القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ المُقَرَّب العُيُونِي الكل
المجموع : 46
دَعُوهُ فَخَيرُ الرَأيِ أَن لا يُعَنَّفا
دَعُوهُ فَخَيرُ الرَأيِ أَن لا يُعَنَّفا / فَلو كانَ يَشفِي داءَهُ اللَوم لاِشتَفى
وَرِفقاً بِهِ يا عاذِليهِ فَإِنَّهُ / شَجِيٌّ وَقد قاسى مِنَ اللَومِ ما كَفى
فَلولا هَوىً لا يَملكُ العَزمَ عِندَهُ / لَكانَ حِمِيَّ الأَنفِ أَن يَتَعَطَّفا
وَلَكِنَّ مَن يَعشِق وَلَو كانَ ذا عُلىً / فَلا بُدَّ أَن يَعنُو وَأَن يَتَلَطَّفا
خَلِيلَيَّ قُوما فَاِسقِياني رُعِيتُما / سُلافَةَ خَمرٍ مُرَّةَ الطَعمِ قَرقَفا
بِكَفِّ نَديمٍ أَو تَراءَى بِحُسنِهِ / لِيَعقُوبَ لَم يَأسَف لِفُقدانِ يُوسُفا
وَلَو أَنَّهُ لِلبَدرِ لَيلَةَ تِمِّهِ / تَجَلّى لأَبدى غِيرَةً مِنهُ وَاِختَفى
نَظَلُّ بِعَينَيهِ نَشاوى وَثَغرِهِ / فَما نَتَحَسّى الكَأسَ إِلّا تَرَشُّفا
وَلا بَأَسَ لَو غَنَّيتُماني فَقُلتُما / رَعى اللَهُ بِالجَرعاءِ حَيّاً وَمَألَفا
بِخَفقِ المَثاني في ظِلالِ حَدائِقٍ / تَظَلُّ عَلى أَغصانِها الطَيرُ عُكَّفا
دُجَيلِيَّةٌ لَو حَطَّ غَيلانُ رَحلَهُ / بِها ساعَةً أَنسَتهُ حُزوى وَمُشرِفا
كَنِسيانيَ الأَوطانَ في ظِلِّ سَيِّدٍ / جَلى الغَمَّ عَن سَوداءِ قَلبي وَكَشَّفا
دَعانِيَ إِذ لَم آتِهِ مُتَعَرِّضاً / لِنَيلٍ وَأَدنى مِن مَكاني وَشَرَّفا
وَضاعَفَ إِكرامي وَبِرّي بَداهَةً / فَنَفسي فِداهُ ما أَبَرَّ وَأَلطَفا
وَما ضَرَّني مَع قُربِهِ أَنَّ مَنزِلي / وَقَومي بِأَكنافِ المُشَقَّرِ وَالصَفا
يَقُولُونَ ماتَ الأَكرَمونَ وَأَصبَحَت / بِحارُ النَدى قاعاً مِنَ الخَيرِ صَفصَفا
وَلَم يَبقَ في هَذا البَريَّةِ ماجِدٌ / يُلاذُ بِهِ إِن رَيبُ دَهرٍ تَعَجرَفا
فَقلتُ لَهُم أَخطَأتُمُ إِنَّ لِلنَدى / وَلِلجُودِ بَحراً يَقذِفُ الدُرَّ مُردفا
فَما دامَ فَخرُ الدينِ يَبقى وَنَسلُهُ / فَلا تَسأَلوا عَمَّن مَضى أَو تَخَلَّفا
فَإِن غالَهُم رَيبُ المَنونِ كَغَيرِهِم / فَقَولُوا عَلى الدُنيا وَأَبنائِها العَفا
وَمَن يَلقَ فَخرَ الدينِ يَلقَ اِبنَ تارحٍ / جَلالاً وَإِنسانِيَّةَ وَتَحَنُّفا
هُوَ الطاهِرُ الأَخلاقِ لا دِينُهُ رِيا / وَلا مَجدُهُ دَعوى وَلا جُودُه لَفا
سَليلُ مُلوكٍ لا تَرى في قَدِيمِهِ / لَئِيماً وَلا مُستَحدَثَ البَيتِ مُقرِفا
أَتى بَعدَهُم وَالدَهرُ قَد سَلَّ سَيفَهُ / عَلى الناسِ وَاِستَشرى بِحَدٍّ وَأَوجَفا
فَلَم يَثنِ مِنهُ ذاكَ باعاً وَلا يَداً / وَلا عَزمَةً لا بَل لآبائِهِ اِقتَفى
لَعَمري لَقَد أَحيا النَدى بَعدَ مَوتِهِ / وَجَدَّدَ رَبعاً لِلعُلى كانَ قَد عَفى
وَأَضحى بِهِ المَعروفُ غَضّاً وَأَصبَحَت / حِياضُ النَدى مِن فَيضِ كَفَّيهِ وُكَّفا
وَرَدَّ إِلى الآمالِ رُوحاً غَدَت بِها / تَنُوءُ وَكانَت مِن هَلاكٍ عَلى شَفا
تَرى الجُودَ وَالإِحسانَ فيهِ غَريزَةً / وَطَبعاً بِهِ سادَ الوَرى لا تَكَلُّفا
وَما ذاكَ إِلّا أَنَّهُ هانَ مالُهُ / عَلَيهِ فَأَعطى بِاِبتِسامٍ وَأَضعَفا
يُهيلُ عَلى سُوّالِهِ مِن نَوالِهِ / إِذا ما الجوادُ الغَمرُ كالَ وَطفَّفا
ضَحُوكٌ إِذا ما العامُ قَطَّبَ وَجهَهُ / عُبُوساً وَخَوّى كُلّ نَجمٍ وَأَخلَفا
عَلى أَنَّهُ البَكّاءُ في حِندِسِ الدُجى / خُشوعاً وَلَم يَصدِف عَن الرُشدِ مَصدَفا
بَلاهُ الإِمامُ البَرُّ حِيناً وَغَيرهُ / فَلَم يَرَ أَزكى مِنهُ نَفساً وَأَشرَفا
وَوَلّاهُ أَمرَ المُسلمينَ فَلَم يَرُع / تَقِيّاً وَلا راعى لِدُنياهُ مُسرِفا
وَلا خانَ بَيتَ المالِ جَهراً ولا خَفا / وَلا زاغَ عَن نَهجِ الإِمامِ وَلا هَفا
وَجَدنا الإِمامَ الناصِرَ المُهتَدى بِهِ / أَبَرَّ إِمامٍ بِالرَعايا وَأَرأَفا
فَلا عَدِمَ الإِسلامُ أَيّامَهُ الَّتي / أَقامَت بِدارِ المُشرِكينَ التَلَهُّفا
وَعاشَ الدَواميّونَ في ظِلِّ عِزِّهِ / يُصافُونَ مَن صافي وَيجفونَ مَن جَفا
فَإِنَّهُمُ زَينُ العِراقِ وَأَهلُهُ / وَسادَاتُ مَن وافى مِنىً وَالمُعرَّفا
أُجِلُّهُمُ عَن حاتِمٍ وَاِبنِ مامَةٍ / وَأَوسُ إِذا هَبَّت مِنَ الرِيحِ حَرجَفا
فَيا تارِكاً نَقلَ الأَحادِيثِ عَنهُمُ / وَيَنقُلُ أَخبارَ الأَوالي تَعَسُّفا
فِعالُهُمُ شَيءٌ تَراهُ حَقيقَةً / فَحَدِّث بِهِ وَاِلغِ الحَديث المُزَخرَفا
لِكُلِّ اِمرِئٍ مِمَّن لَهُ الفَضلُ خُلَّةٌ / بِها قَومُهُ صارُوا رُؤوساً وَآنفا
فَكَعبٌ جَوادٌ وَالزبيديُّ فارِسٌ / وَقَيسٌ حَليمٌ وَالسَمَوأَلُ ذُو وَفا
وَتِلكَ خِلالٌ فيهمُ قَد تَجَمَّعَت / فَكُلُّ فَتىً مِنهُم بِها قَد تَعَطَّفا
وَزادُوا خِلالاً لَو عَدَدتُ عَشيرَها / لَدَوَّنتُ فيها مُصحَفاً ثُمَّ مُصحَفا
فَيا قاصِدَ البَحرَينِ يُزجي شِمِلَّةً / كَأَنَّ عَلى أَشداقِها الهُدلِ كرسُفا
إِذا أَنتَ لاقَيتَ المُلوكَ بَني أَبي / أَريبَهُمُ وَالأَبلَخَ المُتَغَطرِفا
فَحَيِّهِمُ مِنّي تَحِيَّةَ وامِقٍ / عَطُوفٍ عَلى اِبنِ العَمِّ لَو عَقَّ أَو جَفا
وَقُل لَهُمُ لا تُغفِلُوا شُكرَ سَيِّدٍ / تَوَخّى أَخاكُم بِالكَرامَةِ وَاِصطَفى
وَمَن لَم يُوَفِّ اِبنَ الدَواميّ حَقَّهُ / عَلى مُوجِباتِ الشُكرِ مِنكُم فَما وَفى
فَقَد أَلبَسَ النَّعماءَ حَيّي رَبيعَةٍ / كَما أَلبَسَ النَعماءَ مِن قَبلُ خِندِفا
وَهَل يَكفُر الإِحسانَ إِلّا اِبنُ غيَّةٍ / يُقَلِّبُ قَلباً بَينَ جَنَبَيهِ أَغلَفا
وَيأَبى لِيَ الكُفرانَ أَنّي اِبنُ حُرَّةٍ / كَريمٌ مَتى صَرَّفتُ عَزمي تَصَرَّفا
وَإِنّي وَإِن كُنتُ الرَفيعَ عِمادهُ / لَأُثني عَلَيهِ بِالَّذي كانَ أَسلَفا
وَلا يَمنَعَنّي ذاكَ بَيتٌ بِناؤُهُ / أَنافَ عَلى هادي الثُرَيّا وَأَشرَفا
فَقَدتَ الرَدى يا با عَلِيٍّ إِلى العِدى / وَجُزتَ المَدى تُرجى وَتُخشى وَتُعتَفى
وَمُتِّعتَ بِالأَمجادِ أَبنائِكَ الأُلى / بِهم يُكتَفى في كُلِّ خَطبٍ وَيُشتَفى
وَلا بَرِحَت تَسطُو الخِلافَةُ مِنهُمُ / بِأَبيضَ تَدعُوهُ مُفيداً وَمُتلِفا
وَعاشَ مُعادِي مَجدِهِم وَحَسُودُهُم / يُكابِدُ غَمّاً لا يَرى عَنهُ مَصرفا
أَبَرُّ شُهُودِي أَنَّني لَكَ عاشِقٌ
أَبَرُّ شُهُودِي أَنَّني لَكَ عاشِقٌ / سُهادي وَسُقمي وَالدُمُوعُ الدَوافِقُ
فَجُودا بِلا مَنٍّ وَجُودَا بِلا أَذىً / فَما ماتَ مَومُوقٌ وَلا عاشَ وَامِقُ
فَلا عارَ في وَصلِ اِمرِئٍ ذِي صَبابَةٍ / فَذا الناسُ مُذ كانُوا مَشُوقٌ وَشائِقُ
وَلا تَحسَبِ الشَكوى الدَليلَ عَلى الهَوى / فَكَم صامِتٍ وَالدَمعُ عَن فيهِ ناطِقُ
لَقَد مُنِعَ النُطقَ اللِسانُ وَعاقَهُ / عَنِ البَثِّ وَالشَكوى مِن البَينِ عائِقُ
وَمِن أَينَ لي قَلبٌ يُؤَدّي عِبارَةً / إِلى مَنطِقي وَالبَينُ بِالقَلبِ آبِقُ
فَآهٍ عَلى سُلطانِ حَقٍّ مُوَفَّقٍ / لِما جاءَ في القُرآنِ حَقّاً يُوافِقُ
فَيَقطَعُ في حَقّي يَدَ البَينِ إِنَّهُ / لِسَوداءِ قَلبي يَومَ نُعمانَ سارِقُ
خَليلَيَّ مِن ذُهلِ بنِ شَيبانَ إِنَّني / بِحِبلِكُما دونَ البَرِيَّةِ واثِقُ
أَبُثُّكُما وَجدي وَأَشكُو إِلَيكُما / جَوىً بَينَ أَثناءِ الحَشا لا يُفارِقُ
وَأُنبِيكُما أَنّي عَلى ما عَهِدتُما / إِذا ضَيَّعَ العَهدَ المَلُولُ المماذِقُ
فَعَزماً فَفي وَخدِ المَطايا تَعِلَّةٌ / لِذي هِمَمٍ وَالمَوتُ غادٍ وَطارِقُ
وَقَد يَفجَأُ المَرءَ الحِمامُ وَما قَضى / لَهُ وَطَراً وَالناسُ ماضٍ وَلاحِقُ
أَلا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً / بِحَيثُ اِلتَقى سِقطُ اللِّوى وَالأَبارِقُ
وَهَل أَرَيَنَّ العِيسَ تَهوي رِقابُها / بِنا حَيثُ أَنقاءُ العُيونِ الشَواهِقُ
وَهَل أَرِدَن ماءَ العُذَيبِ غُدَيَّةً / وَقَد مَلَّ حادينا وَضَلَّ الفُرانِقُ
وَهَل تَصحَبَنّي فِتيَةٌ أَبَواهُمُ / عَلِيٌّ وَفَضلٌ لا صَدِىٌّ وَغافِقُ
وَشُعثٌ أطارَ النَومَ عَنها وَلاحَها / رُكوبُ المَرامي وَالهُمومُ الطَوارِقُ
سَرَت مِن قُرى البَحرَينِ وَاِستَنهَضَتهُمُ / هُمومٌ بِأَدناها تَشيبُ المَفارِقُ
أَقُولُ لَهُم وَالعِيسُ تَسدُو كَأَنَّها / بِنا بَينَ أَجزاعِ المُرارِ النَقانِقُ
صِلُوا اللَيلَ وَخداً بِالمَطايا فَإِنَّها / شَوارِفُ بُزلٌ لَيسَ فيها حَقائِقُ
فَقالَوا رُوَيداً بِالمَطِيِّ فَإِنَّها / رَذايا وَذا يَومٌ مِن الحَرِّ ماحِقُ
فَقُلتُ أَبُقياً كُلُّ هَذا وَرأَفَةً / عَلَيها وَهَل لِلسَيرِ إِلّا الأَيانِقُ
فَمِيلُوا عَلَيها بِالسِياطِ وَعَرِّفُوا / ذَوي الجَهلِ مِنّا كَيفَ تَحوي الوَسائِقُ
وَعَدُّوا وَرُدُّوا عَن كَظيمٍ وَنَكِّبُوا / غَضايا فَما بِالنَومِ تُطوى السَمالِقُ
وَلا تَرِدُوا إِلّا اِلتِقاطاً وَلَو أَتى / ظَماها عَلى أَجرانِها وَالوَدائِقُ
فَإِن هِيَ لِلوَفراءِ تاقَت فَإِنَّني / إِلى مَورِدٍ عَذبٍ بِحَرّانَ تائِقُ
إِلى مَورِدٍ لا يَعرِفُ الأَجنَ ماؤُهُ / وَلا نَبَتَت في حافَتيهِ الغَلافِقُ
جَرى مِن يَمينِ الأَشرَفِ المَلكِ ماؤُهُ / فَكُلُّ خَليجٍ مِنهُ لِلعَينِ رائِقُ
حَرامٌ عَلَيها دُونَهُ الماءُ وَالكَلا / وَأَن تَلتَقي أَعضادُها وَالمَفارِقُ
فَيَومَ تُوافيهِ تُراحُ وَيَنقَضي / شَقاها وَيُلقى مَيسُها وَالنَمارِقُ
وَتُضحي بِحَيثُ العِزُّ عَودٌ لنابِه / صَريخٌ وَحَيثُ الجُودُ غَضٌّ غُرانِقُ
تكَفِّرُ إِجلالاً وَتَسجُدُ هَيبَةً / وَقَد حَزَّتِ الأَوساطَ مِنها المَناطِقُ
مُرِمِّينَ إِلّا عَن حَديثٍ مُصَرَّدٍ / تُخالِسُهُم أَبصارُهُم وَتُسارِقُ
لَدى مَلكٍ مِن آلِ أَيّوبَ لَم تَسِر / بِأَحسَنِ نَشرٍ مِن ثَناهُ المَهارِقُ
كَريمٍ مَتى تَقصِدهُ تَقصِد مُيَمَّماً / جَواداً زَكَت أَعراقهُ وَالخلائِقُ
فَتىً لَو يُباري جُودَهُ البَحرُ لاِلتَقَت / دَرادِيرُ في حِيرَانِهِ وَمَغارِقُ
لَهُ هَيبَةٌ كَم ضَيَّقَت مِن مُوَسَّعٍ / وكَم قَد غَدا رَهواً بِها المتَضايِقُ
يَرُدُّ مِنَ المُستَصعَباتِ بِطَرفِهِ / وَإِيمائِهِ ما لا تَرُدُّ الفَيالِقُ
زَئيرُ لَيُوثِ الحَربِ حينَ تُحِسُّهُ / هَريرٌ وَإِمّا زَمجَرَت فَنَقانِقُ
إِذا غابَ فَهيَ الأُسدُ زأراً وَصَولَةً / وَإِن حَضَرَ الهَيجاءَ فَهيَ خَرانِقُ
أَحَلَّتهُ أَعلى كُلِّ مَجدٍ وَسُؤددٍ / صَوارِمُهُ وَالمُقرَباتُ السَوابِقُ
وَأَلبَسَهُ تاجَ المَعالي سَخاؤُهُ / وَإِقدامُهُ وَالضَربُ فارٍ وَفارِقُ
لَهُ الناسُ وَالدُنيا مِنَ اللَهِ نِحلَةً / حَباهُ بِها وَاللَهُ يُعطي وَيأفقُ
أَحَقُّ مُلوكِ الأَرضِ بِالمُلكِ مَن بِهِ / يَنالُ الغِنى الراجي وَتُحمى الحَقائِقُ
هُمامٌ إِذا ما هَمَّ ضاقَت بِرَحبِها / مَغارِبُها عَن عَزمِهِ وَالمَشارِقُ
يُسابِقُهُ في الرَوعِ عِرنِينُ أَنفِهِ / وَلِلرُّمحِ حملاقٌ وَلِلسَيفِ عاتِقُ
وَيَومٍ يُواري الشَمسَ رَيعانُ نَقعِهِ / وَيَحوَلُ قَبلَ الطَرفِ فيهِ الحَمالِقُ
وَتَمشي نُسورُ الجَوِّ فَوقَ عَجاجِهِ / وَتَبني بِهِ أَوكارَهُنَّ اللقالِقُ
كَأَنَّ العَجاجَةَ عارِضٌ وَكَأَنَّما / بِهِ المَشرَفِيّاتُ المَواضي عَقائِقُ
وَتَحسَبُ مِن رَأيِ الأَسِنَّةِ أَنَّها / قَواذِفُ قَذفٍ صَوَّتَت وَصَواعِقُ
وَقَد أَبطَلَ الضَربُ القِسيَّ وَأُلقِيَت / فَلَم يَبقَ إِلّا ضارِبٌ وَمُعانِقُ
مَشى نَحوَهُم مَشيَ السَبنتى فَداحِضٌ / بِشِكَّتِهِ أَو طائِشُ اللُبِّ زاهِقُ
بِنَصلٍ يَقُولُ المَوتُ حينَ يَشُكُّهُ / بِزَوجَةَ مَن يُعلى بِهِ أَنتِ طالِقُ
فَصَكَّ بِهِ الأَبطالَ صَكّاً بِهِ اِلتَقَت / لِقاءَ قِلىً أَقدامُها وَالعَنافِقُ
سَلِ الكُفرَ مَن أَودى بِدمياطَ رُكنَهُ / وَقَصَّرَ أَعلى فَرعِهِ وَهوَ باسِقُ
يُخَبِّركَ صِدقاً أَنَّ مُوسى هُوَ الَّذي / بِصارِمِهِ باقَت عَلَيهِ البَوائِقُ
وَقَد جاءَت الإِفرَنجُ مِن كُلِّ وجهَةٍ / كَأَنَّ تَداعيها السُيُولُ الدَوافِقُ
كَتائِبُ مِلءُ البَرِّ وَالبَحرِ مَن بَدَت / لَهُ قالَ ذا جُنحٌ مِنَ اللَيلِ غاسِقُ
تَسيرُ بِسَدٍّ مِن حَديدٍ لَوَ اِنَّهُ / هُوَ السَدُّ لَم يَخرِقهُ لِلوَعدِ خارِقُ
لَهُ لجَبٌ كادَت مِراراً لِهَولِهِ / تَقَطَّعُ بَينَ المُسلِمينَ العَلائِقُ
فَما كانَ إِلّا أَن أَحَسُّوا قُدُومَهُ / تَحُفُّ بِهِ تِلكَ البُنودُ الخَوافِقُ
يَهُزُّ حُساماً لَم يَكُن مِن دِمائِها / لَهُ صابِحٌ مِنهُم برِيٍّ وَغابِقُ
وَمالوا لِقَذفِ المالِ في اليَمِّ بِالضُحى / وَبِاللَيلِ ثارَت في الرِحالِ الحَرائِقُ
وَأَزعَجَهُم مَن ذاقَ لِلجُرحِ بَعدَهُم / بِأَمسٍ وَهَل يَستَعذِبُ المَوتَ ذائِقُ
فَوَلّوا فَمُنكَبٌّ عَلى أُمِّ رَأسِهِ / لَدُن ذاكَ لَم يَنفُق وَآخَرُ نافِقُ
وَمُستَعصِمٌ بِالبَحرِ مِنهُ وَعائِدٌ / بِأَخلَقَ تَنبُو عَن صَفاهُ المَطارِقُ
وَلَم يَبقَ يُثني مِن عَنانِ جَوادِهِ / أَبٌ لِاِبنِهِ وَالمَوتُ لِلقَومِ خانِقُ
فَسالَ دَمٌ لَو سالَ في الأَرضِ لَاِستَوى / بِها رَدَغٌ ما عُمِّرَت وَمَزالِقُ
جَرى مِنهُ فَوقَ البَحرِ بَحرٌ فَمَوجُهُ / إِلى الآنِ مِن بَعدِ الأَقاحي شَقائِقُ
فَصارَ نَئيماً ذَلِكَ الزَأرُ وَاِغتَدَت / بُغاماً لِفَرطِ الخَوفِ تِلكَ الشَقائِقُ
وَلَم يُنجِ مِنهُم لُجُّ بَحرٍ وَلا حَمَت / حُصونٌ أُديرَت حَولَهُنَّ الخَنادِقُ
وَلا مَنَعت في مُلتَقاها مُلوكها / قَرابَتُها صُهبُ اللِّحى والبَطارِقُ
فَيا لَكَ عَصراً أَلبَسَ الكُفرَ حُلَّةً / مِنَ الذُلِّ لا تَبلى وَلِلمِسكِ ناشِقُ
وَمَدَّ عَلى الإِسلامِ سِتراً مُوَفَّقاً / مِنَ العِزِّ يَبقى ما تَأَوَّهَ عاشِقُ
فَلَولاهُ لَم يَنطِق بِدِمياطَ داعِياً / إِلى كَلِمَةِ التَوحيدِ وَالعَدلِ ناطِقُ
فَأُقسِمُ ما والاهُ إِلّا مُوَحِّدٌ / تَقِيٌّ وَما عاداهُ إِلّا مُنافِقُ
فَلا يُعدِمَنَّ اللَهُ أَيّامَهُ الَّتي / بِها يَفتُقُ الإِسلامُ ما الكُفرُ راتِقُ
أَبا الفَتحِ لا زالَت بِكَفَّيكَ تَلتَقي / مَفاتيحُ أَرزاقِ الوَرى وَالمَغالِقُ
إِلَيكَ رَمَت بِي نائِباتٌ هَوارِقٌ / لِدَمعي وَأَحداثٌ لِعَظمي عَوارِقُ
أَبِيتُ وَفي صَدري مِنَ البَينِ خارقٌ / وَفي عُنُقي مِن كَظمَةِ الغَمِّ خانِقُ
وَلَم يَبقَ بَعدَ اللَهِ إِلّاكَ مَقصِدٌ / تَمُدُّ إِلَيهِ بِالأَكُفِّ الخَلائِقُ
فَكَم لُجِّ تَيّارٍ إِلَيكَ اِعتَسَفتُهُ / تُهالُ لِرُؤياهُ العُيونُ الرَوامِقُ
وَكَم جُبتُ مِن مَجهولَةٍ وَمُشَيِّعي / بِها قَلبُ مَأثورٍ وَشَيخانُ آفِقُ
وَما لِيَ خُبرٌ بِالفَيافي وَإِنَّما / سَناؤُكَ فيها قائِدٌ لي وَسائِقُ
شُهورٌ تِباعٌ سَبعَةٌ وَثَلاثَةٌ / أُرافِقُ لا أَلوي بِها وَأُفارِقُ
أَسيرُ مُجدّاً أَربَعاً وَيَعوقُني / ثَمانٍ مِنَ الحُمّاءِ وَالخَوفِ عائِقُ
وَأَينَ مِنَ البَحرَينِ سَنجارُ وَالقَنا / وَمِن راحَتَيها كِندَةٌ وَالجَرامِقُ
وَلَكِن إِذا ما المَرءُ لَم يَلقَ يَومَهُ / أَتى أَيَّ أَرضٍ رامَها وَهوَ رافِقُ
وَحُسنَ حَديثِ الناسِ عَنكَ اِستَفَزَّني / إِلَيكَ وَوُدٌّ يَعلَمُ اللَهُ صادِقُ
فَداكَ مِنَ الأَسواءِ كُلُّ مُضَلَّلٍ / عَنِ الرُشدِ لَم يَطرُقه لِلجُودِ طارِقُ
وَلا زِلتَ مَحرُوسَ الجَنابِ مُمَلَّكا / رِقابَ عِدى عَلياكَ ما ذَرَّ شارِقُ
أَمِن دِمنَةٍ بَينَ اللِّوى وَالدَّكادِكِ
أَمِن دِمنَةٍ بَينَ اللِّوى وَالدَّكادِكِ / شُغِفتَ بِتَذرافِ الدُموعِ السَوافِكِ
عَفَت غَيرَ آرِيٍّ وَأورَقَ حائِلٍ / وَأَشعَثَ مَشجُوجٍ وَسُفعٍ رَوامِكِ
وَنُؤيٍ كَجِذمِ الحَوضِ غَيَّرَ رَسمُهُ / وَجِيفُ الحَصا بالمُوجِفاتِ الحَواشِكِ
كَأَنَّ فُؤادي ناطَهُ ذُو سَخيمَةٍ / قَليلُ التَحَنّي في صُدورِ النَيازِكِ
غَداةَ تَداعى الحَيُّ بِالبَينِ بَعدَما / جَلا الصُبحُ أَعجازَ النُجومِ الدَوالِكِ
