القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الخُبْز أَرْزي الكل
المجموع : 69
أغار عليه لستُ أملك وصلَه
أغار عليه لستُ أملك وصلَه / وأخيب عشاق الملاح غيورُها
كأحمق لم يمكنه يدخل قريةً / فقال أنا دهقانها وأميرُها
فراقك فيه حسرتي وتنغّصي
فراقك فيه حسرتي وتنغّصي / ولو عُدتَ عادت لذتي وسروري
بحقِّ الإشارات التي كُنَّ بيننا / أتذكرها أم أنتَ غير ذَكُور
فمن عينك النجلاء كانت بليتي / فويلاه من غنجٍ بها وفتورِ
تفرَّقتِ اللذّات عنّي لفقدكم / تفرُّقَ أجنادٍ لفقد أمير
أقرَّت نجومُ الحسن أنك بدرُها
أقرَّت نجومُ الحسن أنك بدرُها / وأنك في روض المحاسن زهرُها
ووجه لو اَنَّ الأعين العور كُحِّلت / ببهجته يوماً لراجَعَ بصرُها
وللجُدَري فيه رسوم محاسنٍ / يُرى فيه آثارَ المحاسن أثرُها
على قامةٍ مازال يُغبَط ردفُها / ويُحسَدُ ساقاها ويُرحَم خصرُها
فتسعة أعشار الملاحة قُسِّمَت / عليك وفي كلِّ الخلائق عُشرُها
وقد نُقِشت نقشَ الدنانير عدنا / صفاتك إلا أن عقلك تبرُها
محاسن زاد العقل فيها محاسناً / فيحسن مرآها ويحسن ذكرُها
لذكرك طِيبٌ في النفوس لو اَنَّه / لجسمك لم يُجلَب من الهند عطرُها
فصارت بك الأيامُ أعيادَ لذَّةٍ / فما كاد أضحاها يبين وفِطرُها
تقلِّبُ طرفاً لو تقلَّبَ سحرُهُ / على الأرض لم يظهر ببابل سِحرُها
فلو كنتَ في سوق الجواهر ضاحكاً / إذا عُرِضَت لم يغلُ في السوق قَدرُها
أرى لك قبل الأُنس مزح تَظرُّفٍ / كذلك قبل الشمس يطلع فجرُها
وما عابَ نفسَ المرء كثرةُ مزحها / إذا قلَّ منها خلف ذلك نُكرُها
وطبعاً وأخلاقاً إذا بانَ كشفُها / تبيَّن من تحت التكشُّف سترُها
تخلَّقتَ أخلاقاً هي الخمر لذَّةً / وطيباً ولكن في التظرُّفِ سكرُها
خلائق يُرضي اللهَ في السرِّ صونُها / ويرضي عباد اللَه في الجهر نشرُها
فيكثر عند الناس في ذاك حمدُها / ويكثر عند اللَه في ذاك أجرُها
طباعَكَ فالزَمها وخلِّ التكلُّفا
طباعَكَ فالزَمها وخلِّ التكلُّفا / فإن الذي غطيته قد تكشَّفا
فلِم تتعاطى ما تعوَّدتَ ضدَّه / إذا كنتَ خوّاناً فِلم تدَّعي الوَفا
أتذكر قولي إنني منك خائفٌ / ألست تخاف الله إن كنتَ منصِفا
غدرتَ ولم تُغدَر وخُنتَ ولم تُخَن / ومرَّرت ما احلولى وكدَّرتَ ما صفا
فما هي إلا أن أعيش منغَّصاً / لنقضك عهدي أو أموتَ تأسُّفا
فلم يتهنَّأ بالوصال مروَّعٌ / بغدرٍ ولا عيش لمن كان مُدنَفا
إذا خفتُ أمراً ثم أبصرتُ صاحبي / يكاتمني ازددتُ منه تخوُّفا
