المجموع : 192
كيف يخشى فؤاد من ليس يخشى
كيف يخشى فؤاد من ليس يخشى / غير محبوبه القديم ويرجو
كلُّ قلبٍ قد داخلته حظوظ / من كيانِ العلى فذا القلبُ ينجو
دع الظنَ واعلم أنَّ للظن آفة
دع الظنَ واعلم أنَّ للظن آفة / وقوفك حيث الظنُّ والظنُّ متهمُ
فشرِّد وساويسَ الظنونِ بملحمةٍ / من الكوكبِ العلميّ إن كنتَ تحترم
فلا ظنّ إلا ما يقال بقطعه / وإلا فنارٌ للجهالة تضطرم
لا تعترض فعله إن كنتَ ذا أدبٍ
لا تعترض فعله إن كنتَ ذا أدبٍ / واضمم إليك جناحَ السلم من رهبِ
وسلِّم الأمر ما لم تبد فاحشة / فإنْ بدتْ فاحذر التدريجَ في الهرب
ولا يغرنك أرواحٌ مخبّرة / من عند ربك إن السلم كالحرب
إنّ الذي قال إن الفعل مصدرُه / من قد درى منه كالشرك والكذب
فاهرب إلى فعله من فعله فإذا / ما غبتَ عن فعله فاحذر من السبب
حمدتُ إلهي والمقامُ عظيم
حمدتُ إلهي والمقامُ عظيم / فأبدى سروراً والفؤادُ كليمُ
ويا عجباً من فرحةٍ كيف قورنَتْ / بترحةٍ قلبٍ حلَّ فيه عظيم
ولكنني من كشفِ بحر وجودِه / عجبتُ لقلبي والحقائقُ هِيم
كذاك الذي أبدى من النورِ ظاهراً / على سَدَفِ الأجسام ليس يقيم
وما عجبي من نور جسمي وإنّما / عجبتُ لنورِ القلبِ كيفَ يريم
فإن كان عن كشفٍ ومشهدِ رؤيةٍ / فنورٌ تجلِّيه عليه عميم
تفطّنت فاستر علة الأمر يا فتى / فهل زيّ خلق بالعليم عليم
تعالى وجودُ الذاتِ عن نيلِ علمه / به عند فصلي والفصالُ قديم
فغرنيق ربي قد أتاني مخبراً / بتعيين ختم الأوليلء كريم
فقلت وسرّ البيتِ صف لي مقامه / فقال حكيمٌ يصطفيه حكيم
فقلت يراه الختم فاشتّد قائلاً / إذا ما رآه الختم ليس يدوم
فقلت وهل يبقى له الوقت عندما / يراه نعم والأمر فيه جسيم
وللختم سرٌّ لم يزل كلُّ عارفٍ / عليه إذا يسري إليه يحومُ
أشار إليه التَّرمذيّ بختمه / ولم يُبدِه والقلبُ منه سليم
وما ناله الصدّيقُ في وقتِ كونِه / وشمسُ سماءِ الغربِ منه عديم
مذاقاً ولكنَّ الفؤادَ مشاهد / إلى كلِّ ما يبديه وهو كتوم
يغار على الأسرار أن تلحق الثرى / ولا تمتطيها الزهرُ وهي نجوم
فإن أبدروا أو أشمسوا فوقَ عرشه / وكان لهم عندَ المقامِ لزوم
فرّبما يبدو عليهم شهودُها / فمنهم نجومٌ للهدى ورجومُ
ولكنه المرموزُ لا يدرك السنا / وكيف يرى طيبَ الحياة سقيم
فسبحان من أخفى عن العينِ ذاته / وبحر تجلِّيها عليه عميمُ
فأشخاصنا خمسٌ وخمسٌ وخمسةٌ / عليهم نرى أمرّ الوجودِ يقوم
ومن قال إن الأربعين نهاية / لهم فهو قولٌ يرتضيه كليم
وإن شئت أخبر عن ثمانٍ ولا تزد / طريقهمُ فرد إليه قويم
فسبعتهم في الأرضِ لا يجهونها / وثامنهم عند النجوم لزوم
فعند فنا خاءِ الزمانِ ودالها / على فاءِ مدلولِ الكوور يقوم
مع السبعةِ الأعلام والناسُ غُفُلٌ / عليم بتدبيرِ الأمور حليم
وفي الروضةِ الغرّاءِ سمُّ غذائهِ / وصاحبها بالمؤمنين رحيمٌ
ويختصُ بالتدبيرِ من دون غيره / إذا فاح زهر أو يهبُّ نسيمُ
تراه إذا ناداه في الأمر جاهلٌ / كثير الدعاوى أو يكيدُ زنيم
فظاهرُه الإعراض عنه وقلبُه / غيور على الأمرِ العزيزِ زعيم
إذا ما بقي من يومه نصفَ ساعةٍ / إلى ساعة أخرى وحلَّ صَريمُ
فيهتز غص العدل بعد سكونه / ويحيي بنات الأرض وهو هشيم