وَقَد قَرَّبُوا لِلبَينِ كُلَّ هَمَرجَلٍ / أَمُونِ القَرى ضَخمِ العَثانين تامِكِ
قِمَطرٍ دَرَفسٍ فَيسَرِيٍّ كَأَنَّما / مَناكِبُهُ جُلِّلنَ وَشيَ الدَرانِكِ
رَعى واجِفاً فَالصُلبُ مِن أَجبُلِ الغَضا / بِحَيثُ اِستَهَلَّت كُلُّ وَطفاءَ رامِكِ
وَفي الجِيرَةِ الغادينَ لا عَن مَلالَةٍ / ظِباءٌ عَلى تِلكَ الهِجانِ البَوائِكِ
خِماصُ الحَشا حُمُّ الشِفاهِ كَأَنَّما / يَلُثنَ مُرُوطَ العَصبِ فَوقَ العَوانِكِ
وَيَبسِمنَ عَن نَورِ الأَفاحِيِّ لَم يَزَل / يُغَذّى بِدَرّاتِ الذِهابِ الرَكائِكِ
وَفِيهِنَّ مِن ذُهلِ بنِ شَيبانَ غادَةٌ / يُطَيِّبُ رَيّاها عَبيرَ المَداوِكِ
كَأَنَّ عَلى فيها سُلافَةَ قَرقَفٍ / وَقَد غُوِّرَت أُمُّ النُجُومِ الشَوابِكِ
أَقُولُ لِها سِرّاً وَقَد غابَ كاشِحٌ / رَقيبٌ مَقالَ العاشِقِ المُتَهالِكِ
لَكِ الخَيرُ ما هَذا الجَفاءُ وَهَذِهِ / دِياري وَأَهلي زُلفَةٌ مِن دِيارِكِ
أَتَرضينَ قَتلي لا بِسَلَّةِ صارِمٍ / مِن البِيضِ إِلّا سَلَّةً مِن لِحاظِكِ
فَوَاللَهِ ما أَدري أَإِعراضُ بَغضَةٍ / لَنا أَو دَلالٌ فَاِفصحي عَن مَقالكِ
فَلي هِمَّةٌ عَلَيا وَنَفسٌ أَبِيَّةٌ / تَمُجُّ وِصال اللّاوِياتِ المَواعِكِ
وَلِي عَزمَةٌ إِن ساعَدَ الجدُّ أَشرَقَت / وَنافَت عَلى شُمِّ الرِعانِ الشَوامِكِ
ولا بُدَّ مِن نصِّ القِلاصِ وَإِن غَدَت / حُطاماً أَعالي دَأيِها المُتلاحِكِ
عَلَيهِنَّ فِتيانٌ كِرامٌ تَحَرَّجُوا / مِنَ النَومِ إِلّا فَوقَ تِلكَ الحَوارِكِ
أَقُولُ لَهُم وَالعِيسُ تَشدُو كَأَنَّها / مَعَ الآلِ أُمّاتُ الرِئالِ الرَواتِكِ
أَقيمُوا صُدورَ اليَعمُلاتِ ورَفِّعُوا / عَنِ السُبلِ تَنجُوا مِن سَبيلِ المَهالِكِ
فَعَنَّ لَنا مِن بَين سِتّينَ لَيلَةٍ / وَميضُ سَناً عَن أَيمَنِ الجَوِّ نابِكِ
فَقالُوا تَرى النَجمَ اليَمانيَّ قَد بَدا / يَلُوحُ بِمُستَنٍّ مِنَ الأُفقِ حالِكِ
فَقُلتُ لَهُم ما ذاكَ نَجمٌ تَرَونَهُ / بِناحِيَةِ الخَضراءِ ذاتِ الحَبائِكِ
فَقالوا فَماذا قُلتُ نارٌ بِرَبوَةٍ / تُشَبُّ لِأَبناءِ الهُمومِ الضَرابِكِ
يُضِيءُ سَناها بِالدُجى مُتَنَمِّرٌ / عَلى الدَهرِ مُودِي البَرك رَحبِ المَبارِكِ
أَغَرُّ نَماهُ كُلُّ حامٍ مُمانِعٍ / عَنِ المَجدِ بِالمُستَأثراتِ البَواتِكِ
مِنَ العَبدليّينَ الأُلى في أَكُفِّهِم / حَياةٌ لِأَوّابٍ وَمَوتٌ لِباعِكِ
أُناسٌ هُمُ الناسُ اِنتَدَوا وَتَشَعّبَت / بِهِم هِمَمٌ ما بَينَ ناءٍ وَآرِكِ
فَحُلّوا عُرى التِرحالِ وَاِستَعصِمُوا بِهِ / مِنَ الدَهرِ واِرمُوا صَرفَهُ بِالدَوامِكِ
فَإِنَّ لَدَيهِ مِن عَلِيٍّ مَقاذِفاً / عَنِ المَجدِ يَخشى فَتكَهُ كُلُّ فاتِكِ
يُجيرُ عَلى الأَيّامِ ما لا تُجيرُهُ / عَلَيهِ وَيَسطُو بَالخُطُوبِ العَوارِكِ
مَنيعُ الحِمى لا يَذعَرُ القَومُ سَرحَهُ / وَلا تُتَّقى غاراتُهُ بِالمَآلِكِ
فَتىً لا يَرى مالاً سِوى ما أَفادَهُ / طِعانُ العِدى في المَأزَقِ المَتَضانِكِ
وَلا يَقتَني مِن مالِهِ غَيرَ سابِحٍ / وَأَبيضَ مَخشُوبِ الغِرارَينِ باتِكِ
وَمَسرُودَةٍ جَدلاءَ تَضفو ذُيولُها / عَلى قَدَمِ القَرمِ الأَنَدِّ الضُبارِكِ
وَأَحسَنُ مِن شَدوِ المَزاهِيرِ عِندَهُ / صَليلُ المَواضي في مُتونِ التَرائِكِ
وَلا يَتَساوى رَدعُ مِسكٍ وَعَنبَرٍ / لَدَيهِ بِرَدعٍ مِن دَمِ القِرنِ صائِكِ
وَإِن جَعَلَت فَوقَ الأريكِ مَقيلَها / رِجالٌ فَسَل عَنهُ رِجالَ الأَوارِكِ
لَهُ كُلَّ يَومٍ غارَةٌ مُشمَعِلَّةٌ / تَرى الصِّيدَ مِن شَدّاتِها في مَناسِكِ
بِها يَحتَوِي نَهبَ الأَعادي وَيَصطَفي / عَقائِلَ أَبناءِ المُلوكِ العَواتِكِ
حَمِيٌّ عَلى ما حازَهُ وَأَتَت بِهِ / إِلَيهِ الأَتاوى مِن مَليكٍ مُتارِكِ
هُمامٌ إِذا ما هَمَّ لَم يَثنِ عَزمَهُ / أَقاويلُ أَبناءِ الطِغامِ الضُكاضِكِ
ترى العَرَبَ العَربا يحُجّونَ بَيتَهُ / كَأَنَّهُمُ جاؤُوا لِذَبحِ النَسائِكِ
رِجالاً وَرُكباناً فَمِن طَالِبٍ غِنىً / وَمِن تائبٍ عَن ذِلَّةٍ مُتَدارِكِ
تَخالُ إِياساً في الفَصاحَةِ باقِلاً / لَدَيهِ وَفُرسانُ الوَغى في تَداوُكِ
إِذا صالَ لَم يُعدَل بِقَيسِ بنِ خالِدٍ / وَإِن قالَ لَم يُعدَل بِسَعدِ بنِ مالِكِ
وَإن جادَ بَذَّ المَرثدِيِّينَ جُودُهُ / وَأَنسى بَني الآمالِ جُودَ البَرامِكِ
أَبا ماجِدٍ لَم يَبقَ إِلّاكَ ماجِدٌ / يُرجّى لِأَبكارِ الخُطُوبِ النَواهِكِ
أَنِفتُ لِمَدحي مَن سِواكُم لِأَنَّني / إِلى ذِروَتَيكُم في سِنامٍ وَحارِكِ
وَأَكبَرتُ نَفسي أَن أُرى مُتَضائِلاً / أُرَجّي نَوالاً مِن لَئِيمٍ رَكارِكِ
مَخافَةَ تَرّاكٍ يَقُولُ وَقَولُهُ / أَمَضُّ وَأَمضَى مِن حُدودِ النَيازِكِ
لَوَ اِنَّ بَني القَرمِ العُيونيِّ سادَةٌ / كِرام يُرَوّونَ القَنا في المَعارِكِ
لَغارُوا عَلى النَظمِ الجَميلِ وَلَم يَكُن / لَهُم في مَعاني لَفظِهِ مِن مُشارِكِ
أَما كانَ فيهِم مِثلُ عَمرو بنِ مرثِدٍ / وَذُو المَجدِ دفّاعُ الهُمومِ السَوادِكِ
فَغَر فَبَناتُ الفِكرِ أَولى بِغَيرَةٍ / وَأَجدَرُ مِن نُجلِ العُيونِ الرَكارِكِ
وَحافِظ عَلى الذِكرِ الجَميلِ فَإِنَّما / مَصيرُ الفَتى أُحدُوثَةٌ في الشَكائِكِ
وَلا تُسلِمَن لِلدَهرِ مَولىً هَواكُمُ / هَواهُ وَمَهما ساءَكُم غَيرُ حاسِكِ
يَمُتُّ بِوُدٍّ مِن ضَميرٍ تَحُوطُهُ / عَواطِفُ أَرحامٍ إِلَيكُم شَوابِكِ
وَلَستُ وَإِن أَودى الزَمانُ بِثَروَتي / وَزاحَمَني مِنهُ بِخَصمٍ مُماحِكِ
بِمُهدٍ ثنائي وَالمَناديح جَمَّةٌ / إِلى حَوتَكِيٍّ أَبشَع اللُؤمِ راعِكِ
يَرى مُورِدَ الآمالِ حَولَ فِنائِهِ / بِعَينِ نوارٍ تَلحَظُ الشَيبَ فارِكِ
ولا ضارِعٍ طَوعَ المُنى يَستَفِزُّني / إِلى مُقرِفٍ رَجمُ الظُنونِ الأَوافِكِ
وَلَستُ بِمفراحٍ بِمالٍ أُفيدُهُ / لعَمري وَلا آسٍ عَلى إِثرِ هالِكِ
وَلا مادِحٍ إِلّا سُراةَ بَني أَبي / جَمالُ المَعالي بَل لُيُوثُ المَعارِكِ
وَلي وَقفَةٌ في دارِهِم إِثرَ وَقفَةٍ / وما ذاكَ في أَشباهِ قَومي بِشائِكِ
فَإِن صَدَّقُوا ظَنّي وَظنّيَ أَنَّهُم / نُجُومُ سَماءٍ شَمسُها غَيرُ دالِكِ
فَإِمّا نَبَت بِي دارُهُم أَو تَوَعَّرَت / عَلَيَّ فَما ضاقَت رِحابُ المَسالِكِ
إِلَيكُنَّ عَنّي فَاِنصَرِفنَ عَلى مَهلِ
إِلَيكُنَّ عَنّي فَاِنصَرِفنَ عَلى مَهلِ / فَلَستُ بِمُرتاعٍ لِهَجرٍ وَلا وَصلِ
وَما ذاكَ مِن بُغضٍ لَكُنَّ وَلا قِلىً / وَلَكِنَّ قَلبي عَن هَواكُنَّ في شُغلِ
أَبَت لِي وِصالَ البِيضِ هِمّاتُ ماجِدٍ / بَعيدِ الحَمايا غَيرِ نِكسٍ وَلا وَغلِ
غَيُورٍ عَلى العَلياءِ أَن يَبتَني بِها / رَزايا أُناسٌ ما تُمِرُّ وَلا تُحلي
سَواسِيَةٍ لا في مَعَدٍّ مِن الذُرى / وَلا في بَني قَحطانَ في الكاهِلِ العَبلِ
مَضَت حِقبُ الدُنيا وَما في بُيُوتِهِم / لِعِزِّ المَعالي مِن سَليلٍ وَلا بَعلِ
أَضاعُوا حِماها فَاِستُبيحَ وَأَيقَظُوا / عَلَيها البلا مِن كَلِّ حافٍ وَذي نَعلِ
وَباعُوا بِرُخصٍ باعِثَ العدلِ فيهِمُ / فَراحُوا وَكُلٌّ مِنهُمُ في يَدَي عَدلِ
وَأَضحَوا كَفَقعٍ أَو أَداحِيِّ قَفرَةٍ / تُقَلَّبُ بِالمِنساةِ وَاليَدِ وَالرِجلِ
تَسُومُهُمُ سُوءَ العَذابِ بِغلظَةٍ / عِداهُم وَيُسقونَ المَهانَةَ بِالرَطلِ
فَذُو المَالِ مِنهُم لا يَزالُ لِأَجلِهِ / يَروحُ أَخا وَيلٍ وَيَغدُو أَخا ثُكلِ
وَذُو الفَقرِ في هَمَّينِ هَمّ مَعيشَةٍ / وَهَمِّ عَدُوٍّ فَهوَ يَمشي بِلا عَقلِ
فَأَروحُهُم مَن راحَ فيهم وَرَأسُهُ / كَرَأسِ عَلاةِ القَينِ وَكَفِّهِ الطَبلِ
فَذُو الحَزمِ مَن أَعطى بِباعٍ قَصيرَةٍ / وَأَلقى مَقاليدَ الأُمورِ إِلى نَذلِ
وَذُو العَزمِ مَن أَمسى وَأَصبَحَ عائِذاً / بِجِلفٍ مِنَ الأَعرابِ أَو عاهِرٍ طِملِ
وَإِمّا اِنتَدى بَعضَ البَوادي وَبَعضُهُم / سَواءٌ بِضاحي البَرِّ أَو باحَةِ الرَحلِ
فَأَقوَلُهُ قَد كانَ جَدّي وَوالِدي / وَجَدُّ أَبي خُدّامَ رَهطِكَ مِن قَبلي
فَإِن يَتَلقّى بِالقَبُولِ مَقالَهُ / فَيا لَكَ مِن فَخرٍ وَيا لَكَ مِن فَضلِ
وَإِن قالَ كلّا ما عَلِمتُ فَيا لَها / خُوَيخِيَّةٌ تُدعى مُضَيَّقَةَ السُبلِ
وَإِن جاءَ يَوماً نازِلاً لِهَوانِهِ / تَلَقّاهُ مِنهُ بِالإِقامَةِ وَالنُزلِ
كَأَنَّ عَلَيهِ إِذ يَحُلُّ نَقيعَةَ ال / قُدُومِ وَلَيسُوا لِلسَماحَةِ بِالأَهلِ
أَلا يا لَقَومي مِن رَبيعَةَ هَل أَرى / لَكُم يَومَ بَأسٍ يَصدِمُ الجَهلَ بِالجَهلِ
إِلى مَ تُقاسُونَ الهَوانَ أَذِلَّةً / وَأَنتُم إِذا كُوثِرتُمُ عَدَدُ النَملِ
يَسُوقُكُم كَرهاً إِلى ما يَسُوءُكُم / عَبيدُكُمُ سَوقَ الأُحَيمِرَةِ الهُزلِ
وَكَم تَتَرَدُّونَ الخُمولَ ضَراعَةً / وَلُؤماً وَتَشرونَ الغَباوَةَ بِالنُبلِ
يَوَدُّ الفَتى مِنكُم إِذا عَنَّ أَو بَدا / لَهُ مِن بَني القِيناتِ أَسوَدُ كَالحَجلِ
بِأَنَّ حَضيضَ الأَرضِ أَضحى بِقَعرِهِ / لَهُ نَفَقٌ مِمّا اِعتَراهُ مِنَ الخبلِ
فَذُو القَدرِ مِنكُم وَالجَلالَةِ يَحتوي / صفاياهُ مِنهُم بالمَطاميرِ وَالحَبلِ
وَسائِرُكُم بِالبُهم يَرعى مُحَلِّقاً / بِأَثوابِهِ رُعباً مِنَ الجَدِّ وَالهَزلِ
عَزيزُكُمُ يَرضى مِنَ الدُرِّ بِالحَصى / وَيَقنَعُ لَو يُعطى مِنَ الدَرِّ بِالمَصلِ
فَقُبحاً لَكُم ماذا تَعُدُّونَ في غَدٍ / إِذا اِفتَخَرَ الأَقوامُ يا أَخلَفَ النَسلِ
فَإِن كانَ خَوفُ القَتلِ وَالأَسرِ داءَكُم / فَشَأنُكُم أَدهى مِنَ الأَسرِ وَالقَتلِ
فَعَزماً فَموتُ العِزِّ عِندَ ذَوي النُهى / حَياةٌ وَعَيشُ الذُلِّ مَوتٌ بِلا غُسلِ
فَقَد يُنكِرُ الضَيمَ الكَريمُ بِسَيفِهِ / إِنِ اِسطاعَ أَو بِالشَدقَمِيَّةِ وَالرَحلِ
كَما فَعَلَ العَبسِيُّ قَيسٌ وَإِنَّما / أَخُو الهِمَّةِ العَليا أَخُو الحَسَبِ الجَزلِ
أَشاعَ لِعَبسٍ بِالسَلامِ وَأرقَلَت / بِهِ العِيسُ مِن نَجدٍ إِلى كَنَفي وَبلِ
وَحَلَّ عَلى الأَتلادِ غَيرَ مُجاوِرٍ / وَلَكِنَّ عِضّاً لا يَنامُ عَلى تَبلِ
وَلا خَيرَ عِندي في حَياةٍ كَأَنَّها / حَياةُ دَعاميصِ الفَراشَةِ في الضَحلِ
وَذي إِربَةٍ أَهدى لِيَ اللَومَ ناصِحاً / وَذُو اللُبِّ أَحياناً يُريعُ إِلى العَذلِ
يَقُولُ بِتَأنيبٍ أَأُنسيتَ ما جَرى / عَلَيكَ مِنَ الأَغلالِ والسِجنِ وَالكَبلِ
وَإِحرازِ ما أُوتيتَهُ وَاِكتَسَبتَهُ / عَلى غَيرِ ذَنبٍ مِن فِراخٍ وَمِن نَخلِ
وَتفريقَهُ في كُلِّ شاوٍ وَخارِبٍ / وَذاتِ هَنٍ كَالماءِ في رَدعِ الوَحلِ
وَسَلبِ الحِسانِ المُكرَماتِ تَهاوُناً / بِهنَّ وَدَمعُ الأَعيُنِ النُجلِ كَالوَبلِ
وَما كانَ مِن إِخراجِهِنَّ صَوارِخاً / مِنَ الضَيمِ مِن بَعدِ القِصارَةِ وَالشّكلِ
وَسُكنى البَوادي دارَهُنَّ وَإِنَّها / لَدَارُ اِمرِئٍ لا بِالحصورِ وَلا الخَطلِ
أَمِثلُكَ يَرضى دارَ ذُلٍّ إِذا مَأى / بها نَأمُ الضَيّونِ طارَ أَبُو الشِبلِ
أَما كانَ في أَرضِ العِراقِ مَراغِمٌ / تَرُوقكَ عَن دارِ الزَلازلِ وَالأَزلِ
فَقُلتُ لَهُ أَربِع عَلَيَّ وَفي الحَشا / لَوافِحُ أَحقادٍ مَراجِلُها تَغلي
وَجَدِّكَ لَم تَعذِل مَلُوماً وَلَم تَهج / جَثُوماً وَلَم تُوقِظ نؤُوماً عَلى تَبلِ
لِأَمرٍ تَخَطَّيتُ الخَطايا وَلَم أَزل / بِمَطوِ المَطايا أُتبِعُ الجَهلَ بِالجَهلِ
وَما أَعجَبَتني دارُ ذُلٍّ وَإِن غَدَت / مَنازِلَ قَومي وَالأَكارِمِ مِن أَهلي
وَلَكِنَّني حاوَلتُ ما إِن أَتَمَّهُ / لِيَ اللَهُ لَم أَجفَل بِمَحلٍ وَلا مَغلِ
وَقُلتُ عَسى يَوماً كَيَومٍ شَهِدتُهُ / قَديماً لِكَيما يلحَقَ الشُومُ بِالثُكلِ
أَكُونُ بِهِ قُطبَ الرَحى وَمُديرَها / بِعَزمٍ عَلى أَهلِ الضَلالَةِ وَالجَهلِ
فأَلفَيتُ قَوماً إِن طَلَبتَ اِنبِعاثَهُم / لِيَومِ سِبابٍ فَاِدعُ بِالخَيلِ وَالرَجلِ
وإِن رُمتَ فيهم دَفعَ ضَيمٍ وَنُصرَةٍ / بِهِم رُمتَ أَو شالاً مِنَ اِصطُمَّةِ الرَملِ
يُرَجّونَ عَبداً خائِباً قَعَدَت بِهِ / عَلى الخِزيِ أُمّاتٌ وَقَفنَ عَلى الغُسلِ
شَريساً أَعارَتهُ اللَيالي جَهالَةً / جَلالاً وَمالاً وَهيَ مَعتُوهَةُ العَقلِ
قِراعٌ وَلَكِنَّ الكَوَادنَ لَم تَكُن / لِتَجري مَعَ الخَيلِ العرابِ عَلى الحَبلِ
فَما وَلَدَتني حاضِنٌ حَنَفِيَّةٌ / عبيدِيَّةٌ تَسمُو إِلى الحسَبِ الجَزلِ
وَلا عُرِفَت في المَروَتَينِ أُبُوَّتي / وَلا كُنتُ أهدى السابِقينَ إِلى الفَضلِ
وَلا نَزَلَ الأَضيافُ يَوماً بِعقوَتي / وَلا ثَبَتَت في ماقِطٍ حَرجٍ رِجلي
لَئِن أَنا لَم أَغشَ اللِئامَ بِوَقعَةٍ / يَشيبُ لَها مِن هَولِها مَفرِقُ الطِفلِ
وَيَومٍ يَظَلُّ العَثرُ فيهِ نَبائِلاً / مُغَربَلَةً فَوقَ الشَناوِيرِ وَالزَبلِ
لِيَعلَمَ أَهلُ الغَدرِ أَنَّ عَداوَتي / لَأَمقَرُ مِن صابٍ وَأَقطَعُ مِن نَصلِ
وَإِنّي لَكالنَشرِ الَّذي تَستَلِذُّهُ / وَأَهنى لَها لَو قدِّرَت مَرتَعَ الأزلِ
وَهَل يَكشِفُ الغَمّاءَ عَن ذي ضَرورَةٍ / وَيَجلو ظَلامَ الخَطبِ إِلّا فَتىً مِثلي
كَذَلِكَ كانَت مُنذُ كانَت أُبُوَّتي / ذَوو الهامَةِ الخَشناءِ وَالجانِبِ السَهلِ
إِذا السَيِّدُ الجَبّارُ أَبدى تَعامياً / وَصَعَّرَ خَدّاً وَاِستَباحَ حِمى المَطلِ
أَضاءَت لَهُ أَسيافُنا فَهَدَينَهُ / وَقَوَّمنَهُ فَاِستَبدَلَ الحِلمَ بِالجَهلِ
فَسائِل مَعَداً هَل لَها مِن مُعَوِّلٍ / سِوانا إِذا البَزلاءُ قامَت عَلى رِجلِ
وَهَل قادَنا بِالجَهضَمِيَّةِ سَيِّدٌ / وَإِن كانَ فينا واسِعَ البَأسِ وَالفَضلِ
أَلَم نَترُكِ الضحيانَ يَكبُو وَبَعدَهُ / كُلَيباً أَذَقنا عِرسَهُ مَضَضَ الثَكلِ
وَأَردى أَخانا اليَشكُريَّ وَفَرخَهُ / فَوارِسُ مِنّا غَيرُ ميلٍ وَلا عُزلِ
سَواءٌ عَلَينا قَومُنا إِذ تُضِيمُنا / وَأَعَداؤُنا وَالفَرعُ يُنمي إِلى الأَصلِ
ظَنَنتُ حَسُودي حينَ غالَت غَوائِلُه
ظَنَنتُ حَسُودي حينَ غالَت غَوائِلُه / يُريعُ إِلى البُقيا وَتُطوى حَبائِلُه
وَقُلتُ كَفاهُ ما لَقيتُ وَنالَني / بِهِ الدَهرُ مِمّا كانَ قِدماً يُحاوِلُه
فَأَغمَضتُ جَفناً وَالقَذى مِلءُ ناظِري / وَأَبدَيتُ سلماً لَيسَ تخشى دَغائِلُه
وَأَطفأتُ نارَ الجَهلِ بِالحِلمِ بَعدَما / غَلى المِرجَلُ الأَحوى وَذيقَت تَوابِلُه
وَوَطَّنتُ نَفسي لِلمُداراةِ ما رَأى / رَأيتُ وَمَهما قالَهُ أَنا قائِلُه
فَما زادَ ذُو الأَضغانِ إِلّا تَمادِياً / وَلا بَشَّرَت إِلّا بِشرٍّ مَخائِلُه
كَذَلِكَ أَحوَالُ الحَسُودِ وَخِبُّهُ / وَما تَقتَضي أَخلاقُهُ وَشمائِلُه
فَلا تَرجُ يَوماً في حَسُودٍ مَوَدَّةً / وَإِن كُنتَ تُبدي وُدَّهُ وَتُجامِلُه
وَلا تَبغِ بالإِحسانِ إِرضاءَ كاشِحٍ / فَلَيسَ بِمغنٍ في دَمالٍ تَدامُلُه
فَقُل لِخَليعٍ هَمُّهُ ما يَسُوءُني / رُوَيدَكَ فاتَ الزُجَّ في الرُمحِ عامِلُه
وَلا تَحسَبَنّي ضِقتُ يَوماً بِما جَرى / ذِراعاً فَما ضاقَت بِحُرٍّ مَراكِلُه
فَقَد يُدرِكُ البَدرَ الخُسوفُ وَتَنجَلي / غَياهِبُهُ عَن نُورُهِ وَغَياطِلُه
وَقَد يَجزِرُ الرَجّافُ طَوراً وتارَةً / يُسَيِّرُ ذاتَ الجُلِّ بِالمَدِّ ساحِلُه
فَإِن سَاءَني القَومُ الكِرامُ وَضَيَّعُوا / حُقوقي وَهَديُ المَجدِ فيهِم وَكاهِلُه
فَقَبلي أَخُو شَنّ بنِ أَفصى أَضاعَهُ / بَنُو عَمِّهِ دَونَ الوَرى وَفَضائلُه
وَلا بُدَّ هَذا الدَهرُ يَرجِعُ صَحوُهُ / وَيَنجابُ عَنهُ غَيُّهُ وَيُزايِلُه
وَقَد يُشرِقُ الرّيقُ الفَتى وَهوَ غَوثُهُ / وَيَجرَحُهُ ماضي الشَبا وَهوَ فاصِلُه
فَيَنطِقُ عَن صِدقٍ وَيَسمَعُ واعِياً / وَيَفهَمُ عَن عَقلٍ فَيَزهَقُ باطِلُه
فَيَذهَبُ قَومٌ كَاليَعاليلِ لا يُرى / لَها أَثَرٌ وَالماءُ تغطي جَداوِلُه
