المجموع : 46
دَعُوهُ فَخَيرُ الرَأيِ أَن لا يُعَنَّفا
دَعُوهُ فَخَيرُ الرَأيِ أَن لا يُعَنَّفا / فَلو كانَ يَشفِي داءَهُ اللَوم لاِشتَفى
وَرِفقاً بِهِ يا عاذِليهِ فَإِنَّهُ / شَجِيٌّ وَقد قاسى مِنَ اللَومِ ما كَفى
فَلولا هَوىً لا يَملكُ العَزمَ عِندَهُ / لَكانَ حِمِيَّ الأَنفِ أَن يَتَعَطَّفا
وَلَكِنَّ مَن يَعشِق وَلَو كانَ ذا عُلىً / فَلا بُدَّ أَن يَعنُو وَأَن يَتَلَطَّفا
خَلِيلَيَّ قُوما فَاِسقِياني رُعِيتُما / سُلافَةَ خَمرٍ مُرَّةَ الطَعمِ قَرقَفا
بِكَفِّ نَديمٍ أَو تَراءَى بِحُسنِهِ / لِيَعقُوبَ لَم يَأسَف لِفُقدانِ يُوسُفا
وَلَو أَنَّهُ لِلبَدرِ لَيلَةَ تِمِّهِ / تَجَلّى لأَبدى غِيرَةً مِنهُ وَاِختَفى
نَظَلُّ بِعَينَيهِ نَشاوى وَثَغرِهِ / فَما نَتَحَسّى الكَأسَ إِلّا تَرَشُّفا
وَلا بَأَسَ لَو غَنَّيتُماني فَقُلتُما / رَعى اللَهُ بِالجَرعاءِ حَيّاً وَمَألَفا
بِخَفقِ المَثاني في ظِلالِ حَدائِقٍ / تَظَلُّ عَلى أَغصانِها الطَيرُ عُكَّفا
دُجَيلِيَّةٌ لَو حَطَّ غَيلانُ رَحلَهُ / بِها ساعَةً أَنسَتهُ حُزوى وَمُشرِفا
كَنِسيانيَ الأَوطانَ في ظِلِّ سَيِّدٍ / جَلى الغَمَّ عَن سَوداءِ قَلبي وَكَشَّفا
دَعانِيَ إِذ لَم آتِهِ مُتَعَرِّضاً / لِنَيلٍ وَأَدنى مِن مَكاني وَشَرَّفا
وَضاعَفَ إِكرامي وَبِرّي بَداهَةً / فَنَفسي فِداهُ ما أَبَرَّ وَأَلطَفا
وَما ضَرَّني مَع قُربِهِ أَنَّ مَنزِلي / وَقَومي بِأَكنافِ المُشَقَّرِ وَالصَفا
يَقُولُونَ ماتَ الأَكرَمونَ وَأَصبَحَت / بِحارُ النَدى قاعاً مِنَ الخَيرِ صَفصَفا
وَلَم يَبقَ في هَذا البَريَّةِ ماجِدٌ / يُلاذُ بِهِ إِن رَيبُ دَهرٍ تَعَجرَفا
فَقلتُ لَهُم أَخطَأتُمُ إِنَّ لِلنَدى / وَلِلجُودِ بَحراً يَقذِفُ الدُرَّ مُردفا
فَما دامَ فَخرُ الدينِ يَبقى وَنَسلُهُ / فَلا تَسأَلوا عَمَّن مَضى أَو تَخَلَّفا
فَإِن غالَهُم رَيبُ المَنونِ كَغَيرِهِم / فَقَولُوا عَلى الدُنيا وَأَبنائِها العَفا
وَمَن يَلقَ فَخرَ الدينِ يَلقَ اِبنَ تارحٍ / جَلالاً وَإِنسانِيَّةَ وَتَحَنُّفا
هُوَ الطاهِرُ الأَخلاقِ لا دِينُهُ رِيا / وَلا مَجدُهُ دَعوى وَلا جُودُه لَفا
سَليلُ مُلوكٍ لا تَرى في قَدِيمِهِ / لَئِيماً وَلا مُستَحدَثَ البَيتِ مُقرِفا
أَتى بَعدَهُم وَالدَهرُ قَد سَلَّ سَيفَهُ / عَلى الناسِ وَاِستَشرى بِحَدٍّ وَأَوجَفا
فَلَم يَثنِ مِنهُ ذاكَ باعاً وَلا يَداً / وَلا عَزمَةً لا بَل لآبائِهِ اِقتَفى
لَعَمري لَقَد أَحيا النَدى بَعدَ مَوتِهِ / وَجَدَّدَ رَبعاً لِلعُلى كانَ قَد عَفى
وَأَضحى بِهِ المَعروفُ غَضّاً وَأَصبَحَت / حِياضُ النَدى مِن فَيضِ كَفَّيهِ وُكَّفا
وَرَدَّ إِلى الآمالِ رُوحاً غَدَت بِها / تَنُوءُ وَكانَت مِن هَلاكٍ عَلى شَفا
تَرى الجُودَ وَالإِحسانَ فيهِ غَريزَةً / وَطَبعاً بِهِ سادَ الوَرى لا تَكَلُّفا
وَما ذاكَ إِلّا أَنَّهُ هانَ مالُهُ / عَلَيهِ فَأَعطى بِاِبتِسامٍ وَأَضعَفا
يُهيلُ عَلى سُوّالِهِ مِن نَوالِهِ / إِذا ما الجوادُ الغَمرُ كالَ وَطفَّفا
ضَحُوكٌ إِذا ما العامُ قَطَّبَ وَجهَهُ / عُبُوساً وَخَوّى كُلّ نَجمٍ وَأَخلَفا
عَلى أَنَّهُ البَكّاءُ في حِندِسِ الدُجى / خُشوعاً وَلَم يَصدِف عَن الرُشدِ مَصدَفا
بَلاهُ الإِمامُ البَرُّ حِيناً وَغَيرهُ / فَلَم يَرَ أَزكى مِنهُ نَفساً وَأَشرَفا
وَوَلّاهُ أَمرَ المُسلمينَ فَلَم يَرُع / تَقِيّاً وَلا راعى لِدُنياهُ مُسرِفا
وَلا خانَ بَيتَ المالِ جَهراً ولا خَفا / وَلا زاغَ عَن نَهجِ الإِمامِ وَلا هَفا
وَجَدنا الإِمامَ الناصِرَ المُهتَدى بِهِ / أَبَرَّ إِمامٍ بِالرَعايا وَأَرأَفا
فَلا عَدِمَ الإِسلامُ أَيّامَهُ الَّتي / أَقامَت بِدارِ المُشرِكينَ التَلَهُّفا
وَعاشَ الدَواميّونَ في ظِلِّ عِزِّهِ / يُصافُونَ مَن صافي وَيجفونَ مَن جَفا
فَإِنَّهُمُ زَينُ العِراقِ وَأَهلُهُ / وَسادَاتُ مَن وافى مِنىً وَالمُعرَّفا
أُجِلُّهُمُ عَن حاتِمٍ وَاِبنِ مامَةٍ / وَأَوسُ إِذا هَبَّت مِنَ الرِيحِ حَرجَفا
فَيا تارِكاً نَقلَ الأَحادِيثِ عَنهُمُ / وَيَنقُلُ أَخبارَ الأَوالي تَعَسُّفا
فِعالُهُمُ شَيءٌ تَراهُ حَقيقَةً / فَحَدِّث بِهِ وَاِلغِ الحَديث المُزَخرَفا
لِكُلِّ اِمرِئٍ مِمَّن لَهُ الفَضلُ خُلَّةٌ / بِها قَومُهُ صارُوا رُؤوساً وَآنفا
فَكَعبٌ جَوادٌ وَالزبيديُّ فارِسٌ / وَقَيسٌ حَليمٌ وَالسَمَوأَلُ ذُو وَفا
وَتِلكَ خِلالٌ فيهمُ قَد تَجَمَّعَت / فَكُلُّ فَتىً مِنهُم بِها قَد تَعَطَّفا
وَزادُوا خِلالاً لَو عَدَدتُ عَشيرَها / لَدَوَّنتُ فيها مُصحَفاً ثُمَّ مُصحَفا
فَيا قاصِدَ البَحرَينِ يُزجي شِمِلَّةً / كَأَنَّ عَلى أَشداقِها الهُدلِ كرسُفا
إِذا أَنتَ لاقَيتَ المُلوكَ بَني أَبي / أَريبَهُمُ وَالأَبلَخَ المُتَغَطرِفا
فَحَيِّهِمُ مِنّي تَحِيَّةَ وامِقٍ / عَطُوفٍ عَلى اِبنِ العَمِّ لَو عَقَّ أَو جَفا
وَقُل لَهُمُ لا تُغفِلُوا شُكرَ سَيِّدٍ / تَوَخّى أَخاكُم بِالكَرامَةِ وَاِصطَفى
وَمَن لَم يُوَفِّ اِبنَ الدَواميّ حَقَّهُ / عَلى مُوجِباتِ الشُكرِ مِنكُم فَما وَفى
فَقَد أَلبَسَ النَّعماءَ حَيّي رَبيعَةٍ / كَما أَلبَسَ النَعماءَ مِن قَبلُ خِندِفا
وَهَل يَكفُر الإِحسانَ إِلّا اِبنُ غيَّةٍ / يُقَلِّبُ قَلباً بَينَ جَنَبَيهِ أَغلَفا
وَيأَبى لِيَ الكُفرانَ أَنّي اِبنُ حُرَّةٍ / كَريمٌ مَتى صَرَّفتُ عَزمي تَصَرَّفا
وَإِنّي وَإِن كُنتُ الرَفيعَ عِمادهُ / لَأُثني عَلَيهِ بِالَّذي كانَ أَسلَفا
وَلا يَمنَعَنّي ذاكَ بَيتٌ بِناؤُهُ / أَنافَ عَلى هادي الثُرَيّا وَأَشرَفا
فَقَدتَ الرَدى يا با عَلِيٍّ إِلى العِدى / وَجُزتَ المَدى تُرجى وَتُخشى وَتُعتَفى
وَمُتِّعتَ بِالأَمجادِ أَبنائِكَ الأُلى / بِهم يُكتَفى في كُلِّ خَطبٍ وَيُشتَفى
وَلا بَرِحَت تَسطُو الخِلافَةُ مِنهُمُ / بِأَبيضَ تَدعُوهُ مُفيداً وَمُتلِفا
وَعاشَ مُعادِي مَجدِهِم وَحَسُودُهُم / يُكابِدُ غَمّاً لا يَرى عَنهُ مَصرفا
أَبَرُّ شُهُودِي أَنَّني لَكَ عاشِقٌ
أَبَرُّ شُهُودِي أَنَّني لَكَ عاشِقٌ / سُهادي وَسُقمي وَالدُمُوعُ الدَوافِقُ
فَجُودا بِلا مَنٍّ وَجُودَا بِلا أَذىً / فَما ماتَ مَومُوقٌ وَلا عاشَ وَامِقُ
فَلا عارَ في وَصلِ اِمرِئٍ ذِي صَبابَةٍ / فَذا الناسُ مُذ كانُوا مَشُوقٌ وَشائِقُ
وَلا تَحسَبِ الشَكوى الدَليلَ عَلى الهَوى / فَكَم صامِتٍ وَالدَمعُ عَن فيهِ ناطِقُ
لَقَد مُنِعَ النُطقَ اللِسانُ وَعاقَهُ / عَنِ البَثِّ وَالشَكوى مِن البَينِ عائِقُ
وَمِن أَينَ لي قَلبٌ يُؤَدّي عِبارَةً / إِلى مَنطِقي وَالبَينُ بِالقَلبِ آبِقُ
فَآهٍ عَلى سُلطانِ حَقٍّ مُوَفَّقٍ / لِما جاءَ في القُرآنِ حَقّاً يُوافِقُ
فَيَقطَعُ في حَقّي يَدَ البَينِ إِنَّهُ / لِسَوداءِ قَلبي يَومَ نُعمانَ سارِقُ
خَليلَيَّ مِن ذُهلِ بنِ شَيبانَ إِنَّني / بِحِبلِكُما دونَ البَرِيَّةِ واثِقُ
أَبُثُّكُما وَجدي وَأَشكُو إِلَيكُما / جَوىً بَينَ أَثناءِ الحَشا لا يُفارِقُ
وَأُنبِيكُما أَنّي عَلى ما عَهِدتُما / إِذا ضَيَّعَ العَهدَ المَلُولُ المماذِقُ
فَعَزماً فَفي وَخدِ المَطايا تَعِلَّةٌ / لِذي هِمَمٍ وَالمَوتُ غادٍ وَطارِقُ
وَقَد يَفجَأُ المَرءَ الحِمامُ وَما قَضى / لَهُ وَطَراً وَالناسُ ماضٍ وَلاحِقُ
أَلا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً / بِحَيثُ اِلتَقى سِقطُ اللِّوى وَالأَبارِقُ
وَهَل أَرَيَنَّ العِيسَ تَهوي رِقابُها / بِنا حَيثُ أَنقاءُ العُيونِ الشَواهِقُ
وَهَل أَرِدَن ماءَ العُذَيبِ غُدَيَّةً / وَقَد مَلَّ حادينا وَضَلَّ الفُرانِقُ
وَهَل تَصحَبَنّي فِتيَةٌ أَبَواهُمُ / عَلِيٌّ وَفَضلٌ لا صَدِىٌّ وَغافِقُ
وَشُعثٌ أطارَ النَومَ عَنها وَلاحَها / رُكوبُ المَرامي وَالهُمومُ الطَوارِقُ
سَرَت مِن قُرى البَحرَينِ وَاِستَنهَضَتهُمُ / هُمومٌ بِأَدناها تَشيبُ المَفارِقُ
أَقُولُ لَهُم وَالعِيسُ تَسدُو كَأَنَّها / بِنا بَينَ أَجزاعِ المُرارِ النَقانِقُ
صِلُوا اللَيلَ وَخداً بِالمَطايا فَإِنَّها / شَوارِفُ بُزلٌ لَيسَ فيها حَقائِقُ
فَقالَوا رُوَيداً بِالمَطِيِّ فَإِنَّها / رَذايا وَذا يَومٌ مِن الحَرِّ ماحِقُ
فَقُلتُ أَبُقياً كُلُّ هَذا وَرأَفَةً / عَلَيها وَهَل لِلسَيرِ إِلّا الأَيانِقُ
فَمِيلُوا عَلَيها بِالسِياطِ وَعَرِّفُوا / ذَوي الجَهلِ مِنّا كَيفَ تَحوي الوَسائِقُ
وَعَدُّوا وَرُدُّوا عَن كَظيمٍ وَنَكِّبُوا / غَضايا فَما بِالنَومِ تُطوى السَمالِقُ
وَلا تَرِدُوا إِلّا اِلتِقاطاً وَلَو أَتى / ظَماها عَلى أَجرانِها وَالوَدائِقُ
فَإِن هِيَ لِلوَفراءِ تاقَت فَإِنَّني / إِلى مَورِدٍ عَذبٍ بِحَرّانَ تائِقُ
إِلى مَورِدٍ لا يَعرِفُ الأَجنَ ماؤُهُ / وَلا نَبَتَت في حافَتيهِ الغَلافِقُ
جَرى مِن يَمينِ الأَشرَفِ المَلكِ ماؤُهُ / فَكُلُّ خَليجٍ مِنهُ لِلعَينِ رائِقُ
حَرامٌ عَلَيها دُونَهُ الماءُ وَالكَلا / وَأَن تَلتَقي أَعضادُها وَالمَفارِقُ
فَيَومَ تُوافيهِ تُراحُ وَيَنقَضي / شَقاها وَيُلقى مَيسُها وَالنَمارِقُ
وَتُضحي بِحَيثُ العِزُّ عَودٌ لنابِه / صَريخٌ وَحَيثُ الجُودُ غَضٌّ غُرانِقُ
تكَفِّرُ إِجلالاً وَتَسجُدُ هَيبَةً / وَقَد حَزَّتِ الأَوساطَ مِنها المَناطِقُ
مُرِمِّينَ إِلّا عَن حَديثٍ مُصَرَّدٍ / تُخالِسُهُم أَبصارُهُم وَتُسارِقُ
لَدى مَلكٍ مِن آلِ أَيّوبَ لَم تَسِر / بِأَحسَنِ نَشرٍ مِن ثَناهُ المَهارِقُ
كَريمٍ مَتى تَقصِدهُ تَقصِد مُيَمَّماً / جَواداً زَكَت أَعراقهُ وَالخلائِقُ
فَتىً لَو يُباري جُودَهُ البَحرُ لاِلتَقَت / دَرادِيرُ في حِيرَانِهِ وَمَغارِقُ
لَهُ هَيبَةٌ كَم ضَيَّقَت مِن مُوَسَّعٍ / وكَم قَد غَدا رَهواً بِها المتَضايِقُ
يَرُدُّ مِنَ المُستَصعَباتِ بِطَرفِهِ / وَإِيمائِهِ ما لا تَرُدُّ الفَيالِقُ
زَئيرُ لَيُوثِ الحَربِ حينَ تُحِسُّهُ / هَريرٌ وَإِمّا زَمجَرَت فَنَقانِقُ
إِذا غابَ فَهيَ الأُسدُ زأراً وَصَولَةً / وَإِن حَضَرَ الهَيجاءَ فَهيَ خَرانِقُ
أَحَلَّتهُ أَعلى كُلِّ مَجدٍ وَسُؤددٍ / صَوارِمُهُ وَالمُقرَباتُ السَوابِقُ
وَأَلبَسَهُ تاجَ المَعالي سَخاؤُهُ / وَإِقدامُهُ وَالضَربُ فارٍ وَفارِقُ
لَهُ الناسُ وَالدُنيا مِنَ اللَهِ نِحلَةً / حَباهُ بِها وَاللَهُ يُعطي وَيأفقُ
أَحَقُّ مُلوكِ الأَرضِ بِالمُلكِ مَن بِهِ / يَنالُ الغِنى الراجي وَتُحمى الحَقائِقُ
هُمامٌ إِذا ما هَمَّ ضاقَت بِرَحبِها / مَغارِبُها عَن عَزمِهِ وَالمَشارِقُ
يُسابِقُهُ في الرَوعِ عِرنِينُ أَنفِهِ / وَلِلرُّمحِ حملاقٌ وَلِلسَيفِ عاتِقُ
وَيَومٍ يُواري الشَمسَ رَيعانُ نَقعِهِ / وَيَحوَلُ قَبلَ الطَرفِ فيهِ الحَمالِقُ
وَتَمشي نُسورُ الجَوِّ فَوقَ عَجاجِهِ / وَتَبني بِهِ أَوكارَهُنَّ اللقالِقُ
كَأَنَّ العَجاجَةَ عارِضٌ وَكَأَنَّما / بِهِ المَشرَفِيّاتُ المَواضي عَقائِقُ
وَتَحسَبُ مِن رَأيِ الأَسِنَّةِ أَنَّها / قَواذِفُ قَذفٍ صَوَّتَت وَصَواعِقُ
وَقَد أَبطَلَ الضَربُ القِسيَّ وَأُلقِيَت / فَلَم يَبقَ إِلّا ضارِبٌ وَمُعانِقُ
مَشى نَحوَهُم مَشيَ السَبنتى فَداحِضٌ / بِشِكَّتِهِ أَو طائِشُ اللُبِّ زاهِقُ
بِنَصلٍ يَقُولُ المَوتُ حينَ يَشُكُّهُ / بِزَوجَةَ مَن يُعلى بِهِ أَنتِ طالِقُ
فَصَكَّ بِهِ الأَبطالَ صَكّاً بِهِ اِلتَقَت / لِقاءَ قِلىً أَقدامُها وَالعَنافِقُ
سَلِ الكُفرَ مَن أَودى بِدمياطَ رُكنَهُ / وَقَصَّرَ أَعلى فَرعِهِ وَهوَ باسِقُ
يُخَبِّركَ صِدقاً أَنَّ مُوسى هُوَ الَّذي / بِصارِمِهِ باقَت عَلَيهِ البَوائِقُ
وَقَد جاءَت الإِفرَنجُ مِن كُلِّ وجهَةٍ / كَأَنَّ تَداعيها السُيُولُ الدَوافِقُ
كَتائِبُ مِلءُ البَرِّ وَالبَحرِ مَن بَدَت / لَهُ قالَ ذا جُنحٌ مِنَ اللَيلِ غاسِقُ
تَسيرُ بِسَدٍّ مِن حَديدٍ لَوَ اِنَّهُ / هُوَ السَدُّ لَم يَخرِقهُ لِلوَعدِ خارِقُ
لَهُ لجَبٌ كادَت مِراراً لِهَولِهِ / تَقَطَّعُ بَينَ المُسلِمينَ العَلائِقُ
فَما كانَ إِلّا أَن أَحَسُّوا قُدُومَهُ / تَحُفُّ بِهِ تِلكَ البُنودُ الخَوافِقُ
يَهُزُّ حُساماً لَم يَكُن مِن دِمائِها / لَهُ صابِحٌ مِنهُم برِيٍّ وَغابِقُ
وَمالوا لِقَذفِ المالِ في اليَمِّ بِالضُحى / وَبِاللَيلِ ثارَت في الرِحالِ الحَرائِقُ
وَأَزعَجَهُم مَن ذاقَ لِلجُرحِ بَعدَهُم / بِأَمسٍ وَهَل يَستَعذِبُ المَوتَ ذائِقُ
فَوَلّوا فَمُنكَبٌّ عَلى أُمِّ رَأسِهِ / لَدُن ذاكَ لَم يَنفُق وَآخَرُ نافِقُ
وَمُستَعصِمٌ بِالبَحرِ مِنهُ وَعائِدٌ / بِأَخلَقَ تَنبُو عَن صَفاهُ المَطارِقُ
وَلَم يَبقَ يُثني مِن عَنانِ جَوادِهِ / أَبٌ لِاِبنِهِ وَالمَوتُ لِلقَومِ خانِقُ
فَسالَ دَمٌ لَو سالَ في الأَرضِ لَاِستَوى / بِها رَدَغٌ ما عُمِّرَت وَمَزالِقُ
جَرى مِنهُ فَوقَ البَحرِ بَحرٌ فَمَوجُهُ / إِلى الآنِ مِن بَعدِ الأَقاحي شَقائِقُ
فَصارَ نَئيماً ذَلِكَ الزَأرُ وَاِغتَدَت / بُغاماً لِفَرطِ الخَوفِ تِلكَ الشَقائِقُ
وَلَم يُنجِ مِنهُم لُجُّ بَحرٍ وَلا حَمَت / حُصونٌ أُديرَت حَولَهُنَّ الخَنادِقُ
وَلا مَنَعت في مُلتَقاها مُلوكها / قَرابَتُها صُهبُ اللِّحى والبَطارِقُ
فَيا لَكَ عَصراً أَلبَسَ الكُفرَ حُلَّةً / مِنَ الذُلِّ لا تَبلى وَلِلمِسكِ ناشِقُ
وَمَدَّ عَلى الإِسلامِ سِتراً مُوَفَّقاً / مِنَ العِزِّ يَبقى ما تَأَوَّهَ عاشِقُ
فَلَولاهُ لَم يَنطِق بِدِمياطَ داعِياً / إِلى كَلِمَةِ التَوحيدِ وَالعَدلِ ناطِقُ
فَأُقسِمُ ما والاهُ إِلّا مُوَحِّدٌ / تَقِيٌّ وَما عاداهُ إِلّا مُنافِقُ
فَلا يُعدِمَنَّ اللَهُ أَيّامَهُ الَّتي / بِها يَفتُقُ الإِسلامُ ما الكُفرُ راتِقُ
أَبا الفَتحِ لا زالَت بِكَفَّيكَ تَلتَقي / مَفاتيحُ أَرزاقِ الوَرى وَالمَغالِقُ
إِلَيكَ رَمَت بِي نائِباتٌ هَوارِقٌ / لِدَمعي وَأَحداثٌ لِعَظمي عَوارِقُ
أَبِيتُ وَفي صَدري مِنَ البَينِ خارقٌ / وَفي عُنُقي مِن كَظمَةِ الغَمِّ خانِقُ
وَلَم يَبقَ بَعدَ اللَهِ إِلّاكَ مَقصِدٌ / تَمُدُّ إِلَيهِ بِالأَكُفِّ الخَلائِقُ
فَكَم لُجِّ تَيّارٍ إِلَيكَ اِعتَسَفتُهُ / تُهالُ لِرُؤياهُ العُيونُ الرَوامِقُ
وَكَم جُبتُ مِن مَجهولَةٍ وَمُشَيِّعي / بِها قَلبُ مَأثورٍ وَشَيخانُ آفِقُ
وَما لِيَ خُبرٌ بِالفَيافي وَإِنَّما / سَناؤُكَ فيها قائِدٌ لي وَسائِقُ
شُهورٌ تِباعٌ سَبعَةٌ وَثَلاثَةٌ / أُرافِقُ لا أَلوي بِها وَأُفارِقُ
أَسيرُ مُجدّاً أَربَعاً وَيَعوقُني / ثَمانٍ مِنَ الحُمّاءِ وَالخَوفِ عائِقُ
وَأَينَ مِنَ البَحرَينِ سَنجارُ وَالقَنا / وَمِن راحَتَيها كِندَةٌ وَالجَرامِقُ
وَلَكِن إِذا ما المَرءُ لَم يَلقَ يَومَهُ / أَتى أَيَّ أَرضٍ رامَها وَهوَ رافِقُ
وَحُسنَ حَديثِ الناسِ عَنكَ اِستَفَزَّني / إِلَيكَ وَوُدٌّ يَعلَمُ اللَهُ صادِقُ
فَداكَ مِنَ الأَسواءِ كُلُّ مُضَلَّلٍ / عَنِ الرُشدِ لَم يَطرُقه لِلجُودِ طارِقُ
وَلا زِلتَ مَحرُوسَ الجَنابِ مُمَلَّكا / رِقابَ عِدى عَلياكَ ما ذَرَّ شارِقُ
أَمِن دِمنَةٍ بَينَ اللِّوى وَالدَّكادِكِ
أَمِن دِمنَةٍ بَينَ اللِّوى وَالدَّكادِكِ / شُغِفتَ بِتَذرافِ الدُموعِ السَوافِكِ
عَفَت غَيرَ آرِيٍّ وَأورَقَ حائِلٍ / وَأَشعَثَ مَشجُوجٍ وَسُفعٍ رَوامِكِ
وَنُؤيٍ كَجِذمِ الحَوضِ غَيَّرَ رَسمُهُ / وَجِيفُ الحَصا بالمُوجِفاتِ الحَواشِكِ
كَأَنَّ فُؤادي ناطَهُ ذُو سَخيمَةٍ / قَليلُ التَحَنّي في صُدورِ النَيازِكِ
غَداةَ تَداعى الحَيُّ بِالبَينِ بَعدَما / جَلا الصُبحُ أَعجازَ النُجومِ الدَوالِكِ
وَقَد قَرَّبُوا لِلبَينِ كُلَّ هَمَرجَلٍ / أَمُونِ القَرى ضَخمِ العَثانين تامِكِ
