القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مُحْيي الدّين بنُ عَرَبي الكل
المجموع : 192
كيف يخشى فؤاد من ليس يخشى
كيف يخشى فؤاد من ليس يخشى / غير محبوبه القديم ويرجو
كلُّ قلبٍ قد داخلته حظوظ / من كيانِ العلى فذا القلبُ ينجو
دع الظنَ واعلم أنَّ للظن آفة
دع الظنَ واعلم أنَّ للظن آفة / وقوفك حيث الظنُّ والظنُّ متهمُ
فشرِّد وساويسَ الظنونِ بملحمةٍ / من الكوكبِ العلميّ إن كنتَ تحترم
فلا ظنّ إلا ما يقال بقطعه / وإلا فنارٌ للجهالة تضطرم
لا تعترض فعله إن كنتَ ذا أدبٍ
لا تعترض فعله إن كنتَ ذا أدبٍ / واضمم إليك جناحَ السلم من رهبِ
وسلِّم الأمر ما لم تبد فاحشة / فإنْ بدتْ فاحذر التدريجَ في الهرب
ولا يغرنك أرواحٌ مخبّرة / من عند ربك إن السلم كالحرب
إنّ الذي قال إن الفعل مصدرُه / من قد درى منه كالشرك والكذب
فاهرب إلى فعله من فعله فإذا / ما غبتَ عن فعله فاحذر من السبب
حمدتُ إلهي والمقامُ عظيم
حمدتُ إلهي والمقامُ عظيم / فأبدى سروراً والفؤادُ كليمُ
ويا عجباً من فرحةٍ كيف قورنَتْ / بترحةٍ قلبٍ حلَّ فيه عظيم
ولكنني من كشفِ بحر وجودِه / عجبتُ لقلبي والحقائقُ هِيم
كذاك الذي أبدى من النورِ ظاهراً / على سَدَفِ الأجسام ليس يقيم
وما عجبي من نور جسمي وإنّما / عجبتُ لنورِ القلبِ كيفَ يريم
فإن كان عن كشفٍ ومشهدِ رؤيةٍ / فنورٌ تجلِّيه عليه عميم
تفطّنت فاستر علة الأمر يا فتى / فهل زيّ خلق بالعليم عليم
تعالى وجودُ الذاتِ عن نيلِ علمه / به عند فصلي والفصالُ قديم
فغرنيق ربي قد أتاني مخبراً / بتعيين ختم الأوليلء كريم
فقلت وسرّ البيتِ صف لي مقامه / فقال حكيمٌ يصطفيه حكيم
فقلت يراه الختم فاشتّد قائلاً / إذا ما رآه الختم ليس يدوم
فقلت وهل يبقى له الوقت عندما / يراه نعم والأمر فيه جسيم
وللختم سرٌّ لم يزل كلُّ عارفٍ / عليه إذا يسري إليه يحومُ
أشار إليه التَّرمذيّ بختمه / ولم يُبدِه والقلبُ منه سليم
وما ناله الصدّيقُ في وقتِ كونِه / وشمسُ سماءِ الغربِ منه عديم
مذاقاً ولكنَّ الفؤادَ مشاهد / إلى كلِّ ما يبديه وهو كتوم
يغار على الأسرار أن تلحق الثرى / ولا تمتطيها الزهرُ وهي نجوم
فإن أبدروا أو أشمسوا فوقَ عرشه / وكان لهم عندَ المقامِ لزوم
فرّبما يبدو عليهم شهودُها / فمنهم نجومٌ للهدى ورجومُ
ولكنه المرموزُ لا يدرك السنا / وكيف يرى طيبَ الحياة سقيم
فسبحان من أخفى عن العينِ ذاته / وبحر تجلِّيها عليه عميمُ
فأشخاصنا خمسٌ وخمسٌ وخمسةٌ / عليهم نرى أمرّ الوجودِ يقوم
ومن قال إن الأربعين نهاية / لهم فهو قولٌ يرتضيه كليم
وإن شئت أخبر عن ثمانٍ ولا تزد / طريقهمُ فرد إليه قويم
فسبعتهم في الأرضِ لا يجهونها / وثامنهم عند النجوم لزوم
فعند فنا خاءِ الزمانِ ودالها / على فاءِ مدلولِ الكوور يقوم
مع السبعةِ الأعلام والناسُ غُفُلٌ / عليم بتدبيرِ الأمور حليم
وفي الروضةِ الغرّاءِ سمُّ غذائهِ / وصاحبها بالمؤمنين رحيمٌ