فَجَدعاً وَعَقراً لِلزَمانِ إِذا اِستَوى / مُطَهَّمُهُ في عَينِهِ وَطَهامِلُه
وَقُبحاً لِدَهرٍ أَصبَحَ العَلُّ فيلُهُ / وَأَضحَت بُزاةُ الطَيرِ فيهِ عُلاعِلُه
فَلا يَفرَحِ الخَلفُ الهِدانُ بِنَكبَتي / فَما نالَني مِن صَرفِها فهوَ نائِلُه
عَلى أَنّني لا مُستَكيناً لِحادِثٍ / وَسيّانِ عِندي نِيلُهُ وَصَلاصِلُه
وَقائِلَةٍ وَالعِيسُ تُحدَجُ لِلنَوى / وَدَمعُ الجَوى قَد جالَ في الخَدِّ جائِلُه
عَلَيكَ بِصَبرٍ وَاِحتِسابٍ فإِنَّما / يَفُوتُ الثَنا مَن راحَ وَالصَبرُ خاذِلُه
وَلا تَرمِ بِالأَهوالِ نَفساً عَزيزَةً / فَذا الدَهرُ قَد أَودى وَقامَت زَلازِلُه
فَكَم كُربَةٍ في غُربَةٍ وَمَنِيَّةٍ / بِأُمنِيَّةٍ وَالرِزقُ ذُو العَرشِ كافِلُه
فَقُلت لَها وَالعَينُ سَكرى بِزَفرَةٍ / أُرَدِّدُها وَالصَدرُ جَمٌّ بَلابِلُه
أَبالمَوتِ مِثلي تُرهِبينَ وَبِالنَوى / وَعاجِلُهُ عِندي سَواءٌ وَآجِلُه
وَلَلمَوتُ أَحيا مِن حَياةٍ بِبَلدَةٍ / يُري الحُرَّ فيها الغَبنَ مَن لا يُشاكِلُه
وَما غُربَةٌ عِن دارِ ذُلٍّ بِغُربَةٍ / لَوَ اِنّ الفَتى أَكدى وَغَثَّت مَآكِلُه
وَرُبَّ غَريبٍ ناعِمٍ وَاِبنِ بَلدَةٍ / تُبَكِّيهِ قَبلَ المَوتِ فيها ثَواكِلُه
وَإِنّ مُقامي يا اِبنَةَ القَومِ لِلقَلى / وَلِلضَيمِ لَلعَجز الَّذي لا أُزامِلُه
فَلا تُنكري خَوضي الطَوامي وَجَوبِيَ ال / مَوامي إِذا الآلُ اِسجَهَرَّت طَياسِلُه
فَمِن كَرَمِ الحُرِّ اِرتِحالٌ عَن الفِنا / إِذا قُدِّمَت أَوباشُهُ وَرَعابِلُه
وَلا بُدَّ لي مِن وَقفَةٍ قَبلَ رِحلَةٍ / أُذيل بِها دَمعي فَيَنهَلُّ وابِلُه
عَلى جَدَثٍ أَضحى بِهِ المَجدُ ثاوياً / بِحَيثُ يَرى شَطَّ العَذارِ مُقابِلُه
لِأَسأَلَ ذاكَ القَبرَ هَل غَيَّرَ البِلى / مَحاسِنَ مَجدٍ غَيّبَتها جَنادِلُه
وَهَل هَمَّت المَوتى بِإشعاءِ غارَةٍ / يُثارُ بِها مِن كُلِّ جَوٍّ قَساطِلُه
فَقَد نامَتِ الأَحيا عَنِ الغَزوِ فَاِستَوى / بِكُلِّ سَبيلٍ أُسدُهُ وَخَياطِلُه
فَيا عَجَباً مِن مُلحِدٍ ضَمَّ فَيلَقاً / وَبَحراً وَطَوداً يركَبُ المُزنَ عاقِلُه
مَضى طاهِرَ الأَخلاقِ وَالخِيمِ لَم يَمِل / إِلى سَفَهٍ يَوماً وَلا خابَ آمِلُه
فَيا لَكَ مِن مَجدٍ تَداعَت فُرُوعُهُ / وَمالَ ذُراهُ وَاِنقَعَرَّت أَسافِلُه
لِيَبكِ العُلى وَالمَجدُ وَالبَأسُ وَالنَدى / لَقَد صَلَّ واديها وَجَفَّت مَسايِلُه
وَتَندبُهُ البيضُ الصَوارِمُ وَالقَنا / لِما أَنهَلَتها كفُّهُ وَأَنامِلُه
لَعَمري لَئِن كانَ الأَميرُ مُحمَّدٌ / قَضى وَأُصيبَت يَومَ نَحسٍ مَقاتِلُه
لَقَد مُنيَت مِنهُ الأَعادي بِثائِرٍ / هُمامٍ أَبى أَن يَحمِلَ الضَيمَ كاهِلُه
أَيا فَضلُ لا زالت لِنُعماكَ تَلتَقي / بِمَغناكَ ساداتُ المَلا وَعَباهِلُه
مَنحتُكَ وُدّاً كُنتُ قَبلُ مَنحتُهُ / أَباكَ وَمُزني لَم تَقَشَّع هَواطِلُه
وَلاقَيتُ مِن جَرّائِكُم ما عَلِمتَهُ / وَهَل أَحَدٌ مِن سائِرِ الناسِ جاهِلُه
وَكَم مُبغِضٍ لِي في هَواكُم وَشانئٍ / عَلَيَّ بِنارِ الحِقدِ تَغلي مَراجِلُه
فَلا تَحمِلنّي وَالمَناديحُ جَمَّةٌ / عَلى مَوردٍ يَستَعذِبُ المَوتَ ناهِلُه
أَرَيتُكَ إِن أَخَّرتَني وَجَفَوتَني / وَذا الدَهرُ قَد أَربى وَبانَ تَحامُلُه
وَجازَت قُرى البَحرَينِ عِيسي وَأَصبَحَت / عُمانِيَّةً وَاِستَبهلَتها سَواحِلُه
وَأًصبَحَ في الحَيِّ اليَمانيّ رَحلُها / وَحَفَّت بِهِ أَقيالُهُ وَمَقاوِلُه
أَوِ اِستَقبَلَت أَرضَ الحِجازِ فَيَمَّمَت / بَني حَسَنٍ وَالفَضلُ بادٍ شَواكِلُه
أَوِ اِنتَجَعَت آلَ المُهَنّا فَفيهمُ / حِمىً آمِنٌ لا يَرهَبُ الدَهرَ نازِلُه
أَوِ اِعتامَتِ القَومَ الَّذينَ أَحَلَّهُم / ذُرى كُلِّ اِمرِئٍ قُدّامُهُ مَن يُسائِلُه
فَقُل لي عِمادَ الدِينِ ماذا أَقُولُهُ / وَكُلُّ اِمرِئٍ قُدّامُهُ مَن يُسائِلُه
إِذا قيلَ لِي مِن أَينَ أَقبَلتَ وَاِرتَمَت / بِكَ العِيسُ أَو مَن كُنتَ قِدماً تُواصِلُه
وَمَن رَهطكَ الأَدنى الَّذي لَكَ فَخرُهُ / وَنابِهُ قَدرٍ لا يُساوِيهِ خامِلُه
هُناكَ يَكُونُ الصِدقُ نَقصاً عَلَيكُمُ / وَلا يَتَحرّى الكِذبَ إِلّا أَراذِلُه
وَمَنصِبُكَ السامي إِلى الفَخرِ مَنصِبي / وَرَبعُكَ رَبعي وَالعُلى أَنتَ آيِلُه
فَجُد بِالَّذي تَحوي يَداكَ عَلى الوَرى / وَضِنَّ عَلَيهم بِالَّذي أَنا قائِلُه
فَما المِسكُ إِلّا مِن عَقابيلِ نَشرِهِ / وَلا الجَوهَرُ المَكنونُ إِلّا خَصائِلُه
وَرَأيُكَ أَعلى وَالرِضا ما رَضيتَهُ / وَكُلُّ اِمرئٍ غُولُ المَنِيَّةِ غائِلُه
أَفي كُلِّ دارٍ لي عَدُوٌّ أُصاوِلُه
أَفي كُلِّ دارٍ لي عَدُوٌّ أُصاوِلُه / وَخَصمٌ عَلى طُولِ اللَيالي أُزاوِلُه
وَطاوٍ عَلى بَغضايَ تَصرُفُ نابُهُ / عَلَيَّ وَبِالشَحناءِ تَغلي مَراجِلُه
كَأَنَّ أَباهُ كانَ قاتِلَهُ أَبي / وَها أَنا إِن أَوفى بيَ العُمرُ قاتِلُه
دَعُوني وَأَرضَ اللَهِ فَهيَ عَريضَةٌ / فإِن يَفلُلِ العَزمُ الَّذي أَنا حامِلُه
سَتَشهَدُ لي بِالسَيرِ في كُلِّ مَهمَهٍ / أَواخِرُ لَيلي إِن أَعِش وَأَوائِلُه
سَئِمتُ مُداراةَ اللَيالي وَغَرَّني / صَديقٌ أُصافيهِ وَخِلٌّ أُواصِلُه
وَضِقتُ ذِراعاً باِبنِ عَمٍّ مُحَبَّبٍ / إِلَيَّ وَإِن لَم تَسقِ أَرضي مَخاثِلُه
فَكَم لَيلَةٍ عَلَّلتُ نَفسي بِذِكرِهِ / وَسَكَّنتُ قَلبي فَاِطمَأَنَّت بَلابِلُه
فَلَمّا اِلتَقَينا كانَ حَظّي جَفاؤُهُ / وَكانَ لِغَيري بِرُّهُ وَنَوافِلُه
وَلَم أَسَتشِر قَلبي عَلى بَتِّ حَبلِهِ / مِنَ اليَأسِ إِلّا كادَ لُبّي يُزايِلُه
حُنُوّاً عَلَيهِ وَاِنتِظاراً لَعَلَّهُ / يُريعَ فَتُعصى في اِصطِناعي عَواذِلُه
وَإِنّي مَعَ الغَبنِ الَّذي يَرمضُ الحَشا / لأَحمي وَأَرمي دُونَهُ مَن يُناضِلُه
وَأُظهِرُ للأَقوامِ أَنّي بِقُربِهِ / مَليكٌ يُرَجّى رِفدُهُ وَفَواضِلُه
وَإِن ذَكَروهُ في النَدى قُلتُ ماجِدٌ / وَهوبٌ لِجُلِّ المالِ حُلوٌ شَمائِلُه
وَعَنَّفَني في قَصدِهِ وَاِصطِفائِهِ / رِجالٌ وَفي النَظمِ الَّذي أَنا قائِلُه
وَقالوا أَلَيسَ الماءُ يَعرِفُ طَعمَهُ / بِأَوَّلَ سِجلٍ مُرتَويهِ وَناهِلُه
وَأَنتَ فَقَد جَرَّبتَ كُلَّ مُجَرَّبٍ / وَطاوَلتَ ما لا كانَ خَلقٌ يُطاوِلُه
وَقُلتَ فَأَحسَنتَ المَقالَ وَلَم تَدَع / لِمُبتَدِعِ الأَشعارِ مَعنىً يُحاوِلُه
وَقُمتَ مَقاماً لَو يُقامُ لِغَيرِهِ / لَقالَ اِرتياحاً أَحسُن البِرِّ عاجِلُه
فَدَع عَنكَ مَولىً لا يُفيدُكَ قُربُهُ / وَذُمَّ اِبنَ عَمٍّ لا يَعُمُّكَ نائِلُه
وَهَل يَنفَعُ النَجدِيّ غَيمٌ لِأَرضِهِ / صَواعِقُهُ العُظمى وَلِلغَورِ وابِلُه
فَقُلتُ رُوَيداً إِنَّهُ اِبنُ مُحمَّدٍ / وَإِن ساءَني إِعراضُهُ وَتَغافُلُه
وَإِنّي لَأَرجُو وَليَةً مِن غَمامِهِ / بِها يَمرَعُ الوَادي وَيَخضَرُّ باقِلُه
أَقولُ لِرَهطٍ مِن سُراةِ بَني أَبي / وَدَمعُ المَآقي قَد تَداعَت حَوافِلُه
إِلى مَ بَني الأَعمامِ نُغضي عَلى القَذى / وَنُكثِرُ لَيّانَ العُلى وَنُماطِلُه
هَلِ الشَرُّ إِلّا ما تَرونَ وَرُبَّما / تَعَدّى فَأَنسى عاجِلَ الشَرِّ آجِلُه
وَهَل يَحمِلُ العَزمَ الثَقيلَ أَخُو العُلى / وَيَضعُف عَن حَملِ الظُلامَةِ كاهِلُه
وَما بَعدَ سَلبِ المالِ وَالعِزِّ فَاِعلَمُوا / مُقامٌ وَزادُ المَرءِ لا بُدَّ آكِلُه
وَلا بَعدَ تَحكيمِ العِدى في نُفوسِنا / وَأَموالِنا شَيءٌ مِنَ الخَيرِ نَأمُلُه
أَطاعَت بِنا إِخوانُنا كُلَّ كاشِحٍ / خَبيثِ الطَوايا يُشبِهُ الحَقَّ باطِلُه
وَجازَ عَلَيهِم قَولُ مَن قالَ إِنَّنا / عَدُوٌّ مَعَ الإِمكانِ تُخشى غَوائِلُه
فَأَينَ عُقولُ القَومِ إِذ يَقبَلونَهُ / فَما يَستوي مَنقوصُ عَقلٍ وَكامِلُه
أَنَحنُ بَنَينا العِزَّ أَم كانَ غَيرُنا / بَناهُ وَشَرُّ الناسِ مَن خابَ عامِلُه
وَهَل كانَ عَبدُ اللَهِ والِدَ مَعشَرٍ / سِوانا فَيُستَصفى وَتَمشي وَسائِلُه
فَأُقسِمُ ما هَذا لِخَيرٍ وَإِنَّهُ / لَأَوَّلُ ما الأَمرُ المُقَدَّرُ فاعِلُه
وَمَن يَستَمِع في قَومِهِ قَولَ كاشِحٍ / أُصيبَت كَما شاءَ المُعادي مَقاتِلُه
وَما كُلُّ مَن يُبدي المَوَدَّةَ ناصِحٌ / كَما لَيسَ كُلُّ البَرقِ يَصدُقُ خائِلُه
وَقَد يُظهِرُ المَقهُورُ أَقصى مَوَدَّةٍ / وَأَوهاقُهُ مَبثُوثَةٌ وَمَناجِلُه
وَمَن لَم يُقابِل بِالجَلالَةِ قَومَهُ / أَتاهُ مِنَ الأَعداءِ ما لا يُقابِلُه
وَمَن لَم يُبِح زُرقَ الأَسِنَّةِ لَحمَهُ / أُبيحَ حِماهُ وَاِستُرِقَّت حَلائِلُه
وَمَن لَم يُدَبِّر أَمرَهُ ذُو بَصيرَةٍ / شَفيقٌ بَكَتهُ عَن قَريبٍ ثَواكِلُه
وَكَم مِن هُمامٍ ضَيَّعَ الحَزمَ فَاِلتَقَت / عَلَيهِ عِداهُ بِالرَدى وَدخائِلُه
وَما المَرءُ إِلّا عَقلُهُ وَلِسانُهُ / إِذا قالَ لا أَبرادُهُ وَغَلائِلُه
فَقُومُوا بِعَزمٍ وَاِجعَلُوني مُقَدَّماً / فَأَيُّ حُسامٍ لَم تُرَصَّع حَمائِلُه
وَسِيرُوا عَلى طَيرِ الفَلاحِ فَقَد أَرى / رَسُولَ الجَلا وافى وَقامَت دَلائِلُه
فَإِنّي كَفيلٌ بِالخَرابِ لِبَلدَةٍ / يُراعى بِها مِن كُلِّ حَيٍّ أَراذِلُه
وَمِن ضَعفِ رَأي المَرءِ إِكرامُ ناهِقٍ / وَقَد ماتَ هزلاً في الأَواخِيِّ صاهِلُه
وَمَن ضَيَّعَ السَيفَ اِتِّكالاً عَلى العَصى / شَكى وَقعَ حَدِّ السَيفِ مِمّن يُنازِلُه
وَلَيسَ يَزينُ الرُمحَ إِلّا سِنانُهُ / كَما لا يَزينُ الكَفَّ إِلّا أَنامِلُه
فَإِن تَرفُضوا نُصحي فَما أَنا فيكُمُ / بِأَوَّلِ مَيمُونٍ عَصَتهُ قَبائِلُه
سَأُمضي عَلى الأَيّامِ عَزمي وَإِن أَبَت / لَأَظفَرَ مِنها بِالَّذي أَنا آمِلُه
فَإِنَّ بِقُربي مِن رِجالي مُتَوَّجاً / تُواصِلُ أَسبابَ العُلى مَن يُواصِلُه
مَنيعُ الحِمى لا يُذعِرُ القَومُ سَرحَهُ / وَلا يَمنَعُ الأَعداءُ شَيئاً يُحاوِلُه
إِلَيكَ عِمادَ الدّينِ عِقدُ جَواهِرٍ / تَناهى فَما يُؤتى بِعقدٍ يُشاكِلُه
فَقَد كُنتُ قَد عِفتُ القَريضَ زَهادَةً / بِمُستامِهِ إِذ يُرخِصُ الدُرَّ جاهِلُه
وَأَكبَرتُ نَفسي عَن مَديحي مُذَمَّماً / بِكُلِّ قَبيحٍ بَشَّرتنا قَوابِلُه
وَلَولاكَ لَم أَنبِس بِبَيتٍ وَلَو طَمى / مِنَ الشِعرِ بَحرٌ يَردفُ المَوجَ ساحِلُه
وَلَكِنَّ لي فيكُم هَوىً وَقَرابَةً / تُحَرِّكُني وَالرَحمُ يُحمَدُ واصِلُه
وَإِنّي لَأَشنا المَدحَ في غَيرِ سَيِّدٍ / أَبُوهُ أَبي لَو زاحَمَ النَجمَ كاهِلُه
فَلا زِلتَ كَهلاً لِلعَشيرَةِ يُلتَجى / إِلَيهِ إِذا ما الدَهرُ عَمَّت زَلازِلُه
رُوَيدَكَ يا هَذا المَليكُ الحَلاحِلُ
رُوَيدَكَ يا هَذا المَليكُ الحَلاحِلُ / فَما المَجدُ إِلّا بَعضُ ما أَنتَ فاعِلُ
دَعِ الشِعرَ حَتّى يَشمَلَ الحَدَّ حِكمَةً / وَشَأنَكَ وَالدُنيا فَأَنتَ المُقابَلُ
فَقَد جُزتَ مِقدارَ الشَجاعَةِ وَالنَدى / وَتِربُكَ في لِعبِ الصِبا مُتَشاغِلُ
وَأَدرَكتَ ما فَوقَ الكَمالِ وَلَم يُقَل / لِمِثلكَ في ذِي السِنِّ إِنَّكَ كامِلُ
أَخَذتَ بِأَعضادِ العَشيرَةِ بَعدَما / هَوَت وَعَلَت مِنها الرُؤُوسَ الأَسافِلُ
وأَنقَذتَها مِن بَعدِ أَن لَعِبَت بِها / يَدُ الدَهرِ وَاِستَولَت عَلَيها الزَلازِلُ
فَأَنتَ لِناشِيها أَخٌ وَلِطِفلِها / أَبٌ راحِمٌ وَاِبنٌ لِذي الشَيبِ واصِلُ
عَلى أَنَّكَ المَولى الَّذي يُقتَدى بِهِ / وَلَكِنَّ طَبعاً تَقتَضيهِ الشَمائِلُ
أَطاعَت لَكَ الأَيّامُ كَرهاً وَسَلَّمَت / إِلَيكَ مَقاليدَ الأُمُورِ القَبائِلُ
فَقُل لِلّيالي كَيفَ تَجري صُرُوفُها / فَما الفَضلُ شَيءٌ غَيرُ ما أَنتَ قائِلُ
فَقَد أَذعَنت لِلخَوفِ مِنكَ وَأَهطَعَت / إِلى قَولِ مَأمُولٍ تَلَقّاهُ آمِلُ
زَهَت بِكَ آفاقُ البِلادِ وَأَخصَبَت / رُباها وَطابَت في ذُراها المَآكِلُ
وَنامَت عُيُونٌ رُبَّما عافَتِ الكَرى / بِلا رَمَدٍ فيها وَقَرَّت بَلابِلُ
تَرَكتَ الغُواةَ الغُثرَ فَوضى وَطالَما / غَدَت وَلَها مِن قَبلُ فينا مَحافِلُ
وَأَوليتَها مِنكَ الهَوانَ وَأَصبَحَت / وَكُلُّ غَويٍّ خاشِعٌ مُتضائِلُ
وَلَم يَبقَ مِن حِزبِ الضَلالِ اِبنُ غَيَّةٍ / عَلى الأَرضِ إِلّا وَهوَ خَزيانُ خامِلُ
رَفَعتَ عِمادَ المَجدِ مِن بَعدِ ما وَهى / وَرثَّ وَأَضحى رُكنُهُ وَهوَ مائِلُ
وَأَحيَيتَ رُوحَ الجُودِ مِن بَعدِ ما قَضى / وَرَدَّ عَلَيهِ التُربَ حاثٍ وَهائِلُ
وَقُمتَ بِأَحكامِ الشَريعَةِ فَاِستَوَت / لَدَيكَ ذَوُو الأَجبالِ طَيٌّ وَوائِلُ
وَأَوهَيتَ كَيدَ الفاسِقينَ فَأَصبَحُوا / وَناصِرُهُم مِن جُملَةِ الناسِ خاذِلُ
وَداوَيتَ قَرحاً كانَ في كَبدِ العُلى / تَبَطَّنهُ داءٌ مِنَ الغِلِّ قاتِلُ
لَعَمري لَنِعمَ المَرءُ أَنتَ إِذا اِلتقَت / صُدُور المَذاكي وَالخِفافُ الذَوابِلُ
وَنِعمَ المُرَجّى في السِنينِ إِذا اِستَوَت / مِنَ الضُرِّ أَبناءُ السُرى وَالأَرامِلُ
وَنِعمَ المُراعي لِلنَّزيلِ إِذا غَدا / أَكيلاً وَأَفنى مالَهُ مَن يُنازِلُ
وَنِعمَ الصَريخُ المُستَجاشُ إِذا اِرتَوَت / لَدى الرَوعِ مِن هامِ الكُماةِ المَناصِلُ
وَنِعمَ لِسانُ القَومِ إِمّا تَأَخَّرَت / عَنِ القَولِ ساداتُ الرِجالِ المَعاوِلُ
وَنِعمَ مُناخُ الرَكبِ أَهدى لَهُ السُرى / سَنا النارِ في الظَلماءِ وَالعامُ ماحِلُ
فَيَا سائِلي عَن شَأنِ فَضلٍ وَلَم يَزَل / بَغيضاً إِليَّ العالِمُ المُتَجاهِلُ
سَلِ القَومَ عَنهُ يَومَ جاءَت وَأَقبَلَت / تَخُبُّ المَذاكي تَحتَها وَتُناقِلُ
أَغارَت عَلى دَربِ الحَنائِدِ غارَةً / يَطيرُ الحَصا مِن وَقعِها وَالجَراوِلُ
لَها فَيلَقٌ بِالجَوِّ ذِي النَخلِ كامِنٌ / وَرَيعانُها لِلمَسجِدِ الفَردِ شامِلُ
وَطارَدَتِ الفِتيانَ فيها وَأَظهَرَت / كُناها وَكُلٌّ عارِفٌ مَن يُجادِلُ
فَوَلَّت حُماةُ القَومِ خَيلاً وَلَم تَزَل / بَنُو الحَربِ في يَومِ التَلاقي تُحاوِلُ
فَراحَت عَلَيها الخَيلُ فَاِنبَعَثَت لَها / جَحافِلُ جَمعٍ تَقتَفيها جَحافِلُ
فَحاصَت حِذارَ القَتلِ وَالأَسرِ خَيلُهُ / وَسُمرُ القَنا فيهنَّ صادٍ وَناهِلُ
فَأَورَدَهُم صَدرَ الحِصانِ كَأَنَّما / لَهُ المَوتُ جُندٌ بِالمُعادينَ كافِلُ
وَعاجَلَ طَعناً سَيِّدَ القَومِ فَاِغتَدَوا / وَقَد عافَ كُلٌّ مِنهُمُ ما يُحاوِلُ
بِها رَدَّ أَرواحَ التَوالي وَقَد غَدَت / إِذا ثارَ مِنهُم راجِلٌ طاحَ راجِلُ
أَقولُ وَقَد طالَ اِهتِمامي وَعَبرَتي / عَلى الخَدِّ مِنها مُستَهِلٌّ وَجائِلُ
وَقَد قَلِقَت مِنّي الحَشا وَتَتابَعَت / ظَواهِرُ أَنفاسٍ وَأُخرى دَواخِلُ
أَيا نَفسُ صَبراً لِلبَلايا فَرُبَّما / أَتى فَرَجٌ لِلمَرءِ وَالمَرءُ غافِلُ
فَكَم ضاقَ أَمرٌ ثُمَّ وَافى اِتِّساعُهُ / وَما عاجِلٌ إِلّا وَيَتلوهُ آجِلُ
وَقَد يَأمَنُ النَقصَ السُها لِاِحتِقارِهِ / وَيَخشى الخُسوفَ البَدرُ وَالبَدرُ كامِلُ
وَما بَينَ مَوتُورٍ وَلا بَينَ واتِرٍ / لِفَصلِ القَضا إِلّا لَيالٍ قلائِلُ
وَلَيسَ عَجيباً أَن يُحَقَّرَ عالِمٌ / لَدى ضِدِّهِ أَو أَن يُوَقَّرَ جاهِلُ
فَقَد رُبَّما لِلجَدِّ يُكرَمُ ناهِقٌ / فَيُخلى لَهُ المَرعى وَيُحرَمُ صاهِلُ
وَقَد يُلبَسُ الدِيباجَ قِردٌ وَلُعبَةٌ / وَتُلوى بِأَعناقِ الرِجالِ السَلاسِلُ
وَما الدَهرُ إِلّا فَرحَةٌ ثُمَّ تَرحَةٌ / تَناوَبُها الأَيّامُ وَالكُلُّ زائِلُ
فَقِرّي حَياءً وَاِطمَئِنّي جَلادَةً / فَأَيُّ كَريمٍ سالَمتهُ الغَوائِلُ
فَما أَنا بِالعَلِّ الجزُوعِ إِذا عَرى / مِنَ الدَهرِ خَطبٌ أَو تَعَرّضَ نازِلُ
وَما كانَ حَملي لِلأَذى عَن ضَراعَةٍ / وَلَكِن لِأَمرٍ كانَ مِنّي التَثاقُلُ
وَإلّا فَعِندي لِلسُرى أَرحَبِيَّةٌ / وَعَزمٌ يَفُلُّ السَيفَ وَالسَيفُ فاصِلُ