أأحمدُ لِم تخلِف فإنك خائفٌ / ولن يُعذر الغدّارُ إلا ليُخلِفا
حبيبي أما استحييتَ منّي تخونني / وتَزوي ثمارَ الوصل عني لتُقطفا
ولِم تقبل العذرَ الذي بانَ زَيفُه / وهل مستجادٌ درهمٌ قد تزيَّفا
تحيَّرت لا أدري أأرضى بما أرى / فأكمد أم أجفو الحبيب فأتلَفا
فلي نفس حرٍّ لا يطيق خيانةً / ولي قلب صبٍّ ليس يقوى على الجفا
ففي الغدر تنغيصٌ وفي الهجر محنةٌ / وقد نالني منك الغِدَارُ مضعَّفا
ظننا بكم ظنّاً جميلاً لمَيلكم / إلينا ولكن ذلك الظن أخلفا
إذا غاب ماءُ الغُصنِ عن روضة المنى / فحقّ لأغصان المنى أن تُقَصَّفا
إذا رحل الإنصاف عن عرصة الهوى / فما للرضا عذرٌ بأن يتخلَّفا
وما أوحش الإلفين حنَّا / اذا افترقا من بعد ما قد تألفا
لقد كنتَ لي نِعمَ الحبيب تبرُّني / وأرحمَ بي من والديَّ وأرأفا
فما كان أحلى أُنسنا وحديثنا / ليالي كان الدهر بالوصل أسعفا
وما كان ذاك الوصل وصلاً لطيبه / ولكنَّه برق لعقلي تخطَّفا
تعطفت لي بالعطف حتى كأنما / جريتَ بمجرى الروح بل كنتَ ألطفا
فإن تَتَّخِذ مني بديلاً فإنني / تبدَّلتُ من بعد السرور تلهُّفا
سلامٌ على الدنيا إذا لم أجد بها / حبيباً ودوداً بالمودَّة منصفا
تظرَّفتِ لمّا قلتُ لا تتظرَّفي
تظرَّفتِ لمّا قلتُ لا تتظرَّفي / فليتكِ إذ خالفتِني لم تُضَعِّفي
وقد كان في ترك الخضاب تظرُّفٌ / فلا لي تركتيه ولا للتظرُّفِ
نهيتُكِ عن ذاك التحسُّن إنني / بحسنكِ عن ذاك التحسُّن مكتفي
فلو خرجت روحي لهانت ولم يهُن / خروجُكِ من ذاك الحِجالِ المُسَجَّفِ
ولم ترقبي قولي ولم تُرعَ ذمتي / ولم تحفظي عهدي ولم تتوقفي
فإمّا دلالاً في الهوى أو تجنِّياً / فلا تجمعي هذا وذاك فتُسرفي
فإمّا على قدر الفعال تَدَلَّلي / وإمّا على قدر التدلُّل أنصِفي
وأسعفتِني فيما مضى وغررتِني / ولم تسعفي من قبل إلا لتُخلفي
ولو لم تكن لي حاجة فيك لم أهُن / لديكِ وإن لم تعرفي ذاك فاعرفي
وما غَيرة العشّاق إلا وفاؤهم / وكلُّ محبٍّ لا يغار فلن يفي
حبيبيَ ذاك البدر إذ وافَقَ النِّصفا
حبيبيَ ذاك البدر إذ وافَقَ النِّصفا / فألبستَه ثوباً من الذلِّ فاستخفى
وظنوا به خَسفاً وكان احوراره / تخلِّيه من تنوير وجهك لا كسفا
وظَنَّكَ بدراً قد أتيتَ بعَزله / فذلَّ لكي يدعو له الناسُ أن يُكفى
ولمّا صرفتَ الوجهَ عنه تكبُّراً / رأينا لذاك اللون عن وجهه صرفا
فيا قمراً أزرى على قمر الدجى / برعتَ بحسنٍ ما نطيق له وصفا
ملاحة شكلٍ فوق تقويم حاجبٍ / تَرى بين هذين الملاحةَ والظَّرفا
