القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الشَّريف المُرتَضى الكل
المجموع : 182
قَرنتك بِي واللَّه يَعلَمُ أَنّني
قَرنتك بِي واللَّه يَعلَمُ أَنّني / أَرَدْتُ بِكَ الحُسنى فعدتُ المُخيّبا
وَما كُنتُ فيما جِئتُ أَوّلَ صادق / أَساؤوا بهِ ظنَّاً فكانَ المكذَّبا
فَلا تَطمَعوا مِن ذي حِجىً بِنَظيرها / فَكُلُّ اِمرِئٍ يُدعى إِلى مِثلِها أَبى
أَلا يا لَقومِي لاِعتِنانِ النّوائبِ
أَلا يا لَقومِي لاِعتِنانِ النّوائبِ / وَللغُصنِ يُرمى كلَّ يومٍ بشاذِبٍ
وَللنّاسُ إمّا ظاعنٌ حانَ يومُهُ / وَإمّا مقيمٌ لاِجتراعِ المصائبِ
وَزَوْرُ المَنايا إِنْ حَميناه جانباً / أَتانا كَأَنْ لَمْ يُحْمَ مِن كلِّ جانبِ
يُعطُّ عَلينا كلَّ سَرْدٍ مضاعفٍ / ويخطو إلينا كلَّ بابٍ وحاجِبِ
وكم هاربٍ مِنْ أنْ يلاقِيَهُ الرّدى / مُغذٍّ ولكنْ لا نجاءَ لهاربِ
نُقِلُّ اِعتِباراً في الزّمانِ تغابياً / وَأَبصارُنا مَملوءَةٌ بالعجائبِ
وَنَصبو إِلى وِرْدِ الحياةِ وصرفُها / يذودُ بنا عنها ذِيادَ الغرائبِ
بُلينا منَ الدّنيا بِخلْفٍ مُجَدَّدٍ / وَإِن درَّ أَحياناً بِأَيدِي الحوالبِ
وَنَظْما إلى ما لا يَزالُ يُذيقُنا / لُعابَ الأَفاعِي أَو شِيالَ العَقاربِ
وَخِلٍّ تَولّى المَوتُ عنّي بِشَخصِهِ / توَلِّيَ مُمتدِّ النّوى غيرِ آيبِ
كَأنِّيَ لمّا صكَّ سَمعي نَعِيُّهُ / صُكِكْتُ بمسنونِ الغِرارين قَاضبِ
وَفارقني مِن غيرِ شَيءٍ أرابَه / وَصدُّ المقاصِي غيرُ صدِّ المعاتِبِ
طَواهُ الرّدى طيَّ الرِّداءِ وعُطِّلتْ / مَغانِي الحِجى منهُ وغُرُّ المناقبِ
خَليليَّ قوما فَاِندُبا مَنْ بِقُربِه / لَهَوْتُ زَماناً عن سَماعِ النوادِبِ
وَيا لَهْفَتِي منهُ عَلى ذِي مَودّةٍ / بَريءِ الأَديمِ مِن قروفِ المَعايبِ
نَسيبِيَ بِالوُدِّ الصحيحِ وأَقْربي / وَصاحِبيَ الأدْنى إِذا اِزوَرَّ صاحِبي
وَمَنْ كُنتُ لا أُفضِي لَه بِخليقةٍ / وَلا أَشتكِي منهُ اِعوِجاجَ المذاهبِ
مَذاقٌ كَما يَحلو الشّهادُ لِذائقٍ / وَصَفوٌ كَما يَصفو الشّرابُ لشاربِ
وَلَمّا بَلَوْتُ الأَصدقاءَ ووُدَّهُم / خلصْتُ إِليهِ مِن خِلال التّجارِبِ
فَأَعْلَقتُ قلبي منهُ مِلْء جَوانِحي / وَأَغلقتُ كفِّي منه مِلْءَ رواجِبي
شَقَقنا لهُ في التُّربِ بيتاً كَأنّما / شَقَقناهُ مِنْ وَجْدٍ بِه في التَرائبِ
وَهِلْنا عليهِ مِن جَوانبِ قبرِهِ / ثَرىً طابَ لمّا مسَّ طِيبَ الضّرائِبِ
أَيا ذاهِباً بُقّيتُ لِلحزنِ بعدَهُ / أَلا إِنَّني حزناً عَليك كَذاهبِ
تُوُفّيتَ دونِي غَيرَ أَنَّكَ هالكاً / توفّيتَ آمالِي وعُلْتَ مطالبِي
فَأَصبحتُ فَرْدَ الشّخص لولا تلهّفٌ / يَزور بِسارٍ مِن همومٍ وسارِبِ
وَلَوْ أنّ غير الدّهر رابكَ بالرّدى / عَجِلنا إِليهِ بالقنا والقواضبِ
وَدافَعَ عنكَ الضّيمَ حتّى يزيغه / رِجالٌ رجالٌ مِن لويّ بن غالبِ
إِذا ما دُعوا طاروا إِلى حَومَةِ الوغى / عَلى كلِّ مَعروقِ الجناجِنِ شازِبِ
جَريئونَ رَكّابون إِمّا تنمّروا / رقابَ المنايا أو ظهورَ المعاطِبِ
وَكَم لهُمُ في باب كلّ عظيمةٍ / قراعُ أَكفٍّ أَو زِحامُ مناكبِ
سقَى اللَّه قَبراً كنتَ حشوَ ضريحهِ / غزيرَ الحوايا مستهلّ الهيادِبِ
تَقَعقَعُ في جوّ السّماءِ رعودُه / ويوقِد فيه البرقُ نارَ الحُباحبِ
وَإِنْ مزّقتْ عنه الشّمال برودَه / عَلى عَجَلٍ حاكَتْه أيدي الجنائبِ
وَما لِيَ أَستسقِي الغمامَ لقبرِهِ / وقد نُبْتُ عنه بالدّموِع السّواكبِ
عِتابٌ لِدهرٍ لا يَمَلُّ عتابي
عِتابٌ لِدهرٍ لا يَمَلُّ عتابي / وشَكوى إِلى مَنْ لا يردّ جوابي