وَفِيَّ عَلى عَضِّ اللَيالي بَقِيَّةٌ / وَإِن قُطِعَت مِن راحَتَيّ الأَنامِلُ
وَلِي عَن مَكانِ الذُلِّ مَنأىً وَمَرحَلٌ / وَذا الناسُ في الدُنيا غَريبٌ وَآهِلُ
وَلَستُ غَريباً أَينَ كُنتُ وَإِنَّما / مَعانِيَّ غُربٌ في الوَرى لا المَنازِلُ
وَلَولا رَجائِي في الأَميرِ لَقَلَّصَت / بِرَحلي عَنِ الدارِ القِلاصُ العباهِلُ
وَلَكِن إِذا ما النَفسُ جاشَت وَعَدتَها / بِما وَعَدَتني فيهِ تِلكَ المَخائِلُ
فَيَسكُنُ مِنها الجَأشُ حَتّى كَأَنَّني / بِها فَوقَ أَعلامِ المَجَرَّةِ نازِلُ
وَحُقَّ لِمثلي أَن يُؤَمِّلَ مِثلَهُ / وَفي الناسِ مَأمُولٌ يُرَجّى وَآمِلُ
لِأَنَّ عَلِيّاً جَدَّهُ عَمِّيَ الَّذي / يَطُولُ بِهِ بَيتي عَلى مَن يُطاوِلُ
وَضَبّارُ جَدّي عَمُّهُ وَكِلاهُما / خَليصانِ وَالعَمُّ المُهَذَّبُ ناجِلُ
وَيَجمَعُنا في الأُمَّهاتِ اِبنُ يُوسُفٍ / عَلِيٌّ وَنُعمان الأَغَرُّ الحُلاحِلُ
وَلِيَ دُونَ هَذا عِندَ فَضلٍ وَسيلَةٌ / إِذا اِنقَطَعَت فيما سِواهُ الوَسائِلُ
وَعِندي مِنَ المدحِ الَّذي ما اِهتَدى لَهُ / جَريرٌ وَلا تِلكَ الفُحولُ الأَوائِلُ
أَقَرَّ بِفَضلِ الفَضلِ بادٍ وَحاضِرٌ / وَساقَ إِلَيهِ الشُكرَ حافٍ وَناعلُ
وَأَضحى سَريرُ المُلكِ يَختالُ فَرحَةً / بِهِ وَتَجَلَّت عَنهُ تِلكَ القَساطِلُ
فَيا نَحسُ سِر بُعداً وَسُحقاً وَلا تَجُز / بِداري مَدى الأَيّامِ أُمُّكَ هابِلُ
فَقَد حالَ فَضلٌ دونَ ما أَنتَ طالِبٌ / لَدَيَّ وَذُو الإِحسانِ وَالجُودِ فاضِلُ
وَأَصبَحَ دُوني راجِحٌ وَكَأَنَّهُ / أَخُو غايَةٍ صَعبُ العَريكَةِ باسِلُ
مُلوكٌ هُمُ الشُمُّ الرَواسي رَزانَةً / إِذا ما اِستَخَفَّ الحِلمَ حَقٌّ وَباطِلُ
وَإِن نَهَضُوا يَوماً لِحَربٍ رَأَيتَهُم / كَأَنَّهُمُ فَوقَ الجِيادِ الأَجادِلُ
نَماهُم إِلى العَلياءِ أَشرَفُ والِدٍ / تَقُومُ لَهُ بِالمَأثُراتِ الدَلائِلُ
أَبُو القاسِمِ المَلكُ الَّذي عُرِفَت بِهِ / حِدادُ المَواضي وَالعِتاقُ الصَواهِلُ
هُمامٌ لَهُ عَزمٌ وَحَزمٌ وَمَحتِدٌ / كَريمٌ وَبَأسٌ لا يُطاقُ وَنائِلُ
وَعَدلٌ تَساوى فيهِ سامٍ وَيافِثٌ / وَحامٍ وَمُبدِي قطعِهِ وَالمَواصِلُ
وَلا بَرِحَت تَسطُو رَبيعَةُ في العِدى / بِمِثلِهِمُ ما طَبَّقَ الأَرضَ وابِلُ
وَما ناحَ قُمرِيُّ الحَمامِ وَما دَعا / أَخُو فاقَةٍ وَاستَجلَبَ المَدحَ باذِلُ
وَعاشُوا جَميعاً في نَعيمٍ وَغِبطَةٍ / وَحاسِدُهُم في غُمَّةٍ لا تُزايِلُ
صِداقُ المَعالي مَشرفِيٌّ وَذابِلُ
صِداقُ المَعالي مَشرفِيٌّ وَذابِلُ / وَسابِغَةٌ زَغفٌ وَأَجرَدُ صاهِلُ
وَطَعنٌ إِذا الغُزُّ المَساعيرُ أَقبَلَت / تَخُبُّ مَذاكيها بِها وَتُناقِلُ
وَضَربٌ إِذا ما الصِيدُ هابَت وَأَحجَمَت / وَفَرَّ مِنَ الفرسانِ مَن لا يُنازِلُ
وَنَصّ القِلاص القُودِ تَخدي كَأَنَّها / نَعامٌ بِأَعلى قُلَّةِ الدَوِّ جافِلُ
يَجُوبُ بِهِ البَيداءَ كُلُّ شَمَردَلٍ / يُسارِعُ في كَسبِ العُلى وَيُعاجِلُ
سَواءٌ عَلَيهِ لَيلُهُ وَنَهارُهُ / وَتَهجِيرُهُ وَقتَ الضُحى وَالأَصائِلُ
فَيا خاطِبَ العَلياءِ لا تَحسَبَنَّها / حَديثَ العَذارى أَنشَأَتهُ المَغازِلُ
تَنَحَّ وَدَعها هَكَذا غَيرَ صاغِرٍ / لِمَلكٍ هُمامٍ ما اِشتَهَت فَهوَ باذِلُ
أَغَرُّ عُيونِيٌّ كَأَنَّ جَبينَهُ / صَفيحَةُ سَيفٍ أَخلَصَتهُ الصَياقِلُ
نَماهُ إِلى العَلياءِ فَضلٌ وَعَبدَلٌ / وَأَحمَدُ وَالقَرمُ الهِزَبرُ الحُلاحِلُ
هُوَ المَشرَبُ العَذبُ الَّذي طابَ وِردُهُ / إِذا خَبُثَت لِلشّارِبينَ المَناهِلُ
سمامُ العِدى جَمُّ النَدى دافِعُ العِدى / بَعيدُ المَدى يَعلُو بِهِ مَن يُطاوِلُ
بِهِ اِفتَخَرَت هِنبٌ وَطالَت بِمَجدِهِ / لُكَيزٌ وَعَزَّت عَبدُ قَيسٍ وَوائِلُ
لَهُ ذِروَةُ المَجدِ المُؤَثَّلِ وَالعُلى / إِذا اِنشَعَبَت يَومَ الفَخارِ القَبائِلُ
حَميدُ السَجايا ما تَروحُ عِداتُهُ / مُسالمةً هاماتُهُم وَالمَناصِلُ
يُحكِّمُ في أَعدائِهِ حدَّ سَيفِهِ / إِذا حُطِّمَت في الدّارِعينَ العَوامِلُ
إِذا ما رَآهُ ناظرٌ خالَ أَنَّهُ / شِهابٌ عَلى جانٍ مِنَ الأُفقِ نازِلُ
يَرومُ ذَوو الأَغراضِ إِدراكَ شَأوِهِ / وَأَينَ مِنَ البَحرِ الخِضَمِّ الجَداوِلُ
وَهَيهاتَ نَيلُ الفَرقَدينِ وَلَو رَقى / عَلى مُشمَخِرّاتِ الذُرى المُتَناوِلُ
هُوَ البَحرُ لَكِن مَدُّهُ غَيرُ جازِرٍ / هُوَ البَدرُ إِلّا أَنَّهُ الدَهرَ كامِلُ
هُوَ الشَمسُ في جَوِّ السَماءِ وَنُورُها / عَلى كُلِّ مَن فَوقَ البَسيطَةِ شامِلُ
هُوَ المُزنُ إِلّا أَنَّهُ فَوقَ سابِحٍ / وَفي كُلِّ أَرضٍ مِنهُ سَحٌّ وَوابِلُ
هُوَ اللَيثُ إِلّا أَنَّ عِرِّيسَهُ القَنا / وَصيداتِهِ الصّيدُ المُلوكُ العَباهِلُ
هُوَ النَصلُ لَكِن لا يحُسُّ غِرارَهُ / بَنانٌ وَبِالأَيدي تُحَسُّ المَناصِلُ
إِذا صَبَّحَت راياتُهُ دارَ مَعشَرٍ / عِدىً كَثُرَت أَيتامُها وَالأَرامِلُ
وَإِن رُبِطَت بَينَ القِبابِ جِيادُهُ / فَهُنَّ بِأَكبادِ المُلوكِ جَوائِلُ
فَقُل لِلعِدى مَهلاً قَليلاً فَإِنَّهُ / سِمامٌ لِمَن يَبغي العَداوَةَ قاتِلُ
كَأَنَّكُم لَم تَعرِفُوا سَطَواتِهِ / إِذا الحَربُ فارَت مِن لَظاها مَراجِلُ
سَلُوا تُخبَرُوا مِن غَيرِ جَهلٍ لِفِعلِهِ / بَني مالِكٍ فَالحُرُّ بِالحَقِّ قائِلُ
أَلَم يَجلِبِ الجُردَ العِتاقَ شَوازِباً / مِنَ الخَطِّ تَتلُوها المَطايا المَراسِلُ
إِلى أَن أَناخَت بِالدَجانيّ بَعدَما / بَراها السُرى وَالأَينُ فَهيَ نَواحِلُ
فَصَبَّحنَ حَيّاً لَم تُصَبَّح حِلالهُ / قَديماً وَلا رامَت لِقاهُ الجَحافِلُ
فَكُم قَرمِ قَومٍ غادَرَتهُ مُجَدَّلاً / تَقُطُّ شَواهُ الخامِعاتُ العَواسِلُ
وَكَم مالِ نَحّامٍ مِنَ القَومِ أَصبَحَت / تُقَسَّمُ غَصباً جُلُّهُ وَالعَقائِلُ
وَكَم عاتِقٍ لَم تَترُكِ الخِدرَ ساعَةً / تُقلِّبُ كَفَّيها لَهُ وَهيَ ثاكِلُ
تَقُولُ وَدَمعُ العَينِ مِنها كَأَنَّهُ / جُمانٌ هَوى مِن سِلكِهِ مُتوابِلُ
حَنانيكَ يا اِبنَ الأَكرَمينَ فَلَم تَدَع / لَنا أَملاً تُلوى عَلَيهِ الأَنامِلُ
وَفي لِينَةٍ أَردى شَغاميمَ طَيِّئٍ / جِهاراً وَلَونُ الجَوِّ بِالنَقعِ حائِلُ
عَشِيَّةَ لا يَلوي عِنانَ جَوادِهِ / حِمىً وَالعَذارى دَأبُهُنَّ التَعاوُلُ
غَدا مِثلَ ما راحَ الظَليمُ يَحُثُّهُ / عَلى الجَريِ لَيلٌ قَد أَظَلَّ وَوابِلُ
فَإِن يَنجُ مِن أَسيافِهِ فَلَقَد نَجا / وَفي قَلبهِ خَبلٌ مِن الرُعبِ خابِلُ
وَكانَ لَهُم بِالحَزمِ يَومٌ عَصَبصَبٌ / وَقَد حَشَدَت لِلحَربِ تِلكَ القَبائِلُ
عَنينٌ وَآلُ الفَضلِ مِن آلِ بَرمَكٍ / وَكُلُّهُمُ لِلعِزِّ أَنفٌ وَكاهِلُ
وَجاءَت زَبيدٌ كَالجَرادِ وَطَيِّئٌ / وَكُلٌّ يُمَنّي نَفسَهُ ما يُحاوِلُ
وَكانُوا يَظُنّونَ الأَميرَ بِدارِهِ / مُقيماً وَجاءَتهُم بِذاكَ الرَسائِلُ
فَضاقَت عَلى أَحياءِ قَيسٍ رِحابُها / مِنَ الخَوفِ وَاِنسَدَّت عَلَيها المَناهِلُ
وَجاءَت إِلَيهِ الرُسلُ مُخبِرَةً لَهُ / بِما قَد دَهى وَالأَمرُ إِذ ذاكَ هائِلُ
فَسارَ مِنَ الأَحساءِ تَطوي بِهِ الفَلا / عِتاقُ المَذاكي وَالمَطِيُّ الذَوامِلُ
فَمَرَّت بِقَصرِ العَنبَرِيِّ وَلَم يَكُن / لَها بِسِوى دارِ الأَعادي تَشاغُلُ
فَما شَعَروا حَتّى تَداعَت عَلَيهِمُ / كَما يَتَداعى صَيِّبٌ مُتَوابِلُ
شَوائِلُ تشوال العَقارِبِ فَوقَها / لُيُوثٌ وَلَكِن غابُهُنَّ القَساطِلُ
فَثارُوا يُرِشّونَ الطّرادَ وَكُلُّهُم / يُطاعِنُ في مَوجاتِها وَيُجاوِلُ
إِلى أَن بَدَت مِن آلِ فَضلٍ عِصابَةٌ / قَصيرٌ لَدَيها الباذِخُ المُتَطاوِلُ
يَقودُ نَواصِيها أَخُو الجُودِ ماجِدٌ / وَفَضلٌ إِذا هابَ الكَمِيُّ المُنازِلُ
وَأَحمَدٌ السامي عَظيمٌ وَكُلُّهُم / أَخُو ثِقَةٍ يَعلُو عَلى مَن يُصاوِلُ
فَزادَ مَقاديمَ الفَوارِسِ بَعدَما / تَحَطَّمَ فيها مَشرَفِيٌّ وَذابِلُ
وَأَقبلَ لَيثُ الغابِ أَعني مُحمّداً / يُفَتِّشُ عَن أَشبالِهِ وَيُسائِلُ
فَقِيلَ لَهُ تَحتَ العَجاجَةِ دَأبُهُم / طِعانُ العِدى في حَيثُ تَخفى المَقاتِلُ
فَأَورَدَهُم صَدرَ الحِصانِ كَأَنَّهُ / بِأَخذِ نُفوسِ القَومِ بِالسَيفِ كافِلُ
فَطارُوا سِلالاً مِن أَسيرٍ وَهارِبٍ / وَمِن هالِكٍ تَبكي عَلَيهِ الثَواكِلُ
وَلَم يَبقَ إِلّا خائِفٌ مُتَرَقِّبٌ / حِماماً سَريعاً أَو نَزيلٌ مُنازِلُ
وَمِن بَعدِ ذاكَ العِزِّ أَضحَت مُلُوكُهُم / وَكُلٌّ لَدَيهِ خاشِعٌ مُتَضائِلُ
وَلا عارَ لَو عاذُوا بِأَكنافِ سَيِّدٍ / يَطُولُ فَلا تُرجى لَدَيهِ الطَوائِلُ
فَمِن قَبلِ ذا عاذَت بِأَكنافِ هانِئٍ / بَنُو مُنذِرٍ إِذ عارَضَتها الغَوائِلُ
فَقُل لِعُقَيلٍ غَثِّها وَسَمينِها / إِذا جَمَعتها في النُجوعِ المَحافِلُ
أَلا إِنَّما فِعلُ الأَميرِ مُحَمَّدٍ / لِإحياءِ ما سَنَّ الجُدودُ الأَوائِلُ
هُمُ بِخَزازَى دافَعُوا عَنكُمُ العِدى / وَذَلِكَ يَومٌ مُمقِرُ الطَعمِ باسِلُ
فَشُكراً بِلا كُفرٍ لِسَعيِ رَبيعَةٍ / فَما يَكفُرُ النَعماءَ في الناسِ عاقِلُ
إِلَيكَ اِبنَ شَقّاقِ الفَوارِسِ مِدحَةٌ / تُطَأطَأ لَها مِن حاسِديكَ الكَواهِلُ
أَتَتكَ كَنَظمِ الدُرِّ مِن ذي قَرابَةٍ / لِإِحياءِ وُدٍّ لا لِمالٍ يُحاوِلُ
زَهَت هَجَرٌ مِن بَعدما رَثَّ حالُها
زَهَت هَجَرٌ مِن بَعدما رَثَّ حالُها / وَعادَ إِلَيها حُسنُها وَجَمالُها
وَأَضحَت تُباهي جَنَّتي أَرضِ مَأربٍ / لَيالي بَنُو ماءِ السَماءِ حِلالُها
فَيا حُسنَها حينَ اِستَقَرَّ قَرارُها / وَزايَلَها ما كانَ فيهِ وَبالُها
بِأَوبَةِ مَيمُونِ النَقيبَةِ لَو سَطا / عَلى الأرضِ خَوفاً مِنهُ زالَت جِبالُها
بِهِ اِعتَدَلَت أَرض الحَساءِ وَغَيرُها / وَقَد كانَ أَعيَى لِلأَنامِ اِعتِدالُها
إِذا غابَ عَنها غابَ عَنها رَبيعُها / وَإِن آبَ فيها آبَ فيها ثِمالُها
فَتىً لَم يَزَل مُذ كانَ يخشى وَيُرتَجى / إِذا قَصَّرَت عَن يَومِ خَطبٍ رِجالُها
فَيَخشاهُ جَبّارٌ وَيَرجُوهُ خائِفٌ / وَأَرمَلَةٌ قَد ماتَ هُزلاً عيالُها
يَجُذُّ مَقالاتِ الرِجالِ بِلَفظَةٍ / وَيَقصُرُ عَنهُ عِندَ ذاكَ جِدالُها
تَوَدُّ مُلوكُ الشَرقِ وَالغَربِ أَنَّهُ / يَمينٌ وَأَنَّ العالمينَ شِمالُها
هُمامٌ مَتى نُودي عَلى الخَيلِ بِاِسمِهِ / تَضايَقَ عَنها في المَكَرِّ مَجالُها
وَإِن حُدِيَت بَعدَ الكَلالِ قَلائِصٌ / بِذكراهُ وَهناً زالَ عَنها كَلالُها
وإِن نُزلَ الخرمُ المَخُوفُ فَبَيتُهُ / مِن الأَرضِ عالي هُضبِها وَتِلالُها
وَإِن نَزَلَ الوَسمِيُّ دارَ قَبيلَةٍ / رَعاهُ ولَو أَنَّ الرياضَ قِلالُها
أَعَزَّ عُقَيلاً عِزُّهُ فَتَدَامَلَت / وَمِن قَبلُ أَعيى مَن سِواهُ اِندِمالُها
كَفاها وَأَغناها بِنائِلِ كَفِّهِ / وَمالِ عِداها فَاِغتَدَت وَهوَ مالُها
وَأَنزَلَها دارَ الأَعادي بِسَيفِهِ / فَأَضحَت خَفافيثاً لَدَيها صِلالُها
وأَورَدَها بِالمَشرَفيِّ مَوارِداً / حَرامٌ بِغَيرِ المَشرَفيِّ بَلالُها
أَقامَ عُهُوداً بَينَ عَمرٍو وَعامِرٍ / عَيِيٌّ عَلى أَيدي الرِجالِ اِنحِلالُها
لَعَمري لَنِعمَ المُستَغاثُ إِذا دَعَوا / لِنائِبَةٍ جَلَّت وَآذى اِحتِمالُها
وَنِعمَ لِسانُ القَومِ إِن قيلَ مَن لَها / خَطيبٌ وَأَعيَى الحاضِرينَ مَقالُها
وَنِعمَ مُناخُ الطارِقينَ إِذا أَتَت / تُقَلقِلُ مِن بَعدِ الهُدُوِّ رِحالُها
وَنِعمَ مَلاذُ المُعتَفينَ إِذا نَبا / زَمانٌ وَهَبَّت عامَ مَحلٍ شَمالُها
وَنِعمَ سَدادُ الثَغرِ تَكثُرُ دُونَهُ / مَعاذيرُ أَربابِ العُلى وَاِعتِلالُها
فَيا ذا العُلى وَالمَجدِ وَالدَوحَةِ الَّتي / زَكى فَرعُها وَاِزدادَ طيباً ظِلالُها
وَجَدِّكَ مُذ فارَقتَنا ما صَفَت لَنا / حَياةٌ وَلا خَلّى العُيونَ اِنهِمالُها
وَما ذاكَ إِلّا لِاِشتِياقٍ مُبَرِّحٍ / إِلى لَثمِ كَفٍّ لَيسَ كُلٌّ يَنالُها
أَنامِلُها فيها حَياةٌ وَرَحمَةٌ / ومَوتٌ وَيُغني الطالِبينَ اِنهِمالُها
فَعِش أَبَداً يابا عَلِيٍّ بِعِزَّةٍ / يَزيدُ عَلى مَرِّ اللَيالي جَلالُها
فَأَنتَ الَّذي لَولاهُ لَم تَبقَ رايَةٌ / لِمَجدٍ وَرَثَّت غَيرَ شَكٍّ حِبالُها
وَجِد وَاِجتَهِد في آلِ جَروانَ إِنَّهُم / سُيوفٌ تُقَرّي حاسِديكَ نِصالُها
هُمُ بَذَلُوا فيما يَسُرُّكَ أَنفُساً / كِراماً وَنارُ الحَربِ يَعلُو اِشتِعالها
وَهُم حَطَّمُوا سُمرَ العَوالي وَفَلَّلُوا / مَضارِبَ أَسيافٍ حَديثاً صِقالُها
غَداةَ أَبي الجرّاحِ يَغدو كَأَنَّهُ / نَعامَةُ قَفرٍ تَقتَفيها رِئالُها
وَذادُوا الأَعادي عَن حِماكَ وَفَلَّقُوا / جَماجِمَ لَم يَبرَح قَديماً ضَلالُها
وَأُوصِيكَ خَيراً بِالعَشيرَةِ كُلِّها / فَإِنَّكَ مِن بَعدِ الإِلَهِ مَآلُها
فَأَنتَ الَّذي أَحيَيتَها وَأَغثتَها / وَقَد كَثُرَت قِيلُ الأَعادي وَقالها
فَلا تَكتَرِث مِن قَولِ واشٍ وَشى بِها / فَما مُبلِغُ الحُسّادِ إِلّا مِحالها
وَأَلغِ مَقالاتِ الوُشاةِ فَإِنَّها / لأَشياءَ ظَنّي أَنَّها لا تَنالُها
أَقيما عَلى حَرِّ المُدى أَو تَرَحَّلا
أَقيما عَلى حَرِّ المُدى أَو تَرَحَّلا / فَلَستُ بِراضٍ مَنزِلَ الهُونِ مَنزِلا
وَلا تَسأَلاني أَينَ تَرمي رَكائِبي / فَمالَكُما أَن تُسلِماني وَتسأَلا
فَقَد سَئِمَت نَفسي المُقامَ وَشاقَني / رُكُوبُ الفَيافي مَجهَلاً ثُمَّ مَجهَلا
وَكَيفَ مُقامي بَينَ أَوباشِ قَريَةٍ / أَرى الرَأسَ فيها مَن بِها كانَ أَسفَلا
بَني عَمِّ مَن أَمسى كَثيراً سَوامُهُ / وَإِن كانَ أَدنى مِن هُتَيمٍ وَأَرذَلا
وَأَعداءُ مَن غالَت يَدُ الدَهرِ مالَهُ / وَإِن كانَ أَسرى مِن قُرَيشٍ وَأَنبلا
لَحى اللَّهُ مَن يُغضي عَلى ضَيمِ صاحِبٍ / وَمَن يَجعَلُ الخِلَّ المُناصِحَ مَأكلا
وَمَن لا يَرى حَقَّ الصَديقِ وَلَو نَبا / بِهِ الدَهرُ أَو أَضحى مِنَ المالِ مُرمِلا
وَمَن لا يُجازي الوُدَّ بِالوُدِّ مُفضِلاً / وَيَجزي القِلى وَالصَدَّ بِالصَّدِّ وَالقِلى
خَليليَّ كُفّا عَن جِدالي فَإِنَّني / أَرى الرَأيَ كُلَّ الرَأيِ أَن أَتَرَحَّلا
فَقَد جاءَ في بَيتٍ مِنَ الشِعرِ سائِرٍ / لَنا مثلٌ مِن عالِمٍ قَد تَمَثَّلا
وَإِنَّ صَريحَ الحَزمِ وَالرَأيِ لِاِمرِئٍ / إِذا أَدرَكَتهُ الشَمسُ أَن يَتَحَوَّلا
فَكَيفَ بِنارٍ لا يَزالُ وَقودُها / حَديداً إِذا حُشَّت بِرِفقٍ وَجَندَلا
إِلى كَم أُداري بَينَ قَومي وَأَتَّقي / وَأَصدى فَأُسقى الماءَ صاباً وَحَنظَلا
بَلَوتُ صُروفَ الدَهرِ كَهلاً وَيافِعاً / فَما اِزدَدتُ عِلماً غَيرَ ما كانَ أَوَّلا
وَأَلقى صُروفَ الدَهرِ سِنَّ اِبنِ أَربَعٍ / فَتَحسَبُني الأَحداثُ عوداً مُذَلَّلا
كَذا الماجِدُ الأَحساب يَمضي وَما دَرَت / رُواةُ المَساعي أَيَّ عَصرَيهِ أَفضَلا
وَقَلَّبتُ هَذا الدَهرَ بَطناً وَظاهِراً / فَأَلقَيتُهُم ذِئباً وَهِرّاً وَتَنفُلا
وَما اِختَرتُ خِلّاً مِنهُمُ أَتَّقي بِهِ / زَمانِيَ إِلّا اِشتَقتُ أَن أَتَبَدَّلا
دَعَوتُ رِجالي مِن قَريبٍ فَخِلتُني / دَعَوتُ إِلى الجُلّى أَسيراً مُكَبَّلا
وَأَعلَنتُ في الحَيِّ البَعيدِ فَلم أَجِد / عَلَيهِم لِمثلي في الخُطوبِ مُعَوِّلا
وَمِن قَبلُ ما نادَيتُ في حَيِّ عامِرٍ / وَكُنتُ لِداعِيهِم إِذا الأَمرُ أَغفَلا
فَصُمَّت رِجالٌ عَن دُعائي وَأَحجَمَت / كَمِثلِ بُغاثِ الطَيرِ عايَنَ أَجدَلا
ولَو دِرهَمٌ يَوماً دَعاهُم لَأَقبَلَت / رِجالٌ وَخَيلٌ تَملأُ الجَوَّ قَسطَلا
كَذَلِكَ مَن يَبغي الوَضائِمَ لا يَني / يُضامُ وَيُسقى بِالكَبيرِ المُثَمِّلا
وَلا لَومَ في شاني عَلَيهِم لِأَنَّني / لَأَلوي بِهِ أَو أَجعَل الآلَ مَنهَلا
