القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مصطفى صادق الرافعي الكل
المجموع : 40
بنوهُ على تلكَ اللحاظِ الفواتكِ
بنوهُ على تلكَ اللحاظِ الفواتكِ / وصاغوهُ من نورِ الثغورِ الضواحكِ
ومنذُ طووا فيهِ شبابكِ لم يزلْ / تلوحُ عليهِ مسحةٌ من شبابكِ
بناهُ لكِ الباني فلم يلبثِ الهوى / أن اقتادهُ حتى ثوى في جواركِ
سليهِ أهذا قلبهُ صارَ مدفناً / وقبركِ في السوادءِ أم غيرُ ذلكِ
وتلكَ لآلٍ أم أمانيُّ نفسِهِ / وذاكَ ظلامٌ أم همومُ الممالكِ
وضعتِ بيمناهُ فؤاداً فلم يجدْ / سوى ملكهِ ن حليةٍ لشمالكِ
فلا ما بنى كسرى ولا قصرُ جعفرٍ / ولا قصرُ غمدانَ ولا للبرامكِ
كأنَّ قلوباً في غرامكِ أُحرقتْ / فذَوَّبها الصيَّاغُ بينَ السبائكِ
كأنَّ اللآلي المشبهاتِ أزاهراً / فرائدها بعضَ الدموعِ السوافكِ
كأنَّ ظلامَ القبرِ في لَمَعانِها / شعورُ الغواني بينَ حالٍ وحالكِ
كأنَّ سناكِ في دياجيهِ نيَّةٌ / تردَّدُ في قلبٍ طهورٍ مباركِ
كأني أرى تلكَ المآذنَ أيدياً / تشيرُ إلى الأفلاكِ أنكِ هنالكِ
بدائعُ نالتْ من يراعي ولم يكنْ / يراعٌ يباريهِ بتلكَ المسالكِ
وكنَّ على قلبي الجلالةَ والتقى / فأصبحتُ منها بينَ ناسٍ وناسكِ
وصارتْ حياتي للفؤادِ سنابكٌ / فأطلق جوادي ينطلقُ بالسنابكِ
تميلُ بالأفلاكِ مثلي آمالُ
تميلُ بالأفلاكِ مثلي آمالُ / فيُظلمُ أم هذي الحنادسُ أهوالُ
تبوأ عرشَ الشمسِ غصباً وردَّها / لها الغربُ والإظلامُ سجنٌ وأغلالُ
وشد على هذا النهارِ فلم يقفْ / وأطلقَ من ساقِ النعامةِ أجفالُ
وشقَّ لهُ في الأفقِ فانسابَ هارباً / كما انسابَ في بطنِ الجداولِ سَلْسالُ
وذابَ الدجى أن تفزعِ الشمسُ فزعةً / تنيرُ لها من بعدِ ما اسودَّتِ الحالُ
يوصدُ أبوابَ السماءِ وإنما / عليهنَّ من هذي الكواكبِ أقفالُ
ولو كانَ ذا قلبٍ شجيٍّ لظنَّها / مليكاً في هيكلِ الحسنِ تمثالُ
وما خلتُ هذا الكونَ إلا كوجنةٍ / عليها الدُّجى فيما أشبههُ خالُ
فيا شمسُ هل مزّقتِ ثوبكِ عندما / نُكبتِ وهذا الغيمُ في الأفقِ أذيالُ
أم انتشرتْ منكِ الحليُّ لعثرةٍ / وهذا الهلالُ الساقطُ النصفِ خلخالُ
وهل حالَ منكِ الوجدُ فازددتِ صفرةً / وحولكِ من هذي النسائمِ عذالُ
لئن صرتِ معطالاً فكلُّ مليحةٍ / كمثلكِ تمضي للكرى وهيَ معطالُ
تُودِّعُكِ الدنيا وتستقبلُ الدُّجى / كما ودَّعَ الأمَّ الرحيمةَ أطفالُ
وما الليلُ إلا ظلمةُ الهمِّ عندَ من / أقامَ وأوفى من يحبُّهم زالوا
علامَ يطيلُ الليلُ بي من وقوفهِ / فهلْ أنا مما شفًّني الحبُّ أطلالُ
كأني بهذا الليلِ قد كانَ وجهُهُ / لأهلِ الهوى فالاً وقد صدقَ الفالُ
مساكينَ يحتالونَ فيما أصابهم / وفي أمرهمْ دهرٌ كذلكَ يحتالُ
فيا ليلُ خلِّي الصبحَ يهدي نفوسَنا / إلينا فأرواحُ الورى فيكَ ضُلاَّلُ
ولستُ بمكسالٍ تدلُّ وإن تكنْ / فما أقبحَ الوصفينِ سوداءَ مكسالُ
رأَيتُ الهوى والخمر سيين غدرةً
رأَيتُ الهوى والخمر سيين غدرةً / وليسا على قلبي الحزين بسيين
إذا أتوارى يطلبانِ فضيحتي / فتظهر في وجهي ويظهرُ في عيني
تعالي وإن لم تُجملي فترفقي
تعالي وإن لم تُجملي فترفقي / فحسبي أنَّا ساعةَ الموتِ نلتقي
وإن شئتِ أن أبقى وقد أهلكَ الهوى / ذويهِ وإلَّا فأْمرينيَ ألحقِ
وقد كنتُ لا أرضى بدنيا عريضةٍ / فلما دنا يومي رضيتُ بما بقي
وما حيلتي إن لم تكنْ ليَ حيلةٌ / وهل بعدَ ما ترمينَ لحظكِ أتقي
خفي اللهَ ما أقوى على كلِّ نظرةٍ / وألاّ تخافيهِ فرحماكِ واشفقي
ألم يكفِ أن كانتْ خدودكِ فتنةً / لنا فتزينينَ الخدودَ بيشمقِ
وزدت فتونَ الجيدِ حتى تركتني / أموتُ على نوحِ الحمامِ المطوَّقِ
وقد بعثتْ عيناكِ في الحلي نسمةً / فكيفَ انثنتْ عنهُ المعاطفُ ينطقِ
وألقتْ عليهِ من غرامكِ مسحةً / فما انفكَّ مُصفرَّاً حذارِ التفرُّقِ
وتبعدهُ ثدياكِ ثمَّ تضمُّهُ / كدأبِ الهوى في العاشقِ المتملقِ
تعلمتُ منهُ ما توَشيَّ يراعتي / وما كلُّ شعرٍ بالكلامِ المنمقِ