وَأَطلُبُ ما أَعيا الرّجالَ طِلابُه / فَيا لِلحِجى كَم ذا يَكونُ طِلابي
وَبِي ما أَذودُ النّاسَ عن باب علمِهِ / وكلُّ أُساتي جاهلون بما بِي
فلِي كَبِدٌ تَصلى بغيرِ خريدةٍ / وَلِي جَسدٌ يبلي بغير كَعابٍ
إِذا لَم أُرَغْ عند الغوانِي تغزّلاً / فَمثلُ مشيبي بينهنَّ شَبابي
وَلَو كنتُ يوماً بالخِضاب موكَّلاً / خضبتُ لمَن يَخفي عليهِ خضابي
فَإِن تعطِني أولى الخِضاب شبيبةً / فإنّي أُخيراه بغير شبابٍ
وَأَين منَ الإِصباحِ صِبغةُ غَيْهبٍ / وَأَين مِنَ البازيّ لون غُرابٍ
وقد قلّصتْ خَطْوِي الليالي وشمّرتْ / برَوْحاتها من جيئتِي وذهابي
وَكَم ظَفر الأقوامُ في البيض كالدُّمى / بفُوفِ المنى منهنَّ لا بثيابِ
وَلِي هِممٌ لمّا طَمحْنَ إلي العُلا / طمحْنَ كثيراتٍ وقلّ صِحابي
فمِنْ عذْبِ أزوادِ النّزاهةِ مطعمِي / ومن ماءِ أحواض العَفاف شرابي
فأيّ بلادٍ ما خرقتُ فِجاجها / وَفي أَيّ أَرضٍ لم تدُرَّ سحابي
وَأَيّ صَديقٍ لَم تُصبْه مثوبتي / وَأَيّ عدوٍّ لَم يَنلهُ عِقابي
أُريدُ الغنى مِن غيرِ ما جانب الغنى / فسهمِيَ لا يُصمى وسيفِيَ ناب
وَفي راحَتي أَسعى وَمن دونِ راحتِي / ركوبُ شِماساتِ المتون صِعابِ
وَربّ أُناسٍ جارِعي مُرَّ بِغْضَتِي / وَأَضلُعُهم ملأى بخبّ ضَبابِ
بَطيئينَ عنّي ناكِصينَ عَنِ الّتي / رَقَيْتَ إِلَيها من قلالِ هضابِ
وَلَمّا جرَوْا يَرجونَ سَبْقي إِلى العُلا / مَضيتُ وَلَمّا يَلحَقوا بترابي
يريدونَ أَن أَشقى برَجْع خطابِهمْ / وَمنْ فيهم يستطيعُ رَجْعَ خطابي
وَودّوا وأنّى ما يَودّون أنّهم / أصابوا معاباً لِي وأين معابي
وَمُذْ أَخطَأوا بابَ الصّواب ونكّبوا / عَنِ الرّشدِ باتوا حاسِدينَ صَوابي
وَقَد صَفِرتْ مِن كُلّ مَجدٍ أكفّهُمْ / ولم تخلُ من مجدٍ حَوَتْهُ وِطابي
ولمّا تناهبنا النّدى جئتُ راكباً / سنامَ النّدى في كلّ يومِ نِهابِ
وَقَد عَلِموا أنّي عَلى غيرِ ريبةٍ / تُلَطُّ سُجوفي ثمّ يُغلَق بابي
وإنّي وأَدناسُ الزّمان كَثيرةٌ / مَررتُ فَلم تَعلقْ بهنّ ثِيابي
وَما كانَ جاري وَالقِرى يستفزّه / مَروعاً وقد وافى بِنَبحِ كلابي
وَلا طارِقِي يرجو ثوابِيَ عائداً / بعسرٍ ولا يُسرٍ بغير ثوابِ
فَقلْ للعدى كونوا جميعاً بنجوَةٍ / إذا ماج تيّاري وجُنّ عُبابي
وَلا تَأمَنوا وَالشرّ ينتجُ بِالأَذى / وَقَد سَحَّ وَدْقِي أَنْ تَسيلَ شِعابي
وَوثبة مَفتول الذّراعِ قُصاقِصٍ / يُساعد ظُفراً في الصّريع بنابِ
هجومٍ عَلى الأقرانِ لَم يَثنِ كيدَه / كَميٌّ بِإقدامٍ ولا بهِبابِ
تَبوعٍ لحوقٍ في يديهِ طِلابه / وَما كلُّ باغٍ فائزاً بطِلابِ
ثَوى الغابَ مَرهوبَ المكانِ وما الرّدى / يُلاقيه إلّا في خبيئةِ غابِ
تَرى حولَهُ أَسلابَ قومٍ ولم يكنْ / ليحفل في مَنْ بزّه بسِلابِ
وَما لحظُهُ إلّا كَنجمَيْ دُجُنَّةٍ / وَلا بَطشُهُ إلّا كَمثل حِرابِ
له زَفرةٌ مِن فوق جنب صريعهِ / كما صُكَّ صُلْبٌ يابسٌ بصِلابِ
حَكتْ زَفرة المغلوب حزناً وخيبةً / وما هي إلّا زفرةٌ لِغلابِ
وَنهشةَ مَسموم اللِّثاثِ لعابُهُ / خَروقٌ إلى الأرداءِ كلّ حجابُ
تَراه لَصوقاً بالتّراب كأنّه / قطيعٌ طريحٌ أو سقيطُ حِقابِ
لَه مَلْمَسٌ لَيْنٌ وَحشو أديمِهِ / خشونةُ فرّاءٍ لكلِّ إِهاب
يَسدُّ على السّاري الطريقَ مجرُّهُ / وآثاره يحمين كلّ نِقابِ
كأنّ عليه جبّةً وهو صائفٌ / وفي القُرِّ عُريانٌ بغيرِ ثيابِ
يُمجّ سِماعاً في اللّديغِ كأنّه / لُغامُ نياقٍ أو نضيح حِبابِ
وما مشيُهُ إلّا تغضّنُ نِسْعَةٍ / تَلَوَّى على كوماء ذاتِ هِبابِ
حُبابٌ بأعلى الواديين طريقُهُ / وَما المَوتُ إِلّا في طَريق حبُابِ