وَلَو أَنَّ مَن نادَيتُ مِن صُلبِ عامِرٍ / لَأَوضَعَ إِيضاعاً لِصَوتي وَأَرفَلا
وَلَكِنّ أَوباشاً لَعَمري تَجَمَّعَت / مَعَ اِبنِ عَلِيٍّ إِذ تَوَلّى وَأَجهَلا
نَفتهُم قَديماً بَكرَةً وَمُحارِبٌ / وَلَم يَجِدُوا في حَيِّ شَيبانَ مَدخَلا
وَلَو أَنَّ عِرقاً مِن رَبيعَةَ فيهِمُ / لَكانُوا عَلى الأَرحامِ أَحنا وَأَوصَلا
أَلا يا لَقومي هَل أَرى في جَنابِكُم / مُطاعاً لَدى الساداتِ مِنكُم مُبَجَّلا
وَهَل أُصبِحُ الأَعداءَ مِنكُم بِصَيلَمٍ / تُغادِرُ دارَ القَومِ رَبعاً مُعَطَّلا
أَيُصبِحُ حَظّي فيكُمُ وَهوَ ناقِصٌ / وَتَغدُو حُظوظُ الغَيرِ أَوفى وَأَكمَلا
وَيُكرَمُ أَقوامٌ مُعيدٌ أَبُوهُمُ / وَيُحرَمُ مَن يُدعى عَلِيّاً وَعَبدَلا
أَما وَأَبيكُم إِنَّها لَبَلِيَّةٌ / إِذا جالَ فيها فِكرُ مِثلي تَمَلمَلا
حِذاراً عَلى العَقدِ الَّذي عَقَدَت لَنا / أَوائِلُنا في العِزِّ أَن يَتَحَلَّلا
وَخَوفاً مِنَ الأَمرِ الَّذي يَشعَبُ العَصا / وَمَن خَذَل المَولى لَهُ كانَ أَخذَلا
أَقولُ وَقَد فَكَّرتُ في أَمرِ عُصبَةٍ / إِذا قُلتُ عَنها أَدبَرَ الشَرُّ أَقبَلا
وَقَد شَرِقَت لِلغَبنِ عَيني بِمائِها / وَحُقَّ لِماءِ العَينِ أَن يَتَهَمَّلا
تَرى أَنَّ أَفعالَ اللَيالي الَّتي جَرى / لَنا شُومُها صارَت عَلى وَزنِ أَفعَلا
فَيا شِقَوتا ما لي أَرى كُلَّ ساعَةٍ / أُمُوراً مُحالاتٍ وَرَأياً مُضَلَّلا
وَما لي أَرى الساداتِ إِمّا مُشَرَّداً / بِأَرضِ الأَعادي أَو مَضيماً مُكَبَّلا
شَفى غَيظَهُ مِنّا المُعادي لَوِ اِشتَفى / وَحَرَّمَ فينا مِن قَريبٍ وَحَلَّلا
وَما نالَ مِنّا ذاكَ إِلّا لِأَنَّنا / جَعَلنا لَهُ دِرعاً وَرُمحاً وَمُنصَلا
وَمَن يُعطِ خَصماً دِرعَهُ وَحُسامَهُ / وَسابِقَهُ فَليَلبَسِ الذُلَّ مُشملا
وَمَن مَلَّكَ الأَعداءَ تَدبيرَ أَمرِهِ / فَذاكَ الَّذي يُدعى العَديمَ المُثَكَّلا
وَمَن رامَ طولَ العُمرِ بِالذُلِّ وَالغَبا / رَأى المَوتَ مَرأَىً عاجِلاً وَمُؤَجَّلا
وَمَن لَم تَكُن أَنصارُهُ مِن رِجالِهِ / أُخيفَ وَأَضحى بِالجناياتِ مُبسَلا
وَمَن لانَ يَوماً لِلعِدى هانَ وَاِصطَلى / عَلى الكُرهِ مِن نيرانِها شَرَّ مُصطَلى
وَمَن لَم يُقَدِّم لِلأُمورِ مُقَدَّماً / أَضاعَ وَأَبدى لِلمرامينَ مَقتَلا
فَآهٍ لِقَومي لَو أُطِعتُ لَدَيهِمُ / دَرَوا أَنَّ فيهِم حازِمَ الرَأيِ فَيصَلا
لَقَد كُنتُ لا أَرضى الدَنِيَّةَ فيهمُ / وَلا يَزدَهيني عَنهُمُ مَن تَمَحَّلا
وَلَكِن إِذا ما الأَمرُ حُمَّ اِنتِهاؤُهُ / أَقامَ مُقامَ الأَضبَطِ الوردِ خَيطَلا
وَأَقمَنُ شَيءٍ بِالهَلاكِ مَدينَةٌ / تُريكَ نَبِيهَ القَدرِ مَن كانَ أَخمَلا
فَيا رَبِّ لا صَبراً عَلى ذا وَلا بَقاً / فَسُق فَرَجاً أَو لا فَمَوتاً مُعَجَّلا
أَفي كُلِّ يَومٍ لِلخُطوبِ أصالي
أَفي كُلِّ يَومٍ لِلخُطوبِ أصالي / أَلا ما لِأَحداثِ الزَمانِ وَما لي
يُفَجِّعنَني في كُلِّ يَومٍ يَمُرُّ بي / بِأَنفَسٍ مالٍ أَو بِأَشرَفِ آلِ
أَرى الشَرَّ قُدّاماً وَخلفاً وَأَتَّقي / نِبالَ الأَذى عَن يَمنَةٍ وَشِمالِ
إِذا قُلتُ جَلّى بَعضُ هَمّي أَتَت لَهُ / نَوائِبُ أَمضى مِن حُدودِ نِصالِ
كَأَنَّ الرَزايا وَالمَنايا تَحالَفا / عَلى عَكسِ آمالي وَبَثِّ مَآلي
لَحى اللَهُ هَذا الدَهرَ كَم يَستَفِزُّني / لِخَوضِ بِحارٍ أَو لِشَقِّ جِبالِ
يُكَلِّفُني جَريَ الجَوادِ وَقَد لَوى / شِكالاً عَلى ساقَيَّ خَلفَ شِكالِ
وَقَد مَصَّ مُخَّ العَظمِ حَتّى إِزارهُ / وَبَدَّلَهُ مِن نِيِّهِ بِهُزالِ
وَهَل يَقطَعُ الشّكلَ الجَوادُ عَلى الوَنى / وَلَو جالَ في الآرِيِّ كُلَّ مَجالِ
أَقولُ وَقَد فَكَّرتُ في أَمرِ خِلَّتي / وَأَمري وَحالِ الأَرذَلينَ وَحالي
أَلا لَيتَني قَد كُنتُ خِدناً مُخادِناً / لِخَيطِ نَعامٍ في الفَلا وَرِئالِ
وَلَم أَكُ عارَفتُ اللِئامَ وَلَم أَنُط / حِبالَ خَسيسٍ مِنهُمُ بِحِبالي
فَلَم أَرَ مِنهُم غَيرَ خِبٍّ يَمُدُّ لي / لِسانَ مُحِبٍّ مِن طَوِيَّةِ قالِ
لَهُ شِيمَةُ السَنَّورِ في لُطفِ خدعِهِ / وَلَكِنَّهُ في اللَمسِ حَيَّةُ ضالِ
إِذا جِئتُ فَدّاني وَأَبدى بَشاشَةً / وَلاحَظَني مِنهُ بِعَينِ جَلالِ
وَإِن غِبتُ أَدنى ساعَةٍ مِن لحاظِهِ / تَمَحَّلَ في غَيبي بِكُلِّ مِحالِ
إِلى اللَهِ أَشكُو مَنجَمي في مَعاشِرٍ / هُمُ شَرُّ ماضٍ في الزَمانِ وَتالِ
صَحِبتُهُمُ مُستَصفِياً فَوَجَدتُهُم / أَليمَ عَذابٍ في أَشَدِّ نِكالِ
إِذا قُلتُ حَلَّ الدَهرُ غِلَّ صُدُورِهِم / أَبَت سُوءُ أَخلاقٍ وَقُبحُ خِصالِ
ولا ذَنبَ لي إِلّا حِجىً وَبَراعَةٌ / وَمَجدٌ وَبَيتٌ في رَبيَعَةَ عالِ
وَمَيلي إِلى أَهلِ التَواضُعِ وَالعُلى / بِوُدّي وَبُغضي الأَسفَلَ المُتَعالي
وَمَعرِفَتي آباءَهُم وَجُدُودَهُم / وَرَفضي لِقيلٍ في الأَنامِ وَقالِ
لِعِلمي بِيَومٍ ما بِهِ ذُو نَدامَةٍ / يُرَدُّ وَلا ذُو عَثرَةٍ بِمُقالِ
وَلا السَيِّدُ الجَبّارُ فيهِ بِسَيِّدٍ / مُطاعٍ وَلا عالي الرَعاعِ بِعالِ
بِهِ الحُكمُ لِلّهِ الَّذي لا قَضاؤُهُ / بِحَيفٍ وَلا سُلطانُهُ بِمُزالِ
أُداريهمُ حَتّى كَأَنّي لَدَيهمُ / أَسيرُ طِعانٍ أَو أَسيرُ سُؤالِ
وَلَو شِئتُ قَد كُنتُ المُدارى لِأَنَّني / أَصُولُ بِأَيدٍ في الأَنامٍ طِوالِ
إِذا شِئتُ لَبّى دَعوَتي كُلُّ ماجِدٍ / يُعَدُّ لِيَومَي نائِلٍ وَنِزالِ
جِبالٌ إِذا طاشَت حُلومُ بَني الوَغى / رَواسٍ وَلَكِن في شُخوصِ رِجالِ
عَلى كُلِّ مَحبُوكِ القَرى شَنجِ النَسا / تَجِيءُ رِعالاً مِن وَراءِ رِعالِ
نِتاجُ اِبنِ حَلّابٍ وَقَيدٍ وَلاحِقٍ / وَغُلِّ المَذاكي كامِلٍ وَعُقالِ
بِها كم وَطِئنا مِن رِقابِ قَبيلَةٍ / وَحَيٍّ عَلى مَرِّ الزَمانِ حِلالِ
وَذُو الحُمقِ لَو نادى أَراهُ نِداؤُهُ / بَناتِ اِبنِ آوى في شُخوصِ سَعالي
تَجِيءُ بِآلاتٍ لَها مُستَعِدَّةً / لِحَصدِ غِلالٍ لا لِضَربِ قِلالِ
عَلى كُلِّ مَرقُومِ الذِراعَينِ يَنتَمي / لِأَلأَمِ عَمٍّ في الكِدادِ وَخالِ
تَشاحَجُ فيها آتُنٌ مُوجدِيَّةٌ / يَنُسنَ بِآذانٍ لَهُنَّ طِوالِ
لَنا كَدحُهُم في حَيثُ كانُوا وَكَدحُها / حَلالٌ مِن الباري وَغَيرُ حَلالِ
عَدِمتُ زَمانَ السُوءِ أَمّا بُزاتُهُ / فَعُطلٌ وَأَمّا بُومُهُ فَحوالِ
أَراهُ وَلُوعاً بِالكِرامِ يَلُسُّها / كَلَسِّ الكَلا مِن يَمنَةٍ وَشِمالِ
كَأَنَّ لَهُ ثَأراً عَلى كُلِّ ماجِدٍ / جَمالٍ لِأَهلِ الأَرضِ وَاِبنِ جَمالِ
فَقُل لِبَني الأَوباشِ مَهلاً فَإِنَّها / لَيالٍ وَتَأتي بَعدَهُنَّ لَيالِ
فَإِن رَقَدَت عَينُ الزَمانِ هُنَيئَةً / فَكَم يقظَةٍ مِنهُ أَتَت بِزَوالِ
فَلَولا أُفُولُ الشَمسِ لَم يَبنِ السُها / وَلَولا الدُجى ما لاحَ ضَوءُ ذُبالِ
فَلا تَطمَعِ الأَوباشُ فينا فَإِنَّنا / رَحاها وَما الأَوباشُ غَيرُ ثُفالِ
فَإِنَّ هُتَيماً لَو حَوَت مالَ هاشِمٍ / هُتَيمٌ فَلا يَغرُركَ طَيفُ خَيالِ
سَتَرجِعُ فيما عُوِّدت مِن حَميرِها / وَمِن خَرقِ أَشنانٍ وَخَصفِ نِعالِ
فَصَبراً قَليلاً سَوفَ تَجني غِراسَها / ثَمارَ بَلايا أَينَعَت وَوَبالِ
وَإِلّا فَلا عَزَّت مُلُوكُ بَني أَبي / وَلا خَطَرَ الفِعلُ الجَميلُ بِبالي
فَكُلٌّ لَهُ مِمّا قَضى اللَهُ عادَةٌ / سَتُدرِكُهُ لَو نالَ كُلَّ مَنالِ
فَسَوفَ تَرونَ الشَمسَ قَد غالَ نُورُها / نُجُوماً مُسَمّاةً وَبَدرِ كَمالِ
فَكَيفَ بِها مَخسُولَةً لَو تَساقَطَت / لَما عَدَلَت في الفَقدِ عُودَ خِلالِ
وَمَن عَوَّدَ اللَهُ الجَميلَ فَإِنَّهُ / سَيَبقى بِجِدٍّ في العَشيرةِ عالِ
عَلى ذاكَ مِنّي شاهِدٌ غَيرُ غائِبٍ / يُبَيِّنُ لِلأَقوامِ صِدقَ مَقالي
وَآلُ بَني جَروانَ لَمّا رَمَتهُمُ / بِداءٍ عَلى غَيرِ الكِرامِ عُضالِ
أَرادَت عِداهُم نَيلَ ما كانَ مِن عُلىً / لَهُم يا لَقَومي مِن عَمىً وَضَلالِ
وَأَطمَعَهُم قَتلُ الرَئيسِ وَما جَرى / مِن اِخراجِ آلٍ وَاِستِباحَةِ مالِ
فَما رَبِحُوا غَيرَ العَناءِ وَإِن غَدَت / عُقُولُهُم تُدعى عُقُولَ سِخالِ
وَهَل عَمَلٌ أَغنى عَن المالِ أَو شَفى / حَرارَةَ ظَمآنٍ تَرَيّعُ آلِ
فَلم يَمضِ إِلّا الحَولُ ثُمَّ رَأَيتُهُم / عَلى رَغمِ شانِيهِم بِأَنعَمِ بالِ
يَلُوذُ مُعادِيهم بِهم وَهو خاضِعٌ / كَما تَخضَعُ الجُربُ العِجافُ لِطالِ
فَلَو أَنَّهُم شاؤُوا لأَضحَت مَنازِلٌ / تَمُرُّ بِها الأَيّامُ وَهيَ خَوالِ
وَلَكِنَّ حُسنَ العَفوِ مِنهُم سَجِيَّةٌ / إِذا ما عَفا وَالٍ وَعاقَبَ والِ
وَمِن حَقِّ بَيتٍ مِنهُ يُعزى اِبنُ عَبدَلٍ / دَوامُ عُلُوٍّ في أَتَمِّ كَمالِ
وَمَن يَلقَ إِبراهيمَ يلقَ اِبنَ تارَحٍ / أَخي العَزمِ في نسكٍ وَعَزمِ خِلالِ
وَيَلقَ اِبنَ يَعقُوبَ المُكَرَّمَ يُوسُفاً / نَبِيَّ الهُدى في عِفَّةٍ وَجَمالِ
فَتىً حَلَّ مِن عَليا لُكَيزٍ وَعامِرٍ / بِأَعلى مَحَلٍّ مِن ذُرىً وَقِلالِ
فَيا بِأَبي أَخلاقُهُ الغُرُّ إِنَّها / لَأَعذَبُ مِن صافي الثِّغابِ زلالِ
أَخٌ وَاِبنُ عَمٍّ حينَ أَدعُو وَوالِدٌ / شَقيقٌ وَخِلٌّ لا يَخُونُ وَكالي
كَفى ساكِنَ البَحرَينَ كُلَّ عَظيمَةٍ / وَناءَ بِأعباءٍ تكِدنَ ثِقالِ
فَلولاهُ لا زالَ الرَفيعَ عِمادُهُ / لَصال عَلَيها الدَهرُ كُلَّ مصالِ
فَدامَ لَهُ طُولُ البَقاءِ مُعَظَّماً / لِعَقرِ مَتالٍ أَو لِمَنعِ نَوالِ
وَلا زالَ يَعلُو في السَعادَةِ جَدُّهُ / وَيَنمى بَلا نَقصٍ بِماءِ هِلالِ
لِذا اليَومِ أَعمَلتُ القِلاصَ العَباهِلا
لِذا اليَومِ أَعمَلتُ القِلاصَ العَباهِلا / وَأَبقَيتُها تَحكي الحَنايا نَواحِلا
لِذا اليَومِ كَم نَفَّرتُ عَن زُغبِها القَطا / وَنَبَّهتُ ذُؤبانَ الفَلاةِ العَواسِلا
لِذا اليَومِ كَم مِن حُوتِ بَحرٍ ذَعَرتُهُ / وَكَم رُعتُ لَيثاً أَعصَلَ النابِ باسِلا
لِذا اليَومِ كَم جاثٍ بِغابٍ أَثَرتُهُ / وَغادَرتُ هَيقاً يَمسَحُ الأَرضَ جافِلا
لِذا اليَومِ نَكَّبتُ الجَزيرَةَ راجِعاً / وَإِربِلَ لَم أَعطِف عَلَيها وَبابِلا
لِذا اليَومِ فارَقتُ اِختيارَاً أَحِبَّتي / وَأَهلَ وِدادي وَالمُلوكَ الأَفاضِلا
فَكَم خُضتُ رَجوى اليَومِ مِن لُجِّ مُزبِدٍ / يُظنُّ اِصطِفاقُ المَوجِ فيهِ مَشاعِلا
وَكَم جُبتُ مِن مَوماةِ أَرضٍ تَرى بِها / مَعَ الآلِ حَقَّ العَينِ وَالأُذنِ باطِلا
تَخالُ بِها الحِرباءَ في رَأسِ جذلَةٍ / شَبيحاً مِنَ البدوانِ لِلعرضِ ماثِلاً
وَتَحسبُ فيها الثُعلُبانَ مُجَدَّلاً / مِنَ الخَيلِ إِذ تَعلُو كَثيباً مُقابِلا
وَإِن عَرَضَت فيها الرِئالُ حَسِبتَها / بخاتِيَّ تَحمِلنَ الرَوايا قَوافِلا
وَحَيِّ عِدىً قَد طالَ ما نَذَروا دَمي / فَلَو ظَفَروا بِي عَمَّمُوني المَناصِلا
تَخَطَّيتُهُم هُدءاً مِن اللَيلِ بَعدَما / تَنَكَّبَ حادي النَجمِ لِلغَربِ مائِلا
وَلَو لَم أُمَنِّ النَفسَ في كُلِّ ساعَةٍ / بِذا اليَومِ لَم تَعدَم مِنَ الهَمِّ قاتِلا
إِذا ما اِنقَضَت أَيّامُ عادٍ تَرَكتُها / وَقُلتُ نُرَجّي ذَلِكَ اليَومَ قابِلا
فَيا سَعدَهُ يَوماً بِلُقيايَ سَيِّداً / أَبَرَّ عَلى الساداتِ حَزماً وَنائِلا
بِلُقيايَ مَلكاً زَيَّنَ المُلكَ مُذ رَقَى / ذُراهُ وَحَلّى مِنهُ ما كانَ عاطِلا
هُماماً أَبَت هِمّاتُهُ أَن تَرى لَهُ / عَلى الأَرضِ في بَأسٍ وَجُودٍ مُماثِلا
جَميلَ الثَنا عَذبَ السَجايا مُهَذَّباً / أَشَمَّ طَويلَ الباعِ قَرماً حُلاحِلا
رَزينَ حَصاةِ الحِلمِ أَلوى مُمَاحِكاً / لِأَعدائِهِ طَلّابَ وَترٍ مُماطِلا
سَريعاً إِلى الجُلّى بَطيئاً عَنِ الخَنا / قَؤُولا لِما يُعيي الرِجالَ المَقاوِلا
مِنَ الصارِمِ الهِنديّ أَمضى عَزائِماً / وَأَصدَقَ مِن نَوءِ الثُرَيّا مَخائِلا
يُخافُ وَيُرجى حالَةَ السُخطِ وَالرِضا / وَما قالَ إِلّا كانَ لِلقَولِ فاعِلا
سَما لِلعُلى طِفلاً وَحالَ اِثِّغارِهِ / سَقى مِن نُحورِ الدارِعينَ العَوامِلا
وَدانَت كُماةُ الحَربِ غَصباً لِبأسِهِ / وَلَمّا تَجُز في السِنِّ عَشراً كَوامِلا
فَيا سائِلاً عَنهُ وَما مِن جَهالَةٍ / تُسائِلُ بَل تُبدي لِأَمرٍ تَجاهُلا
سَلِ الخَيلَ عَنهُ يَومَ تَكسُو حُماتَها / طَيالِسَةً مِن نَسجِها وَغَلائِلا
أَلَم يَكُ أَمضاها جَناناً وَصارِماً / وَأَطوَلَها إِذ ذاكَ باعاً وَذابِلا
أَلَم يَأتِ مِن أَرضِ الشَواجِنِ يَختَطي / حَرابِيَّ أَجوَازِ الفَلا وَالخمائِلا
كَسَهمِ عَلاءٍ أَو كَما اِنقَضَّ كَوكَبٌ / يُعارِضُ عِفرِيتاً مِنَ الجَوِّ نازِلا
فَما حَلَّ عَقدَ السَيفِ حَتّى أَناخَها / ضُحىً بِعِذارِ الخَطِّ حَدباءَ ناحِلا
وَقَبلَ أَذانِ العَصرِ نُودي بِمُلكِهِ / نِداءاً أَرانا الدَهرَ يَفتَرُّ جاذِلا
وَلَم يَرزَ مَنصُوراً فَتيلاً لِمُلكِهِ / عَلَيهِ وَلا أَولاهُ إِلّا فَواضِلا
وَذُو المَجدِ لا يَرضى عُقوقاً وَلا أَذىً / لِذِي رَحِمٍ لَو لَم يَكُن قَبلُ واصِلا
وَلَو لَم يَخَف أَن يَذهَبَ المُلكُ لَم يَرُح / عَلى اِبنِ أَخيهِ مُدَّةَ الدَهرِ صائِلا
وَلَم يَبغِ فيهِ مُسعِداً غَيرَ نَفسِهِ / وَمِثلُ عِمادِ الدِينِ يَكفي قَبائِلا
سِوى أَنَّ مِن نَسلِ المُفَدّى عِصابَةً / أَبَوا أَن يُطِيعُوا في هَواهُ العَواذِلا
وَما ذاكَ إِلّا أَن رَأَوا مِثلَ ما رَأى / وَقَد يَحفَظ الدُولاتِ مَن كانَ عاقِلا
لَعَمري لَنِعمَ المُستَغاثُ مُحَمَّدٌ / إِذا البيضُ نُوزِعنَ البُرى وَالمَجاوِلا
وَنِعمَ مُناخُ الطارِقينَ رَمَت بِهِم / شَآمِيَّةٌ تُزجي سَحاباً حَوافِلا
وَنِعمَ المُراعى لِلنَزيلِ وَطالَما / أَحَلَّت رِجالٌ بِالنَزيلِ النَوَازِلا
وَنِعمَ لِسانُ القَومِ في يَوم لا تَرى / لِكِلمَةِ فَصلٍ تَرفَعُ الشَكَّ قائِلا
أَعَزُّ وَأَوفى مِن عُمَيرٍ وَحارِثٍ / وَأَكرمُ مِن كَعبٍ وَأَوسٍ شَمائِلا
وَأَصدَقُ بَأساً مِن كُلَيبٍ إِذا غَدا / يَجُرُّ إِلى حَربِ المُلوكِ الجَحافِلا
وَأَحَلَمُ مِن قَيسٍ إِذا الحِلمُ لَم يَرُح / يُطَوِّقُ عاراً أَو يُمَوِّقُ جاهِلا
وَأَمنَعُ جاراً مِن يَزيدٍ وَهانِئٍ / وَجَسّاسٍ الساقي حَسا المَوت وائِلا
إِذا ما رَأَيناهُ ذَكَرنا مُحَمَّداً / أَباهُ فَبَشَّرنا مَضيماً وَآمِلا
وَقُلنا لِأَبناءِ المُلوكِ تَوَقَّعُوا / لَهُ فَرَجاً يَأتي بِهِ اللَهُ عاجِلا
وَأَيُّ فَتى مَجدٍ وَمُجدي رَغائِبٍ / وَمِحضَأ حَربٍ يَترُكُ الشَيخَ ذاهِلا
وَشَلّالُ مَغشاةٍ وَحَلّالُ تَلعَةٍ / حَمى الخَوفُ خُبراواتِها وَالمَسائِلا
فَيا باعَلِيٍّ يا اِبنَ مَن فاقَ مَجدُهُ / أَواخِرَ أَربابِ العُلا وَالأَوائِلا
مَلَكتَ فَسِر فِيمَن مَلَكتَ بِسِيرَةٍ / تَسُرُّ مُقيماً في ذُراكُم وَراحِلا
وَكُن مِثلَ ما قَد كانَ والِدُكَ الَّذي / تَلَقَّيتَهُ وَاِعمَل بِما كانَ عامِلا
وَأَدرِك رَعايا ضَيَّعَتها رُعاتُها / وَراحَت لِضُبعانٍ وَذِئبٍ أَكايِلا
فَأَنت لَعَمري بَينَ خالٍ وَوالِدٍ / يُعيدانِ لِلعَليا سَناماً وَكاهِلا
أَبُوكَ الَّذي لَم تَحمِلِ الخَيلُ مِثلَهُ / إِذا أَجهَضَ الرَوعُ النِساءَ الحَوامِلا
مَضى لَم يُدَنِّس عِرضَهُ بِرَذِيلَةٍ / وَلا راحَ لِلمَولى وَلا الجارِ خاذِلا
وَمَن يَدَّعي خالاً كَخالِكَ يَدَّعي / مُحالاً وَإِفكاً مُستَحيلاً وَباطِلا
وَمَن كَحُسَينٍ إِن أَلَمَّت مُلِمَّة / تُريكَ البَليغَ النَدبَ فِدماً مُوائِلا
مَتى تَدعُهُ تَدعُ اِمرَءاً لا مُضَيِّعاً / صَديقاً وَلا عَن صارِخٍ مُتَثاقِلا
حَمُولا لَما حَمَّلتَهُ ذا فَظاظَةٍ / عَلى مَن يُعادي أَلمَعِيّاً مُناضِلا
وَما بَرِحُوا آلَ المُفَدّى لِجارِهِم / وَلِاِبنِ أَخيهِم حِيثُ كانُوا مَعاقِلا