قِمَطرٍ دَرَفسٍ فَيسَرِيٍّ كَأَنَّما / مَناكِبُهُ جُلِّلنَ وَشيَ الدَرانِكِ
رَعى واجِفاً فَالصُلبُ مِن أَجبُلِ الغَضا / بِحَيثُ اِستَهَلَّت كُلُّ وَطفاءَ رامِكِ
وَفي الجِيرَةِ الغادينَ لا عَن مَلالَةٍ / ظِباءٌ عَلى تِلكَ الهِجانِ البَوائِكِ
خِماصُ الحَشا حُمُّ الشِفاهِ كَأَنَّما / يَلُثنَ مُرُوطَ العَصبِ فَوقَ العَوانِكِ
وَيَبسِمنَ عَن نَورِ الأَفاحِيِّ لَم يَزَل / يُغَذّى بِدَرّاتِ الذِهابِ الرَكائِكِ
وَفِيهِنَّ مِن ذُهلِ بنِ شَيبانَ غادَةٌ / يُطَيِّبُ رَيّاها عَبيرَ المَداوِكِ
كَأَنَّ عَلى فيها سُلافَةَ قَرقَفٍ / وَقَد غُوِّرَت أُمُّ النُجُومِ الشَوابِكِ
أَقُولُ لِها سِرّاً وَقَد غابَ كاشِحٌ / رَقيبٌ مَقالَ العاشِقِ المُتَهالِكِ
لَكِ الخَيرُ ما هَذا الجَفاءُ وَهَذِهِ / دِياري وَأَهلي زُلفَةٌ مِن دِيارِكِ
أَتَرضينَ قَتلي لا بِسَلَّةِ صارِمٍ / مِن البِيضِ إِلّا سَلَّةً مِن لِحاظِكِ
فَوَاللَهِ ما أَدري أَإِعراضُ بَغضَةٍ / لَنا أَو دَلالٌ فَاِفصحي عَن مَقالكِ
فَلي هِمَّةٌ عَلَيا وَنَفسٌ أَبِيَّةٌ / تَمُجُّ وِصال اللّاوِياتِ المَواعِكِ
وَلِي عَزمَةٌ إِن ساعَدَ الجدُّ أَشرَقَت / وَنافَت عَلى شُمِّ الرِعانِ الشَوامِكِ
ولا بُدَّ مِن نصِّ القِلاصِ وَإِن غَدَت / حُطاماً أَعالي دَأيِها المُتلاحِكِ
عَلَيهِنَّ فِتيانٌ كِرامٌ تَحَرَّجُوا / مِنَ النَومِ إِلّا فَوقَ تِلكَ الحَوارِكِ
أَقُولُ لَهُم وَالعِيسُ تَشدُو كَأَنَّها / مَعَ الآلِ أُمّاتُ الرِئالِ الرَواتِكِ
أَقيمُوا صُدورَ اليَعمُلاتِ ورَفِّعُوا / عَنِ السُبلِ تَنجُوا مِن سَبيلِ المَهالِكِ
فَعَنَّ لَنا مِن بَين سِتّينَ لَيلَةٍ / وَميضُ سَناً عَن أَيمَنِ الجَوِّ نابِكِ
فَقالُوا تَرى النَجمَ اليَمانيَّ قَد بَدا / يَلُوحُ بِمُستَنٍّ مِنَ الأُفقِ حالِكِ
فَقُلتُ لَهُم ما ذاكَ نَجمٌ تَرَونَهُ / بِناحِيَةِ الخَضراءِ ذاتِ الحَبائِكِ
فَقالوا فَماذا قُلتُ نارٌ بِرَبوَةٍ / تُشَبُّ لِأَبناءِ الهُمومِ الضَرابِكِ
يُضِيءُ سَناها بِالدُجى مُتَنَمِّرٌ / عَلى الدَهرِ مُودِي البَرك رَحبِ المَبارِكِ
أَغَرُّ نَماهُ كُلُّ حامٍ مُمانِعٍ / عَنِ المَجدِ بِالمُستَأثراتِ البَواتِكِ
مِنَ العَبدليّينَ الأُلى في أَكُفِّهِم / حَياةٌ لِأَوّابٍ وَمَوتٌ لِباعِكِ
أُناسٌ هُمُ الناسُ اِنتَدَوا وَتَشَعّبَت / بِهِم هِمَمٌ ما بَينَ ناءٍ وَآرِكِ
فَحُلّوا عُرى التِرحالِ وَاِستَعصِمُوا بِهِ / مِنَ الدَهرِ واِرمُوا صَرفَهُ بِالدَوامِكِ
فَإِنَّ لَدَيهِ مِن عَلِيٍّ مَقاذِفاً / عَنِ المَجدِ يَخشى فَتكَهُ كُلُّ فاتِكِ
يُجيرُ عَلى الأَيّامِ ما لا تُجيرُهُ / عَلَيهِ وَيَسطُو بَالخُطُوبِ العَوارِكِ
مَنيعُ الحِمى لا يَذعَرُ القَومُ سَرحَهُ / وَلا تُتَّقى غاراتُهُ بِالمَآلِكِ
فَتىً لا يَرى مالاً سِوى ما أَفادَهُ / طِعانُ العِدى في المَأزَقِ المَتَضانِكِ
وَلا يَقتَني مِن مالِهِ غَيرَ سابِحٍ / وَأَبيضَ مَخشُوبِ الغِرارَينِ باتِكِ
وَمَسرُودَةٍ جَدلاءَ تَضفو ذُيولُها / عَلى قَدَمِ القَرمِ الأَنَدِّ الضُبارِكِ
وَأَحسَنُ مِن شَدوِ المَزاهِيرِ عِندَهُ / صَليلُ المَواضي في مُتونِ التَرائِكِ
وَلا يَتَساوى رَدعُ مِسكٍ وَعَنبَرٍ / لَدَيهِ بِرَدعٍ مِن دَمِ القِرنِ صائِكِ
وَإِن جَعَلَت فَوقَ الأريكِ مَقيلَها / رِجالٌ فَسَل عَنهُ رِجالَ الأَوارِكِ
لَهُ كُلَّ يَومٍ غارَةٌ مُشمَعِلَّةٌ / تَرى الصِّيدَ مِن شَدّاتِها في مَناسِكِ
بِها يَحتَوِي نَهبَ الأَعادي وَيَصطَفي / عَقائِلَ أَبناءِ المُلوكِ العَواتِكِ
حَمِيٌّ عَلى ما حازَهُ وَأَتَت بِهِ / إِلَيهِ الأَتاوى مِن مَليكٍ مُتارِكِ
هُمامٌ إِذا ما هَمَّ لَم يَثنِ عَزمَهُ / أَقاويلُ أَبناءِ الطِغامِ الضُكاضِكِ
ترى العَرَبَ العَربا يحُجّونَ بَيتَهُ / كَأَنَّهُمُ جاؤُوا لِذَبحِ النَسائِكِ
رِجالاً وَرُكباناً فَمِن طَالِبٍ غِنىً / وَمِن تائبٍ عَن ذِلَّةٍ مُتَدارِكِ
تَخالُ إِياساً في الفَصاحَةِ باقِلاً / لَدَيهِ وَفُرسانُ الوَغى في تَداوُكِ
إِذا صالَ لَم يُعدَل بِقَيسِ بنِ خالِدٍ / وَإِن قالَ لَم يُعدَل بِسَعدِ بنِ مالِكِ
وَإن جادَ بَذَّ المَرثدِيِّينَ جُودُهُ / وَأَنسى بَني الآمالِ جُودَ البَرامِكِ
أَبا ماجِدٍ لَم يَبقَ إِلّاكَ ماجِدٌ / يُرجّى لِأَبكارِ الخُطُوبِ النَواهِكِ
أَنِفتُ لِمَدحي مَن سِواكُم لِأَنَّني / إِلى ذِروَتَيكُم في سِنامٍ وَحارِكِ
وَأَكبَرتُ نَفسي أَن أُرى مُتَضائِلاً / أُرَجّي نَوالاً مِن لَئِيمٍ رَكارِكِ
مَخافَةَ تَرّاكٍ يَقُولُ وَقَولُهُ / أَمَضُّ وَأَمضَى مِن حُدودِ النَيازِكِ
لَوَ اِنَّ بَني القَرمِ العُيونيِّ سادَةٌ / كِرام يُرَوّونَ القَنا في المَعارِكِ
لَغارُوا عَلى النَظمِ الجَميلِ وَلَم يَكُن / لَهُم في مَعاني لَفظِهِ مِن مُشارِكِ
أَما كانَ فيهِم مِثلُ عَمرو بنِ مرثِدٍ / وَذُو المَجدِ دفّاعُ الهُمومِ السَوادِكِ
فَغَر فَبَناتُ الفِكرِ أَولى بِغَيرَةٍ / وَأَجدَرُ مِن نُجلِ العُيونِ الرَكارِكِ
وَحافِظ عَلى الذِكرِ الجَميلِ فَإِنَّما / مَصيرُ الفَتى أُحدُوثَةٌ في الشَكائِكِ
وَلا تُسلِمَن لِلدَهرِ مَولىً هَواكُمُ / هَواهُ وَمَهما ساءَكُم غَيرُ حاسِكِ
يَمُتُّ بِوُدٍّ مِن ضَميرٍ تَحُوطُهُ / عَواطِفُ أَرحامٍ إِلَيكُم شَوابِكِ
وَلَستُ وَإِن أَودى الزَمانُ بِثَروَتي / وَزاحَمَني مِنهُ بِخَصمٍ مُماحِكِ
بِمُهدٍ ثنائي وَالمَناديح جَمَّةٌ / إِلى حَوتَكِيٍّ أَبشَع اللُؤمِ راعِكِ
يَرى مُورِدَ الآمالِ حَولَ فِنائِهِ / بِعَينِ نوارٍ تَلحَظُ الشَيبَ فارِكِ
ولا ضارِعٍ طَوعَ المُنى يَستَفِزُّني / إِلى مُقرِفٍ رَجمُ الظُنونِ الأَوافِكِ
وَلَستُ بِمفراحٍ بِمالٍ أُفيدُهُ / لعَمري وَلا آسٍ عَلى إِثرِ هالِكِ
وَلا مادِحٍ إِلّا سُراةَ بَني أَبي / جَمالُ المَعالي بَل لُيُوثُ المَعارِكِ
وَلي وَقفَةٌ في دارِهِم إِثرَ وَقفَةٍ / وما ذاكَ في أَشباهِ قَومي بِشائِكِ
فَإِن صَدَّقُوا ظَنّي وَظنّيَ أَنَّهُم / نُجُومُ سَماءٍ شَمسُها غَيرُ دالِكِ
فَإِمّا نَبَت بِي دارُهُم أَو تَوَعَّرَت / عَلَيَّ فَما ضاقَت رِحابُ المَسالِكِ
إِلَيكُنَّ عَنّي فَاِنصَرِفنَ عَلى مَهلِ
إِلَيكُنَّ عَنّي فَاِنصَرِفنَ عَلى مَهلِ / فَلَستُ بِمُرتاعٍ لِهَجرٍ وَلا وَصلِ
وَما ذاكَ مِن بُغضٍ لَكُنَّ وَلا قِلىً / وَلَكِنَّ قَلبي عَن هَواكُنَّ في شُغلِ
أَبَت لِي وِصالَ البِيضِ هِمّاتُ ماجِدٍ / بَعيدِ الحَمايا غَيرِ نِكسٍ وَلا وَغلِ
غَيُورٍ عَلى العَلياءِ أَن يَبتَني بِها / رَزايا أُناسٌ ما تُمِرُّ وَلا تُحلي
سَواسِيَةٍ لا في مَعَدٍّ مِن الذُرى / وَلا في بَني قَحطانَ في الكاهِلِ العَبلِ
مَضَت حِقبُ الدُنيا وَما في بُيُوتِهِم / لِعِزِّ المَعالي مِن سَليلٍ وَلا بَعلِ
أَضاعُوا حِماها فَاِستُبيحَ وَأَيقَظُوا / عَلَيها البلا مِن كَلِّ حافٍ وَذي نَعلِ
وَباعُوا بِرُخصٍ باعِثَ العدلِ فيهِمُ / فَراحُوا وَكُلٌّ مِنهُمُ في يَدَي عَدلِ
وَأَضحَوا كَفَقعٍ أَو أَداحِيِّ قَفرَةٍ / تُقَلَّبُ بِالمِنساةِ وَاليَدِ وَالرِجلِ
تَسُومُهُمُ سُوءَ العَذابِ بِغلظَةٍ / عِداهُم وَيُسقونَ المَهانَةَ بِالرَطلِ
فَذُو المَالِ مِنهُم لا يَزالُ لِأَجلِهِ / يَروحُ أَخا وَيلٍ وَيَغدُو أَخا ثُكلِ
وَذُو الفَقرِ في هَمَّينِ هَمّ مَعيشَةٍ / وَهَمِّ عَدُوٍّ فَهوَ يَمشي بِلا عَقلِ
فَأَروحُهُم مَن راحَ فيهم وَرَأسُهُ / كَرَأسِ عَلاةِ القَينِ وَكَفِّهِ الطَبلِ
فَذُو الحَزمِ مَن أَعطى بِباعٍ قَصيرَةٍ / وَأَلقى مَقاليدَ الأُمورِ إِلى نَذلِ
وَذُو العَزمِ مَن أَمسى وَأَصبَحَ عائِذاً / بِجِلفٍ مِنَ الأَعرابِ أَو عاهِرٍ طِملِ
وَإِمّا اِنتَدى بَعضَ البَوادي وَبَعضُهُم / سَواءٌ بِضاحي البَرِّ أَو باحَةِ الرَحلِ
فَأَقوَلُهُ قَد كانَ جَدّي وَوالِدي / وَجَدُّ أَبي خُدّامَ رَهطِكَ مِن قَبلي
فَإِن يَتَلقّى بِالقَبُولِ مَقالَهُ / فَيا لَكَ مِن فَخرٍ وَيا لَكَ مِن فَضلِ
وَإِن قالَ كلّا ما عَلِمتُ فَيا لَها / خُوَيخِيَّةٌ تُدعى مُضَيَّقَةَ السُبلِ
وَإِن جاءَ يَوماً نازِلاً لِهَوانِهِ / تَلَقّاهُ مِنهُ بِالإِقامَةِ وَالنُزلِ
كَأَنَّ عَلَيهِ إِذ يَحُلُّ نَقيعَةَ ال / قُدُومِ وَلَيسُوا لِلسَماحَةِ بِالأَهلِ
أَلا يا لَقَومي مِن رَبيعَةَ هَل أَرى / لَكُم يَومَ بَأسٍ يَصدِمُ الجَهلَ بِالجَهلِ
إِلى مَ تُقاسُونَ الهَوانَ أَذِلَّةً / وَأَنتُم إِذا كُوثِرتُمُ عَدَدُ النَملِ
يَسُوقُكُم كَرهاً إِلى ما يَسُوءُكُم / عَبيدُكُمُ سَوقَ الأُحَيمِرَةِ الهُزلِ
وَكَم تَتَرَدُّونَ الخُمولَ ضَراعَةً / وَلُؤماً وَتَشرونَ الغَباوَةَ بِالنُبلِ
يَوَدُّ الفَتى مِنكُم إِذا عَنَّ أَو بَدا / لَهُ مِن بَني القِيناتِ أَسوَدُ كَالحَجلِ
بِأَنَّ حَضيضَ الأَرضِ أَضحى بِقَعرِهِ / لَهُ نَفَقٌ مِمّا اِعتَراهُ مِنَ الخبلِ
فَذُو القَدرِ مِنكُم وَالجَلالَةِ يَحتوي / صفاياهُ مِنهُم بالمَطاميرِ وَالحَبلِ
وَسائِرُكُم بِالبُهم يَرعى مُحَلِّقاً / بِأَثوابِهِ رُعباً مِنَ الجَدِّ وَالهَزلِ
عَزيزُكُمُ يَرضى مِنَ الدُرِّ بِالحَصى / وَيَقنَعُ لَو يُعطى مِنَ الدَرِّ بِالمَصلِ
فَقُبحاً لَكُم ماذا تَعُدُّونَ في غَدٍ / إِذا اِفتَخَرَ الأَقوامُ يا أَخلَفَ النَسلِ
فَإِن كانَ خَوفُ القَتلِ وَالأَسرِ داءَكُم / فَشَأنُكُم أَدهى مِنَ الأَسرِ وَالقَتلِ
فَعَزماً فَموتُ العِزِّ عِندَ ذَوي النُهى / حَياةٌ وَعَيشُ الذُلِّ مَوتٌ بِلا غُسلِ
فَقَد يُنكِرُ الضَيمَ الكَريمُ بِسَيفِهِ / إِنِ اِسطاعَ أَو بِالشَدقَمِيَّةِ وَالرَحلِ
كَما فَعَلَ العَبسِيُّ قَيسٌ وَإِنَّما / أَخُو الهِمَّةِ العَليا أَخُو الحَسَبِ الجَزلِ
أَشاعَ لِعَبسٍ بِالسَلامِ وَأرقَلَت / بِهِ العِيسُ مِن نَجدٍ إِلى كَنَفي وَبلِ
وَحَلَّ عَلى الأَتلادِ غَيرَ مُجاوِرٍ / وَلَكِنَّ عِضّاً لا يَنامُ عَلى تَبلِ
وَلا خَيرَ عِندي في حَياةٍ كَأَنَّها / حَياةُ دَعاميصِ الفَراشَةِ في الضَحلِ
وَذي إِربَةٍ أَهدى لِيَ اللَومَ ناصِحاً / وَذُو اللُبِّ أَحياناً يُريعُ إِلى العَذلِ
يَقُولُ بِتَأنيبٍ أَأُنسيتَ ما جَرى / عَلَيكَ مِنَ الأَغلالِ والسِجنِ وَالكَبلِ
وَإِحرازِ ما أُوتيتَهُ وَاِكتَسَبتَهُ / عَلى غَيرِ ذَنبٍ مِن فِراخٍ وَمِن نَخلِ
وَتفريقَهُ في كُلِّ شاوٍ وَخارِبٍ / وَذاتِ هَنٍ كَالماءِ في رَدعِ الوَحلِ
وَسَلبِ الحِسانِ المُكرَماتِ تَهاوُناً / بِهنَّ وَدَمعُ الأَعيُنِ النُجلِ كَالوَبلِ
وَما كانَ مِن إِخراجِهِنَّ صَوارِخاً / مِنَ الضَيمِ مِن بَعدِ القِصارَةِ وَالشّكلِ
وَسُكنى البَوادي دارَهُنَّ وَإِنَّها / لَدَارُ اِمرِئٍ لا بِالحصورِ وَلا الخَطلِ
أَمِثلُكَ يَرضى دارَ ذُلٍّ إِذا مَأى / بها نَأمُ الضَيّونِ طارَ أَبُو الشِبلِ
أَما كانَ في أَرضِ العِراقِ مَراغِمٌ / تَرُوقكَ عَن دارِ الزَلازلِ وَالأَزلِ
فَقُلتُ لَهُ أَربِع عَلَيَّ وَفي الحَشا / لَوافِحُ أَحقادٍ مَراجِلُها تَغلي
وَجَدِّكَ لَم تَعذِل مَلُوماً وَلَم تَهج / جَثُوماً وَلَم تُوقِظ نؤُوماً عَلى تَبلِ
لِأَمرٍ تَخَطَّيتُ الخَطايا وَلَم أَزل / بِمَطوِ المَطايا أُتبِعُ الجَهلَ بِالجَهلِ
وَما أَعجَبَتني دارُ ذُلٍّ وَإِن غَدَت / مَنازِلَ قَومي وَالأَكارِمِ مِن أَهلي
وَلَكِنَّني حاوَلتُ ما إِن أَتَمَّهُ / لِيَ اللَهُ لَم أَجفَل بِمَحلٍ وَلا مَغلِ
وَقُلتُ عَسى يَوماً كَيَومٍ شَهِدتُهُ / قَديماً لِكَيما يلحَقَ الشُومُ بِالثُكلِ
أَكُونُ بِهِ قُطبَ الرَحى وَمُديرَها / بِعَزمٍ عَلى أَهلِ الضَلالَةِ وَالجَهلِ
فأَلفَيتُ قَوماً إِن طَلَبتَ اِنبِعاثَهُم / لِيَومِ سِبابٍ فَاِدعُ بِالخَيلِ وَالرَجلِ
وإِن رُمتَ فيهم دَفعَ ضَيمٍ وَنُصرَةٍ / بِهِم رُمتَ أَو شالاً مِنَ اِصطُمَّةِ الرَملِ
يُرَجّونَ عَبداً خائِباً قَعَدَت بِهِ / عَلى الخِزيِ أُمّاتٌ وَقَفنَ عَلى الغُسلِ
شَريساً أَعارَتهُ اللَيالي جَهالَةً / جَلالاً وَمالاً وَهيَ مَعتُوهَةُ العَقلِ
قِراعٌ وَلَكِنَّ الكَوَادنَ لَم تَكُن / لِتَجري مَعَ الخَيلِ العرابِ عَلى الحَبلِ
فَما وَلَدَتني حاضِنٌ حَنَفِيَّةٌ / عبيدِيَّةٌ تَسمُو إِلى الحسَبِ الجَزلِ
وَلا عُرِفَت في المَروَتَينِ أُبُوَّتي / وَلا كُنتُ أهدى السابِقينَ إِلى الفَضلِ
وَلا نَزَلَ الأَضيافُ يَوماً بِعقوَتي / وَلا ثَبَتَت في ماقِطٍ حَرجٍ رِجلي
لَئِن أَنا لَم أَغشَ اللِئامَ بِوَقعَةٍ / يَشيبُ لَها مِن هَولِها مَفرِقُ الطِفلِ
وَيَومٍ يَظَلُّ العَثرُ فيهِ نَبائِلاً / مُغَربَلَةً فَوقَ الشَناوِيرِ وَالزَبلِ
لِيَعلَمَ أَهلُ الغَدرِ أَنَّ عَداوَتي / لَأَمقَرُ مِن صابٍ وَأَقطَعُ مِن نَصلِ
وَإِنّي لَكالنَشرِ الَّذي تَستَلِذُّهُ / وَأَهنى لَها لَو قدِّرَت مَرتَعَ الأزلِ
وَهَل يَكشِفُ الغَمّاءَ عَن ذي ضَرورَةٍ / وَيَجلو ظَلامَ الخَطبِ إِلّا فَتىً مِثلي
كَذَلِكَ كانَت مُنذُ كانَت أُبُوَّتي / ذَوو الهامَةِ الخَشناءِ وَالجانِبِ السَهلِ
إِذا السَيِّدُ الجَبّارُ أَبدى تَعامياً / وَصَعَّرَ خَدّاً وَاِستَباحَ حِمى المَطلِ
أَضاءَت لَهُ أَسيافُنا فَهَدَينَهُ / وَقَوَّمنَهُ فَاِستَبدَلَ الحِلمَ بِالجَهلِ
فَسائِل مَعَداً هَل لَها مِن مُعَوِّلٍ / سِوانا إِذا البَزلاءُ قامَت عَلى رِجلِ
وَهَل قادَنا بِالجَهضَمِيَّةِ سَيِّدٌ / وَإِن كانَ فينا واسِعَ البَأسِ وَالفَضلِ
أَلَم نَترُكِ الضحيانَ يَكبُو وَبَعدَهُ / كُلَيباً أَذَقنا عِرسَهُ مَضَضَ الثَكلِ
وَأَردى أَخانا اليَشكُريَّ وَفَرخَهُ / فَوارِسُ مِنّا غَيرُ ميلٍ وَلا عُزلِ
سَواءٌ عَلَينا قَومُنا إِذ تُضِيمُنا / وَأَعَداؤُنا وَالفَرعُ يُنمي إِلى الأَصلِ
ظَنَنتُ حَسُودي حينَ غالَت غَوائِلُه
ظَنَنتُ حَسُودي حينَ غالَت غَوائِلُه / يُريعُ إِلى البُقيا وَتُطوى حَبائِلُه
وَقُلتُ كَفاهُ ما لَقيتُ وَنالَني / بِهِ الدَهرُ مِمّا كانَ قِدماً يُحاوِلُه
فَأَغمَضتُ جَفناً وَالقَذى مِلءُ ناظِري / وَأَبدَيتُ سلماً لَيسَ تخشى دَغائِلُه
وَأَطفأتُ نارَ الجَهلِ بِالحِلمِ بَعدَما / غَلى المِرجَلُ الأَحوى وَذيقَت تَوابِلُه
وَوَطَّنتُ نَفسي لِلمُداراةِ ما رَأى / رَأيتُ وَمَهما قالَهُ أَنا قائِلُه
فَما زادَ ذُو الأَضغانِ إِلّا تَمادِياً / وَلا بَشَّرَت إِلّا بِشرٍّ مَخائِلُه
كَذَلِكَ أَحوَالُ الحَسُودِ وَخِبُّهُ / وَما تَقتَضي أَخلاقُهُ وَشمائِلُه
فَلا تَرجُ يَوماً في حَسُودٍ مَوَدَّةً / وَإِن كُنتَ تُبدي وُدَّهُ وَتُجامِلُه
وَلا تَبغِ بالإِحسانِ إِرضاءَ كاشِحٍ / فَلَيسَ بِمغنٍ في دَمالٍ تَدامُلُه
فَقُل لِخَليعٍ هَمُّهُ ما يَسُوءُني / رُوَيدَكَ فاتَ الزُجَّ في الرُمحِ عامِلُه
وَلا تَحسَبَنّي ضِقتُ يَوماً بِما جَرى / ذِراعاً فَما ضاقَت بِحُرٍّ مَراكِلُه
فَقَد يُدرِكُ البَدرَ الخُسوفُ وَتَنجَلي / غَياهِبُهُ عَن نُورُهِ وَغَياطِلُه
وَقَد يَجزِرُ الرَجّافُ طَوراً وتارَةً / يُسَيِّرُ ذاتَ الجُلِّ بِالمَدِّ ساحِلُه
فَإِن سَاءَني القَومُ الكِرامُ وَضَيَّعُوا / حُقوقي وَهَديُ المَجدِ فيهِم وَكاهِلُه
فَقَبلي أَخُو شَنّ بنِ أَفصى أَضاعَهُ / بَنُو عَمِّهِ دَونَ الوَرى وَفَضائلُه
وَلا بُدَّ هَذا الدَهرُ يَرجِعُ صَحوُهُ / وَيَنجابُ عَنهُ غَيُّهُ وَيُزايِلُه
وَقَد يُشرِقُ الرّيقُ الفَتى وَهوَ غَوثُهُ / وَيَجرَحُهُ ماضي الشَبا وَهوَ فاصِلُه
فَيَنطِقُ عَن صِدقٍ وَيَسمَعُ واعِياً / وَيَفهَمُ عَن عَقلٍ فَيَزهَقُ باطِلُه
فَيَذهَبُ قَومٌ كَاليَعاليلِ لا يُرى / لَها أَثَرٌ وَالماءُ تغطي جَداوِلُه