وما القولُ إلا الحظُّ كثرُ من أرى / يظلُّ يهِ يشقى ولمّا يُوَفَقِ
فإن يحسدوني شيمةً عربيةً / فيا ربَّ فحلٍ إن هدرتُ يُنَوَّقِ
وما لهم هاموا وما عرفوا الهوى / فقولي لمن لم يعرفِ العشقَ يعشقِ
وذي عذلٍ لما مررتِ أشارَ لي / فقلتُ لهُ ناشدّتُكَ اللهَ فارفقِ
أرى الروحَ سهماً بينَ فكيكَ مودعاً / فإنْ تتحركُ هذه القوسُ يمرقِ
وداريتهُ حتى إذا قالَ أبعدتْ / عن العينِ قلتُ الآنَ فاسكتْ أو انهقِ
وما الليثُ أقوى مهجةً غيرَ أنني / متى أبصرُ الغزلانَ يمرحنَ أفرقِ
ولي قلمٌ كالنابِ ما زالَ مرهفاً / ولكنْ متى ما مسَّهُ الدمعُ يورقِ
وما أنا من يطوي على الهمِّ جنبهُ / ولكنَّ شيئاً إن عرى البدرَ يمحقِ
رُوَيْدَكِ لا تقضي عليَّ فرُبَّما / رأيتِ بريقَ التاجِ يوماً بمفرقي
وما أخرتني في بني الدهرِ شيمةٌ / بلى ومتى أطلقتُ للسبقِ أسبقِ
ومن كانَ ذا نفسٍ ترى الأرضَ جولةً / فلا بدَّ يوماً للسمواتِ يرتقي
ومهلاً أضئ آفاقها ثمَّ أنطفي / كما أطفأتْ أنفاسَ حبكِ رونقي
أليسَ ليَ القولُ الذي إن نظمتهُ / أو انتثرتْ حباتهُ يتألقِ
وحسبكِ قلبٌ بينَ جنبيَّ شاعرٌ / متى هجستْ أفكارُهُ يتدفقِ
ولن تجدي غيري يقولُ إذا بكى / لعينيكِ ما يلقى الفؤادُ وما لقي
أبيتُ وجنبي ليسَ يحويهِ مضجعُ
أبيتُ وجنبي ليسَ يحويهِ مضجعُ / وبعضُ الذي ألقى من النومِ يُمنعُ
تقلبني الأشواقُ وخزاً كأنني / بكفِّ الهوى ثوبٌ رديمٌ يُرقَّعُ
ولي حاجةٌ في السهدِ والسهدُ قاتلي / بدمعي وبعضُ الموتِ في الماءِ ينقعُ
فيا أيها النُّوَّامُ ما لذةُ الكرى / أما لكم مثلي فؤادٌ وأضلعُ
وكيفِ تنامُ العينُ والقلبُ موجعٌ / وأنّى يصحُّ القلبُ والحسُّ يوجعُ
كأنَّ الهوى نورٌ كأنَّ بني الهوى / كواكبٌ إمَّا جنَّها الليلُ تلمعُ
وما انفكَّ نورُ الحبِّ في كلِّ كائنٍ / ولكن لأمرٍ بعضهُ ليسَ يسطعُ
وما كلُّ مصباحٍ بذي كرباءةٍ / ولا كلُّ إنسانٍ يرى الشمسَ يُوشعُ
ويا شدَّ ما ألقى من الحبِّ وحدهُ / فكيفَ وفي طبعِ الحبيبِ التمنعُ
هل الحبُّ إلا ما ترى من فضيحةٍ / وما المسكُ لولا أنهُ يتضوَّعُ
كأنَّ فؤادي شعلةٌ قد تعلقتْ / بجسمي وطبعُ النارِ في العودِ تسرعُ
وما أنا وحدي من يقولونَ عاشقٌ / ولكنني وحدي الذي يتوجَّعُ
وفي كلِّ عينٍ أدمعٌ غيرَ أنني / لعينيَّ من دونِ المساكينِ أدمعُ
أعينيَ ما دمعي عليَّ بهيِّنٍ / فكم ذا وكم ذا تجزعينَ وأجزعُ
كأنكِ في كلِّ القلوبِ فمن بكى / بكيتِ لهُ والحرُّ بالناسِ يُخدَعُ
أحاطتْ بيَ الأرزاءُ من كلِّ جانبٍ / كأنَّ الرزايا تحتَ جنبيَّ مصرعُ
كأنيَ في الآمالِ زورقُ لجَّةٍ / إذا احتملتهُ كانَ للخفضِ يرفعُ
وما كلُّ من تحنو على الطفلِ أمهُ / ولا كلُّ من تدنيهِ من للثديِ مُرضعُ
فهل ترجعِ الدنيا كما قد عهدتُها / وهل ما مضى من سالفِ العمرِ يرجعُ
ولي في الهوى شمسٌ إذا هيَ اشرقتْ / رأيتُ بها سحبَ الأسى كيفَ تُقشعُ
ولكنْ لحظي أنَّ حظيَ ليلها / ومن ذا يخالُ الشمسَ في الليلِ تطلعُ
كلانا بهِ وجدٌ ولكنهُ الهوى / دلالٌ وهجرانٌ ويأس ومطمعُ
فإن أستبنْ ما أصنعُ اليومَ يأتني / غدٌ بالذي لم أستبنْ كيفَ أصنعُ
مكانكَ يا بدرٌ وإنْ كنتَ واشياً
مكانكَ يا بدرٌ وإنْ كنتَ واشياً / لعلكَ تروي عندها بعضَ ما بيا
مكانكَ يا بدرٌ لأشكوَ حبّها / وتشهدُ عندَ اللهِ عن كنتَ رائيا
مكانكَ لا تعجلْ لتحضرَ ساعتي / فإني أرى ساعاتِ عمري ثوانيا
ويا بدرُ خذ عيني فذاكَ سريرُها / وتلكَ وإن لمْ أدعُها باسمِها هيا
أغارُ عليها أن تقابلَ وجهها / فتنقلَ عنهُ للوشاةِ معانيا
وأخشى عليها من شعاعكَ مثلما / يخافُ على النفسِ الجبانُ المواضيا
فإني أرى جسماً لو أن مدامعي / جرينَ عليهِ أصبحَ الجسمُ داميا
وما عجبي إلا من البدرِ يدعي / تمنع ليلى ثمَّ ألقاهُ عاريا
فيا بدرُ إني موضعُ الصنعِ فاتخذْ / يداً لكَ عندي تلقني الخيرَ جازيا
وذي قبلةُ مني إليها فألقها / على فمها وارجعْ بأنفاسها لِيا