وَغَزوانَ فَاِحفَظ وُدَّهُ وَاِحتَفِظ بِهِ / تَجِد سَيفَ عَزمٍ في مَراضِيكَ فاصِلا
وَقابِل بِهِ كَيدَ العَدُوِّ وَصِل بِهِ / جَناحَكَ واِجعَلهُ لِعَلياكَ حائِلا
فَما فيهِ تَضييعٌ عَلَيكَ وَلا تَرى / لَهُ في مَراضي مَن تُصافي مُشاكِلا
وَأَيُّ رَئيسٍ لا يُرى دُونَ مالِهِ / صَديقٌ وَلا عافٍ يُرَجِّيهِ حائِلا
وَجُندُكَ رُشهُم ما اِستَطَعتَ وَلا تَكُن / وَإِن غَفِلُوا عَن رَبِّهِم مُتَغافِلا
فَما الجُندُ إِلّا جُنَّةٌ تَتَّقي بِها / غَوائِلَ مَولىً أَو عَدُوّاً مُصاوِلا
وَلا تُهمِلَن وُدّي لَكُم وَقَرابَتي / وَأَشعارِيَ اللّاتي مَلَأنَ المَحافِلا
فَكَم لِيَ في عَلَياكُمُ مِن غَريبَةٍ / يَظَلُّ مُسامِيكُم لَها مُتَضائِلا
نَتائِجُ فِكرٍ غادَرَت كُلَّ فِكرَةٍ / نَتُوجٍ لِما يَحلُو مِنَ الشِعرِ حائِلا
وَكَم غُصَصٍ جُرِّعتُها في هَواكُمُ / وَلَم أُصغِ سَمعاً لِلَّذي جاءَ عاذِلا
وَفارَقتُ أَهلي غَيرَ قالٍ وَأُسرَتي / وَولدِيَ خِلّانَ الصِبا وَالمَنازِلا
وَإِنَّ مَديحي غَيرَكُم غَيرُ رائِقٍ / وَلَو أَنَّني بُلِّغتُ فيهِ الوَسائِلا
بَقيتَ لَنا يابا عَلِيٍّ لِنَقتَضي / بِكَ الثارَ مِن أَيّامِنا وَالطَوائِلا
وِعاشَ اِمرُؤٌ يَشناكَ ما عاشَ خائِفاً / قَليلاً ذَليلاً خاشِعَ الطَرفِ خامِلا
وَيهنيكَ ذا المُلكُ الَّذي عَمَّ يُمنُهُ / عُقَيلاً وَأَحيا عَبدَ قَيسٍ وَوائِلا
وَدُونَكَ مِن تَيّارِ بَحرٍ إِذا طَمى / أَراكَ بِحارَ الأَرضِ جَمعاً صَلاصِلا
وَأَنفَذتُها في حِكمَةٍ وَبَلاغَةٍ / كَسَت حُلَّةً مِن بَعدِ عَهدِكَ عاقِلا
بَنانُكَ مِن مُغدُودِقِ المُزنِ أَهطَلُ
بَنانُكَ مِن مُغدُودِقِ المُزنِ أَهطَلُ / وَباعُكَ مِن رَضوى وَثَهلانَ أَطوَلُ
وَدارُكَ دارُ الأَمنِ مِن كُلِّ حادِثٍ / وَمَنزِلُكَ المَعمُورُ لِلمَجدِ مَنزِلُ
إِذا عُدَّ أَربابُ النَباهَةِ وَالعُلى / فَأَنتَ عَلى رغَمِ المُعادينَ أَوَّلُ
تَجاوَزتَ مِقدارَ الكَمالِ فَما يُرى / عُلىً كامِلاً إِلّا وَعَلياكَ أَكمَلُ
وَحُزتَ خِلالَ الفَضلِ مِن كُلِّ وجهَةٍ / فَما فاضِلٌ إِلّا وَأَنتَ المُفَضَّلُ
كَمالَ الوَرى آنَ الرَحيلُ وَلَم يَعُد / لِذي أَرَبٍ عَن قَصدِهِ مُتَعَلَّلُ
وَلَم يَبقَ إِلّا أَن يُوَدِّعَ راحِلٌ / مُقيماً فَمنحيها جَنُوبٌ وَشَمأَلُ
أَقولُ وَلِي قَلبٌ شَعاعٌ تَضُمُّهُ / جَوانِحُ يَعلُو الشَوقُ فيها وَيَسفُلُ
وَلي أَنَّةٌ تُشجي القُلوبَ وَزَفرَةٌ / تَكادُ بِأَدناها ضُلوعي تَزَيَّلُ
وَقَد كِدتُ أَن أُبدي الحَنينَ تَبَرُّماً / مِنَ الغَبنِ إِلّا أَنَّني أَتَجَمَّلُ
لَحى اللَهُ دَهراً أَلجَأتني صُروفُهُ / إِلى حَيثُ يُلغى حَقُّ مِثلي وَيُهمَلُ
وَعاقَبَ قَومي الغُرَّ شَرَّ عُقُوبَةٍ / وَخَصَّصَ مَن يَنمي عَلِيٌّ وَعَبدَلُ
فَلَولاهُمُ وَاللَهُ يَعلَمُ ذَلِكُم / لَما فاهَ لي بِالمَدحِ في الناسِ مِقوَلُ
وَلا حُطَّ بِالفَيحاءِ رَحلي وَلا رَأَت / فُرى ظاهِرِ الزَوراءِ شَخصي وَإِربِلُ
وَقَد كان لِي مِن إِرثِ جَدّي وَوالِدي / غِنىً فيهِ لِلرّاجي الَّذي يَتَمَوَّلُ
وَلا اِستَقبَلَت جاهي رِجالٌ جَهالَةً / وَجاهَلَ قَدري بِالمَحامِدِ أَجهَلُ
فَإِن يَكُ ما أَبغي ثَقيلاً لَدَيهِمُ / فَحَملُ الكَريمِ الحُرِّ لِلمَنِّ أَثقَلُ
لَقَد كانَ لِي لَولا رَجاءُ مُحَمَّدٍ / عَنِ المَوصِلِ الحَدباءِ مَنأىً وَمَرحَلُ
ولَم آتِها إِلّا عَلى اِسمِ رَجائِهِ / وَلِلخَطبِ يُرجى ذُو العُلى وَيُؤَمَّلُ
وَيَأبى لَهُ البَيتُ الرَفيعُ عِمادُهُ / رُجوعي بِحالٍ نَشرُها لَيسَ يَجملُ
وَكَيفَ وَعِندي أَنَّهُ ذُو بَصيرَةٍ / إِذا حارَتِ الأَلبابُ وَالجَدُّ مُقبِلُ
خَلِيلَيَّ ما كُلُّ الرِجالِ وَإِن عَلَوا / كَمالٌ وَلا كُلُّ الأَقاليمِ مَوصِلُ
وَلا كُلُّ نَبتٍ تُخرِجُ الأَرضُ مَأكَلٌ / وَلا كُلُّ ماءٍ تُبصِرُ العَينُ مَنهَلُ
هُوَ الماجِدُ النَدبُ الَّذي لا جنابُهُ / بِوَعرٍ وَلا بابُ النَدى مِنهُ مُقفَلُ
هُمامٌ إِذا اِستَسقَيتَ مُزنَ بَنانِهِ / سَقَتكَ حَياً مِن فَيضِهِ البَحرُ يَخجَلُ
جَوادٌ إِذا ما الخُورُ عامَت فِصالُها / وَلَم يَبقَ في البُزلِ القَناعِيسِ مَحمَلُ
ضَحُوكٌ إِذا ما العامُ قَطَّبَ وَجهَهُ / عُبُوساً وَأَبدى نابَهُ وَهوَ أَعقَلُ
عَلى أَنَّهُ البَكّاءُ في حِندِسِ الدُجى / خُشُوعاً وَمُحيي لَيلِهِ وَهوَ أَليَلُ
يُقِرُّ لَهُ بِالجودِ كَعبٌ وَحاتِمٌ / وَيَقضي لَهُ بِالمَجدِ زَيدٌ وَدَغفَلُ
سَما لِذُرى العَلياءِ مِن فَرعِ وائِلٍ / وَكُلُّ فَتىً مِن وائِلٍ فَهوَ مَوئِلُ
بِآبائِهِ عَزَّت نِزارٌ وَأَصبَحَت / تَقُولُ بِعَزمٍ ما تَشاءُ وَتَفعَلُ
مُلُوكٌ هُمُ أَردُوا لَبيداً وَغادَرَت / صُدورُ قَناهُم تُبَّعاً يَتَمَلمَلُ
وَهُم تَرَكُوا يَومَ الكُلابِ عَلى الثَرى / شُرَحبِيلَ شِلواً حَولَهُ الطَيرُ تَحجِلُ
وَعَمرو بنَ هِندٍ عَمَّمُوا أُمَّ رَأسِهِ / حُساماً يَقُدُّ البيضَ وَالهامَ مِن عَلُ
فَآخِرُهُم ما مِثلُهُ اليَومَ آخِرٌ / وَأَوَّلُهُم ما مِثلُهُ كانَ أَوَّلُ
وَإِنّ كَمالَ الدينِ لا زالَ كامِلاً / لأَشرَفُ أَن يَسمُو بِجَدٍّ وَأَنبَلُ
هُوَ الطَودُ حِلماً وَالمُهَنَّدُ عَزمَةً / هُوَ البَحرُ جُوداً بَل عَطاياهُ أَجزَلُ
لَهُ هَيبَةٌ مِلءُ الصُدورِ وَإِنَّهُ / عَلى عِزَّهِ للناسِكُ المُتَبَتِّلُ
تَوَلّى وَأَولى الناسَ خَيراً وَأَصبَحَت / صَوادي المُنى مِن نَيلِهِ وَهيَ نُهَّلُ
وَلاقى الرَعايا خافِضاً مِن جَناحِهِ / وَفي بُردِهِ لَيثٌ بِخفّانَ مُشبِلُ
تَراهُ فَتَلقى مِنهُ في السِلمِ واحِداً / وَلَكِنَّهُ عِندَ المُلِمّاتِ جَحفَلُ
صَؤُولٌ وَلا خَيلٌ قَؤُوَلٌ وَلا خَفَاً / سَؤُولٌ بحالِ الضَيفِ وَالجارِ فَيصَلُ
فَيا أَيُّها الساعي لِيُدرِكَ شَأوَهُ / رُوَيداً وَلا يَغرُركَ سَعيٌ مُضَلَّلُ
عَرَفتُ بَني هَذا الزَمانِ فَلَم أَجِد / سِواهُ إِذا ما حُمِّلَ الثِّقلَ يَحمِلُ
فَكَم صاحِبٍ صاحَبتُهُ لا مُؤَمِّلاً / نَدىً مِن يَدَيهِ غَيرَ أَنّي المُؤَمَّلُ
فَأَجهَدتُ نَفسي في البِناءِ لِمَجدِهِ / كَأَنّي بِهِ مِن كُلِّ بابٍ مُوَكَّلُ
إِذا صَدِئَت مِنهُ المَساعي جَلَوتُها / بِعارِفَةٍ مِنّي وَلِلمَجدِ صَيقَلُ
فَلَمّا رَماني الدَهرُ عَن قَوسِ نازِعٍ / وَلِلدهرِ حالاتٌ تَجُورُ وَتَعدِلُ
رَمى مَقتَلي مَع مَن رَمى وَهوَ عالِمٌ / بِأَنَّ شَوى مَن كادَهُ الدَهرُ مَقتَلُ
وَأَصبَحَتِ الحُسنى تُعَدُّ إِساءَةً / عَلَيَّ وَيُستَصفى عَدُوّي وَأُعزَلُ
وَتَكثُر عِندي لا لِعُذرٍ ذُنوبُهُ / فَأُمسي عَلى أَبوابِهِ أَتَنَصَّلُ
وَما ذاكَ عَجزٌ عَن مُكافاةِ خائِنٍ / وَلَكِنَّ حِلمي عَن ذَوي الجَهلِ أَفضَلُ
فَلا يُبعِدَنَّ اللَهُ شَخصَ مُحمَّدٍ / فَلَيسَ عَلى خَلقٍ سِواهُ مُعَوَّلُ
وَلا كانَ هَذا آخِرَ العَهدِ إِنَّني / إِلى اللَهِ في أَن نَلتَقي أَتَوَسَّلُ
فَيا شَقوَتا مِن عُظمِ شَوقٍ مُبَرِّحٍ / إِلَيهِ بِأَثناءِ الحَشا يَتَغَلغَلُ
إِلَيكَ كَمالَ الدّينِ عِقدُ جَواهِرٍ / أَضِنُّ بِها عَمَّن سِواكَ وَأَبخَلُ
يُقَصِّرُ عَن تَرصيعِها في عُقُودِها / أَخُو دارِمٍ وَالأَعشيانِ وَجَروَلُ
أَبا الكَرَمِ المَدعُوّ لِلخَطبِ إِنَّني / رَجَوتُكَ وَالمَدعُوُّ لا يَتَأوَّلُ
فَغِر لِكَريمٍ لَم يَكُن في حِسابِهِ / نُزُولٌ بِأَبوابِ السَلاطينِ يَسأَلُ
وَلا خالَ أَنَّ الدَهرَ يَسعى لِكَيدِهِ / فَيُلقى عَلَيهِ مِنهُ نَحرٌ وَكَلكَلُ
فَلَم يَبقَ إِلّا أَنتَ بابُ وَسيلَةٍ / إِلى كُلِّ خَيرٍ مِنهُ لِلناسِ مَدخَلُ
فَعِش لِلمَعالي وَاِبقَ لِلمَجدِ ما بَقي / ثَميرٌ عَلى مَرِّ اللَيالي وَيَذبُلُ
سَما لَكَ مِن أُمِّ العُبَيدِ خَيالُ
سَما لَكَ مِن أُمِّ العُبَيدِ خَيالُ / وَدُونَ لِقاها أَجرُعٌ وَسَيالُ
سَما وَمَطايانا كَأَنَّ اِقتِحامَها / غَوارِبَ أَمواجِ الفُراتِ فِيالُ
فَأَهدى سُروراً عازِباً كانَ قَد مَضى / وَأَنسَتهُ أَيّامٌ مَرَرنَ طِوالُ
وَعادَ فَلَم يَلبَث فَواقاً كَأَنَّما / عَلَيهِ بِتَعجيلِ الرُجوعِ كفالُ
فَشايَعتُهُ أَقضي الذِّمامَ لِأَنَّني / لِذاكَ أَبٌ في الحالَتَينِ وَخالُ
إِلى أَن بَلَغنا الجِسرَ وَالتُرعَةَ الَّتي / بِأَكنافِها الحَيُّ الكِرامُ حِلالُ
وَحانَت لِعَيني يَقظَةٌ بانَ عِندَها / بِأَنَّ الَّذي قَد كُنتُ فيهِ مُحالُ
فَواهاً لَها تَهوِيمَةً بَعَثَت جَوىً / حُرِمتُ لَهُ اللّذّات وَهيَ حَلالُ
أرَتني دِيارَ الحَيِّ قَومي وَدُونَها / وِهادٌ وَأَطوادٌ عَلَت وَرِمالُ
وَكُلَّ اِبنِ شَرٍّ قَرنُهُ مِن رِدائِهِ / يَرى شَخصَهُ جِنُّ الفَلا فَيُهالُ
رَعى اللَهُ هاتيكَ الدِيارَ وَإِن سَرَت / إِلَينا أَفاعٍ أَنبَتَت وَصِلالُ
أَقُولُ لِرَكبٍ مِن عُقَيلٍ لَقيتُهُم / وَأَعناقُها لِلقَريَتينِ تُمالُ
أَيا رَكبُ حُيِّيتُم وَجادَت بِلادَكُمُ / غَمائِمُ أَدنى سَحِّهِنَّ سِجالُ
إِذا جِئتُمُ أَرضَ الحَساءِ وَقابَلَت / قِبابٌ بِضاحي بَرِّها وَتِلالُ
فَأَرخُوا لَها فَضلَ الأَزمَّةِ ساعَةً / وَإِن كانَ أَينٌ مَسَّها وَكَلالُ
إِلى أَن تُوافوا الدَربَ وَالمَسجِدَ الَّذي / بِهِ الحَيُّ حَيٌّ وَالشَمالُ شَمالُ
فَثَمَّ تُلاقُونَ المُلوكَ بَني أَبي / وَيَكثُرُ عَنّي حينَ ذاكَ سُؤالُ
فَقُولُوا لَهُم إِنّا تَرَكنا أَخاكُمُ / بِحَيث مَآلُ الراغِبينَ مَآلُ
لَدى مَلِكٍ لا يَبلُغُ الوَصفُ مَدحَهُ / وَإِن أَطنَبَ المُدّاحُ فيهِ وَقالُوا
حَمُولٌ لِأَعباءِ الأُمورِ وَإِنَّها / عَلى غَيرِهِ لَو رامَها لَثِقالُ
لَهُ أَبَداً عِرضٌ مَصونٌ عَنِ الخَنا / وَمالٌ لِمُمتاحِ النَوالِ مُذالُ
هُوَ المَلكُ لا يَجري البَذا في نَدِيِّهِ / وَإِن طالَ قِيلٌ في الخِصامِ وَقالُ
تَوَلّى فَأَولى كُلَّ خَيرٍ فَأَصبَحَت / بِهِ المُهَجُ العَطشى وَهُنَّ نِهالُ
وَلاقى الرَعايا خافِضاً مِن جَناحِهِ / وَفي بُردَتَيهِ هَيبَةٌ وَجَلالُ
جَوادٌ لَو اِنَّ البَحرَ عارَضَ جُودَهُ / لَما اِبتَلَّ لِلمُجتازِ فيهِ قِبالُ
وَلَو أَنَّ لِلعَضبِ اليَمانِيِّ عَزمَهُ / لَما كادَهُ أَنَّ الرُؤوسَ جِبالُ
وَلَو أَنَّ لِلضِرغامِ قَلباً كَقَلبِهِ / لَما هالَهُ أَنَّ التُرابَ رِجالُ
هُوَ الشَمسُ نُوراً وَاِرتِفاعاً وَشارَةً / كَما قَد تَسَمّى وَالمُلوكُ ذُبالُ
بِهِ البَصرَةُ الفَيحاءُ أَقبَلَ سَعدُها / وَقَد كانَ فيها لِلنُحوسِ مَجالُ
تَوَخّى شَكاياها الَّتي بَرَحَت بِها / فَأَبرَأَ مِنها الداءَ وَهوَ عُضالُ
وَلَولاهُ لَم يَبرَح مُقيماً بِأَرضِها / هوانٌ وَذُلٌّ شامِلٌ وَنَكالُ
أَزالَ الأَذى عَنها اِحتِساباً وَرَغبَةً / وَما كانَ مَرجُوّاً لِذاكَ زَوالُ
وَأَقصى وُلاةَ الجَورِ عَنها حَميَّةً / لِيَسكُنَ مَرعُوبٌ وَيَنعُمَ بالُ
فَلا عُدِمَت أَيّامُهُ الغُرُّ إِنَّها / لَتَعدِلُ طَعمَ الماءِ وَهوَ زُلالُ
وَأُقسِمُ ما تَأتي اللَيالي بِمِثلِهِ / وَأَنّى وَما كُلُّ الرِجالِ رِجالُ
فَيا أَيُّها الساعي لِيُدرِكَ مَجدَهُ / أَفِق إِنَّ هَذا السَعيَ مِنكَ ضَلالُ
وَدَع عَنكَ ما لا تَستَطيعُ فَقَد تَرى / مَساعيَ شَمسِ الدَينِ لَيسَ تُنالُ
إِذا عُدَّ أَهلُ الفَضلِ يَوماً فَكُلُّهُم / عَلى فَضلِهِ لَو يُنشَرونَ عيالُ
لِكُلِّ اِمرِئٍ مِنهُم خِصالٌ حَمِيدَةٌ / وَلَكِنّ شَمسَ الدّينِ فيهِ كَمالُ
تَرى عِندَهُ ما عِندَهُم مِن فَضِيلَةٍ / وَفيهِ خِلالٌ فَوقَها وَخِلالُ
حَياءٌ وَإِقدامٌ وَحِلمٌ وَقُدرَةٌ / وَحَزمٌ وَجُودٌ لَيسَ فيهِ مِطالُ
وَعِلمٌ وَإِيمانٌ وَعَدلٌ وَرَأفَةٌ / وَنُسكٌ وَرَهبانِيَّةٌ وَجَمالُ
تَزاحَمَ أَهلُ العِلمِ وَالطالِبُو النَدى / لَدَيهِ لِكُلٍّ في هَواهُ سُؤالُ
فَلِلطّالِبي الفَتوى بَيانٌ مُعَلَّلٌ / كَذاكَ لِطُلّابِ النَوالِ نَوالُ
فِدىً لَكَ يا تاجَ المُلوكِ مَعاشِرٌ / سِيادَتُهُم لِلمُسلِمينَ وَبالُ
لَهُم عَن فِعالِ الخَيرِ أَيدٍ قَصيرَةٌ / وَلَكِنَّها في المُخزِياتِ طِوالُ
فَدُونكَ عِقداً صاغَهُ الفِكرُ مِن فَتىً / يَرى أَنَّ مَدحاً في سِواكَ خَبالُ
وَلَستُ بِمُهدٍ لِلرِجالِ مَدائِحي / وَإِن قَلَّ مالٌ أَو تَغَيَّرَ حالُ
وَلَكِنَّ نُعمى حَرَّكَتني وَصُحبَةٌ / وَوُدٌّ وَهَذا لِلكِرامِ صِقالُ
فَلا ظَفِرَت مِنكَ الأَعادي بِغِرَّةٍ / وَلا زِلتَ تَغزُو أَرضَها فَتُدالُ
وَجُزتَ المَدى يابا شُجاعٍ وَلا عَدَت / فِناءَكَ مِن بَعدِ الرِجالِ رِحالُ
أَماراتُ سِرِّ الحُبِّ ما لا يُكَتَّمُ
أَماراتُ سِرِّ الحُبِّ ما لا يُكَتَّمُ / وَأَبيَنُ شَيءٍ ما يُجِنُّ المُتَيَّمُ
ظَنَنتُ نُحُولي وَاِصفِراري مِنَ الهَوى / وَذَلِكَ مِمّا يَقتَضيهِ التَوَهُّمُ
لَعَمرُكَ ما بي مِن هَوىً غَيرَ أَنَّني / بِغُرِّ المَعالي يا اِبنَةَ القَومِ مُغرَمُ
وَقَد عَرَضَت مِن دُونِ ذاكَ فَأَحرَضَت / أُمُورٌ لَها يُستَهلَكُ اللَحمُ وَالدَمُ
إِذا خُطَّةً أَنكَرتُ مِن ذِي عَداوَةٍ / أَتاني مِنَ الأَحبابِ أَدهى وَأَعظَمُ
عَلى أَنَّني النَدبُ الَّذي يُكتَفى بِهِ / إِذا غالَها خَطبٌ مِنَ الدَهرِ مُبهَمُ
وَعِندي لِشانِيها سُيُوفٌ ثَلاثَةٌ / لِسانٌ وَرَأيٌ لا يُفَلُّ وَمِخذَمُ
وَلَستُ بِهَجّامٍ عَلى ما يَسُوءُها / وَلا ناطِقٍ بِالعَيبِ مِنّي لَها فَمُ
وَلا قابِضٍ فَضلَ الغِنى عَن فَقيرِها / وَلا باسِطٍ كَفّاً لَها حينَ أُعدِمُ
وَإِنّي لَأَقصاها إِذا ثابَ مغنَمٌ / وَإِنّي لأَدناها إِذا نابَ مَغرَمُ
وَلِي في الغِنى سَهمٌ إِذا ما أَفَدتُهُ / وَلِلدَفعِ عَن أَحسابِها مِنهُ أَسهُمُ
وَيَمنَعُني كَيدَ العَدُوِّ اِحتِقارُهُ / وَكَيد المُداجي عِفَّتي وَالتَكَرُّمُ
وَأَصفَحُ عَن جُهّالِ قَومي حَمِيَّةً / وَإِن أَسرَجُوا في هَدمِ عِزّي وَأَلجَموا
وَإِن قَطَعُوا أَرحامَ بَيني وَبَينهُم / وَصَلتُ وَذُو العَليا أَبَرُّ وَأَرحَمُ
وَأُغضي عَلى عَوراءِ قَومي وَإِنَّني / لَأَبصَرُ مِنهُم لَو أَشاءُ وَأَعلَمُ
وَأَحفَظُ وُدَّ الأَصدِقاءِ وَإِن هُمُ / إِلَيَّ بِلا جُرمٍ أَساؤُوا وَأَجرَمُوا
وَقائِلَةٍ لي وَالرِكابُ مُناخَةٌ / بِكِيرانِها تَرغُو مِراراً وَتَزغمُ
وَقَد أَيقَنَت مِنّي الرَحيلَ فَدَمعُها / تَوامٌ كَما اِنفَضَّ الجُمانُ المُنَظَّمُ
دَعِ الحلَّ وَالتِرحالَ وَالشَدَّ وَاِصطَبِر / فَصَبرُ الفَتى لَو شَقَّ أَحرى وَأَحزَمُ
وَلا تَجزَعَن إِنَّ اللَيالي بِأَهلِها / تَقَلَّبُ وَالأَيّامُ بُؤسى وَأنعُمُ
وَقَد يُصطَفى العِيرُ اللَئيمُ لِحَظِّهِ / مِراراً وَيُخفى الأَعوَجِيُّ المَطَهَّمُ
وَعاقِبَةُ الصَبرِ المُمِضِّ حَلاوَةٌ / وَإِن كانَ أَحياناً يُمِضُّ وَيُؤلِمُ
فَقُلتُ لَها وَالنَفسُ في غُلَوَائِها / تَجيشُ وَأَفكاري تَغُورُ وَتُتهِمُ
ذَريني فَإِنَّ الحُرَّ لا يَأَلَفُ الأَذى / وَقَد أَكثَرَ النَسلَ الجَديلُ وَشَدقَمُ
وَمَن يَكُ مِثلي ضَيمُهُ مِن رِجالِهِ / فَتِرحالُهُ لَو مَسَّهُ الضُرُّ أَحزَمُ
لَعَمري لَقَد طالَ اِنتِظاري وَلا أَرى / سِوى نارِ شَرٍّ كُلَّ يَومٍ تَضَرَّمُ
تَقُولينَ عُقبى الصَبرِ حُلوٌ مَذاقُهُ / وَما هِيَ إِلّا مُرَّةُ الطَعمِ عَلقَمُ
أَأَصبِرُ إِمّا شاكِياً مُتَعَتِّباً / إِلى شامِتٍ أَو باكِياً أَتَظَلَّمُ
سَأُرحِلُها إِمّا لِداعي مَنِيَّةٍ / وَإِمّا لِعِزٍّ حَوضُهُ لا يُهَدَّمُ
فَفي شاطِئِ الزَوراءِ مِن آلِ هاشِمٍ / إِمامُ هُدىً يُؤوَى إِلَيهِ فَيَعصِمُ
تَطُوفُ المُلوكُ الصِيدُ حَولَ فِنائِهِ / كَما طافَ بِالرُكنِ اليَمانِيِّ مُحرِمُ
تُرَجِّي بِهِ دِيناً وَدُنيا لِأَنَّهُ / إِلى اللَهِ في الدُنيا وَفي الدينِ سُلَّمُ