فلو كانت الدنيا عروساً وحُلِّيَت / لتُجلى عليها كنتَ أنتَ لها شفّا
تدلّ علينا في الملاحة بالهوى / فتعصي ولا تُعصَى وتجفو ولا تُجفى
فبي سَقَمٌ من سُقم عينيك لا يُشفى / على حَرَقٍ من نار خدَّيك لا يُطفى
ومن أين يخفى عنك عشقٌ لعاشقٍ / وعينُك عينٌ تعرف السرَّ والأخفى
فواعجباً من لحظ طرفك إنه / إذا زاد ضعفاً زاد قوتنا ضعفا
وأعجب من هذين ردفك كلّما / ترجرج زاد الخصر من فوقه لطفا
فيا شكل ذا خصراً ويا ثقل ذا ردفاً / ويا حسن ذا خدّاً ويا نَبل ذا طرفا
ويا طيبَ أنفاسٍ على حسن مَضحكٍ / فذا المسك بل أذكى وذا الدرُّ بل أصفى
ويا خمر ريقٍ فوقه ورد وجنةٍ / فمَن لي بذا رشفاً ومن لي بذا قطفا
بدأتَ بإحسان فجُد بتمامه / وإن الفتى من لا يكدِّرُ ما صَفّى
فهذا الهوى عيش المحبِّ إذا صَفا / ولكن إذا لم يصفُ كان له حتفا
أهابُكَ أم أُبدي إليك الذي أُخفي
أهابُكَ أم أُبدي إليك الذي أُخفي / وطرفك يدري ما يقول له طرفي
نهاني حيائي منك أن أكشف الهوى / وأغنيتَني بالفهم منك عن الكشفِ
تلطفتَ في أمري فإن أك ساعياً / إلى غايةٍ فاللطف يُدرَك باللطفِ
تلقَّيتني بالبشر حتى كأنَّما / تبشِّرني بالعَبث أنَّك في كفّي
وتُدركني من هيبتي لك وحشةٌ / فتؤنسني بالعطف منك وباللطفِ
تكاملتَ إحساناً وحسناً وفطنةً / وزدتَ كمالاً بالتصنُّع والظَّرفِ
فحبُّك فيه عِصمَةٌ وهو فتنة / فيشفي بما يُضني ويضني بما يشفي
وتُحيي محبّاً أنت في الحبّ حتفُه / وذا عجبٌ كون الحياة من الحتف
لك الخير قد عجَّلتَ لي صَفوةَ الهوى / ومثلك عندي لا يُكدِّر ما يصفي
فجُد لي بوعدٍ منك أحيا بروحه / وجُد لي مع الوعد الأمانَ من الخُلفِ
بديع مَلاحاتٍ بمقلته حتفي
بديع مَلاحاتٍ بمقلته حتفي / تكوَّن من نورٍ يجلُّ عن الوَصفِ
له مقلتا ريمٍ وجيدُ غزالةٍ / ووردٌ على خَدَّينِ يُقطَف بالطَّرفِ
وحُسن عذارٍ خَطَّ بالمسك سطرُه / سهامَ منايا داعياتٍ إلى حتفِ
ويبسم عن ثغرٍ كأنَّ رُضابَه / جنى النحل لمّا شِيبَ بالقهوة الصِرفِ
كأنَّ صباحاً طالعاً من جبينه / أناخ عليه اللَّيلُ بالحالك الوَحفِ
أبِيتُ وفي قلبي لهيبٌ من الهوى
أبِيتُ وفي قلبي لهيبٌ من الهوى / ونارُ الهوى تُنبِيكَ أنّي على التَّلَفْ
فيا مَن غدا من حُسن أصرُع لونِهِ / كمطرفةٍ حمراء من أحسن الطُّرَف
بخدٍّ أسيلٍ مشرقٍ متورِّدٍ / يلوح به وردٌ يعود إذا قُطِف
لقد مَضَّني شوق إليك مبرِّحٌ / وصرتُ حليفَ الحزنِ والوجد والأسَف