وإن لم يكن في الحسنِ إلا عواذلٌ / فيا بدرُ كنْ خيراً عذولاً وواشيا
أذِع حسنَها في كلِّ أفقٍ تنيرُهُ / وأحصِ علينا ما حيينا اللياليا
كأنَّ الهوى قد خُطّ قبل وجودنا / كتاباً على ما يلبثُ الكونُ باقيا
لهُ البدرُ عنوانٌ وقد امستِ السما / صحائفُ فيهِ والحروفُ الدراريا
وإني قسمتُ الروعَ شطرينِ واحدٍ / بجسمي وشطرٍ عندها لا يرانيا
ولا بدَّ من يومٍ تعودُ لأصلها / فإمَّا بوصلٍ بيننا أو فنائيا
ولم أرَ غيري بعضُهُ خانَ بعضَهُ / فأصبحَ مشغولاً واصبحَ خاليا
بربّكِ يا نفسي وربُّكِ شاهدٌ / أتهنئةٌ كانَ الهوى أم تعازيا
وهلْ ذكرتني هندُ يوماً فأشفقتْ / لما بي وحاكتني بكا أو تباكيا
وهلْ حدثتها نفسُها أنني بها / شديدُ الهوى أو أنني بتُّ ساليا
يكادُ يفيضُ القلبُ من ذكرها دماً / لأكتبَ منهُ في هواها القوافيا
وتذهبُ نفسي حسرةً إن رأيتُها / وأُصرعُ وجداً كلما قالتْ آه يا
ولو أنني أرجو لهانتْ مصائبي / ولكن منها أنني لستُ راجيا
فيا من تجير النومَ مني جفونُها / أجيري إذنْ من ذي الجفونِ فؤاديا
تحرمُ عيني ما لعينيكِ مثلما / تَجَنَّبُ مولاها العبيدُ تحاشيا
وأقسمُ لو تبكينَ يوماً من الهوى / لما كنتُ إجلالاً لجفنيكِ باكيا
أما لي عذرُ في الغرامِ وأعيني / ترى كلَّ شيءٍ فيكِ للحبِّ داعيا
وقد رفعتكِ الناسُ حتى ظننتهم / لأجلكِ يدعونَ النجومَ جواريا
وكم أتصابى فيك حتى كأنما / وجدتكِ حسناً قد تحلتْ تصابيا
فلو سألوني عن أمانيَّ لم أزد / على أن تميتني وأخلقُ ثانيا
بليتُ بهذا الحبِّ أحملهُ وحدي
بليتُ بهذا الحبِّ أحملهُ وحدي / وكلٌّ لهُ وجدُ المحبِّ ولا وجدي
هي الحسنُ في تمثالها وأنا الهوى / فلا عاشقٌ قبلي ولا عاشقٌ بعدي
وفي كلِّ وادٍ للغرامِ بشاشةٌ / فشأني في باريسَ شأني في نجدِ
ولم أنسَ يوماً جئتها ذاتَ صبحة / عليلاً كما هبَّ النسيمُ بلا وعدِ
وكنتَ وكانت والدلالُ يصدُّها / فتبدي الذي أخفي وتخفي الذي أبدي
وما زلتُ حتى كاتمتني قبلةً / على حذرٍ حتى من الحليْ والعقدِ
وكنا كمثلِ الزهرِ يلثمُ بعضهُ / ولا صوتَ للنسرينِ في شفةِ الوردِ
وكانَ فمي فيهِ إليها رسالةً / فسلمها فاها وحمِّلض بالردِ
إذا لم يكنْ عندَ الحبيبةِ لي جوىً / فقولوا لماذا لا يكونُ الجوى عندي
أقولُ لها إذا ساءلتْ كيفَ حالتي
أقولُ لها إذا ساءلتْ كيفَ حالتي / أقلُّ مصابي لوعةٌ أكلتْ قلبي
وعندي وما عندي وهل تجهلينهُ / وأنتِ التي علمتني شغفَ الحبِّ
حنانكِ يا أختَ العصافيرِ خفةً / ويا ضرَةَ الطاووسِ في التيهِ والعجبِ
ويا بانتي ميلي ويا زهرتي انفتحي / ويا نسمةَ الأسحارِ في روضنا هبي
فمالتْ تعاطيني من الثغرِ كوثراً / حسبتُ بهِ حورَ الجنانِ إلى جنبي
فيا رب حسبي ما مضى إنما الدُّ / نا عذابٌ وهذي روحُ عبدكَ يا ربي
على الشمسِ من نسجِ الغمامِ ستورُ
على الشمسِ من نسجِ الغمامِ ستورُ / كما للغواني كلَّةٌ وسريرُ
وتحجبُ ذاتُ الحسنِ لكنَّ حسنها / يدورُ بأهلِ العشقِ حيثُ يدورُ
وبعضُ تكاليفِ الصبى يبعثُ الأسى / فكيفَ وأسبابُ الغرامِ كثيرُ
وفي كلِّ حسنٍ موضعُ الذكرِ للذي / يحبُّ فما يسلو الغرامَ ضميرُ
أراني إذا ألقيتُ للشمسِ نظرةً / كأني إلى وجهِ الحبيبِ أشيرُ
وما رقبتي للصبحِ إلا تعللاً / لعلَ طلوعَ الشمسِ منهُ بشيرُ
ولي زفراتٌ لو تجسمَ حرُّها / لأصبحَ شمساً في الفضاءِ تنيرُ
وإني ليرضيني على القربِ والنوى / إذا فاحَ منهُ في الصباحِ عبيرُ
هما خطتا ذلٍ فإما ارتوى الهوى / وإما صبرنا والكريمُ صبورُ
وأفئدةٌ الإنسانِ كُثر طباعها / وفي الناسِ أعمىً قلبُه وبصيرُ
وإني وإن لم أحتملْ أمرَ معشرٍ / فقلبي على كلِّ القلوبِ أميرُ
وإن أكُ بينَ الواجدينَ ابنَ ساعتي / فما أحدٌ بعدَ القنوعِ فقيرُ
وسيانَ إما أبلغَ لنفسَ سؤلها / كبيرٌ وإن أجللتهُ وصغيرُ
وما دامتِ الأفلاكُ في دورانها / ففيهنَّ من بعدِ الأمورِ أمورُ
وكم ليَ يومٌ دارتِ الشمسُ فوقهُ / وسارتْ عليهِ في الظلامِ بدورُ