وَهَل مِثلُهُ يَومَ المَعادِ وَسيلَةٌ / إِلى اللَهِ إِلّا رَهطُهُ المُتَقَدِّمُ
أُبُوَّتُهُ إِمّا نَبِيٌّ مُعَظَّمٌ / إِلى اللَهِ يَدعُو أَو إِمامٌ مُكَرَّمُ
هُمُ القَومُ إِن مالُوا أَمالُوا وَإِن دُعُوا / أَنالُوا وَإِن خَفَّت بَنُو الحَربِ أَقدَمُوا
وَإِن وَعَدُوا أَوفُوا وَإِن قَدَرُوا عَفَوا / وَإِن سُئِلُوا النَعماءَ جادُوا وَأَنعَمُوا
وَإِن عاهَدُوا عَهداً أَصَرُوا وَحافَظُوا / وَإِن عَقَدُوا عَقداً أَمَرّوا وَأَحكَمُوا
وَإِن حارَبُوا قَوماً أَقامُوا وَأَقعَدُوا / وَإِن خُوطِبُوا يَوماً أَحَرّوا وَأَفحَمُوا
هُمُ نَزَلُوا أَحياءَ مَكَّةَ فَاِبتَنَوا / بِبَطحائِها في حَيثُ شاؤُوا وَخَيَّمُوا
وَأَضحوا وَبَيتُ اللَهِ فيهِم وَسَلَّمَت / خُزاعَةُ كُلَّ الأَمرِ فيهِم وَجُرهُمُ
وَلَم يَبقَ حَيٌّ في تِهامَةَ تُتَّقى / عَداوَتُهُ إِلّا أَذَلُّوا وَأَرغَمُوا
وَحَسبُكُمُ بِالناصِرِ المُهتَدى بِهِ / فَخاراً إِذا ما الناسُ لِلحَجِّ وَسَّمُوا
بِهِ يَرفَعُ الصَوتَ المُلَبّي وَبِاِسمِهِ / عَلى اللَهِ في دَفعِ المُلِمّاتِ يُقسِمُ
تُقِرُّ مِنىً وَالمَأزِمانِ بِفَضلِهِ / وَيَشهَدُ جَمعٌ وَالمُصَلّى وَزَمزَمُ
وَكَعبَةُ بَيتِ اللَهِ تَعلَمُ أَنَّها / لَهُ وَكَذا البَيتُ المُقَدَّسُ يَعلَمُ
وَكُلُّ بِقاعِ الأَرضِ قَد جُعِلَت لَهُ / حَلالاً فَيُعطي مَن يَشاءُ وَيَحرِمُ
وَلا دينَ إِلّا ما اِرتَضاهُ وَقالَهُ / وَحَسبُ اِمرِئٍ يَأباهُ دِيناً جَهَنَّمُ
أَضاءَت بِهِ الدُنيا سُروراً وَبَهجَةً / فَأَيّامُها تِيهاً بِهِ تَتَبَسَّمُ
وَأَلقَت إِلَيهِ بِالمَقاليدِ بُلغَرٌ / وَعُربٌ وَأَكرادٌ وَتُركٌ وَدَيلَمُ
وَما الناسُ وَالأَملاكُ إِلّا عَبيدُهُ / صَريحُهُمُ إِن يُنسَبُوا وَالمُخَضرَمُ
وَأَضحى بِهِ الإِسلامُ غَضّاً وَأَصبَحَت / عُيونُ الأَذى عَن سِربِهِ وَهيَ نُوَّمُ
وَمُذ خَفِقَت راياتُهُ وَبُنُودُهُ / فَوَجهُ بِلادِ الشِّركِ بِالضَيمِ يُلطَمُ
لَها كُلَّ يَومٍ مِنهُ شَعواءُ لا تَني / تَؤُزُّ نَواحيها وَجَيشٌ عَرَمرَمُ
وَمُذ سَلَكَت فرسانُهُ مِن دِيارِها / مَحارِمَها لَم يَبقَ لِلشِركِ مَحرَمُ
أَعَزَّ بِهِ اللَهُ الرَعِيَّةَ فَاِغتَدَت / وَلا ظالِمٌ فيها وَلا مُتَظَلِّمُ
وَخَلّي الأَذى مَن كانَ لَولا اِنتِقامُهُ / يُشَمِّرُ عَن ساقٍ لَهُ وَيُصَمِّمُ
وَمَن أَلزَمَ الأُسدَ القِصاصَ فَهَل تَرى / أُوَيساً عَلى شاءٍ بِوادِيهِ يُقدِمُ
جَنَت ما جَنَتهُ وَهي تَحسِبُ أَنَّها / مِنَ العُجبِ إِذ كانَت سِماكٌ وَمِرزَمُ
فَلَمّا رَماها بِالعُقوبَةِ لَم تَرُح / مِنَ الغابِ إِلّا وَهيَ لَحمٌ مُوَضَّمُ
فَأَصبَحَ يَرعى آمِناً في جَنابِهِ / عَتُودٌ وَسِرحانٌ وَعِيرٌ وَضَيغَمُ
إِلَيكَ سَمِيَّ المُصطَفى وَاِبنَ عَمِّهِ / تَخَطَّت بِيَ البَيداءَ وَجناءَ عَيهمُ
وَخاضَ بِيَ الرَجّافَ عارٍ عِنانُهُ / يَبيتُ بِيُمنى فارِسٍ لا يُوَهّمُ
وَحُسنُ اِعتِقادي وَالوَلاءُ أَجاءَني / إِلَيكَ وَوُدٌّ خالِصٌ لا يُجَمجَمُ
وَأَفضَلُ ما يُرجى ثَوابُ زِيارَةٍ / يَؤُمُّ بِها أَكنافَ دارِكَ مُسلمُ
إِلى كَم مُدارَاةُ العِدى وَاِحتِرامُها
إِلى كَم مُدارَاةُ العِدى وَاِحتِرامُها / وَكَم يَعتَرينا ضَيمُها وَاِهتِضامُها
أَما حانَ يا فَرعَي رَبيعَةَ أَن أَرى / بَناتِ الوَغى يَعلُو الرَوابي قَتامُها
رِدوا الحَربَ وِردَ الظامِئاتِ حِياضَها / خَوامِسَ يَغتالُ الفِصالَ اِزدِحامُها
وَخُوضُوا لَظاها بِاِقتِحامٍ فَإِنَّما / يُكَشِّفُ غَمّاءَ الحُروبِ اِقتِحامُها
ولَوذوا بِبيضِ المَشرَفِيَّةِ إِنَّها / لَها عِزَّةٌ قَعساءُ وافٍ ذِمامُها
وَلا تَركَنُوا يَوماً إِلى ذِي عَداوَةٍ / وَإِن قِيلَ هَذا عِقدُها وَنِظامُها
فَإِنَّ عُرى الأَعداءِ قَد تَعلَمونَها / سَريعٌ بِأَيدي الماسِكينَ اِنفِصامُها
وَأُقسِمُ ما عَزَّت مُلوكُ قَبيلَةٍ / غَدَت وَبِأَسبابِ العَدُوِّ اِعتِصامُها
وَلا ظَفِرَت بِالنُجحِ طُلّابُ غايَةٍ / تَروحُ وَفي كَفِّ المُعادي زِمامُها
سَلُوا عَن مُلوكٍ مِنكُمُ هَل أَفادَها / قُعُودُ عُقَيلٍ بَعدَها أَو قِيامُها
وَهَل دَفَعَت عَن ماجِدِ بنِ مُحَمَّدٍ / وَقَد كانَ مِنهُ حِلُّها وَحَرامُها
وَهَل طَلَبَت ثارَ اِبنِ شُكرٍ وَهَل حَمى / أَبا ماجِدٍ خَطِّيُها وَحُسامُها
وَهَل عَن غُرَيرٍ طاعَنَت وَبِهِ اِحتَوَت / مُناها وَبِالبَحرَينِ جارَ اِحتِكامُها
وَهَل سالَمَت مَن كانَ يَحمي جَنابَها / وَتَرعى بِهِ في كُلِّ أَرضٍ سَوامُها
جَزاءُ سِنِمّارٍ جَزاءٌ بِهِ اِقتَدَت / وَمالَ إِلَيها كَهلُها وَغُلامُها
بَنى القَصرَ حَتّى اِستَحكَمَت شُرُفاتُهُ / وَأَيَّدها آجُرُّها وَرُخامُها
وَغُودِرَ مِن أَعلى ذُراها مُنَكَّساً / وَلا ذَنبَ إِلّا حُسنُها وَاِنتِظامُها
بَذَلنا لَها مِن مالِها كُلَّ صَهوَةٍ / يُشَدَّ عَلى مِثلِ القَناةِ حِزامُها
وَصُنّا بِأَنواعِ الحَريرِ جُسُومَها / وَمَلبَسُنا صُوفُ الرُعَينا وَخامُها
وَرُحنا وَدُخنُ القَريَتَينِ طَعامُنا / وَبُرُّهُما المَحضُ المُصَفّى طَعامُها
وَمَن يَعضِ ما يُهدى لَها مِن عَطائِنا / بَساتِينُ يَشدُو بِالأَغاني حَمامُها
وَكُلُّ نَفيسٍ كانَ حَشوَ قُصُورِنا / عَدَلناهُ عَنّا فَاِحتَوَتهُ خِيامُها
وَمِنّا عَوالِيها وَمِنّا دُرُوعُها / وَمِنّا مَواضيها وَفينا كِلامُها
ذَلَلنا وَقُلنا عَلَّ في الذُلِّ راحَةً / وَعَلَّ فُحُولَ الشَولِ تُروى حِيامُها
فَلَم يُغنِ عَنا ذُلُّنا وَخُضُوعُنا / غَناءً وَلا أَموالُنا وَاِقتِسامُها
أَفي كُلِّ يَومٍ يا لَقَومي بَلِيَّةٌ / وَخُطَّةُ خَسفٍ مِن عَدُوٍّ تُسامُها
أَما وَأَبيكُم إِنَّ قَلبي لَمُوجَعٌ / لِذاكَ وَعَيني لا يَجِفُّ اِنسِجامُها
وَما عَبَرَت بِي لَيلَةٌ مُنذُ مُدَّةٍ / كَما قالَ إِلّا لَيلَةٌ لا أَنامُها
وَما ذاكَ ذُلّاً بَل بَقايا حَمِيَّةٍ / عَلى حَدَثانِ الدَهرِ باقٍ عُرامُها
وَإِنّي مِنَ القَومِ الَّذينَ إِذا اِنتَدَت / رَبيعَةُ يَوماً كانَ مِنهُم هُمامُها
أَلا يا لَقَومي مِن عَلِيِّ بنِ عَبدَلٍ / وَلِلخَطبِ يُدعى أُسدُها لا نعامُها
أَلَستُم بَني الغُرِّ الأُلى عُرِفَت لَهُم / نُفوسٌ نَفيساتُ المَعالي مَرامُها
فَإِن نَزَلُوا أَرضاً فَمِنهُم مَلِيكها / وَإِن جَمَحَت قَومٌ فَمِنهُم شَكامُها
أَتَرضونَ ذا النَقصَ الَّذي ما وَراءَهُ / وَأَنتُم إِذا صالَت مَعَدٌّ سِطامُها
وَيُودى قَتيلٌ كانَ في كُلِّ ساعَةٍ / يُجَمِّعُ أَوباشاً كَثيرٌ طَغامُها
وَيَقطَعُ طُرقَ المُسلِمينَ نَهارَهُ / عِلاناً وَلا يَثنِيهِ عَنها ظَلامُها
فَكَم مِن حِمارٍ خَرَّ عَقراً بِسَيفِهِ / وَدَوخَلَّةٍ قَد فُضَّ عَنها خِتامُها
فَإِن غَضِبَت فيها عُقَيلٌ فَأَنتُمُ / بَنو الحَربِ إِذ يُذكي لَظاها ضِرامُها
وَما نِيلَ غَدراً بَل أَتى في عِصابَةٍ / قَليلٌ مِنَ الغَدرِ الشَنيعِ اِحتِشامُها
فَأُوجِرَها نَجلاءَ طَعنَةَ ثائِرٍ / كَجَيبِ قَميصٍ لا يُرَجّى اِلتِئامُها
أَراحَ بِها مِنهُ الحَميرَ فَأَصبَحَت / تَناهَقُ في المَرعى وَيَعلُو رُدامُها
فَواسوأَتا إِن كانَ يُودى قَتيلُها / عَلى ذا وَيُدنى في حِمانا مَقامُها
وَيُقتَلُ بِالغَدرِ الصَريحِ كِرامُنا / فَتُلغى لَقَد خِبنا وَفازَت سِهامُها
أُعِيذُكُمُ أَن تَقبَلُوا ذا وَأَنتُمُ / ذُؤابَةُ أَفصى كُلِّها وَسِنامُها
فَيابا سِنانٍ قُم فَأَنتَ زَعيمُها / وَأَنتَ مُرَجّاها وَأَنتَ هُمامُها
وَفي كَفِّكَ السَيفُ الَّذي لَو سَلَلتُهُ / لقِيلَ أَرى الأَعرابَ خَصَّبَ عامُها
وَخالَ سَناهُ مَن بِنَجدٍ عَقيقَةً / يُشَقَّقُ عَنها يَومَ دَجنٍ غَمامُها
وَحَولَكَ مِن أَبنائِكَ الصِيدِ فِتيَةٌ / كَثيرٌ لِأَرواحِ العَدُوِّ اِختِرامُها
وَمِن نَسلِ جَدَّيكَ العَلِيَّينِ غِلمَةٌ / نَشَت وَبِأَبكارِ المَعالي غَرامُها
وَمَن صُلبِ إِبراهيمَ جَدِّكَ عُصبَةٌ / يَسُرُّكَ في يَومِ التَلاقي مُقامُها
أَنا الضامِنُ الراعي عَلَيها وَإِن شَكَت / مِن الغَبنِ فَهيَ الأُسدُ يُخشى رِجامُها
وَما زالَ في أَبناءِ مُرَّةَ سَيِّدٌ / بِهِ في جَسيماتِ الأُمورِ اِئتِمامُها
وَمن ذا يُسامي مُرَّةً وَبِهِ سَمَت / بَنُو عامِرٍ عِزّاً وَجازَ اِغِتشامُها
وَكَم سَيِّدٍ في مالِكٍ ذِي نَباهَةٍ / إِذا فَقَدَتهُ الحَربُ طالَ أَيامُها
وَما مالِكٌ إِلّا الحُماةُ وَإِن أَبَت / رِجالٌ فَبالآنافِ مِنها رَغامُها
وَفي حارِثٍ وَاللَيثِ غُرٌّ غَطارِفٌ / يُبِرُّ عَلى الخَصمِ الأَلَدِّ خِصامُها
وَإِنَّ لَعَمري في بَقايا مُحارِبٍ / سُيُوفُ ضِرابٍ لا يُخافُ اِنثِلامُها
وَشَيبانُ شَيبانُ الفَخارِ فَإِنَّها / أُسُودُ شَرىً سُمرُ العَوالي إِجامُها
وَمَن كانَ مِنّا مِن جَماهيرِ خِندِفٍ / وَقَيسٍ فَأَترابُ الوَغى وَنِدامُها
وَما في بَني قَحطانَ إِن شُنَّتِ الوَغى / تَوانٍ وَلا يَنبُو لَدَينا حُسامُها
وَإِنَّ لَها لَلسابِقاتِ وَإِنَّها / ليُطرِبُها طَعنُ العِدى وَاِلتِزامُها
فَيالكِرامٍ مِن نِزارٍ وَيَعرُبٍ / وَلَيسَ يُجيبُ الصَوتَ إِلّا كِرامُها
صِلُوا بِالخُطا قُصرَ السُيوفِ فَإِنَّها / تَطُولُ وَلا يُغني غَناءً كَهامُها
فَلَم يَبقَ يُرضي القَومَ إِلّا حُدودُها / وَقد طالَ فَاِسقُوها بِرِيٍّ أُوامُها
فَضَرباً وَطَعناً بِالصَوارِمِ وَالقَنا / فَلا عُذرَ حَتّى يَخضِبَ السَيفَ هامُها
وَلا تَهِنُوا وَاِستَشعِرُوا الصَبرَ جُنَّةً / وَعَزماً فَما لِلحَربِ إِلّا اِعتِرامُها
فَإِنَّكُمُ إِن تَألَمُوا فَعَدُوُّكُم / كَذاكَ وَلِلأَمرِ العَظيمِ عِظامُها
وَقد طالَ هَذا الذُلُّ وَالمَوتُ رائِحٌ / وَغادٍ وَيَأتي كُلَّ نَفسٍ حِمامُها
وَإِنَّ حَياةً هَكَذا لَذَمِيمَةٌ / يُسِرُّ المُعادي لِلمُعادي دَوامُها
وَمِن أَعجَبِ الأَشياءِ وَالدَهرُ كُلُّهُ / عَجائِب يَأتي فَذُّها وَتَوامُها
إِذا نَحنُ زِدنا في عَطايا قَبيلَةٍ / لِكَفِّ أَذاها زادَ مِنّا اِنتقامُها
هِيَ النارُ إِن شَبَّهتَها وَعَطاؤُنا / لَها حَطَبٌ ما زادَ زادَ اِضطِرامُها
فَيا ضَيعَةَ المَسعى وَكَم مِن صَنيعَةٍ / غَدَت ضَلَّةً لَم يَبقَ إِلّا مَلامُها
فَحامُوا عَنِ البِيضِ الحِسانِ فَأَنتُمُ / كَتائِبُ يَغشى ناظِرَ الطَرفِ لامُها
فَكَم قَد رَأيتُم مِن عَقيلَةِ مَعشَرٍ / يَرُوقُ عُيُوناً فَرعُها وَقَوامُها
تُباعُ وَتُشرى بِالكَسادِ ذَليلَةً / وَقَد كانَ لا يَبدُو لِخَلقٍ كَلامُها
فَإِن أَنتُمُ لَم تَمنَعُوهُنَّ فَاِصبِرُوا / لِآبِدَةٍ يَبقى عَلى الدَهرِ ذامُها
وَمَن ذَلَّ لَم يَعدَم غَشُوماً يَسُومُهُ / أَذىً فَيُرِيهِ النَبعَ خَوفاً ثُمامُها
وَهَل مَنَعت يَوماً فَتاةً كَريمَةً / قلائِدُها أَو وُشحُها أَو خِدامُها
وَهَل هُوَ إِلّا المَوتُ وَالمَوتُ فَاِعلَمُوا / يَهُونُ وَلا تَحكِيمُها وَاِصطِلامُها
وَإِلّا فَشدُّوا لِلجَلاءِ فَلَم يَعُد / سِواهُ فَعِندَ الضَيمِ تُجلى كِرامُها
فَإِن كانَ في البَحرَينِ ضيقٌ فلم تَضِق / مَنازِلُ بَكرٍ عَنكُمُ وَشَآمها
وَلا خَيرَ في دارٍ يَعيشُ بِها الفَتى / مَهيناً وَلَو جادَتهُ دُرّاً غَمامُها
كِتابُ مَشُوقٍ ما تَغَنَّت حَمامَةٌ
كِتابُ مَشُوقٍ ما تَغَنَّت حَمامَةٌ / مِنَ الوُرقِ إِلّا حَنَّ شَوقاً إِلَيكُمُ
مُقيمٍ بِأَرضِ المَجزَرِيِّ وَقَلبُهُ / رَهينٌ بِجَرعاءِ الشَمالِ لَدَيكُمُ
يَحِنُّ إِذا هَبَّت شَمالٌ لِأَنَّها / تُؤَدّي إِلَيكُم أَو تَمُرُّ عَلَيكمُ
أَلَم يَأنِ أَن تَنسى عَسى وَلَعَلَّما
أَلَم يَأنِ أَن تَنسى عَسى وَلَعَلَّما / وَتَترُكَ لَيتاً لِلمُعَنّى وَرُبَّما
أَمَ اِنتَ اِمرُؤٌ كَالضَبِّ قَد عَلِقَت بِهِ / حَبائِلُ عَصٍّ حالَفَ الفَقرَ أَرشَما
يَرى نَفسَهُ في كَفِّهِ وَشِفارُهُ / تُحَدُّ وَجَزلُ النارِ يَعلُو تَضَرُّما
وَيَرجُو اِنتِعاشاً إِذ يَقُولُ لِحِسلِهِ / أَرى أَنَّنا في هَذِهِ الحالِ نُوَّما
وَذا مِن هُرُوجِ اللَيلِ لا دَرَّ دَرُّها / فَكَم قَد أَخافَت آمِناً حينَ هوَّما
فَقُم غَيرَ وانٍ وَاِخلَعِ العَجزَ وَاِدَّرِع / قَميصاً مِنَ الظَلماءِ بِالنَجمِ مُعلَما
وَصاحِب لِأَحداثِ اللَيالي ثَلاثَةً / حُساماً وَنِضواً وَالقَطيعَ المُحَزَّما
وَلا تَتَعَلَّل بِالأَمانيّ ضَلَّةً / فَلَو كانَ حَيّاً صاحِبي لَتَكَلَّما
وَلا تَثنِ عِطفاً لِلدِيارِ وَكُن فَتىً / يَهُمُّ فَيَمضي في المُهِمّاتِ مُقدِما
فَما كُلُّ آفاقِ البِلادِ يَسُوسُها / لِأَربابِها مَن كانَ أَعمى وَأعَدما
فَبِع بِالتَنائِي دارَ قَومٍ تَشَبَّهُوا / بِصَبٍّ فَأَمّوا في النُهى حَيثُ يَمَّما
فَلَو لَم يَكُونوا شِبهَهُ ما تَوَهَّمَت / عُقُولُهُمُ في أَمرِهِم ما تَوَهَّما
فَمَن مُبلِغٍ قَومي عَلى أَنَّ دارَها / قَريبٌ ولَكِن لَم أَجِد مُتَكَلّما
بَنِي عَمِّنا كَم يَضبَعُ الرَحمُ شاكِياً / إِلَيَّ وَكَم يُبدي لَدَيَّ التَظَلُّما
بَني عَمِّنا مَن ذا يَسُدُّ مَكانَنا / إِذا يَومُ نَحسٍ بِالعَوالي تَأَجَّما
تَبَدَّلتُمُ الأَعداءَ مِنّا سَفاهَةً / فَيا لَأَبيكُم ما أَعَقَّ وَأَظلَما
وَأَلغَيتُمُ أَيّامنا وَاِستَمَعتُمُ / غُرورَ الأَماني وَالحَديثَ المُرَجَّما
وَكُلَّ بَني عَمٍّ سِوانا وَضِيمَةً / يُعَدُّ لَدى النُسّابِ أَصلاً مُخَضرَما
فَيا لَيتَ شِعري لَو عَرَت مُصمَئِلَّةٌ / وَفَرَّ البَلا عَن نابِهِ فَتَجَهَّما
وَآضَ التَشاكي في نِزارٍ وَأَعلَنَت / ذَوُو يَمَنٍ ما كانَ سِرّاً مُكَتَّما
أَتُغني غِنانا عَنكُمُ خُرَّمِيَّةٌ / سَواسِيَةٌ تَدعُو عَتُوداً مُزَنَّما
فَهَلّا تَرَكتُم ما اِرتَكَبتُم وَزُعتُمُ / إِلى الرُشدِ فَاِستَصلَحتُمُ ما تَرَدَّما
بَني عَمِّنا لا تَظلِمُوا الحَقَّ أَهلَهُ / وَلا تَفتَحُوا باباً إِلى الشَرِّ لَهجَما
فَأَيُّ يِدٍ لَو تَعلَمُونَ قَطَعتُمُ / فَبُدِّلتُمُ باعاً عَنِ المَجدِ أَجذَما
ضَرَبتُم بِها قِدماً عِداكُم وَصُنتُمُ / بِها المُلكَ وَاِقتَدتُم بِها مَن تَجَهضَما
بِذا يَشهَدُ القَصرُ المُشيدُ الَّذي غَدا / بِنا حَرَماً عَمَّن سِواكُم مُحَرَّما
ضَرَبنا بَني بَهرامَ عَنهُ فَأَذعَنُوا / وَكانُوا لِباعِ العِزِّ كَفّاً وَمِعصَما
وَمِلنا عَلى الأَزدِ بنِ غَوثٍ فَأصبَحَت / تُصارِعُ مَوجاً يَرجُفُ اليَمَّ أَعجَما
فَخَلّوا لَنا عَنهُ جَميعاً وَسَلَّمَت / مُلُوكُهُمُ الآرا إلَينا لِتَسلَما
وَنَحنُ حَمَيناهُ الأَعاجِمَ بَعدَما / أَقامَت تَرُومُ المُلكَ حَولاً مُحَرَّما
ضَرَبنا وُجُوهَ الشَرسَكيَّةُ دُونَهُ / وَأَقفاءَها بِالسَيفِ حَتّى تَثَلَّما
وَقَد غَرَّرتهُم مِن نِزارٍ وَيَعرُبٍ / لِشَنآنِكُم قَومٌ وَقَومٌ تَبَرُّما
فَعدنا بِبيضٍ ذَكَّرَتهُم حُدُودُها / بِما كانَ مِن أَخبارِ كِسرى وَرُستُما
فَوَلّوا وَراحَ الرُكنُ مِنهُم كَأَنَّهُ / صَريعُ عُقارٍ باتَ مِنها مُجَشَّما
وَحَولَ اِبنِ يَحيى لَم تَصاهَل جيادُنا / وَقَد كانَ بَحراً ذا عُبابٍ قَلَهذَما
أَذَالَ لَنا الأَموالَ دُرّاً وَعَسجَدا / وَتِبراً وَنَخلاً يانِعاً وَمُكَمَّما
فَعِفنا سَنِيّاتِ العَطايا حَمِيَّةً / عَلَيكُم وَدُسنا الشَرَّ حَتّى تَشَرَّما
وَحَتّى مَلَكتُم مُلكَهُ وَاِقتَصَرتُمُ / مَقاصِيرَهُ اللّاتي بَناها فَأَحكَما
وَقَد كانَ يُزجي كُلَّ يَومٍ كَتيبَةً / إِلَيكُم وَجَيشاً ذا زهاءٍ عَرَمرَما
وَقادَ إِلَيهِ الناسَ بَأسٌ وَرَغبَةٌ / وَعِزٌّ يُناصي يَذبُلاً وَيَلملَما
وَسارَ إِلَيهِ مِنكُمُ مَن عَلِمتُمُ / فَكانَ لَنا لَو نَبتَغي ذاكَ سُلَّما
وَلَكِنَّنا كُنّا لَكُم خَيرَ إِخوَةٍ / يَلُوذُ بِها الجاني وَيَرمي إِذا رَمى
فَكَم تَمضُغُ الأَيّامُ لَحمي وَأَنتُمُ / نُيوبٌ لَها تَستَهلِكُ اللَحمَ وَالدَما
