْدَا
وَمَا أَنْسَهُ لا أَنْسَ يَوْماً تَسَابَقَتْ / بِهِ عَبْرَتَاهَا وَالنَّوَى تَصْدَعُ الصَّلْدَا
فَلَمْ أَرَ لَحْظاً كَانَ أَقْتَلَ بَاكِياً / وَأَمْضَى الظُّبَا فِي الْفَتْكِ ما سَالَ إِفْرِنْدَا
حَرَامٌ عَلَى الْعَيْنَيْنِ إِنْ لم تَسِلْ دَمَاً / عَلَى بَيْنِهَا وَالْقَلْب إِنْ لَمْ يَذُبْ وَقْدَا
فَيَا قَلْبُ مَا أَشْجَى إِذَا الدَّارُ بَاعَدَتْ / وَيَا دَمْعُ مَا أَجْرَى وَيَا بَيْنُ مَا أَرْدَى
وَيَا صَاحِبِي الْمَذْخُورَ لِلسِّرِّ إِنَّنِي / ضَلَلْتُ فَهَلْ مِنْ وَثْبَةٍ تُكْسِبُ الْحَمْدَا
حَلَفْتُ بِمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ نِقَابُهَا / وَيَا لَكَ حَلْفاً مَا أَرَقَّ وَمَا أَنْدَى
بِأَلَّا تَفِيئَ الْعَيْنُ عَنْ سُنَّةِ الْبُكَى / وَأَلَّا تَرِيعَ النَّفْسُ إِنْ لَمْ تَمُتْ وَجْدَا
وَكَيْفَ يُفِيقُ الْقَلْبُ مِنْ سَوْرَةِ الْهَوَى / وَقَدْ مَدَّهُ سِحْرُ الْعُيُونِ بِمَا مَدَّا
وَمَا كُنْتُ لَوْلا الْعَذْلُ أُبْدِي خَفِيَّةً / وَلَكِنْ تَوَالِي الْقَدْحِ يَسْتَرعِفُ الزَّندَا
وَمَنْ لِي بِأَنَّ الْقَلْبَ يَكْتُمُ وَجْدَهُ / وَكَيْفَ تُسَامُ النَّارُ أَنْ تَكْتُمَ النَّدَّا
فَلا وَصْلَ إِلَّا ذُكْرَةٌ تَبْعَثُ الأَسَى / عَلَى النَّفْسِ حَتَّى لا تُطِيق لَهُ رَدَّا
أَبِيتُ قَرِيحَ الْجَفْنِ لا أَعْرِفُ الْكَرَى / طَوالَ اللَّيَالِي والْجَوانِحُ لا تَهْدَا
فَيَأَيُّهَا النُّوَّامُ والشَّوْقُ عَازِرٌ / أَلا أَحَدٌ يَشْرِي بِغَفْوَتِهِ السُّهْدَا
لَقَدْ ذَلَّ مَنْ يَبْغِي مِنَ النَّاسِ نَاصِراً / وَقَد خَابَ مَنْ يَجْنِي مِنَ الأَرْقَمِ الشَّهْدَا
فَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعْ بِشِيمَةِ صَاحِبٍ / فَمَنْ ظَنَّ خَيْرَاً بِالزَمَانِ فَقَدْ أَكْدَى
فَقَدْ طَالَمَا جَرَّبْتُ خِلاً فَمَا رَعَى / وَحِلْفاً فَمَا أَوْفَى وَعَوْنَاً فَمَا أَجْدَى
وَمَا النَّاسُ إِلَّا طَالِبٌ غَيْرُ وَاجِدٍ / لِمَا يَبْتَغِي أَوْ وَاجِدٌ أَخْطَأَ الْقَصْدَا
فَلا تَحْسَبَنَّ النَّاسَ أَبْنَاءَ شِيمَةٍ / فَمَا كُلُّ مَمْدُودِ الْخُطَا بَطَلاً جَعْدَا
لَقَدْ طَالَ عَهْدِي بِالشَّبَابِ وَإِنَّهُ
لَقَدْ طَالَ عَهْدِي بِالشَّبَابِ وَإِنَّهُ / لأَدْعَى لِشَوْقِي أَنْ يَطُولَ بِهِ عَهْدِي
تَبِيتُ عُيُونٌ بِالْكَرَى مُطْمَئِنَّةً / وَعَيْنَايَ فِي بَرْحٍ مِنَ الدَّمْعِ وَالسُّهْدِ
فَلَيْتَ الَّذِي حَازَ الشَّبِيبَةَ رَدَّهَا / وَلَيْتَ الَّذِي أَهْدَى لَنَا الشَّيْبَ لَمْ يُهْدِ
كَأَنِّي وَقَدْ جَاوَزْتُ سِتِّينَ حِجَّةً / مَسَحْتُ بِهَا عَنْ نَاظِرِي سِنَةَ الْفَهْدِ
فَسُحْقاً لِدَارٍ لا يَدُومُ نَعِيمُها / وَتَبَّاً لِخِلٍّ لا يَدُومُ عَلَى الْعَهْدِ
وَكَيْفَ يَلَذُّ الْمَرْءُ بِالْعَيْشِ بَعْدَمَا / رَأَى أَنَّ سُمَّ الْمَوْتِ فِي ذَلِكَ الشَّهْدِ
إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَضِدِّهَا / سِوَى مُهْلَةٍ فَاللَّحْدُ أَشْبَهُ بِالْمَهْدِ
وَلِلْمَوْتِ أَسْبَابٌ يَنَالُ بِهَا الْفَتَى / فَمَنْ بَاتَ في نَجْدٍ كَمَنْ بَاتَ فِي وَهْدِ
وَكُلُّ امْرِئٍ فِي النَّاسِ لاقٍ حِمَامَهُ / فَسِيَّان رَبُّ الْعَيْرِ وَالْفَرَسِ النَّهْدِ
وَلَوْلا ارْتِيَاعُ النَّفْسِ مِنْ صَوْلَةِ الرَّدَى / لَمَا عَفَّ عَنْ طِيبِ النَّعِيمِ أَخُو زُهْدِ
فَدَعْ مَا مَضَى واصْبِرْ عَلَى حِكْمَةِ الْقَضَا / فَلَيْسَ يَنَالُ الْمَرْءُ مَا فاتَ بِالْجَهْدِ
وَلا تَلْتَمِسْ مِنْ غَيْرِ مَوْلاكَ هَادِياً / إِذَا اللهُ لَمْ يَهْدِ الْعِبَادَ فَمَنْ يَهْدِي
إِذَا افْتَقَرَ الْمَرْءُ اسْتَهَانَ بِفَضْلِهِ
إِذَا افْتَقَرَ الْمَرْءُ اسْتَهَانَ بِفَضْلِهِ / ذَوُو قُرْبِهِ وَاسْتَهْجَنَتْهُ الأَبَاعِدُ
فَإِنْ قَالَ حَقَّاً كَذَّبُوهُ وَإِنْ أَبى / مُجَارَاتَهُمْ في الْغَيِّ قَالُوا مُعَانِدُ
فَحُجَّتُهُ مَطْلُولَةٌ وَهْيَ حَقَّةٌ / وَمَنْطِقُهُ مُسْتَكْرَهٌ وَهْوَ قَاصِدُ