لبستُ جناحَ اللهوِ فيهِ ولمْ أزلْ / أرفُّ بهِ حتى لكدتِ أطيرُ
ونالَ الهوى منهُ عرائسَ لذَةٍ / لها الراحُ ريقٌ والكؤوسُ ثغورُ
زمانُ كأنْ قدْ كانَ للهوِ منزلاً / فساعاتهُ للملهياتِ خدورُ
أحذنا على الدهرِ المواثيقَ عندهُ / فأيامهُ للنائباتِ قبورُ
وأحسنُ أيامِ الفتى يومَ لهوهِ / على فطرةِ الأطفالِ وهوَ كبيرُ
وإنَّ همومَ الدهرِ موتٌ لأهلهِ / فما كامَ من لهوٍ فذاكَ نشور
دعِ الشعرَ ما كلَّ امرئٍ يذكرونهُ
دعِ الشعرَ ما كلَّ امرئٍ يذكرونهُ / ببيتينِ أو شيءٍ من القولِ قوالُ
ولو تخلقُ الأشعارُ في الرأسِ لم يكن / برأسكَ إلا القفرُ والشعرُ أغوالُ
رأيتكَ وزّاناً فلفظكَ كلّهُ / قناطيرُ لكنَّ المعاني مثقالُ
وهب للحصى شيئاً تغربلهُ بهِ / فهل لكلام كالحجارةِ غربالُ
إليكَ فانبئهم بأني كفيتهمْ
إليكَ فانبئهم بأني كفيتهمْ / ملامي ويا للهِ كيفَ ألومُ
إذا لم يكن فيهم سوى هذيانهمْ / فإني عليهم بالسكوتِ كريمُ
أضنُّ بلفظي أن يقالَ استحقّهُ / على نزعاتِ الهجوِ منه لئيمُ
وما ضائري أنْ يستعيروا شهادةً / لبعضهم إن النفاقَ قديمُ
وكم تنعقُ الغربانَ لكنَّ بومةً / تقولُ اسمعوا إنَّ الغرابَ حكيمُ
فقلْ للذي يجريهُ نومهُ / مى تلحقُ الساعي وأنتَ مقيمُ
وما دامَ شعرُ القومِ أمسى كما ترى / شعيراً فقل إن الزمانَ بهيم
إِليكِ غصوني يا طيور الحقائقِ
إِليكِ غصوني يا طيور الحقائقِ / ليسمع في ذا الفجر صوت حدائقي
فما إن ارى كالحسن ابدع صامت / يجلُّ بهِ في الشعر ابدعُ ناطقِ
وافخم اصوات الطبيعة راعدٌ / يجلجلُ في الآفاق من حسن بارقِ
فيا خالق الدنيا منىً وحقائقاً / ليعرفهُ أهل المنى والحقائقِ
لقد يبصر المرءُ السما ونجومها / وما في العُلى من معجزات خوارقِ
ويبصر ما أبدعتَ في الأرض كلها / مغاربها القُصوى معاً والمشارقِ
ويبصر ما اجملتَ من متناسب / عجيب وما فصَّلت من متناسقِ
يرى كل هذا ساكن القلب وامقاً / بالحاظه واللحظ حُبُّ المنافقِ
بلى ويرى من كبرهِ كل رائع / ضئيلاً كأن المرءَ في رأس شاهقِ
ولكن متى يبصر بحسناءَ ينتفض / ويستشعر المخلوق هيبة خالقِ
يرى لحظها مسترسلاً في فؤَادهِ / يفكك ما بين المنى من علائقِ
وتغمرهُ من حسنها كل موجة / يميل عليها القلب مثل الزوارقِ
وتملأُهُ شوقاً يطيف بروحهِ / فيُشعرها الإِجلالُ من كل شائقِ
وتتركهُ في الحسّ كالروح نفسها / وكالفكر في ذوق المعاني الدقائقِ
هناك يرى في كل مبتسمٍ ضيا / ينيرُ من الآمال في كل غاسقِ
هناك يرى فجراً لكوكب قلبهِ / وناهيك من نجم على الفجر خافقِ
هناك حواشي الفجر رفَافةُ الندى / تمجُّ رشاش الكوثر المتدافقِ
هناك باقصى الفجر اجملُ مشرقٍ / يرى منهُ نور الله أَجمل شارقِ
لعمري لقد كانت لحواءَ فطنة / وكان أبونا آدمٌ غير حاذقِ
قضى قبل ان يمضي من الخلد ساعةً / وليس بهِ الاَّ اهتمام المُفارقِ
بئيسٌ على ما كان مكتئب لما / يكون بصدر واهن الصبر ضائق
فلم يغتنم من ساعة لم تَعُد لهُ / وكان بها من ساعة جِدَّ واثقِ
ولكن حواءَ الجميلة أسرعت / خواطرها كالبارق المتلاحقِ
رأت انها جفَّت على قلب آدم / ولمَّا تزل في ظل فنينان وارقِ
فكيف اذا ما غادرا الخلد بتَّةً / وعاد عليها آدم عود حانقِ
وهبَّت اعاصير الجدال وانشأت / سحائبهُ يرمينها بالصواعقِ
وكانت ترى في جنة الخلد جوهراً / يسمونهُ في الخلد قلب المعانقِ
ولما اتى وقت الخروج وعرّيا / سوى الحلة الخضراء دون المناطقِ
مشى آدمٌ يشكو لها متباطئاً / ولكنها زمَّت فماً غير ناطقِ
فأَعجبهُ منها السكوت ولم تكن / لتسكت في شيءٍ سكوت موافقٍ
وظن بها من روعة الحزن حكمةً / تبصّرها في امر هذي العوائقِ
ولو فتحت فاها الملائكُ عندها / لكانت رأَت فيهِ جريمة سارقِ
فقد اخذت حواءُ جوهرة الهوى / وفازت بحظ في المحبة فائقِ
فحين رآها آدم في ابتسامها / رأَى الحب ابهى ما يكون لرامقِ
ومرَّ بعينيه الشعاع وسحرهُ / يريهِ الهوى احلام يقظان صادقِ
ففي القبلة الاولى درى حاضر المنى / وفي القبلة الأخرى نسي كل سابقٍ