وتعرف ما أخفيتُ منك لأنَّني / هواي دَخيلٌ والفؤادُ به كَلِف
فنمَّت دموعي بالذي قد كتمتُه / ولم أُظهر الشكوى ليعرف مَن عرف
سروري فلا تُنكِر هواي فتُبتَلى / ببعض الذي قد ذُقتُ من ألم الشَّغَف
وواللَهِ ما أسلاكَ ما حَجَّ راكبٌ / وما ناح قُمريٌّ على الغصن أو هتف
وتفّاحةٍ من سوسنٍ صِيغَ نصفُها
وتفّاحةٍ من سوسنٍ صِيغَ نصفُها / ومن جُلَّنارٍ نصفُها وشقائقِ
كأنَّ الهوى قد ضَمَّ من بعد فرقةٍ / بها خدَّ معشوقٍ إلى خدِّ عاشقِ
أرى الحُبَّ لا يَبلى ولكنَّه يُبلي
أرى الحُبَّ لا يَبلى ولكنَّه يُبلي / فلا قُربُه يشفي ولا بُعدُه يُسلي
حَلاوتُه ممزوجةٌ بمَرارةٍ / ففيه جَنى الدِّفلى وفيه جَنى النَّحل
أموت وأحيا بين سخطك والرضى / تُرى هكذا كان المحبُّونَ من قبلي
أعيش إذا أحييتَني بتعطُّفٍ / وتُقبض روحي بانقباضك عن وصلي
فإن شئتَ أن أحيا فجُد بتواصُلٍ / وإن شئتَ فاهجر إن عزمتَ على قتلي
أراك فأسعى ذاهلَ العقل شاخصاً / وأُبهَتُ حتى لا أُمِرَّ ولا أُحلي
فيا ويلتي هَبني غُلِبتُ على المنى / برغمي فمالي قد غُلِبتُ على عقلي
أرى لك في لُبس القَبَاء لَباقةً / كأنك قد أُفرِغتَ في قالب الشَّكلِ
بحقِّ المَلاحات التي فيك عُد بنا / إلى العادة الحسنى من القول والفعل
فإن كنتَ غضباناً فعندي لك الرضا / وإن كان لي ذنبٌ فجُد أنت بالفضلِ
بكم غفلةٌ عمّا بنا من هواكُمُ
بكم غفلةٌ عمّا بنا من هواكُمُ / فيا عَجباً من قاتلٍ وهو غافِلُ
ويا رُبَّ سهم قد أصابَ مَقاتِلاً / ولم يَدرِ ربُّ السَّهم ما السَّهمُ فاعِلُ
هويتُ بخيلاً ظالماً فاستقادَني
هويتُ بخيلاً ظالماً فاستقادَني / هوايَ له حتى اقتديتُ بفعلِهِ
فأحببتُ مَن يُدعى ظلوماً لظلمه / وأحببتُ مَن يُدعي بخيلاً لبخلِهِ
أرى ظلمَه عندي جميلاً كعدلِهِ / فألزمني في هجره شكرَ وصلِهِ
صنعتُ لكيلا يشمتوا بي قصيدة / إليه تعدُّ المنعَ إسرافَ بذلِهِ
بدأتَ بعتبٍ كان فرعاً بلا أصلِ
بدأتَ بعتبٍ كان فرعاً بلا أصلِ / ولم تنتظر عُذري فتقبض عن عَذلي
فلا تتسرع بالعتاب فمنكرٌ / تسرُّع خِلٍّ بالعتاب إلى خلّ
وكلُّ عتاب كانَ صعباً تضيَّقت / مسالكُه ألجا إلى الكَذِب السَّهلِ
وما حَسَنٌ في كلِّ يوم تعاتُبٌ / ولا يحسن التفنيد في الجدِّ والهَزلِ
تَعاتُبُنا يزري علينا وإنما / تعاتُبُ أهل العقل من أكمل العقلِ
وقد تُذعِن الأسيافُ وهي صديئةٌ / وما كلّ حينٍ يُبذَل السيف للصَّقلِ
وقد قيل يُبلي الثوبَ من قبل حِينه / مُقاساتُه قبل التدنُّسِ بالغسلِ