فَجَدعاً وَعَقراً لِلزَمانِ إِذا اِستَوى / مُطَهَّمُهُ في عَينِهِ وَطَهامِلُه
وَقُبحاً لِدَهرٍ أَصبَحَ العَلُّ فيلُهُ / وَأَضحَت بُزاةُ الطَيرِ فيهِ عُلاعِلُه
فَلا يَفرَحِ الخَلفُ الهِدانُ بِنَكبَتي / فَما نالَني مِن صَرفِها فهوَ نائِلُه
عَلى أَنّني لا مُستَكيناً لِحادِثٍ / وَسيّانِ عِندي نِيلُهُ وَصَلاصِلُه
وَقائِلَةٍ وَالعِيسُ تُحدَجُ لِلنَوى / وَدَمعُ الجَوى قَد جالَ في الخَدِّ جائِلُه
عَلَيكَ بِصَبرٍ وَاِحتِسابٍ فإِنَّما / يَفُوتُ الثَنا مَن راحَ وَالصَبرُ خاذِلُه
وَلا تَرمِ بِالأَهوالِ نَفساً عَزيزَةً / فَذا الدَهرُ قَد أَودى وَقامَت زَلازِلُه
فَكَم كُربَةٍ في غُربَةٍ وَمَنِيَّةٍ / بِأُمنِيَّةٍ وَالرِزقُ ذُو العَرشِ كافِلُه
فَقُلت لَها وَالعَينُ سَكرى بِزَفرَةٍ / أُرَدِّدُها وَالصَدرُ جَمٌّ بَلابِلُه
أَبالمَوتِ مِثلي تُرهِبينَ وَبِالنَوى / وَعاجِلُهُ عِندي سَواءٌ وَآجِلُه
وَلَلمَوتُ أَحيا مِن حَياةٍ بِبَلدَةٍ / يُري الحُرَّ فيها الغَبنَ مَن لا يُشاكِلُه
وَما غُربَةٌ عِن دارِ ذُلٍّ بِغُربَةٍ / لَوَ اِنّ الفَتى أَكدى وَغَثَّت مَآكِلُه
وَرُبَّ غَريبٍ ناعِمٍ وَاِبنِ بَلدَةٍ / تُبَكِّيهِ قَبلَ المَوتِ فيها ثَواكِلُه
وَإِنّ مُقامي يا اِبنَةَ القَومِ لِلقَلى / وَلِلضَيمِ لَلعَجز الَّذي لا أُزامِلُه
فَلا تُنكري خَوضي الطَوامي وَجَوبِيَ ال / مَوامي إِذا الآلُ اِسجَهَرَّت طَياسِلُه
فَمِن كَرَمِ الحُرِّ اِرتِحالٌ عَن الفِنا / إِذا قُدِّمَت أَوباشُهُ وَرَعابِلُه
وَلا بُدَّ لي مِن وَقفَةٍ قَبلَ رِحلَةٍ / أُذيل بِها دَمعي فَيَنهَلُّ وابِلُه
عَلى جَدَثٍ أَضحى بِهِ المَجدُ ثاوياً / بِحَيثُ يَرى شَطَّ العَذارِ مُقابِلُه
لِأَسأَلَ ذاكَ القَبرَ هَل غَيَّرَ البِلى / مَحاسِنَ مَجدٍ غَيّبَتها جَنادِلُه
وَهَل هَمَّت المَوتى بِإشعاءِ غارَةٍ / يُثارُ بِها مِن كُلِّ جَوٍّ قَساطِلُه
فَقَد نامَتِ الأَحيا عَنِ الغَزوِ فَاِستَوى / بِكُلِّ سَبيلٍ أُسدُهُ وَخَياطِلُه
فَيا عَجَباً مِن مُلحِدٍ ضَمَّ فَيلَقاً / وَبَحراً وَطَوداً يركَبُ المُزنَ عاقِلُه
مَضى طاهِرَ الأَخلاقِ وَالخِيمِ لَم يَمِل / إِلى سَفَهٍ يَوماً وَلا خابَ آمِلُه
فَيا لَكَ مِن مَجدٍ تَداعَت فُرُوعُهُ / وَمالَ ذُراهُ وَاِنقَعَرَّت أَسافِلُه
لِيَبكِ العُلى وَالمَجدُ وَالبَأسُ وَالنَدى / لَقَد صَلَّ واديها وَجَفَّت مَسايِلُه
وَتَندبُهُ البيضُ الصَوارِمُ وَالقَنا / لِما أَنهَلَتها كفُّهُ وَأَنامِلُه
لَعَمري لَئِن كانَ الأَميرُ مُحمَّدٌ / قَضى وَأُصيبَت يَومَ نَحسٍ مَقاتِلُه
لَقَد مُنيَت مِنهُ الأَعادي بِثائِرٍ / هُمامٍ أَبى أَن يَحمِلَ الضَيمَ كاهِلُه
أَيا فَضلُ لا زالت لِنُعماكَ تَلتَقي / بِمَغناكَ ساداتُ المَلا وَعَباهِلُه
مَنحتُكَ وُدّاً كُنتُ قَبلُ مَنحتُهُ / أَباكَ وَمُزني لَم تَقَشَّع هَواطِلُه
وَلاقَيتُ مِن جَرّائِكُم ما عَلِمتَهُ / وَهَل أَحَدٌ مِن سائِرِ الناسِ جاهِلُه
وَكَم مُبغِضٍ لِي في هَواكُم وَشانئٍ / عَلَيَّ بِنارِ الحِقدِ تَغلي مَراجِلُه
فَلا تَحمِلنّي وَالمَناديحُ جَمَّةٌ / عَلى مَوردٍ يَستَعذِبُ المَوتَ ناهِلُه
أَرَيتُكَ إِن أَخَّرتَني وَجَفَوتَني / وَذا الدَهرُ قَد أَربى وَبانَ تَحامُلُه
وَجازَت قُرى البَحرَينِ عِيسي وَأَصبَحَت / عُمانِيَّةً وَاِستَبهلَتها سَواحِلُه
وَأًصبَحَ في الحَيِّ اليَمانيّ رَحلُها / وَحَفَّت بِهِ أَقيالُهُ وَمَقاوِلُه
أَوِ اِستَقبَلَت أَرضَ الحِجازِ فَيَمَّمَت / بَني حَسَنٍ وَالفَضلُ بادٍ شَواكِلُه
أَوِ اِنتَجَعَت آلَ المُهَنّا فَفيهمُ / حِمىً آمِنٌ لا يَرهَبُ الدَهرَ نازِلُه
أَوِ اِعتامَتِ القَومَ الَّذينَ أَحَلَّهُم / ذُرى كُلِّ اِمرِئٍ قُدّامُهُ مَن يُسائِلُه
فَقُل لي عِمادَ الدِينِ ماذا أَقُولُهُ / وَكُلُّ اِمرِئٍ قُدّامُهُ مَن يُسائِلُه
إِذا قيلَ لِي مِن أَينَ أَقبَلتَ وَاِرتَمَت / بِكَ العِيسُ أَو مَن كُنتَ قِدماً تُواصِلُه
وَمَن رَهطكَ الأَدنى الَّذي لَكَ فَخرُهُ / وَنابِهُ قَدرٍ لا يُساوِيهِ خامِلُه
هُناكَ يَكُونُ الصِدقُ نَقصاً عَلَيكُمُ / وَلا يَتَحرّى الكِذبَ إِلّا أَراذِلُه
وَمَنصِبُكَ السامي إِلى الفَخرِ مَنصِبي / وَرَبعُكَ رَبعي وَالعُلى أَنتَ آيِلُه
فَجُد بِالَّذي تَحوي يَداكَ عَلى الوَرى / وَضِنَّ عَلَيهم بِالَّذي أَنا قائِلُه
فَما المِسكُ إِلّا مِن عَقابيلِ نَشرِهِ / وَلا الجَوهَرُ المَكنونُ إِلّا خَصائِلُه
وَرَأيُكَ أَعلى وَالرِضا ما رَضيتَهُ / وَكُلُّ اِمرئٍ غُولُ المَنِيَّةِ غائِلُه
أَفي كُلِّ دارٍ لي عَدُوٌّ أُصاوِلُه
أَفي كُلِّ دارٍ لي عَدُوٌّ أُصاوِلُه / وَخَصمٌ عَلى طُولِ اللَيالي أُزاوِلُه
وَطاوٍ عَلى بَغضايَ تَصرُفُ نابُهُ / عَلَيَّ وَبِالشَحناءِ تَغلي مَراجِلُه
كَأَنَّ أَباهُ كانَ قاتِلَهُ أَبي / وَها أَنا إِن أَوفى بيَ العُمرُ قاتِلُه
دَعُوني وَأَرضَ اللَهِ فَهيَ عَريضَةٌ / فإِن يَفلُلِ العَزمُ الَّذي أَنا حامِلُه
سَتَشهَدُ لي بِالسَيرِ في كُلِّ مَهمَهٍ / أَواخِرُ لَيلي إِن أَعِش وَأَوائِلُه
سَئِمتُ مُداراةَ اللَيالي وَغَرَّني / صَديقٌ أُصافيهِ وَخِلٌّ أُواصِلُه
وَضِقتُ ذِراعاً باِبنِ عَمٍّ مُحَبَّبٍ / إِلَيَّ وَإِن لَم تَسقِ أَرضي مَخاثِلُه
فَكَم لَيلَةٍ عَلَّلتُ نَفسي بِذِكرِهِ / وَسَكَّنتُ قَلبي فَاِطمَأَنَّت بَلابِلُه
فَلَمّا اِلتَقَينا كانَ حَظّي جَفاؤُهُ / وَكانَ لِغَيري بِرُّهُ وَنَوافِلُه
وَلَم أَسَتشِر قَلبي عَلى بَتِّ حَبلِهِ / مِنَ اليَأسِ إِلّا كادَ لُبّي يُزايِلُه
حُنُوّاً عَلَيهِ وَاِنتِظاراً لَعَلَّهُ / يُريعَ فَتُعصى في اِصطِناعي عَواذِلُه
وَإِنّي مَعَ الغَبنِ الَّذي يَرمضُ الحَشا / لأَحمي وَأَرمي دُونَهُ مَن يُناضِلُه
وَأُظهِرُ للأَقوامِ أَنّي بِقُربِهِ / مَليكٌ يُرَجّى رِفدُهُ وَفَواضِلُه
وَإِن ذَكَروهُ في النَدى قُلتُ ماجِدٌ / وَهوبٌ لِجُلِّ المالِ حُلوٌ شَمائِلُه
وَعَنَّفَني في قَصدِهِ وَاِصطِفائِهِ / رِجالٌ وَفي النَظمِ الَّذي أَنا قائِلُه
وَقالوا أَلَيسَ الماءُ يَعرِفُ طَعمَهُ / بِأَوَّلَ سِجلٍ مُرتَويهِ وَناهِلُه
وَأَنتَ فَقَد جَرَّبتَ كُلَّ مُجَرَّبٍ / وَطاوَلتَ ما لا كانَ خَلقٌ يُطاوِلُه
وَقُلتَ فَأَحسَنتَ المَقالَ وَلَم تَدَع / لِمُبتَدِعِ الأَشعارِ مَعنىً يُحاوِلُه
وَقُمتَ مَقاماً لَو يُقامُ لِغَيرِهِ / لَقالَ اِرتياحاً أَحسُن البِرِّ عاجِلُه
فَدَع عَنكَ مَولىً لا يُفيدُكَ قُربُهُ / وَذُمَّ اِبنَ عَمٍّ لا يَعُمُّكَ نائِلُه
وَهَل يَنفَعُ النَجدِيّ غَيمٌ لِأَرضِهِ / صَواعِقُهُ العُظمى وَلِلغَورِ وابِلُه
فَقُلتُ رُوَيداً إِنَّهُ اِبنُ مُحمَّدٍ / وَإِن ساءَني إِعراضُهُ وَتَغافُلُه
وَإِنّي لَأَرجُو وَليَةً مِن غَمامِهِ / بِها يَمرَعُ الوَادي وَيَخضَرُّ باقِلُه
أَقولُ لِرَهطٍ مِن سُراةِ بَني أَبي / وَدَمعُ المَآقي قَد تَداعَت حَوافِلُه
إِلى مَ بَني الأَعمامِ نُغضي عَلى القَذى / وَنُكثِرُ لَيّانَ العُلى وَنُماطِلُه
هَلِ الشَرُّ إِلّا ما تَرونَ وَرُبَّما / تَعَدّى فَأَنسى عاجِلَ الشَرِّ آجِلُه
وَهَل يَحمِلُ العَزمَ الثَقيلَ أَخُو العُلى / وَيَضعُف عَن حَملِ الظُلامَةِ كاهِلُه
وَما بَعدَ سَلبِ المالِ وَالعِزِّ فَاِعلَمُوا / مُقامٌ وَزادُ المَرءِ لا بُدَّ آكِلُه
وَلا بَعدَ تَحكيمِ العِدى في نُفوسِنا / وَأَموالِنا شَيءٌ مِنَ الخَيرِ نَأمُلُه
أَطاعَت بِنا إِخوانُنا كُلَّ كاشِحٍ / خَبيثِ الطَوايا يُشبِهُ الحَقَّ باطِلُه
وَجازَ عَلَيهِم قَولُ مَن قالَ إِنَّنا / عَدُوٌّ مَعَ الإِمكانِ تُخشى غَوائِلُه
فَأَينَ عُقولُ القَومِ إِذ يَقبَلونَهُ / فَما يَستوي مَنقوصُ عَقلٍ وَكامِلُه
أَنَحنُ بَنَينا العِزَّ أَم كانَ غَيرُنا / بَناهُ وَشَرُّ الناسِ مَن خابَ عامِلُه
وَهَل كانَ عَبدُ اللَهِ والِدَ مَعشَرٍ / سِوانا فَيُستَصفى وَتَمشي وَسائِلُه
فَأُقسِمُ ما هَذا لِخَيرٍ وَإِنَّهُ / لَأَوَّلُ ما الأَمرُ المُقَدَّرُ فاعِلُه
وَمَن يَستَمِع في قَومِهِ قَولَ كاشِحٍ / أُصيبَت كَما شاءَ المُعادي مَقاتِلُه
وَما كُلُّ مَن يُبدي المَوَدَّةَ ناصِحٌ / كَما لَيسَ كُلُّ البَرقِ يَصدُقُ خائِلُه
وَقَد يُظهِرُ المَقهُورُ أَقصى مَوَدَّةٍ / وَأَوهاقُهُ مَبثُوثَةٌ وَمَناجِلُه
وَمَن لَم يُقابِل بِالجَلالَةِ قَومَهُ / أَتاهُ مِنَ الأَعداءِ ما لا يُقابِلُه
وَمَن لَم يُبِح زُرقَ الأَسِنَّةِ لَحمَهُ / أُبيحَ حِماهُ وَاِستُرِقَّت حَلائِلُه
وَمَن لَم يُدَبِّر أَمرَهُ ذُو بَصيرَةٍ / شَفيقٌ بَكَتهُ عَن قَريبٍ ثَواكِلُه
وَكَم مِن هُمامٍ ضَيَّعَ الحَزمَ فَاِلتَقَت / عَلَيهِ عِداهُ بِالرَدى وَدخائِلُه
وَما المَرءُ إِلّا عَقلُهُ وَلِسانُهُ / إِذا قالَ لا أَبرادُهُ وَغَلائِلُه
فَقُومُوا بِعَزمٍ وَاِجعَلُوني مُقَدَّماً / فَأَيُّ حُسامٍ لَم تُرَصَّع حَمائِلُه
وَسِيرُوا عَلى طَيرِ الفَلاحِ فَقَد أَرى / رَسُولَ الجَلا وافى وَقامَت دَلائِلُه
فَإِنّي كَفيلٌ بِالخَرابِ لِبَلدَةٍ / يُراعى بِها مِن كُلِّ حَيٍّ أَراذِلُه
وَمِن ضَعفِ رَأي المَرءِ إِكرامُ ناهِقٍ / وَقَد ماتَ هزلاً في الأَواخِيِّ صاهِلُه
وَمَن ضَيَّعَ السَيفَ اِتِّكالاً عَلى العَصى / شَكى وَقعَ حَدِّ السَيفِ مِمّن يُنازِلُه
وَلَيسَ يَزينُ الرُمحَ إِلّا سِنانُهُ / كَما لا يَزينُ الكَفَّ إِلّا أَنامِلُه
فَإِن تَرفُضوا نُصحي فَما أَنا فيكُمُ / بِأَوَّلِ مَيمُونٍ عَصَتهُ قَبائِلُه
سَأُمضي عَلى الأَيّامِ عَزمي وَإِن أَبَت / لَأَظفَرَ مِنها بِالَّذي أَنا آمِلُه
فَإِنَّ بِقُربي مِن رِجالي مُتَوَّجاً / تُواصِلُ أَسبابَ العُلى مَن يُواصِلُه
مَنيعُ الحِمى لا يُذعِرُ القَومُ سَرحَهُ / وَلا يَمنَعُ الأَعداءُ شَيئاً يُحاوِلُه
إِلَيكَ عِمادَ الدّينِ عِقدُ جَواهِرٍ / تَناهى فَما يُؤتى بِعقدٍ يُشاكِلُه
فَقَد كُنتُ قَد عِفتُ القَريضَ زَهادَةً / بِمُستامِهِ إِذ يُرخِصُ الدُرَّ جاهِلُه
وَأَكبَرتُ نَفسي عَن مَديحي مُذَمَّماً / بِكُلِّ قَبيحٍ بَشَّرتنا قَوابِلُه
وَلَولاكَ لَم أَنبِس بِبَيتٍ وَلَو طَمى / مِنَ الشِعرِ بَحرٌ يَردفُ المَوجَ ساحِلُه
وَلَكِنَّ لي فيكُم هَوىً وَقَرابَةً / تُحَرِّكُني وَالرَحمُ يُحمَدُ واصِلُه
وَإِنّي لَأَشنا المَدحَ في غَيرِ سَيِّدٍ / أَبُوهُ أَبي لَو زاحَمَ النَجمَ كاهِلُه
فَلا زِلتَ كَهلاً لِلعَشيرَةِ يُلتَجى / إِلَيهِ إِذا ما الدَهرُ عَمَّت زَلازِلُه
رُوَيدَكَ يا هَذا المَليكُ الحَلاحِلُ
رُوَيدَكَ يا هَذا المَليكُ الحَلاحِلُ / فَما المَجدُ إِلّا بَعضُ ما أَنتَ فاعِلُ
دَعِ الشِعرَ حَتّى يَشمَلَ الحَدَّ حِكمَةً / وَشَأنَكَ وَالدُنيا فَأَنتَ المُقابَلُ
فَقَد جُزتَ مِقدارَ الشَجاعَةِ وَالنَدى / وَتِربُكَ في لِعبِ الصِبا مُتَشاغِلُ
وَأَدرَكتَ ما فَوقَ الكَمالِ وَلَم يُقَل / لِمِثلكَ في ذِي السِنِّ إِنَّكَ كامِلُ
أَخَذتَ بِأَعضادِ العَشيرَةِ بَعدَما / هَوَت وَعَلَت مِنها الرُؤُوسَ الأَسافِلُ
وأَنقَذتَها مِن بَعدِ أَن لَعِبَت بِها / يَدُ الدَهرِ وَاِستَولَت عَلَيها الزَلازِلُ
فَأَنتَ لِناشِيها أَخٌ وَلِطِفلِها / أَبٌ راحِمٌ وَاِبنٌ لِذي الشَيبِ واصِلُ
عَلى أَنَّكَ المَولى الَّذي يُقتَدى بِهِ / وَلَكِنَّ طَبعاً تَقتَضيهِ الشَمائِلُ
أَطاعَت لَكَ الأَيّامُ كَرهاً وَسَلَّمَت / إِلَيكَ مَقاليدَ الأُمُورِ القَبائِلُ
فَقُل لِلّيالي كَيفَ تَجري صُرُوفُها / فَما الفَضلُ شَيءٌ غَيرُ ما أَنتَ قائِلُ
فَقَد أَذعَنت لِلخَوفِ مِنكَ وَأَهطَعَت / إِلى قَولِ مَأمُولٍ تَلَقّاهُ آمِلُ
زَهَت بِكَ آفاقُ البِلادِ وَأَخصَبَت / رُباها وَطابَت في ذُراها المَآكِلُ
وَنامَت عُيُونٌ رُبَّما عافَتِ الكَرى / بِلا رَمَدٍ فيها وَقَرَّت بَلابِلُ
تَرَكتَ الغُواةَ الغُثرَ فَوضى وَطالَما / غَدَت وَلَها مِن قَبلُ فينا مَحافِلُ
وَأَوليتَها مِنكَ الهَوانَ وَأَصبَحَت / وَكُلُّ غَويٍّ خاشِعٌ مُتضائِلُ
وَلَم يَبقَ مِن حِزبِ الضَلالِ اِبنُ غَيَّةٍ / عَلى الأَرضِ إِلّا وَهوَ خَزيانُ خامِلُ
رَفَعتَ عِمادَ المَجدِ مِن بَعدِ ما وَهى / وَرثَّ وَأَضحى رُكنُهُ وَهوَ مائِلُ
وَأَحيَيتَ رُوحَ الجُودِ مِن بَعدِ ما قَضى / وَرَدَّ عَلَيهِ التُربَ حاثٍ وَهائِلُ
وَقُمتَ بِأَحكامِ الشَريعَةِ فَاِستَوَت / لَدَيكَ ذَوُو الأَجبالِ طَيٌّ وَوائِلُ
وَأَوهَيتَ كَيدَ الفاسِقينَ فَأَصبَحُوا / وَناصِرُهُم مِن جُملَةِ الناسِ خاذِلُ
وَداوَيتَ قَرحاً كانَ في كَبدِ العُلى / تَبَطَّنهُ داءٌ مِنَ الغِلِّ قاتِلُ
لَعَمري لَنِعمَ المَرءُ أَنتَ إِذا اِلتقَت / صُدُور المَذاكي وَالخِفافُ الذَوابِلُ
وَنِعمَ المُرَجّى في السِنينِ إِذا اِستَوَت / مِنَ الضُرِّ أَبناءُ السُرى وَالأَرامِلُ
وَنِعمَ المُراعي لِلنَّزيلِ إِذا غَدا / أَكيلاً وَأَفنى مالَهُ مَن يُنازِلُ
وَنِعمَ الصَريخُ المُستَجاشُ إِذا اِرتَوَت / لَدى الرَوعِ مِن هامِ الكُماةِ المَناصِلُ
وَنِعمَ لِسانُ القَومِ إِمّا تَأَخَّرَت / عَنِ القَولِ ساداتُ الرِجالِ المَعاوِلُ
وَنِعمَ مُناخُ الرَكبِ أَهدى لَهُ السُرى / سَنا النارِ في الظَلماءِ وَالعامُ ماحِلُ
فَيَا سائِلي عَن شَأنِ فَضلٍ وَلَم يَزَل / بَغيضاً إِليَّ العالِمُ المُتَجاهِلُ
سَلِ القَومَ عَنهُ يَومَ جاءَت وَأَقبَلَت / تَخُبُّ المَذاكي تَحتَها وَتُناقِلُ
أَغارَت عَلى دَربِ الحَنائِدِ غارَةً / يَطيرُ الحَصا مِن وَقعِها وَالجَراوِلُ
لَها فَيلَقٌ بِالجَوِّ ذِي النَخلِ كامِنٌ / وَرَيعانُها لِلمَسجِدِ الفَردِ شامِلُ
وَطارَدَتِ الفِتيانَ فيها وَأَظهَرَت / كُناها وَكُلٌّ عارِفٌ مَن يُجادِلُ
فَوَلَّت حُماةُ القَومِ خَيلاً وَلَم تَزَل / بَنُو الحَربِ في يَومِ التَلاقي تُحاوِلُ
فَراحَت عَلَيها الخَيلُ فَاِنبَعَثَت لَها / جَحافِلُ جَمعٍ تَقتَفيها جَحافِلُ
فَحاصَت حِذارَ القَتلِ وَالأَسرِ خَيلُهُ / وَسُمرُ القَنا فيهنَّ صادٍ وَناهِلُ
فَأَورَدَهُم صَدرَ الحِصانِ كَأَنَّما / لَهُ المَوتُ جُندٌ بِالمُعادينَ كافِلُ
وَعاجَلَ طَعناً سَيِّدَ القَومِ فَاِغتَدَوا / وَقَد عافَ كُلٌّ مِنهُمُ ما يُحاوِلُ
بِها رَدَّ أَرواحَ التَوالي وَقَد غَدَت / إِذا ثارَ مِنهُم راجِلٌ طاحَ راجِلُ
أَقولُ وَقَد طالَ اِهتِمامي وَعَبرَتي / عَلى الخَدِّ مِنها مُستَهِلٌّ وَجائِلُ
وَقَد قَلِقَت مِنّي الحَشا وَتَتابَعَت / ظَواهِرُ أَنفاسٍ وَأُخرى دَواخِلُ
أَيا نَفسُ صَبراً لِلبَلايا فَرُبَّما / أَتى فَرَجٌ لِلمَرءِ وَالمَرءُ غافِلُ
فَكَم ضاقَ أَمرٌ ثُمَّ وَافى اِتِّساعُهُ / وَما عاجِلٌ إِلّا وَيَتلوهُ آجِلُ
وَقَد يَأمَنُ النَقصَ السُها لِاِحتِقارِهِ / وَيَخشى الخُسوفَ البَدرُ وَالبَدرُ كامِلُ
وَما بَينَ مَوتُورٍ وَلا بَينَ واتِرٍ / لِفَصلِ القَضا إِلّا لَيالٍ قلائِلُ
وَلَيسَ عَجيباً أَن يُحَقَّرَ عالِمٌ / لَدى ضِدِّهِ أَو أَن يُوَقَّرَ جاهِلُ
فَقَد رُبَّما لِلجَدِّ يُكرَمُ ناهِقٌ / فَيُخلى لَهُ المَرعى وَيُحرَمُ صاهِلُ
وَقَد يُلبَسُ الدِيباجَ قِردٌ وَلُعبَةٌ / وَتُلوى بِأَعناقِ الرِجالِ السَلاسِلُ
وَما الدَهرُ إِلّا فَرحَةٌ ثُمَّ تَرحَةٌ / تَناوَبُها الأَيّامُ وَالكُلُّ زائِلُ
فَقِرّي حَياءً وَاِطمَئِنّي جَلادَةً / فَأَيُّ كَريمٍ سالَمتهُ الغَوائِلُ
فَما أَنا بِالعَلِّ الجزُوعِ إِذا عَرى / مِنَ الدَهرِ خَطبٌ أَو تَعَرّضَ نازِلُ
وَما كانَ حَملي لِلأَذى عَن ضَراعَةٍ / وَلَكِن لِأَمرٍ كانَ مِنّي التَثاقُلُ
وَإلّا فَعِندي لِلسُرى أَرحَبِيَّةٌ / وَعَزمٌ يَفُلُّ السَيفَ وَالسَيفُ فاصِلُ