لذاك نرى حب الجواهر فطرة / لكل النسا معدودة في الخلائقِ
وما برحت آثار جوهرة الهوى / تلألأُ في كل ابتسامٍ لعاشقِ
من الصدع في قلبي غداةَ تهدَّما
من الصدع في قلبي غداةَ تهدَّما / سمت نظراتُ الروح خلفك للسما
رأَيتك نوراً في علاها كأَنهُ / شعاعٌ لمصباح الجنان قد انتمى
عليه ابتسامُ الأمِّ في وجه طفلها / ولألأةُ اللحظين لما توسما
فلو ترسل الارواح في الجوِّ نورها / عرفتكِ بالنور الذي قد تبسما
أنا منك بين العالَمين كأَنني / أُشكك في الدنيا فما هي منهما
أراها خلاءً منكِ الاَّ محامداً / وآثار فضل حيةً وترحما
وقبراً أرى تلك المقابر كعبةً / وذاك بها الركن الكريم المعظما
امرُّ عليها خاشعاً مثلمساً / وأَحنو عليهِ خاضعاً متسلما
وألثمُ ترباً حين مستهُ أَدمعي / بروح البكا صلى عليك وسلما
بذا الدمع من هذا الفؤَاد محبة / أذاعت بهِ سرَّ الحياة المكتما
فلو اذن الله التراب غدا بها / فؤَاداً وصارت ذي الدموع بهِ دما
ولما استباحت موطن الصبر لوعتي / وقارع سيفُ الحزم حتى تثلما
وقفتُ فكانت وقفة العمر في الردى / على نَفس أَلقى بهِ وتصرَّما
وبين ضلوعي زفرتان من الأَسى / تثيهان في صدري فما بلغا الفما
كأَنهما خيطان بالقلب علقا / فان صعدا يصعد وان هبطا ارتمى
وارعدُ وَهناً كالجناح تهزُّهُ / حمامتهُ في عطفها مذ تحطما
وخيّل لي أن الفضاءَ يدور بي / وأَن طريقي مدَّ في الجوِّ سلما
فيا لهفتاكم عبرةٍ قد تردَّدت / بصدري ولو كانت بطودٍ تأَلما
تنفسُّ في قلبي فتلهبهُ اسى / وتذكيهِ اشجاناً تحرقهُ ظما
بكيتُ فأَلفيتُ البكاءَ كأَنهُ / حقيقةُ موت تستحيل توهما
وأوريتُ زندَ الدهر قدحاً فلم تزل / صواعقهُ حتى استنيرتُ وأَظلما
وكادت ترى عيناي في سحب ادمعي / متى ارتجفت برقاً من النار مضرَما
فيا دمع ايام الحداثة ليتني / حفظتك للبؤسى لقد كنت أَنعما
وكنت ندى فجري فمن لي بالندى / اذا الجوُّ من شمس الحياة تحدَّما
بكاءٌ بكيناهُ وصرنا لِضحكنا / فأَرَجعنا نبكي عليهِ تندُّما
جزعتُ ولولا أنَّ مثلكِ في النسا / قليلٌ لعاتبتُ الزمان المذمما
وكنت أَقول الارضُ صارت مآتماً / عليكِ لو أنَّ الارض تصلح مأتما
وما تسعُ الدارُ التي صار أَهلها / بطرفة عين يبلغون الى السما
ولو كان فيها للنفوس حقيقةٌ / لما كان يبقى ذلك الموتُ مبهما
وأَبغضتُ فيكِ الليل من أَجلِ كوكبٍ / على ظلمات الحزن فيهِ تبسما
وغاضبتُ فيكِ الروض من أَجل طائر / على أَدمع الأَنداءِ فيهِ ترنما
ولو أَن هذا الحزن علم لبثهُ / فؤَاديَ في الدنيا لكي تثعلما
فيا مَن لأَمرٍ لا يرَدُّ اذا مضى / ولا عِوَضٌ منهُ وان كان أَعظما
أذَلتُ لهُ دمعي الاَبيَّ وان يكن / أَعزَّ من الدنيا عليَّ واكرما
ولو بذلوا لي كلَّ بحر بدمعة / على الأرض عدَّت همتي الدمع مأثما
ولكنني ابكيك بالأعين التي / رأت طلعة الدنيا ابتسامك والفما
ومن كان مولوداً بأُمينِ فليلم / على جزعي وليرمني كيفما رمى
مضى والتقى نجمين في أفق جَدَّا
مضى والتقى نجمين في أفق جَدَّا / وخلَّفني من نورهِ أنا والمجدا
فإن ابكهِ تنهلَّ للشعر مطرةٌ / على كل أرض تفجرُ البرق والرعدا
وإن أرث من أوصافه هبت الصبا / مع الشمس ترمي في اشعتها وردا
ثكلتُ يراعي ان تركت على الشجى / ضنى كبدٍ لم استجدَّ لهُ وجدا
وما هو شعري يوم ينتثر البكا / اذا لم اساقط من لآلئهِ عقدا
ولا هو شعري يا أبي ان تركتهُ / ولم تحفظ الأيام منهً لك الحمدا
بكيتك بل نفسي فوالله ان أرى / بيومك إلاَّ ركن نفسي قد انهدا
بموتك قد مات لقلبي مواعدٌ / من الدهر كان الصبرُ من بينها وعدا
فيا موثق الدنيا بآمالهِ اتئد / فما غيرُ هذي النفس تحكمها شدَّا
ويا طالب الأيام صفواً أما ترى / ليومك ما يبيضُّ إلا ليسودَّا
تجزئنا الأيام في حركاتها / فإن تركت فرداً فقد أخذت فردا
فيا ليت هذا الموت يأتي بمرَّةٍ / ولكن لأمرٍ ما أعاد وما أبدى
وأولُ موتِ الحيّ موتُ حبيبهِ / وكالفقد وجدانٌ طوى تحتهُ فقدا
