القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 76
أُراقِب من طَيْفِ البخيلةِ مَوعداً
أُراقِب من طَيْفِ البخيلةِ مَوعداً / وهان عليها أن أبيتَ مُسهَّدا
أبَى الليلُ إسعادي وقد طالَ جُنْحُه / فما هدأتْ عيني ولا طَيفُها اهتدَى
فبات برَعْيِ النّجمِ طَرْفي موكّلاً / وبات لذيذُ النومِ عنّي مُشَرَّدا
وهل هي إلا مُهجةٌ يَطْلُبونَها / فإن أرضَتِ الأحبابَ فَهْي لهم فِدى
أأحبابَنا كم تَجْرحون بهَجْرِكم / فؤاداً يَبيتُ الدّهرَ بالهَمِّ مُكْمَدا
إذا رُمتُمُ قَتْلي وأنتم أحِبّةٌ / فماذا الّذي أخشَى إذا كنتُمُ عِدا
سأُضمِرُ في الأحشاء منكم تَحرُّقاً / وأُظهِرُ للواشين عنكم تَجَلُّدا
وامَنَعُ عَينْي اليومَ أن تُكثِرَ البُكا / لتَسلمَ لي حتّى أراكُم بها غَدا
فهل أنت يا صاحِ الغداةَ مُعرِّجٌ / لنُحييَ عهداً أو نُحَيِّيَ مَعْهَدا
حَنَنْتُ فأَسِعدْني ليومٍ لعلّه / يُضَيَّضُ فيه أن تَحِنَّ فأُسِعدا
وما الدّهرُ إلا ما تَرى فمتى علَتْ / يَدٌ لك في دُنْياكَ فاصنَعْ بها يَدا
دَعُوا الصَّبَّ يَشْفِي العينَ منكم بنَظرةٍ / فلا بُدَّ للمشتاقِ أن يَتَزوَّدا
ولا يَطْمَعُ المَغرُورُ أن أدَعَ الهَوى / وإنْ لامني فيه الخَلِيُّ وفَنّدا
فليس يُبالي بالمَلامِ مَتَيَّمٌ / إذا كان مَن يَهواهُ بالوَصْلِ مُسْعِدا
كما لا يَخافُ الدَّهرَ مُلْكٌ غدا له / وَلِيُّ أميرِ المؤمنين مُؤيِّدا
أَعز ملوكِ الأرضِ نَفْساً ومَعشراً / وأعظَمُ أهلِ الدّهرِ مَجْداً وسْؤددا
تَرى منه مَلْكاً عظَّم اللهُ شَأنَه / فعِصْيانُه غَيٌّ وطاعتُه هُدى
مَهيباً إذا لم تَلْقَهُ البيِضُ سُجَّداً / من الناسِ ألقَتْ هامَها البيِضُ سُجّدا
هوالشّمسُ في العَلْياهوالدّهرُفي السُّطا / هوالبَدْرُفي النّادي هو البحرُ في النَدى
وإنّ أُلوفاً تُصطفَى من محاسنٍ / إذا ما حَواها واحدٌ كان أوحَدا
هنيئاً لكَ الفَتْحُ الّذي سار ذِكْرُه / فغارَ بآفاقِ البلادِ وأنْجدا
تَرْكْتَ به شَمْلَ العُداةِ مُفَرَّقاً / وعَهْدَ المنايا بالعُصاةِ مُجَدَّدا
سَما لكَ من صَحْنِ العراقِ زَعيمُهم / يَقودُ جُموعاً تَمْلأُ الأرضَ حُشّدا
وقد فرَّق الكُتْبَ اللِّطافَ مَواعِداً / وروّع بالجيشِ الكثيفِ تَوعُّدا
وما كَذِبُ الأقلامِ هادِمَ دولةٍ / بَناها لكم صِدْقُ السُّيوفِ وشَيّدا
ولا جَمْعُ أهلِ الأرضِ ينفَعُهم إذا / بنَصْرِكُمُ ربُّ السماءِ تَفَرّدا
طلَعْتَ أمامَ الجيشِ في ظلِّ رايةٍ / نظامّيةٍ يَلْقَى بها المُلْكُ أسْعُدا
مُعوَّدةٍ ألا تَزالَ بنَجْمِها / رَجيماً إذا شيطانُ شَغْبٍ تَمَرّدا
فلم تَلْقَ حَرْباً منذُ أوّلِ عَقْدِها / فعاودتْ ولم تَمَلأْ من الظّفَرِ اليَدا
فلمّا التقَى الخيلانِ أمرحتَ نحْوَهم / خُطا كُلِّ طَيّارِ القوائم أجْرها
بقومٍ إذا ثار العَجاجُ تَهافَتُوا / إلى شَفَراتِ البِيضِ مَثْنَى ومَوْحدا
تَهافُتَ مَبْثوث الفَراشِ وقد رأى / سَنا النّارِ في قِطْعٍ من اللّيلِ أسْودا
فجاؤوا وقد سدُّوا الفضاءَ وسدَّدوا / قناً بين آذانِ الجِيادِ مُسَدَّدا
فلمّا رأوا أن قد أصابوا صدَمْتَهم / كما رُعْتَ رألاً بالقِسيِّ فخَوَّدا
فأضْحوا وقد هاجُوا أُسوداً ضَوارياً / وأمسَوا وقد عاجُوا نَعاماً مُطَرَّدا
وكلُّ له في أوَّلِ الشّوطِ مَرْحَةٌ / ولكنْ يَبيِنُ السّبقُ في آخِرِ المَدى
أسَلْتَ لهم مّدَّ النّهارِ فَوائراً / من الطّعنِ تَثْنِي ناظرَ الرُّمحِ أرمدا
فما غابَ شمْسُ الأفْقِ إلا ومِن دَمٍ / بَدا شَفَقٌ قانٍ به الأفُقُ ارتدى
فلولا طلامٌ يَرقَع النَقْعُ خَرْقَهُ / لأمسَتْ حِياضُ المَوْتِ للقوم مَوردا
وقد حُقِنَتْ منهم بقايا دِمائهم / بأنْ راح سيفُ الشّمسِ في الغَرْبِ مُغْمَدا
وبات سوادُ اللّيلِ لمّا أظَلّهم / هوىً بسوادِ العَيْنِ والقلبِ يُفْتَدى
عَجِبتُ لقومٍ قد أراغوا لِمَطْلَبٍ / مَعاداً ولما يَحَمْدوا منه مُبْتَدا
ألم يَشْهدوا بالأمسِ منك نِكايةً / سقَتْ حَتْفَه منهم هُماماً مُمَجَّدا
فتىً كان أشَقى النّاسِ إذ كنتَ خَصْمَهُ / وإن غَلِطَ المُسْمِي فَسَمّاهُ أسْعَدا
فَبيْنا يَسوسُ النّاسُ مَلْكاً مُعظّماً / تَحَّولَ حتّى خَرَّ شِلْواً مُقَدَّدا
وقام لك الأقبالُ يَهتِفُ مُنْشِداً / أصابَ الرَّدى مَن كان يَهْوى لك الردى
هُناك ترَكتَ المُلْكَ منهم مَطَلّقاً / وغادرْتَ شَمْلَ التّرْكِ عنهم مُبَدَّدا
فإن لم يُطيقوا في مَغيِبك مِنْعةً / فِلمْ حاولوا أن يَشهدوا لك مَشْهَدا
وإذْ راع منك الاسْمُ فانهزموا له / فكيف رجَوا صَبْراً وشَخْصُك قد بدا
لقد أسْأَرَتْ فيهم ظُباك صُبابةً / فأولىَ لهم إن عاد أطرافَها الصَّدى
خُلِقْتَ حميدَ البَدْءِ في كلّ مَوقِفٍ / فإنْ عُدْتَ يوماً كان عَوْدُك أحْمَدا
فحتّى متَى يَصْلَى ببأسِك خائن / منَ الجهلِ في آيات مُلكِكَ ألحَدا
يُداوي له كَسْراً بكَسْرِ ضَلالهِ / كفىً وغدا للنّارِ بالنّارِ مُخْمِدا
ويَجْمَعُ طولَ العامِ شَمْلاً لعَسْكرٍ / وتَجْعلُه في ساعةٍ مُتَبَدِدّا
إذا ظَلَّ مَن طَوَّقْتَه البِرَّ جاحِداً / عَقدتَ مكانَ الطَّوقِ منه المُهَنّدا
إذا جَرَّدَ الباغي أمامَك سَيْفَه / تَقطَّر مَقْتولاً بما هو جَرَّدا
قَدِمْتَ معَ الشّهْرِ الشّريفِ مُظَفَّراً / فهُنّئْتَ عَهْديْ قادِمَيْنِ تَجَدَّدا
فكُلُّ فَمٍ للنُسكِ صامَ منَ الوَرى / وكلُّ فؤادٍ بالمَسرّةِ عَيّدا
فعِشْ ما رنا طَرفُ الظّلامِ مُكَحَّلا / ودُمْ ما بدا خَدُّ الصّباح مُورَّدا
نَصْرتَ غياثَ الدّينِ بالهِمّةِ الّتي / كَفاهُ بها للنّصْرِ جُنْداً مُجَنّداً
وأصبَحْتَ سُدّاً عالياً دونَ مُلْكِه / وأصبحَ مُلْكٌ لستَ راعيَه سُدى
لِذا المُلْكِ كانَتْ ذي الوِزارةُ تُقتنَى / وإن غاظَ أعداءً فثاروا وَحُسّدا
قضَى اللهُ هذا الأمْرَ يومَ اصطحَبْتُما / فكنتَ أبا بَكْرٍ وكان مُحَمّدا
فلا زال يَجْلو ناظِرُ الدّهرِ منكما / سنَا فَرقدٍ آخَى من اللّيلِ فَرْقَدا
ولا زال للمَولىَ الشهيدِ تَحيّةٌ / من اللهِ ما ناحَ الحَمامُ وغَرّدا
ولا زِلت في عَرْضِ العَبيدِ مُوفَّقاً / لمدْحكَ عُمْري أن أقولَ وتَنْقُدا
وقالتْ لك العلياءُ أحسَنْتَ نائلاً / فأحسَنَ تَقْريظاً وجُدْتَ فَجَوَّدا
سلا حاديَ الأنضاء أين يريدُ
سلا حاديَ الأنضاء أين يريدُ / وهذا وقد كلَّ المَطِيُّ زرودُ
رِياضٌ كدِيباجِ الخدودِ نَواضِرٌ / وماءٌ كسَلْسالِ الرُّضابِ بَرود
فمِيلوا إليها بالمطايا فَدُونَنا / تهائمُ يُطْوَى عَرْضُها ونُجود
وفي ذلك الوادي العَقيقّيِ ظَبيةٌ / تُصادُ ظباءُ القاع وهْي تَصيد
من القاتلاتِ الصَّبَّ بالهَجْرِ في الهوى
من القاتلاتِ الصَّبَّ بالهَجْرِ في الهوى / وما لِقتيلِ الغانياتِ مُقيد
فإمّا تَريْنِي قد جزِعْتُ لبَينِكُم / فإنّي على ريْبِ الزّمانِ جليد
ومِمّا شجاني أن عفَتْ مِن ديارِها / معاهِدُ لم تُذْمَمْ لهُنَّ عُهود
وألقَتْ بياضاً في سوادِي بمَرِّها / من الدّهرِ بِيضٌ مايَنِين وسُود
ويَأْبَى جديدُ الدهرِ أن يُعدمَ البِلى / عليه وحاشا وُدَّكنَّ جديد
وماضٍ منَ الأيّامِ أمَّا ادِّكارُهُ / فدانٍ وأمّا عهْدُه فَبعيد
إذا ذَكرتْه النَّفْسُ فاضَتْ مدامِعٌ / وعاد المُعنَّى للصَّبابةِ عِيد
أُهوِّنُ خطْبَ النّاظِرَيْنِ فإنّما / هما اثْنانِ كلٌّ بالدُّموعِ يجود
ولكنّما أَرْثي لقلبي فإنّه / يُلاقِي جُنودَ الهمِّ وهوْ وحيد
خليليَّ ضاف الشَّوقُ رحْلِيَ طارِقاً / فهَبَّتْ قلوبٌ والعُيونُ رُقود
وأقبَل زَوْرٌ طافَ في نَعْسةِ السُّرى / وأعناقُنا فوق الرّكائبِ غِيد
خيالٌ تَجلَّى آخِرَ الليَّلِ وجْهُه / فصَحْبِي إليه في الرِّحالِ سُجود
وقد لاحَ للسّاري من الصُّبْحِ ساطِعٌ / أمالَ خِباءَ الليّلِ منه عَمود
أقولُ وتحت الرَّكْبِ تخْتَلِسُ الخُطا / ضوامِرُ أشباهُ الأزِمَّةِ قُود
إذا زُرْتِ بي بابَ الوزيرِ وأُلقِيَتْ / بمُنتَجَعِ الآمالِ عنكِ قُتود
أَعدْناكِ عزّاً والإباضُ ذوائبٌ / لأيدِيكِ منّا والسَّريحُ خُدود
فِسِيرِي إلى أكنافِ أبيضَ ماجِدٍ / مَغانيهِ روْضٌ للعُفاةِ مَجود
إلى ظِلِّ مَلْكٍ بالمعالي مُتَوَّجٍ / له الأرضُ دارٌ والأنامُ عبِيد
يُقَلِّدُهم طوْقيْ نجيعٍ ونائل / إذا شاء بأْسٌ من يديْهِ وجُود
ولمّا رأَينا العَدْلَ ولنّى كأنّه / بأطْرافِ آفاقِ البلادِ شَريد
وقد رفَعَتْ سِجْفَ الخطوبِ حوادثٌ / وباحَتْ بأسرارِ المَنونِ غُمود
ففي كُلِّ شِبْرٍ بالخِلافِ خوارج / وفي كُلِّ أرضٍ للغُواةِ جُنود
ولا مَلِكٌ تُنْهَى إليه ظُلامَةٌ / ولا وزَرٌ يأْوِي إليه طَريد
تَجرَّدَ لُطْفُ اللّهِ من بَعْدِ فتْرةٍ / كذاك لإمْهالِ البُغاةِ حُدود
وقام نصيرُ الدِّينِ ضامِنَ نَصْرِه / على حينَ شيطانُ الضَّلالِ مَريد
فظلَّتْ عيونُ الخَلْقِ وهْي قريرةٌ / وأصبَح ظِلُّ الأمْنِ وهْو مديد
فقُلْ للرَّعايا يشْكرُوا لزمانِه / فمُرتقَبٌ للشّاكرِين مَزيد
فقد عادتِ الدُّنيا لنا مُستَقيمةً / بأَرْوعَ سهْمُ الرَّأْيِ منه سديد
وأَصبَح هذا المُلكُ من بَعْدِ عُطْلِه / زماناً ومِلْءُ الجِيدِ منه عقود
يُدبِّرُهُ سَعْدٌ وأَثْبَتُ قائمٍ / على الدّهرِ أَمْرٌ دبَّرتْه سُعود