فَحَافِظ عَلَى مَا نِلْتَ بِالسَّعْيِ مِنْ غِنىً / فَبِالْمَالِ لا بِالْفَضْلِ تَعْنُو الْمَقَاصِدُ
بَلِينَا وَسِرْبالُ الزَّمَانِ جَدِيدُ
بَلِينَا وَسِرْبالُ الزَّمَانِ جَدِيدُ / وَهَلْ لامْرِئٍ في الْعَالَمِينَ خُلُودُ
قَضَى آدَمٌ في الدَّهْرِ وَهْوَ أَبُو الْوَرَى / وَكُلُّ الَّذِي مِنْ صُلْبِهِ سَيبِيدُ
فَلا تَبْكِ مَيْتاً حَانَ يَوْمُ رَحِيلِهِ / فَلِلْمَوْتِ مَا يَمْضِي الْفَتَى وَيَرُودُ
وَلا تَلْتَمِسْ أَمْرَاً يَزِيدُكَ يَقْظَةً / فَلَيْسَ لإِدْرَاكِ اليَقِينِ مَزِيدُ
دَعِ الْفَلَكَ الدَوَّارَ يَجْرِي وَلا تَسَلْ / أَفَوَّزَ كَهْلٌ أَمْ أَهَلَّ وَلِيدُ
فَمَا هَذِهِ الدُّنْيَا وَإِنْ جَلَّ قَدْرُهَا / سِوَى مُهْلَةٍ نَأْتِي لَهَا وَنَعُودُ
تَبُوخُ بِهَا الأَنْفَاسُ وَهْيَ نَسَائِمٌ / وَتَعْفُو بِهَا الأَبْدَانُ وَهْيَ صعِيدُ
فَيَا ضَارِباً فِي الأَرْضِ يَرْتَادُ غَايَةً / رُوَيْدَكَ إِنَّ الْفَوْزَ مِنْكَ بَعِيدُ
دَعِ الذُّلَّ في الدُّنْيَا لِمَنْ خَافَ حَتْفَهُ
دَعِ الذُّلَّ في الدُّنْيَا لِمَنْ خَافَ حَتْفَهُ / فَلَلْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ عَلَى أَذَى
ولا تَصْطَحِبْ إِلَّا امْرَأً إِنْ دَعَوْتَهُ / لَدَى جَمَرَاتِ الْحَرْبِ لبَّاكَ وَاحْتَذَى
يَسُرُّكَ عِنْدَ الأَمْنِ فَضْلاً وحِكْمَةً / ويُرْضِيكَ يَوْمَ الرَّوْعِ نَبْلاً مُقَذَّذَا
فَيَا حَبَّذَا الْخِلُّ الصَّفِيُّ وهَلْ أَرَى / نَصِيباً مِنَ الدُّنْيَا إِذَا قُلْتُ حَبَّذَا
لَعَمْرِي لَقَدْ نَادَيْتُ لَوْ أَنَّ سَامِعاً / ونَوَّهْتُ بِالأَحْرَارِ لَوْ أَنَّ مُنْقِذَا
وَطَوَّفْتُ بِالآفَاقِ حَتَّى كَأَنَّنِي / أُحَاوِلُ مِنْ هذي الْبَسِيطَةِ مَنْفَذَا
فَمَا وَقَعَتْ عَيْنِي عَلَى غَيْرِ أَحْمَقٍ / غَوِيٍّ يَظُنُّ الْمَجْدَ في الرِّيِّ وَالْغِذَا
إِذَا مَا رَأَيْتُ الشَّيءَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ / وَلَمْ أَسْتَطِعْ رَدَّاً طَرَفتُ عَلَى قَذَى
فَحَتَّى مَتَى يَا دَهْرُ أَكْتُمُ لَوْعَةً / تُكَلِّفُ قَلْبِي كُلْفَةَ الرِّيحِ بِالشَّذَا
أَلَمْ يَأن لِلأَيَّامِ أَنْ تُبْصِرَ الْهُدَى / فَتَخْفِضَ مَأْفُوناً وَتَرْفَعَ جهْبذَا
إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالدَّهْرِ خَبْلٌ لَمَا غَدَا / يَسِيرُ بِنَا في ظُلْمَةِ الْجُورِ هَكَذَا
رَمَتْ بِخُيُوطِ النُّورِ كَهْرَبَةُ الْفَجْرِ
رَمَتْ بِخُيُوطِ النُّورِ كَهْرَبَةُ الْفَجْرِ / ونَمَّتْ بِأَسْرَارِ النَّدَى شَفَةُ الزَّهْرِ
وَسَارَتْ بِأَنْفَاسِ الخَمَائِلِ نَسْمَةٌ / بَلِيْلَةُ مَهْوَى الذَّيْلِ عَاطِرَةُ النَّشْرِ
فَقُمْ نَغْتَنِمْ صَفْوَ الْبُكُورِ فَإِنَّهَا / غَدَاةُ رَبِيعٍ زَهْرُهَا بَاسِمُ الثَّغْرِ
تَرَى بَيْنَ سَطْحِ الأَرْضِ وَالْجَوِّ نِسْبَةً / تُشَاكِلُ مَا بَيْنَ السَّحَائِبِ وَالْغُدْرِ
فَفِي الْجَوِّ هَتَّانٌ يَسِيلُ وَفِي الثَّرَى / سُيُولٌ تَرَامَى بَيْنَ أَوْدِيَةٍ غُزْرِ
غَمَامَانِ فَيَّاضَانِ هَذَا بِأُفْقِهِ / يَسيرُ وَهَذا فِي طِبَاقِ الثَّرَى يَسْري
وَقَدْ مَاجَتِ الأَغْصَانُ بَيْنَ يَدِ الصَّبا / كَمَا رَفْرَفَتْ طَيْرٌ بِأَجْنِحَةٍ خُضْرِ
كَأَنَّ النَّدَى فَوْقَ الشَّقيقِ مَدَامِعٌ / تَجُولُ بِخَدٍّ أَوْ جُمَانٌ عَلَى تِبْرِ
إِذَا غَازَلَتْهَا لَمْعَةٌ ذَهَبِيَّةٌ / مِنَ الشَّمْسِ رَفَّتْ كالشَّرَارِ عَلَى الْجَمْرِ
فَفِي كُلِّ مَرْعَى لَحْظَةٍ وَشْيُ دِيمَةٍ / وَفِي كُلِّ مَرْمَى خَطْوَةٍ أَجْرَعٌ مُثْرِي
مُرُوجٌ جَلاهَا الزَّهْرُ حَتَّى كَأَنَّها / سَمَاءٌ تَرُوقُ الْعَيْنَ بِالأَنْجُمِ الزُّهْرِ
كَأَنَّ صِحَافَ النُّورِ والطَّلُّ جَامِدٌ / مَبَاسِمُ أَصْدَافٍ تَبَسَّمْنَ عَنْ دُرِّ
وَقَدْ شَاقَنِي وَالصُّبْحُ فِي خِدْرِ أُمِّهِ / حَنِينُ حَمَامَاتٍ تَجَاوَبْنَ فِي وَكْرِ
هَتَفْنَ فَأَطْرَبْنَ القُلُوبَ كَأَنَّمَا / تَعَلَّمْنَ أَلْحَانَ الصَّبَابَةِ مِنْ شِعْرِي
وَقَامَ عَلَى الْجُدْرَانِ أَعْرَفُ لَمْ يَزَلْ / يُبَدِّدُ أَحْلامَ النِّيَامِ وَلا يَدْرِي