ويختصُ بالتدبيرِ من دون غيره / إذا فاح زهر أو يهبُّ نسيمُ
تراه إذا ناداه في الأمر جاهلٌ / كثير الدعاوى أو يكيدُ زنيم
فظاهرُه الإعراض عنه وقلبُه / غيور على الأمرِ العزيزِ زعيم
إذا ما بقي من يومه نصفَ ساعةٍ / إلى ساعة أخرى وحلَّ صَريمُ
فيهتز غص العدل بعد سكونه / ويحيي بنات الأرض وهو هشيم
ويظهر عدلُ الله شرقاً ومغرباً / وشخصُ إمامِ المؤمنين رحيم
وثم صلاةُ الحق تترى على الذي / به لم أزل في حالتيّ أهيم
أقول وروح القدسِ ينفث في النفسِ
أقول وروح القدسِ ينفث في النفسِ / بأنَّ وجودَ الحق في العدد الخمسِ
أيا كعبةَ الأشهادِ يا حرمَ الأنسِ / ويا زمزمَ الآمالِ زُمَّ على النَّفسِ
سرى البيت نحو البيتِ يبغي وصاله / وطهر بالتحقيق من دَنَس اللبسِ
فيا حسرتي يوماً ببطن محسر / وقد دلّني الوادي على سَقَر الرَّجْسِ
تجرّعتُ بالجرعاء كأس نامةٍ / على مشهدٍ قد كان مِنيَ بالأمس
وما خفت بالخَيفِ ارتحالي وإنما / أخاف على ذي النفس من ظلمة الرَّمسِ
لمزدَلفِ الحجاجِ أعلمت ناقتي / لأنعمَ بالزُّلفى وألحقَ بالجنسِ
جمعتُ بجمعٍ بين عيني وشاهدي / بوترين لم أشهد به رتبةَ النفس
خلعتُ الأماني بعدما كنتُ في منى / وطوّفتها فانظره بالطرد والعكسِ
ففي الجمرات الغرّ في رَونَق الضحى / حصبتُ عدوّ الجهلِ فارتدّ في نكس
ركنتُ إلى الركن اليماني لأن في اس / تلام اليماني اليمن في جنةِ القدس
صفيتُ على حكم الصفا عن حقيقتي / فما أنا من عُربٍ فصاحٍ ولا فُرس
أقمت أناجي بالمقامِ مهيمناً / تعالى عن التحديد بالفصل والجنسِ
فشاهدته في بيعة الحجر الذي / تسوَّد من نكثِ العهود لذي اللمس
وبالحجر حجرت الوجودَ وكونه / عليَّ فلا يغدو الزمانُ ولا يمسي
وفي رمضان قال لي تعرف الذي / تشاهده بين المهابةِ والأنس
فلما قضيتُ الحج أعلنتُ مُنشداً / بسيري بين الجهر للذات والهمس
سفينة إحساسي ركبت فلم تزل / تسيرها أرواحُ أفكاره الخرس
فلما عدت بحر الوجودِ وعانيت / بسيف النهي من جلعن رتبة الأنس
دعاني به عبدي فلبيت طائعاً / تأمل فهذا القطف فوق جني الغرس
فعانيت موجوداً بلا عينِ مبصر / وسرَّح عيني فانطلقتُ من الحبس
فكنت كموسى حين قال لربّه / أريد أرى ذاتاً تعالتْ عن الحسِّ
فدكَّ الجبالَ الراسياتِ جلاله / وأصعقَ موسى فاختفى العرشُ في الكرسي
وكنتُ كخفَّاشٍ أراد تمتعاً / بشمسِ الضحى فنهدّ من لمحةِ الشمس
فلا ذاتُه أبقى ولا أدركَ المنى / وغودر في الأمواتِ جسماً بلا نفس
ولكنني أدعي على القرب والنوى / بلا كيف بالبعل الكريم وبالعرس
ولما أتاني الحقُّ ليلاً مكلماً
ولما أتاني الحقُّ ليلاً مكلماً / كفاحاً وأبداه لعيني التواضعُ
وأرضعني ثدي الوجودِ تحققاً / فما أنا مفطومٌ ولا أنا راضعُ
ولم أقتل القبطيّ لكنْ زجرتُه / بعلمي فلم تعسر عليَّ المواضع
وما ذبح الأبناء من أجلِ سطوتي / ولا جاء شرّير ببطشي رافع