يَصمّ عنِ الرّاقي وَيحدُرُ ظامِئاً / لدانٍ إِلى مطواه كلّ وئابِ
فَشاكٍ تَشكّاهُ بِغَيرِ تَعِلَّةٍ / وماضٍ توخّاه بغير إيابِ
سَلِ البارقَ العلويّ ليلة شُمتَهُ / وأعشى الكرى رَكْبي معاً ورِكابي
أَلستُ وَقَد خامَ الكماة عن الرّدى / لَبِستُ طعاني نَحوه وضِرابي
عَشِيّةَ هابَ الدّارعون تورُّدي / هُناك وَهمّ الطاعنون جنابي
إِلى أَن رأوْا سَيفي وَرمحيَ في الطُّلى / بِغَير أَنابيبٍ وغير ذُبابِ
وما حيلتِي أن كنتُ في سرّ أُسرَتي / ولم يشركوا في صفوتي ولُبابي
ولم أكُ يوماً قانعاً في فضيلةٍ / بأصلي ولا في مَحتِدٍ بنصابي
وكنتُمْ وهاداً هابطاً ثمّ أنتُمُ / تسامون في العلياء أهلَ روابِ
وهيهات أن تستصبحوا في دُجُنَّةٍ / بغير مصابيحٍ وغير شهابِ
وَهَل فيكمُ إلّا مَلومٌ مُفَنَّدٌ / ببذلِ أَساةٍ أو بمنع ثوابِ
وَهل درّ يوماً خيرُكمْ وهو نازحٌ / بشيءٍ سوى مسحي له وعِصابي
صحبتُكُمُ جهلاً بكم وملأتُ مِنْ / عهودكمُ وهْيَ الضعاف عِيابي
وإنْ فُتّكُمْ فضلاً فكم فات قبلكمْ / سَبوقٌ على بُعد المدى لكوابِ
أَدِرْ أيّها السّاقي الكؤوسَ على صَحْبِي
أَدِرْ أيّها السّاقي الكؤوسَ على صَحْبِي / وَدعنيَ ظمآناً ففي غيرها نَخْبِي
وإنْ كنتَ تبغي بالمدامةِ نشوةً / فعندِيَ ما يُوفِي على نشوةِ الضَّربِ
أَبَيْتُ الهوى دهراً ولمَّا عرفتُهُ / عرفتُ مطاعَ الأمر مُغتَفَر الذّنبِ
وهيّمَ إطرابَ الفؤادِ أوانِسٌ / خَلَصْنَ إلى ذاك الممنَّعِ من حبّي
عَلَوْن النَّقا يوماً بأوفى من النّقا / ولُثْنَ على أبهى من العَصْبِ بِالعصبِ
ونادَمْننَا وهْناً بمنعرج اللّوى / فَضوَّأْنَ للسّارين داجِيةَ السَّهْبِ
وعانقْنَ قُضباناً من الرّنْدِ مرّةً / بأيدٍ سِباطٍ هنّ أندى من القضْبِ
وناعمةِ الأطراف حلّ ودادُها / مَكانَ شغافِ القلبِ مِن حبّةِ القلبِ
دَعاني قبولٌ خَلَّفَتْهُ إلى الصّبا / وما كلُّ من تمّتْ محاسنُهُ يُصبْي
خُلِقتُ كما شاءَ الصّديق مُحكّماً / عليَّ خليلي نازلاً في هوى صَحْبي
وذمّ رجالٌ أنّني غيرُ مُعْجَبٍ / فيا عَجَباً ماذا يفيدهُمُ عُجْبي
ولو أنّني أزهى بشيءٍ مُنِحْتُه / زهيتُ بفخرِ الملكِ في العُجْم والعُرْبِ
حياتِيَ منه بِالمحلّ الَّذي بهِ / يُحَسِّدُني قومي ويَغبطني شَعْبي
وأرْكَبني أثباجَ كلّ فضيلةٍ / مُمَنَّعَة الأرجاءِ محميّةِ الغَرْبِ
ففي خُلقِهِ ذاك المُفَسَّحِ مرتعِي / ومِنْ لفظهِ ذاك المشرّف لِي عُشبي
وَكَم جهدَ الأعداءُ فيما يسوؤُني / فما خوّفوا أَمْني ولا ذَعْذَعوا سِرْبي
رَضينا عَنِ الدُّنيا وَأَنتَ تركتَنا / بلا سَخَطٍ في ذا الزّمان ولا عَتْبِ
وجُدْتَ ولم تُسْأل بكلِّ نفيسةٍ / وَقَبلكَ قَومٌ لا يدرّون بالعَصْبِ
شَرِبنا أُجاجاً مِنْهُمُ وَتَنازحوا / عَنِ المَوردِ المَورودِ والمنهلِ العّذْبِ
وَما نِلتَه إِلّا بِحَقٍّ أتيتَهُ / وكم نيلَتْ العظمى من الأمر بالغصبِ
حَلفت بِمن ضحّت مِنى يوم نحرِهمْ / وما عقروا من أُمِّ سَقْبٍ ومن سَقْبِ
وبالنّفرِ الثّانين عُقْلَ رِكابِهمْ / على عَرَفاتٍ يبتغون رضا الربِّ
لقد نال فخرُ الملك ما شاءَ من عُلاً / حَلَلْنَ على أعلى محلٍّ من السُّحْبِ
فتىً لم يزلْ يغدو بِعرْضٍ مُمَنَّعٍ / ومالٍ مُذالٍ لا يفيق من النّهْبِ
ولم يرضَ سهلَ الأمرِ يرطب مسُّه / وَلَم تلْقَهُ إلّا على مركبٍ صَعْبِ
وَرامَ مداهُ المُترفون وإنّما / يَرومونَ ما رامَ الوِهادُ من الهَضْبِ
فللّهِ أيّامٌ مضين قطعتَها / بلا سَأمٍ منها على ضُمَّرٍ قُبِّ
وَلا ظِلَّ إلّا ما تُفيءُ لك القَنا / وَلا زادَ إلّا نُجعةُ الطّعنِ والضّربِ
تَصولُ بِعَضْبٍ في يديك وَخلفَه / مِنَ الرأْي ما أَمضى وأقضى من العَضْبِ