تَخَايَلَ فِي مَوْشِيَّةٍ عَبْقَرِيَّةٍ / مُهَدَّلَةِ الأَرْدَانِ سَابِغَةِ الأَزْرِ
لَهُ كِبْرَةٌ تَبْدُو عَلَيْهِ كَأَنَّهُ / مَلِيكٌ عَلَيْهِ التَّاجُ يَنْظُرُ عَنْ شَزْرِ
فَسَارِعْ إِلى دَاعِي الصَّبُوحِ مَعَ النَّدَى / لِتَجْنِي بِأَيْدِي اللَّهْوِ بَاكُورَةَ الْعُمْرِ
فَقَدْ نَسَمَتْ رِيحُ الشَّمالِ فَنَبَّهَتْ / عُيُونَ الْقَمَارِي وَهْيَ فِي سِنَةِ الْفَجْرِ
وَنَادَى الْمُنَادِي لِلصَّلاةِ بِسُحْرَةٍ / فَأحْيَا الْوَرَى مِنْ بَعْدِ طَيٍّ إِلَى نَشْرِ
فَبَادِرْ لِمِيقَاتِ الصَّلاةِ وَمِلْ بِنَا / إِلى الْقَصْفِ مَا بَيْنَ الْجَزِيرَةِ والنَّهْرِ
إِذَا مَا قَضَيْنَا وَاجِبَ الدِّينِ حَقَّهُ / فَلَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْخَلاعَةِ مِنْ وِزْرِ
أَلا رُبَّ يَوْمٍ كَانَ تَارِيخَ صَبْوَةٍ / مَضَى غَيْرَ إِثْرٍ فِي الْمَخِيلَةِ أَوْ ذِكْرِ
عَصَيْتُ بِهِ سُلْطَانَ حِلْمِي وَقَادَني / إِلى اللَّهْوِ شَيْطَانُ الْخَلاعَةِ وَالسُّكْرِ
لَدَى رَوْضَةٍ رَيَّا الْغُصُونِ تَرَنَّحَتْ / مَعَاطِفُهَا رَقْصاً عَلَى نَغْمَةِ الْقُمْرِي
تَدُورُ عَلَيْنَا بِالْمُدَامَةِ بَيْنَها / تَمَاثِيلُ إِلَّا أَنَّها بَيْنَنَا تَجْرِي
تَرَى كُلَّ مَيْلاءِ الْخِمَارِ مِنَ الصِّبَا / هَضِيمَةِ مَجْرَى الْبَنْدِ نَاهِدَةِ الصَّدْرِ
إِذَا انْفَتَلَتْ فِي حَاجَةٍ خِلْتَ جُؤْذُرَاً / أَحَسَّ بِصَيَّادٍ فَأَتْلَعَ مِنْ ذُعْرِ
لَوَى قَدَّهَا سُكْرُ الْخَلاعَةِ وَالصِّبَا / فَمَالَتْ بِشَطْرٍ واسْتَقَامَتْ عَلَى شَطْرِ
وَعَلَّمَهَا وَحْيُ الدَّلالِ كَهَانَةً / فَإِنْ نَطَقَتْ جَاءَتْ بِشَيءٍ مِنَ السِّحْرِ
أَحَسَّتْ بِمَا فِي نَفْسِهَا مِنْ مَلاحَةٍ / فَتَاهَتْ عَلَيْنَا وَالْمَلاحَةُ قَدْ تُغْرِي
وَأَعْجَبَهَا وَجْدِي بِهَا فَتَكَبَّرَتْ / عَلَيَّ دَلالاً وَهْيَ تَصْدُرُ عَنْ أَمْرِي
فَتَاةٌ يَجُولُ السِّحْرُ فِي لَحَظَاتِهَا / مَجَالَ الْمَنَايَا فِي الْمُهَنَّدَةِ الْبُتْرِ
إِذَا نَظَرَتْ أَوْ أَقْبَلَتْ أَوْ تَهَلَّلَتْ / فَوَيْلُ مَهَاةِ الرَّمْلِ والْغُصْنِ وَالْبَدْرِ
فَمَا زِلْنَ يُغْرِينَ الطلا بِعُقُولِنَا / إِلَى أَنْ سَقَطْنَا لِلْيَدَيْنِ ولِلنَّحْرِ
فَمِنْ وَاقِعٍ يَهْذِي وَآخَرَ ذاهِلٍ / لَهُ جَسَدٌ مَا فِيهِ رُوحٌ سِوَى الْخَمْرِ
صَرِيعٌ يَظُنُّ الشُّهْبَ مِنْهُ قَرِيبَةً / فَيَسْدُو بِكَفَّيهِ إِلَى مَطْلَعِ النَّسْرِ
إِذَا مَا دَعَوْتَ الْمَرءَ دَارَ بِلَحْظِهِ / إِلَيْكَ وَغَشَّاهُ الذُّهُولُ عَنِ الْجَهْرِ
بَعِيدٌ عَنِ الدَّاعِي وَإِنْ كَانَ حَاضِرَاً / كَأَنَّ بِهِ بَعْضَ الْهَنَاتِ مِنَ الْوَقْرِ
تَحَكَّمَتِ الصَّهْبَاءُ فيهِمْ فَغَيَّرَتْ / شَمَائِلَ مَا يَأْتِي بِهِ الْجِدُّ بِالْهَذْرِ
فَيَا سَامَحَ اللهُ الشَّبَابَ وَإِنْ جَنَى / عَلَيَّ وَحَيَّا عَهْدَهُ سَبَلُ الْقَطْرِ
مَلَكْتُ بِهِ أَمْرِي وَجَارَيْتُ صَبْوَتِي / وَأَصْبَحْتُ مَرْهُوبَ الْحَمِيَّةِ وَالْكِبْرِ
إِذَا أَبْصَرُونِي فِي النَّدِيِّ تَحَاجَزُوا / عَنِ الْقَوْلِ وَاسْتَغْنَوا عَنِ الْعُرْفِ بِالنُّكْرِ
وَقَالُوا فَتَىً مَالَتْ بِهِ نَشْوَةُ الصِّبَا / وَلَيْسَ عَلَى الْفِتْيَانِ في اللَّهْوِ مِنْ حَجْرِ
يَخَافُونَ مِنِّي أَنْ تَثُورَ حَمِيَّتِي / فَيَبْغُونَ عَطْفِي بِالْخَدِيعَةِ والْمَكْرِ
أَلا لَيْتَ هَاتِيكَ اللَّيَالِي وَقَدْ مَضَتْ / تَعُودُ وَذَاكَ الْعَيْشُ يَأْتِي عَلَى قَدْرِ
مَواسِمُ لَذَّاتٍ تَقَضَّتْ وَلَمْ يَزَلْ / لَهَا أَثَرٌ يَطْوي الْفُؤَادَ عَلَى أُثْرِ
إِذَا اعْتَوَرَتْهَا ذُكْرَةُ النَّفْسِ أَبْصَرَتْ / لَهَا صُورَةٌ تَخْتَالُ فِي صَفْحَةِ الْفِكْرِ
فَذَلِكَ عَصْرٌ قَدْ مَضَى لِسَبِيلِهِ / وَخَلَّفَني أَرْعَى الْكَواكِبَ في عَصْرِ
لَعَمْرُكَ مَا في الدَّهْرِ أَطْيَبُ لَذَّةً / مِنَ اللَّهْوِ فِي ظِلِّ الشِّبِيبَةِ والْيُسْرِ
بِنَاظِرِكَ الْفَتَّانِ آمَنْتُ بِالسِّحْرِ
بِنَاظِرِكَ الْفَتَّانِ آمَنْتُ بِالسِّحْرِ / وَهَلْ بَعْدَ إِيمَانِ الصَّبَابَةِ مِنْ كُفْرِ