بِكُم بَلَغَت مِنّي الأَعادي وَمِنكُمُ / لَقِيتُ البَلايا السُودَ فَذّاً وَتَوأَما
وَجُرِّعتُ في أَيّامِكُم بِأَكُفِّكُم / كُؤُوساً أَرَتني العَيشَ صاباً وَعَلقَما
وَمِلتُم مَعَ الدَهرِ الخَؤونِ فَكادَني / وَحَلَّلَ في نَفسي وَمالي وَحَرَّما
وَلَو لَم تَكُونُوا جُندَهُ لَتَقَطَّعَت / مَعاقِمُهُ دُوني فَأَخذى وَأَجحَما
وَرَأَّمتُمُوني كُلَّ ذِي عَيدَهِيَّةٍ / بَعِيدَ الرِضا إِن أُعطِهِ الحَقَّ بَرشَما
يَرى نَفسَهُ عُوجاً وَلَولا اِستِماعُكُم / أَباطِيلَهُ كانَ المَهينَ المُقَرقَما
أَقولُ لَهُ أَنتَ الرَشيدُ وَقَد أَرى / قُداراً بِعَيني في قباهُ وَمَنشَما
هَدَمتُم صَياصي قومِكُم وَبَنيتُمُ / صَياصِيَ قَومٍ حَقُّها أَن تُهَدَّما
سَأَرحَلُ لا مُستَوحِشاً لِفِراقِكُم / وَلا أَسَفاً يَوماً وَلا مُتَنَدِّما
فَإِن حَنَّ قَلبي نَحوَكُم أَو شَكا جَوىً / فَصادَفَ مِن زُرقِ الأَسِنَّةِ لَهذَما
وَإِن دَمَعَت عَينايَ سَوقاً إِلَيكُمُ / فَعَوَّضتُها مِن ذَلِكَ الدَمعُ بِالعَمى
وَإِن عارِض الرُكبانِ يَسأَلُ عَنكُمُ / لِساني فَوافَيتُ القِيامَةَ أَبكَما
وَلا جَمَعَتنا آخِرَ الدَهرِ نِيَّةٌ / إِلى أَن يَضُمَّ البَعثُ عاداً وَجُرهُما
فَما فُرقَةُ القالِينَ عِندي رَزِيَّةٌ / أُقيمُ لَها في نَدوَةِ الحَيِّ مَأتَما
وَإِنَّ الكَريمَ الحرَّ يَشنَى مُقامَهُ / بِأَرضٍ يَرى فيها السَلامَةَ مَغنَما
وَما خَيرُ أَرضٍ لا يَزالُ كَريمُها / مُهاناً وَنَذلُ القَومِ فيها مُكَرَّما
صُعُودُ العُلا إِلّا عَلَيكَ حَرامُ
صُعُودُ العُلا إِلّا عَلَيكَ حَرامُ / وَعَيشٌ سِوى ما أَنتَ فيهِ حِمامُ
وَكُلُّ غَمامٍ لَم تُثِر غادِياتِهِ / رِياحُ نَدى كَفَّيكَ فَهوَ جَهامُ
وَما المَجدُ إِلّا ما بَنَيتَ وَشادَهُ / بِعَزمِكَ بَأسٌ صادِقٌ وَحُسامُ
وَلا سَعيَ إِلّا دُونَ سَعيِكَ فَليَنَم / وَيَدري اِمرُؤٌ ناواكَ كَيفَ يَنامُ
وَأُقسِمُ لَولا صِدقُ بَأسِكَ لَاِغتَدَت / قوى مُررِ العَلياءِ وَهيَ رِمامُ
وَلَو لَم تُلافِ المُلكَ مِن صَرعَةِ الرَدى / لَكُشِّمَ عِرنِينٌ وَجُبَّ سَنامُ
لِيَرقَ غَبيٌّ رامَ شَأوَكَ في العُلا / عَلى ظلعِهِ فَالنَجمُ لَيسَ يُرامُ
وَكَيفَ تُغاليكَ السِيادَةَ مَعشَرٌ / سَهِرتَ لَها اللَيلَ الطَويلَ وَنامُوا
بِكَ العِزُّ أَضحَت شَمسُهُ مُستَنيرَةً / وَكانَ عَلَيها لِلخُمُولِ قَتامُ
لَعَمري لَنِعمَ المَرءُ أَنتَ إِذا غَدا / فِئامٌ تُساقيهِ الحُتُوفَ فِئامُ
وَرِثتَ العُلى عَن أَحمَدٍ وَمُحَمَّدٍ / وَفَضلٍ وَكُلٌّ في العَلاءِ إِمامُ
وَإِنَّ لِمَسعُودٍ إِذا اِشتَجَرَ القَنا / لَطَعنٌ يَردُّ الجَيشَ وَهوَ لُهامُ
وَما الناسُ إِلّا آلُ فَضلِ بنِ عَبدَلٍ / إِذا جَلَّ خَطبٌ أَو تَنَكَّرَ عامُ
مَقالهُمُ فَذٌّ إِذا وَعَدُوا الغِنى / وَضَربُهُمُ تَحتَ العَجاجِ تَوامُ
مَساميحُ طَعّانُونَ وَالخَيلُ تَدَّعي / وَطَيرُ المَنايا وُقَّعٌ وَحُيامُ
وَما مِنهُمُ إِلّا هُمامٌ أَتى بِهِ / أَعَزُّ مِنَ اِولادِ المُلوكِ هُمامُ
يَرُوحُ الفَتى لِلكَدِّ مِنهُم وَما لَهُ / سِوى البَدرِ خِدنٌ وَالنُجُومِ نُدامُ
وَلا مالَ إِلّا ذابِلٌ وَمُهَنَّدٌ / وَسَرجٌ عَلى ذي أَولَقٍ وَلِجامُ
وَدِرعٌ كَأنَّ البيضَ وَالقُضبَ وَالقَنا / إِذا صافَحتَها بُورَقٌ وَثُمامُ
نَكالٌ لِجانٍ غَيرِهِم فَإِذا جَنَوا / فَبَردٌ عَلَيهِم ما جَنوا وَسلامُ
هُمُ القَومُ إِن حامَ المُحامُونَ أَقدَمُوا / وَإِن حَبَسَ القَومُ السَوامَ أَسامُوا
وَإِن رَحَلَ الأَحياءُ عَن قُربِ مَنزِلٍ / لِخَوفٍ بَنوا في جَوِّهِ وَأَقامُوا
وَإِنَّ لَهُم بِالأَريحِيِّ مُحَمَّدٍ / لَفَخراً لَهُ فَوقَ الأَنامِ مصامُ
فَتى الحَربِ يَومَ البيضُ في الهامِ تَنحَني / وَيَومَ العَوالي في الصُدورِ تُقامُ
وَلِلطَيرِ مِن نَقعِ المَذاكي مَواكِنٌ / وَلِلأرضِ مِن قاني الدِماءِ ذِمامُ
هَديرُ فُحُولِ الشَولِ حينَ تُحِسُّهُ / كَشِيشٌ وَزَأرُ المُخدراتِ بُغامُ
إِذا هَمَّ أَمضى هَمَّهُ لَو تَساقَطَت / أَكُفٌّ وَأَقدامٌ لِذاكَ وَهامُ
أَخُو الطَعنَةِ النَجلاءِ تَحسبُها فَماً / تَثَأَّبَ في حَيثُ الكَلامِ كَلامُ
لِصَمصامِهِ هامُ العِدى وَلِرُمحِهِ / كُلاها وَلِلبَوغا دَمٌ وَعِظامُ
ذُراهُ حَياةٌ لِلصَديقِ شَهِيَّةٌ / وَلُقياهُ مَوتٌ لِلعَدُوِّ زُؤامُ
تَفِرُّ كُماةُ الحَربِ مِنهُ كَأَنَّها / وَإِيّاهُ بازي مَرقَبٍ وَحَمامُ
حِذارَ فَتىً لَو صَكَّ بِالسَيفِ ضارِباً / شَماماً لَقال الناسُ أَينَ شَمامُ
صَوارِمُهُ مُذ لَم تَزَل وَرِماحُهُ / بِهِنَّ إِلى ماءِ النُحورِ أُوامُ
أَبَت عِزَّةً أَن تَقبَلَ الضَيمَ نَفسُهُ / وَذُو العِزَّةِ القَعساءِ كَيفَ يُضامُ
وَآلى وَلَم يَستَثنِ أَن ضاعَ نَبلُهُ / وَلَو حالَ عامٌ دُونَ ذاكَ وَعامُ
سَما لِلعلا رَتاً سُمُوَّ اِبنِ حُرَّةٍ / نَجيبٍ نَمتهُ مُنجِبُونَ كِرامُ
وَسامَ حِمى الأَعداءِ خَسفاً وَسَوَّمَت / بِهِ المالَ سامٌ في البِلادِ وَحامُ
وَساسَ رَعاياهُ بِرَأفَةِ وَالِدٍ / وَسَطوَةِ لَيثٍ هَيَّجَتهُ سَوامُ
حَليمٌ إِذا ما الحِلمُ كانَ نَباهَةً / وَفيهِ غَرامٌ إِن يُهَج وَعُرامُ
إِذا فَحلُ قَومٍ هاجَ وَاِنحَلَّ قَيدُهُ / فَفي سَيفِهِ قَيدٌ لَهُ وَخِزامُ
وَإِن نَبَّ في حَيٍّ عَتُودٌ فَعِندَهُ / حَصاةٌ بِها تُوجا الخُصى وَفِطامُ
فَيا مُفرِغاً في كَيدِهِ جُهدَ نَفسِهِ / لخَيرٌ مِنَ السَعيِ الغَوِيِّ نُوامُ
وَيا طامِعاً في نَيلِ ما نالَ مِن عُلاً / مَتى صَدَقَ الظَنَّ الكَذوبَ مَنامُ
وَيا باسِطاً كَفّاً لِإِدراكِ شَأوِهِ / بِكَفِّكَ فَاِضمُمها إِلَيكَ جُذامُ
وَيا مُضمِراً بَغضاءَهُ جُنَّ أَو فَمُت / فَداؤُكَ لا عُوفيتَ مِنهُ عُقامُ
لَهُ هَيبَةٌ مِلءُ الصُدُورِ وَعَزمَةٌ / تُريهِ الجِبالَ الشُمَّ وَهيَ إِكامُ
وَما زالَ يُغضي وَالمُلوكُ تَهابُهُ / وَيَقعُدُ وَالأَعداءُ مِنهُ قِيامُ
فَيا لائِماً في بَسطِ كَفِّ مُحمَّدٍ / مَتى لِيمَ في أَن يَستَهِلَّ غَمامُ
عَدا الذَمَّ عَنهُ وَالمَلامَ مُحمَّدٌ / وَمُنتَجَبُ الآباءِ كَيفَ يُلامُ
أَلا أَيُّها الملَكُ الَّذي لا جَنابُهُ / بِوَعرٍ وَلا مَن في خِباهُ يُضامُ
إِلَيكَ خَدَت بِي عَوهَجٌ شَدقَمِيَّةٌ / لَها السَوطُ عَن رَعيِ الخَميمِ كِعامُ
تَضِلُّ فَيَهدِيها سَناكَ كَأَنَّما / سَناكَ لَها دُونَ الزِمامِ زِمامُ
وقَد أَصبَحَت في خَيرِ دارٍ مُناخَةً / لَدى خَيرِ مَلكٍ في الأَنامِ يُشامُ
فَأَنتَ الَّذي لَولاهُ ما عُرِفَ النَدى / وَلا فُضَّ لِلفِعلِ الجَميلِ خِتامُ
وَلا كانَ لِلعَلياءِ أُمٌّ وَلا أَبٌ / نِصابٌ وَلا لِلمَكرُماتِ نِظامُ
أَيَجمُلُ أَن أُجفى وَأُنفى وَعِندَكُم / لِمَن لَيسَ مِثلي عِيشَةٌ وَمُقامُ
وَيُقبَلُ قَولُ الخَصمِ فِيَّ تَحامُلاً / وَأَسهَرُ خَوفاً مِنكُمُ وَيَنامُ
وَتُقطَعُ أَرحامي وَتُلغى مَوَدَّتي / وَيُقعَدُ بِي ما بَينَكُم وَيُقامُ
وَتُذنِبُ أَقوامٌ فَتُعزى ذُنوبُها / إِلَيَّ وَأُلحى عِندَكُم وَأُلامُ
هَبُونِيَ جاراً لِاِبنِ عَمٍّ مُصافِياً / فَلِلجارِ مِنكُم حُرمَةٌ وَذِمامُ
فَكَم مِن هُمامٍ قَد عَفا وَهوَ مُحرَجٌ / وَجادَ بِصَفحٍ وَالذُنوبُ عِظامُ
وَذُو المَجدِ لا يَستَغرِقُ الجَهلُ حِلمَهُ / وَلَو قَعَدَ الواشُونَ فيهِ وَقامُوا
لَقَد كُنتُ أَرجُو أَن أُرى في جَنابِكُم / وَلِي مِن نَداكُم سابِقٌ وَحُسامُ
إِذا كُنتُ أَخشاكُم وَأَخشى عَدُوَّكُم / فَإِنَّ حَياتي شِقوَةٌ وَغَرامُ
فَإِن كانَ ذَنبٌ فَاِترُكُوهُ لِما مَضى / وَهَل هُوَ إِلّا إِذ يُعَدُّ كَلامُ
وَوَاللَهِ ما أَوضَعتُ فيما يُريبُكُم / وَلا شُدَّ لِي يا قَومِ فيهِ حِزامُ
وَإِنّي لمنكُم سُؤتُمُ أَو سُرِرتُمُ / إِلى أَن يُوارِيني ثَرىً وَرِجامُ
أَلَستُ الَّذي سَيَّرتُ فيكُم غَرائِباً / لِكُلٍّ إِلَيها إذ تَمُرُّ هُيامُ
أَلَيسَ أَبي في الإِنتِسابِ أَباكُمُ / عَلى أَنَّني عَبدٌ لَكم وَغُلامُ
أَما اِجتيحَ مالي في هَواكُم وَأُسهِرَت / بِذا السِجنِ عَيني وَالعُيونُ نِيامُ
فَراعُوا ذِمامي قدرَ ظَنِّي فَكُلُّنا / صَدىً عَن قَريبٍ في التُرابِ وَهامُ
فَلَم يَبقَ إِلّا أَن تُزَمَّ رَكائِبي / وَيُصبِحَ كَيدٌ بَينَنا وَسَنامُ
فَخَيرٌ مِنَ الأَحساءِ إِن دامَ عُتبُكُم / أُشَيٌّ وَوادِى مَنهَمٍ وَنَعامُ
وَما ذاكَ مِنّي بِاِختيارٍ وَلا رِضاً / وَلَكِن يَحِلُّ الشَيءُ وَهوَ حَرامُ
وَلَم أَرَ أَشقى مِن كَريمٍ بِبَلدَةٍ / يَجُرُّ وَيَجني غَيرُهُ وَيُلامُ
وَإِنَّكُمُ دِرعي وَسَيفي وَساعِدي / وَتُرسي إِذا ضَمَّ الكُماةَ زِحامُ
وَما لي لِسانٌ غَيركُم إِن تَطاوَلَت / عَلَيَّ رِجالٌ وَاِستَمَرَّ خِصامُ
فَلا تَسمَعُوا فِيَّ الوُشاةَ فَإِنَّهُم / لَأَكذبُ مِن آلٍ رَأتهُ حِيامُ
فَإِنّيَ سَيفٌ قاطِعٌ مِن سُيُوفِكم / وَبَعضُ السُيوفِ المُنتَقاةِ كَهامُ
وَمِن أَجلِ قُرباكُم حُسِدتُ وَسُدِّدَت / إِلَيَّ نِصالٌ لِلعِدى وَسِهامُ
فَبُورِكتُمُ يا آلَ فَضلٍ فَإِنَّكُم / ضِياءٌ وَبَعضُ المالِكينَ ظَلامُ
وَلا زالَ يُهدى كُلَّ يَومٍ إِلَيكُمُ / عَلى القُربِ مِنّي وَالبعادِ سَلامُ
إِلامَ أُناجي قَلبَ حَيرانَ واجِمِ
إِلامَ أُناجي قَلبَ حَيرانَ واجِمِ / وَأَنظُرُ عُودي بَينَ لاحٍ وَعاجِمِ
أُقَضِّي نَهارِي بِالزَفيرِ وَأَنَّةٍ / وَأَقطَعُ لَيلي بِالدُموعِ السَواجِمِ
كَأَنّي لِأَحداثِ اللَيالي رَذِيَّةٌ / أُقيمَت سَبيلاً لِلخُطوبِ الهَواجِمِ
وَفي الأَرضِ لِي مَندُوحَةٌ وَمُراغَمٌ / تقرُّ بِهِ عَيني وَتَحلُو مَطاعِمي
بِحَيثُ يَراني الدَهرُ سَعداً وَأَغتَدي / وَقَد حُذِيَت رِجلايَ مِنهُ بِسالِمِ
وَأَسطُو عَلى أَحداثِهِ مِثلَ ما سَطا / عَلَيَّ فَتَبقى وَاهِياتِ الدَعائِمِ
وَأَجتابُ مِن ظِلِّ الخِلافَةِ وارِفاً / يَقي الضُرَّ فَيناناً وَحَرَّ السَمائِمِ
بِمَغنى أَميرِ المُؤمِنينَ الَّذي غَدا / لَهُ مَنسِمٌ يَعلُو جَميعَ المَخاطِمِ
سَمِيُّ النَبيِّ المُصطَفى وَاِبنُ عَمِّهِ / وَمالِكُ أَعناقِ المُلوكِ الخَضارِمِ
نَماهُ أَبُو الفَضلِ الَّذي لَم تَزَل بِهِ / بَنُو الجَذبِ تُسقى في السِنينِ العَقائِمِ
وَحَلَّ الذُرى مِن شَيبَةِ الحَمدِ وَاِرتَقى / إِلى ضِئضئِ العَلياءِ مِن صُلبِ هاشِمِ
وَأَحيا خِلالاً سَنَّها في زَمانِهِ / قُصَيٌّ أَبو ساداتِها وَالبَراجِمِ
لَيالِيَ يُدعى في قُرَيشٍ مُجَمِّعاً / بِجَمعِ ذَويها في فنونِ المَحارِمِ
إِمامُ هُدىً يَدعُو إِلى اللَهِ مُرشِداً / لِكُلِّ البَرايا عُربِها وَالأَعاجِمِ
بِعَدلٍ وَإِحسانٍ وَنُصحٍ وَرَأفَةٍ / وَزُهدٍ وَبُرهانٍ وَكَفٍّ وَصارِمِ
تَناحَلَهُ آباءُ صِدقٍ تَوارَثُوا / كِرامَ المَساعي عَن جُدُودٍ أَكارِمِ
فَما اِحتَلَّ إِلّا صُلبَ كُلِّ خَلِيفَةٍ / مُحِيطٍ بِأَحكامِ الشَريعَةِ عالِمِ
إِذا العَرَبُ العَرباءُ يَوماً تَفاخَرَت / بِذي العِزِّ مِن ساداتِها وَالقُماقِمِ
وَجاؤُوا بِقَيسٍ وَاِبنِهِ وَبِمَعبَدٍ / وَكَعبٍ وَأَوسٍ وَاِبنِ سَلمى وَحاتِمِ
سَماهُم جَميعاً ثُم لمت بِفَترَةٍ / إِلى جُودِ بَحرٍ مِنكُمُ مُتلاطِمِ
إِذا جُدتُم أَفضَلتُمُ فَبِفَضلِكُم / نَجُودُ فَمِنكُم فَضلُ تِلكَ المَكارِمِ
فَلولاكُمُ لَم يُدعَ فَضلٌ وَجَعفَرٌ / بِجُودٍ وَلا اِنهَلَّت نَدىً كَفُّ قاسِمِ
وَلا عَرَفَ الناسُ اِبنَ سَهلٍ وَلا شَدا / بِمَدحِ اِبنِ وَهبٍ ناظِمٌ بَعدَ ناظِمِ
يَقُولُونَ هُم أَرضٌ وَأَنتُم سَماؤُها / وَأَيمانُكُم فِيها مَكانُ الغَمائِمِ
فَإِن أَنتُمُ أَمطَرتُموها تَحَدَّثَت / وَجادَت وَآتَت أُكلَها كُلَّ طاعِمِ
وَإِن أَنتُمُ أَغفَلتُمُوها تَضاءَلَت / وَلَم يَنتَفِع فيها أُوَامٌ لِحائِمِ
بِكُم يُؤمِنُ اللَهُ البِلادَ وَيُصلِحُ ال / عِبادَ وَيَعفُو عَن ثِقالِ الجَرائِمِ
وَأَنتُم مَصابيحُ الظَلامِ وَقادَةُ ال / أَنامِ وَسَدٌّ لِلبلا المُتفاقِمِ
وَفِيكُم أَقامَ اللَهُ أَعلامَ دِينِهِ / وَلَولاكُمُ كُنّا مَعاً كَالبَهائِمِ
تَخَيَّرَكُم رَبُّ العُلا وَاِصطَفاكُم / وَطَهَّرَكُم مِن كُلِّ ذَمٍّ وَذائِمِ
وَآتاكُمُ فَصلَ الخِطابِ وَمُحكَمَ ال / كِتابِ وَمُلكاً زاهِياً غَيرَ زائِمِ
فَأَوضَحتُمُ سُبلَ الهُدى وَكَشَفتُمُ / عَنِ الحَقِّ أَغشاءَ العَمى المُتراكِمِ
وَقَوَّمتُمُ بِالسَيفِ مَن مالَ خَدُّهُ اِص / عِراراً وَلَم يَشمَخ بِأَنفٍ لِخاصِمِ
فَكَم هامَةٍ لِلكُفرِ راحَت وَهامُها / نِعالاً لِأَيدي خَيلِكُم في المَلاحِمِ
فَقُل لِدُعاةِ الشَرقِ وَالغَربِ أَقصِرُوا / وَكُفّواً وَإِلّا تَقرَعُوا سِنَّ نادِمِ
فَما الحَقُّ إِلّا دَعوَةٌ هاشِميَّةٌ / هِيَ الحَقُّ لا دَعوى غَوِيٍّ وَغاشِمِ
بِها أَصبَحَ الإِسلامُ في كُلِّ مَوطِنٍ / يَنُوءُ بِرُكنٍ مِنهُ عَقد الدَعائِمِ
أَقامَ لَهُ في كُلِّ ثَغرٍ كَتائِباً / تَرى الشِركَ مِن شَدّاتِها في مَآتِمِ
تَبيتُ طَواغِيتُ النِفاقِ لِهَمِّهِ / كَأَنَّ حَشاياها ظُهُورُ الشَياهِمِ
تُقَلِّبُها جَنباً فَجَنباً مَهابَةٌ / ثَوَت وَاِستَقَرَّت بَينَ تِلكَ الحَيازِمِ
فَإِن هَوَّمَت أَهدَت لَها سِنَةُ الكَرى / سَراياهُ تُردي بِالقَنا وَالصَوارِمِ
فَتُزعِجُها حَتّى كَأَن قَد أَصابَها / مِنَ المَسِّ ما لا يُتَّقى بِالتَمائِمِ
فَلَيسَ لَها في نَومِها مِنهُ راحَةٌ / إِذا النَومُ سَلّى الهَمَّ عَن كُلِّ نائِمِ
إِلَيكَ أَميرَ المُؤمِنينَ تَجَشَّمَت / بِيَ البُعدَ هِمّاتُ النُفوسِ الكَرائِمِ
فَكَم مَتنِ ساجٍ تَحتَ ساجٍ قَطَعتُهُ / عَلى ظَهرِ ساجٍ غَيرِ واهِ العَزائِمِ
وَكَم جُبتُ مِن خَرقا تَمُوتُ بِها الظِبا / بِهِمَّةِ مَضّاءٍ عَلى الهَولِ حازِمِ
فَها أَنا قَد أَلقَيتُ رَحليَ عائِذاً / بِنُعماكَ مِن أَيدي الزَمانِ الغَواشِمِ
وَقَد كُنتُ ذا مالٍ حَلالٍ وَثَروَةٍ / يُضاعَفُ إِكرامي وَتُرجى مَكارِمي
فَأَعرانِيَ الوَالي المَشُومُ وَفاتَني / بِما حُزتُهُ مِن ضَيعَةٍ وَدَراهِمِ
فَمالَ عَلى حالي وَمالي وَثَروَتي / مَآلي وَأَصغى لِاِختِلاقِ النَمائِمِ
وَبِتُّ عَزائي السِجنُ في مُدلَهِمَّةٍ / يُجاوِبُني فِيها ثِقالُ الأداهِمِ
وَأَخرَجَني مِن بَعدِ يَأسٍ وَقَد أَتى / عَلى نَشبي أَشكُو إِلى غَيرِ راحِمِ
وَخَلَّفتُ بِالبَحرَينِ أَهلي وَمَنزِلي / رَجاءَ الغِنى مِن سَيبِكَ المُتَراكِمِ
وَطُولُ مُقامي مُتعِبٌ لِي وَجالِبٌ / عَلَيَّ مِنَ الأَدنى أَحَرَّ المَلاوِمِ
فَبورِكتَ مِن مَلكٍ أَقَلُّ هِباتِهِ / تَزيدُ عَلى فَيضِ البُحُورِ الخَضارِمِ
وَعِشتَ عَلى مَرِّ اللَيالي مُخَلَّداً / لِنُصرَةِ مَظلُومٍ وَإِرغامِ ظالِمِ
فَناجَيتُ نَفسي خَالياً حَيثُ لَم أَجِد / مِنَ القَصدِ بُدّاً وَاِستَشَرتُ عَزائِمي
وَمِلتُ إِلى بَعضِ المُلوكِ فَأَجهَشَت / إِلَيَّ وَجاشَت فَوقَ مِلءِ الحَيازِمِ
فَسَكَّنتُها بِالشَدِّ مِنّي بِرحلَةٍ / إِلَيكَ فَأَبدَت ثَغرَ جَذلانَ باسِمِ
وَبَشَّرتُ أَهلي بِالغِنى حَيثُ مَرجِعي / إِلَيهِم عَلى أَنفٍ مِنَ الدَهرِ راغِمِ
فَجِئتُ وَقَد نالُوا السَماءَ وَأَيقَنُوا / بِأَنَّ الغِنى أَضحى كَضَربَةِ لازِمِ
وَلَم أَمتَدِح خَلقاً سِواكَ لِمالِهِ / فَأَحظى بِنَيلٍ أَو بِعَضِّ الأَباهِمِ
وَإِنّي لَأَرجُو مِن أَياديكَ نَفحَةً / عَلى الدَهرِ يَبقى ذِكرُها في المَواسِمِ
أُفيدُ بِها مَجداً وَأكبِتُ حاسِداً / وَأَعلُو بِها هامَ المُلوكِ الغَوانِمِ
وَكَم عاشَ مِثلي في نَداكَ مُؤَمِّلاً / عَظيماً يُرَجّى لِلأُمُورِ العَظائِمِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025