يعيش الفتى بعد الحبيب كأنهُ / بقي خطأً مما يرى نكداً عمدا
وما يعرف المفجوعُ طالت حياتهُ / أفي عيشهِ ما امتدّ أم موتهُ امتدَّا
كأن همومي من فراق احبتي / على قدر ما بيني وبينهم بعدا
أبيما أبي لو اسكن الله في الثرى / ملائكةً لاستحدثوا عندهُ ودَّا
ولو طلبت عيناك في الارض مشبهاً / مثالاً سماويًّا لا شبههُ جدَّا
هدًى يفجرُ الليل الدَّجوجيّ سمته / فما كان الاَّ طلعةَ الفجر أو أهدى
وعلمٌ اذا رجَّافهُ انحلّ نوءهُ / رأى الناس معنى مايسمونهُ رشدا
ومن زهر نور الله في روض قلبهِ / حديث لهُ لا اثم فيهِ ولا حقدا
يرى حاضروهُ أنما هو مسجدٌ / بما أُلبست اخلاقهُ الطهر والزُّهدا
فيا موتُ ما قدَّمتَ منهُ لربهِ / سوى زهرة في كف خالقها تندَى
واروع في عليا معدٍّ اذا اعتزَى / وفي النَّفر الغرّ الكرام اذا عدّا
ترى الجبل الراسي بمثل وقارهِ / رسا فسما فاستجمع الخلُق الصَّلدا
تروعك منهُ هيبةٌ عمريةٌ / وحسبك من امسى لهُ عمر جدَّا
وما هي الاَّ عن نزارِ ويعرُبٍ / حبا بطلٌ جعدٌ بها بطلاً جعدا
فجاءَ كنصل السيف يهتزُّ مصلتاً / يدالله منهُ وحدها سنَّت الحدَّا
كما اعتصرتهُ انفسٌ عربيةٌ / رماحاً وأسيافاً وألسنة لدا
فمن يلقهُ يلق الزمان بملئهِ / جحا جحةَ بل ملئهِ حسباً عدَّا
ومن يتأملهُ يميناً وشمأَلاً / رأى ههنا مجداً ومن ههنا مجدا
ومن كان في التاريخ لحدُ جدودهِ / تجدهُ من التاريخ قد ورث المهدا
وكم شيمة كالعضب منهُ انتضيتها / وألغيتها في غيرهِ طبعت غمدا
بما بلغت نفسُ الفتى يعرف الفتى / وذو الجدّ ان يهزل فما ان عدا جدَّا
وفي الناس ابطال ترى الفرد منهمُ / وحيداً ومن اخلاقهِ حشد الجندا
ولن تبصر الليث الغضنفر في امرىءٍ / اذا لم تشاهد انفساً خلقت أُسدا
على أنهُ أندى حناناً من الندى / واعطفُ من رد النسيم اذا ردَّا
وما كنت ادري اهوَ في برده اغتدى / ام الملك البسامُ قد لبس البردا
وما قبلهُ للحب قبلٌ عرفتهُ / ولا بعدهُ اُلفي لذاك الرضا بعدا
وللروح عيش من وجوه تحيطها / فوجه يرى بؤساً ووجه يرى رغدا
واشهد ما في الارض من صنع ربها / كقلب اب برٍّ يحبُّ بهِ الولدا
فلولا حنانُ الوالدين لما رأى / بنو الارض شيئاً يعقلون بهِ الخلدا
ومن حبِّ آباءِ الصغار صغارهم / تعوَّدُ روح الطفل ان تسكن الجلدا
ولو نظر القومُ الغلاةُ لأيقنوا / معادَهُم ما دام آباؤهم مبدا
نعاك لسان الغيب في مسمع التقى / من البضعة الغراء يقصدها قصدا
يؤذنها في مطلع الفجر مخبراً / بموت ابيها وهي تسمعُ ما اهدى
فلولاك لم ترجع الى الارض رجعةٌ / تذكرها جبريل والوحيَ والعهدا
وان ذكروا ندًّ لعلمك في الورى / فلن يذكروا في هذه أبداً ندَّا
على فضلك البرهان جاءَت بهِ السما / ففي الأرض من هذا يطيق لهُ جحدا
ويا ابتي إن الوداع لغايةٍ / أكدُّ إليها الدهرَ في سيرهِ كدا
ومن اركبته الأرض انعمها انتهى / بحيث انتهى من يركب العيشةَ النكدا
بدائرة الاعمار شرقٌ ومغربٌ / ولكن يسمى ذاك نحساً وذا سعدا
ومن حيثما يممت نحو محيطها / تراهُ على كل الجهات ارتمى سدا
خلقنا بارض كوّرت وتقلبت / فمهما يدُر فيها فمنقلبٌ ضدَا
عليك سلامُ الله ما بين روحهِ / وقبركَ يمضى من رواح إلى مغدى
ويا خيرَ مولًى انت ارحمُ رحمةً / واكرمُ من تجزي مكارمهُ عبدا
طريدة بؤس ملَّ من بؤسها الصبر
طريدة بؤس ملَّ من بؤسها الصبر / وطالت على الغبراءِ ايامها الغبرُ
وكانت كما شاءت وشاءَ جمالها / كما اشتهت العليا كما وصف الشِعرُ
تلألأُ في صدر المكارم درَّةُ / يحيط بها من عقد انسابها درُّ
تقاسمتِ الحسن الالهيَّ وانثنى / يقاسمها فالامر بينهما امرُ
فللشمس منها طلعة الحسن مشرقاً / وفيها من الشمس التوقد والجمرُ
وللزهر منها نغمة الحسن عاطراً / وفيها ذبول مثلما ذبل الزهرُ
وللظبي منها مقلتاها وجيدها / وفيها من الظبي التلفُّت والذعرُ
وما الحرب الاَّ ديمة دموية / اذا دنست روح الورى فهيَ الطهرُ