فَلا تَعْتَمِدْ بِالْهَجْرِ قَتْلَ مُتَيَّمٍ / فَإِنَّ الْمَنَايَا لا تَزِيدُ عَنِ الْهَجْرِ
فَلَوْلاكَ مَا حَلَّ الْهَوَى قَيْدَ مَدْمَعِي / وَلا شَبَّ نِيرَانَ اللَّواعِجِ فِي صَدْرِي
وَإِنِّي عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ لَصَابِرٌ / لعِلْمِيَ أَنَّ الْفَوْزَ مِنْ ثَمَرِ الصَّبْرِ
فَلَيْتَ الَّذي أَهْدَى الْمَلامَةَ فِي الْهَوى / تَوَسَّمَ خَيْرَاً أَوْ تَكَلَّمَ عَنْ خُبْرِ
رَأَى كَلَفِي لا يَسْتَفِيقُ فَظَنَّ بِي / هَنَاتٍ وَسُوءُ الظَّنِّ دَاعِيَةُ الْوِزْرِ
وَمَاذَا عَلَيْهِ وَهْوَ خَالٍ مِنَ الْجَوَى / إِذَا هِمْتُ شَوْقَاً أَوْ تَرَنَّمْتُ بِالشِّعْرِ
فَإِنْ أَكُ مَشْغُوفَاً فَذُوا الْحِلْمِ رُبَّمَا / أَطَاعَ الْهَوَى وَالْحُبُّ مِنْ عُقَدِ السِّحْرِ
وَأَيُّ امْرِئٍ يَقْوَى عَلى رَدِّ لَوْعَةٍ / إِذَا الْتَهَبَتْ أَرْبَتْ عَلَى وَهَجِ الْجَمْرِ
عَلَى أَنَّنِي لَمْ آتِ في الْحُبِّ زَلَّةً / تَغُضّ بِذِكْرِي فِي الْمَحَافِلِ أَوْ تُزْرِي
وَلَكِنَّنِي طَوَّفْتُ فِي عَالَمِ الصِّبَا / وَعُدْتُ وَلَمْ تَعْلَقْ بِفَاضِحَةٍ أُزْرِي
سَجِيَّةُ نَفْسٍ آثَرَتْ مَا يَسُرُّهَا / وَلِلنَّاسِ أَخْلاقٌ عَلَى وَفْقِها تَجْرِي
مَلَكْتُ يَدِي عَنْ كُلِّ سُوءٍ ومَنْطِقِي / فَعِشْتُ بَرِيءَ النَّفْسِ مِنْ دَنَسِ الْعُذْرِ
وَأَحْسَنْتُ ظَنِّي بِالصَّدِيقِ وَرُبَّمَا / لَقِيتُ عَدُوِّي بِالطَّلاقَةِ والْبِشْرِ
فَأَصْبَحْتُ مَأْثُورَ الْخِلالِ مُحَبَّبَاً / إِلَى النَّاسِ مَرْضِيَّ السَّرِيرَةِ والْهَجْرِ
فَمَا أَنَا مَطْلُوبٌ بِوَتْرٍ لِمَعْشَرٍ / وَلا أَنَا مَلْهُوفُ الْجَنَانِ عَلى وَتْرِ
رَضِيتُ مِنَ الدُّنْيَا وإِنْ كُنْتُ مثْرِياً / بِعِفَّةِ نَفْسٍ لا تَمِيلُ إِلَى الْوَفْرِ
وَأَخْلَصْتُ للِرَّحْمَنِ فِي مَا نَوَيْتُهُ / فَعَامَلَنِي بِاللُّطْفِ مِنْ حَيْثُ لا أَدْرِي
إِذَا مَا أَرادَ اللهُ خَيْرَاً بِعَبْدِهِ / هَدَاهُ بِنُورِ الْيُسْرِ فِي ظُلْمَةِ الْعُسْرِ
فَيا بْنَ أَبِي وَالنَّاسُ أَبْنَاءُ واحِدٍ / تَقَلَّدْ وَصَاتِي فَهْيَ لُؤْلُؤَةُ الْفِكْرِ
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَحْيَا سَعِيدَاً فَلا تَكُنْ / لَدُوداً وَلا تَدْفَعْ يَدَ اللِّينِ بِالْقَسْرِ
وَلا تَحْتَقِرْ ذَا فَاقَةٍ فَلَرُبَّمَا / لَقِيتَ بِهِ شَهْمَاً يُبِرُّ عَلى الْمُثْرِي
فَرُبَّ فَقِيرٍ يَمْلأُ القَلْبَ حِكْمَةً / وَرُبَّ غَنِيٍّ لا يَرِيشُ وَلا يَبْرِي
وَكُنْ وَسَطاً لا مُشْرَئبَّاً إِلى السُّهَا / وَلا قَانِعَاً يَبْغِي التَّزَلُّفَ بِالصُّغْرِ
فَأَحْمَدُ أَخْلاقِ الْفَتَى مَا تَكَافَأَتْ / بِمَنْزِلَةٍ بَيْنَ التَّوَاضُعِ وَالْكِبْرِ
وَلا تَعْتَرِفْ بِالذُّلِّ فِي طَلَبِ الْغِنَى / فَإِنَّ الْغِنَى فِي الذُلِّ شَرٌّ مِنَ الْفَقْرِ
وَإِيَّاكَ وَالتَّسْلِيمَ بِالْغَيبِ قَبْلَ أَنْ / تَرَى حُجَّةً تَجْلُو بِهَا غَامِضَ الأَمْرِ
ودارِ الَّذي تَرْجُو وَتَخْشَى وِدَادَهُ / وَكُنْ مِنْ مَوَدَّاتِ الْقُلُوبِ عَلَى حِذْرِ
فَقَدْ يَغْدرُ الْخِلُّ الْوَفِيُّ لِهَفْوَةٍ / وَيَحْلُو الرِّضَا بَعْدَ الْعَدَاوَةِ والشَّرِّ
وَفِي النَّاسِ مَنْ تَلْقَاهُ فِي زِيِّ عَابِدٍ / وَلِلْغَدْرِ فِي أحْشَائِهِ عَقْرَبٌ تَسْرِي
إِذَا أَمْكَنَتْهُ فُرْصَةٌ نَزَعَتْ بِهِ / إِلَى الشَّرِّ أَخْلاقٌ نَبَتْنَ عَلى غِمْرِ
وَلا تَحْسَبَنَّ الْحِلْمَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ / وُقُوع الأَذَى فَالْمَاءُ وَالنَّارُ مِنْ صَخْرِ
فَهَذِي وَصَاتِي فَاحْتَفِظْها تَفُزْ بِما / تَمَنَّيْتَ مِنْ نَيْلِ السَّعَادَةِ في الدَّهْرِ
فَإِنِّي امْرُؤٌ جَرَّبْتُ دَهْرِي وَزَادَنِي / بِهِ خِبْرَةً صَبْرِي عَلَى الْحُلْوِ وَالْمُرِّ
بَلَغْتُ مَدَى خَمْسِينَ وَازْدَدْتُ سَبْعَةً / جَعَلْتُ بِهَا أَمْشِي عَلى قَدَمِ الْخِضْرِ
فَكَيْفَ تَرَانِي الْيَوْمَ أَخْشَى ضَلالَةً / وَشَيْبِيَ مِصْباحٌ عَلَى نُورِهِ أَسْرِي