فكنت كموسى غير أني رحمة / لقومي فلم تحرمُ عليَّ المراضع
لغزتُ أموراً إن تحققت أمرها / بدا لك علمٌ عند رَبِّك نافع
إذا سدَّسَ الذاتَ النزيهةَ عارفٌ
إذا سدَّسَ الذاتَ النزيهةَ عارفٌ / وأدرجَ في بدرِ التمامِ ذُكاء
وألحقَ أرواحَ العُلى بنفوسِها / وأعطاك من نور السَّناء ضياء
وأحكم أشياءَ وأرسلَ حكمةً / وصيرَّ أعمالَ الكيانِ هَباء
فذاك الذي يجري إلى غير غاية / ويطلع أقمارَ الشهودِ عشاء
وتبصره يعطي صباحاً حياتَه / ويقبضها جوداً عليك مساء
خرقتُ حجابَ الغيب أطلبُ سِرَّه
خرقتُ حجابَ الغيب أطلبُ سِرَّه / فلم ألفِ إلا بهتة وتحيُّرا
فعدتُ إلى الأكوانِ أبغي شهودَه / فلم أر في الأكوان عِلماً مُقرَّرا
فيا مدّعي علم الأكاسيرِ ليته / تقرر في الأوزانِ وزْناً مُحرَّرا
يوافق أوزانَ الطبيعةِ كونُه / على الفعل لا يلقى عن الأمر مَخبرا
فيقلب عينَ البدرِ شمساً منيرةً / وينشىء بهراماً شموساً وأقمرا
فقال له الميزانُ لستَ بحاصلٍ / لمن ظلَّ طولُ الدَّهرِ فيّ مفكِّرا
ولكنَّ حصولي اتفاقاً فإنني / عزيزٌ عن الإدراكِ غيباً ومحضراً
وَلَيتَ أمورَ الخلقِ إذ صرت واحداً
وَلَيتَ أمورَ الخلقِ إذ صرت واحداً / عزيزاً ولا فخر لديَّ ولا زهو
تركتُ وجودَ الشفعِ يلزم بابه / فغيبتُنا توٌ وحضرتُنا توّ
أنا المحيي لا أكنى ولا أتبلد
أنا المحيي لا أكنى ولا أتبلد / أنا العربيُّ الحاتمي محمدُ
لكلِّ زمانٍ واحد هم عينه / وإني ذاك الشخصُ في العصرِ أوحدُ
وما الناس إلا واحدٌ بعد واحدٍ / حرامٌ على الأدوارِ شخصان يوجد
أقابل عضاتِ الزمان بهمةٍ / تذلُّ لها السَّبعُ الشدادُ وتخمدُ
مؤيّدنا فيه على كلِّ حالة / إله السما وهو النَّصير المؤيد
وما ذاك عن حقِّ ولكن عناية / اتتني وحُسَّادي ترومُ وتجهد
إذا علم الله الكريم سريرتي
إذا علم الله الكريم سريرتي / فلستُ أُبالي من سواه إذا سخطْ
وقد صح عندي منزلي من مهيمني / فلست أُبالي من دنا اليوم أو شحط
فيا عجباً من عارفٍ قال إنه / تولَّع حباً بالإله ولم يمطِ
سوى ربّه عنه وساءتْ ظنونه / بنا فمتى تدركْه فيستدرك الغَلَط
إذا كان من أبدى التخفي بجانبي / يغيره قول الوشاةِ فقد سقط
ولكنَّ ربي قد أتى فأتيته / وقلت لسرِّي حسبُك المنتهى فقط
ولا تلتفت مَن ظنَّ سوءاً بنا ولا / تعرِّج عليه واعف عن سيءٍ فرط
إذا أفلَّ سيفي لم تُفلَّ عزايمي
إذا أفلَّ سيفي لم تُفلَّ عزايمي / فلي عزماتٌ شاحذاتٌ صوارمي
وإلاّ فسَلْ عنا القنا هل وفت لنا / وأسيافنا يوماً بقدرِ عزائمي
لنا الجودُ إذ كنا سُلالة حاتم / وما زال مذ قلدته في تمائمي
لنا همته إن الثريا لدونها
لنا همته إن الثريا لدونها / نعم ولنا فوق السَّماكين منزلُ
تقدمتُ سَبقاً في المكارمِ والعلى / وفي كل ما ينكي العِدى أنا أوّل
ولم ألفَ صَمصاماً بقدرِ عزائمي / ولو جمعوا الأسيافَ عزمي أفضل
كذلك جودي لا يفي الغيث والثرى / إذا كان أموالاً به حين أبذل