وما الحرب الاَّ غضبة الله لامست / مخازيَ هذا الدهر فانفجر الدهرُ
ففي كل نفس غصة ما تسيغها / وفي كل قلب كسرة ما لها جبرُ
وما لوت الأسياف في الأرض عروةً / من البغض إلاَّ والرؤُوس لها زرُّ
وكم قيل إنسانية ومحبة / وعلم وتمدين وأشباهها الكثرُ
تغيرت الدنيا فهل هي زُورُ
تغيرت الدنيا فهل هي زُورُ / أمِ الفلكُ الدوّار ليس يدورُ
رماها نفاق السيف في شر غضبةٍ / تلظَّى بأحقاد الورى وتضورُ
تمجُّ شرارا يضرمُ الماءَ والثرى / ويشوي طيورَ الجوّ وهي تطيرُ
شرارة نيران العقول وانما / شرارة نيران العقول شرورُ
تجهَّم يوماً وجه غليومَ وانزوى / فما في وجوه العالمين سرورُ
ولا ضحِكٌ في الارض الاَّ ابتسامة / لها القاضباتُ اللامعاتُ ثغورُ
وأبرأَ داءَ الحب في كل منزع / من البغض داءٌ لا يُساغ مريرُ
فللشعب من شعبٍ وللأَخ من اخ / ولليثلا ظبي الكناس نفورُ
وما انبثَّ ما بين الورى من علائقٍ / ففيهنَّ لا في الغانيات فتورُ
أَغِن اظلمت في وجه غليوم عبسةٌ / تغشت بها الدنيا فليس تنيرُ
وعادت حداداً للثواكل داجياً / ومنها على اقمارهنَّ ستورُ
وفي كل ارض يقشعرُّ ترابها / على ظلها فالكون أجرد بورُ
فياسورة لو أن غليوم رازها / ولكنّ شيطان الملوك جسورُ
أزاحت عمود الأرض عن مستقرهِ / فكادت الى مهوى الفناء تصيرُ
بضرب هامات المغاوير عندهُ / أهنَّ حديد ام فهنَّ صخورُ
ونارٍ يُحَمُّ الدهرُ من لفحاتها / فللدهر منها رعدة وحرورُ
بها اخترع الخلق الضعافُ جهنماُ / لأَنفسهم بئس الغرورُ غرورُ
لقد صهر الانسان من كل معدن / وباءَ بسرّ النار وهو خبيرُ
وناظرَ من صَنع الطبيعة ما ابتغى / وابدع صنعاً ليس منهُ نظيرُ
فلم يرَ الاَّ معدِن الروح معدناً / لصنع حلَى الاملاك حين تجورُ
فَوَيلُهَا حرباً ضراراً زَريةً / بها كل دين للأنام كفورُ
ترى الموت غير الموت فيها وكيف لا / واول مقتول هناك ضميرُ
قليلٌ لعمري ما جنى الناس بينهم / ولكنما قتلُ الضمير كثيرُ
وزادت بحور الارض بحراً ملوّناً / من الدم جمر قاعهُ وسعيرُ
تدفَّع في تيَّاره وعُبابهِ / يمدُّ على امطارها ويمور
وكم صبّ فيهِ للمدامع جدول / وكم هبّ فيهِ للقلوب زفيرُ
وتجري بهِ سُفُنٌ من الهام عُوَّمٌ / مرافئها في الساحلين قبورُ
تمدُّ عليها كالمجاذيف اذرع / وكل سواريها هناك نحورُ
اغليوم اذللت المعالي فلم تزل / على بابك العالي لهنَّ عثور
اذا جنحوا للسلم زلزلتها لهم / زئيراً بهِ حلق الليوث جديرُ
على خطبٍ يندى لروض بيانها / ضباب من البارود فهو مطيرُ
قوارعُ سوءٍ يُشعر الموتَ لذعها / وليس لمن يرمي بهنّ شعورُ
كأنك للمريخ في الارض مرصد / بهِ كل حين للحروب نذيرُ
وقد يبدع الله الملوك بقوة / لتهلك مما يبدعون عصور
أليس عجيباً ان نرى الحسن زينة / وما كان لولا الحسن قطُّ فجورُ
تصرصر كالبازي ومن ساسة الورى / لديك عصافير لهنَّ صفيرُ
حواليهمو ظلُّ السلام وبردهُ / وحولك لفح محرق وهجيرُ
وغرَّك من لهو الشعوب تغافلٌ / رخيٌّ على لذاتهنَّ طريرُ
رياحينُ في جد الحياة وهزلها / لهم روضة من عيشهم وغديرٌ
انافت عليهم منك دوحةُ نقمة / بها للمنايا الحائمات وُكورُ
واثمارها هامٌ واغصانها الظبى / ومن زهرها ذاك الرصاص نثيرُ
وكل الذي في ارضهم من مدافع / لجذعك يا روح القتال جذورُ
فلما استطار الشر طار جنونهم / وعفَّت على تلك الامور امورُ
وكم من شعوب كلما مسَّها الصدا / جلاهنَّ من نار الحوادث كيرُ
واضرمتها في الارض حتى تلاطمت / عليك بهاتيك الجيوش بحورُ
ورى الغيظ منها كل صدر فاقبلت / وليس بها قلب عليك صبورُ
فجعتهمو في العز والخدر والهوى / وجيشك في هذي الفعال شهيرُ
هو الجيش لولا ان فيهِ شجاعةً / تساوت حصون عندها وخدورُ
يزفُّ زفيق الجنّ في فلواتها / لهن هرير منكر وهديرُ
ويقتل حتى العهد منهُ مجندلٌ / ويأسر حتى الحق فيه اسيرُ
واحميتهم بالظلم حتى توقَّدوا / وما منهمو الاَّ اشمُّ فخورُ
اذا استنجد القلبَ الحميَّ ابن همةٍ / لما همّ لم يعسر عليهِ عسيرُ