وَفِيَّ عَلى عَضِّ اللَيالي بَقِيَّةٌ / وَإِن قُطِعَت مِن راحَتَيّ الأَنامِلُ
وَلِي عَن مَكانِ الذُلِّ مَنأىً وَمَرحَلٌ / وَذا الناسُ في الدُنيا غَريبٌ وَآهِلُ
وَلَستُ غَريباً أَينَ كُنتُ وَإِنَّما / مَعانِيَّ غُربٌ في الوَرى لا المَنازِلُ
وَلَولا رَجائِي في الأَميرِ لَقَلَّصَت / بِرَحلي عَنِ الدارِ القِلاصُ العباهِلُ
وَلَكِن إِذا ما النَفسُ جاشَت وَعَدتَها / بِما وَعَدَتني فيهِ تِلكَ المَخائِلُ
فَيَسكُنُ مِنها الجَأشُ حَتّى كَأَنَّني / بِها فَوقَ أَعلامِ المَجَرَّةِ نازِلُ
وَحُقَّ لِمثلي أَن يُؤَمِّلَ مِثلَهُ / وَفي الناسِ مَأمُولٌ يُرَجّى وَآمِلُ
لِأَنَّ عَلِيّاً جَدَّهُ عَمِّيَ الَّذي / يَطُولُ بِهِ بَيتي عَلى مَن يُطاوِلُ
وَضَبّارُ جَدّي عَمُّهُ وَكِلاهُما / خَليصانِ وَالعَمُّ المُهَذَّبُ ناجِلُ
وَيَجمَعُنا في الأُمَّهاتِ اِبنُ يُوسُفٍ / عَلِيٌّ وَنُعمان الأَغَرُّ الحُلاحِلُ
وَلِيَ دُونَ هَذا عِندَ فَضلٍ وَسيلَةٌ / إِذا اِنقَطَعَت فيما سِواهُ الوَسائِلُ
وَعِندي مِنَ المدحِ الَّذي ما اِهتَدى لَهُ / جَريرٌ وَلا تِلكَ الفُحولُ الأَوائِلُ
أَقَرَّ بِفَضلِ الفَضلِ بادٍ وَحاضِرٌ / وَساقَ إِلَيهِ الشُكرَ حافٍ وَناعلُ
وَأَضحى سَريرُ المُلكِ يَختالُ فَرحَةً / بِهِ وَتَجَلَّت عَنهُ تِلكَ القَساطِلُ
فَيا نَحسُ سِر بُعداً وَسُحقاً وَلا تَجُز / بِداري مَدى الأَيّامِ أُمُّكَ هابِلُ
فَقَد حالَ فَضلٌ دونَ ما أَنتَ طالِبٌ / لَدَيَّ وَذُو الإِحسانِ وَالجُودِ فاضِلُ
وَأَصبَحَ دُوني راجِحٌ وَكَأَنَّهُ / أَخُو غايَةٍ صَعبُ العَريكَةِ باسِلُ
مُلوكٌ هُمُ الشُمُّ الرَواسي رَزانَةً / إِذا ما اِستَخَفَّ الحِلمَ حَقٌّ وَباطِلُ
وَإِن نَهَضُوا يَوماً لِحَربٍ رَأَيتَهُم / كَأَنَّهُمُ فَوقَ الجِيادِ الأَجادِلُ
نَماهُم إِلى العَلياءِ أَشرَفُ والِدٍ / تَقُومُ لَهُ بِالمَأثُراتِ الدَلائِلُ
أَبُو القاسِمِ المَلكُ الَّذي عُرِفَت بِهِ / حِدادُ المَواضي وَالعِتاقُ الصَواهِلُ
هُمامٌ لَهُ عَزمٌ وَحَزمٌ وَمَحتِدٌ / كَريمٌ وَبَأسٌ لا يُطاقُ وَنائِلُ
وَعَدلٌ تَساوى فيهِ سامٍ وَيافِثٌ / وَحامٍ وَمُبدِي قطعِهِ وَالمَواصِلُ
وَلا بَرِحَت تَسطُو رَبيعَةُ في العِدى / بِمِثلِهِمُ ما طَبَّقَ الأَرضَ وابِلُ
وَما ناحَ قُمرِيُّ الحَمامِ وَما دَعا / أَخُو فاقَةٍ وَاستَجلَبَ المَدحَ باذِلُ
وَعاشُوا جَميعاً في نَعيمٍ وَغِبطَةٍ / وَحاسِدُهُم في غُمَّةٍ لا تُزايِلُ
صِداقُ المَعالي مَشرفِيٌّ وَذابِلُ
صِداقُ المَعالي مَشرفِيٌّ وَذابِلُ / وَسابِغَةٌ زَغفٌ وَأَجرَدُ صاهِلُ
وَطَعنٌ إِذا الغُزُّ المَساعيرُ أَقبَلَت / تَخُبُّ مَذاكيها بِها وَتُناقِلُ
وَضَربٌ إِذا ما الصِيدُ هابَت وَأَحجَمَت / وَفَرَّ مِنَ الفرسانِ مَن لا يُنازِلُ
وَنَصّ القِلاص القُودِ تَخدي كَأَنَّها / نَعامٌ بِأَعلى قُلَّةِ الدَوِّ جافِلُ
يَجُوبُ بِهِ البَيداءَ كُلُّ شَمَردَلٍ / يُسارِعُ في كَسبِ العُلى وَيُعاجِلُ
سَواءٌ عَلَيهِ لَيلُهُ وَنَهارُهُ / وَتَهجِيرُهُ وَقتَ الضُحى وَالأَصائِلُ
فَيا خاطِبَ العَلياءِ لا تَحسَبَنَّها / حَديثَ العَذارى أَنشَأَتهُ المَغازِلُ
تَنَحَّ وَدَعها هَكَذا غَيرَ صاغِرٍ / لِمَلكٍ هُمامٍ ما اِشتَهَت فَهوَ باذِلُ
أَغَرُّ عُيونِيٌّ كَأَنَّ جَبينَهُ / صَفيحَةُ سَيفٍ أَخلَصَتهُ الصَياقِلُ
نَماهُ إِلى العَلياءِ فَضلٌ وَعَبدَلٌ / وَأَحمَدُ وَالقَرمُ الهِزَبرُ الحُلاحِلُ
هُوَ المَشرَبُ العَذبُ الَّذي طابَ وِردُهُ / إِذا خَبُثَت لِلشّارِبينَ المَناهِلُ
سمامُ العِدى جَمُّ النَدى دافِعُ العِدى / بَعيدُ المَدى يَعلُو بِهِ مَن يُطاوِلُ
بِهِ اِفتَخَرَت هِنبٌ وَطالَت بِمَجدِهِ / لُكَيزٌ وَعَزَّت عَبدُ قَيسٍ وَوائِلُ
لَهُ ذِروَةُ المَجدِ المُؤَثَّلِ وَالعُلى / إِذا اِنشَعَبَت يَومَ الفَخارِ القَبائِلُ
حَميدُ السَجايا ما تَروحُ عِداتُهُ / مُسالمةً هاماتُهُم وَالمَناصِلُ
يُحكِّمُ في أَعدائِهِ حدَّ سَيفِهِ / إِذا حُطِّمَت في الدّارِعينَ العَوامِلُ
إِذا ما رَآهُ ناظرٌ خالَ أَنَّهُ / شِهابٌ عَلى جانٍ مِنَ الأُفقِ نازِلُ
يَرومُ ذَوو الأَغراضِ إِدراكَ شَأوِهِ / وَأَينَ مِنَ البَحرِ الخِضَمِّ الجَداوِلُ
وَهَيهاتَ نَيلُ الفَرقَدينِ وَلَو رَقى / عَلى مُشمَخِرّاتِ الذُرى المُتَناوِلُ
هُوَ البَحرُ لَكِن مَدُّهُ غَيرُ جازِرٍ / هُوَ البَدرُ إِلّا أَنَّهُ الدَهرَ كامِلُ
هُوَ الشَمسُ في جَوِّ السَماءِ وَنُورُها / عَلى كُلِّ مَن فَوقَ البَسيطَةِ شامِلُ
هُوَ المُزنُ إِلّا أَنَّهُ فَوقَ سابِحٍ / وَفي كُلِّ أَرضٍ مِنهُ سَحٌّ وَوابِلُ
هُوَ اللَيثُ إِلّا أَنَّ عِرِّيسَهُ القَنا / وَصيداتِهِ الصّيدُ المُلوكُ العَباهِلُ
هُوَ النَصلُ لَكِن لا يحُسُّ غِرارَهُ / بَنانٌ وَبِالأَيدي تُحَسُّ المَناصِلُ
إِذا صَبَّحَت راياتُهُ دارَ مَعشَرٍ / عِدىً كَثُرَت أَيتامُها وَالأَرامِلُ
وَإِن رُبِطَت بَينَ القِبابِ جِيادُهُ / فَهُنَّ بِأَكبادِ المُلوكِ جَوائِلُ
فَقُل لِلعِدى مَهلاً قَليلاً فَإِنَّهُ / سِمامٌ لِمَن يَبغي العَداوَةَ قاتِلُ
كَأَنَّكُم لَم تَعرِفُوا سَطَواتِهِ / إِذا الحَربُ فارَت مِن لَظاها مَراجِلُ
سَلُوا تُخبَرُوا مِن غَيرِ جَهلٍ لِفِعلِهِ / بَني مالِكٍ فَالحُرُّ بِالحَقِّ قائِلُ
أَلَم يَجلِبِ الجُردَ العِتاقَ شَوازِباً / مِنَ الخَطِّ تَتلُوها المَطايا المَراسِلُ
إِلى أَن أَناخَت بِالدَجانيّ بَعدَما / بَراها السُرى وَالأَينُ فَهيَ نَواحِلُ
فَصَبَّحنَ حَيّاً لَم تُصَبَّح حِلالهُ / قَديماً وَلا رامَت لِقاهُ الجَحافِلُ
فَكُم قَرمِ قَومٍ غادَرَتهُ مُجَدَّلاً / تَقُطُّ شَواهُ الخامِعاتُ العَواسِلُ
وَكَم مالِ نَحّامٍ مِنَ القَومِ أَصبَحَت / تُقَسَّمُ غَصباً جُلُّهُ وَالعَقائِلُ
وَكَم عاتِقٍ لَم تَترُكِ الخِدرَ ساعَةً / تُقلِّبُ كَفَّيها لَهُ وَهيَ ثاكِلُ
تَقُولُ وَدَمعُ العَينِ مِنها كَأَنَّهُ / جُمانٌ هَوى مِن سِلكِهِ مُتوابِلُ
حَنانيكَ يا اِبنَ الأَكرَمينَ فَلَم تَدَع / لَنا أَملاً تُلوى عَلَيهِ الأَنامِلُ
وَفي لِينَةٍ أَردى شَغاميمَ طَيِّئٍ / جِهاراً وَلَونُ الجَوِّ بِالنَقعِ حائِلُ
عَشِيَّةَ لا يَلوي عِنانَ جَوادِهِ / حِمىً وَالعَذارى دَأبُهُنَّ التَعاوُلُ
غَدا مِثلَ ما راحَ الظَليمُ يَحُثُّهُ / عَلى الجَريِ لَيلٌ قَد أَظَلَّ وَوابِلُ
فَإِن يَنجُ مِن أَسيافِهِ فَلَقَد نَجا / وَفي قَلبهِ خَبلٌ مِن الرُعبِ خابِلُ
وَكانَ لَهُم بِالحَزمِ يَومٌ عَصَبصَبٌ / وَقَد حَشَدَت لِلحَربِ تِلكَ القَبائِلُ
عَنينٌ وَآلُ الفَضلِ مِن آلِ بَرمَكٍ / وَكُلُّهُمُ لِلعِزِّ أَنفٌ وَكاهِلُ
وَجاءَت زَبيدٌ كَالجَرادِ وَطَيِّئٌ / وَكُلٌّ يُمَنّي نَفسَهُ ما يُحاوِلُ
وَكانُوا يَظُنّونَ الأَميرَ بِدارِهِ / مُقيماً وَجاءَتهُم بِذاكَ الرَسائِلُ
فَضاقَت عَلى أَحياءِ قَيسٍ رِحابُها / مِنَ الخَوفِ وَاِنسَدَّت عَلَيها المَناهِلُ
وَجاءَت إِلَيهِ الرُسلُ مُخبِرَةً لَهُ / بِما قَد دَهى وَالأَمرُ إِذ ذاكَ هائِلُ
فَسارَ مِنَ الأَحساءِ تَطوي بِهِ الفَلا / عِتاقُ المَذاكي وَالمَطِيُّ الذَوامِلُ
فَمَرَّت بِقَصرِ العَنبَرِيِّ وَلَم يَكُن / لَها بِسِوى دارِ الأَعادي تَشاغُلُ
فَما شَعَروا حَتّى تَداعَت عَلَيهِمُ / كَما يَتَداعى صَيِّبٌ مُتَوابِلُ
شَوائِلُ تشوال العَقارِبِ فَوقَها / لُيُوثٌ وَلَكِن غابُهُنَّ القَساطِلُ
فَثارُوا يُرِشّونَ الطّرادَ وَكُلُّهُم / يُطاعِنُ في مَوجاتِها وَيُجاوِلُ
إِلى أَن بَدَت مِن آلِ فَضلٍ عِصابَةٌ / قَصيرٌ لَدَيها الباذِخُ المُتَطاوِلُ
يَقودُ نَواصِيها أَخُو الجُودِ ماجِدٌ / وَفَضلٌ إِذا هابَ الكَمِيُّ المُنازِلُ
وَأَحمَدٌ السامي عَظيمٌ وَكُلُّهُم / أَخُو ثِقَةٍ يَعلُو عَلى مَن يُصاوِلُ
فَزادَ مَقاديمَ الفَوارِسِ بَعدَما / تَحَطَّمَ فيها مَشرَفِيٌّ وَذابِلُ
وَأَقبلَ لَيثُ الغابِ أَعني مُحمّداً / يُفَتِّشُ عَن أَشبالِهِ وَيُسائِلُ
فَقِيلَ لَهُ تَحتَ العَجاجَةِ دَأبُهُم / طِعانُ العِدى في حَيثُ تَخفى المَقاتِلُ
فَأَورَدَهُم صَدرَ الحِصانِ كَأَنَّهُ / بِأَخذِ نُفوسِ القَومِ بِالسَيفِ كافِلُ
فَطارُوا سِلالاً مِن أَسيرٍ وَهارِبٍ / وَمِن هالِكٍ تَبكي عَلَيهِ الثَواكِلُ
وَلَم يَبقَ إِلّا خائِفٌ مُتَرَقِّبٌ / حِماماً سَريعاً أَو نَزيلٌ مُنازِلُ
وَمِن بَعدِ ذاكَ العِزِّ أَضحَت مُلُوكُهُم / وَكُلٌّ لَدَيهِ خاشِعٌ مُتَضائِلُ
وَلا عارَ لَو عاذُوا بِأَكنافِ سَيِّدٍ / يَطُولُ فَلا تُرجى لَدَيهِ الطَوائِلُ
فَمِن قَبلِ ذا عاذَت بِأَكنافِ هانِئٍ / بَنُو مُنذِرٍ إِذ عارَضَتها الغَوائِلُ
فَقُل لِعُقَيلٍ غَثِّها وَسَمينِها / إِذا جَمَعتها في النُجوعِ المَحافِلُ
أَلا إِنَّما فِعلُ الأَميرِ مُحَمَّدٍ / لِإحياءِ ما سَنَّ الجُدودُ الأَوائِلُ
هُمُ بِخَزازَى دافَعُوا عَنكُمُ العِدى / وَذَلِكَ يَومٌ مُمقِرُ الطَعمِ باسِلُ
فَشُكراً بِلا كُفرٍ لِسَعيِ رَبيعَةٍ / فَما يَكفُرُ النَعماءَ في الناسِ عاقِلُ
إِلَيكَ اِبنَ شَقّاقِ الفَوارِسِ مِدحَةٌ / تُطَأطَأ لَها مِن حاسِديكَ الكَواهِلُ
أَتَتكَ كَنَظمِ الدُرِّ مِن ذي قَرابَةٍ / لِإِحياءِ وُدٍّ لا لِمالٍ يُحاوِلُ
زَهَت هَجَرٌ مِن بَعدما رَثَّ حالُها
زَهَت هَجَرٌ مِن بَعدما رَثَّ حالُها / وَعادَ إِلَيها حُسنُها وَجَمالُها
وَأَضحَت تُباهي جَنَّتي أَرضِ مَأربٍ / لَيالي بَنُو ماءِ السَماءِ حِلالُها
فَيا حُسنَها حينَ اِستَقَرَّ قَرارُها / وَزايَلَها ما كانَ فيهِ وَبالُها
بِأَوبَةِ مَيمُونِ النَقيبَةِ لَو سَطا / عَلى الأرضِ خَوفاً مِنهُ زالَت جِبالُها
بِهِ اِعتَدَلَت أَرض الحَساءِ وَغَيرُها / وَقَد كانَ أَعيَى لِلأَنامِ اِعتِدالُها
إِذا غابَ عَنها غابَ عَنها رَبيعُها / وَإِن آبَ فيها آبَ فيها ثِمالُها
فَتىً لَم يَزَل مُذ كانَ يخشى وَيُرتَجى / إِذا قَصَّرَت عَن يَومِ خَطبٍ رِجالُها
فَيَخشاهُ جَبّارٌ وَيَرجُوهُ خائِفٌ / وَأَرمَلَةٌ قَد ماتَ هُزلاً عيالُها
يَجُذُّ مَقالاتِ الرِجالِ بِلَفظَةٍ / وَيَقصُرُ عَنهُ عِندَ ذاكَ جِدالُها
تَوَدُّ مُلوكُ الشَرقِ وَالغَربِ أَنَّهُ / يَمينٌ وَأَنَّ العالمينَ شِمالُها
هُمامٌ مَتى نُودي عَلى الخَيلِ بِاِسمِهِ / تَضايَقَ عَنها في المَكَرِّ مَجالُها
وَإِن حُدِيَت بَعدَ الكَلالِ قَلائِصٌ / بِذكراهُ وَهناً زالَ عَنها كَلالُها
وإِن نُزلَ الخرمُ المَخُوفُ فَبَيتُهُ / مِن الأَرضِ عالي هُضبِها وَتِلالُها
وَإِن نَزَلَ الوَسمِيُّ دارَ قَبيلَةٍ / رَعاهُ ولَو أَنَّ الرياضَ قِلالُها
أَعَزَّ عُقَيلاً عِزُّهُ فَتَدَامَلَت / وَمِن قَبلُ أَعيى مَن سِواهُ اِندِمالُها
كَفاها وَأَغناها بِنائِلِ كَفِّهِ / وَمالِ عِداها فَاِغتَدَت وَهوَ مالُها
وَأَنزَلَها دارَ الأَعادي بِسَيفِهِ / فَأَضحَت خَفافيثاً لَدَيها صِلالُها
وأَورَدَها بِالمَشرَفيِّ مَوارِداً / حَرامٌ بِغَيرِ المَشرَفيِّ بَلالُها
أَقامَ عُهُوداً بَينَ عَمرٍو وَعامِرٍ / عَيِيٌّ عَلى أَيدي الرِجالِ اِنحِلالُها
لَعَمري لَنِعمَ المُستَغاثُ إِذا دَعَوا / لِنائِبَةٍ جَلَّت وَآذى اِحتِمالُها
وَنِعمَ لِسانُ القَومِ إِن قيلَ مَن لَها / خَطيبٌ وَأَعيَى الحاضِرينَ مَقالُها
وَنِعمَ مُناخُ الطارِقينَ إِذا أَتَت / تُقَلقِلُ مِن بَعدِ الهُدُوِّ رِحالُها
وَنِعمَ مَلاذُ المُعتَفينَ إِذا نَبا / زَمانٌ وَهَبَّت عامَ مَحلٍ شَمالُها
وَنِعمَ سَدادُ الثَغرِ تَكثُرُ دُونَهُ / مَعاذيرُ أَربابِ العُلى وَاِعتِلالُها
فَيا ذا العُلى وَالمَجدِ وَالدَوحَةِ الَّتي / زَكى فَرعُها وَاِزدادَ طيباً ظِلالُها
وَجَدِّكَ مُذ فارَقتَنا ما صَفَت لَنا / حَياةٌ وَلا خَلّى العُيونَ اِنهِمالُها
وَما ذاكَ إِلّا لِاِشتِياقٍ مُبَرِّحٍ / إِلى لَثمِ كَفٍّ لَيسَ كُلٌّ يَنالُها
أَنامِلُها فيها حَياةٌ وَرَحمَةٌ / ومَوتٌ وَيُغني الطالِبينَ اِنهِمالُها
فَعِش أَبَداً يابا عَلِيٍّ بِعِزَّةٍ / يَزيدُ عَلى مَرِّ اللَيالي جَلالُها
فَأَنتَ الَّذي لَولاهُ لَم تَبقَ رايَةٌ / لِمَجدٍ وَرَثَّت غَيرَ شَكٍّ حِبالُها
وَجِد وَاِجتَهِد في آلِ جَروانَ إِنَّهُم / سُيوفٌ تُقَرّي حاسِديكَ نِصالُها
هُمُ بَذَلُوا فيما يَسُرُّكَ أَنفُساً / كِراماً وَنارُ الحَربِ يَعلُو اِشتِعالها
وَهُم حَطَّمُوا سُمرَ العَوالي وَفَلَّلُوا / مَضارِبَ أَسيافٍ حَديثاً صِقالُها
غَداةَ أَبي الجرّاحِ يَغدو كَأَنَّهُ / نَعامَةُ قَفرٍ تَقتَفيها رِئالُها
وَذادُوا الأَعادي عَن حِماكَ وَفَلَّقُوا / جَماجِمَ لَم يَبرَح قَديماً ضَلالُها
وَأُوصِيكَ خَيراً بِالعَشيرَةِ كُلِّها / فَإِنَّكَ مِن بَعدِ الإِلَهِ مَآلُها
فَأَنتَ الَّذي أَحيَيتَها وَأَغثتَها / وَقَد كَثُرَت قِيلُ الأَعادي وَقالها
فَلا تَكتَرِث مِن قَولِ واشٍ وَشى بِها / فَما مُبلِغُ الحُسّادِ إِلّا مِحالها
وَأَلغِ مَقالاتِ الوُشاةِ فَإِنَّها / لأَشياءَ ظَنّي أَنَّها لا تَنالُها
أَقيما عَلى حَرِّ المُدى أَو تَرَحَّلا
أَقيما عَلى حَرِّ المُدى أَو تَرَحَّلا / فَلَستُ بِراضٍ مَنزِلَ الهُونِ مَنزِلا
وَلا تَسأَلاني أَينَ تَرمي رَكائِبي / فَمالَكُما أَن تُسلِماني وَتسأَلا
فَقَد سَئِمَت نَفسي المُقامَ وَشاقَني / رُكُوبُ الفَيافي مَجهَلاً ثُمَّ مَجهَلا
وَكَيفَ مُقامي بَينَ أَوباشِ قَريَةٍ / أَرى الرَأسَ فيها مَن بِها كانَ أَسفَلا
بَني عَمِّ مَن أَمسى كَثيراً سَوامُهُ / وَإِن كانَ أَدنى مِن هُتَيمٍ وَأَرذَلا
وَأَعداءُ مَن غالَت يَدُ الدَهرِ مالَهُ / وَإِن كانَ أَسرى مِن قُرَيشٍ وَأَنبلا
لَحى اللَّهُ مَن يُغضي عَلى ضَيمِ صاحِبٍ / وَمَن يَجعَلُ الخِلَّ المُناصِحَ مَأكلا
وَمَن لا يَرى حَقَّ الصَديقِ وَلَو نَبا / بِهِ الدَهرُ أَو أَضحى مِنَ المالِ مُرمِلا
وَمَن لا يُجازي الوُدَّ بِالوُدِّ مُفضِلاً / وَيَجزي القِلى وَالصَدَّ بِالصَّدِّ وَالقِلى
خَليليَّ كُفّا عَن جِدالي فَإِنَّني / أَرى الرَأيَ كُلَّ الرَأيِ أَن أَتَرَحَّلا
فَقَد جاءَ في بَيتٍ مِنَ الشِعرِ سائِرٍ / لَنا مثلٌ مِن عالِمٍ قَد تَمَثَّلا
وَإِنَّ صَريحَ الحَزمِ وَالرَأيِ لِاِمرِئٍ / إِذا أَدرَكَتهُ الشَمسُ أَن يَتَحَوَّلا
فَكَيفَ بِنارٍ لا يَزالُ وَقودُها / حَديداً إِذا حُشَّت بِرِفقٍ وَجَندَلا
إِلى كَم أُداري بَينَ قَومي وَأَتَّقي / وَأَصدى فَأُسقى الماءَ صاباً وَحَنظَلا
بَلَوتُ صُروفَ الدَهرِ كَهلاً وَيافِعاً / فَما اِزدَدتُ عِلماً غَيرَ ما كانَ أَوَّلا
وَأَلقى صُروفَ الدَهرِ سِنَّ اِبنِ أَربَعٍ / فَتَحسَبُني الأَحداثُ عوداً مُذَلَّلا
كَذا الماجِدُ الأَحساب يَمضي وَما دَرَت / رُواةُ المَساعي أَيَّ عَصرَيهِ أَفضَلا
وَقَلَّبتُ هَذا الدَهرَ بَطناً وَظاهِراً / فَأَلقَيتُهُم ذِئباً وَهِرّاً وَتَنفُلا
وَما اِختَرتُ خِلّاً مِنهُمُ أَتَّقي بِهِ / زَمانِيَ إِلّا اِشتَقتُ أَن أَتَبَدَّلا
دَعَوتُ رِجالي مِن قَريبٍ فَخِلتُني / دَعَوتُ إِلى الجُلّى أَسيراً مُكَبَّلا
وَأَعلَنتُ في الحَيِّ البَعيدِ فَلم أَجِد / عَلَيهِم لِمثلي في الخُطوبِ مُعَوِّلا
وَمِن قَبلُ ما نادَيتُ في حَيِّ عامِرٍ / وَكُنتُ لِداعِيهِم إِذا الأَمرُ أَغفَلا
فَصُمَّت رِجالٌ عَن دُعائي وَأَحجَمَت / كَمِثلِ بُغاثِ الطَيرِ عايَنَ أَجدَلا
ولَو دِرهَمٌ يَوماً دَعاهُم لَأَقبَلَت / رِجالٌ وَخَيلٌ تَملأُ الجَوَّ قَسطَلا
كَذَلِكَ مَن يَبغي الوَضائِمَ لا يَني / يُضامُ وَيُسقى بِالكَبيرِ المُثَمِّلا
وَلا لَومَ في شاني عَلَيهِم لِأَنَّني / لَأَلوي بِهِ أَو أَجعَل الآلَ مَنهَلا