وما كان إلاّ دُرّاً انْحَلَّ سِلْكُه / إلى أن أعاد النَّظْمَ منه مُعِيد
فتىً كَمُلتْ فيه المَحاسِنُ كلُّها / فلم يبْق فيه ما يَعيبُ حَسود
وساد كُفاةَ المُلْكِ قِدْماً بفَضْلِه / وذو النَّقْصِ إذ تخْلو الديارُ يسود
وما نال مُلْكاً بالمُنَى ولربّما / تَنبَّهُ للقومِ النِّيامِ جُدود
ولكنْ بطُولِ الخوضِ في غمَراتها / وبطْشُ المنايا بالرِّجالِ شَديد
ومهْزوزةِ الأعطافِ سُمْرٍ كأنّها / إذا خطَرتْ للنّاعماتِ قُدود
وخوّاضةٍ ماءَ الرِّقابِ من العِدا / لها صَدرٌ ما ينْقَضِي وورُود
وخيْلٍ كعِقْبانِ الشُّرَيفِ مُشيحةٍ / عليها الكُماةُ الدّارِعون قُعود
سِهامٌ لمَنْ يَحْمِلْنَهُ يومَ نجْدةٍ / وأما لِمَنْ يطْلُبْنَه فَقُيود
فَقُلْ للعِدا هذا بدِيءُ عِقابِه / فإنْ سَرَّكم ما تعْلمون فعُودوا
أما راعكُم يومٌ جلافيه بأْسَه / فكادتْ له الأرضُ الفَضاءُ تَميد
ومُستَدْرِجُ الأعداءِ من تحت حِلْمِه / فيَفْترشون الأمنَ وهْو يَكيد
ستَعلمُ أبناءُ الشِّقاقِ إذا انتَهى / مدى حِلْمِه ماذا بِذاك يُريد
إليكَ حثَثْنا السُّفْنَ والعِيسَ فارتَمتْ / غِمارٌ بأصحابي تُخاضُ وبيد
كأنّا نُبارِي الشُّهْبَ في كُلِّ قُنَّةٍ / فمِنّا هُبوطٌ تارةً وصُعود
وما النّجمُ أعْلى من صِحابي مَحلَّةً / ونحن إلى سامِي ذُراك وُفود
وإنّ امْرأً في النّاسِ يتْعَبُ عاجِلاً / ويَعلمُ عُقْبَى أمرِه لسَعيد
وَلِيتُ بأرْجانَ القضاءَ ولم أكنْ / عرَفْتُ بها أنّ الخُطوبَ شُهود
وقد كنتُ أرضَى بالقليلِ قناعةً / زماناً لرِيحِ الفضلِ فيه رُكود
فأمّا إذا ما عنَّ بحْرٌ لِوارد / فلا عُذْرَ أن يعلُو الوُجوهَ صَعيد
نعَمْ نُوَبٌ أَلْوَتْ بما قد حَويْتُه / فلم يبْقَ منه طارِفٌ وتليد
سِوى أملٍ عَلَّقْتُه بِكَ راحِلاً / ومن أين للآمالِ عنك مَحيد
إذا أنت سُدْتَ الناسَ في ظِلَّ دولةٍ / وأورقَ منها بالمُنَى لك عُود
فبِتْ ساهِراً وامْلأْ عُيونَهمُ كرىً / إذا شِئْتَ أن تحْيا وأنتَ حَميد
وما المالُ إلاّ للمعالي ذَريعةٌ / ولا الذِكْرُ إلاّ للكِرامِ خُلود
ودُونَك فاسْمَعْ من ثنائي بديعةً / تُقِيمُ مع الأيّامِ وهْي شَرود
وما حِليةُ الأملاكِ مِمّا أَصوغُه / سِوى دُرَرٍ أسماؤهُنَّ قصيد
تَجيءُ على سَومِ الأراذلِ رذْلةً / وإنْ هِيَ قِيلتْ في الجَوادِ تجود
بقِيت ولا أبقَى الردى لك كاشحاً / فإنّك في هذا الزَّمانِ فَريد
عُلاك سِوارٌ والممالكُ مِعْصَمٌ / وجُودُك طوْقٌ والبَرِيّةُ جِيد
تَجلَّتْ فقلْتُ البدرُ لولا عُقودُها
تَجلَّتْ فقلْتُ البدرُ لولا عُقودُها / وماسَتْ فقلتُ الغصْنُ لولا نُهودُها
وظَلّ نساءُ الحّيِ يَحسُدْنَ وجهَها / ولا خيرَ في نُعميَ قليلٍ حَسودها
عَشِيّةَ أبدَتْ عن رياضِ محاسنٍ / فلم يَدْرِ سَرْحُ اللّحظِ كيفَ يَرودها
ومِن دونها زُرْقُ الأسنّةِ شُرَّعٌ / إذا وردَتْها العَينُ ظلّتْ تَذودها
غَدتْ وحديدُ الهِندِ حادي جِمالِها / وقِيدَتْ بأشطانِ الرُّدَيْنّيِ قُودها
وقد سارتِ الأحداجُ من بطْنِ وَجْرةٍ / وأَدنَى ديارِ الحّيِ منها زَرودها
ببِيضٍ وليس البِيضُ إلاّ لِحاظُها / وسُمْرٍ وليس السُّمْرُ إلاّ قُدودها
وما بَرِح الألحاظُ يَجني كَليلُها / علينا وبيضُ الهندِ يَنْبو حَديدها
عَجبتُ لذاتِ الخالِ أنَّى تَقلّدتْ / دماءً وَحَمْلُ العِقْدِ مِمّا يؤودها
تَمُدُّ أمامَ السِربِ للرّكْبِ جيدَها / فللّهِ من وَحشيّةٍ ما نَصيدها
نظرتُ وأقمارُ الخدورِ طَوالعٌ / وقد أَتلعَتْ بِيضَ السّوالفِ غِيدها
فلم أر كالألحاظِ لولا نُبوُّها / ولم أرَ كالأجيادِ لولا صُدودها
ومهما حدا الحادي بسُعْدَى ففي الكَرى / مُعيدٌ على رَغْمِ الفراقِ يُعيدها
عقيلةُ حيٍّ راكِزينَ رِماحَهم / إلى حُلَلٍ تَحْمِي مَهاها أُسودها
مُمنّعةٌ حاطتْ عليها رِماحَها / ولو قَدرتْ خيطتْ عليها جُلودها
إذا ما اجتَلْينا ما أَسرّتْ حِجالُها / تَجلَّى علينا ما أَسرَّتْ غُمودها
وقد زاد أشواقي إليكم حَمائمٌ / وما كنتُ أدرِي أنّ شيئاً يَزيدها
مُطوّقةٌ من زُرْقةِ الفجرِ قُمْصُها / وَمن حُلْكةِ اللّيلِ البهيمِ عُقودها
ولو قد أعارَتْ حين شاقَتْ إليكمُ / جناحاً به تُطْوَى على النّأْيِ بِيدها
تَقلّدت منها مِنّةً يَغْتدِي لها / مدَى الدّهْر في طَوقَيْنِ جيدي وجيدها
ومن عُدَدِي للشّوقِ عَينٌ إذا بكَت / جَرت عَبْرةٌ لا يُستطاعُ جمُودها
فلا مطَرتْ إلاّ لليْلَى عِهادها / ولا سُقيَتْ إلاّ بَدْمعيِ عُهودها
وما كُنتُ وَفّيتُ الصِّبا كُنْهَ حَقِّه / وأيّامَه حتّى تَقضَّي حَميدها
فلمّا انقضَى عَجْلانَ قلتُ لصاحبي / ألا هل له من عَودةٍ نَستعيدها
وبُدِّلتُ من سوداءَ تُهوَى على البِلَى / بِبيضاءَ مشْنوءٌ إلينا جَديدها
وكم ذا تُرى يَبْقَى سَوادِي بحالِه / إذا اختلفَتْ بِيضُ اللّيالي وسُودها
وخُوصٍ طَويْنَ البِيدَ وهْي طلائحٌ / تَرامَى بها أغوارُها ونُجودها
يُباري نجومَ اللّيلِ طَوراً هُبوطُها / معَ الفَلَكِ الأعْلى وطَوراً صُعودها
وجُزْنا جِبالاً مِلْؤُها كُلُّ ماردٍ / على صَعْبةٍ أعيَتْ على مَنْ يَقودها
رُماةُ سهامٍ لا تُمَدُّ قِسيُّها / وفُرسانُ خيلٍ لا تُشَدُّ لُبودها
فتلك جلاميدٌ بهنّ قِتالُها / وتلكَ شَناخِيبٌ عليها قُعودها
ستَرجِعُ والأطوادُ شِيبٌ فُروُعها / ركائبُ سارتْ وهْي جُرْدٌ خُدودها
وما بيَ من طُرْقِ تَشيبُ جِبالُها / ولكنْ لأيّامٍ يَشيبُ وَليدها
رحَلْنا عنِ القومِ اللّئام نجائباً / تُشَدُّ بشَكْواهم وتُلْقَى قُتودها
وعنْديَ لو أَطلقتُ عنها سَوائرٌ / أَوابدُ إلاّ أنّ حِلْمِي قُيودها
ومَن عَبد الأطماعَ ذُلاً فإنّنا / لَمُستَعْبِدوها عِزّةً لا عَبيدها
كفى حَزناً أَنّى تَبرّضْتُ نُطْفةً / من العيشِ لم يُبْلِلْ لساني وُرودها
وحاسِدُها يَرمِي بُمقْلةِ أَحْولٍ / فَيزدادُ في عَينَيْهِ ضِعْفاً عَديدها
نُفوس من الشّنْآنِ أضحَتْ مريضةً / فقد جَعَلتْ أفكارُ سَوءٍ تَعودها
وما غَرَّ منّي القومَ حتّى تَألّبوا / سوى غَيْبتي عن رِحلةٍ هُم شُهودها
فلمّا رأَى الحُسّادُ حُسْنَ وِفادتي / على السُّدّةِ العلياءِ فُتّتْ كُبودها
وقالوا سَديدَ الحضرة اختَرتَ صاحباً / فقلْتُ لهم خيرُ السّهامِ سَديدها
رَميتُ به الأغراضَ حتّى أَصبْتُها / وحتّى دنا منّي الغداةَ بَعيدها
له شِيمةٌ لم يُعْطِها اللّهُ غيَرهُ / من النّاسِ حتّى ظَلّ وهْو وَحيدها
يَزيدُ بإفْراطِ التّواضُعِ رفْعةً / وتلك مَعالٍ في مَعالٍ يَشيدها
ويَعلَمُ عِلْمَ الحّقِ أنْ ليس قبْسَةٌ / من النّارِ يُخشَى الدّهرَ منها خُمودها
ويَحفَظُ أموالَ الممالكِ حِفْظَها / وأُخْرَى يَدٌ يُرضِي الرّعيّةَ جُودها
رأَى مَلِكُ الدنْيا اختصاصَكَ بالّتي / تُذيبُ لها أكبادَ قومٍ حُقودها
وقال رَسولُ اللّهِ يُوسُفُ ولّنِي / خزائنَها تُحفَظْ لديَّ حُدودها
وولاّك سلطانُ الأنامِ ولم تَسَلْ / وهاتِيكَ عُلْيا لا يُطاقُ جُحودها
وأَشْرفُ ما ولّي الملوكُ وِلايةٌ / تُريدُ المُولَّي لا المُولَّي يُريدها
فللّهِ مَيْمونُ النّقيبةِ ما انتمَى / إلى دولةٍ إلاّ وأَورقَ عُودها
فأصبح يَحمِي قُبّةَ المُلْكِ نُصْحُه / وآراؤهُ من أنْ يَميلَ عَمودها
له ساحةٌ لم يَنتَثِرْ حَبُّ مُزْنةٍ / كما تَتوالَى كُلَّ يومٍ وُفودها
إشارتُه العلياءُ للنّاسِ قِبلةٌ / إليها هوىً يُضحِي ويُمسِي قُصودها
فطَوراً لأرماحِ الكُماةِ رُكوعُها / وطَوراً لأقلامِ الكُفاةِ سُجودها
نَمتْهُ إلى أعلَى ذُؤابةِ سُؤْددٍ / من العَجَمِ البِيض المناسيبِ سِيدها
ملوكٌ سمَتْ عَلْياؤها وجدودها / كما كَرُمَتْ آباؤها وجُدودها
غدتْ سادةَ الدُّنيا على حينِ عِزّها / وراحَتْ وكُلُّ الخافقَيْنِ مَسودها
وما نِيلَ من أُمنيّةٍ ومَنّيةٍ / سِوى ما أتاهُ وعْدُها ووَعيدها
بكُلِّ يدٍ لولا نَداها وجُودها / على النّاسِ ما سَرَّ الكريمَ وُجودها
أخو كَرمٍ تَتلو المقالَ فعالُه / سريعاً كما يتلو بُروقاً رُعودها
وأَعطافُهُ تَهتَزُّ حقَّ اهتزازِها / إذا راحَ مَخْلوعاً علينا بُرودها
كأنّ علينا رَوضةً من ثنائهِ / إذا ظلَّ يُمناهُ سماءً تَجودها
هو الشّمسُ والعافون أَقمارُ أفْقهِ / تُجِدُّ وتُبْلِي النُّورَ ممّا يُفيدها
بأزمانِ نُوشَرْوانَ فاخرَ أَحمدٌ / نَبِيُّ الهُدى لمّا تلاقَتْ سُعودها
وأَيّامُ نُوشَرْوانَ في حَقِّ أَحمدٍ / كتلكَ سواءٌ شِيبُها وجَديدها
فَخُذها قوافٍ ما تزالُ لحُسْنِها / تَسيرُ بآفاقِ البلادِ شَرودها
يَلَذُ لأسماعِ الكرامِ قَريضُها / ويَحْلو بأفواهِ الرُّواةِ نَشيدها
أَتَتْكَ بها نَفْسٌ إليكَ مَشوقةٌ / لها حُرْمتاها قَصْدُها وقصيدها
ولا زلْتَ في دُنيا يُقيمُ نَعيمُها / ولا زلتَ في نُعْمَي يَدومُ مزيدها
وتَحْوِي بها الذِكْرَ الجميلَ ابنَ خالدٍ / فما الذكْرُ للأحرارِ إلا خُلودها
إليك وقد طوّفْنَ في الأرضِ بُرْهةً
إليك وقد طوّفْنَ في الأرضِ بُرْهةً / أَمَلْنا رقابَ العيسِ بالرَّكبِ وُفَّدا
فعُدْ بالذي عَوَّدْتَنا من كرامةٍ / فخَيْرُ خِلالِ المرء ما كان عَوّدا
وزِدْنا يَزِدْك اللهُ يا أكرمَ الورَى / فمَن زاد مُلكاً كان نُعماهُ أَزَيدا
وما العَوْدُ إلاّ أحمدٌ فإذا غدا / إلى أحمدٍ من أحمدٍ كان أحمَدا