فَصفْوُكَ لا يُبلى بِشيءٍ منَ القذى / وخِصْبكَ لا يُمنى بشيءٍ من الجَدْبِ
وَطاولتَ أعماراً طِوالاً فطُلتَها / وأربيتَ حتى نِلتَ ما لم ينْل مُربِ
وَلا زالَ هَذا العيدُ يَتلوهُ مثلُهُ / تعاقُبَ أنواءِ السّحاب على التُّربِ
أَلا مَنْ معينِي مِن خليلٍ أَعدُّه / عَلى شُكر نعماءِ أتتني بلا كسبِ
تَجشّم خير الناس طُرّاً عيادَتي / فَجاءَ بِما حسبي به شرفاً حسبي
وَلَم يَعرِفوا شُكراً لها ولربّها / فلم يعْلمونا كيف نشكر في الكُتْبِ
فإنْ أَعْيَ عن شكرٍ لها من صنيعةٍ / فَذلك مِن ذنبِ البلاغةِ لا ذَنبي
أَيا صاحبِي إِنْ لم تكنْ في شديدتي
أَيا صاحبِي إِنْ لم تكنْ في شديدتي / كفيلاً بها دوني فلستَ بصاحبي
ولو لم تكنْ خير الأُلى عَجَمَتْهُمُ / بَنانِيَ لم أضمُمْ عليك رواجبي
ذَخرتك لي في النّائباتِ ومنْ يكنْ / صديقاً صدوقاً فهْوَ ذُخرُ النّوائبِ
وما ضرّ والقربُ المؤلّفُ بيننا / ودادٌ لنا أنْ لم تكنْ من أقاربِي
أجِرْنِيَ إمّا بالقواضب والقنا / أو الرّأْي إنْ خَطْبٌ أناخ بجانبي
وكنْ قَبَسِي إنْ كان قومٌ دياجِري / وكنْ صادقي إنْ كان دهرِيَ كاذِبي
وَقُمْ وَاِكفِنِي إن كنتَ تَسطيع هذِهِ / حلولِيَ مغلوباً بوادِي العجائبِ
أَلا بَكِّها أُمَّ الأسى والمَصائبِ
أَلا بَكِّها أُمَّ الأسى والمَصائبِ / بِدَمعك سَحّاً بينَ سارٍ وساربِ
وَعاصِ الّذي لم يُهمِ ماءَ جفونِهِ / على فقدِ ماضٍ أو على إِثْر ذاهبِ
ولا تُغرِني بالصَّبْرِ وَالصَبرُ ما لَه / طَريقٌ إِلى ما في الحَشا والتّرائبِ
تَلومُ عَلى ما بي وأنتَ مُسَلَّمٌ / وَقد جبَّ هَذا الرُّزءُ دونَك غاربي
وَإنّيَ مَبْلوٌّ بِما لم تُبل بِهِ / فَلا تُبلِني فيهِ بلومِ المعاتِبِ
وَما مَسَّني فيما مضى مشبهٌ بِهِ / ولا مرّ شاجٍ لِي شجاه بجانبِي
مُصابٌ هَوى بِالشمّ مِن آل هاشمٍ / وَضَعْضعَ ركناً من لُؤَيّ بن غالبِ
وَلَم يَمض إِلّا بالشَّواة عن الشّوى / وَلم يرضَ إلّا بالطُّلى والذوائبِ
وَناعٍ نَعى نفسي ولم يدرِ أنّه / نَعاها فَأَغراها بلدمِ تَرائِبي
ولَم أَشفِ ما بي مِن جَوىً ومضاضةٍ / بِقَرع جبيني أَو غَضيض رَواجبي
تَمَنّيت لمّا أَن أتى وهو صادِقي / على الرّغمَ منّي أنّه كانَ كاذبي
نَسيبيَ بالودّ الصّحيح وفضلةٌ / على ودّنا ما بيننا من مَناسِبِ
وما ضرّ من كان القريبَ مودّة / مقرّبةً أنْ لم يكن من أقاربي
عَططتُ اِصطِباري عنهُ لمّا فَقَدته / عليهِ وَلَم أَقنع بعطّ جلاببي
ولمّا تُوفِّي الزينبيُّ محمّدٌ / وسارت بما لاقاه أيدي الرَّكائبِ
نفضتُ منَ الخُلّانِ كَفِّيَ بعدَهُ / ولوّيتُ عن دار الأخوّة جانبي
وَغاضتْ دُموعي في الشّؤون فلَمْ تسِلْ / على الذّاهبين بعده والذَّواهبِ
فلا مُطمِعٌ من سائر النّاس مُطمِعِي / ولا رائبٌ من بَنْوةِ الدّهر رائبي
وَإنّ ودادي بعده لمّ نَفسَه / وَحاصَ اِمتِراقاً من أكفِّ الخواطِبِ
فلا تُدنِنِي يوماً دِيار مَسّرةٍ / وَلا تغشَ بِي إلّا بيوتَ المنادِبِ
فَمَن ذا الّذي يَرجو البَقاءَ وَنَحنُ في / يَمينِ الرّدى طَوعاً وَأَيدي المَعاطِبِ
نُساقُ إِلى المَكروهُ من كلِّ وجهةٍ / ونلُوى عنِ المحبوب لَيَّ الغرائبِ
وَنُطوى كَما تُطوى البُرود بحفرةٍ / مُطمّمةٍ أعيتْ على كلّ هاربِ
فَثاوٍ بها طولَ المدى غيرُ راحلٍ / وماضٍ إليها بالرّدى غير آئبِ
ونُعدى بداء الموتِ ممَّنْ أَصابهُ / وَعَدوى المَنايا غَيرُ عَدوى الأجاربِ
وَلم يَعْرَ جلدِي كلّما ذَرَّ شارِقٌ / لِرامِي المَنايا مِن سِهامٍ صوائِبِ
فَيَثلمُني مَن لا أراهُ بِناظري / وَيَجرحُني مَن ليسَ لِي بمحارِبِ