تَخالُفُنا عند الزِّيارات هَيِّنٌ / إذا ما اتَّفقنا في الإخاءِ على شكلِ
فإن قلتَ لي أين القيام بحقِّنا / فإنَّ جوابي أين أخذُكَ بالفضلِ
وتسألني ما الفرق بين تَواصُلٍ / وهجرٍ لتوكيد الحقائق والمطلِ
حفاظُ الفتى في غَيبه ووفاؤه / هو الفرق ما بين القطيعة والوصلِ
وما غائبٌ مَن غاب وهو محافظٌ / وما زائرٌ مَن زارَ وهو على رَحلِ
قيامي على رأسي بواجب إخوتي / يقلُّ لهم كيف القيام على رِجلي
فجسمك إن يَختلَّه الوَعكُ ساعةً / فما قدرُك العالي لدينا بمختلِّ
وما أنت بالمُعتلِّ وحدك إنما / نفوس ذوي الألباب في حال معتلِّ
وما بُرْؤُك المأمول برؤك وحده / ولكنَّه برء العلوم من الجهل
أذنت أبا بكر بِليلِ تفرُّقٍ / وما أنت إلا الشمس قاربْتَ للأفلِ
لأستوحِشَن إن غاب شخصك وحشةً / تحيِّر إن القول يكفي عن العزلِ
وهبني أكافي القولَ بالقول جاهداً / فمَن ذا يكافي الفعلَ عنّيَ بالفِعلِ
رحلتُ وما شوقي عن الإلف راحِلُ
رحلتُ وما شوقي عن الإلف راحِلُ / وزلتُ وما عهد الرعاية زائلُ
يُمثِّل لي قلبي على البعد شخصَه / فتمثاله لي حيثُ ما كنتُ ماثلُ
رعى اللَه مَن روحي قرينة روحِهِ / وما بين جسمَينا تُعَدُّ المَراحلُ
وقد فَصَل التفريق بين أحبَّةٍ / وليس لأرواح الأحبَّة فاصلُ
سقى اللَهُ أياماً نعمنا بظلِّها / إذ العيشُ غَضٌّ والحبيب مُواصِلُ
تغازلني منه الإشارات عابثاً / فيصطادني ذاك الغزال المُغازِلُ
فحيث رمى منّي يصادف مقتلاً / كأني علي حين ترمى مَقاتلُ
وليلة وصلٍ ليلةُ القدر أُختُها / تجلَّت بها الظلماءُ والبدرُ آفلُ
وأبصرتُ وجهاً قلتُ لمّا رأيتُه / ألا ليت شعري ما تقول العواذلُ
وما صَبَغَت صِبغَ الخدود مدامةٌ / بها صُبِغَت قبل الخدود الأناملُ
وسكرانة سكرى دلالٍ وقوَّةٍ / إذا هي قامت لم تَخُنها المفاصلُ
تثنَّت بغصنٍ ذابلٍ عند سكرها / وذا عجبٌ غصنٌ من الريِّ ذابلُ
فإن لم أقُل ما كانَ في ضرِّه المنى / فواهاً له إنَّ الحَنينَ لقائلُ
ولم أطوِ سرّي عنكمُ لاتِّهامكم / ولكن لإفشاء الحديث غوائلُ
نُجاملُ مَن يُبقي على مَن نحبُّه / ولن تخلصَ البُقيا لمن لا يُجامِلُ
وحيثُ أرى إلفاً لإلفٍ مُصَافياً / فَثَمَّ حَسُودٌ لا ينام وعاذلُ
أتَتنا بليلٍ والنجومُ كأنَّها
أتَتنا بليلٍ والنجومُ كأنَّها / قلادةُ جَزعٍ حُلَّ منها نظامُها
فما برحت حتى حللتُ إزارَها / وقَبَّلتُها عشراً وقلَّ احتشامُها
سألتُ وما أدري حياءً وحَيرةً