حضرْتُ لإسماعيلَ مجلسَ وعظِه
حضرْتُ لإسماعيلَ مجلسَ وعظِه / فصادفْتُ منه أُمّةً وهْو واحِدُ
ورُمْتُ نُهوضاً من لديه فلم أُطِقْ / نُهوضاً لأنّي أثْقلتْني الفوائد
فواللهِ ما أَدْرِي أتلك فَوائدٌ / تُقَرَّطُ آذاني بها أم فَرائد
أأحبابَنا قد شُقْتمُونا فأسْعِدوا
أأحبابَنا قد شُقْتمُونا فأسْعِدوا / ولا تُجْمِعوا أن تُسهِرونا وتَرقُدوا
لقد خيطَتِ الأجفانُ منكم على الكرى / وجَفْني كحيلٌ بالظّلامِ مُسَهَّد
فلا تَدَّعوا صِدْقَ الوفاء وإنّنا / لأيقاظُ لَيْلٍ أنتمُ فيهِ هُجَّد
ولا تُنِكروا حَقَّ المَشوُقِ فإنّما / لنا وعليكم أنجمُ اللّيلِ تَشْهَد
بقَولكمُ العذْبِ اغتَررْنَا وفِعلُكم / من النّجمِ يبدو في ذُرا الأفْقِ أَبْعَد
أَرانا سهاماً في الهوى وأَراكمُ / حنايا فما تَدْنون إلاّ لتُبْعِدوا
أبِيتُ نَجِيَّ الهَمِّ في كُلِّ ليلةٍ / كأنّ بها طَرْفِي طِرافٌ مُمَدَّد
فأهْدابُه أطنابُه ونُجومُها / وقد بِتْنَ أوتاداً لُجَينٌ وعسجد
فنَوْمِيَ من عَيْني وقلبي من الحشا / وجسمي من الأوطانِ كُلٍّ مُشرَّد
وهاجرةٍ تَحْمي نَواها كوَصْفِها / ويَنْدَى أصيلُ الوَصْلِ منها وَيبرد
يُسافِرُ طَرْفُ العين حتّى إذا انتهى / إلى الوَجْهِ منها سافراً يتَقيّد
تَعاكَسَتِ الأنوارُ من وَجهِ غادةٍ / لها الخَدُّ وَرْدٌ والخِمارُ مُورَّد
ولم أنسَها يومَ النّوى ودموعُها / تَحدَّرُ والأنفاسُ منها تَصعَّد
وجاد لها جفنٌ كسا الخَدَّ دُرُّه / وجِيدٌ لها عارٍ من الدُّر أجيد
بعِقدَيْنِ عِقْدٍ حَلَّ غيرَ محلِّه / وعِقْدٍ نظيمٍ حَلَّ من حيث يُعقَد
فقلتُ لها والعِيسُ تُحدَي ودُرّها / تَشابَهَ منه ما يَذوبُ ويَجْمُد
تَحلّى المُحيّا منكِ في جلوةِ النّوى / بذاكِ الّذي منه تَحلّى المُقَلَّد
فقد نهبَتْ صَبرِي من الصَّدر مَوهناً / طليعةُ بَينٍ جَالبٍ جيشَه الغَد
وسالَ أَبِيُّ الدمعِ منّي صَبابةً / فأصبح خَدِّي منه وهْو مُخَدَّد
وإنْ يَحْكِ دَمْعي دَمعَها ببياضِه / ومن تحتهِ نارُ الجوانح تُوقَد
فما الدّمعُ لي ماءً من العينِ قاطراً / ولكنّه قلْبٌ مُذابٌ مُصعَّد
إلى رُؤيةِ الأحبابِ رامَ تَطرُّقاً / فؤادٌ غدا منّي لعينيّ يَحسُد
فأعمَلَ منه الفكْرَ حتّى بدا له / إليهم طريقٌ في الدُّموعِ مُعَبَّد
فما زال منه كلّما اشتاقَ شُعبةٌ / تَسلَّلُ من حَبْسِ الضُّلوعِ فيصعد
تَغيّرَ في الدّنيا عُهودِيَ كُلُّها / فلم يَبْقَ كالمعهودِ منهنَّ مَعهَد
فمِن كلَفِي لم يَبْقَ إلا تكَلُّفٌ / ومن جَلَدي لم يَبْقَ إلا تَجلُّد
أرى بينَ أيّامي وشَعْرِيَ قد بدا / لتَعْجيلِ إبلائي خِلافٌ مُجَدّد
فقد أصبحتْ سُوداً وشَعْرِيَ أبيضٌ / وعَهْدِي بها بِيضاً وشَعْريَ أسود
عدَتْني العوادي ما كفَى أن يُعينها / عليّ أعادٍ لي زمانُ وحُسَّد
وخُوّانُ إخوانٍ وحاشا كِرامَهمْ / وهمْ حُضّرٌ أَلْباً مَع الدّهرِ حُشَّد
وآثارُ أغلالٍ تَوالَتْ فلم تدَعْ / لدى النّاسِ آثاراً إلى اليومِ تُحمَد
وأصبَحَ ساداتي وقد شَطّتِ النّوى / بنا وبهمْ والدّارُ تَدنو وَتَبْعُد
متى ما أُرِدْ خَطْواً وخَطّاً إليهمُ / عصاني فلا رجْلٌ تُطيعُ ولا يَد
بُليتُ ولكنْ لي ببغدادَ صاحبٌ / كريمٌ إذا شاهَدْتُه أتجَدَّد
متى أنا في رَكْبٍ يَحُجّونَ بَيْتَه / وقد رَحلوا قَصْداً له وتَزَوَّدوا
وقد علِموا الإحرامَ من شرطِهم فمِن / وسائلِهمْ إلاّ الرّجاءَ تَجَرَّدوا
فسارِيهمُ يَسْرِي بضَوءِ وَلائهِ / وحاديهمُ فيه بمَدْحِي يُغَرِّد
لعلّي من الزّوراء أحظَى بزَوْرةٍ / وعَوْدٍ إلى عَهْدٍ بها كنت أَعهَد
ويَقْضِي بتأييدٍ من اللهِ أن أرى / به مَنْ غدا للدّينِ وهْو المؤَيَّد
صيامُ الورى شهرٌ ودَهْرٌ عنِ الورى / إلى أنْ أراهُ صومِيَ المتَوكّد
ولا عِيدَ إلاّ يوم أغدُو وناظرِي / بوجْهِ سديدِ الدّولَتَيْنِ مُعَيِّد
أمينِ أميرِ المؤمنين الذّي اصطفَى / وسهمِ أميرِ المؤمنين المُسدَّد
جَموعِ شتيتاتِ العلا فإذا غدا / أُلوفُ العلا في واحدٍ فهْو أوحد
يُعَدُّ عِياناً واحداً وهْو أُمّةٌ / ويُصِبحُ في جَمْع الورى وهْو مُفْرد
له المأثُراتُ الباهراتُ التي غدَتْ / تفَرَّثُ للحُسّادِ منهنّ أَكبُد
ففي فَرْدِ نَعْلٍ تحته الطِّرْفُ فانثنى / هلالاً به الدّهرَ الشُّهورُ تُعَدَّد
ومنه الثُّريّا وَطْؤُهُ أثّرتْ بها / له القَدمُ العلياءُ فيما تَرَدَّد
وقد جرّ فوقَ الأنجمِ الذَّيلَ جرّةً / تَوشَّحها صرحُ السماء المُمَرَّد
صُوىً نُصبَتْ منه على طُرُقِ العُلا / بهنّ متى يَسترشِدِ القومُ يُرشَدوا
وكانتْ وسيلاتُ المقاصدِ كُلِّها / خُطا الخيلِ لا ينْأىَ عليهنّ مَقْصد
وَسْيرٌ على أَثباجِ كُلِّ نجيبةٍ / وخَطّارةٍ بالرِّجْلِ لليَدِ تَطْرُد
وطِرْفٌ هو الرّيحُ الّتي كان مُجرِياً / سُليمانُ إلاّ أَنّه مُتَجسِّد
فأصبحَ منه اليومَ تُغني عن الخُطا / خَواطرُ منها يَطلُعُ الدّهرَ أَسعُد
يَبيتُ بُراقُ الرَّأْيِ منه وفكْرَه / به في سماء المُلْكِ يَسمو وَيصعَد
وتُومِي له اليُمنى إلى قَلَمٍ له / هو المَلْكُ والأقلامُ أجمَعُ أَعبُد
سَريرٌ له في المُلْكِ أَسرارُ كفِّه / ففيهِ لأقلامِ الورَى تَتَعبّد
لأمرِ أمير المؤمنين ونَهْيهِ / ترَى الدّهرَ منه ناظراً يتَرصَّد
ويَغْدو لساناً نائباً عن لسانِه / فيُصدِرُ عنه ما يشاءُ ويُورِد
إذا أَمَّ أقلامَ الورى فأكفُّهم / مَحاريبُ والأقلامُ فيهنّ عُبَّد
فأدمعُهمْ خوفاً مدى الدّهرِ سُجَّمٌ / وأرؤسُهم طوعاً مدَى الدّهرِ سُجَّد
لمُلْكِ بني العبّاسِ تَعْدو بهامِها / فيشْكُرُ منها السّعْيَ مَلْكٌ مُؤَيَّد
أيا مَن خلا الدّنيا وساد رِجالُها / وما كانتِ الدّنيا خلَتْ وهْو سَيِّد
أتاني كتابٌ منك ضُمِّنَ صَدْرُه / نفيسَ كلامٍ عندَه الدُّرُّ يَكْسُد
فمِن نَثرِه فيه فرائدُ نُصَّعٌ / ومن نَظْمِه فيِه أوابِدُ شُرَّد
تَحيَّر فيه ناظِري ثُمَّ خاطِري / وقد لاح ذاكَ الجَوهرُ المُتَبَدِّد
ونَمْنَم كافوراً بمِسْكٍ فَطِيبُه / إلى اليومِ باقٍ في يَدِي ليس يَنْفَد
غرائبُ خَطَّتْها لأكرمِ كاتبٍ / يَدٌ كلّما خَطّتْ ثَنتْنا لها يَد
بديعُ أساليبِ الكلامِ مُسلِّمٌ / له بالمعاني والمعالي التَّفرُّد
فألفاظُه طُرّاً عُقودٌ جَميعُها / وما في مَعانيهِنَّ مَعْنىً مُعقَّد
وإنّي وإنْ حاولْتُ منه إجابةً / فأصبحتُ فيه حائراً أتَلَدَّد
لكالمُتصَدِّي أَنْ يكونَ مُعارِضاً / لِمُعْجِزِه حتّى عَراهُ التَّبلُّد
ولكنّني لمّا رُميتُ بنَظْرةٍ / وبالدُّرِّ طَبْعاً بَحْرُ فَضْلِك يُزْبِد
جعلْتُ جوابي عنه منهُ مُسارِقاً / وكم سارقٍ بالقَطْعِ لا يُتَوَعَّد
ولم يُرَ قبلي غائصٌ رَدَّ دُرَّه / على بَحْرِه خُلْقٌ لَه مُتعَوّد
وما أدّعِي أنّي بإسماعِ ظِنّةٍ / أروّجُ لي زَيْفاً ومثْلُكَ يَنقُد
ولكنْ مُوالاتي كأني أمِنْتُ أن / يُزَيِّفَها نَقْدٌ وعَهْدِي المُوكِّد
ومهما تَجُدْ من مِدْحةٍ لكَ قُلْتُها / فجُودُك أندَى منه حُسْناً وأجْود
وكلُّ طريفٍ من ثنائي ومُتْلَدٍ / حَذاهُ طريفٌ من نَداك ومُتْلَد
فيا سَيّداً ما مثْلُ سُؤدَدِه اغتدَى / لذي شَرَفٍ يوماً من النّاسٍ سُؤدَد
أبوك المُسمَّى عبْدَ مَنْ أصبحَ اسمُه / مدى الدّهرِ وصْفاً لابْنِه ليس يُجْحَد
غدا ماجِداً لولا ابنُه أنت لم يكن / إذا عُدَّ في كُلِ الورى منه أمجَد
فزانَ عُلاً عبدُ الكريمِ مُحمّداً / وزاد عُلا عبدَ الكريم مُحمّد
ولم يَجتمْع في الأفْقِ بَدْرٌ وأنجمٌ / كما اجتَمعا للمرء نَفْسٌ وَمحْتِد
وأعلَى بني المُلْكِ ابْنُك الأشرفُ الّذي / غدا أنت فيه وهْو فيك مُحسَّد
هلالُ بُدورِ التِّمّ يَنقُصُ عندَهُ / وشِبْلُ أسودِ الغابِ عنه تَفَرُّد
فدُمْتَ لتَلْقَى من بَنيهِ قبائلاً / تَحُفُّ بناديك الشّريفِ وتَحفِد
ولا زال في الإطراب عيشٌ مُهنَّأٌ / يَضُمُّ لكم شَملاً ومُلْكٌ مُخلَّد
أَضُمُّ على قلبي يَديَّ من الوَجْدِ
أَضُمُّ على قلبي يَديَّ من الوَجْدِ / إذا ما سَرى وَهْناً نسيمُ صَبا نَجْدِ
وأهوَنُ شَيءٍ ما أُقاسي منَ الجَوى / إذا ما صَفا عيشُ الأحبّةِ من بَعْدي
خليلَيّ من سَعْدٍ ألم تَعرِفا الهوى / ومَن لي بأن يَهوَى خَليلايَ من سَعْد
أُقيمُ بأَعلَى الدَّيرِ فَرْداً مُتَيّماً / أُسائلُ عَمَّنْ حَلّ بالأجْرَعِ الفَرد
ونَدَّتْ بلَيلٍ للرّياحِ لَطيمةٌ / فنَمَّ بها للرّكبِ نَشْرٌ منَ النَّدّ
يُسائلُها السّاري عنِ الجِزعِ والحمى / ويَنْسُبها الواشي إلى البانِ والرَّنْد
وما خطَرتْ إلاّ برمَلْة عالجٍ / ولا عَطِرتْ إلاّ بحاشيتَيْ بُرد
فلا تَعْجَبا من طُولِ وَجْدي فإنّما / وُجوديَ حَيّاً بعدَ أسماءَ من وَجْدي
إذا فارقَتْ رُوحي سوى عُلْقةٍ لها / بقَلْبي من الذِّكرى ففي قَطْعِها فَقْدي
وما زلْتُ من أسماءَ منذُ عَلِقْتُها / على حالةٍ في الدَّهْرِ مَذْمومةِ العَهْدِ
فإمّا على شَوقٍ يُتاحُ معَ النّوى / وإمّا على قُرْبٍ يُنغَّصُ بالصَّدّ
هِلاليّةٌ تَحِكي الهلالَ بوجْهها / إذا لاح في ليلٍ من الفاحمِ الجَعد
بها سُكْرُ طَرْفٍ من مُدامةِ ريقةٍ / لعُنقودِ صُدْغٍ فوقَ غُصْنٍ من القَدّ
أوَرديّةَ الخَدَّينِ من تَرَفِ الصِّبا / ويا ابنةَ ذي الإقدامِ بالفَرسِ الوَرْد