أَقُولُ بِطَبْعٍ لَسْتُ أَحْتَاجُ بَعْدَهُ / إِلى الْمَنْهَلِ الْمَطْرُوقِ وَالْمَنْهَجِ الْوَعْرِ
وَلِي مِنْ جَنانِي إِنْ عَزَمْتُ وَمِقْوَلي / سِرَاجٌ وَعَضْبٌ ذَا يُضيئُ وَذَا يَفْرِي
إِذَا جَاشَ طَبْعِي فَاضَ بِالدُّرِّ مَنْطِقِي / وَلا عَجَبٌ فَالدُّرُّ يَنْشَأُ فِي الْبَحْرِ
تَدَبَّرْ مَقَالِي إِنْ جَهِلْتَ خَلِيفَتِي / لِتَعْرِفَنِي فَالسَّيْفُ يُعْرَفُ بِالأَثْرِ
وَلا تَعْجَبَنْ مِنْ مَنْطِقِي إِنْ تَأَرَّجَتْ / بِهِ كُلُّ أَرْضٍ فَهْوَ رَيْحَانَةُ الْعَصْرِ
سَيَذْكُرُنِي بِالشِّعْرِ مَنْ لَمْ يُلاقِنِي / وَذِكْرُ الفَتَى بَعْدَ الْمَمَاتِ مِنَ الْعُمْرِ
أَبَى الشَّوْقُ إِلَّا أَنْ يَحِنَّ ضَمِيرُ
أَبَى الشَّوْقُ إِلَّا أَنْ يَحِنَّ ضَمِيرُ / وَكُلُّ مَشُوقٍ بِالْحَنِينِ جَدِيرُ
وَهَلْ يَسْتَطِيعُ الْمَرءُ كِتْمَانَ لَوْعَةٍ / يَنِمُّ عَلَيْهَا مَدْمَعٌ وَزَفِيرُ
خَضَعْتُ لأَحْكَامِ الْهَوَى وَلَطَالَمَا / أَبَيْتُ فَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيَّ أَمِيرُ
أَفُلُّ شَبَاةَ اللَّيْثِ وَهْوَ مُنَاجِزٌ / وَأَرْهَبُ لَحْظَ الرِّئْمِ وَهْوَ غَريرُ
وَيَجْزَعُ قَلْبِي لِلصُّدودِ وَإِنَّنِي / لَدَى الْبَأْسِ إِنْ طَاشَ الْكَمِيُّ صَبُورُ
وَمَا كُلُّ مَنْ خَافَ الْعُيُونَ يَرَاعَةٌ / وَلا كُلُّ مَنْ خَاضَ الْحُتُوفَ جَسُورُ
وَلَكِنْ لأَحْكَامِ الْهَوَى جَبَرِيَّةٌ / تَبُوخُ لَهَا الأَنْفَاسُ وَهْيَ تَفُورُ
وَإِنِّي عَلَى مَا كَانَ مِنْ سَرَفِ الْهَوَى / لَذُو تُدْرَأ في النَّائِباتِ مُغِيرُ
يُرَافِقُنِي عِنْدَ الْخُطُوبِ إِذَا عَرَتْ / جَوَادٌ وَسَيفٌ صَارمٌ وَجَفِيرُ
وَيَصْحَبُنِي يَوْمَ الْخَلاعَةِ وَالصِّبَا / نَدِيمٌ وَكَأْسٌ رَيَّةٌ وَمُدِيرُ
فَطَوْرَاً لِفُرْسَانِ الصَّبَاحِ مُطَارِدٌ / وَطَوْرَاً لإِخْوَانِ الصَّفَاءِ سَمِيرُ
وَيَا رُبَّ حَيٍّ قَدْ صَبَحْتُ بِغَارَةٍ / تَكَادُ لَهَا شُمُّ الْجِبَالِ تَمُورُ
وَلَيْلٍ جَمَعْتُ اللَّهْوَ فِيهِ بِغادَةٍ / لَهَا نَظْرَةٌ تُسْدِي الْهَوَى وَتُنِيرُ
عَقَلْنَا بِهِ مَا نَدَّ مِنْ كُلِّ صَبْوَةٍ / وَطِرْنَا مَعَ اللَّذَّاتِ حَيْثُ تَطِيرُ
وَقُلْنَا لِسَاقِينَا أُدِرْهَا فَإِنَّمَا / بَقَاءُ الْفَتَى بَعْدَ الشَّبابِ يَسِيرُ
فَطَافَ بِهَا شَمْسِيَّةً ذَهَبِيَّةً / لَهَا عِنْدَ أَلْبَابِ الرِّجَالِ ثُؤُورُ
إِذَا مَا شَرِبْنَاهَا أَقَمْنَا مَكَانَنَا / وَظَلَّتْ بِنَا الأَرْضُ الْفَضَاءُ تَدُورُ
إِلَى أَنْ أَمَاطَ اللَّيْلُ ثِنْيَ لِثَامِهِ / وَكَادَتْ أَسَارِيرُ الصَّبَاحِ تُنِيرُ
وَنَبَّهَنَا وَقْعُ النَّدَى فِي خَمِيلَةٍ / لَهَا مِنْ نُجُومِ الأُقْحُوانِ ثُغُورُ
تَنَاغَتْ بِهَا الأَطْيَارُ حِينَ بَدَا لَهَا / مِنَ الْفَجْرِ خَيْطٌ كَالْحُسَامِ طَرِيرُ
فَهُنَّ إِلَى ضَوْءِ الصَّبَاحِ نَوَاظِرٌ / وَعَنْ سُدْفَةِ اللَّيْلِ الْمُجَنَّحِ زُورُ
خَوَارِجُ مِنْ أَيْكٍ دَوَاخِلُ غَيْرِهِ / زَهَاهُنَّ ظِلٌّ سَابِغٌ وَغَدِيرُ
تَوَسَّدُ هَامَاتٌ لَهُنَّ وَسَائِدَاً / مِنَ الرِّيشِ فِيهِ طائِلٌ وَشَكِيرُ
كَأَنَّ عَلَى أَعْطَافِهَا مِنْ حَبِيكِها / تَمَائِمَ لَمْ تُعْقَدْ لَهُنَّ سُيُورُ
إِذَا ضَاحَكَتْهَا الشَّمْسُ رَفَّتْ كَأَنَّما / عَلَى صَفْحَتَيْهَا سُنْدُسٌ وَحَرِيرُ
فَلَمَّا رَأَيْتُ اللَّيْلَ وَلَّى وَأَقْبَلَتْ / طَلائِعُ مِنْ خَيْلِ الصَّبَاحِ تُغِيرُ
ذَهَبْتُ أَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً وإِنَّمَا / يَتِيهُ الْفَتَى إِنْ عَفَّ وَهْوَ قَدِيرُ
وَلِي شِيمَةٌ تَأْبَى الدَّنَايَا وَعَزْمَةٌ / تَفُلُّ شَباةَ الْخَطْبِ وَهْوَ عَسِيرُ
مُعَوَّدَةٌ أَلَّا تَكُفَّ عِنَانَهَا / عَنِ الْجِدِّ إِلَّا أَنْ تَتِمَّ أُمُورُ
لَهَا مِنْ وَرَاءِ الْغَيْبِ أُذْنٌ سَمِيعَةٌ / وَعَيْنٌ تَرَى ما لا يَرَاهُ بَصِيرُ
وإِنِّي امْرُؤٌ صَعْبُ الشَّكِيمَةِ بَالِغٌ / بِنَفْسِيَ شَأْواً لَيْسَ فِيهِ نَكِيرُ