سألتُ وما أدري حياءً وحَيرةً / أباذِلَ وجهي كنتَ أم سافِكاً دمي
ولا عذر لي إن لم أسَلكَ ولم يكن / لواجد ماءٍ يجتزي بالتيمُّمِ
وما شرف الإنسانِ إلا فعالُه / فكلُّ امرئٍ يُؤتي المكارم مُكرمِ
وكلُّ امرئٍ لا يُرتجى لعظيمةٍ / ولو أنه خير الورى لم يُعَظَّمِ
أعاذل حسبُ المرء بالشيب عاذلا
أعاذل حسبُ المرء بالشيب عاذلا / وأفحشُ جهلٍ أن يُرى الكهل جاهلا
أعاذل قد أمضيتُ في اللهو والصبا / طويلاً فلم يُكسبنيَ اللهوُ طائلا
أكلتُ ثمارَ الدهر والدهرُ آكِلٌ / حياتي وأغضبتُ الذي ليس غافلا
وما الوقت إلا كالمودع إنما / تراه بما فيه من الحال زائلا
كأن لم يكن غصنُ الشباب إذا انثنى / يُغازِل بالشكل الغزالَ المُغازِلا
كأنيَ لم أنفث رُقى السِّحر في التي / لواحظُها عَطّلنَ بالسحر بابلا
كأن لم أُجامِل في هوىً مَن جمالها / ليعلم مَن يُبلى بها أن يُجامِلا
لقد أقصرت فيها العواذلُ إذ بدت / مَحاسِنُ قد أخرَسنَ حتّى العواذِلا
فما جُرِّدَت إلا تسربلَ جسمُها / غلائلَ نورٍ حين تنضو الغلائلا
أعيش بها عن كلِّ عضوٍ بمسها / وتجعل أعضائي جميعاً مقاتلا
وفي العَين لاهُوتيّةٌ جوهريّةٌ / بها صار مَحيايَ وللنفس قاتلا
مَهابَتُها تَثني دموعي عن البكا / وتنسينيَ الشكوى فأبهَت ذاهِلا
ومَن يُحي نفساً بالذي فيه موتُها / قديرٌ على أن يجعل الحقَّ باطلا
لقد خذل السلوانُ قلبي لأنه / تأمّل خصراً للرَّوادف حامِلا
هنالك صار الصبرُ منفصمَ العُرا / كما فصمت ساقُ الحبيب الخَلاخِلا
فهذا نحولي شاهدٌ لي بأنَّ لي / فؤاداً من الشوق المبرِّح ناحلا
لأنَّ رياحَ الشوق هبّت شمائلاً / فغادَرنَ أغصانَ الحياة ذَوابِلا
إذا شاكل العشّاقُ وجدي بوجدهم / فقد يئسوا أن لا يروا لي مُشاكلا
كذا مَن تحلّى بالعلوم محقّقاً / تراه لدى القاضي التّنوخي عاطلا
رأيتُ رجالاً لا يُرَامُ كمالُهُم / ولم أرَ كالقاضي التنوخيِّ كاملا
إذا استنبط القومُ العلومَ تشاجَروا / وأوضح برهان العقول الدلائلا
أطلَّ على فصل الخطاب بمنطقٍ / إذا جَدَّ في المعنى أصاب المقاتلا
يُقيِّد ألفاظَ الألدِّ بلفظِهِ / ويفضُل بالحقِّ المبين المُفاضِلا
فيشفي قلوبَ السائلينَ مُجاوباً / كما يختم الأفواه إن كانَ سائلا
يخوض بلُجِّ العلم غيرَ مشمِّرٍ / عن السّاقِ حتّى يُحسَبَ اللُّجُّ شائلا
فلو شاجَرَته ألسنُ الناس كلهم / دِراكاً وعى فهماً وأفهَمَ قائلا
ويدرك ما قالوا جميعاً فُجاءَةً / ويبدؤهم بالمشكلات مُقابلا
إذا هو حاجى ذا الحِجا بَصَّرَ الهدى / وأنت تراه مُرشِداً لا مُخاتِلا