صِلِي واغنمي شُكْراً فما وردةُ الرُّبا / تَدومُ على حالٍ ولا وَردةُ الخَدّ
أَضُمُّ على قلبي يَديَّ من الوَجْدِ / إذا ما سَرى وَهْناً نسيمُ صَبا نَجْدِ
وأهوَنُ شَيءٍ ما أُقاسي منَ الجَوى / إذا ما صَفا عيشُ الأحبّةِ من بَعْدي
خليلَيّ من سَعْدٍ ألم تَعرِفا الهوى / ومَن لي بأن يَهوَى خَليلايَ من سَعْد
أُقيمُ بأَعلَى الدَّيرِ فَرْداً مُتَيّماً / أُسائلُ عَمَّنْ حَلّ بالأجْرَعِ الفَرد
ونَدَّتْ بلَيلٍ للرّياحِ لَطيمةٌ / فنَمَّ بها للرّكبِ نَشْرٌ منَ النَّدّ
يُسائلُها السّاري عنِ الجِزعِ والحمى / ويَنْسُبها الواشي إلى البانِ والرَّنْد
وما خطَرتْ إلاّ برمَلْة عالجٍ / ولا عَطِرتْ إلاّ بحاشيتَيْ بُرد
فلا تَعْجَبا من طُولِ وَجْدي فإنّما / وُجوديَ حَيّاً بعدَ أسماءَ من وَجْدي
إذا فارقَتْ رُوحي سوى عُلْقةٍ لها / بقَلْبي من الذِّكرى ففي قَطْعِها فَقْدي
وما زلْتُ من أسماءَ منذُ عَلِقْتُها / على حالةٍ في الدَّهْرِ مَذْمومةِ العَهْدِ
فإمّا على شَوقٍ يُتاحُ معَ النّوى / وإمّا على قُرْبٍ يُنغَّصُ بالصَّدّ
هِلاليّةٌ تَحِكي الهلالَ بوجْهها / إذا لاح في ليلٍ من الفاحمِ الجَعد
بها سُكْرُ طَرْفٍ من مُدامةِ ريقةٍ / لعُنقودِ صُدْغٍ فوقَ غُصْنٍ من القَدّ
أوَرديّةَ الخَدَّينِ من تَرَفِ الصِّبا / ويا ابنةَ ذي الإقدامِ بالفَرسِ الوَرْد
صِلِي واغنمي شُكْراً فما وردةُ الرُّبا / تَدومُ على حالٍ ولا وَردةُ الخَدّ
ويَغْلِبُ جَهْلَ الجاهِلين بحِلْمِهِ / ولا طِبَّ حتّى يُدفَعَ الضِّدُّ بالضِدّ
مُؤيِّدُ دينِ اللهِ ما زال بالنهي / إذا أبدتِ الأيّامُ عن حادثٍ إدّ
إذا المَوقِفُ المُسترشِدِيُّ دعَا بِه / غدا بصَراً في ناظِرَيْ ذلك الرُّشد
حَباهُ أميرُ المؤمنين لنُصْحِه / بضافيةِ النُّعَمى وصافيةِ الوُدّ
رآه سديداً من سهامِ كِفايةٍ / وعن ساعدٍ يَنْضو من الرأيِ مُستَدّ
ولا تَدعُ العلياءُ صَهْوةَ طِرْفِه / تَقِرُّ ولا مِقْدارَ تَجفيفةِ الِّبْد
وما النّجمُ يَحْكِي سَيْرَهُ وهْو لم يَزلْ / من الشّرقِ نحو الغَرْبِ في ليلةٍ يَخْدي
فإن يكُ كالإسكندرِ المَلْكِ عَزمْةً / فمَسْعاهُ منِ دونِ الحوادثِ كالسُّدّ
أيا مَن سكونُ المُلْكِ من حَركاتِه / فما لِمَطاياهُ قَرارٌ منَ الوَخْد
رفعتَ لعصرٍ أنت سَيِّدُ أهلِه / لواءً إلى تَفْضيلِه للورَى يَهْدي
وما حَسُنَ النَّيروزُ إلا لأنّه / أجَدّ طُلوعاً فيه وجهُك بالسَّعْد
وما أعبَقَ الوردَ الرّبيعُ وإنّما / بَنانُك أهدَى عَرْفُ عُرْفِك للوَرد
بيُمنك عادَتْ جِدّةُ الأرضِ بعدما / غدا الرّوضُ حيناً وهْوكالرَّيْطةِ الجرد
وحَلّتْ عليها عِقْدَها كُلّ مُزْنةٍ / كثيرةِ ضِحْكِ البرقِ من ضَجّةِ الرَّعْد
وغَنّى حَمامُ الأيكِ والغُصْنُ مُنتَشٍ / بكأْسِ الصَّبا والغُدْرُ تَلعَبُ بالنّرد
لعَمْري لقد أبدى السّرورَ بك الورَى / ولا عيبَ في نَشْرِ السُّرورِ لمَنْ يُبْدي
وزارتْك أبناءُ الوفودِ فأقبلُوا / وُرودَ قطا البيدِ المُصِّبحِ للوِرد
حلَفْتُ لأنت المرءُ يُرجَى ويُتّقى / وإن زاد أبناءُ الزّمانِ على العَدّ
إذا ما الورى طُرّاً فدَوْكَ من الردى / فقد جَلّ مَن يُفدَى وقد قَلَّ مَن يَفْدي
وما أنت إلاّ للورى بيتُ سُؤددٍ / وكَعبةُ مَجْدٍ قَصْدُها أبداً مُجْدي
فإن أكُ عن حَجِّي له العامَ عاجزاً / على أنّني لم آل في البَذْلِ للجُهد
فلم يُعْيِني في البُعْدِ إنفاذُ مِدحةٍ / وذلك تَقبيلٌ إلى رُكْنِه أُهدي
فدونكَها عِقْداً ثميناً نظمتُه / ليُهدي إلى جيدٍ به زينةُ العِقد
وأصحبْتُه مَن لم أَلِدْه وحُبُّه / من العِزّ حبٌّ الأكرمِين من الوُلْد
فجُدْ باعتناءٍ آنِفٍ بعد سالفٍ / وطُرْفٍ من الإنعامِ ضُمّ إلى تُلد
فما أنا إلاّ مَن أَعُدُّك عُدَّتي / وما أنت إلاّ مالِكُ الكَرَمِ العِدّ
فتىً كيفما قَلّبتُ أَمرِيَ ناظِراً / أرى عنده قلبي وإحسانَهُ عِندي
ومن قَبلُ لمّا جاء جَيّاً بعَزْمةٍ / تُزعزِعُ أعطافَ المُطَهّمَةِ الجُرد
أتانا وكانتْ مائلاتُ أزِمّةٍ / إليه المطايا بالقصائدٍ والقَصد
وكنتُ إليه أعقِدُ النِسْع راحِلاً / فجاء فأغنَى حَلُّه هو عن عَقْدي
وكم قد رأوا وفداً إلى البحرِ سائراً / وما سَمِعوا بالبحرِ سارَ إلى وفْد
وزارتْ بلا وَعْدٍ أياديه زورةً / فكيف إذا ما نحنُ زُرْنا على وَعد
أرى النّاسَ من هَزْلٍ وهُزْءٍ ولا أرى / سوى واحدٍ قد فاز بالجِدِّ والجَدّ
خلا الدّهرُ من سَمْحٍ وجُدْتَ تَكَرُّماً / فحُزْتَ جميعَ الحَمْدِ بالفَرْضِ والرَّدّ
وما قدَّم الأيامُ مثْلَك غَلْطةً / ولكنّ كَفَّ الدّهرِ أعرفُ بالنّقْد
بنَفْسٍ وأصْلٍ قد تَقدَّمْتَ ماجِداً / ولا بُدَّ من صَفْحٍ لسَيْفٍ ومن حَدّ
وأعظَمُ مِمّا نِلْتَ ما ستَنالُه / فَمبْدأُ ألفٍ حين يُحسَبُ من فَرد
شَهِدْتُ لمَا شاهدْتُ مثْلَكَ في الورَى / أغرَّ كريماً ذا شمائلَ كالشُّهْد
ولم أَر في الدُنيا كلُطْفِك بالفَتى / وعَطْفِك لولا أنّه جائزُ الحَدّ
بَقيت ولا أبقَى أعادِيَك الردى / ودُمتَ مدى الأيّامِ في عيشةٍ رَغْد
ومُتِّعْتَ بالفَرْعِ الكريمِ انضِمامُه / إلى الأصلِ ضَمَّ الكَفَّ منك إلى الزَّند
ومُلِّيتَ أشبالاً لا تُناجِلُ أو تَرى / بهم قَصْرَكَ العالي عَريناً من الأُسد
أيا سَيِّداً سَبْطَ الأناملِ بالنّدى / فِداؤك جَعْدٌ كَفُّه ليس بالجَعد
دعوتُك والأحداثُ حَوْلي مُطيفةٌ / دُعاءَ أسيرٍ في العِدا مُوثَقِ الشّدّ
وليس المُعنَّى القَلْبِ في حَلَقِ الأسى / كمثْلِ المُعنّى القَلْبِ في حَلَق القِدّ
فها أنا قِرْنُ الدّهْرِ ألقاهُ واحداً / وقد جاءني من صَرْفهِ وهْو في حَشد
فأمدِدْ على نَأْيِ الدّيارِ بنُصْرةٍ / فقد يُهرَعُ المَولَى إلى صَرخةِ العَبد
وخَلْفِيَ أقوامٌ أمدُّوا عيونَهم / إلى يومِ سَعْدٍ منك يَعلو به جَدّي
فإن انت لم تَمنَعْ من الدّهرِ جانبي / ولم تُعْدِني نَصْراً عليه فَمْن يُعدي
وكم خاطبٍ إحدى بناتِ خواطري / بمَهْرَيْنِ من جاهٍ وسيعٍ ومن رِفد
ولكنّني أرجوك وحدَكَ في الورى / وإنْ لم تكنْ نُعماك تَشمَلُني وحْدي
ألا قُلْ لسَعْدِ المُلْكِ دام علاؤه
ألا قُلْ لسَعْدِ المُلْكِ دام علاؤه / وقد يَعطِف المَولَى الكريمُ على العَبدِ
أَعِدْ نظَراً يا سَعْدُ نَحْوي فإنّما / صلاحُ الوَرى لا زالَ من نَظَرِ السَّعْد
ودُمْ لي وللعلياء والبأسِ والنّدَى / وللدّينِ والدُّنيا وللمُلْكِ والمَجْد
بلَغْتَ من الدّنيا وإن رَغِمَ العِدا / مَراتبَ قد أدركْتَها صاعِدَ الجَدّ
وأعظَمُ ممّا نِلْتَ ما ستنالُه / من العزِّ إنّ الألْفَ يَبدأُ من فَرْد
ونارنْجةٌ بين الرياضِ نظَرْتُها
ونارنْجةٌ بين الرياضِ نظَرْتُها / على غُصُنٍ رطْبٍ كقامة أَغْيَدِ
إذا مَيّلَتْها الريحُ كانتْ كأُكْرةٍ / بدتْ ذهَباً في صَوْلجان زبَرجَد
بنَفْسي حبيبٌ هوَّن البُعدَ طَيفُهُ
بنَفْسي حبيبٌ هوَّن البُعدَ طَيفُهُ / عليّ ولكنْ نغَّص القُرْبَ صَدُّهُ
ومُستهزئٌ في الحُسْنِ بالبدرِ وجهُه / ومُستهزئٌ في الطّيبِ بالورْد خَدُّه
وبالمِسْك صُدْغاه وبالدُّرِّ ثَغْرُه / وبالظّبْي عَيناه وبالخُوط قَدُّه
كتبتُ ولي عينٌ إليك مَشوقةٌ
كتبتُ ولي عينٌ إليك مَشوقةٌ / إلى وَجْهِك الوضّاحِ طالَ امتدادُها
وأَقصَى مُنَى إنسانِها هو أَنّه / رجاءً التّلاقي من سَوادي مِدادها
فقد حسَدتْ عَيْني كتابي صبَابةً / تَقولُ إذا الأشواقُ جَدّ اشتِدادها
أَمِنْ بَعْد أَيّامٍ يَراك سَوادُه / وُصولاً ويَبْقَى لا يَراك سَوادها
أذاكرةٌ يومَ الوَداع نَوارُ
أذاكرةٌ يومَ الوَداع نَوارُ / وقد لَمَعتْ منها يَدٌ وسِوارُ
عَشِيّةَ ضَنّوا أن يَجودوا فعلَّلُوا / وخافوا العِدا أن يَنْطِقوا فأشاروا
حدَوْا سُفْنَ عِيسٍ لم تزَلْ بصُدورِها / تُخاضُ من اللّيلِ البهيم غِمار
فَحلُّوا قِفاراً مَرّتِ الظُّعْنُ فوقَها / وخَلَّوا ديارَ الحَيِّ وهْيَ قِفار
غدَوا دُرَراً أصدافُهنّ هوادِجٌ / وليس لها إلاّ السّرابَ بِحار
وأثمانُها الأرواحُ تُبذَلُ والوغى / لَهُنّ عُكاظٌ والرِّماحُ تِجار
أعِدْ نظَراً يا رائدَ الحَيِّ قاصداً / إلى أينَ من حُزْوَى المَطِيُّ تُثار
أما همْ إلى قلبي من العينِ غُدْوةً / يَسيرون أن زَمُّوا الجِمالَ وساروا
إلى كَبِدٍ تَشكو الغرامَ جديبةٍ / سَروْا من جفونٍ سُحْبُهنّ غِزار
وما رَحلوا إلاّ انتجاعاً فلو دَرَوْا / بِما بي لَحاروا في المَسيرِ وجاروا
بنَفْسي غزالٌ أَعرضَ البُعدُ دونَه / فعادَ رَبيبُ الوَصْلِ وَهْوَ نَوار
تُعاتَبُ عيني حين يَعلَقُ خاطري / ولَومُ المَشوقِ المُستهامِ ضِرار
ويَقْلَقُ قلبي حين يَطْرُقُ ناظري / فَبعْضِيَ من بَعْضي عليه يَغار
فهل نَهْلةٌ تَشْفي الغليلَ لمُدْنَفٍ / ففي الصّدْرِ من نارِ الفراقِ أُوار
يُواصِلُ قلبي وهْو للعين هاجِرٌ / لَصيقُ فؤادٍ شَطَّ منه مَزار
فليت ديارَ النّازحاتِ قلوبُنا / لِتسلُوَ أم ليت القلوبَ دِيار
أبى القلبُ إلاّ ذِكْرَهُنّ وقد بَدا / معَ الصّبحِ أشْباهاً لَهنَّ صُوار
وليلةَ أهْدَيْنَ الخيالَ لناظري / وبالنّومِ لولا الطّيفُ عنه نِفار
تَقنَّصْتُه والأُفْقُ يجتابُ حُلّةً / من الوَشْيِ يُسدَى نَسْجُها ويُنار