وَلَو أَنَّ مَن نادَيتُ مِن صُلبِ عامِرٍ / لَأَوضَعَ إِيضاعاً لِصَوتي وَأَرفَلا
وَلَكِنّ أَوباشاً لَعَمري تَجَمَّعَت / مَعَ اِبنِ عَلِيٍّ إِذ تَوَلّى وَأَجهَلا
نَفتهُم قَديماً بَكرَةً وَمُحارِبٌ / وَلَم يَجِدُوا في حَيِّ شَيبانَ مَدخَلا
وَلَو أَنَّ عِرقاً مِن رَبيعَةَ فيهِمُ / لَكانُوا عَلى الأَرحامِ أَحنا وَأَوصَلا
أَلا يا لَقومي هَل أَرى في جَنابِكُم / مُطاعاً لَدى الساداتِ مِنكُم مُبَجَّلا
وَهَل أُصبِحُ الأَعداءَ مِنكُم بِصَيلَمٍ / تُغادِرُ دارَ القَومِ رَبعاً مُعَطَّلا
أَيُصبِحُ حَظّي فيكُمُ وَهوَ ناقِصٌ / وَتَغدُو حُظوظُ الغَيرِ أَوفى وَأَكمَلا
وَيُكرَمُ أَقوامٌ مُعيدٌ أَبُوهُمُ / وَيُحرَمُ مَن يُدعى عَلِيّاً وَعَبدَلا
أَما وَأَبيكُم إِنَّها لَبَلِيَّةٌ / إِذا جالَ فيها فِكرُ مِثلي تَمَلمَلا
حِذاراً عَلى العَقدِ الَّذي عَقَدَت لَنا / أَوائِلُنا في العِزِّ أَن يَتَحَلَّلا
وَخَوفاً مِنَ الأَمرِ الَّذي يَشعَبُ العَصا / وَمَن خَذَل المَولى لَهُ كانَ أَخذَلا
أَقولُ وَقَد فَكَّرتُ في أَمرِ عُصبَةٍ / إِذا قُلتُ عَنها أَدبَرَ الشَرُّ أَقبَلا
وَقَد شَرِقَت لِلغَبنِ عَيني بِمائِها / وَحُقَّ لِماءِ العَينِ أَن يَتَهَمَّلا
تَرى أَنَّ أَفعالَ اللَيالي الَّتي جَرى / لَنا شُومُها صارَت عَلى وَزنِ أَفعَلا
فَيا شِقَوتا ما لي أَرى كُلَّ ساعَةٍ / أُمُوراً مُحالاتٍ وَرَأياً مُضَلَّلا
وَما لي أَرى الساداتِ إِمّا مُشَرَّداً / بِأَرضِ الأَعادي أَو مَضيماً مُكَبَّلا
شَفى غَيظَهُ مِنّا المُعادي لَوِ اِشتَفى / وَحَرَّمَ فينا مِن قَريبٍ وَحَلَّلا
وَما نالَ مِنّا ذاكَ إِلّا لِأَنَّنا / جَعَلنا لَهُ دِرعاً وَرُمحاً وَمُنصَلا
وَمَن يُعطِ خَصماً دِرعَهُ وَحُسامَهُ / وَسابِقَهُ فَليَلبَسِ الذُلَّ مُشملا
وَمَن مَلَّكَ الأَعداءَ تَدبيرَ أَمرِهِ / فَذاكَ الَّذي يُدعى العَديمَ المُثَكَّلا
وَمَن رامَ طولَ العُمرِ بِالذُلِّ وَالغَبا / رَأى المَوتَ مَرأَىً عاجِلاً وَمُؤَجَّلا
وَمَن لَم تَكُن أَنصارُهُ مِن رِجالِهِ / أُخيفَ وَأَضحى بِالجناياتِ مُبسَلا
وَمَن لانَ يَوماً لِلعِدى هانَ وَاِصطَلى / عَلى الكُرهِ مِن نيرانِها شَرَّ مُصطَلى
وَمَن لَم يُقَدِّم لِلأُمورِ مُقَدَّماً / أَضاعَ وَأَبدى لِلمرامينَ مَقتَلا
فَآهٍ لِقَومي لَو أُطِعتُ لَدَيهِمُ / دَرَوا أَنَّ فيهِم حازِمَ الرَأيِ فَيصَلا
لَقَد كُنتُ لا أَرضى الدَنِيَّةَ فيهمُ / وَلا يَزدَهيني عَنهُمُ مَن تَمَحَّلا
وَلَكِن إِذا ما الأَمرُ حُمَّ اِنتِهاؤُهُ / أَقامَ مُقامَ الأَضبَطِ الوردِ خَيطَلا
وَأَقمَنُ شَيءٍ بِالهَلاكِ مَدينَةٌ / تُريكَ نَبِيهَ القَدرِ مَن كانَ أَخمَلا
فَيا رَبِّ لا صَبراً عَلى ذا وَلا بَقاً / فَسُق فَرَجاً أَو لا فَمَوتاً مُعَجَّلا
أَفي كُلِّ يَومٍ لِلخُطوبِ أصالي
أَفي كُلِّ يَومٍ لِلخُطوبِ أصالي / أَلا ما لِأَحداثِ الزَمانِ وَما لي
يُفَجِّعنَني في كُلِّ يَومٍ يَمُرُّ بي / بِأَنفَسٍ مالٍ أَو بِأَشرَفِ آلِ
أَرى الشَرَّ قُدّاماً وَخلفاً وَأَتَّقي / نِبالَ الأَذى عَن يَمنَةٍ وَشِمالِ
إِذا قُلتُ جَلّى بَعضُ هَمّي أَتَت لَهُ / نَوائِبُ أَمضى مِن حُدودِ نِصالِ
كَأَنَّ الرَزايا وَالمَنايا تَحالَفا / عَلى عَكسِ آمالي وَبَثِّ مَآلي
لَحى اللَهُ هَذا الدَهرَ كَم يَستَفِزُّني / لِخَوضِ بِحارٍ أَو لِشَقِّ جِبالِ
يُكَلِّفُني جَريَ الجَوادِ وَقَد لَوى / شِكالاً عَلى ساقَيَّ خَلفَ شِكالِ
وَقَد مَصَّ مُخَّ العَظمِ حَتّى إِزارهُ / وَبَدَّلَهُ مِن نِيِّهِ بِهُزالِ
وَهَل يَقطَعُ الشّكلَ الجَوادُ عَلى الوَنى / وَلَو جالَ في الآرِيِّ كُلَّ مَجالِ
أَقولُ وَقَد فَكَّرتُ في أَمرِ خِلَّتي / وَأَمري وَحالِ الأَرذَلينَ وَحالي
أَلا لَيتَني قَد كُنتُ خِدناً مُخادِناً / لِخَيطِ نَعامٍ في الفَلا وَرِئالِ
وَلَم أَكُ عارَفتُ اللِئامَ وَلَم أَنُط / حِبالَ خَسيسٍ مِنهُمُ بِحِبالي
فَلَم أَرَ مِنهُم غَيرَ خِبٍّ يَمُدُّ لي / لِسانَ مُحِبٍّ مِن طَوِيَّةِ قالِ
لَهُ شِيمَةُ السَنَّورِ في لُطفِ خدعِهِ / وَلَكِنَّهُ في اللَمسِ حَيَّةُ ضالِ
إِذا جِئتُ فَدّاني وَأَبدى بَشاشَةً / وَلاحَظَني مِنهُ بِعَينِ جَلالِ
وَإِن غِبتُ أَدنى ساعَةٍ مِن لحاظِهِ / تَمَحَّلَ في غَيبي بِكُلِّ مِحالِ
إِلى اللَهِ أَشكُو مَنجَمي في مَعاشِرٍ / هُمُ شَرُّ ماضٍ في الزَمانِ وَتالِ
صَحِبتُهُمُ مُستَصفِياً فَوَجَدتُهُم / أَليمَ عَذابٍ في أَشَدِّ نِكالِ
إِذا قُلتُ حَلَّ الدَهرُ غِلَّ صُدُورِهِم / أَبَت سُوءُ أَخلاقٍ وَقُبحُ خِصالِ
ولا ذَنبَ لي إِلّا حِجىً وَبَراعَةٌ / وَمَجدٌ وَبَيتٌ في رَبيَعَةَ عالِ
وَمَيلي إِلى أَهلِ التَواضُعِ وَالعُلى / بِوُدّي وَبُغضي الأَسفَلَ المُتَعالي
وَمَعرِفَتي آباءَهُم وَجُدُودَهُم / وَرَفضي لِقيلٍ في الأَنامِ وَقالِ
لِعِلمي بِيَومٍ ما بِهِ ذُو نَدامَةٍ / يُرَدُّ وَلا ذُو عَثرَةٍ بِمُقالِ
وَلا السَيِّدُ الجَبّارُ فيهِ بِسَيِّدٍ / مُطاعٍ وَلا عالي الرَعاعِ بِعالِ
بِهِ الحُكمُ لِلّهِ الَّذي لا قَضاؤُهُ / بِحَيفٍ وَلا سُلطانُهُ بِمُزالِ
أُداريهمُ حَتّى كَأَنّي لَدَيهمُ / أَسيرُ طِعانٍ أَو أَسيرُ سُؤالِ
وَلَو شِئتُ قَد كُنتُ المُدارى لِأَنَّني / أَصُولُ بِأَيدٍ في الأَنامٍ طِوالِ
إِذا شِئتُ لَبّى دَعوَتي كُلُّ ماجِدٍ / يُعَدُّ لِيَومَي نائِلٍ وَنِزالِ
جِبالٌ إِذا طاشَت حُلومُ بَني الوَغى / رَواسٍ وَلَكِن في شُخوصِ رِجالِ
عَلى كُلِّ مَحبُوكِ القَرى شَنجِ النَسا / تَجِيءُ رِعالاً مِن وَراءِ رِعالِ
نِتاجُ اِبنِ حَلّابٍ وَقَيدٍ وَلاحِقٍ / وَغُلِّ المَذاكي كامِلٍ وَعُقالِ
بِها كم وَطِئنا مِن رِقابِ قَبيلَةٍ / وَحَيٍّ عَلى مَرِّ الزَمانِ حِلالِ
وَذُو الحُمقِ لَو نادى أَراهُ نِداؤُهُ / بَناتِ اِبنِ آوى في شُخوصِ سَعالي
تَجِيءُ بِآلاتٍ لَها مُستَعِدَّةً / لِحَصدِ غِلالٍ لا لِضَربِ قِلالِ
عَلى كُلِّ مَرقُومِ الذِراعَينِ يَنتَمي / لِأَلأَمِ عَمٍّ في الكِدادِ وَخالِ
تَشاحَجُ فيها آتُنٌ مُوجدِيَّةٌ / يَنُسنَ بِآذانٍ لَهُنَّ طِوالِ
لَنا كَدحُهُم في حَيثُ كانُوا وَكَدحُها / حَلالٌ مِن الباري وَغَيرُ حَلالِ
عَدِمتُ زَمانَ السُوءِ أَمّا بُزاتُهُ / فَعُطلٌ وَأَمّا بُومُهُ فَحوالِ
أَراهُ وَلُوعاً بِالكِرامِ يَلُسُّها / كَلَسِّ الكَلا مِن يَمنَةٍ وَشِمالِ
كَأَنَّ لَهُ ثَأراً عَلى كُلِّ ماجِدٍ / جَمالٍ لِأَهلِ الأَرضِ وَاِبنِ جَمالِ
فَقُل لِبَني الأَوباشِ مَهلاً فَإِنَّها / لَيالٍ وَتَأتي بَعدَهُنَّ لَيالِ
فَإِن رَقَدَت عَينُ الزَمانِ هُنَيئَةً / فَكَم يقظَةٍ مِنهُ أَتَت بِزَوالِ
فَلَولا أُفُولُ الشَمسِ لَم يَبنِ السُها / وَلَولا الدُجى ما لاحَ ضَوءُ ذُبالِ
فَلا تَطمَعِ الأَوباشُ فينا فَإِنَّنا / رَحاها وَما الأَوباشُ غَيرُ ثُفالِ
فَإِنَّ هُتَيماً لَو حَوَت مالَ هاشِمٍ / هُتَيمٌ فَلا يَغرُركَ طَيفُ خَيالِ
سَتَرجِعُ فيما عُوِّدت مِن حَميرِها / وَمِن خَرقِ أَشنانٍ وَخَصفِ نِعالِ
فَصَبراً قَليلاً سَوفَ تَجني غِراسَها / ثَمارَ بَلايا أَينَعَت وَوَبالِ
وَإِلّا فَلا عَزَّت مُلُوكُ بَني أَبي / وَلا خَطَرَ الفِعلُ الجَميلُ بِبالي
فَكُلٌّ لَهُ مِمّا قَضى اللَهُ عادَةٌ / سَتُدرِكُهُ لَو نالَ كُلَّ مَنالِ
فَسَوفَ تَرونَ الشَمسَ قَد غالَ نُورُها / نُجُوماً مُسَمّاةً وَبَدرِ كَمالِ
فَكَيفَ بِها مَخسُولَةً لَو تَساقَطَت / لَما عَدَلَت في الفَقدِ عُودَ خِلالِ
وَمَن عَوَّدَ اللَهُ الجَميلَ فَإِنَّهُ / سَيَبقى بِجِدٍّ في العَشيرةِ عالِ
عَلى ذاكَ مِنّي شاهِدٌ غَيرُ غائِبٍ / يُبَيِّنُ لِلأَقوامِ صِدقَ مَقالي
وَآلُ بَني جَروانَ لَمّا رَمَتهُمُ / بِداءٍ عَلى غَيرِ الكِرامِ عُضالِ
أَرادَت عِداهُم نَيلَ ما كانَ مِن عُلىً / لَهُم يا لَقَومي مِن عَمىً وَضَلالِ
وَأَطمَعَهُم قَتلُ الرَئيسِ وَما جَرى / مِن اِخراجِ آلٍ وَاِستِباحَةِ مالِ
فَما رَبِحُوا غَيرَ العَناءِ وَإِن غَدَت / عُقُولُهُم تُدعى عُقُولَ سِخالِ
وَهَل عَمَلٌ أَغنى عَن المالِ أَو شَفى / حَرارَةَ ظَمآنٍ تَرَيّعُ آلِ
فَلم يَمضِ إِلّا الحَولُ ثُمَّ رَأَيتُهُم / عَلى رَغمِ شانِيهِم بِأَنعَمِ بالِ
يَلُوذُ مُعادِيهم بِهم وَهو خاضِعٌ / كَما تَخضَعُ الجُربُ العِجافُ لِطالِ
فَلَو أَنَّهُم شاؤُوا لأَضحَت مَنازِلٌ / تَمُرُّ بِها الأَيّامُ وَهيَ خَوالِ
وَلَكِنَّ حُسنَ العَفوِ مِنهُم سَجِيَّةٌ / إِذا ما عَفا وَالٍ وَعاقَبَ والِ
وَمِن حَقِّ بَيتٍ مِنهُ يُعزى اِبنُ عَبدَلٍ / دَوامُ عُلُوٍّ في أَتَمِّ كَمالِ
وَمَن يَلقَ إِبراهيمَ يلقَ اِبنَ تارَحٍ / أَخي العَزمِ في نسكٍ وَعَزمِ خِلالِ
وَيَلقَ اِبنَ يَعقُوبَ المُكَرَّمَ يُوسُفاً / نَبِيَّ الهُدى في عِفَّةٍ وَجَمالِ
فَتىً حَلَّ مِن عَليا لُكَيزٍ وَعامِرٍ / بِأَعلى مَحَلٍّ مِن ذُرىً وَقِلالِ
فَيا بِأَبي أَخلاقُهُ الغُرُّ إِنَّها / لَأَعذَبُ مِن صافي الثِّغابِ زلالِ
أَخٌ وَاِبنُ عَمٍّ حينَ أَدعُو وَوالِدٌ / شَقيقٌ وَخِلٌّ لا يَخُونُ وَكالي
كَفى ساكِنَ البَحرَينَ كُلَّ عَظيمَةٍ / وَناءَ بِأعباءٍ تكِدنَ ثِقالِ
فَلولاهُ لا زالَ الرَفيعَ عِمادُهُ / لَصال عَلَيها الدَهرُ كُلَّ مصالِ
فَدامَ لَهُ طُولُ البَقاءِ مُعَظَّماً / لِعَقرِ مَتالٍ أَو لِمَنعِ نَوالِ
وَلا زالَ يَعلُو في السَعادَةِ جَدُّهُ / وَيَنمى بَلا نَقصٍ بِماءِ هِلالِ
لِذا اليَومِ أَعمَلتُ القِلاصَ العَباهِلا
لِذا اليَومِ أَعمَلتُ القِلاصَ العَباهِلا / وَأَبقَيتُها تَحكي الحَنايا نَواحِلا
لِذا اليَومِ كَم نَفَّرتُ عَن زُغبِها القَطا / وَنَبَّهتُ ذُؤبانَ الفَلاةِ العَواسِلا
لِذا اليَومِ كَم مِن حُوتِ بَحرٍ ذَعَرتُهُ / وَكَم رُعتُ لَيثاً أَعصَلَ النابِ باسِلا
لِذا اليَومِ كَم جاثٍ بِغابٍ أَثَرتُهُ / وَغادَرتُ هَيقاً يَمسَحُ الأَرضَ جافِلا
لِذا اليَومِ نَكَّبتُ الجَزيرَةَ راجِعاً / وَإِربِلَ لَم أَعطِف عَلَيها وَبابِلا
لِذا اليَومِ فارَقتُ اِختيارَاً أَحِبَّتي / وَأَهلَ وِدادي وَالمُلوكَ الأَفاضِلا
فَكَم خُضتُ رَجوى اليَومِ مِن لُجِّ مُزبِدٍ / يُظنُّ اِصطِفاقُ المَوجِ فيهِ مَشاعِلا
وَكَم جُبتُ مِن مَوماةِ أَرضٍ تَرى بِها / مَعَ الآلِ حَقَّ العَينِ وَالأُذنِ باطِلا
تَخالُ بِها الحِرباءَ في رَأسِ جذلَةٍ / شَبيحاً مِنَ البدوانِ لِلعرضِ ماثِلاً
وَتَحسبُ فيها الثُعلُبانَ مُجَدَّلاً / مِنَ الخَيلِ إِذ تَعلُو كَثيباً مُقابِلا
وَإِن عَرَضَت فيها الرِئالُ حَسِبتَها / بخاتِيَّ تَحمِلنَ الرَوايا قَوافِلا
وَحَيِّ عِدىً قَد طالَ ما نَذَروا دَمي / فَلَو ظَفَروا بِي عَمَّمُوني المَناصِلا
تَخَطَّيتُهُم هُدءاً مِن اللَيلِ بَعدَما / تَنَكَّبَ حادي النَجمِ لِلغَربِ مائِلا
وَلَو لَم أُمَنِّ النَفسَ في كُلِّ ساعَةٍ / بِذا اليَومِ لَم تَعدَم مِنَ الهَمِّ قاتِلا
إِذا ما اِنقَضَت أَيّامُ عادٍ تَرَكتُها / وَقُلتُ نُرَجّي ذَلِكَ اليَومَ قابِلا
فَيا سَعدَهُ يَوماً بِلُقيايَ سَيِّداً / أَبَرَّ عَلى الساداتِ حَزماً وَنائِلا
بِلُقيايَ مَلكاً زَيَّنَ المُلكَ مُذ رَقَى / ذُراهُ وَحَلّى مِنهُ ما كانَ عاطِلا
هُماماً أَبَت هِمّاتُهُ أَن تَرى لَهُ / عَلى الأَرضِ في بَأسٍ وَجُودٍ مُماثِلا
جَميلَ الثَنا عَذبَ السَجايا مُهَذَّباً / أَشَمَّ طَويلَ الباعِ قَرماً حُلاحِلا
رَزينَ حَصاةِ الحِلمِ أَلوى مُمَاحِكاً / لِأَعدائِهِ طَلّابَ وَترٍ مُماطِلا
سَريعاً إِلى الجُلّى بَطيئاً عَنِ الخَنا / قَؤُولا لِما يُعيي الرِجالَ المَقاوِلا
مِنَ الصارِمِ الهِنديّ أَمضى عَزائِماً / وَأَصدَقَ مِن نَوءِ الثُرَيّا مَخائِلا
يُخافُ وَيُرجى حالَةَ السُخطِ وَالرِضا / وَما قالَ إِلّا كانَ لِلقَولِ فاعِلا
سَما لِلعُلى طِفلاً وَحالَ اِثِّغارِهِ / سَقى مِن نُحورِ الدارِعينَ العَوامِلا
وَدانَت كُماةُ الحَربِ غَصباً لِبأسِهِ / وَلَمّا تَجُز في السِنِّ عَشراً كَوامِلا
فَيا سائِلاً عَنهُ وَما مِن جَهالَةٍ / تُسائِلُ بَل تُبدي لِأَمرٍ تَجاهُلا
سَلِ الخَيلَ عَنهُ يَومَ تَكسُو حُماتَها / طَيالِسَةً مِن نَسجِها وَغَلائِلا
أَلَم يَكُ أَمضاها جَناناً وَصارِماً / وَأَطوَلَها إِذ ذاكَ باعاً وَذابِلا
أَلَم يَأتِ مِن أَرضِ الشَواجِنِ يَختَطي / حَرابِيَّ أَجوَازِ الفَلا وَالخمائِلا
كَسَهمِ عَلاءٍ أَو كَما اِنقَضَّ كَوكَبٌ / يُعارِضُ عِفرِيتاً مِنَ الجَوِّ نازِلا
فَما حَلَّ عَقدَ السَيفِ حَتّى أَناخَها / ضُحىً بِعِذارِ الخَطِّ حَدباءَ ناحِلا
وَقَبلَ أَذانِ العَصرِ نُودي بِمُلكِهِ / نِداءاً أَرانا الدَهرَ يَفتَرُّ جاذِلا
وَلَم يَرزَ مَنصُوراً فَتيلاً لِمُلكِهِ / عَلَيهِ وَلا أَولاهُ إِلّا فَواضِلا
وَذُو المَجدِ لا يَرضى عُقوقاً وَلا أَذىً / لِذِي رَحِمٍ لَو لَم يَكُن قَبلُ واصِلا
وَلَو لَم يَخَف أَن يَذهَبَ المُلكُ لَم يَرُح / عَلى اِبنِ أَخيهِ مُدَّةَ الدَهرِ صائِلا
وَلَم يَبغِ فيهِ مُسعِداً غَيرَ نَفسِهِ / وَمِثلُ عِمادِ الدِينِ يَكفي قَبائِلا
سِوى أَنَّ مِن نَسلِ المُفَدّى عِصابَةً / أَبَوا أَن يُطِيعُوا في هَواهُ العَواذِلا
وَما ذاكَ إِلّا أَن رَأَوا مِثلَ ما رَأى / وَقَد يَحفَظ الدُولاتِ مَن كانَ عاقِلا
لَعَمري لَنِعمَ المُستَغاثُ مُحَمَّدٌ / إِذا البيضُ نُوزِعنَ البُرى وَالمَجاوِلا
وَنِعمَ مُناخُ الطارِقينَ رَمَت بِهِم / شَآمِيَّةٌ تُزجي سَحاباً حَوافِلا
وَنِعمَ المُراعى لِلنَزيلِ وَطالَما / أَحَلَّت رِجالٌ بِالنَزيلِ النَوَازِلا
وَنِعمَ لِسانُ القَومِ في يَوم لا تَرى / لِكِلمَةِ فَصلٍ تَرفَعُ الشَكَّ قائِلا
أَعَزُّ وَأَوفى مِن عُمَيرٍ وَحارِثٍ / وَأَكرمُ مِن كَعبٍ وَأَوسٍ شَمائِلا
وَأَصدَقُ بَأساً مِن كُلَيبٍ إِذا غَدا / يَجُرُّ إِلى حَربِ المُلوكِ الجَحافِلا
وَأَحَلَمُ مِن قَيسٍ إِذا الحِلمُ لَم يَرُح / يُطَوِّقُ عاراً أَو يُمَوِّقُ جاهِلا
وَأَمنَعُ جاراً مِن يَزيدٍ وَهانِئٍ / وَجَسّاسٍ الساقي حَسا المَوت وائِلا
إِذا ما رَأَيناهُ ذَكَرنا مُحَمَّداً / أَباهُ فَبَشَّرنا مَضيماً وَآمِلا
وَقُلنا لِأَبناءِ المُلوكِ تَوَقَّعُوا / لَهُ فَرَجاً يَأتي بِهِ اللَهُ عاجِلا
وَأَيُّ فَتى مَجدٍ وَمُجدي رَغائِبٍ / وَمِحضَأ حَربٍ يَترُكُ الشَيخَ ذاهِلا
وَشَلّالُ مَغشاةٍ وَحَلّالُ تَلعَةٍ / حَمى الخَوفُ خُبراواتِها وَالمَسائِلا
فَيا باعَلِيٍّ يا اِبنَ مَن فاقَ مَجدُهُ / أَواخِرَ أَربابِ العُلا وَالأَوائِلا
مَلَكتَ فَسِر فِيمَن مَلَكتَ بِسِيرَةٍ / تَسُرُّ مُقيماً في ذُراكُم وَراحِلا
وَكُن مِثلَ ما قَد كانَ والِدُكَ الَّذي / تَلَقَّيتَهُ وَاِعمَل بِما كانَ عامِلا
وَأَدرِك رَعايا ضَيَّعَتها رُعاتُها / وَراحَت لِضُبعانٍ وَذِئبٍ أَكايِلا
فَأَنت لَعَمري بَينَ خالٍ وَوالِدٍ / يُعيدانِ لِلعَليا سَناماً وَكاهِلا
أَبُوكَ الَّذي لَم تَحمِلِ الخَيلُ مِثلَهُ / إِذا أَجهَضَ الرَوعُ النِساءَ الحَوامِلا
مَضى لَم يُدَنِّس عِرضَهُ بِرَذِيلَةٍ / وَلا راحَ لِلمَولى وَلا الجارِ خاذِلا
وَمَن يَدَّعي خالاً كَخالِكَ يَدَّعي / مُحالاً وَإِفكاً مُستَحيلاً وَباطِلا
وَمَن كَحُسَينٍ إِن أَلَمَّت مُلِمَّة / تُريكَ البَليغَ النَدبَ فِدماً مُوائِلا
مَتى تَدعُهُ تَدعُ اِمرَءاً لا مُضَيِّعاً / صَديقاً وَلا عَن صارِخٍ مُتَثاقِلا
حَمُولا لَما حَمَّلتَهُ ذا فَظاظَةٍ / عَلى مَن يُعادي أَلمَعِيّاً مُناضِلا
وَما بَرِحُوا آلَ المُفَدّى لِجارِهِم / وَلِاِبنِ أَخيهِم حِيثُ كانُوا مَعاقِلا