إذا التحم الجمعان في كومة الوغى / وكانت نزال ما عليها معوَّل
نصبتُ حساماً للردى في فِرنده / شعاعٌ له بين الفريقين فَيصلُ
له عزة لا تبتغي غيرَ كبشِهم / فليس له عن قمةِ الهامِ مَعدِل
حملتُ به لا أرهب الموتَ والردى / ولا أبتغي حمداً له النفسُ تعملُ
ولكن ليعلو الدينُ عِزَّاً وشرعُنا / إلى موضعِ عنه الطواغيت تسفلُ
أنا العربيّ الحاتميّ أخو النَّدى / لنا في العلى المجدُ القديمُ المؤثَّلُ
وكلا فمجدي ليس يُعزى إلى العلى / ألا كيف يسمو والعلى منه أسفلُ
خُصصتُ بعلم لم يخصَّ بمثله
خُصصتُ بعلم لم يخصَّ بمثله / سواي من الرحمن ذي العرشِ والكرسي
وأشهدتُ من علمِ الغيوبِ عجائباً / تصانُ عن التذكارِ في عالم الحسِّ
فيا عجباً إني أروحُ وأغتدي / غريباً وحيداً في الوجود بلا جنسِ
لقد أنكر الأقوامُ قولي وشنَّعوا / عليَّ بعلمٍ لا ألومُ به نفسي
فلا هم مع الأحياء في نور ما أرى / ولا هم مع الأموات في ظلمة الرمسِ
فسبحان من أحيى الفؤاد بنورِه / وأفقدهم نور الهدايةِ بالطَّمسِ
علومٌ لنا في عالم الكونِ قد سَرَت / من المغربِ الأقصى إلى مطلع الشمس
تحلَّى بها من كان عقلاً مجرَّداً / عن الفكرِ والتخمين والوهم والحدس
وأصبحتْ في بيضاءَ مثلي نقيةً / إماماً وإن الناسَ منها لفي لَبسِ
وحقِّ الهوى إنَّ الهوى سببُ الهوى
وحقِّ الهوى إنَّ الهوى سببُ الهوى / ولولا الهوى في القلب ما عُبد الهوى
فأبدى وجود الوجد ما كان يكتم
فأبدى وجود الوجد ما كان يكتم / ولاحت رسومُ الحقِّ منا ومنهمُ
فررتُ إلى الرحمن أبغي التصرّفا
فررتُ إلى الرحمن أبغي التصرّفا / بسطوةِ جبارٍ ورحمة مصطفى
ألا إنَّ وحي الله في كلِّ كائن
ألا إنَّ وحي الله في كلِّ كائن / من الصخر والأشجارِ والحيوانِ
وفي عالم الأركان في كلِّ حالة / وفي أنفسِ الأفلاكِ والمَلوانِ
وقد نزلتْ أملاكه من مقامِها / ليلقاه منها بالتقى الثقلان
يقول لي الحق المبين فإنني
يقول لي الحق المبين فإنني / أنا الردمُ فانظره تجدهُ بمالكي
فإن كان ما قد قاله عين فهمنا / فلست أرى في العالمين بهالكِ
وإني أنا الوجه الذي قال إنه / يدومُ ويبقى في جميع المسالك
مبيناً جليَّاً ثابتاً غير زائلٍ / وءنْ كنت شخصاً من جميعِ الممالك
أنا عرشه الأعلى وكرسيُّ علمه / لذلك يلقي نفسه في المهالكِ
لذا جاءنا النصُّ الجليُّ مخبراً / بألسنةِ الإرسال عند الممالك
ألم تدر أني واحد وكثير
ألم تدر أني واحد وكثير / وإني بما أدري به لبصير
وإني شكورٌ بالذي أنا أهله / وإني كما قال الإله كفورُ
ولكن لما عندي من العلم بالذي / إذا أنا لم أذكره قيل غيور
تسترتُ عن دهري بدهري فلم يكن / لي الدهر إلاّ صاحبٌ ووزيرُ
كذا جاء في القرآنِ إياك نستعين / ولم يأتِ إلاّ والمقامُ حَظيرُ
روائحُ دعوى واشتراك فكيف بي / بتوحيدِ فعلٍ والسميعُ بصير
بما قاله والأمر فيه محققٌ / كما قاله وإنه لعسير

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025