فلا يَحسَبِ الجوزاءَ طَرْفُك أنّها / هَدِيٌّ لها شُهْبُ الظّلامِ نِثار
وأنّ الثُريّا باتَ فِضّيُّ كأسِها / بأيدي نَدامَى الزَّنْجِ وهْو يُدار
فليس الدُّجَى إلاّ لنارِ تَنَفُّسي / دُخانٌ تَراقَى والنُّجومُ شَرار
رُوَيْداً لقَلْبي بالهوَى يا ابنَ حامدٍ / وإلاّ فلَيْلِي ما بَقيِت نَهار
إذا طَلَعتْ في بلدةٍ لكَ رايةٌ / فللظُّلْمِ منها والظّلامِ فِرار
فِدىً لعزيزِ الدّينِ في الدّهرِ عُصبةٌ / أجارَ من الخَطْبِ الجسيمِ وجاروا
منَ البِيضِ أمّا بَحرُه لعُفاتِه / فَطامٍ وأمّا دُرُّه فكِبار
فتَى الدّهرِ ما ثار امْرؤٌ لِيَؤمَّه / فَيْبقَى له عند المطالِبِ ثار
يُلِمُّ بمَغْشِيِّ الرِّواقَيْنِ للِنّدَى / وللبأسِ يوماً إن أظَلَّ حِذار
عِراصٌ تَرى رُسْلَ الملوكِ تَحُلُّها / كما انتثَرتْ فوق الرِّياضِ قِطار
إذا سار وَفْدٌ زائرون فَودَّعوا / تَناهَى إليها آخَرونَ فَزاروا
هُمامٌ إذا ما شاء صَبَّحَ مارِقاً / بأرْعَنَ عينُ الشّمسِ منه تَحار
وكُلُّ فتىً للعينِ والسّيفِ إنْ غَزا / يَعِزُّ بجَفْنٍ أنْ يُلِمَّ غِرار
مشيحٌ إذا الجَبّار صَعّرَ خَدّه / أعاد دَمَ الجَبّار وهْو جُبار
ورَدَّ طِوالَ السّمهريّ قصيرةً / غداةَ لجَيْن المَشْرفيَ نُضار
بحيثُ دنانير الوجوهِ مَشوفة / بنَقْرِ بنانِ المرهَفاتِ تُطار
وحيث وَقور الطَّودِ من هَوْلِ يَومِه / يَرَى وهْو نَفْع في السّماء مُثار
وإن شاء نابَتْ عن رماحٍ بكَفّهِ / أنابيبُ حتّى لا يُشَنّ غِرار
حديداتُ خَرْقِ السَمْعِ إنْ صَمّتِ القنا / تَغلغلَ فيه للقَضاء سِرار
إذا غرسَتْها كَفّه في صحيفةٍ / غدَتْ ولها غُرّ الفتوح ثِمار
ايا مَن تَفوقُ النّجمَ غُرّةُ طِرْفِه / إذا انشَقَّ عنه للعيونِ غُبار
تَخيَّركَ السّلطانُ للنُّصحِ صاحياً / فشابهَ سِرّاً من هَواكَ جِهار
غدا كاشتقاقِ اسمَيْكُما مَعْنَياكُما / صفاءً فحَبْلُ الائتِلافِ مُغار
وهل يَتّقي رَيْبَ الزّمانِ ابنُ حُرّةٍ / وأنت له مِمّا يُحاذِرُ جار
وما كان يَغشَى البدْرَ لو كنتَ جارَهُ / خُسوفٌ يُغَطّي وَجهَهُ وسِرار
ولكنّه من نورِ غَيرِك قابسٌ / فلا غَرو إن لَوَّى خُطاهُ عِثار
حَسودُك تُمسي طارقاتُ همومِه / وهنّ له دون الشِّعارِ شِعار
كتطْبيقِ سَيْفٍ فيه إطباقُ جَفْنِه / فأشفارُ عينَيْهِ عليه شِفار
إذا ضافَهُ هَمٌّ يصافِحُ قَلّبَه / ورَتْ منه ما بين الأضالعِ نار
وجاءتْ لأدْنَى مِسحةٍ فكأنّما / له الصَدْر مَرْخٌ والبَنانُ عَفار
طلعْتَ ثَنِيّاتِ المناقبِ كُلَّها / فما في العُلا إلاّ إليكَ يُشار
وما الدّهْرُ لولا أنّه لك خادِمٌ / وما الأرضُ لولا أنّها لكَ دار
تَواضَعُ عن عُظْمٍ وتُزْهَي بنَظرةٍ / بمُؤْخَرِ عَينٍ منك حينَ تُعار
فعندك إن جَفّ الغمائمُ نُجعةٌ / وفيك إذا خَفَّ الجبالُ وَقار
دُعيتَ عزيزَ الدّينِ أْيمَنَ دَعوةٍ / فباسْمِك من رَيْبِ الزّمانِ يُجار
بمَحْكيَ عَيْنٍ منه إذ يَسِمُ الثَّرَى / لك الخيلُ يَضحِي للبلادِ قَرار
وفي الأُفْقِ يَحكيه الهلالُ فَيزدَهِي / به الدّهرَ إذ يَعلوهُ منك شِعار
مَلكْتَ إذَنْ أرضَ الورى وسماءهمْ / فهل فوق هذا للفَخور فَخار
حَلفْتُ بعاديِّ البِناء مُحجَّنٍ / يُجابُ له عَرْضُ الفلا ويُزار
وتأميل عفْوِ الله تحت ظِلالِه / إذا ضَمَّه والزّائرينَ جِوار
وأبيضَ من ماء العيونِ لأجلِه / وأحمرَ من ماء النَّحورِ يُمار
وتَرجع أصواتِ المُهِلّينَ كلّما / دَمِينَ جِمالٌ أو رُمِينَ جِمار
لمَا أنت إلاّ بيتُ مجدٍ وسُؤددٍ / للُقيْاهُ يُسْرَي دائماً ويُسار
على أنَّ حَجَّ البَيتِ في العامِ مَرّةً / وحَجُّكَ في اليومِ القَصيرِ مِرار
لك البَدَراتُ الكُومُ يُنْحرْنَ للقِرَى / إذا نُحِرَتْ للآخَرينَ عِشار
فمنك نُضارٌ صُرَّ مِلءَ جُلودِها / إذا كان منهم جِلّةٌ وبِكار
مَواهبَ سَبّاقِ السُّؤالِ برِفْدِه / على حينَ جُلُّ الأُعطِياتِ ضِمار
فتىً فيه آمالُ الوفودِ إذا اعتفَوا / طِوالٌ وأعمارُ الوُعودِ قِصار
أفاضَ اللُّها حتّى قضَوا أنّ مالَهُ / لراجِي نَداهُ في يدَيْهِ مُعار
لكُلِّ سوى الدّينارِ عند فِنائهِ / ذِمامٌ إذا ما حَلّه وذِمار
وما كان لَونُ التبْر ذاك وإنّما / عَلاهُ لخَوفِ الجودِ منك صُفار
فَعيِّدْ كذا ما طافَ بالبيتِ زائرٌ / وخَبّتْ مَهارٍ شَطْرَه ومِهار
ولمّا تَجنّبتَ الحرامَ وشُربَه / أتَتْكَ حلالاً من يَديَّ عُقار
فخُذْها كؤوساً ليس في نَشوةٍ بها / لِذي الفضلِ عابٌ يَتّقيهِ وعار
ولي خاطِرٌ أضحَى وأَدنَى بَيانِه / لأبناء آدابِ الزَّمانِ مَنار
وصَدْرٌ كبَيْتِ النَّحْلِ فيه لَواسِعٌ / على أنّ أَرْيَ الشِعّرِ منه يُشار
حَدَتْنيَ من دَهْري إليك حوادثٌ / وقد قيلَ في بعضِ الشُّرور خِيار
وكم قَعد الأقوامُ عنك فأظلَمُوا / وجاؤوكَ يَرجون الغِنى فأناروا
وإنّي لفي قَيْدَيْ أياديكَ راسِفٌ / فما لي إلى وَشْكِ الرّحيلِ بِدار
وكيف أَجوبُ الأرضَ والشُكْرُ مُوثِقي / ألا إنّ طولَ المُنْعِمينَ إسار
فلا زلتَ أُفْقاً فيه للمجدِ مَطلعٌ / وقُطباً عليه للعلاء مَدار
خيالُكَ من قبلِ الكَرى طارقي ذِكْرا
خيالُكَ من قبلِ الكَرى طارقي ذِكْرا / ففيمَ التزامي للكَرى مِنّةً أُخْرَى
غدا شَخصُكمْ في العينِ مِنّيَ قائماً / فمِن نَمّةِ الواشي بكمْ آخُذُ الحِذْرا
فواللهِ ما ضَمّي الجفونَ لرَقْدةٍ / ولكنْ لأُلقي منه دونَكمُ سِتْرا
ومَن لي بكِتمانِ الّذي بي من الهَوى / ومن تُهَمِ الأعداء إن رُمتُ أن أبْرا
ومن نارِ قلبي لو تَرامَتْ شَرارةٌ / إلى الأُفْقِ ليلا رَدَّ فَحمتَهُ جَمرا
أبِيتُ نديمَ النَّجْمِ من كَلَفِي بكمْ / وإنْ لم أعاقِرْ غيرَ كأسِ الهوى خَمرا
وتَسحرُ لي سِحْرَ المقنَّعِ مُقلَتي / فتُطلِعُ لي باللّيلِ من طيفِكمْ بَدرا
فما رائعي واللّيلُ يَقْضِي ذماءه / من الصُّبحِ إلاّ نَفثةٌ تُبطِلُ السِّحرا
وللهِ من عُلْيا عُقَيلٍ عَقيلةٌ / إذا رحَلتْ كان الفؤادُ لها خِدرا
حكَى ثَغرُها عِقداً فإن أخصَر النَّدى / قلائدَها صُبحا حكَى عِقدُها الثَغْرا
وفتّانةٍ صاغَتْ سلاسلَ صُدغِها / قُيوداً على أجيادِ عُشّاقِها الأسرى
تَبسَّمُ عن دُرٍّ تَكلّمُ مثْلَه / فلم أر أحلَى منه نَظْماً ولا نَثْرا
خليلّيَّ عُوجا اليومَ نَسألْ بوَجْرةٍ / عن الظّبيةِ العَفراء كُثبانَها العفرا
ولا تأْمَنا غَيْران أصبحَ دُونَها / ببِيضٍ وسُمْرٍ يَكْنُفُ البِيضَ والسُّمرا
وما هيَ إلاّ طَوفةٌ بِفنائها / فمن ناظرٍ شَزْراً ومن طاعنٍ شَزرا
وفي الحَيِّ إن زُرْنا ذواتُ غَدائرٍ / تُغادِرُ غُدْراً في الخدودِ لنا غَدرا
وغُرُّ الثّنايا يَحسَبُ القومُ أنّها / أتَتْهم فقالَتْ وهْي صادقةُ البُشرى
إلى شَرفِ الدّينِ الوِزارةُ أُنهِيَتْ / فَرَدُّوا لها الأفواهَ مَملوءةً دُرّا
سُروراً بمَولىً مُذْ نَشا الدهرُ لم يُنِطْ / بأكملَ منه رَبُّه النّهْيَ والأمرا
تَرى صَدْرَه بَحراً وأنمُلَه حياً / وأخلاقَه روضاً وآدابَه زَهرا
وحُسنَ ثناءِ النّاسِ في كلِّ نَدوةٍ / نَسيماً تَهادَى السامعون له نَشرا
تَولّى الورَى جُوداً وبأْساً فلم يدَعْ / لهم في يَدِ الأيّامِ نَفْعاً ولا ضَرّا
ومن عَجبٍ أن يَعبُدَ الدّهْرَ مَعْشرٌ / وقد أبصروا المولَى الّذي استَعبدَ الدَّهرا
أظلَّتْ بنى الدُّنيا سماءُ عَلائهِ / وأطلعَ من أخلاقِه أنجُما زُهرا
أذالَ مَصونَ الوَفْرِ فافترعَ العُلا / ويَبذُلُ فضْلَ المَهْرِ مَن خَطَب البِكرا
هو الصّدْرُ والإسلامُ قلبٌ يَضُمُّه / ولا قلبَ إلاّ وَهْو مُتودعٌ صَدرا
أتَتْه وأقوامٌ أتَوها وِزارةٌ / فَجلُّوا بها قَدراً وجلّتْ به قَدرا
وكانتْ ذنوبُ الحادثاتِ كثيرةً / إلينا فلمّا جاء كان لها العُرا
عَجِبتُ لهُ يُبدِي إلينا تَواضُعاً / ولَمحةُ طَرْفٍ منه تُورِثُنا كِبرا
أخو باذِخ في ذُروةِ المجدِ شامخٍ / نُسورُ جَوادٍ تحته تَطَأُ النَّسرا
يُزيرُ الأعادي بعد كُتْبٍ كتائباً / وما اللّيثُ إلاّ مُتْبِعٌ نابَهُ الظُّفرا
هُمامٌ بأخْفَى كَيدِه يَصْعَقُ العِدا / فكيف إذا ما أَنذَر البَطْشةَ الكُبرى
ببِيضٍ صقيلاتِ المُتونِ صَوارمٍ / يُقَلّبْنَ يَومَ الرّوعِ ألْسِنةً حُمرا
وزُرْقٍ على سُمْرٍ إذا البِيضُ طاعَنتْ / بها الخيلَ رَدَّتْ دُهْمَ ألوانِها شُقرا
وزيرٌ غدَتْ أيّامُه وزَرَ الهُدَى / وكم مَعشرٍ كانتْ وِزراتُهم وِزْرا
وكيف يُخافُ الجَورُ في عَهدِ مُلكِه / وأعدَى اسْمُه بالعَدْلِ فيما مضَى كِسْرى
لقد عاد نوشَروانُ والعَدلُ للورَى / على حينَ نُوشَروانُ والعَدْلُ قد مَرّا
حكَى الدّهرُ بَيْتاً صاغَه اللهُ واحداً / ورَدَّ لإبداعٍ على العَجُزِ الصّدْرا
تَغالَى رسولُ اللهِ فيه مَحَبّةً / فأبْدَى بأيّامِ السّمِيِّ له فَخْرا
وإلاّ فما مَعْنَى عظيمِ افتِخارِه / بعَصْرٍ وفيه الأرضُ قد مُلِئَتْ كُفرا
ولكنْ لعِلْمٍ منه أن سَيَرى الوَرى / بسيفِ أبي نَصْرٍ لدينِ الهُدَى نَصرا
دعا فأجابَ اللهُ أنْ سَبقَ اسْمُه / إليه وأبقاهُ لأُمّتِهِ ذُخرا
فَحُيّيتَ من طَلْقٍ مُحيّاهُ ماجدٍ / أعاد قُطوبَ الدّهرِ للمُرتَجِى بِشرا
يَدُلُّ عليه الطّارقين اعْتِيادُهمْ / زيارتَه والطّيرُ لا تَجهَلُ الوَكْرا