وَغَزوانَ فَاِحفَظ وُدَّهُ وَاِحتَفِظ بِهِ / تَجِد سَيفَ عَزمٍ في مَراضِيكَ فاصِلا
وَقابِل بِهِ كَيدَ العَدُوِّ وَصِل بِهِ / جَناحَكَ واِجعَلهُ لِعَلياكَ حائِلا
فَما فيهِ تَضييعٌ عَلَيكَ وَلا تَرى / لَهُ في مَراضي مَن تُصافي مُشاكِلا
وَأَيُّ رَئيسٍ لا يُرى دُونَ مالِهِ / صَديقٌ وَلا عافٍ يُرَجِّيهِ حائِلا
وَجُندُكَ رُشهُم ما اِستَطَعتَ وَلا تَكُن / وَإِن غَفِلُوا عَن رَبِّهِم مُتَغافِلا
فَما الجُندُ إِلّا جُنَّةٌ تَتَّقي بِها / غَوائِلَ مَولىً أَو عَدُوّاً مُصاوِلا
وَلا تُهمِلَن وُدّي لَكُم وَقَرابَتي / وَأَشعارِيَ اللّاتي مَلَأنَ المَحافِلا
فَكَم لِيَ في عَلَياكُمُ مِن غَريبَةٍ / يَظَلُّ مُسامِيكُم لَها مُتَضائِلا
نَتائِجُ فِكرٍ غادَرَت كُلَّ فِكرَةٍ / نَتُوجٍ لِما يَحلُو مِنَ الشِعرِ حائِلا
وَكَم غُصَصٍ جُرِّعتُها في هَواكُمُ / وَلَم أُصغِ سَمعاً لِلَّذي جاءَ عاذِلا
وَفارَقتُ أَهلي غَيرَ قالٍ وَأُسرَتي / وَولدِيَ خِلّانَ الصِبا وَالمَنازِلا
وَإِنَّ مَديحي غَيرَكُم غَيرُ رائِقٍ / وَلَو أَنَّني بُلِّغتُ فيهِ الوَسائِلا
بَقيتَ لَنا يابا عَلِيٍّ لِنَقتَضي / بِكَ الثارَ مِن أَيّامِنا وَالطَوائِلا
وِعاشَ اِمرُؤٌ يَشناكَ ما عاشَ خائِفاً / قَليلاً ذَليلاً خاشِعَ الطَرفِ خامِلا
وَيهنيكَ ذا المُلكُ الَّذي عَمَّ يُمنُهُ / عُقَيلاً وَأَحيا عَبدَ قَيسٍ وَوائِلا
وَدُونَكَ مِن تَيّارِ بَحرٍ إِذا طَمى / أَراكَ بِحارَ الأَرضِ جَمعاً صَلاصِلا
وَأَنفَذتُها في حِكمَةٍ وَبَلاغَةٍ / كَسَت حُلَّةً مِن بَعدِ عَهدِكَ عاقِلا
بَنانُكَ مِن مُغدُودِقِ المُزنِ أَهطَلُ
بَنانُكَ مِن مُغدُودِقِ المُزنِ أَهطَلُ / وَباعُكَ مِن رَضوى وَثَهلانَ أَطوَلُ
وَدارُكَ دارُ الأَمنِ مِن كُلِّ حادِثٍ / وَمَنزِلُكَ المَعمُورُ لِلمَجدِ مَنزِلُ
إِذا عُدَّ أَربابُ النَباهَةِ وَالعُلى / فَأَنتَ عَلى رغَمِ المُعادينَ أَوَّلُ
تَجاوَزتَ مِقدارَ الكَمالِ فَما يُرى / عُلىً كامِلاً إِلّا وَعَلياكَ أَكمَلُ
وَحُزتَ خِلالَ الفَضلِ مِن كُلِّ وجهَةٍ / فَما فاضِلٌ إِلّا وَأَنتَ المُفَضَّلُ
كَمالَ الوَرى آنَ الرَحيلُ وَلَم يَعُد / لِذي أَرَبٍ عَن قَصدِهِ مُتَعَلَّلُ
وَلَم يَبقَ إِلّا أَن يُوَدِّعَ راحِلٌ / مُقيماً فَمنحيها جَنُوبٌ وَشَمأَلُ
أَقولُ وَلِي قَلبٌ شَعاعٌ تَضُمُّهُ / جَوانِحُ يَعلُو الشَوقُ فيها وَيَسفُلُ
وَلي أَنَّةٌ تُشجي القُلوبَ وَزَفرَةٌ / تَكادُ بِأَدناها ضُلوعي تَزَيَّلُ
وَقَد كِدتُ أَن أُبدي الحَنينَ تَبَرُّماً / مِنَ الغَبنِ إِلّا أَنَّني أَتَجَمَّلُ
لَحى اللَهُ دَهراً أَلجَأتني صُروفُهُ / إِلى حَيثُ يُلغى حَقُّ مِثلي وَيُهمَلُ
وَعاقَبَ قَومي الغُرَّ شَرَّ عُقُوبَةٍ / وَخَصَّصَ مَن يَنمي عَلِيٌّ وَعَبدَلُ
فَلَولاهُمُ وَاللَهُ يَعلَمُ ذَلِكُم / لَما فاهَ لي بِالمَدحِ في الناسِ مِقوَلُ
وَلا حُطَّ بِالفَيحاءِ رَحلي وَلا رَأَت / فُرى ظاهِرِ الزَوراءِ شَخصي وَإِربِلُ
وَقَد كان لِي مِن إِرثِ جَدّي وَوالِدي / غِنىً فيهِ لِلرّاجي الَّذي يَتَمَوَّلُ
وَلا اِستَقبَلَت جاهي رِجالٌ جَهالَةً / وَجاهَلَ قَدري بِالمَحامِدِ أَجهَلُ
فَإِن يَكُ ما أَبغي ثَقيلاً لَدَيهِمُ / فَحَملُ الكَريمِ الحُرِّ لِلمَنِّ أَثقَلُ
لَقَد كانَ لِي لَولا رَجاءُ مُحَمَّدٍ / عَنِ المَوصِلِ الحَدباءِ مَنأىً وَمَرحَلُ
ولَم آتِها إِلّا عَلى اِسمِ رَجائِهِ / وَلِلخَطبِ يُرجى ذُو العُلى وَيُؤَمَّلُ
وَيَأبى لَهُ البَيتُ الرَفيعُ عِمادُهُ / رُجوعي بِحالٍ نَشرُها لَيسَ يَجملُ
وَكَيفَ وَعِندي أَنَّهُ ذُو بَصيرَةٍ / إِذا حارَتِ الأَلبابُ وَالجَدُّ مُقبِلُ
خَلِيلَيَّ ما كُلُّ الرِجالِ وَإِن عَلَوا / كَمالٌ وَلا كُلُّ الأَقاليمِ مَوصِلُ
وَلا كُلُّ نَبتٍ تُخرِجُ الأَرضُ مَأكَلٌ / وَلا كُلُّ ماءٍ تُبصِرُ العَينُ مَنهَلُ
هُوَ الماجِدُ النَدبُ الَّذي لا جنابُهُ / بِوَعرٍ وَلا بابُ النَدى مِنهُ مُقفَلُ
هُمامٌ إِذا اِستَسقَيتَ مُزنَ بَنانِهِ / سَقَتكَ حَياً مِن فَيضِهِ البَحرُ يَخجَلُ
جَوادٌ إِذا ما الخُورُ عامَت فِصالُها / وَلَم يَبقَ في البُزلِ القَناعِيسِ مَحمَلُ
ضَحُوكٌ إِذا ما العامُ قَطَّبَ وَجهَهُ / عُبُوساً وَأَبدى نابَهُ وَهوَ أَعقَلُ
عَلى أَنَّهُ البَكّاءُ في حِندِسِ الدُجى / خُشُوعاً وَمُحيي لَيلِهِ وَهوَ أَليَلُ
يُقِرُّ لَهُ بِالجودِ كَعبٌ وَحاتِمٌ / وَيَقضي لَهُ بِالمَجدِ زَيدٌ وَدَغفَلُ
سَما لِذُرى العَلياءِ مِن فَرعِ وائِلٍ / وَكُلُّ فَتىً مِن وائِلٍ فَهوَ مَوئِلُ
بِآبائِهِ عَزَّت نِزارٌ وَأَصبَحَت / تَقُولُ بِعَزمٍ ما تَشاءُ وَتَفعَلُ
مُلُوكٌ هُمُ أَردُوا لَبيداً وَغادَرَت / صُدورُ قَناهُم تُبَّعاً يَتَمَلمَلُ
وَهُم تَرَكُوا يَومَ الكُلابِ عَلى الثَرى / شُرَحبِيلَ شِلواً حَولَهُ الطَيرُ تَحجِلُ
وَعَمرو بنَ هِندٍ عَمَّمُوا أُمَّ رَأسِهِ / حُساماً يَقُدُّ البيضَ وَالهامَ مِن عَلُ
فَآخِرُهُم ما مِثلُهُ اليَومَ آخِرٌ / وَأَوَّلُهُم ما مِثلُهُ كانَ أَوَّلُ
وَإِنّ كَمالَ الدينِ لا زالَ كامِلاً / لأَشرَفُ أَن يَسمُو بِجَدٍّ وَأَنبَلُ
هُوَ الطَودُ حِلماً وَالمُهَنَّدُ عَزمَةً / هُوَ البَحرُ جُوداً بَل عَطاياهُ أَجزَلُ
لَهُ هَيبَةٌ مِلءُ الصُدورِ وَإِنَّهُ / عَلى عِزَّهِ للناسِكُ المُتَبَتِّلُ
تَوَلّى وَأَولى الناسَ خَيراً وَأَصبَحَت / صَوادي المُنى مِن نَيلِهِ وَهيَ نُهَّلُ
وَلاقى الرَعايا خافِضاً مِن جَناحِهِ / وَفي بُردِهِ لَيثٌ بِخفّانَ مُشبِلُ
تَراهُ فَتَلقى مِنهُ في السِلمِ واحِداً / وَلَكِنَّهُ عِندَ المُلِمّاتِ جَحفَلُ
صَؤُولٌ وَلا خَيلٌ قَؤُوَلٌ وَلا خَفَاً / سَؤُولٌ بحالِ الضَيفِ وَالجارِ فَيصَلُ
فَيا أَيُّها الساعي لِيُدرِكَ شَأوَهُ / رُوَيداً وَلا يَغرُركَ سَعيٌ مُضَلَّلُ
عَرَفتُ بَني هَذا الزَمانِ فَلَم أَجِد / سِواهُ إِذا ما حُمِّلَ الثِّقلَ يَحمِلُ
فَكَم صاحِبٍ صاحَبتُهُ لا مُؤَمِّلاً / نَدىً مِن يَدَيهِ غَيرَ أَنّي المُؤَمَّلُ
فَأَجهَدتُ نَفسي في البِناءِ لِمَجدِهِ / كَأَنّي بِهِ مِن كُلِّ بابٍ مُوَكَّلُ
إِذا صَدِئَت مِنهُ المَساعي جَلَوتُها / بِعارِفَةٍ مِنّي وَلِلمَجدِ صَيقَلُ
فَلَمّا رَماني الدَهرُ عَن قَوسِ نازِعٍ / وَلِلدهرِ حالاتٌ تَجُورُ وَتَعدِلُ
رَمى مَقتَلي مَع مَن رَمى وَهوَ عالِمٌ / بِأَنَّ شَوى مَن كادَهُ الدَهرُ مَقتَلُ
وَأَصبَحَتِ الحُسنى تُعَدُّ إِساءَةً / عَلَيَّ وَيُستَصفى عَدُوّي وَأُعزَلُ
وَتَكثُر عِندي لا لِعُذرٍ ذُنوبُهُ / فَأُمسي عَلى أَبوابِهِ أَتَنَصَّلُ
وَما ذاكَ عَجزٌ عَن مُكافاةِ خائِنٍ / وَلَكِنَّ حِلمي عَن ذَوي الجَهلِ أَفضَلُ
فَلا يُبعِدَنَّ اللَهُ شَخصَ مُحمَّدٍ / فَلَيسَ عَلى خَلقٍ سِواهُ مُعَوَّلُ
وَلا كانَ هَذا آخِرَ العَهدِ إِنَّني / إِلى اللَهِ في أَن نَلتَقي أَتَوَسَّلُ
فَيا شَقوَتا مِن عُظمِ شَوقٍ مُبَرِّحٍ / إِلَيهِ بِأَثناءِ الحَشا يَتَغَلغَلُ
إِلَيكَ كَمالَ الدّينِ عِقدُ جَواهِرٍ / أَضِنُّ بِها عَمَّن سِواكَ وَأَبخَلُ
يُقَصِّرُ عَن تَرصيعِها في عُقُودِها / أَخُو دارِمٍ وَالأَعشيانِ وَجَروَلُ
أَبا الكَرَمِ المَدعُوّ لِلخَطبِ إِنَّني / رَجَوتُكَ وَالمَدعُوُّ لا يَتَأوَّلُ
فَغِر لِكَريمٍ لَم يَكُن في حِسابِهِ / نُزُولٌ بِأَبوابِ السَلاطينِ يَسأَلُ
وَلا خالَ أَنَّ الدَهرَ يَسعى لِكَيدِهِ / فَيُلقى عَلَيهِ مِنهُ نَحرٌ وَكَلكَلُ
فَلَم يَبقَ إِلّا أَنتَ بابُ وَسيلَةٍ / إِلى كُلِّ خَيرٍ مِنهُ لِلناسِ مَدخَلُ
فَعِش لِلمَعالي وَاِبقَ لِلمَجدِ ما بَقي / ثَميرٌ عَلى مَرِّ اللَيالي وَيَذبُلُ
سَما لَكَ مِن أُمِّ العُبَيدِ خَيالُ
سَما لَكَ مِن أُمِّ العُبَيدِ خَيالُ / وَدُونَ لِقاها أَجرُعٌ وَسَيالُ
سَما وَمَطايانا كَأَنَّ اِقتِحامَها / غَوارِبَ أَمواجِ الفُراتِ فِيالُ
فَأَهدى سُروراً عازِباً كانَ قَد مَضى / وَأَنسَتهُ أَيّامٌ مَرَرنَ طِوالُ
وَعادَ فَلَم يَلبَث فَواقاً كَأَنَّما / عَلَيهِ بِتَعجيلِ الرُجوعِ كفالُ
فَشايَعتُهُ أَقضي الذِّمامَ لِأَنَّني / لِذاكَ أَبٌ في الحالَتَينِ وَخالُ
إِلى أَن بَلَغنا الجِسرَ وَالتُرعَةَ الَّتي / بِأَكنافِها الحَيُّ الكِرامُ حِلالُ
وَحانَت لِعَيني يَقظَةٌ بانَ عِندَها / بِأَنَّ الَّذي قَد كُنتُ فيهِ مُحالُ
فَواهاً لَها تَهوِيمَةً بَعَثَت جَوىً / حُرِمتُ لَهُ اللّذّات وَهيَ حَلالُ
أرَتني دِيارَ الحَيِّ قَومي وَدُونَها / وِهادٌ وَأَطوادٌ عَلَت وَرِمالُ
وَكُلَّ اِبنِ شَرٍّ قَرنُهُ مِن رِدائِهِ / يَرى شَخصَهُ جِنُّ الفَلا فَيُهالُ
رَعى اللَهُ هاتيكَ الدِيارَ وَإِن سَرَت / إِلَينا أَفاعٍ أَنبَتَت وَصِلالُ
أَقُولُ لِرَكبٍ مِن عُقَيلٍ لَقيتُهُم / وَأَعناقُها لِلقَريَتينِ تُمالُ
أَيا رَكبُ حُيِّيتُم وَجادَت بِلادَكُمُ / غَمائِمُ أَدنى سَحِّهِنَّ سِجالُ
إِذا جِئتُمُ أَرضَ الحَساءِ وَقابَلَت / قِبابٌ بِضاحي بَرِّها وَتِلالُ
فَأَرخُوا لَها فَضلَ الأَزمَّةِ ساعَةً / وَإِن كانَ أَينٌ مَسَّها وَكَلالُ
إِلى أَن تُوافوا الدَربَ وَالمَسجِدَ الَّذي / بِهِ الحَيُّ حَيٌّ وَالشَمالُ شَمالُ
فَثَمَّ تُلاقُونَ المُلوكَ بَني أَبي / وَيَكثُرُ عَنّي حينَ ذاكَ سُؤالُ
فَقُولُوا لَهُم إِنّا تَرَكنا أَخاكُمُ / بِحَيث مَآلُ الراغِبينَ مَآلُ
لَدى مَلِكٍ لا يَبلُغُ الوَصفُ مَدحَهُ / وَإِن أَطنَبَ المُدّاحُ فيهِ وَقالُوا
حَمُولٌ لِأَعباءِ الأُمورِ وَإِنَّها / عَلى غَيرِهِ لَو رامَها لَثِقالُ
لَهُ أَبَداً عِرضٌ مَصونٌ عَنِ الخَنا / وَمالٌ لِمُمتاحِ النَوالِ مُذالُ
هُوَ المَلكُ لا يَجري البَذا في نَدِيِّهِ / وَإِن طالَ قِيلٌ في الخِصامِ وَقالُ
تَوَلّى فَأَولى كُلَّ خَيرٍ فَأَصبَحَت / بِهِ المُهَجُ العَطشى وَهُنَّ نِهالُ
وَلاقى الرَعايا خافِضاً مِن جَناحِهِ / وَفي بُردَتَيهِ هَيبَةٌ وَجَلالُ
جَوادٌ لَو اِنَّ البَحرَ عارَضَ جُودَهُ / لَما اِبتَلَّ لِلمُجتازِ فيهِ قِبالُ
وَلَو أَنَّ لِلعَضبِ اليَمانِيِّ عَزمَهُ / لَما كادَهُ أَنَّ الرُؤوسَ جِبالُ
وَلَو أَنَّ لِلضِرغامِ قَلباً كَقَلبِهِ / لَما هالَهُ أَنَّ التُرابَ رِجالُ
هُوَ الشَمسُ نُوراً وَاِرتِفاعاً وَشارَةً / كَما قَد تَسَمّى وَالمُلوكُ ذُبالُ
بِهِ البَصرَةُ الفَيحاءُ أَقبَلَ سَعدُها / وَقَد كانَ فيها لِلنُحوسِ مَجالُ
تَوَخّى شَكاياها الَّتي بَرَحَت بِها / فَأَبرَأَ مِنها الداءَ وَهوَ عُضالُ
وَلَولاهُ لَم يَبرَح مُقيماً بِأَرضِها / هوانٌ وَذُلٌّ شامِلٌ وَنَكالُ
أَزالَ الأَذى عَنها اِحتِساباً وَرَغبَةً / وَما كانَ مَرجُوّاً لِذاكَ زَوالُ
وَأَقصى وُلاةَ الجَورِ عَنها حَميَّةً / لِيَسكُنَ مَرعُوبٌ وَيَنعُمَ بالُ
فَلا عُدِمَت أَيّامُهُ الغُرُّ إِنَّها / لَتَعدِلُ طَعمَ الماءِ وَهوَ زُلالُ
وَأُقسِمُ ما تَأتي اللَيالي بِمِثلِهِ / وَأَنّى وَما كُلُّ الرِجالِ رِجالُ
فَيا أَيُّها الساعي لِيُدرِكَ مَجدَهُ / أَفِق إِنَّ هَذا السَعيَ مِنكَ ضَلالُ
وَدَع عَنكَ ما لا تَستَطيعُ فَقَد تَرى / مَساعيَ شَمسِ الدَينِ لَيسَ تُنالُ
إِذا عُدَّ أَهلُ الفَضلِ يَوماً فَكُلُّهُم / عَلى فَضلِهِ لَو يُنشَرونَ عيالُ
لِكُلِّ اِمرِئٍ مِنهُم خِصالٌ حَمِيدَةٌ / وَلَكِنّ شَمسَ الدّينِ فيهِ كَمالُ
تَرى عِندَهُ ما عِندَهُم مِن فَضِيلَةٍ / وَفيهِ خِلالٌ فَوقَها وَخِلالُ
حَياءٌ وَإِقدامٌ وَحِلمٌ وَقُدرَةٌ / وَحَزمٌ وَجُودٌ لَيسَ فيهِ مِطالُ
وَعِلمٌ وَإِيمانٌ وَعَدلٌ وَرَأفَةٌ / وَنُسكٌ وَرَهبانِيَّةٌ وَجَمالُ
تَزاحَمَ أَهلُ العِلمِ وَالطالِبُو النَدى / لَدَيهِ لِكُلٍّ في هَواهُ سُؤالُ
فَلِلطّالِبي الفَتوى بَيانٌ مُعَلَّلٌ / كَذاكَ لِطُلّابِ النَوالِ نَوالُ
فِدىً لَكَ يا تاجَ المُلوكِ مَعاشِرٌ / سِيادَتُهُم لِلمُسلِمينَ وَبالُ
لَهُم عَن فِعالِ الخَيرِ أَيدٍ قَصيرَةٌ / وَلَكِنَّها في المُخزِياتِ طِوالُ
فَدُونكَ عِقداً صاغَهُ الفِكرُ مِن فَتىً / يَرى أَنَّ مَدحاً في سِواكَ خَبالُ
وَلَستُ بِمُهدٍ لِلرِجالِ مَدائِحي / وَإِن قَلَّ مالٌ أَو تَغَيَّرَ حالُ
وَلَكِنَّ نُعمى حَرَّكَتني وَصُحبَةٌ / وَوُدٌّ وَهَذا لِلكِرامِ صِقالُ
فَلا ظَفِرَت مِنكَ الأَعادي بِغِرَّةٍ / وَلا زِلتَ تَغزُو أَرضَها فَتُدالُ
وَجُزتَ المَدى يابا شُجاعٍ وَلا عَدَت / فِناءَكَ مِن بَعدِ الرِجالِ رِحالُ
أَماراتُ سِرِّ الحُبِّ ما لا يُكَتَّمُ
أَماراتُ سِرِّ الحُبِّ ما لا يُكَتَّمُ / وَأَبيَنُ شَيءٍ ما يُجِنُّ المُتَيَّمُ
ظَنَنتُ نُحُولي وَاِصفِراري مِنَ الهَوى / وَذَلِكَ مِمّا يَقتَضيهِ التَوَهُّمُ
لَعَمرُكَ ما بي مِن هَوىً غَيرَ أَنَّني / بِغُرِّ المَعالي يا اِبنَةَ القَومِ مُغرَمُ
وَقَد عَرَضَت مِن دُونِ ذاكَ فَأَحرَضَت / أُمُورٌ لَها يُستَهلَكُ اللَحمُ وَالدَمُ
إِذا خُطَّةً أَنكَرتُ مِن ذِي عَداوَةٍ / أَتاني مِنَ الأَحبابِ أَدهى وَأَعظَمُ
عَلى أَنَّني النَدبُ الَّذي يُكتَفى بِهِ / إِذا غالَها خَطبٌ مِنَ الدَهرِ مُبهَمُ
وَعِندي لِشانِيها سُيُوفٌ ثَلاثَةٌ / لِسانٌ وَرَأيٌ لا يُفَلُّ وَمِخذَمُ
وَلَستُ بِهَجّامٍ عَلى ما يَسُوءُها / وَلا ناطِقٍ بِالعَيبِ مِنّي لَها فَمُ
وَلا قابِضٍ فَضلَ الغِنى عَن فَقيرِها / وَلا باسِطٍ كَفّاً لَها حينَ أُعدِمُ
وَإِنّي لَأَقصاها إِذا ثابَ مغنَمٌ / وَإِنّي لأَدناها إِذا نابَ مَغرَمُ
وَلِي في الغِنى سَهمٌ إِذا ما أَفَدتُهُ / وَلِلدَفعِ عَن أَحسابِها مِنهُ أَسهُمُ
وَيَمنَعُني كَيدَ العَدُوِّ اِحتِقارُهُ / وَكَيد المُداجي عِفَّتي وَالتَكَرُّمُ
وَأَصفَحُ عَن جُهّالِ قَومي حَمِيَّةً / وَإِن أَسرَجُوا في هَدمِ عِزّي وَأَلجَموا
وَإِن قَطَعُوا أَرحامَ بَيني وَبَينهُم / وَصَلتُ وَذُو العَليا أَبَرُّ وَأَرحَمُ
وَأُغضي عَلى عَوراءِ قَومي وَإِنَّني / لَأَبصَرُ مِنهُم لَو أَشاءُ وَأَعلَمُ
وَأَحفَظُ وُدَّ الأَصدِقاءِ وَإِن هُمُ / إِلَيَّ بِلا جُرمٍ أَساؤُوا وَأَجرَمُوا
وَقائِلَةٍ لي وَالرِكابُ مُناخَةٌ / بِكِيرانِها تَرغُو مِراراً وَتَزغمُ
وَقَد أَيقَنَت مِنّي الرَحيلَ فَدَمعُها / تَوامٌ كَما اِنفَضَّ الجُمانُ المُنَظَّمُ
دَعِ الحلَّ وَالتِرحالَ وَالشَدَّ وَاِصطَبِر / فَصَبرُ الفَتى لَو شَقَّ أَحرى وَأَحزَمُ
وَلا تَجزَعَن إِنَّ اللَيالي بِأَهلِها / تَقَلَّبُ وَالأَيّامُ بُؤسى وَأنعُمُ
وَقَد يُصطَفى العِيرُ اللَئيمُ لِحَظِّهِ / مِراراً وَيُخفى الأَعوَجِيُّ المَطَهَّمُ
وَعاقِبَةُ الصَبرِ المُمِضِّ حَلاوَةٌ / وَإِن كانَ أَحياناً يُمِضُّ وَيُؤلِمُ
فَقُلتُ لَها وَالنَفسُ في غُلَوَائِها / تَجيشُ وَأَفكاري تَغُورُ وَتُتهِمُ
ذَريني فَإِنَّ الحُرَّ لا يَأَلَفُ الأَذى / وَقَد أَكثَرَ النَسلَ الجَديلُ وَشَدقَمُ
وَمَن يَكُ مِثلي ضَيمُهُ مِن رِجالِهِ / فَتِرحالُهُ لَو مَسَّهُ الضُرُّ أَحزَمُ
لَعَمري لَقَد طالَ اِنتِظاري وَلا أَرى / سِوى نارِ شَرٍّ كُلَّ يَومٍ تَضَرَّمُ
تَقُولينَ عُقبى الصَبرِ حُلوٌ مَذاقُهُ / وَما هِيَ إِلّا مُرَّةُ الطَعمِ عَلقَمُ
أَأَصبِرُ إِمّا شاكِياً مُتَعَتِّباً / إِلى شامِتٍ أَو باكِياً أَتَظَلَّمُ
سَأُرحِلُها إِمّا لِداعي مَنِيَّةٍ / وَإِمّا لِعِزٍّ حَوضُهُ لا يُهَدَّمُ
فَفي شاطِئِ الزَوراءِ مِن آلِ هاشِمٍ / إِمامُ هُدىً يُؤوَى إِلَيهِ فَيَعصِمُ
تَطُوفُ المُلوكُ الصِيدُ حَولَ فِنائِهِ / كَما طافَ بِالرُكنِ اليَمانِيِّ مُحرِمُ
تُرَجِّي بِهِ دِيناً وَدُنيا لِأَنَّهُ / إِلى اللَهِ في الدُنيا وَفي الدينِ سُلَّمُ