وَما غَرّني مِنها سلامةُ سالمٍ / فَكَمْ سالمٍ من حولِهِ أَلفُ عاطِبِ
فَإنْ تُبقِني الأيّامُ بعدكَ للأَسى / عَليكَ وَحُزني فائضٌ غير ناضِبِ
فَإِنّيَ قَوسٌ ما لَها مِنك أسهُمٌ / وَنَصلُ قراعٍ ما لَهُ من مَضارِبِ
ونارٌ بلا صالٍ وضيفٌ بلا قِرى / وليلٌ بهيمٌ ما لهُ مِن كواكِبِ
فَإِنْ لَم يَكن شوك القَتادِ منَ الأسى / عَليك فراشاً لِي فشَوْلُ العقاربِ
أَبادَ الرّدى أَهلي وَأَفنى معاشِري / وَفرّقَ ما بيني وبينَ عَصائبي
وَعاثَ زَماني في قَبيلي وتارةً / يُذَعْذِعُ ما بَيني وَبين أَصاحِبي
وَأَسمَعني في كلِّ يومٍ وليلةٍ / نَشيجَ البواكي أو حنينَ النوادبِ
وَأَعرى يَميني مِن إِخاءٍ شريتُهُ / وأعَددْتُهُ ذخراً بسومِ التجاربِ
كَأنِّيَ عَوْدٌ في يديهِ مُذَلَّلٌ / تجذِّبُهُ للعَقْرِ أيدي الجواذِبِ
له مَنسِمٌ من كلّ فِهْرٍ مُشجّجٌ / وَيُبلى قراه كلَّ يومٍ براكبِ
وَمِن عَجَبٍ أنّي طَرحتُك في الثّرى / بِمَلْعَبَةٍ بينَ الرّياحِ الجنائبِ
وَوسّدْتُكَ البَوْغاءَ من بعدِ بُرْهةٍ / تَوسَّدت فيها طالعاتِ الكواكبِ
فَإِنْ تَخفَ عنّا في الترابِ فإنّما / خفيتَ وَقَد أَطلعت غُرَّ المناقبِ
وَإِن تُبْلَ في قعرِ الضّريح بغَيْهبٍ / فَقد طالَما بيّضتَ سودَ الغَياهِبِ
وَإِن تُضح مَحبوساً عنِ النُّطق بالرّدى / فَما زلتَ في الأقوامِ أوّلَ خاطِبِ
وَما أَنصَف الأقوامُ خلَّوْك في الثرى / وَراحوا إِلى أَوطارهمْ والملاعِبِ
وَما جانَبوك عَن قِلاهمْ وإنّما / تَناءَوْا جَميعاً عن بعيدٍ مجانِبِ
هُمُ أَودعوكَ التّرب عمداً وَوَدَّعوا / عَلى رَغمهم خَير اللّحى والحواجِبِ
فَإِنْ حَملوا صَعْباً عَليك فَطالما / تَحمّلْتَ عَنهم مُضْلِعاتِ الصّعائبِ
وَإِنْ أَسعَفوكَ بِالنّحيبِ تَوجّعاً / فَمن بعدِ أَن أَسعفتَهمْ بالحرائبِ
فَقدْتكُ فَقدي مِقْوَلي يومَ حاجتِي / إلى القولِ أو سيفي غداةَ التضاربِ
وَلَم يُعيِني إلّا الَّذي يطرقُ الفتى / وَإِلّا فإنّي غالبٌ كلَّ غالبِ
وَكَم سَلَبٍ أجرى الدّماء جفوننا / وَلَم تَجنِهِ فينا يمينٌ لغاصِبِ
فَلا أرَبٌ في الدّهرِ إِلّا مَحوتَه / فبِنْ بالمُنى عنّا وكلِّ المآرِبِ
أَيا ذاهباً ولّى وخلّفَ بعدَه / عَليَّ مِنَ الأحزانِ مِلْءَ جَوانبي
وَأَخطَرَني مِن بعد أَنْ كانَ لي حِمىً / وَأَفردني مِن بعد أَنْ كانَ صاحِبي
وُهبتَ لَنا ثُمّ اِرتُجعتَ إِلى الرّدى / فما لي اِنتفاعٌ بَعدها بالمواهبِ
فَإِنْ لَم أَكُنْ مَيْتاً كَما أنتَ ميّتٌ / فَما لِيَ في عَيشي نَصيبٌ لراغبِ
فَإِنْ حَجّبوكَ عَن لِقائِيَ بالثّرى / فَما حَجَبوا حزني عَليك بحاجِبِ
وَإِن تَمضِ صِفْرَ الكفّ مِن كلّ ثروةٍ / فَقد بِنتَ صِفْراً مِن جميعِ المعايِبِ
بِقلبيَ نارٌ مِن فراقكَ لَيتها / وَلا بدَّ مِنها اليومَ نارُ الحُباحبِ
ومن أين لِي من بعده بَدَلٌ بهِ / وأين بديلٌ عن زُلالٍ لشاربِ
فَتىً أقفَرتْ منه ديارُ مودّتي / وخُولستُ أحبابي بها وحبائبي
وَفارَقني لا عَن ملالِ وِصالِهِ / وكم مللٍ لي من لصيقٍ مصاقِبِ
وقال خليلي حزنُك اليومَ مُسرفٌ / كأنّ عليك الحزنَ ضربةُ لازِبِ
لَعَمْرُ اللّواحي إنّها لَمصيبةٌ / وَلكنّها لَيست كَباقي المصائِبِ
وَقَد نابَكمْ ما نابَكمْ فتأمّلوا / أمرَّ لَكمْ مِثلٌ لها في النّوائبِ
أَعِنِّي على ما بِي وَإِلّا فَخلِّنِي / فلستَ وما ثِقْلي عَليك بصاحبي
ولا تُسلِني عمّا مضى بالّذي تَرى / فَقَد حِيزَ عنِّي خير ما في حقائبي
وَلَو أنَّ غيرَ المَوتِ ضامَكَ وَحدَه / دَفعناهُ بِالبيض الرّقاق المضارِبِ
وَمُدّتْ إِليهِ مِن رجالٍ أعزّةٍ / طوالِ الخُطا أيدي القنا والقواضبِ