لذاك تُرى في الناس أيّامُ حكمِهِ / تُبيِّضُ من إشراقهنَّ الأصائلا
جلا ظلماتِ الظُّلم نورُ قضائه / فصيَّر شملَ العدل في الناس شاملا
إذا ما قضاياه تخللن ظلمةً / توقَّدن إذ قد كُنَّ فيها قنادلا
إذا ما أراد اللَهُ خيراً لمعشرٍ / يولِّي عليهم ثاقب الرأي عامِلا
لقد سرَّ أهلَ السرِّ تجديدُ عهده / كما سرَّ ميلادُ الغلام القَوابِلا
به أوضح السلطان يقظةَ رأيه / وإن كان عمّا غير ذلك غافلا
تَداركَ منهم أصلَ صر تحمَّلوا / على الضرِّ حتى لم يطيقوا التحامُلا
فأبدأهم بالطلِّ ميسور فضلهِ / وأتبعَهم في عُقبَةِ الطلِّ وابلا
به بسط الرحمنُ في الخلق رحمةً / وخصَّ اليتامى منهمُ والأرامِلا
عن العقل فاسأل لا عن العلم واتبع / فقد أكمل الخيرات من كان عاقلا
وذو العقل من يبغي النجاةَ لنفسه / ويخلص بالتفضيل من كان قابلا
فيا من أحلَّته تنوخُ بنجوةٍ / لأنَّ له فيها سناماً وكاهلا
لئن أنتَ جرَّدتَ العزيمةَ في العلا / لقد جردت فيها تنوخُ المعابلا
وإن تفضل الحكامَ علماً وسؤدداً / فقد فضلت قدماً تنوخُ القبائلا
قسمتَ العطايا إذ كُنيتَ بقاسمٍ / لأنك تُكنى بالذي ظلتَ فاعِلا
فلم أر ميلاً منك عن صدق كنية / كُنيتَ بها مما يقسّم مايلا
لعمري لئن سمَّوا أباك محمداً / وأنت عليّاً قد أصابوا الشواكلا
هما اسمان شُقَّا من علاً ومحامدٍ / رأوا فيكما منها قديماً مخائلا
فراسة أنجابٍ رأوها دقائقاً / فلما أتى التصديق صارت جلائلا
جواهر أصلٍ كُنَّ فيكم معادِناً / فهذَّبتها حتى يُرينَ شمائلا
كذي جوهرٍ راز المعادن كلَّها / بتهذيبها كي تستتمَّ الفضائلا
كذلك تأثير المغارس في الثرى / يزكِّي وينمي في الفُروع الأماثلا
كذا السيف من سنخ الحديد فرنده / وإن يُجتلى حتى يكدَّ الصياقلا
فيومُك بالحسنى يساجل أمسه / إذا لم تجد في المكرمات مساجلا
جمعت قلوبَ الناس فيك على الرضا / وحمَّلت بالذكر الجميل المحاملا
فلا زلتَ في شكر المزيد فلا يُرى / من الفضل والإحسان ربعُك حائلا
وشمس خدورٍ لو بدت من خدورِها
وشمس خدورٍ لو بدت من خدورِها / لرضوان أزرَت بالجنان وحُورِها
إذا ما بدت لو لم يكن ماءُ وجهِها / يدافع عنّا لاحترقنا بنورِها
إذا ما أجالت طرفَها سجد الهوى / لأجفانها من غنجها وفتورِها
تَعلَّم غصنُ البان من حركاتها / فنوناً وما يأتي بعُشر عشيرِها
يُرى حَليُها من حسنها متزيناً / ومن طِيبها يزدادُ طِيبُ عبيرِها
إذا مسها لينُ الحريرِ فجسمُها / ينعِّم ما قد مسَّها من حريرها