وَفَيْتُ بِمَا ظَن الْكِرَامُ فِرَاسَةً / بِأَمْرِي وَمِثْلِي بِالْوَفَاءِ جَدِيرُ
فَمَا أَنَا عَمَّا يُكْسِبُ الْعِزَّ نَاكِبٌ / وَلا عِنْدَ وَقْعِ الْمُحْفِظَاتِ حَسِيرُ
إِذَا صُلْتُ كَفَّ الدَّهْرُ مِنْ غُلَوائِهِ / وَإِنْ قُلْتُ غَصَّتْ بِالْقُلُوبِ صُدُورُ
مَلَكْتُ مَقَالِيدَ الْكَلامِ وَحِكْمَةً / لَهَا كَوْكَبٌ فَخْمُ الضِّيَاءِ مُنِيرُ
فَلَوْ كُنْتُ في عَصْرِ الْكَلامِ الَّذِي انْقَضَى / لَبَاءَ بِفَضْلِي جَرْوَلٌ وَجَرِيرُ
وَلَوْ كُنْتُ أَدْرَكْتُ النُّواسِيَّ لَمْ يَقُلْ / أَجَارَةَ بَيْتَيْنَا أَبُوكِ غَيُورُ
وَمَا ضَرَّنِي أَنِّي تَأَخَّرْتُ عَنْهُمُ / وَفَضْلِيَ بَيْنَ الْعَالَمِينَ شَهِيرُ
فَيَا رُبَّمَا أَخْلَى مِنَ السَّبْقِ أَوَّلٌ / وَبَزَّ الْجِيَادَ السَّابِقَاتِ أَخِيرُ
تَلاهَيْتُ إِلَّا ما يُجِنُّ ضَمِيرُ
تَلاهَيْتُ إِلَّا ما يُجِنُّ ضَمِيرُ / وَدَارَيْتُ إِلَّا مَا يَنِمُّ زَفِيرُ
وَهَلْ يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ كِتْمَانَ أَمْرِهِ / وَفِي الصَّدْرِ مِنْهُ بَارِحٌ وَسَعِيرُ
فَيَا قَاتَلَ اللهُ الْهَوَى مَا أَشَدَّهُ / عَلَى المَرْءِ إِذْ يَخْلُو بِهِ فَيُغِيرُ
تَلِينُ إِلَيهِ النَّفْسُ وَهْيَ أَبِيَّةٌ / وَيَجْزَعُ مِنْهُ الْقَلْبُ وَهْوَ صَبُورُ
نَبَذْتُ لَهُ رُمْحِي وَأَغْمَدْتُ صَارِمِي / وَنَهْنَهْتُ مُهْرِي والْمُرَادُ غَزِيرُ
وَأَصْبَحْتُ مَفْلُولَ الْمَخَالِبِ بَعْدَمَا / سَطَوْتُ وَلِي فِي الْخَافِقَيْنِ زَئِيرُ
فَيَا لَسَرَاةِ الْقَومِ دَعْوَةُ عَائِذٍ / أَمَا مِنْ سَمِيعٍ فِيكُمُ فَيُجِيرُ
لَطَالَ عَلَيَّ اللَّيْلُ حَتى مَلِلْتُهُ / وَعَهْدِي بِهِ فِي مَا عَلِمْتُ قَصِيرُ
أَلا فَرَعَى اللهُ الصِّبَا مَا أَبَرَّهُ / وَحَيَّا شَبَاباً مَرَّ وَهْوَ نَضِيرُ
إِذِ الْعَيْشُ أَفْوَافٌ تَرِفُّ ظِلالُهُ / عَلَيْنَا وَسَلْسَالُ الْوَفَاءِ نَمِيرُ
وَإِذْ نَحْنُ فيما بَيْنَ إِخْوَانِ لَذَّةٍ / عَلَى شِيَمٍ مَا إِنْ بِهِنَّ نَكِيرُ
تَدُورُ عَلَيْنَا الْكَأْسُ بَيْنَ مَلاعِبٍ / بِهَا اللَّهْوُ خِدْنٌ وَالشَّبَابُ سَمِيرُ
فَأَلْحَاظُنَا بَيْنَ النُّفُوسِ رَسَائِلٌ / وَرَيْحَانُنَا بَيْنَ الْكُؤُوسِ سَفِيرُ
عَقَدْنَا جَنَاحَيْ لَيْلِنا بِنَهَارِنَا / وَطِرْنَا مَعَ اللَّذَّاتِ حَيْثُ تَطِيرُ
وَقُلْنَا لِساقِينَا أَدِرْهَا فَإِنَّمَا / بَقَاءُ الْفَتَى بَعْدَ الشَّبَابِ يَسِيرُ
فَطَافَ بِهَا شَمْسِيَّةً لَهَبِيَّةً / لَهَا عِنْدَ أَلْبَابِ الرِّجَالِ ثُؤُورُ
إِذَا مَا شَرِبْنَاهَا أَقَمْنَا مَكَانَنَا / وَظَلَّتْ بِنَا الأَرْضُ الْفَضَاءُ تَدُورُ
وَكَمْ لَيْلَةٍ أَفْنَيْتُ عُمْرَ ظَلامِهَا / إِلَى أَنْ بَدَا لِلصُّبْحِ فيهِ قَتِيرُ
شَغَلْتُ بِهَا قَلْبِي وَمَتَّعْتُ نَاظِرِي / وَنَعَّمْتُ سَمْعِي وَالْبَنَانُ طَهُورُ
صَنَعْتُ بِهَا صُنْعَ الْكَرِيمِ بِأَهْلِهِ / وَجِيرَتِهِ والْغَادِرُونَ كَثِيرُ
فَمَا رَاعَنَا إِلَّا حَفِيفُ حَمَائِمٍ / لَهَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْغُصُونِ هَدِيرُ
تُجَاوِبُ أَتْرَاباً لَهَا فِي خَمَائِلٍ / لَهُنَّ بِهَا بَعْدَ الْحَنِينِ صَفِيرُ
نَوَاعِمُ لا يَعْرِفْنَ بُؤْسَ مَعِيشَةٍ / وَلا دَائِراتِ الدَّهْرِ كَيْفَ تَدُورُ
تَوَسَّدُ هَامَاتٌ لَهُنَّ وَسَائِداً / مِنَ الرِّيشِ فِيهِ طَائِلٌ وَشَكِيرُ
كَأَنَّ عَلَى أَعْطَافِها مِنْ حَبِيكِها / تَمائِمَ لَمْ تُعْقَدْ لَهُنَّ سُيُورُ
خَوَارِجُ مِنْ أَيْكٍ دَوَاخِلُ غَيْرِهِ / زَهَاهُنَّ ظِلٌ سَابِغٌ وَغَدِيرُ
إِذَا غَازَلَتْهَا الشَّمْسُ رَفَّتْ كَأَنَّما / عَلَى صَفْحَتَيْهَا سُنْدُسٌ وَحَرِيرُ
فَلَمَّا رَأَيْتُ الصُّبْحَ قَدْ رَفَّ جِيدُهُ / وَلَمْ يَبْقَ مِنْ نَسْجِ الظَلامِ سُتُورُ
خَرَجْتُ أَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً وَإِنَّمَا / يَتِيهُ الْفَتَى إِنْ عَفَّ وَهْوَ قَدِيرُ
وَلِي شِيمَةٌ تَأْبَى الدَّنَايَا وَعَزْمَةٌ / تَرُدُّ لُهَامَ الْجَيْشِ وَهْوَ يَمُورُ