إِذا ركِبوا لم يَرجِعوا عن عزيمةٍ / وَإِن غَضبوا لم يَحفلوا بالعواقِبِ
هُمُ أطعموا سُغبَ الصّوارم والقنا / طعاناً وضرباً من لحومِ الكتائِبِ
وما عُظِّموا في النّاس إلّا بِحقّهمْ / وما قُدّموا في القوم إلّا بواجِبِ
وَهمْ أَخلجوا بالجدْب كلَّ مجاودٍ / وَهمْ غَلبوا في الحربِ كلَّ محاربِ
عَليكَ سَلامٌ لا اِنقِطاع لوَبْلِهِ / يجود وإنْ ضنّتْ غِزارُ السّحائبِ
ولا زِلتَ مطلولَ الثّرى أرِجَ النَّدى / تضوع ذَكَاءً من جميع الجوانِبِ
وإنْ مسّت الأرواحُ تربَك مسّةً / فمرُّ نسيمِ المُعْيِياتِ اللّواعِبِ
وَأوْلَجَك اللَّهُ النعيمَ وَلا تكنْ / بجنّاتِهِ إلّا عَليَّ المراتبِ
أَتمضي كَذا أيدي الرّدى بالمصاعبِ
أَتمضي كَذا أيدي الرّدى بالمصاعبِ / وَتذهب عنّا بالذُرى والغواربِ
وتُستَلبُ الآسادُ وهْيَ مُلِظَّةٌ / بأخياسهنّ من أعزّ المسالبِ
وتُوخذ منّا من وراء سُجوفنا / بلا رأيِ بوّابٍ ولا إذْنِ حاجِبِ
وتُقنص فينا روحُ كلّ محاربٍ / أبيٍّ جرِيءٍ وهو غير محاربِ
أَيا صاحَبي إِنْ كنتَ في إثْرِ من مَضى / على مثل حالاتِي فإنّك صاحبي
دَعِ الفكرَ إلّا في الحِمامِ ولا تُقِمْ / مع الحرصِ في دار الظّنونِ الكواذبِ
وإنْ كنتَ يوماً بالحديثِ مُعلِّلاً / لسمعِي فحدّثني حديثَ النّوائِبِ
فلي شُغلٌ عمّنْ أقامَ بمنْ مَضى / وعن معجباتٍ رُقْنَنَا بالعجائبِ
وناعٍ لسيف الدّين أضرم قولُه / ولم يدنُ ما بين الحشا والتّرائبِ
وجاء بصدقٍ غير أنّي إخالُهُ / خِداعاً لنفسي إنّه قولُ كاذبِ
فأثْكَلنِي طيبَ الحياةِ وضمّنِي / إلى جانبِ الأحزانِ من كلّ جانِبِ
فيا لكَ من رُزءٍ أزارَنِيَ الأسى / وَعرّف ما بيني وبين المصائبِ
وَلَولاه لَم أغضِ الجفونَ على قذىً / وَلا لانَ للوجدِ المبرّحِ جانِبي
أُساقُ إلى الأحزانِ من كلِّ وُجْهَةٍ / كَأنّي ذَلولٌ في أكفِّ الجواذِبِ
فلا مَطعمٌ فينا يطيبُ لطاعمٍ / ولا مشربٌ منّا يَلَذّ لشاربِ
فَقُل لِسيوفِ الهندِ من بعد فقدِهِ / تناهَيْنَ ما فيكنّ ضربٌ لضاربِ
وَقلْ لِطوالِ الخَطِّ يُركَزْن فالّذي / سَقَتْكُنَّ يمناهُ مضى غيرَ آئبِ
وَقُل لِجيادِ القُودِ لَستنَّ بعد ما / تولّى جديراتٍ بركبةِ راكبِ
وَقُل لِلمُغيرين الّذين تعوّدوا / زِحامَ العوالي في صدور الكتائبِ
دعوا ما ألِفْتُمْ من قِراعٍ فقد مضى / بحكمِ الرّدى منكم قريعُ المقانِبِ
وَقُل للسّراة النازعين إلى الغِنى / فهمْ أبداً ما بين سارٍ وساربِ
أقيموا فلا نارٌ تَوَقَّدُ للقِرى / ولا راحةٌ مفجورةٌ بالمواهبِ
فتىً أوحشتْ منه المكارم والعُلا / ولمّا قضى عُطّتْ جيوبُ المناقبِ
وَكَم لكَ مِن يومٍ لدغت كُماتَه / بِشَوكِ العوالي لا بشوك العقاربِ
وحيٍّ خبطتَ اللّيلَ حتى ملكتَهُ / على آلفاتٍ للصّعاب شَوازبِ
تراهُنّ يقضمنَ الشّكيمَ كأنّما / لَبِسنَ بنسجِ الطَّعنِ حُمْرَ الجلابِبِ
وَحَولك طلّاعونَ كلَّ ثنيّةٍ / إِلى المَجدِ حلّالونَ شُمَّ المراقِبِ
إِذا عَزموا لم يَرجِعوا من عزيمةٍ / وإنْ أقدموا لم ينظروا في العواقِبِ
وَفقدُ الصَّديقِ المَحض صَعْبٌ فَكيفَ بي / وفقدي صديقاً من أجلّ أقاربي
وَيُؤلِمني أنّي تركتكَ مفرداً / بمَدْرَجةٍ بين الصَّبا والجنائبِ
يُطاع بها أمرُ البِلى في معاشرٍ / أبَوْا أن يطيعوا غالباً بعد غالبِ
وَما منهُمُ إِلّا الّذي نال رتبةً / سَمتْ وعلتْ عن كلّ هذي المراتِبِ
فإنْ يُكسَفوا في غَيْهَبٍ من قبورهْم / فَقَد ضوّؤوا دهراً ظلام الغياهبِ
وإنْ قُبضتْ منهمْ أكفٌّ عن النّدى / فقد بُسطتْ دهراً لهمْ بالرّغائبِ
وإنْ جَثَموا بالتُّربِ طوعَ حِمامِهمْ / فكم جرّروا فينا ذيولَ المواكِبِ