وَهَل مِثلُهُ يَومَ المَعادِ وَسيلَةٌ / إِلى اللَهِ إِلّا رَهطُهُ المُتَقَدِّمُ
أُبُوَّتُهُ إِمّا نَبِيٌّ مُعَظَّمٌ / إِلى اللَهِ يَدعُو أَو إِمامٌ مُكَرَّمُ
هُمُ القَومُ إِن مالُوا أَمالُوا وَإِن دُعُوا / أَنالُوا وَإِن خَفَّت بَنُو الحَربِ أَقدَمُوا
وَإِن وَعَدُوا أَوفُوا وَإِن قَدَرُوا عَفَوا / وَإِن سُئِلُوا النَعماءَ جادُوا وَأَنعَمُوا
وَإِن عاهَدُوا عَهداً أَصَرُوا وَحافَظُوا / وَإِن عَقَدُوا عَقداً أَمَرّوا وَأَحكَمُوا
وَإِن حارَبُوا قَوماً أَقامُوا وَأَقعَدُوا / وَإِن خُوطِبُوا يَوماً أَحَرّوا وَأَفحَمُوا
هُمُ نَزَلُوا أَحياءَ مَكَّةَ فَاِبتَنَوا / بِبَطحائِها في حَيثُ شاؤُوا وَخَيَّمُوا
وَأَضحوا وَبَيتُ اللَهِ فيهِم وَسَلَّمَت / خُزاعَةُ كُلَّ الأَمرِ فيهِم وَجُرهُمُ
وَلَم يَبقَ حَيٌّ في تِهامَةَ تُتَّقى / عَداوَتُهُ إِلّا أَذَلُّوا وَأَرغَمُوا
وَحَسبُكُمُ بِالناصِرِ المُهتَدى بِهِ / فَخاراً إِذا ما الناسُ لِلحَجِّ وَسَّمُوا
بِهِ يَرفَعُ الصَوتَ المُلَبّي وَبِاِسمِهِ / عَلى اللَهِ في دَفعِ المُلِمّاتِ يُقسِمُ
تُقِرُّ مِنىً وَالمَأزِمانِ بِفَضلِهِ / وَيَشهَدُ جَمعٌ وَالمُصَلّى وَزَمزَمُ
وَكَعبَةُ بَيتِ اللَهِ تَعلَمُ أَنَّها / لَهُ وَكَذا البَيتُ المُقَدَّسُ يَعلَمُ
وَكُلُّ بِقاعِ الأَرضِ قَد جُعِلَت لَهُ / حَلالاً فَيُعطي مَن يَشاءُ وَيَحرِمُ
وَلا دينَ إِلّا ما اِرتَضاهُ وَقالَهُ / وَحَسبُ اِمرِئٍ يَأباهُ دِيناً جَهَنَّمُ
أَضاءَت بِهِ الدُنيا سُروراً وَبَهجَةً / فَأَيّامُها تِيهاً بِهِ تَتَبَسَّمُ
وَأَلقَت إِلَيهِ بِالمَقاليدِ بُلغَرٌ / وَعُربٌ وَأَكرادٌ وَتُركٌ وَدَيلَمُ
وَما الناسُ وَالأَملاكُ إِلّا عَبيدُهُ / صَريحُهُمُ إِن يُنسَبُوا وَالمُخَضرَمُ
وَأَضحى بِهِ الإِسلامُ غَضّاً وَأَصبَحَت / عُيونُ الأَذى عَن سِربِهِ وَهيَ نُوَّمُ
وَمُذ خَفِقَت راياتُهُ وَبُنُودُهُ / فَوَجهُ بِلادِ الشِّركِ بِالضَيمِ يُلطَمُ
لَها كُلَّ يَومٍ مِنهُ شَعواءُ لا تَني / تَؤُزُّ نَواحيها وَجَيشٌ عَرَمرَمُ
وَمُذ سَلَكَت فرسانُهُ مِن دِيارِها / مَحارِمَها لَم يَبقَ لِلشِركِ مَحرَمُ
أَعَزَّ بِهِ اللَهُ الرَعِيَّةَ فَاِغتَدَت / وَلا ظالِمٌ فيها وَلا مُتَظَلِّمُ
وَخَلّي الأَذى مَن كانَ لَولا اِنتِقامُهُ / يُشَمِّرُ عَن ساقٍ لَهُ وَيُصَمِّمُ
وَمَن أَلزَمَ الأُسدَ القِصاصَ فَهَل تَرى / أُوَيساً عَلى شاءٍ بِوادِيهِ يُقدِمُ
جَنَت ما جَنَتهُ وَهي تَحسِبُ أَنَّها / مِنَ العُجبِ إِذ كانَت سِماكٌ وَمِرزَمُ
فَلَمّا رَماها بِالعُقوبَةِ لَم تَرُح / مِنَ الغابِ إِلّا وَهيَ لَحمٌ مُوَضَّمُ
فَأَصبَحَ يَرعى آمِناً في جَنابِهِ / عَتُودٌ وَسِرحانٌ وَعِيرٌ وَضَيغَمُ
إِلَيكَ سَمِيَّ المُصطَفى وَاِبنَ عَمِّهِ / تَخَطَّت بِيَ البَيداءَ وَجناءَ عَيهمُ
وَخاضَ بِيَ الرَجّافَ عارٍ عِنانُهُ / يَبيتُ بِيُمنى فارِسٍ لا يُوَهّمُ
وَحُسنُ اِعتِقادي وَالوَلاءُ أَجاءَني / إِلَيكَ وَوُدٌّ خالِصٌ لا يُجَمجَمُ
وَأَفضَلُ ما يُرجى ثَوابُ زِيارَةٍ / يَؤُمُّ بِها أَكنافَ دارِكَ مُسلمُ
إِلى كَم مُدارَاةُ العِدى وَاِحتِرامُها
إِلى كَم مُدارَاةُ العِدى وَاِحتِرامُها / وَكَم يَعتَرينا ضَيمُها وَاِهتِضامُها
أَما حانَ يا فَرعَي رَبيعَةَ أَن أَرى / بَناتِ الوَغى يَعلُو الرَوابي قَتامُها
رِدوا الحَربَ وِردَ الظامِئاتِ حِياضَها / خَوامِسَ يَغتالُ الفِصالَ اِزدِحامُها
وَخُوضُوا لَظاها بِاِقتِحامٍ فَإِنَّما / يُكَشِّفُ غَمّاءَ الحُروبِ اِقتِحامُها
ولَوذوا بِبيضِ المَشرَفِيَّةِ إِنَّها / لَها عِزَّةٌ قَعساءُ وافٍ ذِمامُها
وَلا تَركَنُوا يَوماً إِلى ذِي عَداوَةٍ / وَإِن قِيلَ هَذا عِقدُها وَنِظامُها
فَإِنَّ عُرى الأَعداءِ قَد تَعلَمونَها / سَريعٌ بِأَيدي الماسِكينَ اِنفِصامُها
وَأُقسِمُ ما عَزَّت مُلوكُ قَبيلَةٍ / غَدَت وَبِأَسبابِ العَدُوِّ اِعتِصامُها
وَلا ظَفِرَت بِالنُجحِ طُلّابُ غايَةٍ / تَروحُ وَفي كَفِّ المُعادي زِمامُها
سَلُوا عَن مُلوكٍ مِنكُمُ هَل أَفادَها / قُعُودُ عُقَيلٍ بَعدَها أَو قِيامُها
وَهَل دَفَعَت عَن ماجِدِ بنِ مُحَمَّدٍ / وَقَد كانَ مِنهُ حِلُّها وَحَرامُها
وَهَل طَلَبَت ثارَ اِبنِ شُكرٍ وَهَل حَمى / أَبا ماجِدٍ خَطِّيُها وَحُسامُها
وَهَل عَن غُرَيرٍ طاعَنَت وَبِهِ اِحتَوَت / مُناها وَبِالبَحرَينِ جارَ اِحتِكامُها
وَهَل سالَمَت مَن كانَ يَحمي جَنابَها / وَتَرعى بِهِ في كُلِّ أَرضٍ سَوامُها
جَزاءُ سِنِمّارٍ جَزاءٌ بِهِ اِقتَدَت / وَمالَ إِلَيها كَهلُها وَغُلامُها
بَنى القَصرَ حَتّى اِستَحكَمَت شُرُفاتُهُ / وَأَيَّدها آجُرُّها وَرُخامُها
وَغُودِرَ مِن أَعلى ذُراها مُنَكَّساً / وَلا ذَنبَ إِلّا حُسنُها وَاِنتِظامُها
بَذَلنا لَها مِن مالِها كُلَّ صَهوَةٍ / يُشَدَّ عَلى مِثلِ القَناةِ حِزامُها
وَصُنّا بِأَنواعِ الحَريرِ جُسُومَها / وَمَلبَسُنا صُوفُ الرُعَينا وَخامُها
وَرُحنا وَدُخنُ القَريَتَينِ طَعامُنا / وَبُرُّهُما المَحضُ المُصَفّى طَعامُها
وَمَن يَعضِ ما يُهدى لَها مِن عَطائِنا / بَساتِينُ يَشدُو بِالأَغاني حَمامُها
وَكُلُّ نَفيسٍ كانَ حَشوَ قُصُورِنا / عَدَلناهُ عَنّا فَاِحتَوَتهُ خِيامُها
وَمِنّا عَوالِيها وَمِنّا دُرُوعُها / وَمِنّا مَواضيها وَفينا كِلامُها
ذَلَلنا وَقُلنا عَلَّ في الذُلِّ راحَةً / وَعَلَّ فُحُولَ الشَولِ تُروى حِيامُها
فَلَم يُغنِ عَنا ذُلُّنا وَخُضُوعُنا / غَناءً وَلا أَموالُنا وَاِقتِسامُها
أَفي كُلِّ يَومٍ يا لَقَومي بَلِيَّةٌ / وَخُطَّةُ خَسفٍ مِن عَدُوٍّ تُسامُها
أَما وَأَبيكُم إِنَّ قَلبي لَمُوجَعٌ / لِذاكَ وَعَيني لا يَجِفُّ اِنسِجامُها
وَما عَبَرَت بِي لَيلَةٌ مُنذُ مُدَّةٍ / كَما قالَ إِلّا لَيلَةٌ لا أَنامُها
وَما ذاكَ ذُلّاً بَل بَقايا حَمِيَّةٍ / عَلى حَدَثانِ الدَهرِ باقٍ عُرامُها
وَإِنّي مِنَ القَومِ الَّذينَ إِذا اِنتَدَت / رَبيعَةُ يَوماً كانَ مِنهُم هُمامُها
أَلا يا لَقَومي مِن عَلِيِّ بنِ عَبدَلٍ / وَلِلخَطبِ يُدعى أُسدُها لا نعامُها
أَلَستُم بَني الغُرِّ الأُلى عُرِفَت لَهُم / نُفوسٌ نَفيساتُ المَعالي مَرامُها
فَإِن نَزَلُوا أَرضاً فَمِنهُم مَلِيكها / وَإِن جَمَحَت قَومٌ فَمِنهُم شَكامُها
أَتَرضونَ ذا النَقصَ الَّذي ما وَراءَهُ / وَأَنتُم إِذا صالَت مَعَدٌّ سِطامُها
وَيُودى قَتيلٌ كانَ في كُلِّ ساعَةٍ / يُجَمِّعُ أَوباشاً كَثيرٌ طَغامُها
وَيَقطَعُ طُرقَ المُسلِمينَ نَهارَهُ / عِلاناً وَلا يَثنِيهِ عَنها ظَلامُها
فَكَم مِن حِمارٍ خَرَّ عَقراً بِسَيفِهِ / وَدَوخَلَّةٍ قَد فُضَّ عَنها خِتامُها
فَإِن غَضِبَت فيها عُقَيلٌ فَأَنتُمُ / بَنو الحَربِ إِذ يُذكي لَظاها ضِرامُها
وَما نِيلَ غَدراً بَل أَتى في عِصابَةٍ / قَليلٌ مِنَ الغَدرِ الشَنيعِ اِحتِشامُها
فَأُوجِرَها نَجلاءَ طَعنَةَ ثائِرٍ / كَجَيبِ قَميصٍ لا يُرَجّى اِلتِئامُها
أَراحَ بِها مِنهُ الحَميرَ فَأَصبَحَت / تَناهَقُ في المَرعى وَيَعلُو رُدامُها
فَواسوأَتا إِن كانَ يُودى قَتيلُها / عَلى ذا وَيُدنى في حِمانا مَقامُها
وَيُقتَلُ بِالغَدرِ الصَريحِ كِرامُنا / فَتُلغى لَقَد خِبنا وَفازَت سِهامُها
أُعِيذُكُمُ أَن تَقبَلُوا ذا وَأَنتُمُ / ذُؤابَةُ أَفصى كُلِّها وَسِنامُها
فَيابا سِنانٍ قُم فَأَنتَ زَعيمُها / وَأَنتَ مُرَجّاها وَأَنتَ هُمامُها
وَفي كَفِّكَ السَيفُ الَّذي لَو سَلَلتُهُ / لقِيلَ أَرى الأَعرابَ خَصَّبَ عامُها
وَخالَ سَناهُ مَن بِنَجدٍ عَقيقَةً / يُشَقَّقُ عَنها يَومَ دَجنٍ غَمامُها
وَحَولَكَ مِن أَبنائِكَ الصِيدِ فِتيَةٌ / كَثيرٌ لِأَرواحِ العَدُوِّ اِختِرامُها
وَمِن نَسلِ جَدَّيكَ العَلِيَّينِ غِلمَةٌ / نَشَت وَبِأَبكارِ المَعالي غَرامُها
وَمَن صُلبِ إِبراهيمَ جَدِّكَ عُصبَةٌ / يَسُرُّكَ في يَومِ التَلاقي مُقامُها
أَنا الضامِنُ الراعي عَلَيها وَإِن شَكَت / مِن الغَبنِ فَهيَ الأُسدُ يُخشى رِجامُها
وَما زالَ في أَبناءِ مُرَّةَ سَيِّدٌ / بِهِ في جَسيماتِ الأُمورِ اِئتِمامُها
وَمن ذا يُسامي مُرَّةً وَبِهِ سَمَت / بَنُو عامِرٍ عِزّاً وَجازَ اِغِتشامُها
وَكَم سَيِّدٍ في مالِكٍ ذِي نَباهَةٍ / إِذا فَقَدَتهُ الحَربُ طالَ أَيامُها
وَما مالِكٌ إِلّا الحُماةُ وَإِن أَبَت / رِجالٌ فَبالآنافِ مِنها رَغامُها
وَفي حارِثٍ وَاللَيثِ غُرٌّ غَطارِفٌ / يُبِرُّ عَلى الخَصمِ الأَلَدِّ خِصامُها
وَإِنَّ لَعَمري في بَقايا مُحارِبٍ / سُيُوفُ ضِرابٍ لا يُخافُ اِنثِلامُها
وَشَيبانُ شَيبانُ الفَخارِ فَإِنَّها / أُسُودُ شَرىً سُمرُ العَوالي إِجامُها
وَمَن كانَ مِنّا مِن جَماهيرِ خِندِفٍ / وَقَيسٍ فَأَترابُ الوَغى وَنِدامُها
وَما في بَني قَحطانَ إِن شُنَّتِ الوَغى / تَوانٍ وَلا يَنبُو لَدَينا حُسامُها
وَإِنَّ لَها لَلسابِقاتِ وَإِنَّها / ليُطرِبُها طَعنُ العِدى وَاِلتِزامُها
فَيالكِرامٍ مِن نِزارٍ وَيَعرُبٍ / وَلَيسَ يُجيبُ الصَوتَ إِلّا كِرامُها
صِلُوا بِالخُطا قُصرَ السُيوفِ فَإِنَّها / تَطُولُ وَلا يُغني غَناءً كَهامُها
فَلَم يَبقَ يُرضي القَومَ إِلّا حُدودُها / وَقد طالَ فَاِسقُوها بِرِيٍّ أُوامُها
فَضَرباً وَطَعناً بِالصَوارِمِ وَالقَنا / فَلا عُذرَ حَتّى يَخضِبَ السَيفَ هامُها
وَلا تَهِنُوا وَاِستَشعِرُوا الصَبرَ جُنَّةً / وَعَزماً فَما لِلحَربِ إِلّا اِعتِرامُها
فَإِنَّكُمُ إِن تَألَمُوا فَعَدُوُّكُم / كَذاكَ وَلِلأَمرِ العَظيمِ عِظامُها
وَقد طالَ هَذا الذُلُّ وَالمَوتُ رائِحٌ / وَغادٍ وَيَأتي كُلَّ نَفسٍ حِمامُها
وَإِنَّ حَياةً هَكَذا لَذَمِيمَةٌ / يُسِرُّ المُعادي لِلمُعادي دَوامُها
وَمِن أَعجَبِ الأَشياءِ وَالدَهرُ كُلُّهُ / عَجائِب يَأتي فَذُّها وَتَوامُها
إِذا نَحنُ زِدنا في عَطايا قَبيلَةٍ / لِكَفِّ أَذاها زادَ مِنّا اِنتقامُها
هِيَ النارُ إِن شَبَّهتَها وَعَطاؤُنا / لَها حَطَبٌ ما زادَ زادَ اِضطِرامُها
فَيا ضَيعَةَ المَسعى وَكَم مِن صَنيعَةٍ / غَدَت ضَلَّةً لَم يَبقَ إِلّا مَلامُها
فَحامُوا عَنِ البِيضِ الحِسانِ فَأَنتُمُ / كَتائِبُ يَغشى ناظِرَ الطَرفِ لامُها
فَكَم قَد رَأيتُم مِن عَقيلَةِ مَعشَرٍ / يَرُوقُ عُيُوناً فَرعُها وَقَوامُها
تُباعُ وَتُشرى بِالكَسادِ ذَليلَةً / وَقَد كانَ لا يَبدُو لِخَلقٍ كَلامُها
فَإِن أَنتُمُ لَم تَمنَعُوهُنَّ فَاِصبِرُوا / لِآبِدَةٍ يَبقى عَلى الدَهرِ ذامُها
وَمَن ذَلَّ لَم يَعدَم غَشُوماً يَسُومُهُ / أَذىً فَيُرِيهِ النَبعَ خَوفاً ثُمامُها
وَهَل مَنَعت يَوماً فَتاةً كَريمَةً / قلائِدُها أَو وُشحُها أَو خِدامُها
وَهَل هُوَ إِلّا المَوتُ وَالمَوتُ فَاِعلَمُوا / يَهُونُ وَلا تَحكِيمُها وَاِصطِلامُها
وَإِلّا فَشدُّوا لِلجَلاءِ فَلَم يَعُد / سِواهُ فَعِندَ الضَيمِ تُجلى كِرامُها
فَإِن كانَ في البَحرَينِ ضيقٌ فلم تَضِق / مَنازِلُ بَكرٍ عَنكُمُ وَشَآمها
وَلا خَيرَ في دارٍ يَعيشُ بِها الفَتى / مَهيناً وَلَو جادَتهُ دُرّاً غَمامُها
كِتابُ مَشُوقٍ ما تَغَنَّت حَمامَةٌ
كِتابُ مَشُوقٍ ما تَغَنَّت حَمامَةٌ / مِنَ الوُرقِ إِلّا حَنَّ شَوقاً إِلَيكُمُ
مُقيمٍ بِأَرضِ المَجزَرِيِّ وَقَلبُهُ / رَهينٌ بِجَرعاءِ الشَمالِ لَدَيكُمُ
يَحِنُّ إِذا هَبَّت شَمالٌ لِأَنَّها / تُؤَدّي إِلَيكُم أَو تَمُرُّ عَلَيكمُ
أَلَم يَأنِ أَن تَنسى عَسى وَلَعَلَّما
أَلَم يَأنِ أَن تَنسى عَسى وَلَعَلَّما / وَتَترُكَ لَيتاً لِلمُعَنّى وَرُبَّما
أَمَ اِنتَ اِمرُؤٌ كَالضَبِّ قَد عَلِقَت بِهِ / حَبائِلُ عَصٍّ حالَفَ الفَقرَ أَرشَما
يَرى نَفسَهُ في كَفِّهِ وَشِفارُهُ / تُحَدُّ وَجَزلُ النارِ يَعلُو تَضَرُّما
وَيَرجُو اِنتِعاشاً إِذ يَقُولُ لِحِسلِهِ / أَرى أَنَّنا في هَذِهِ الحالِ نُوَّما
وَذا مِن هُرُوجِ اللَيلِ لا دَرَّ دَرُّها / فَكَم قَد أَخافَت آمِناً حينَ هوَّما
فَقُم غَيرَ وانٍ وَاِخلَعِ العَجزَ وَاِدَّرِع / قَميصاً مِنَ الظَلماءِ بِالنَجمِ مُعلَما
وَصاحِب لِأَحداثِ اللَيالي ثَلاثَةً / حُساماً وَنِضواً وَالقَطيعَ المُحَزَّما
وَلا تَتَعَلَّل بِالأَمانيّ ضَلَّةً / فَلَو كانَ حَيّاً صاحِبي لَتَكَلَّما
وَلا تَثنِ عِطفاً لِلدِيارِ وَكُن فَتىً / يَهُمُّ فَيَمضي في المُهِمّاتِ مُقدِما
فَما كُلُّ آفاقِ البِلادِ يَسُوسُها / لِأَربابِها مَن كانَ أَعمى وَأعَدما
فَبِع بِالتَنائِي دارَ قَومٍ تَشَبَّهُوا / بِصَبٍّ فَأَمّوا في النُهى حَيثُ يَمَّما
فَلَو لَم يَكُونوا شِبهَهُ ما تَوَهَّمَت / عُقُولُهُمُ في أَمرِهِم ما تَوَهَّما
فَمَن مُبلِغٍ قَومي عَلى أَنَّ دارَها / قَريبٌ ولَكِن لَم أَجِد مُتَكَلّما
بَنِي عَمِّنا كَم يَضبَعُ الرَحمُ شاكِياً / إِلَيَّ وَكَم يُبدي لَدَيَّ التَظَلُّما
بَني عَمِّنا مَن ذا يَسُدُّ مَكانَنا / إِذا يَومُ نَحسٍ بِالعَوالي تَأَجَّما
تَبَدَّلتُمُ الأَعداءَ مِنّا سَفاهَةً / فَيا لَأَبيكُم ما أَعَقَّ وَأَظلَما
وَأَلغَيتُمُ أَيّامنا وَاِستَمَعتُمُ / غُرورَ الأَماني وَالحَديثَ المُرَجَّما
وَكُلَّ بَني عَمٍّ سِوانا وَضِيمَةً / يُعَدُّ لَدى النُسّابِ أَصلاً مُخَضرَما
فَيا لَيتَ شِعري لَو عَرَت مُصمَئِلَّةٌ / وَفَرَّ البَلا عَن نابِهِ فَتَجَهَّما
وَآضَ التَشاكي في نِزارٍ وَأَعلَنَت / ذَوُو يَمَنٍ ما كانَ سِرّاً مُكَتَّما
أَتُغني غِنانا عَنكُمُ خُرَّمِيَّةٌ / سَواسِيَةٌ تَدعُو عَتُوداً مُزَنَّما
فَهَلّا تَرَكتُم ما اِرتَكَبتُم وَزُعتُمُ / إِلى الرُشدِ فَاِستَصلَحتُمُ ما تَرَدَّما
بَني عَمِّنا لا تَظلِمُوا الحَقَّ أَهلَهُ / وَلا تَفتَحُوا باباً إِلى الشَرِّ لَهجَما
فَأَيُّ يِدٍ لَو تَعلَمُونَ قَطَعتُمُ / فَبُدِّلتُمُ باعاً عَنِ المَجدِ أَجذَما
ضَرَبتُم بِها قِدماً عِداكُم وَصُنتُمُ / بِها المُلكَ وَاِقتَدتُم بِها مَن تَجَهضَما
بِذا يَشهَدُ القَصرُ المُشيدُ الَّذي غَدا / بِنا حَرَماً عَمَّن سِواكُم مُحَرَّما
ضَرَبنا بَني بَهرامَ عَنهُ فَأَذعَنُوا / وَكانُوا لِباعِ العِزِّ كَفّاً وَمِعصَما
وَمِلنا عَلى الأَزدِ بنِ غَوثٍ فَأصبَحَت / تُصارِعُ مَوجاً يَرجُفُ اليَمَّ أَعجَما
فَخَلّوا لَنا عَنهُ جَميعاً وَسَلَّمَت / مُلُوكُهُمُ الآرا إلَينا لِتَسلَما
وَنَحنُ حَمَيناهُ الأَعاجِمَ بَعدَما / أَقامَت تَرُومُ المُلكَ حَولاً مُحَرَّما
ضَرَبنا وُجُوهَ الشَرسَكيَّةُ دُونَهُ / وَأَقفاءَها بِالسَيفِ حَتّى تَثَلَّما
وَقَد غَرَّرتهُم مِن نِزارٍ وَيَعرُبٍ / لِشَنآنِكُم قَومٌ وَقَومٌ تَبَرُّما
فَعدنا بِبيضٍ ذَكَّرَتهُم حُدُودُها / بِما كانَ مِن أَخبارِ كِسرى وَرُستُما
فَوَلّوا وَراحَ الرُكنُ مِنهُم كَأَنَّهُ / صَريعُ عُقارٍ باتَ مِنها مُجَشَّما
وَحَولَ اِبنِ يَحيى لَم تَصاهَل جيادُنا / وَقَد كانَ بَحراً ذا عُبابٍ قَلَهذَما
أَذَالَ لَنا الأَموالَ دُرّاً وَعَسجَدا / وَتِبراً وَنَخلاً يانِعاً وَمُكَمَّما
فَعِفنا سَنِيّاتِ العَطايا حَمِيَّةً / عَلَيكُم وَدُسنا الشَرَّ حَتّى تَشَرَّما
وَحَتّى مَلَكتُم مُلكَهُ وَاِقتَصَرتُمُ / مَقاصِيرَهُ اللّاتي بَناها فَأَحكَما
وَقَد كانَ يُزجي كُلَّ يَومٍ كَتيبَةً / إِلَيكُم وَجَيشاً ذا زهاءٍ عَرَمرَما
وَقادَ إِلَيهِ الناسَ بَأسٌ وَرَغبَةٌ / وَعِزٌّ يُناصي يَذبُلاً وَيَلملَما
وَسارَ إِلَيهِ مِنكُمُ مَن عَلِمتُمُ / فَكانَ لَنا لَو نَبتَغي ذاكَ سُلَّما
وَلَكِنَّنا كُنّا لَكُم خَيرَ إِخوَةٍ / يَلُوذُ بِها الجاني وَيَرمي إِذا رَمى