إِذَا سِرْتُ فَالأَرْضُ الَّتِي نَحْنُ فَوْقَهَا / مَرَادٌ لِمُهْرِي وَالْمَعَاقِلُ دُورُ
فَلا عَجَبٌ إِنْ لَمْ يَصُرْنِيَ مَنْزِلٌ / فَلَيْسَ لِعِقْبَانِ الْهَوَاءِ وُكُورُ
هَمَامَةُ نَفْسٍ لَيْسَ يَنْقِي رِكَابَها / رَوَاحٌ عَلَى طُولِ الْمَدَى وَبُكُورُ
مُعَوَّدةٌ أَلَّا تَكُفَّ عِنَانَهَا / عَنِ الْجِدِّ إِلَّا أَنْ تَتِمَّ أُمُورُ
لَهَا مِنْ وَرَاءِ الْغَيْبِ أُذْنٌ سَمِيعَةٌ / وَعَيْنٌ تَرَى مَا لا يَرَاهُ بَصِيرُ
وَفَيْتُ بِمَا ظَنَّ الْكِرامُ فِرَاسةً / بِأَمْرِي وَمِثْلِي بِالْوَفَاءِ جَدِيرُ
وَأَصْبَحْتُ مَحْسُودَ الْجَلالِ كَأَنَّنِي / عَلَى كُلِّ نَفْسٍ فِي الزَمَانِ أَمِيرُ
إِذَا صُلْتُ كَفَّ الدَّهْرُ مِنْ غُلَوَائِهِ / وَإِن قُلْتُ غَصَّتْ بِالْقُلُوبِ صُدُورُ
مَلَكْتُ مَقَالِيدَ الْكَلامِ وَحِكْمَةً / لَهَا كَوْكَبٌ فَخْمُ الضِّيَاءِ مُنِيرُ
فَلَوْ كُنْتُ فِي عَصْرِ الْكَلامِ الَّذِي انْقَضَى / لَبَاءَ بِفَضْلِي جَرْوَلٌ وَجَرِيرُ
وَلَوْ كُنْتُ أَدْرَكْتُ النُّواسِيَّ لَمْ يَقُلْ / أَجَارَةَ بَيْتَيْنَا أَبُوكِ غَيُورُ
وَمَا ضَرَّنِي أَنِّي تَأَخَّرْتُ عَنْهُمُ / وَفَضْلِي بَيْنَ الْعَالَمِينَ شَهِيرُ
فَيَا رُبَّمَا أَخْلَى مِنَ السَّبْقِ أَوَّلٌ / وَبَزَّ الْجِيَادَ السَابِقَاتِ أَخِيرُ
طَرِبْتُ وَعَادَتْنِي الْمَخِيلَةُ وَالسُّكْرُ
طَرِبْتُ وَعَادَتْنِي الْمَخِيلَةُ وَالسُّكْرُ / وَأَصْبَحْتُ لا يُلْوِي بِشِيمَتِي الزَّجْرُ
كَأَنِّيَ مَخْمُورٌ سَرَتْ بِلِسَانِهِ / مُعَتَّقَةٌ مِمَّا يَضِنُّ بِهَا التَّجْرُ
صَرِيعُ هَوىً يُلْوي بِيَ الشَّوْقُ كُلَّمَا / تَلأْلأَ بَرْقٌ أَوْ سَرَتْ دِيَمٌ غُزْرُ
إِذَا مَال ميزَانُ النَّهارِ رَأَيْتنِي / عَلَى حَسَراتٍ لا يُقَاوِمُها صَبْرُ
يَقُولُ أُنَاسٌ إِنَّهُ السِّحرُ ضَلَّةً / وَمَا هِيَ إِلَّا نَظْرَةٌ دُونَهَا السِّحْرُ
فَكَيْفَ يَعِيبُ النَّاسُ أَمْرِي وَلَيْسَ لِي / وَلا لاِمْرِئٍ فِي الْحُبِّ نَهْيٌ وَلا أَمْرُ
وَلَوْ كَانَ مِمَّا يُسْتطَاعُ دِفَاعُهُ / لأَلْوَتْ بِهِ الْبِيضُ الْمَباتِيرُ والسُّمْرُ
وَلَكِنَّهُ الْحُبُّ الَّذِي لَوْ تَعَلَّقَتْ / شَرَارَتُهُ بِالْجَمْرِ لاحْتَرَقَ الْجَمْرُ
عَلَى أَنَّنِي كَاتَمْتُ صَدْرِيَ حُرْقَةً / مِنَ الْوَجْدِ لا يَقْوَى عَلَى حَمْلِهَا صَدْرُ
وَكَفْكَفْتُ دَمْعَاً لَوْ أَسَلْتُ شُؤُونَهُ / عَلَى الأَرْضِ مَا شَكَّ امْرُؤٌ أَنَّهُ الْبَحْرُ
حَيَاءً وَكِبْراً أَنْ يُقَالَ تَرَجَّحَتْ / بِهِ صَبْوَةٌ أَوْ فَلَّ مِنْ غَرْبِهِ الْهَجْرُ
وَإِنِّي امْرُؤٌ لَوْلا الْعَوائِقُ أَذْعَنَتْ / لِسُلْطَانِهِ الْبَدْوُ الْمُغِيرَةُ والْحَضْرُ
مِنَ النَّفَرِ الْغُرِّ الَّذِينَ سُيُوفُهُمْ / لَهَا فِي حَوَاشِي كُلِّ دَاجِيَةٍ فَجْرُ
إِذَا اسْتَلَّ مِنْهُمْ سَيِّدٌ غَرْبَ سَيْفِهِ / تَفَزَّعَتِ الأَفْلاكُ وَالْتَفَتَ الدَّهْرُ
لَهُمْ عُمُدٌ مَرْفُوعَةٌ وَمَعَاقِلٌ / وَأَلْوِيَةٌ حُمْرٌ وَأَفْنِيَةٌ خُضْرُ
وَنَارٌ لَهَا فِي كُلِّ شَرْقٍ وَمَغْرِبٍ / لِمُدَّرِعِ الظَّلْمَاءِ أَلْسِنَةٌ حُمْرُ
تَمُدُّ يَداً نَحْوَ السَّمَاءِ خَضِيبَةً / تُصَافِحُهَا الشِّعْرَى وَيَلْثِمُهَا الْغَفْرُ
وَخَيْلٌ يَعُمّ الْخَافِقَيْنِ صَهِيلُهَا / نَزَائِعُ مَعْقُودٌ بِأَعْرَافِها النَّصْرُ
مُعَوَّدَةٌ قَطْعَ الْفَيَافِي كَأَنَّهَا / خُدَارِيَّةٌ فَتْخَاءُ لَيْسَ لَهَا وَكْرُ
أَقَامُوا زَمَاناً ثُمَّ بَدَّدَ شَمْلَهُمْ / مَلُولٌ مِنَ الأَيَّامِ شِيمَتُهُ الْغَدْرُ
فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ غَيْرُ آثارِ نِعْمَةٍ / تَضُوعُ بِرَيَّاهَا الأَحَادِيثُ وَالذِّكْرُ
وَقَدْ تَنْطِقُ الآثَارُ وَهْيَ صَوَامِتٌ / وَيُثْنِي بِرَيَّاهُ عَلَى الْوابِلِ الزَّهْرُ
لَعَمْرُكَ مَا حَيٌّ وَإِنْ طَالَ سَيْرُهُ / يُعَدُّ طَلِيقَاً وَالْمَنُونُ لَهُ أَسْرُ
وَمَا هَذِهِ الأَيَّامُ إِلَّا مَنَازِلٌ / يَحُلُّ بِهَا سَفْرٌ وَيَتْرُكُها سَفْرُ
فَلا تَحْسَبَنَّ الْمَرْءَ فِيها بِخَالِدٍ / وَلَكِنَّهُ يَسْعَى وَغَايَتُهُ الْعُمْرُ