ألا سقّياني دمعَ عينِيَ بعدَه / ولا تُسمعاني غيرَ صوتِ النّوادبِ
سَقى اللَّهُ ما أصبحتَ فيه من الثَّرى / زُلالَ التَّحايا عن زلالَ السّحائبِ
وَلا زالَ مَنضوحاً بعفوٍ ورحمةٍ / ورَوْحِ الجنانِ من جميع الجوانبِ
فقد طُوِيَتْ منه الصفائحُ عَنْوةً / على سامقِ الأعراقِ ضخم الضّرائبِ
عَجِبتِ لِشيبٍ في عِذارِي طالعاً
عَجِبتِ لِشيبٍ في عِذارِي طالعاً / عليكِ وما شيبُ الفتى بعجيبِ
ورابَكِ سودٌ حُلْنَ بيضاً وربّما / يَكون حؤولُ الأمرِ غيرَ مُريبِ
وما ضرّني والعهدُ غيرُ مُبدَّلٍ / تبدُّلُ شَرْخِي ظَالماً بمشيبي
وما كنتُ أخشى أن تكون جنايةُ ال / مَشيبِ بِرَأسي في حِسابِ ذُنوبي
فَلا عَيبَ لي إلّا المَشيب وحبّذا / إِذا لَم يَكُن شَيءٌ سواهُ عيوبي
نظرتُ إليها والرّقائبُ حولها
نظرتُ إليها والرّقائبُ حولها / فأعرضتُ خوفاً من عيون الرّقائبِ
وَلم تَكُ إِلّا نَظرةً ثمَّ لفتةً / كنُغْبَةِ ظمآنٍ من الطّير لاغبِ
رَأى الماءَ لا يَسطيع رِيّاً وإنّما / رأى الماءَ والقنّاصَ من كلّ جانبِ
ولي مطلبٌ لكنّني لا أنالُهُ / وكم عاقتِ الأقدارُ دون المطالبِ
أرى الزّاد ممنوعاً وعَذْباً كأنّه ال / سُلافُ ولكنْ لا يَذُلُّ لشاربِ
وكم صَدّ مِقْداماً وثَبّط ماضياً / على عزمِهِ جهلٌ بما في العواقِبِ
تَصدّين عنّي للمَشيبِ كأنّما
تَصدّين عنّي للمَشيبِ كأنّما / صَرفتُ شبابي أو دعوتُ مشيبي
وكيف سُلوِّي عن حبيبٍ إذا مضى / فلا متعةٌ لي بعدهُ بحبيبِ
كأنِّيَ رَبْعٌ بعده غيرُ آهلٍ / ووادٍ جفاه القطْرُ غير خضيبِ
فلا تندُبي عندي الشّباب فإنّني / بكائي عليه وحدَهَ ونحيبي
على كلّ حالٍ أنتِ قاسيةُ القلبِ
على كلّ حالٍ أنتِ قاسيةُ القلبِ / فلا عَذَلِي يُجدي عليّ ولا عَتْبي
ولم أنْسها يومَ الفراقِ ووجهُها / يُضيءُ لَنا خلفَ البراقعِ والحُجْبِ
تَقولُ أَلا رِفقاً بقلبكَ في الهَوى / فقلتُ وهل لِي يومَ بينِكِ من قلبِ
ولولا الهَوى ما خارَ للعجْمِ مَعْجَمِي / ولا لانَ يوماً في أنامِلكم صَعبي
فَإن كنتُمُ تَعصون أمرِي تجنّياً / فأعْصى لأمري منكُمُ أبداً قلبي
حَملتُمْ كَما شِئتمْ على الهوى
حَملتُمْ كَما شِئتمْ على الهوى / وأَرشدتُمُ نارَ الغرامِ إلى قلبي
وَلمَّا دَخَلتمْ بِالهَوى في جَوانِحي / بِما جَنَت العَينان لانَ لَكُم صعبي
فَإِن لَم يَكنْ شِعبُ اللّوى ملتقىً لنا / فَلا بارَكَ الرّحمنُ في ذلك الشِّعبِ
وَإِن لَم يَكُنْ تُربٌ بِه مضجعاً لنا / فَلا اِجتَازت الأنواءُ في ذلك التُّربِ
يَقولون لي لِمْ أنتَ للشّيب كارهٌ
يَقولون لي لِمْ أنتَ للشّيب كارهٌ / فقلتُ طريقُ الموتِ عند مشيبي
قَرِبتُ الرّدى لما تجلّلَ مَفرقي / وكنتُ بعيداً منه غيرَ قريبِ
وكنتُ رطيبَ الغصنِ قبل حلولِهِ / وغُصنِيَ لمّا شبتُ غيرَ رطيبِ
وَلَم يكُ إلّا عَن مَشيب ذوائبِي / جَفاءُ خليلٍ وَاِزوِرارُ حبيبِ
وَما كنتُ ذا عيبٍ وقد صرتُ بعده / تُخَطُّ بأيدي الغانياتِ عيوبي
فليس بكائِي للشّبابِ وإنّما / بكائِي على عُمْرٍ مضى ونحيبي
أضنُّ بِنَفسي عَن هوى البيضِ كلّما
أضنُّ بِنَفسي عَن هوى البيضِ كلّما / تيقّنت أنّ الحبَّ ذُلٌّ لصاحِبهْ
ولا خُدِعتْ عينِي بضوءِ وميضِهِ / ولا مُطِرَتْ أرضي بماء سحائِبِهْ
وسيرِيَ في كُورِ المَطيَّةِ موجِفاً / على شاحطِ الأقطارِ هافٍ براكِبِهْ
أقَرُّ لعينِي من عناقِ مُهَفْهَفٍ / أَبيتُ سوادَ اللّيل بين ترائِبِهْ
ولمّا سقاني الدّهرُ صِرْفاً صروفَهُ / كِرَعتُ شراباً لا يَلَذّ لشارِبِهْ
فلا تطلبا عندي النجاة فإنّنِي / أروحُ وأغدو في إِسارِ عجائِبِهْ
أدلّت بحسنٍ خُوّلتْ ولوَ اِنّها