لها نعمةٌ لو في المعاد تقسمت / لعاشت بها الموتى الى نفخ صُورها
ولو ضربت بين القبور بنَغمةٍ / لقهقهتِ الموتى لها من قبورِها
لو اَنَّ سليمانَ النبيَّ يخالُها / توهَّمها بلقيسَ فوق سريرِها
فتاةٌ لها عندي حديثٌ وإنما / لواحظُها قد حدَّثَت عن ضميرِها
تُؤخِّر عن قلبي نصيبَ سرورِه / وقد عَجَّلت للعين بعضَ سرورِها
إذا جئت عطشاناً إلى ماء وصلها / فما يُنقَع الصادي بصفو غديرِها
لها صدقُ إعراضٍ وزُورُ تعرُّضٍ / فيا حَسرَتا من صدقها لي وزُورِها
تُرضّي خيال الناس عند مغيبها / وتُبدي إشارات المنى في حضورِها
وقولوا لها إني أسيرٌ بحبِّها / فهل عندها من رحمةٍ لأسيرِها
ستتلف روحي وهي روحٌ خطيرة / لئن بخلت عنّي ببذل خطيرِها
فإن أحسنت جازيتُ ذاك وإن يكن / غروراً فلا جازيتُها بغرورِها
فيا سُؤلَ قلبي أوضِحي مسلك المُنى / لروحي فقد حَيَّرتِها في أُمورها
أجَنَّة وصلٍ نرتعي في نعيمها / أنارُ صدودٍ نصطلي في سعيرِها
فإنَّ حراماً أن تُعَرَّض مهجة / لموتٍ ولم يُعلَم مكانُ مصيرِها
فها أنا روحي في السياق فزَخرفي / جِنانَ مناها وابعثي ببشيرِها
وشاهدُ ما ألقاه مني رسالتي / أتَتكِ سطورُ الدمع فوق سطورِها
أتجرؤ في تلبيس ذكرك في ذكري
أتجرؤ في تلبيس ذكرك في ذكري / وتطمع في تدليس قدرك في قدري
وإنك إذ تزري عليَّ مغدَّرٌ / لأني أرى التنينَ يزري على البَدرِ
فيا زارياً ما زال تمصيعُ لفظه / اذا قرأ القرآنَ يدعو الى الكُفر
يقول له الشيطانُ عند قِرائه / أجَدتَ بما حَرَّفتَ من محكم الذِّكرِ
لو اَنَّ رسول اللَه يسمع درسَه / إذن قال ذا غير المنزَّل في صدري
إذا ما قرا حرفاً لتنفيس حفظه / فمقصوده أن نختم الحمدَ في شهرِ
يمدُّ لنا سين السراط كأنه / يُجَرّي صبيّاً فهو يَجري إذا أُمري
يُكذِّب يُسراً بالقِران قِرانه / لما قد نقاسي في القراءة من عُسرِ
يُنازع في والنازعاتِ إذا قرا / ويعصر منه العين في عَينِ والعَصرِ
اذا ما قرا والفجرِ في عتماتِهِ / تراه يقاسيها إلى مطلع الفجرِ
قرا الحشرَ يوماً بالغداة مصلياً / فطوَّل حتى خِلتها وقفةَ الحَشرِ
يُزَهِّد في الإسلام قُبحُ قِرائه / فيكسب فينا الإثمَ من موضع الأجرِ
ويحسب من جهلٍ وعُجبٍ بأنه / كعاصمٍ المقري أو كأبي عمرو
عميت أبا الحسن ثم عميتَ عن / عماك كما قد قيل في سالف الدهرِ
جهلتَ ولم تعلم بأنك جاهلٌ / فمَن لي بأن تدري بأنك لا تدري

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025