سَلِ الْجِيزَةَ الْفَيْحَاءَ عَنْ هَرَمَيْ مِصْرِ
سَلِ الْجِيزَةَ الْفَيْحَاءَ عَنْ هَرَمَيْ مِصْرِ / لَعَلَّكَ تَدْرِي غَيْبَ مَا لَمْ تَكُنْ تَدْرِي
بِنَاءانِ رَدَّا صَوْلَةَ الدَّهْرِ عَنْهُمَا / وَمِنْ عَجَبٍ أَنْ يَغْلِبَا صَوْلَةَ الدَّهْرِ
أَقَامَا عَلَى رَغْمِ الْخُطُوبِ لِيَشْهَدَا / لِبَانِيهِمَا بَيْنَ الْبَرِيَّةِ بِالْفَخْرِ
فَكَمْ أُمَمٍ فِي الْدَّهْرِ بَادَتْ وَأَعْصُرٍ / خَلَتْ وَهُمَا أُعْجُوبَةُ الْعَينِ وَالْفِكْرِ
تَلُوحُ لآِثَارِ العُقُولِ عَلَيْهِمَا / أَسَاطِيرُ لا تَنْفَكُّ تُتْلَى إِلَى الْحَشْرِ
رُمُوزٌ لَوْ اسْتَطْلَعْتَ مَكْنُونَ سِرِّها / لأَبْصَرْتَ مَجْمُوعَ الْخَلائِقِ فِي سَطْرِ
فَمَا مِنْ بِنَاءٍ كَانَ أَوْ هُوَ كَائِنٌ / يُدَانِيهِمَا عِنْدَ التَأَمُّلِ وَالْخُبْرِ
يُقَصِّرُ حُسْنَاً عَنْهُما صَرْحُ بَابِلٍ / وَيَعْتَرِفُ الإِيوَانُ بِالْعَجْزِ وَالْبَهْرِ
فَلَوْ أَنَّ هَارُوتَ انْتَحَى مَرْصَدَيْهِما / لأَلْقَى مَقَالِيدَ الْكَهَانَةِ وَالسِّحْرِ
كَأَنَّهُمَا ثَدْيَانِ فَاضَا بِدِرَّةٍ / مِنَ النِّيلِ تُرْوِي غُلَّةَ الأَرْضِ إِذْ تَجْرِي
وَبَيْنَهُمَا بَلْهِيبُ فِي زِيِّ رَابِضٍ / أَكَبَّ عَلَى الْكَفَّيْنِ مِنْهُ إِلَى الصَّدْرِ
يُقَلِّبُ نَحْوَ الشَّرْقِ نَظْرَةَ وَامِقٍ / كَأَنَّ لَهُ شَوْقاً إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ
مَصَانِعُ فِيهَا لِلْعُلُومِ غَوَامِضٌ / تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْنَ آَدَمَ ذُو قَدْرِ
رَسَا أَصْلُهَا وَامْتَدَّ فِي الْجَوِّ فَرْعُها / فَأَصْبَحَ وَكْرَاً لِلسِّماكَيْنِ وَالنَّسْرِ
فَقُمْ نَغْتَرِفْ خَمْرَ النُّهَى مِنْ دِنَانِها / وَنَجْنِي بِأَيدِي الْجِدِّ رَيْحَانَةَ الْعُمْرِ
فَثَمَّ عُلُومٌ لَمْ تُفَتَّقْ كِمَامُهَا / وَثَمَّ رُمُوزٌ وَحْيُهَا غامِضُ السِّرِّ
أَقَمْتُ بِهَا شَهْرَاً فَأَدْرَكْتُ كُلَّ مَا / تَمَنَّيْتُهُ مِنْ نِعْمَةِ الدَّهْرِ فِي شَهْرِ
نَرُوحُ وَنَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ لِنَجْتَنِي / أَزَاهِيرَ عِلْمٍ لا تَجِفُّ مَعَ الزَّهْرِ
إِذَا مَا فَتَحْنَا قُفْلَ رَمْزٍ بَدَتْ لَنَا / مَعَارِيضُ لَمْ تَفْتَحْ بِزِيجٍ وَلا جَبْرِ
فَكَمْ نُكَتٍ كَالسِّحْرِ فِي حَرَكَاتِهِ / تُرِيكَ مَدَبَّ الرُّوحِ في مُهْجَةِ الذَّرِّ
سَكِرْنَا بِمَا أَهْدَتْ لَنَا مِنْ لُبَابِها / فَيَا لَكَ مِنْ سُكْرٍ أُتِيحَ بِلا خَمْرِ
وَمَا سَاءَنِي إِلَّا صَنِيعُ مَعَاشِرٍ / أَلَحُّوا عَلَيْهَا بِالْخِيَانَةِ وَالْغَدْرِ
أَبَادُوا بِهَا شَمْلَ الْعُلُومِ وَشَوَّهُوا / مَحَاسِنَ كَانَتْ زِينَةَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
فَكَمْ سَمَلُوا عَيْنَاً بِهَا تُبْصَرُ الْعُلا / وَشَلُّوا يَداً كَانَتْ بِهَا رَايَةُ النَّصْرِ
تَمَنَّوْا لِقَاطَ الدُّرِّ جَهْلاً وَمَا دَرَوْا / بِأَنَّ حَصَاهَا لا يُقَوَّمُ بِالدُّرِّ
وَفَلُّوا لِجَمْعِ التِّبْرِ صُمَّ صُخُورِهَا / وَأَيْسَرُ مَا فَلُّوهُ أَغْلَى مِنَ التِّبْرِ
وَلَكِنَّهُمْ خَابُوا فَلَمْ يَصِلُوا إِلَى / مُنَاهُم وَلا أَبْقَوْا عَلَيْهَا مِنَ الْخَتْرِ
فَتَبَّاً لَهُمْ مِنْ مَعْشَرٍ نَزَعَتْ بِهِمْ / إِلَى الْغَيِّ أَخْلاقٌ نَبَتْنَ عَلَى غِمْرِ
أَلا قَبَّحَ اللَّهُ الْجَهَالَةَ إِنَّهَا / عَدُوَّةُ مَا شَادَتْهُ فِينَا يَدُ الْفِكْرِ
فَلَوْ رَدَّتِ الأَيَّامُ مُهْجَةَ هُرْمُسٍ / لأَعْوَلَ مِنْ حُزْنٍ عَلَى نُوَبِ الدَّهْرِ
فَيَا نَسَماتِ الْفَجْرِ أَدِّي تَحِيَّتِي / إِلَى ذَلِكَ الْبُرْجِ الْمُطِلِّ عَلَى النَّهْرِ
وَيَا لَمَعَاتِ الْبَرْقِ إِنْ جُزْتِ بِالْحِمَى / فَصُوبِي عَلَيهَا بِالنِّثَارِ مِنَ الْقَطْرِ
عَلَيْهَا سَلامٌ مِنْ فُؤَادٍ مُتَيَّمٍ / بِهَا لا بِرَبَّاتِ الْقَلائِدِ وَالشَّذْرِ
وَلا بَرِحَتْ فِي الدَّهْرِ وَهْيَ خَوَالِدٌ / خُلُودَ الدَّرَارِي وَالأَوَابِدِ مِنْ شِعْرِي