أدلّت بحسنٍ خُوّلتْ ولوَ اِنّها / أدلّتْ بإحسان إلينا عذرتُها
وقد رُزقتْ منّي مودّة مهجتِي / ولكنّني منها الغَداةَ حُرِمتُها
وقطّعت الأسبابَ بينِي وبينها / ولَو كنتُ خِلْواً من هواها قطعتُها
ولمّا رأتْ ثِقلَ العتاب تجرّمتْ / عليّ ذنوباً عندها ما عَلِمْتُها
تعاقبُ مَنْ لم يُجرها في ضميرِهِ / ولو أنّها مرّت عَلَىَّ غفرتُها
وملّتْ وما طال التزاورُ بينا / ولو أنّني طاولتُها ما مَلِلْتُها
سَقى اللَّهُ يوماً فيه على المُنى
سَقى اللَّهُ يوماً فيه على المُنى / وَكنت عليها الدّهرَ أُسبلُ عَبْرتي
وَواصِل مَنْ ماءُ الشّبيبةِ مِلْؤُهُ / ولم ينهَهُ عنّي مشيبي وكِبْرَتِي
وكان التّلاقي فيه غيباً مُرَجَّماً / وجاء بلا وعدٍ فروّيتُ غُلَّتي
فإنْ تكُ منه عِلَّتِي وفراقُهُ / فقد طردتْ منه الزّيارةُ عِلّتي
رَميتَ فَما أَصميتني وَتَراجعتْ
رَميتَ فَما أَصميتني وَتَراجعتْ / إِلَيك سهامٌ أخطأتني فأصْمَتِ
وَحاولتَ تَشتيتي فعدتَ تفضّلاً / مِنَ اللّه خزْياناً بشملٍ مُشتّتِ
وَلَمّا بَدا لي منك أنْ لا مودّةٌ / تناكصتُ أبكي من ضَياع مودّتِي
فَما لِيَ منك اليومَ إلّا مضرّةٌ / وما لك منّي غيرُ محضِ المبَرَّةِ
وَكَم لكَ عندي زلّةٌ ما جزيتُها / حِفاظاً وإبقاءً عليك بِزلّةِ
وَإنّ اِمرءاً يُهدِي القبيحَ لقومِهِ / صحيحٌ كذي سُقمٍ وحيٌّ كميّتِ
أَرى عِزّةً مِن بَين أثناء ذلّةٍ
أَرى عِزّةً مِن بَين أثناء ذلّةٍ / وعجزاً أراناهُ الزّمان لقدرةِ
وَكَم ذا رَأينا والعَجائب جمّةٌ / زجاجةَ سعدٍ صَدّعتْ نحسَ صخرةِ
خُذوها وَإنْ لَم تَعلموا كيفَ أَخذها / ولا كَيفَ جاءت نَحوكمْ إذ ألمّتِ
وَلا تَحسبوها في قَنيص اِحتِيالِكمْ / فَقد خَرجتْ عن أن تُنال بحيلةِ
وَعنّتْ لَكمْ والمطلُ عنها بنَجْوَةٍ / ولم تأتكمْ كُرهاً ولا هي عنّتٍ
وَلَم تكُ إلّا مِثلَ نُغْبَةِ طائرٍ / وقبْسةِ عجلانٍ ولمحةِ نظرِةِ
فَلا تغمصوها نعمةً إنْ تؤُمِّلَتْ / بِعينِ الحِجى أوفتْ على كلّ نعمةِ
وَأَعطوا الّذي أعطاكُمُ فوقَ سَومكمْ / رِضاهُ وَلا تُدانوا له دارَ سَخْطَةِ
فَإِنّ الّذي يكسو على العُرْيِ قادرٌ / وَلا منيةٌ في الدّهر إلّا كخيبةِ
وَقولوا لِمَن حاباكُمُ وأراكُمُ / بأنّكُمُ نِلْتُمْ مُناها بمُنيَةِ
أَلا هنّ صُنعٌ من عزيزٍ مُقدِّرٍ / أَخوذٍ على أيدِي الرّجالِ موقِّتِ
وَلا تَأمَنوا أَمراً بغير رَوِيَّةٍ / لديهِ ولا رأيٍ عليهِ مُبَيَّتِ
وَما هيَ إلّا زلّةٌ مِن زَمانِكمْ / فحتّى متى يأتي الزّمانُ بزلّةِ
وَما كانَ قَد كانَ عَن سببٍ له / علمناهُ لكنَّ المقادير جُنّتِ
فَإنْ وَفَتِ الأقدارُ عابثةً لكمْ / فَكمْ مِن وفاءٍ بَعده شرُّ غدرةِ
إِذا شِئتَ أَنْ تَلقى الهوانَ فُلذْ بمن
إِذا شِئتَ أَنْ تَلقى الهوانَ فُلذْ بمن / يُرَجَّى لنفعٍ أو لدفعِ مضرّةِ
فَهامُ الرّجالِ الآنفينَ عزيزةٌ / وَإِنْ حُمِّلتْ مَنّاً لذي المنِّ ذلّتِ
وَعَدِّ عَنِ الأَطماعِ فهْيَ مَذلّةٌ / وَلَو خالَطتْ شُمَّ الجبالِ لخرِّتِ
فَويلٌ لِنفسٍ حُلِّئِتْ عَن مَرامِها / وويلٌ لنفسٍ أُعطيتْ ما تمنّتِ
وَلَيسَ بِخافٍ قبحُ حرصٍ على غنىً / وَلَكنْ عقولٌ بالضّراعةِ جُنّتِ
يَقولونَ قَد قرّت وَلم تبقَ نزوةٌ
يَقولونَ قَد قرّت وَلم تبقَ نزوةٌ / فقلت أرى في طيّها نزواتِ
فَلا تجمعوا في يومِكمْ شملَ معشرٍ / يكونُ غداً يا قومُ طوعَ شتاتِ
وما المُهْملُ المغرورُ إلّا الَّذي يُرى / نَؤومَ الدّجى عن طالبٍ لتِراتِ
خَفيّاً بِتَزويقِ اللّسانِ مُنَمِّقاً / ولكنّه عن أنفسٍ كَدِراتِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025