تَرى الأرضَ سِفْراً من سُطورِ وُفودِه / إليه ومن حيث التفتَّ تَرَى سَفرا
إذا بَلّغتْه العِيسُ وَفْداً تَبادَرتْ / مَباسمُهُم لَثْماً مناسمَها شُكرا
ولمّا اعتزَمنا أن نَؤُمَّ فِناءه / وقد صالَ صَرْفُ الدّهرِ قُلنا له صَهرا
طَويتُ إليه للفلاةِ صحيفةً / تَخالُ مطايا الرَّكْبِ في بَطْنِها سَطرا
لَوَ انّ الفَلا أضحَى كتاباً لدارسٍ / لأبلاهُ إدماني له الطَيَّ والنّشرا
فحتّى متى أُمسِي وأُصبِحُ سادِراً / بدَهْري وأهلِيه وحاشاك مُغْتَرّا
أُطيلُ الأماني ضَلّةً وأعُدُّها / لجَهْلي غنىً والعُمْرُ قد وَدَّع الشّطرا
فحَولاءُ عَوراءُ يَظَلُّ حِسابُها / لوِتْرِ الورَى شَفْعاً وشَفْعِهمُ وِترا
ولي مِقْولٌ قد كان عَصْرُ شبيبتي / حُساماً وحُسْنُ القولِ في مَتْنِه أُثرا
ومُذْ شابَ شَعْرِي شاب شِعْري وخانَني / لرَيْبِ زمانٍ شاغلٍ مِنّيَ الفِكْرا
فمَن لي بمُلْكي من فراغٍ ومن غنىً / خِضابَيْنِ حتّى أصبُغَ الشَّعْرَ والشِّعرا
إلى شرَفِ الدّينِ الهُمامِ سرَتْ بنا / ركائبُ لم يُحمَدْ لها قَبْلَهُ مَسرى
لقد ضَلَّ مَن يَبْغي الغِنى عند غَيْرِه / وغُمْرُ الورىَ مَن رامَ مِن غُمَرٍ غَمرا
فعَطْفاً أدام اللهُ ظِلَّك وارِفاً / علينا فَنصْرُ الحُرِّ أنت به أَحرى
لاْغلَيتَ قِدْماً سِعْرَ شِعْرٍ أقولُه / وللشِّعرِ لا يُغْلي سوى الكَرَمِ السِّعرا
وإنّي لأرجو في زمانِك مِن عُلاً / إذا قلتُ شِعراً أن أرَى تحتيَ الشِّعْرى
فدونكَها في الأُذْنِ شَيئاً وضِدَّهُ / فَمِنْ سامعٍ قُرْطاً ومن حاسدٍ وَقْرا
مفوَّضةً تُهدي إلى البَعْلِ نَفْسَها / ولا تَبتغي إلاّ كفاءتَه مَهرا
لِقاؤكَ هذا وهْو أكبَرُ نِعمة / على الدّينِ والدُّنيا منَ الله لو يُدْرى
نذَرْتُ استلامَ الرُّكْنِ للبيت عندها / فألثَمني اليُمنَى لكَي أُوفيَ النَذْرا
رَضِيتُ بأَكدارِ المعيشةِ حِقْبةً / وقد يَشرَبُ الصّادي وَيغتَنمُ المُرّا
فأمّا وقد عايَنْتُ وجْهَكُ مُقبِلاً / فقد آن ألاّ أشربَ النُّطْفةَ الكَدْرا
لكلِّ امرئٍ يومٌ يُؤمِّلُ سَعْدَهُ / ويَوميَ هذا اليومُ فاشدُدْ لِيَ الأَزرا
لقد كان عن مَدْحِ الملوكِ وذِكْرِهمْ / نَوى أن يَصومَ الدّهرَ فِكْرِيَ لا الشّهْرا
ولكنّ إهْلالي بوَجْهِك آنِفاً / على صائم الآمالِ قد أوجَبَ الفِطرا
قَدِمْتَ مَع الأضحَى فأضحى مَجيئُه / وَراءك عن ثَغْرِ المَيامِنِ مُفْتَرّا
تَطالعْتُما سَعْداً ولكنْ سبَقْتَه / فأَسعَدْتَه وانساقَ يتلولكَ الإثرا
وقالوا نَرى النّحْرَ المُبشِّرَ حيث لم / يُحَلِّ بطَوْقٍ من هلالٍ له النّحرا
فَعوَّضَ من أعلامِه بأهلّةٍ / طلَعْنَ عليه يومَ مَوكبِه تَتْرى
فقلتُ بلِ المولَى ابنُ خالدٍ الّذي / بأسنَى العَطايا منه زائرُهُ يُقرى
لنا كُلَّ يومٍ منه عِيدٌ تكاملَتْ / مَواسِمُه مما قلَّب الأنمُلَ العَشرا
كفَى وجْهُه والكَفُّ والعُمْرُ والعِدا / هلالَ الورَى والعَشْرَ والعِيدَ والنَّحرا
فدَتْكَ وجوهٌ من مَوالٍ ومن عِداً / جُموعٌ كخَلْطِ النّاثرِ البِيضَ والصُّفْرا
وكلُّ حسودٍ فُوهُ خالٍ لبَغْيِه / من الشُّكْرِ لكنْ عينُه من دَمٍ شَكْرى
فلم يُبْقِ قُطْراً جودُ كفِّك لم يُفِضْ / على ساكنِيه من سَحاب النّدى قَطرا
قَريْتَ ضيوفَ الهَمِّ رأْياً كأنّما / شقَقْتَ به في جُنْحِ داجيةٍ فَجرا
وخِطّةِ إقليمٍ بعَثْتَ لعُسْرِها / بخَطّةٍ أقلامٍ فَبدَّلْتَهُ يُسرا
وبالخِنْصِرِ اليُمنَى تُعَدُّ فإن تكُنْ / غداةَ وغىً عَدّوكَ بالخِنْصِرِ اليُسرى
وإن هُمْ أعادوا نظْرةً عَلِموا بها / لجَمِعِ المَعاني أنّ فيك الورَى طُرّا
فلا بَرِحَتْ أيّامُ دَهْرِكَ كلُّها / بآثارِك الحُسنَى مُحجَّلةً غُرّا
كما قد غَدوْتَ النّاسَ طُرّاً منَ العُلا / كذا غدتِ الأعمارُ طرّاً لك العُمرا
هُمُ منَعوا مِنّا الخيالَ الّذي يَسْري
هُمُ منَعوا مِنّا الخيالَ الّذي يَسْري / فلا وَصْلَ إلاّ ما تَصوَّر في الفِكْرِ
فيا مالكي منْعَ الجُفونِ من الكرَى / ألم تمَلِكوا منْعَ الفؤادِ منَ الذّكر
أَبِيتُ وسُمّارُ المُنَى بي مُطِيفةٌ / وبحرُ البُكا بالطّيْفِ مُمتَنِعُ العَبر
وقد وَتّدَ اللّيلُ النُّجومَ مُخَيّماً / وطَنَّب أجفاني إليها يَدُ الهَجر
وغادَر في خَدَّيَّ غُدْراً من البُكا / تَولُّعُ ربِّاتِ الغدائرِ بالغَدر
لقد أصبَحَتْ سمراءَ والسُّمْرُ بيننا / فماذا لَقِينا من سَمِيّاتِها السُّمر
ولم أنْسَها يومَ الرَّحيلِ وقد لَوتْ / بتَسليمةِ التّوديع حاشيةَ السِّتر
وقلبي مع الرَكْبِ اليمانينَ رائحٌ / لقىً بين أيدي العيسِ في البلَدِ القَفر
أقولُ وإلْفي للوداعِ مُعانِقي / ولى دَمعةٌ غَيّضْتُها فهْي في نَحْري
أدِرْ لي كؤوسَ اللَّثْمِ صِرْفاً لعلّه / تَسيرُ المطايا عند سُكْري ولا أدْري
فلي عَبراتٌ إن أحسَّتْ بِبَيْنِكم / إذنْ تَركَتْ بحراً لكم جانبَ البَرّ
أأحبابَنا هَبْكمْ عُذِرْتُم على النَّوى / فهل لصُدودِ الطَّيْفِ باللّيلِ من عُذر
وما لِسَمائي بعدكمْ حار بَدْرُها / ألم يتَعلَّمْ سرعةَ السَّيْرِ من بَدري
ولِمْ ثَقُلَتْ ريحُ الصَّبا مُذْ رحلْتُم / وكانتْ برَدْعِ المِسْكِ طَيِّيةَ النَّشر
رَحلتُمْ فقرَّبتُمْ مشيبي من الصِّبا / هموماً وباعدتُمْ عِشائي منَ الفَجر
فبينَ بياضَيْ عارضِي لَمْعُ بارقٍ / وبين بياضَيْ ليلتي مَوعِدُ الحَشر
فهل من نَقيبٍ للّيالي مُوكَّلٍ / بأنْ يَنفِيَ النّومَ الدَّعِيَّ من العَصر
فيأخذُ مُذْ بِنتُمْ ليالِيَّ قاطِعاً / ذَوائبَها لم يَنتسِبْنَ إلى عُمري
فأيُّ فتىً جلّى الغداةَ شِكايتي / جلَوتُ لِما يوليهِ عند الرِّضا شُكرى
لدى مَلكٍ في الشُّمِّ من آلِ هاشمٍ / نَدي الوجْهِ سامي الطّرفِ مرتَهنِ البِشر
مَهيبٌ لدى النّادي مُرجَّى لدى النّدى / فيُمناهُ من يُمْنٍ ويُسراهُ من يُسر
تُشيرُ إليه هاشمٌ بأكُفِّها / إشارةَ أيدي النّاظرينَ إلى البَدر
وتأْوي إليه إن ألمّتْ مُلِمّةٌ / ويأْوي جَناحُ الطّيْرِ ليلاً إلى الوَكْر
يُظاهِرُ بينَ الرَّأْيِ والسّيفِ دونهمْ / كما شَيّعَ ابْنُ الغابةِ النّابَ بالظُّفر
تكاد الرّماحُ السُّمْرُ وهْي ذَوابلٌ / تَعودُ بكَفّيهِ إلى الوَرَقِ الخُضر
ويُعطي عِنانَ البرقِ ضمْنَ سحائبٍ / إذا هَزَّ عِطْفَ الأعوجِيّةِ بالحُضر
وما ثار ذو شِبلَيْنِ من دونِ غِيلِه / بعَينَيْنِ كالمَقْدودَتَينِ منَ الجَمر
كإذْكائه دونَ الخلافةِ طَرْفَه / مُدِلاًّ برأْيٍ يَقرُنُ النَّصْلَ بالنَّصر
ومَن مثْلُ ذي الفَخْرَينِ فَخْرٍ بنفسه / وفَخرٍ بمَنْ أبقَوا له غايةَ الفَخر
حلَلْتَ من العّباسِ جَدِّك يا ابنَهُ / بحيثُ يُرىَ العبَاسُ مِن جَدِّه عَمْرو
فتىً كلُّ حُبِّ المجدِ غُرّةُ وجههِ / فوشّحه بِيضاً بأيّامِه الغُرّ
فيُقْمِرُ هذا اللّيلُ بالبدرِ وَحْدَه / ولكنّه بَدْرٌ معَ الأنجُمِ الزُّهر
ملوكٌ تَسامَوا للعُلا وأَئمّةٌ / أُولو العزْمِ في أزمانهمْ وأُولو الأَمر
تَبدَّى اللَّيالي في تَتابُعِ مُلكِهمْ / كما يتَبدَّى السّلْكُ من خَلَلِ الدُّرّ
ولم يُرَ كالعبّاسِ قِدْماً وهاشمٍ / شَبيهانِ مَجْداً في مُلوك بني النّضر
فهذا الّذي تُغْنِي عنِ القَطْرِ كَفُّه / وهذا الذي يَأْتي مُحَيّاهُ بالقَطر
فدَتْكَ نظامَ الحَضرتَيْنِ منَ الوَرى / أكفُّ رجالٍ لا تَريشُ ولا تَبْري
وما حِليةُ الأَشرافِ إلاّ مآثرٌ / وهل حِلْيةٌ للمشرفيِّ سوى الأثر
ويا ذِروةَ الخُطّابِ عزّاً وقد سعَتْ / إليك هوىً فاطْرَبْ لغانيةٍ بِكْر
فما تَرتضِي إلاّ علاءكَ بَعْلَها / وما تَبتغِي إلاّ العنايةَ من مَهر
وأنّى تَرى كُفْوءاً كريماً من الوَرى / إذا عدَلَتْ بالوُدِّ عنك ابنةُ الفِكر
ولي خاطرٌ يُغْري بِوأْدِ بناتِه / على حُسْنِها من فَقْدِه كرَمَ الصِّهر
ولكنْ تَجلّى وجْهُ عَلياكَ طالعاً / فلم تَبْقَ منه اليومَ حسناءُ في خِدر
ولم أُهدِ للدّنيا ثنائي ولا أرَى / ولائي لكم إلاّ لآخِرتي ذُخري
وكم جُدْتُ بالنّفْسِ العزيزةِ فيكمُ / كجودِ أخي الإحسانِ للوَفْدِ بالوَفر
ولن أَكبُتَ الحُسّادَ إلاّ بنَظْرةٍ / من المَوقفِ الأَسْمَى الإماميِّ في أَمري
فصِلْني بهِ يا ابنَ الأكارمِ مُدنِياً / فما أنت إلاّ الباعُ من ذلكَ الصَّدر
وعشْ شَرفاً للدِّينِ ما حَنَّ شارِفٌ / ودُمْ ما تَروَّى الروَّضُ من دِيَمٍ غُزر
وخُذْ ليمينِ الدّولةِ السّمْحِ كَفُّه / سِرارَ مَعانٍ صيغَ من خالصِ الشِّعر
إليك اقتباساً يَنْتهِي كُلُّ فاضلٍ / كما مَجَّ أفواهُ الشِّعابِ إلى البَحر
فيا فاضِلاً يُولي الفواضلَ للورَى / ويا عارِفاً يَروِي العوارِفَ للحُرّ
إذا ما درَى الإنسانُ أخبارَ مَنْ مضَى / فتَحسَبُه قد عاشَ في أوَّلِ الدَّهر
وتَحسَبُه قد عاش آخِرَ دَهْرِه / إلى الحشْرِ إن أبقَى الجميلَ من الذِّكر
فقد عاش كُلَّ الدَّهرِ مَن عاش بَعضَهُ / كريماً حليماً فاغتَنِمْ أَطْولَ العُمر
خَطبْنَ وأَيمانُ الكُماةِ المَنابرُ
خَطبْنَ وأَيمانُ الكُماةِ المَنابرُ / بألسُنهِنَّ الحُمْرِ بِيضٌ بَواترُ
فخَرّتْ سُجوداً في الثّرى لِدُعائها / رُؤوسُ عُداةٍ أَسلَمتْها المَغافر
وما افتَضَّ أبكارَ الفُتوحِ سوى ظُبيً / لأغمادِها هامُ المُلوكِ ضَرائر