فَكَم تَمضُغُ الأَيّامُ لَحمي وَأَنتُمُ / نُيوبٌ لَها تَستَهلِكُ اللَحمَ وَالدَما
بِكُم بَلَغَت مِنّي الأَعادي وَمِنكُمُ / لَقِيتُ البَلايا السُودَ فَذّاً وَتَوأَما
وَجُرِّعتُ في أَيّامِكُم بِأَكُفِّكُم / كُؤُوساً أَرَتني العَيشَ صاباً وَعَلقَما
وَمِلتُم مَعَ الدَهرِ الخَؤونِ فَكادَني / وَحَلَّلَ في نَفسي وَمالي وَحَرَّما
وَلَو لَم تَكُونُوا جُندَهُ لَتَقَطَّعَت / مَعاقِمُهُ دُوني فَأَخذى وَأَجحَما
وَرَأَّمتُمُوني كُلَّ ذِي عَيدَهِيَّةٍ / بَعِيدَ الرِضا إِن أُعطِهِ الحَقَّ بَرشَما
يَرى نَفسَهُ عُوجاً وَلَولا اِستِماعُكُم / أَباطِيلَهُ كانَ المَهينَ المُقَرقَما
أَقولُ لَهُ أَنتَ الرَشيدُ وَقَد أَرى / قُداراً بِعَيني في قباهُ وَمَنشَما
هَدَمتُم صَياصي قومِكُم وَبَنيتُمُ / صَياصِيَ قَومٍ حَقُّها أَن تُهَدَّما
سَأَرحَلُ لا مُستَوحِشاً لِفِراقِكُم / وَلا أَسَفاً يَوماً وَلا مُتَنَدِّما
فَإِن حَنَّ قَلبي نَحوَكُم أَو شَكا جَوىً / فَصادَفَ مِن زُرقِ الأَسِنَّةِ لَهذَما
وَإِن دَمَعَت عَينايَ سَوقاً إِلَيكُمُ / فَعَوَّضتُها مِن ذَلِكَ الدَمعُ بِالعَمى
وَإِن عارِض الرُكبانِ يَسأَلُ عَنكُمُ / لِساني فَوافَيتُ القِيامَةَ أَبكَما
وَلا جَمَعَتنا آخِرَ الدَهرِ نِيَّةٌ / إِلى أَن يَضُمَّ البَعثُ عاداً وَجُرهُما
فَما فُرقَةُ القالِينَ عِندي رَزِيَّةٌ / أُقيمُ لَها في نَدوَةِ الحَيِّ مَأتَما
وَإِنَّ الكَريمَ الحرَّ يَشنَى مُقامَهُ / بِأَرضٍ يَرى فيها السَلامَةَ مَغنَما
وَما خَيرُ أَرضٍ لا يَزالُ كَريمُها / مُهاناً وَنَذلُ القَومِ فيها مُكَرَّما
صُعُودُ العُلا إِلّا عَلَيكَ حَرامُ
صُعُودُ العُلا إِلّا عَلَيكَ حَرامُ / وَعَيشٌ سِوى ما أَنتَ فيهِ حِمامُ
وَكُلُّ غَمامٍ لَم تُثِر غادِياتِهِ / رِياحُ نَدى كَفَّيكَ فَهوَ جَهامُ
وَما المَجدُ إِلّا ما بَنَيتَ وَشادَهُ / بِعَزمِكَ بَأسٌ صادِقٌ وَحُسامُ
وَلا سَعيَ إِلّا دُونَ سَعيِكَ فَليَنَم / وَيَدري اِمرُؤٌ ناواكَ كَيفَ يَنامُ
وَأُقسِمُ لَولا صِدقُ بَأسِكَ لَاِغتَدَت / قوى مُررِ العَلياءِ وَهيَ رِمامُ
وَلَو لَم تُلافِ المُلكَ مِن صَرعَةِ الرَدى / لَكُشِّمَ عِرنِينٌ وَجُبَّ سَنامُ
لِيَرقَ غَبيٌّ رامَ شَأوَكَ في العُلا / عَلى ظلعِهِ فَالنَجمُ لَيسَ يُرامُ
وَكَيفَ تُغاليكَ السِيادَةَ مَعشَرٌ / سَهِرتَ لَها اللَيلَ الطَويلَ وَنامُوا
بِكَ العِزُّ أَضحَت شَمسُهُ مُستَنيرَةً / وَكانَ عَلَيها لِلخُمُولِ قَتامُ
لَعَمري لَنِعمَ المَرءُ أَنتَ إِذا غَدا / فِئامٌ تُساقيهِ الحُتُوفَ فِئامُ
وَرِثتَ العُلى عَن أَحمَدٍ وَمُحَمَّدٍ / وَفَضلٍ وَكُلٌّ في العَلاءِ إِمامُ
وَإِنَّ لِمَسعُودٍ إِذا اِشتَجَرَ القَنا / لَطَعنٌ يَردُّ الجَيشَ وَهوَ لُهامُ
وَما الناسُ إِلّا آلُ فَضلِ بنِ عَبدَلٍ / إِذا جَلَّ خَطبٌ أَو تَنَكَّرَ عامُ
مَقالهُمُ فَذٌّ إِذا وَعَدُوا الغِنى / وَضَربُهُمُ تَحتَ العَجاجِ تَوامُ
مَساميحُ طَعّانُونَ وَالخَيلُ تَدَّعي / وَطَيرُ المَنايا وُقَّعٌ وَحُيامُ
وَما مِنهُمُ إِلّا هُمامٌ أَتى بِهِ / أَعَزُّ مِنَ اِولادِ المُلوكِ هُمامُ
يَرُوحُ الفَتى لِلكَدِّ مِنهُم وَما لَهُ / سِوى البَدرِ خِدنٌ وَالنُجُومِ نُدامُ
وَلا مالَ إِلّا ذابِلٌ وَمُهَنَّدٌ / وَسَرجٌ عَلى ذي أَولَقٍ وَلِجامُ
وَدِرعٌ كَأنَّ البيضَ وَالقُضبَ وَالقَنا / إِذا صافَحتَها بُورَقٌ وَثُمامُ
نَكالٌ لِجانٍ غَيرِهِم فَإِذا جَنَوا / فَبَردٌ عَلَيهِم ما جَنوا وَسلامُ
هُمُ القَومُ إِن حامَ المُحامُونَ أَقدَمُوا / وَإِن حَبَسَ القَومُ السَوامَ أَسامُوا
وَإِن رَحَلَ الأَحياءُ عَن قُربِ مَنزِلٍ / لِخَوفٍ بَنوا في جَوِّهِ وَأَقامُوا
وَإِنَّ لَهُم بِالأَريحِيِّ مُحَمَّدٍ / لَفَخراً لَهُ فَوقَ الأَنامِ مصامُ
فَتى الحَربِ يَومَ البيضُ في الهامِ تَنحَني / وَيَومَ العَوالي في الصُدورِ تُقامُ
وَلِلطَيرِ مِن نَقعِ المَذاكي مَواكِنٌ / وَلِلأرضِ مِن قاني الدِماءِ ذِمامُ
هَديرُ فُحُولِ الشَولِ حينَ تُحِسُّهُ / كَشِيشٌ وَزَأرُ المُخدراتِ بُغامُ
إِذا هَمَّ أَمضى هَمَّهُ لَو تَساقَطَت / أَكُفٌّ وَأَقدامٌ لِذاكَ وَهامُ
أَخُو الطَعنَةِ النَجلاءِ تَحسبُها فَماً / تَثَأَّبَ في حَيثُ الكَلامِ كَلامُ
لِصَمصامِهِ هامُ العِدى وَلِرُمحِهِ / كُلاها وَلِلبَوغا دَمٌ وَعِظامُ
ذُراهُ حَياةٌ لِلصَديقِ شَهِيَّةٌ / وَلُقياهُ مَوتٌ لِلعَدُوِّ زُؤامُ
تَفِرُّ كُماةُ الحَربِ مِنهُ كَأَنَّها / وَإِيّاهُ بازي مَرقَبٍ وَحَمامُ
حِذارَ فَتىً لَو صَكَّ بِالسَيفِ ضارِباً / شَماماً لَقال الناسُ أَينَ شَمامُ
صَوارِمُهُ مُذ لَم تَزَل وَرِماحُهُ / بِهِنَّ إِلى ماءِ النُحورِ أُوامُ
أَبَت عِزَّةً أَن تَقبَلَ الضَيمَ نَفسُهُ / وَذُو العِزَّةِ القَعساءِ كَيفَ يُضامُ
وَآلى وَلَم يَستَثنِ أَن ضاعَ نَبلُهُ / وَلَو حالَ عامٌ دُونَ ذاكَ وَعامُ
سَما لِلعلا رَتاً سُمُوَّ اِبنِ حُرَّةٍ / نَجيبٍ نَمتهُ مُنجِبُونَ كِرامُ
وَسامَ حِمى الأَعداءِ خَسفاً وَسَوَّمَت / بِهِ المالَ سامٌ في البِلادِ وَحامُ
وَساسَ رَعاياهُ بِرَأفَةِ وَالِدٍ / وَسَطوَةِ لَيثٍ هَيَّجَتهُ سَوامُ
حَليمٌ إِذا ما الحِلمُ كانَ نَباهَةً / وَفيهِ غَرامٌ إِن يُهَج وَعُرامُ
إِذا فَحلُ قَومٍ هاجَ وَاِنحَلَّ قَيدُهُ / فَفي سَيفِهِ قَيدٌ لَهُ وَخِزامُ
وَإِن نَبَّ في حَيٍّ عَتُودٌ فَعِندَهُ / حَصاةٌ بِها تُوجا الخُصى وَفِطامُ
فَيا مُفرِغاً في كَيدِهِ جُهدَ نَفسِهِ / لخَيرٌ مِنَ السَعيِ الغَوِيِّ نُوامُ
وَيا طامِعاً في نَيلِ ما نالَ مِن عُلاً / مَتى صَدَقَ الظَنَّ الكَذوبَ مَنامُ
وَيا باسِطاً كَفّاً لِإِدراكِ شَأوِهِ / بِكَفِّكَ فَاِضمُمها إِلَيكَ جُذامُ
وَيا مُضمِراً بَغضاءَهُ جُنَّ أَو فَمُت / فَداؤُكَ لا عُوفيتَ مِنهُ عُقامُ
لَهُ هَيبَةٌ مِلءُ الصُدُورِ وَعَزمَةٌ / تُريهِ الجِبالَ الشُمَّ وَهيَ إِكامُ
وَما زالَ يُغضي وَالمُلوكُ تَهابُهُ / وَيَقعُدُ وَالأَعداءُ مِنهُ قِيامُ
فَيا لائِماً في بَسطِ كَفِّ مُحمَّدٍ / مَتى لِيمَ في أَن يَستَهِلَّ غَمامُ
عَدا الذَمَّ عَنهُ وَالمَلامَ مُحمَّدٌ / وَمُنتَجَبُ الآباءِ كَيفَ يُلامُ
أَلا أَيُّها الملَكُ الَّذي لا جَنابُهُ / بِوَعرٍ وَلا مَن في خِباهُ يُضامُ
إِلَيكَ خَدَت بِي عَوهَجٌ شَدقَمِيَّةٌ / لَها السَوطُ عَن رَعيِ الخَميمِ كِعامُ
تَضِلُّ فَيَهدِيها سَناكَ كَأَنَّما / سَناكَ لَها دُونَ الزِمامِ زِمامُ
وقَد أَصبَحَت في خَيرِ دارٍ مُناخَةً / لَدى خَيرِ مَلكٍ في الأَنامِ يُشامُ
فَأَنتَ الَّذي لَولاهُ ما عُرِفَ النَدى / وَلا فُضَّ لِلفِعلِ الجَميلِ خِتامُ
وَلا كانَ لِلعَلياءِ أُمٌّ وَلا أَبٌ / نِصابٌ وَلا لِلمَكرُماتِ نِظامُ
أَيَجمُلُ أَن أُجفى وَأُنفى وَعِندَكُم / لِمَن لَيسَ مِثلي عِيشَةٌ وَمُقامُ
وَيُقبَلُ قَولُ الخَصمِ فِيَّ تَحامُلاً / وَأَسهَرُ خَوفاً مِنكُمُ وَيَنامُ
وَتُقطَعُ أَرحامي وَتُلغى مَوَدَّتي / وَيُقعَدُ بِي ما بَينَكُم وَيُقامُ
وَتُذنِبُ أَقوامٌ فَتُعزى ذُنوبُها / إِلَيَّ وَأُلحى عِندَكُم وَأُلامُ
هَبُونِيَ جاراً لِاِبنِ عَمٍّ مُصافِياً / فَلِلجارِ مِنكُم حُرمَةٌ وَذِمامُ
فَكَم مِن هُمامٍ قَد عَفا وَهوَ مُحرَجٌ / وَجادَ بِصَفحٍ وَالذُنوبُ عِظامُ
وَذُو المَجدِ لا يَستَغرِقُ الجَهلُ حِلمَهُ / وَلَو قَعَدَ الواشُونَ فيهِ وَقامُوا
لَقَد كُنتُ أَرجُو أَن أُرى في جَنابِكُم / وَلِي مِن نَداكُم سابِقٌ وَحُسامُ
إِذا كُنتُ أَخشاكُم وَأَخشى عَدُوَّكُم / فَإِنَّ حَياتي شِقوَةٌ وَغَرامُ
فَإِن كانَ ذَنبٌ فَاِترُكُوهُ لِما مَضى / وَهَل هُوَ إِلّا إِذ يُعَدُّ كَلامُ
وَوَاللَهِ ما أَوضَعتُ فيما يُريبُكُم / وَلا شُدَّ لِي يا قَومِ فيهِ حِزامُ
وَإِنّي لمنكُم سُؤتُمُ أَو سُرِرتُمُ / إِلى أَن يُوارِيني ثَرىً وَرِجامُ
أَلَستُ الَّذي سَيَّرتُ فيكُم غَرائِباً / لِكُلٍّ إِلَيها إذ تَمُرُّ هُيامُ
أَلَيسَ أَبي في الإِنتِسابِ أَباكُمُ / عَلى أَنَّني عَبدٌ لَكم وَغُلامُ
أَما اِجتيحَ مالي في هَواكُم وَأُسهِرَت / بِذا السِجنِ عَيني وَالعُيونُ نِيامُ
فَراعُوا ذِمامي قدرَ ظَنِّي فَكُلُّنا / صَدىً عَن قَريبٍ في التُرابِ وَهامُ
فَلَم يَبقَ إِلّا أَن تُزَمَّ رَكائِبي / وَيُصبِحَ كَيدٌ بَينَنا وَسَنامُ
فَخَيرٌ مِنَ الأَحساءِ إِن دامَ عُتبُكُم / أُشَيٌّ وَوادِى مَنهَمٍ وَنَعامُ
وَما ذاكَ مِنّي بِاِختيارٍ وَلا رِضاً / وَلَكِن يَحِلُّ الشَيءُ وَهوَ حَرامُ
وَلَم أَرَ أَشقى مِن كَريمٍ بِبَلدَةٍ / يَجُرُّ وَيَجني غَيرُهُ وَيُلامُ
وَإِنَّكُمُ دِرعي وَسَيفي وَساعِدي / وَتُرسي إِذا ضَمَّ الكُماةَ زِحامُ
وَما لي لِسانٌ غَيركُم إِن تَطاوَلَت / عَلَيَّ رِجالٌ وَاِستَمَرَّ خِصامُ
فَلا تَسمَعُوا فِيَّ الوُشاةَ فَإِنَّهُم / لَأَكذبُ مِن آلٍ رَأتهُ حِيامُ
فَإِنّيَ سَيفٌ قاطِعٌ مِن سُيُوفِكم / وَبَعضُ السُيوفِ المُنتَقاةِ كَهامُ
وَمِن أَجلِ قُرباكُم حُسِدتُ وَسُدِّدَت / إِلَيَّ نِصالٌ لِلعِدى وَسِهامُ
فَبُورِكتُمُ يا آلَ فَضلٍ فَإِنَّكُم / ضِياءٌ وَبَعضُ المالِكينَ ظَلامُ
وَلا زالَ يُهدى كُلَّ يَومٍ إِلَيكُمُ / عَلى القُربِ مِنّي وَالبعادِ سَلامُ
إِلامَ أُناجي قَلبَ حَيرانَ واجِمِ
إِلامَ أُناجي قَلبَ حَيرانَ واجِمِ / وَأَنظُرُ عُودي بَينَ لاحٍ وَعاجِمِ
أُقَضِّي نَهارِي بِالزَفيرِ وَأَنَّةٍ / وَأَقطَعُ لَيلي بِالدُموعِ السَواجِمِ
كَأَنّي لِأَحداثِ اللَيالي رَذِيَّةٌ / أُقيمَت سَبيلاً لِلخُطوبِ الهَواجِمِ
وَفي الأَرضِ لِي مَندُوحَةٌ وَمُراغَمٌ / تقرُّ بِهِ عَيني وَتَحلُو مَطاعِمي
بِحَيثُ يَراني الدَهرُ سَعداً وَأَغتَدي / وَقَد حُذِيَت رِجلايَ مِنهُ بِسالِمِ
وَأَسطُو عَلى أَحداثِهِ مِثلَ ما سَطا / عَلَيَّ فَتَبقى وَاهِياتِ الدَعائِمِ
وَأَجتابُ مِن ظِلِّ الخِلافَةِ وارِفاً / يَقي الضُرَّ فَيناناً وَحَرَّ السَمائِمِ
بِمَغنى أَميرِ المُؤمِنينَ الَّذي غَدا / لَهُ مَنسِمٌ يَعلُو جَميعَ المَخاطِمِ
سَمِيُّ النَبيِّ المُصطَفى وَاِبنُ عَمِّهِ / وَمالِكُ أَعناقِ المُلوكِ الخَضارِمِ
نَماهُ أَبُو الفَضلِ الَّذي لَم تَزَل بِهِ / بَنُو الجَذبِ تُسقى في السِنينِ العَقائِمِ
وَحَلَّ الذُرى مِن شَيبَةِ الحَمدِ وَاِرتَقى / إِلى ضِئضئِ العَلياءِ مِن صُلبِ هاشِمِ
وَأَحيا خِلالاً سَنَّها في زَمانِهِ / قُصَيٌّ أَبو ساداتِها وَالبَراجِمِ
لَيالِيَ يُدعى في قُرَيشٍ مُجَمِّعاً / بِجَمعِ ذَويها في فنونِ المَحارِمِ
إِمامُ هُدىً يَدعُو إِلى اللَهِ مُرشِداً / لِكُلِّ البَرايا عُربِها وَالأَعاجِمِ
بِعَدلٍ وَإِحسانٍ وَنُصحٍ وَرَأفَةٍ / وَزُهدٍ وَبُرهانٍ وَكَفٍّ وَصارِمِ
تَناحَلَهُ آباءُ صِدقٍ تَوارَثُوا / كِرامَ المَساعي عَن جُدُودٍ أَكارِمِ
فَما اِحتَلَّ إِلّا صُلبَ كُلِّ خَلِيفَةٍ / مُحِيطٍ بِأَحكامِ الشَريعَةِ عالِمِ
إِذا العَرَبُ العَرباءُ يَوماً تَفاخَرَت / بِذي العِزِّ مِن ساداتِها وَالقُماقِمِ
وَجاؤُوا بِقَيسٍ وَاِبنِهِ وَبِمَعبَدٍ / وَكَعبٍ وَأَوسٍ وَاِبنِ سَلمى وَحاتِمِ
سَماهُم جَميعاً ثُم لمت بِفَترَةٍ / إِلى جُودِ بَحرٍ مِنكُمُ مُتلاطِمِ
إِذا جُدتُم أَفضَلتُمُ فَبِفَضلِكُم / نَجُودُ فَمِنكُم فَضلُ تِلكَ المَكارِمِ
فَلولاكُمُ لَم يُدعَ فَضلٌ وَجَعفَرٌ / بِجُودٍ وَلا اِنهَلَّت نَدىً كَفُّ قاسِمِ
وَلا عَرَفَ الناسُ اِبنَ سَهلٍ وَلا شَدا / بِمَدحِ اِبنِ وَهبٍ ناظِمٌ بَعدَ ناظِمِ
يَقُولُونَ هُم أَرضٌ وَأَنتُم سَماؤُها / وَأَيمانُكُم فِيها مَكانُ الغَمائِمِ
فَإِن أَنتُمُ أَمطَرتُموها تَحَدَّثَت / وَجادَت وَآتَت أُكلَها كُلَّ طاعِمِ
وَإِن أَنتُمُ أَغفَلتُمُوها تَضاءَلَت / وَلَم يَنتَفِع فيها أُوَامٌ لِحائِمِ
بِكُم يُؤمِنُ اللَهُ البِلادَ وَيُصلِحُ ال / عِبادَ وَيَعفُو عَن ثِقالِ الجَرائِمِ
وَأَنتُم مَصابيحُ الظَلامِ وَقادَةُ ال / أَنامِ وَسَدٌّ لِلبلا المُتفاقِمِ
وَفِيكُم أَقامَ اللَهُ أَعلامَ دِينِهِ / وَلَولاكُمُ كُنّا مَعاً كَالبَهائِمِ
تَخَيَّرَكُم رَبُّ العُلا وَاِصطَفاكُم / وَطَهَّرَكُم مِن كُلِّ ذَمٍّ وَذائِمِ
وَآتاكُمُ فَصلَ الخِطابِ وَمُحكَمَ ال / كِتابِ وَمُلكاً زاهِياً غَيرَ زائِمِ
فَأَوضَحتُمُ سُبلَ الهُدى وَكَشَفتُمُ / عَنِ الحَقِّ أَغشاءَ العَمى المُتراكِمِ
وَقَوَّمتُمُ بِالسَيفِ مَن مالَ خَدُّهُ اِص / عِراراً وَلَم يَشمَخ بِأَنفٍ لِخاصِمِ
فَكَم هامَةٍ لِلكُفرِ راحَت وَهامُها / نِعالاً لِأَيدي خَيلِكُم في المَلاحِمِ
فَقُل لِدُعاةِ الشَرقِ وَالغَربِ أَقصِرُوا / وَكُفّواً وَإِلّا تَقرَعُوا سِنَّ نادِمِ
فَما الحَقُّ إِلّا دَعوَةٌ هاشِميَّةٌ / هِيَ الحَقُّ لا دَعوى غَوِيٍّ وَغاشِمِ
بِها أَصبَحَ الإِسلامُ في كُلِّ مَوطِنٍ / يَنُوءُ بِرُكنٍ مِنهُ عَقد الدَعائِمِ
أَقامَ لَهُ في كُلِّ ثَغرٍ كَتائِباً / تَرى الشِركَ مِن شَدّاتِها في مَآتِمِ
تَبيتُ طَواغِيتُ النِفاقِ لِهَمِّهِ / كَأَنَّ حَشاياها ظُهُورُ الشَياهِمِ
تُقَلِّبُها جَنباً فَجَنباً مَهابَةٌ / ثَوَت وَاِستَقَرَّت بَينَ تِلكَ الحَيازِمِ
فَإِن هَوَّمَت أَهدَت لَها سِنَةُ الكَرى / سَراياهُ تُردي بِالقَنا وَالصَوارِمِ
فَتُزعِجُها حَتّى كَأَن قَد أَصابَها / مِنَ المَسِّ ما لا يُتَّقى بِالتَمائِمِ
فَلَيسَ لَها في نَومِها مِنهُ راحَةٌ / إِذا النَومُ سَلّى الهَمَّ عَن كُلِّ نائِمِ
إِلَيكَ أَميرَ المُؤمِنينَ تَجَشَّمَت / بِيَ البُعدَ هِمّاتُ النُفوسِ الكَرائِمِ
فَكَم مَتنِ ساجٍ تَحتَ ساجٍ قَطَعتُهُ / عَلى ظَهرِ ساجٍ غَيرِ واهِ العَزائِمِ
وَكَم جُبتُ مِن خَرقا تَمُوتُ بِها الظِبا / بِهِمَّةِ مَضّاءٍ عَلى الهَولِ حازِمِ
فَها أَنا قَد أَلقَيتُ رَحليَ عائِذاً / بِنُعماكَ مِن أَيدي الزَمانِ الغَواشِمِ
وَقَد كُنتُ ذا مالٍ حَلالٍ وَثَروَةٍ / يُضاعَفُ إِكرامي وَتُرجى مَكارِمي
فَأَعرانِيَ الوَالي المَشُومُ وَفاتَني / بِما حُزتُهُ مِن ضَيعَةٍ وَدَراهِمِ
فَمالَ عَلى حالي وَمالي وَثَروَتي / مَآلي وَأَصغى لِاِختِلاقِ النَمائِمِ
وَبِتُّ عَزائي السِجنُ في مُدلَهِمَّةٍ / يُجاوِبُني فِيها ثِقالُ الأداهِمِ
وَأَخرَجَني مِن بَعدِ يَأسٍ وَقَد أَتى / عَلى نَشبي أَشكُو إِلى غَيرِ راحِمِ
وَخَلَّفتُ بِالبَحرَينِ أَهلي وَمَنزِلي / رَجاءَ الغِنى مِن سَيبِكَ المُتَراكِمِ
وَطُولُ مُقامي مُتعِبٌ لِي وَجالِبٌ / عَلَيَّ مِنَ الأَدنى أَحَرَّ المَلاوِمِ
فَبورِكتَ مِن مَلكٍ أَقَلُّ هِباتِهِ / تَزيدُ عَلى فَيضِ البُحُورِ الخَضارِمِ
وَعِشتَ عَلى مَرِّ اللَيالي مُخَلَّداً / لِنُصرَةِ مَظلُومٍ وَإِرغامِ ظالِمِ
فَناجَيتُ نَفسي خَالياً حَيثُ لَم أَجِد / مِنَ القَصدِ بُدّاً وَاِستَشَرتُ عَزائِمي
وَمِلتُ إِلى بَعضِ المُلوكِ فَأَجهَشَت / إِلَيَّ وَجاشَت فَوقَ مِلءِ الحَيازِمِ
فَسَكَّنتُها بِالشَدِّ مِنّي بِرحلَةٍ / إِلَيكَ فَأَبدَت ثَغرَ جَذلانَ باسِمِ
وَبَشَّرتُ أَهلي بِالغِنى حَيثُ مَرجِعي / إِلَيهِم عَلى أَنفٍ مِنَ الدَهرِ راغِمِ
فَجِئتُ وَقَد نالُوا السَماءَ وَأَيقَنُوا / بِأَنَّ الغِنى أَضحى كَضَربَةِ لازِمِ
وَلَم أَمتَدِح خَلقاً سِواكَ لِمالِهِ / فَأَحظى بِنَيلٍ أَو بِعَضِّ الأَباهِمِ
وَإِنّي لَأَرجُو مِن أَياديكَ نَفحَةً / عَلى الدَهرِ يَبقى ذِكرُها في المَواسِمِ
أُفيدُ بِها مَجداً وَأكبِتُ حاسِداً / وَأَعلُو بِها هامَ المُلوكِ الغَوانِمِ
وَكَم عاشَ مِثلي في نَداكَ مُؤَمِّلاً / عَظيماً يُرَجّى لِلأُمُورِ العَظائِمِ