فجاؤا يُرجُّون البلاد كأنهم / زلازل والمدنُ الحصينة دورُ
بكل كميّ عندهُ الموت ميتٌ / وفي همهِ امر الحياة حقيرُ
جنود يرون الحق بعض سلاحهم / فمن حربهم نارٌ عليك ونورُ
مدافعهم فيها سعير صدورهم / فكلُّ حديدٌ مضرم وصدورُ
واسيافهم غضبى يطير فرندها / كالحاظهم في البأس حين تدورُ
ومنهم على ظهر التراب ضراغمٌ / ومنهم على متن السحاب نسورُ
جرى الحقد في مجرى الدمامن عروقهم / وثارت بهم غلفَ القلوب ثؤرُ
فان جرحت منهم سيوف عداتهم / فبالشُّعل الحمرِ الجراحُ تفورُ
وبَدأة شر لم تكن فابتدأتها / كأنك فيها اول واخيرُ
واصغرتها والشر في بطن امهِ / ولمَّا تلدهُ لو علمتَ كبير
ولم تخشَ ما يخشى اللبيب فراسة / ولم تتبصَّر واللبيب بصيرُ
مطامعُ خلتَ الدهر فيهنَّ خادماً / كأنك مولًى والزمان أجيرُ
زعمتَ لها في غيب ربك اعيناً / فلما اجتليناها اذا هي عورُ
وتحسب سيف الله سيفك ضلَّةً / ولله سيف ليس منهُ مجيرُ
وقلت رسول للزمان ومن ترى / من الأنبيا ذو لبدتين هصورُ
رسول ولكن بالعذب لدهرهِ / وعزريل منهُ صاحب وسفيرُ
ووحيك تتلوهُ المدافع اذ لها / اصابع من تلك السيوف تشيرُ
ومزّقت للاسلام والشرق دولة / تملَّى بها ملكٌ وسرّ سريرُ
لقد كان عون الله فيها ونصرهُ / ففارقها مذ قيل انت نصير
تمكنت من عرنينها فاستقدتها / بحبلي بلاءٍ قائد ووزيرُ
واطفأتَ ماضيها بطلعة انورٍ / فيا انور لم يبق في اسمك نورُ
وحين سما للحق جيش مرفرفُ / وجيشك ذيَّال الجناح كسيرُ
فررت فراراً كل ذنبك عندهُ / وان كان ملء المغربين صغيرُ
عساك طوال الحرب قد كنت نائماً / ولم ترَ ليلاً في الصباح يغورُ
واوفيتها خمسين شهراً ونيفاً / وأنت على عرش الوساد أميرُ
ولم تخرب الدنيا ولكن رأيتها / كذلك في حلم وأنت قريرُ
فلما مسحت النوم قمت مهنئاً / يلاقيك من وجه الصباح بشيرُ
فيا عبرة لم تشهد الأرض مثلها / وللأرض أجيال خلت ودهورُ
بغليوم بالألمان بالعلم بالغنى / أضيفت لتاريخ الخراب سطور
وكم حار عشاقٌ ولا مثل حيرتي
وكم حار عشاقٌ ولا مثل حيرتي / إذا شئت يوماً أن أسوء حبيبي
وهل لي قلب غير قلبي يسوؤه / ويأخذ لي في الكبرياء نصيبي
ألا ليت لي قلبين قلب بحبه / مريض وقلب بعد ذاك طبيبي
ويا ليت لي نفسين من رئم روضة / ألوف ومن ذي لبدتين غضوب
وكيف بقلب واحد أحمل الهوى / عجيباً على طبعي وغير عجيب
فواللَه إن الحب خير محاسني / وواللَه إن الحب شر عيوبي
تحير قلبي وهو ممتلئ بها
تحير قلبي وهو ممتلئ بها / كما يملأ ناظرها ظلا
بأي مكان فيه قد حل شخصها / وأي مكان شخصها فيه ما حلا
ألا يا نسيم الفجر سلم على فجري
ألا يا نسيم الفجر سلم على فجري / فقد غاب في الليل الطويل من الهجر
تضيء الليالي بالنجوم وبدرها / وليل الجفا من غير نجم ولا بدر
وقفت وماذا أستطيع بوقفتي / حسيراً وأقدار الغرام بنا تجري
أدور بعيني نحو كل شعاعة / على الأفق في نجم أو الأرض في زهر
فيا ويح قلبي ماله حن كلما / تراءى له شبه انتسام على ثغر
متى يا حبيب القلب هجرك ينتهي / ومن أول الأيام فيه انتهى صبري
ألا يا نسيم الفجر إن جزت في الربى / خفيا كتسليم الحبيبة في سر
وقامت عذاراها للقياك تنثني / دلالاً وتيهاً في غلائلها الخضر
وفتح نوار الغصون جفونه / وفيها البقايا الناعسات من السحر
وأصبحت كالسلوى ترفرف نازلاً / سلاماً على قلب الغدير أو النهر
فجئني بسر الزهر والماء والندى / لعلي بها أطفي جوى الحب في صدري
وبي زهرة في جانب النيل قد نمت
وبي زهرة في جانب النيل قد نمت / فرف عليها إذ يروح وإذ يغدو
لطافته في طبعها الحب والرضا / وتياره في طبعها الهجر والصد
ويحكي وفاء النيل فيض وعودها / ويا شد ما ينحط من بعدها الوعد
وفي زمن تصفو علي كما صفا / وفي زمن ما من تكدرها بد
وواللَه ثم اللَه إن حلاوة / من النيل للعينين في فمها تبدو
وإني وإياها على ظمإ الهوى / أنا الفم هذا الهوى وهي الخد

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025