ذُكورٌ إذا الحَربُ العَوانُ تَمخّضتْ / لها طائرُ الفَتْحِ القريبِ البشائر
فللنّصرِ ثَغْرُ النّصْلِ يَبْسِمُ ضاحكاً / وفي الأرضِ صِدْقُ الضّرْبِ للهامِ ناثر
بيومِ وغىً أُمُّ اللّيالي بمِثْلِه / غدَتْ من أَبي أيّامِها وهْي عاقر
ودونَ سنا وجْهِ النّهارِ إذا بدا / تَظاهَر للنّفْعِ المُثارِ سَتائر
فما شَمسُه إلاّ شُعاعُ صفائح / وما أَرضُه إلاّ ثَرىً فيه ثائر
لِمُدْنٍ ذَراها في الرياح لخيلهم / بكَرٍّ وفَرّ بينهنَّ الحوافر
سقاها سحابٌ والرُّؤوس لسَيله / حبابٌ تنزَّى والدِّماءُ مَواطر
وبالحربِ كم صُقْعٍ تناهَى خرابُه / وبالسِّلمِ عن قُربٍ غدا وهْو عامر
كذاك مجاري السَّيلِ غِبَّ انجِلائه / إذا عُدَّ أيّامٌ رياضٌ نواضر
متى تَسْتُرُ الغبراءُ تُستَرَ كاسْمِها / فكم ذا إليها ناظرُ السَّوء ناظر
يَسُرُّك ماضي عَهْدِ عدْلٍ إذا أتى / على حينَ من أهليكَ لم يبقَ غابر
فلولا زمانٌ مانعٌ وزَمانةٌ / لطار برَحْلي منك هوجاءُ ضامر
وكم لخطوبِ الدَّهر ساءتْ أوائلٌ / وحال بها حالٌ فسُرَّتْ أواخر
فصابِر تصاريفَ اللّيالي إذا دهَتْ / فما يُدركُ المأمولَ إلاّ المُصابر
وللهِ قومٌ لستُ ناسيَ عهدِهم / وإن نقضَتْ عهدي اللَّيالي الغوادر
متى زاد دهري غَدْرةً زِدتُ ذُكرةً / لأيّامهم والحرُّ للعهدِ ذاكر
أَباعِدُ أملاكٍ إذا ما طرَفْتهم / كأنْ قد أطافتْ منهمُ بي عشائر
لِقُرْبيَ منهمْ لا لِقُرْبي برحلتي / إليهم يُباهِي كُلُّهم ويُفاخر
وقد خلَطوني بالنّفوسِ كأنّما / نَماهُم أَبو الأقيالِ عَمْروٌ وعامر
ولم يُسْلِني عنهم وإنْ عشتُ بعدهم / بنو زمني هذا الّذينَ أُزاوِر
فكيف وقد أَصبحتُ لا أَنا مُنجدٌ / إلى طَرَفٍ سَيْراً ولا أَنا غائر
فإن تَكُ بابنَيْ قَيلةٍ شَطّتِ النّوى / فكم قَولةٍ منّى بها الدَّهْرُ فاخر
وإن أَصبحَ الأنصارُ عنّيَ غُيّباً / فناصرُ ديِنِ اللهِ لي منه ناصر
لقد شِمتُ من كفَّيهِ عَشْرَ سَحائبٍ / فأوردْتُ آمالي وهُنَّ عَواشر
إلى أَوحدِ الدُّنيا الكبيرِ الذي غدا / إلى كابرٍ يَنْميهِ في المجدِ كابر
هَجرْتُ الورَى طُرّاً وهاجرْتُ طائعاً / فلم يَحْظَ منّي هاجِرٌ ومُهاجر
إمامٌ هو الشَّمسُ المنيرةُ للورى / به تَهْتدي أَبصارُهم والبصائر
تَسترّتُ من رَيْبِ الزّمانِ بِظِلِّه / فما هو لي عن عَيْنِ دَهْريَ ساتر
بأقضَى قضاةِ الدَّهرِ أَعزَزْتُ جانبي / فأحجَم عنّي صَرْفُه وهْو صاغر
بمَوْلى مَوالٍ رأيُه العضْبُ صائبٌ / ومُولي نوالٍ بحْرُه العَذْبُ زاخر
له أَرقَمٌ ما انفَكَّ يَرقُمُ أحرُفاً / بها الدِّينُ ناهٍ للعِبادِ وآمِر
تُداوِي وتُدْوي دائماً نفثاتُه / فمِن نابِه التِّرياقُ والسُّمُّ قاطر
يُجِيبُ بفَتْوى أو بجَدْوى سؤالَهم / فما هو عنها طُرْفةَ العينِ فاتر
مَليٌّ بتَقْريبِ البعيدِ برأيِه / إذا ما خلا يوماً بَملْكٍ يُشاور
مَيامِنُه من غيرِ بعثٍ لعَسْكرٍ / غَدتْ دونَ هذا المُلْكِ وهْي عَساكر
إذا ما رجالَ الدّهرِ عَدَّتْ أناملُ ال / وَرى سجدَتْ عَجلَى إليك الخَناصر
فإن يُنْوَ تَقديمٌ بها فأيامِنٌ / وإنْ يَنْو تَفْخيمٌ بها فالأياسر
فِداؤك مِن صَرْفِ الرَّدى كُلُّ كاشحٍ / غدا وهْو عن نابِ العداوةِ كاشر
وخاطَرَ بالنَّفْسِ امْرؤٌ باتَ ليلَه / خِلافُك منه وهْو بالبالِ خاطر
أيا رُكنَ إسلامٍ أُراقِبُ حَجَّه / ولي عنه دَهْري مُحصَرٌ ومُحاصَر
متى تَلْتَقي عيني بغُرّةِ وَجْهِه / فقلبي إليه رائدُ الشَّوقِ طائر
أأصبِرُ عن نادِيه يوماً يَمرُّ بي / وما أنا فيه حاضِرٌ ومُحاضِر
وإنّ امرأً أرجَا من العُمْرِ ساعةً / ولم يَكْتسِبْ فيها علاءً لَخاسر
فِدىً لك نَفْسي من كريمٍ وناصِرٍ / تَملَّكني إنعامُه المُتَناصر
له مِنَنٌ عندي جَديدٌ رُسومُها / وما الطَّوقُ ما عاش الحمامةُ دائر
وكم جاء بي نِضْوٌ طوَى الأرضَ ذارِعاً / فعاد بما أَوْقَرْتَهُ وهْو شابر
فيا مالِكي عطفاً عليَّ بنَظْرةٍ / لها منكَ في ماضي الزَّمانِ نظائر
تَماسَكْتُ حتّى لم أَجِدْ لي تماسُكاً / فها هيَ صارتْ بي إليك المصائر
ولي شِبْلُ صِدْقٍ غيرَ أنْ ليس حاضري / فَتُنجِدُني أَنيابُه والأظافر
وصَعْبٌ بلا إسعادِ صَحبٍ نفائسٍ / إذا لم يكنْ بعضٌ لبعضٍ يُضافر
وإنّي لَتُضْنيني حَوالَيَّ أنْ أرَى / معاشرَ كُلٌّ لي خليلٌ مُعاشر
فأشكوهُمُ يَشْكونَ أيضاً إضاقةً / عُمومُ الأذى منها على النّاسِ ظاهر
وقد أكّدوا الشَّكْوَى بنادرةٍ حكَوا / وتُبدي خَفّياتِ النّفوسِ النَّوادر
حكَوا أنّ في مِصْرٍ صلاةَ جماعةٍ / رأتْ عينَ بادٍ وهْو إذْ ذاكَ حاضر
فخالطَهمْ حتّى يصلِّي وما درَى الصْ / صَلاةَ فأضحى واقِفاً وهْو حائر
فقالوا له افْعَلْ ما فعَلْنا ولا تخَفْ / إذا لم تكُن منه لشَيْءٍ تُغادر
فلمّا استَوى خلْفَ الإمام وصارَ في الرْ / رُكوعِ تَدلَّى ما حوَتْه المَآزر
فأَمسكَ خِصْيَيْهِ فتىً كان خلْفَه / لَيضْحكَ منه وهْو حَيرانُ سادر
ومن بعضِ أركانِ الصَّلاة لجَهْلِه / تَوهَّمَهُ رُكناً فأَهوَى يُبادر
وأمسَك بالشّيخ الإمامِ أمامَه / كذلك فاسودَّتْ عليهِ المَناظر
وظلَّ البُدَيْوِيُّ المُعنَّى وماجِنٌ / من الظّهْرِ خِصْيَيْهِ إلى العَصْرِ عاصر
وخَلَّى الإمامَ حينَ خَلّوهُ بعدَما / أضاعَتْ من الضِّحكِ الصّلاةَ المَعاشر
وما شَبّهوا إلاّ الحواشي بما حكَوا / فجَلَّ عن الشِّبْهِ المَوالي الأكابر
وثقْلُ اللّيالي لا الحواشي شِكايَتي / فهل عاذِلٌ لي لو تَحقّقَ عاذر
وحاشا حواشي سَيّدٍ أنا عَبْدُه / له ولهم ودّاً صفتْ لي الضمائر
مكاريمُ للأضياف في عَرصاته / سقَى عهدَهم عنّي الغُيوث البواكر
فما قصَّروا بي عن مدىً من كرامةٍ / ولكنّني عن شُكْرِهم أنا قاصر
إليك إذَنْ لامنكَ نُنْهي شِكايةً / ولا مُشتكَي إلاّ اللّيالي الجَوائر
فهَبْ نظرةً عَدْلاً يَصِخْ لك ناظِراً / بَواطِنُ من أَحوالنا وظَواهر
إذا ما علَى النُّوّابِ ثُقِّلَ ثَقّلوا / عَلّى فلِي ما ضّرَّ صَحْبِيَ ضائر
يقولون نحن الغارمون فما لنا / يُساهِمُنا ذو تُرْفةٍ ويُشاطر
فقلتُ هما صِنْفانِ صِنْفٌ مَغارِمٌ / بها استَوجَبوا سَهْماً وصِنْفٌ مَفاقر
ولا تَخْرِقُ العاداتِ أنظارُ مُعْسِرٍ / شكا زمَناً حتّى تَعودَ مَياسر
وغير بعيدٍ حيثُ كُذِّبَ أَوّلٌ / لطالعِ فَجرٍ أنْ يُصَدَّقَ آخِر
لعلّ لعاً إن قلتَ يَرجِعُ ناهِضاً / بإقْبالِك الجَدُّ الّذي هو عاثر
فمُرْ لي بتَسْويغ القضاء ومُرْهُمُ / بقَسْمٍ سواءٍ دامَ منك الأَوامر
لِيجمعَ كُلاً ظِلُّ دولتِكَ التي / علينا الغِنَى من سُحْبِها مُتَقاطر
فأنت لنا المَولَى العظيمُ جلالُه / ونحن فأَسعِدْنا العَبيدُ الأصاغر
ومادُمْتَ حيّاً فالحقوقُ قديمةٌ / لبَحْرِك يا ابنَ الأكرمينَ أُجاور
فإنّ مَعاشي في بقيّةِ عيشتي / عليك فلا تَشْغَلْكَ عنّي المَعاذر
ضَياعي كذا عارٌ على كُلِّ صاحبٍ / وحاشاك أن تغْشَى عُلاكَ المَعاير
وإلاّ فَطَيّاً للفيافي تَجوزُ بي / عُذافِرَةٌ أَجوازَها أَو عُذافر
ولا عَيْبَ أنّي من جنابِكَ راحلٌ / إلى جانبٍ لي فيه تُرعَى أواصر
فقد خِفْتُ حتّى خِفْتُ أنْ ستقولُ لي / وأنت على ما شئْتَ لو شئتَ قادر
كما قال زَيْدُ الخيلِ يومَ حفيظةٍ / غدا وهْو فيه للحُطَيئةِ آسر
أقولُ لعَبْدَيْ جَرْوَلٍ إذْ أسَرْتُه / أَثِبْني ولا يَغْرُرْكَ أنّك شاعر
فقال ألا لا مالَ عندي وإنّما / ثَوابي ثناءٌ في البسيطةِ سائر
فأَطلَقَ عن قَيْنَيهِ قَيْدَيهِ مُسرعاً / وعاد إلى أصحابهِ وهْو شاكر
فيا أيُّها الصّدْرُ الّذي بَحْرُ جُودِه / له الواردُ التّأميلُ والشكرُ صادر
سريرتُك الإحسانُ والعَدْلُ والتُّقَى / وفي كُلِّ صَدْرٍ إن نظرنا سَرائر
حياؤك يَطْوِي ما يُفيدُ منَ الّلها / ولكنّ ما يَطْويِه شُكريَ ناشر
فزِدْني جميلاً منك وازْدَدْ بشُكْرِه / جمالاً فَمولِيُّ الجميلِ مُتَاجر
ومُكْرِمُ مثْلي مُكْرِمٌ بي نفسَه / إذا أَعملَ الفِكْرَ الفقيهُ المُناظر
وسيّانِ معنىً أن يُنَوَّلَ ناظِمٌ / مديحَ جوادٍ أو يُقَبّلَ ناظر
فدُمْ للعُلا والمجدِ مادام دِيمةٌ / تُرَجّي البوادي صَوْبَها والحَواضر
ودام شهابٌ أنت مَطْلعُ سَعْدِه / وأَنوارُهُ للنّاظرِينَ بَواهر
نُصرْتَ على الأعداء فلْيهْنِك النّصرُ
نُصرْتَ على الأعداء فلْيهْنِك النّصرُ / ودامتْ لك النّعماءُ فليدُمِ الشُكرُ
وأسمحَتِ الأيّامُ بعدَ إبائها / ولانتْ لما تَهواهُ أعناقُها الصُّعر
أدَلَّ عليه المُلكُ إدلالَ واثقٍ / فباطنُه وُدٌّ وظاهرُه هُجر
وأذنبَ كي يُهدي إليك اعتذارَهُ / ويا رُبَّ ذَنبٍ كان جالبَهُ العُذر
وكنتَ له السِّرَّ الخطيرَ فصانَه / ولا بدَّ دونَ السِّرِّ أن يُسبَلَ السِّتْر
فغِبْتَ مغيبَ البدرِعندَ سِرارِه / وعُدتَ بأبهَى عَودةٍ عادَها البَدر
فعادَ إلى عَيْنِ الحسودِ بك القذَى / وعاد إلى وَجْهِ الَولِيِّ بك البِشر
وفاء إلى أفيائك المَجدُ والعُلا / ولاذَ بعالي رأْيِك النّهْيُ والأمر
وماذا رأى الباغي عليك ببغْيِه / ولولاك لم يُسدَدْ لمُلْكِهمُ ثَغر
وأنت غَنِيٌّ عنهمُ لو تَأمَّلوا / وما أحَدٌ إلاّ إليكَ به فَقْر
وما اعتَمَد الأقوامُ حَربَكَ غِرّةً / ولكنّهمْ غُرّوا بحِلْمِكَ فاغْتَرّوا
إذا كنتَ تُغْرَي أنت بالعَفْوِ عنهمُ / فليسَ عَجيباً بالتّجنِيّ إذا أُغْروا
فإن هَدموا قَصْراً عَمْرتَ لزائرٍ / فلن يَهدِموا المجدَ الذي ضمَّه القَصر
وإن نَهَبوا وَفْراً ذخَرْتَ لسائلٍ / فما زال من كَفَّيك يُنتَهَبُ الوَفْر
وما هو إلاّ العَيْنُ كُلُّ رزيئةٍ / إذا أخطأتْ إنسانَها أَمَمٌ نَزْر
كأنّي بهِ والعِزُّ مِلءَ عِراصِه / تُعفَّرُ في ساحاتِها الأوجُه الغُرّ
وحاشاكَ دونَ المجدِ أن يَطأوا حِمىً / حَمْيتَ وأنْ يُخْشَى لساكنهِ ذُعْر
مَكانُك أعلى أن يُبِيحوا له الحِمَى / وأوسَعُ عِزّاً أن يُحِيطَ بهِ الفِكْر
ومَن يكنِ البْدرَ المنيرَ فإنّما / مَنازِلُه إن قيست الأنجمُ الزُّهْر
ولمّا رأوا أنّ الأمورَ مُضاعَةٌ / وأنّ الّذي أبدوْا عواقبُه الخُسر
وأنّ فتىً ما أنت مَقْصودُه عَمٍ / وأنّ يداً ما أنت مالِئُها صِفر
أتَوكَ فأعَطْوكَ المَقادَ بأسرِهمْ / وعَفَّى على آثارِ ما أذْنبوا عُذْر
وأهوَتْ إلى أرضٍ وَطِئْتَ شِفاهُهمْ / وجَلّتْ عنِ التّقبيلِ أنملُكَ العَشْر
يُحَيّونَ مَلْكاً عظّم اللّهُ قَدْرَه / وأَعلاه حتّى ليس يَعْدِ لَهُ قَدر
دَعاهمْ فلَبَّوهُ إلى الحِلْفِ دَعوةً / فأَقبلَ مُختارٌ إليهِ ومُضطَرّ
ولو لم يُعَدَّ الرِّفْقُ ألْيقَ بالفتَى / لَقادَهُمُ طُرّاً إلى الطّاعةِ القَسر
إذا ما أتَى التَّوفيقُ من دونِ واحدٍ / تَقاصَرَ عنه وَحْدَه العَدَدُ الكُثر
وهل يَضَعُ الحُسّادُ من مَجدِ ماجدٍ / وللّهِ في إعلاء رُتْبتِه سِرّ
وأمّا الرّعايا فهْي في ظِلِّ نعمةٍ / منَ الأمنِ لا يُزْري ببَهْجَتِها الكفر
نَشاوَى من الإدلاجِ حتّى كأنّما / زمانُك ساقيهمْ وأيّامُك الخَمر
رأَوْا منك عدْلاً فوق ما حُدِّثوا بِه / وما خَبَرٌ إلاّ ويَكْشِفُه خُبر
وألّفْتَ بالإحسانِ بينَ قُلوبِهمْ / فأوثَقَها من سِرِّ إخلاصِها أَسْر
وقد كان منهم مَن يقولُ سَفاهةً / أبعدَ نظامِ المُلكِ يَنْتظِمُ الأَمر
فقد حارَتِ الأفهام فيما سنَنْتَه / من الجودِ حتّى ما لِمفقودِهمْ ذِكر
وهَوَّنَ فَقْدُ الفَجرِ أن كان بَعدَهُ / من الشَّمسِ ما يُنْسَى لمَوْضِعِه الفَجر
فيا مَلِكاً عاداتُ هِمّتِه عُلاً / ويا واهباً أمطارُ راحتِه غُزْر
كسَوْتَ يمينَ الدّولةِ المَلْكِ حُلّةً / فدانَتْ له الدُّنيا وعَزَّ بِه النَّصر
رأَوْا أنّ شِبْلاً أنت حاميهِ ضَيغَمٌ / وأنّ هِلالاً أنت صاحِبُه بَدر
إذا كنتَ أنت الدّهْرَ بل أنت فَوقَهُ / تُساعِدُه في كلِّ نائبةٍ تَعْرو
فلا يَكُنِ المَغرورُ مُستَصغِراً له / فليس صغيراً مَن يُساعِدُه الدَّهر
لقد نِلْتَ بالأقلامِ ما يُعجِزُ القَنا / وبالرَّأْيِ ما يَعْيا بهِ العَسكَرُ المَجْر
فَمُثْنٍ على آثارِك السَيفُ والنَّدى / ووَقْفٌ على أَفعالِكَ الحمدُ والشُكر
بَقِيتَ ولا أَبقَى لك اللّهُ كاشِحاً / وعُمِّرْتَ للعلياء ما سَرَّكَ العُمر
وهُنِّئْتَ ذا العِيدَ السّعيدَ ومِثْلَه / أُلوفاً منَ الأعيادِ مالأْلأَ الغَفْر
إليكَ شكَوْتُ الدّهرَ يا خيرَ أهلِه
إليكَ شكَوْتُ الدّهرَ يا خيرَ أهلِه / لتُصبح لي عَوْناً على نُوَبِ الدَّهْرِ
فلا يَسمَعِ الأعداءُ بي أنّ حاجةً / أَتَيتُ أبا نَصْرٍ لها فأَبَى نَصْري
بلَى يَنْبغي أن يَذكرَ النّاسُ أنّني اسْ / تَعنتُ على أَمْري به فَعَلا أَمري
فَذكِّرْ وجيهَ المُلْكِ سابقَ وَعْدِه / فلا بُدَّ من نَفْعٍ يكونُ مَعَ الذِّكر
ولي فيه آمالٌ وقد صار مُقْنِعي / منَ البِرِّ تَوقيعٌ بصَدْرٍ منَ البُرّ
حلَفْتُ بمَنْ قد قابَلَ اليومَ بيتَهُ
حلَفْتُ بمَنْ قد قابَلَ اليومَ بيتَهُ / عيونُ رجالٍ دَمْعُهنّ نَثيرُ
أَتوا فِرَقاً من كلِّ أشعثَ قد نَبا / به الجَنْبُ شَوقاً والمِهادُ وَثير
فما زال حتّى عايَنَ البيتَ طَرْفُه / يُنيخُ بقَفْرٍ نِضْوَه ويُثير
لمّا أنصَفوا دَهراً يذُمّونَ صَرْفَه / وفيه هُمامٌ كالأثيرِ أَثير
كفانا كريمٌ واحدٌ من زمانِنا / وإنّ كريماً واحداً لكَثير
إلى ان تَؤوبَ الشَّمسُ لا يَغْرُبُ البَدْرُ
إلى ان تَؤوبَ الشَّمسُ لا يَغْرُبُ البَدْرُ / إذا كمُلَتْ فيه مع الأربَعِ العَشْرُ
فَنُبْ عن أبيكَ الدَّهْرَ ما غابَ شَخْصُه / فإنّك بَدْرٌ شَمسُه ذلك الصّدْر
ودُمْ لعيونِ الخَلْقِ عنه خليفةً / وقُلْ لحجابِ الغَرْبِ مَوْعِدُك الحَشر
وَجُدْ بنَدَى كفَّيكَ مَثْواهُ عامِداً / ففي السُّحبِ ما يُسقَى بأمطارِه البَحر
هو البَحرُ إلاّ أنّ أصدافَ جُودِه / مَدارِسُه والغُرُّ من أهلِها الدُّرّ
وذا العَبْدُ منهم دُرُّه غيرَ أنّه / له خاطِرٌ في ضمْنِه دُرَرٌ كُثر
بِكُم حازَها قِدْماً وفيكُم يَصوغُها / إذَنْ فهي النُّعمَى لكم وهي الشُّكر
بدائعُ لا المَعْنَى عَوانٌ أذالَه / سِوايَ ولا اللّفْظُ المَصوغُ له بِكر
فيا ماجداٍ أقطارُ ساحته حمىً / ويا جائداً أمطارُ راحته غُزر
ويا مَلِكاً أَعلامُ هِمّتِه عُلاً / ويا مَلِكاً أيّامُ دولتِه غُرّ
لِيَهْنِكَ ولْيَهْنِ الخليقةَ كُلَّها / تَجدُّدُ بُشرَى في الوجوه لها بِشر
مِن الآنَ حَلَّ المجدُ في مُستقَرِه / وألقَتْ عصاها عنده الهِمَمُ السَّفر
وأسمحتِ الأيّامُ بعدَ إبائها / ولانَتْ إلى الإنصافِ أعناقُها الصُّعر
وأضحَتْ من العدلِ البلادُ وقد هدَتْ / وأمستْ من الأمنِ العبادُ وقد قَرّوا
وفاء إلى أفيائك المجدُ والعُلا / ولاذ بعالي رأيِك النَّهْيُ والأمر
وإنْ كنتَ قُلِّدتَ الوِزارةَ آخِراً / فما ذاك بِدْعٌ من عُلاك ولا نُكْر
فأحسَنُ قُربٍ ما تَقدَّمَهُ نوىً / وأطيَبُ وَصلٍ ما تَقدمَّه هَجر
وكنتَ لهذا المُلْكِ ذُخْراً وإنّما / يُؤخَّرُ في الإنفاقِ ما أمكَنَ الذُّخر
تَقدَّمَ شَفْعٌ من سَراةِ بني أبٍ / وآخَرُ للعلياء بعدَهما وِتْر
وكانتْ لهم تلك المَراتبُ مثْلما / تُرتَّبُ في أفلاكها الانجمُ الزُّهر
لئن قام من بعدِ النّظامِ مَكانَهُ / لنا العِزُّ منهم والمُؤيَّدُ والفَخر
ففي الشُّهْبِ أَيضاً زُهرةٌ وعُطارِدٌ / يُعَدّانِ بعدَ الشّمسِ ثمّ يلي البَدر
فهذا أوانُ استمسكتْ من قَرارها / فما عابَها في المجدِ فَوْتٌ ولا قَصر
وهل يَقطَعُ السُّلطانُ دونكَ أَمْرَه / وقد كان ماضيه إلى ذاك يُضْطَر ّ
دعاكَ أَبوهُ للوزارةِ قَبلَه / ففي صَرْفِ هذا الأمرِ عنك له وِزْر
وأَنت غِنيٌّ عنهمُ لو تأمّلوا / وما أَحدٌ إلاّ إليكَ بِه فَقر
فلولاك لم يَستَدَّ للدِّينِ أَمْرُه / ولولاك لم يَشْتَدَّ للدّولةِ الأزْر
وهَتْ لنظامِ المُلكِ أَركانُ معَشَرٍ / وعاد نظامُ الدينِ فالْتأم الكَسر
فإن عرَضَتْ بين النّظامَيْنِ فترةٌ / من الدّهرِ لم يُسدَدْ لمُلْكٍ بها ثغر
فبينَ بياضَيْ كُلِّ ليلٍ سَوادُه / ولن يَغلِبَ اليُسرَيْنِ في زَمنٍ عُسر
وما هي إلاّ حِكمةٌ مُستفادةٌ / تَجلَّى لنا من حُسنِها للعُلا سِرّ
لقد ظنّ عاوٍ مِسْعَرٌ أَن يُرَى لهمْ / بدونِ نظامِ المُلكِ مُنتَظِماً أَمر
فأفقدَه اللهُ العزيزُ مكانَه / عِقاباً على ما ظَنّه الجاهِلُ الغَمر
فلمّا رأَى ما أَحدثَ الدَّهْرُ بعدَهُ / وعُظِّمَ للمفقودِ في عَيْنِه القَدْر
تَعرَّض فخْرُ المُلكِ من بَعْدُ فانثنَى / كأنْ لم يكنْ في المُلكِ شُورى ولا شر
ألم تَرَ أنْ أَمسَى سُلَيمانُ نادِماً / عَشِيّةَ عَرْضِ الخيلِ إذْ فاتَه الذّكِر
فَرُدَّتْ عليه الشّمسُ بعدَ غُروبِها / وعادَ له صُغْراً إلى وَقْتِه العَصر
لقد عَزَّ مَن عاصَرْتَهُ فجعلْتَه / كفَخْرِ نبيِّ اللّهِ فينا له فَخر
فعادَ له عَصْرُ الصّلاةِ ولم تَفُتْ / وعاد لنا عصرُ الصِّلاتِ ولا عَصر
وَرُدَّتْ له شمسُ السّماء ولا دُجىً / وَرُدَّتْ لنا شمسُ السّماحِ ولا فَقر
على أنّها رُدَّتْ إلى الأُفْقِ ساعةً / وأنت تُقيمُ الدَّهرَ ما سَرَّك العُمر
لِيَعْمُرَ منكَ المُلْكُ والمجدُ والعُلا / ويَفخَرُ فيكَ البأْسُ والجودُ والشِّعر
ويُثْنِي على آثارك السَّيفُ والنّدَى / ويُفْضي إلى أفعالك الحمدُ والأَجر
فقلْ للعدوِّ المُستغَرِّ بجَهلِه / أَيملأُ أُذْنَيكَ النّذيرُ وتَغتَرّ
فدع عنك ملْكاً لستَ صاحبَ مِثْلِه / فما لك إلاّ صفقةٌ كلُّها خُسر
وجَفْنٌ وإنْ أطبقْتَه الدَّهَر ساهرٌ / وكفٌّ وإنْ أَحكْمتَ قبضَتها صِفر
هي البِيضُ والسُّودُ الّذي هو كاتبٌ / فإن لم تُؤثِّرْ فيك فالبِيضُ والسُّمر
فقد شامَ سيفَ النّصْرِ أَروعُ باسِلٌ / يهونُ عليه أن يُصيبَ العِدا وِتْر
مليكُ خُراسانَ الّذي إنْ سَمَا لَها / معَ الجيشِ لم يُعْجِزْه من أَرضِها شِبر
وكان له حرباً عَواناً إمامُها / نتيجتُها فيمن بَغى فتكةٌ بِكر
تباعَدْ له إنَّ المُظفَّر كاسْمِه / إذا شاءَ لم يَنْصُرْك نابٌ ولا ظُفر
وما تُتْشنٌ إلاّ قتيلُ مُرادِه / وإنْ رَجَّموا شَتَّى ظُنونٍ ولم يَدْروا
وما كان إلاّ اللّيلُ بالقَلْبِ وَحْدَه / إلى ابنِ ملِكشاهٍ فَتمَّ له النّصْر
فما ظنُّهمْ في أَمرِه اليومَ بعدَ ما / تَساوَى له من نَصْرِه السّرُّ والجَهر
تَجمَّع منه القَلْبُ والكَفُّ والظُّبَى / لنُصْرتِه والرَّأْيُ والجيشُ والوَفر
فيا ابنَ قِوامِ الدّينِ لا بغتِ العِدا / على ابنِ مُعِزِّ الدّينِ ما خصّك الأَمر
فأنتَ له والدَّهرُ أنت مُساعِدٌ / ولم يَستَطيعوا مَن يُساعِدُه الدَّهر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025