ويظهر عدلُ الله شرقاً ومغرباً / وشخصُ إمامِ المؤمنين رحيم
وثم صلاةُ الحق تترى على الذي / به لم أزل في حالتيّ أهيم
أقول وروح القدسِ ينفث في النفسِ
أقول وروح القدسِ ينفث في النفسِ / بأنَّ وجودَ الحق في العدد الخمسِ
أيا كعبةَ الأشهادِ يا حرمَ الأنسِ / ويا زمزمَ الآمالِ زُمَّ على النَّفسِ
سرى البيت نحو البيتِ يبغي وصاله / وطهر بالتحقيق من دَنَس اللبسِ
فيا حسرتي يوماً ببطن محسر / وقد دلّني الوادي على سَقَر الرَّجْسِ
تجرّعتُ بالجرعاء كأس نامةٍ / على مشهدٍ قد كان مِنيَ بالأمس
وما خفت بالخَيفِ ارتحالي وإنما / أخاف على ذي النفس من ظلمة الرَّمسِ
لمزدَلفِ الحجاجِ أعلمت ناقتي / لأنعمَ بالزُّلفى وألحقَ بالجنسِ
جمعتُ بجمعٍ بين عيني وشاهدي / بوترين لم أشهد به رتبةَ النفس
خلعتُ الأماني بعدما كنتُ في منى / وطوّفتها فانظره بالطرد والعكسِ
ففي الجمرات الغرّ في رَونَق الضحى / حصبتُ عدوّ الجهلِ فارتدّ في نكس
ركنتُ إلى الركن اليماني لأن في اس / تلام اليماني اليمن في جنةِ القدس
صفيتُ على حكم الصفا عن حقيقتي / فما أنا من عُربٍ فصاحٍ ولا فُرس
أقمت أناجي بالمقامِ مهيمناً / تعالى عن التحديد بالفصل والجنسِ
فشاهدته في بيعة الحجر الذي / تسوَّد من نكثِ العهود لذي اللمس
وبالحجر حجرت الوجودَ وكونه / عليَّ فلا يغدو الزمانُ ولا يمسي
وفي رمضان قال لي تعرف الذي / تشاهده بين المهابةِ والأنس
فلما قضيتُ الحج أعلنتُ مُنشداً / بسيري بين الجهر للذات والهمس
سفينة إحساسي ركبت فلم تزل / تسيرها أرواحُ أفكاره الخرس
فلما عدت بحر الوجودِ وعانيت / بسيف النهي من جلعن رتبة الأنس
دعاني به عبدي فلبيت طائعاً / تأمل فهذا القطف فوق جني الغرس
فعانيت موجوداً بلا عينِ مبصر / وسرَّح عيني فانطلقتُ من الحبس
فكنت كموسى حين قال لربّه / أريد أرى ذاتاً تعالتْ عن الحسِّ
فدكَّ الجبالَ الراسياتِ جلاله / وأصعقَ موسى فاختفى العرشُ في الكرسي
وكنتُ كخفَّاشٍ أراد تمتعاً / بشمسِ الضحى فنهدّ من لمحةِ الشمس
فلا ذاتُه أبقى ولا أدركَ المنى / وغودر في الأمواتِ جسماً بلا نفس
ولكنني أدعي على القرب والنوى / بلا كيف بالبعل الكريم وبالعرس
ولما أتاني الحقُّ ليلاً مكلماً
ولما أتاني الحقُّ ليلاً مكلماً / كفاحاً وأبداه لعيني التواضعُ
وأرضعني ثدي الوجودِ تحققاً / فما أنا مفطومٌ ولا أنا راضعُ
ولم أقتل القبطيّ لكنْ زجرتُه / بعلمي فلم تعسر عليَّ المواضع
وما ذبح الأبناء من أجلِ سطوتي / ولا جاء شرّير ببطشي رافع
فكنت كموسى غير أني رحمة / لقومي فلم تحرمُ عليَّ المراضع
لغزتُ أموراً إن تحققت أمرها / بدا لك علمٌ عند رَبِّك نافع
إذا سدَّسَ الذاتَ النزيهةَ عارفٌ
إذا سدَّسَ الذاتَ النزيهةَ عارفٌ / وأدرجَ في بدرِ التمامِ ذُكاء
وألحقَ أرواحَ العُلى بنفوسِها / وأعطاك من نور السَّناء ضياء
وأحكم أشياءَ وأرسلَ حكمةً / وصيرَّ أعمالَ الكيانِ هَباء
فذاك الذي يجري إلى غير غاية / ويطلع أقمارَ الشهودِ عشاء
وتبصره يعطي صباحاً حياتَه / ويقبضها جوداً عليك مساء
خرقتُ حجابَ الغيب أطلبُ سِرَّه
خرقتُ حجابَ الغيب أطلبُ سِرَّه / فلم ألفِ إلا بهتة وتحيُّرا
فعدتُ إلى الأكوانِ أبغي شهودَه / فلم أر في الأكوان عِلماً مُقرَّرا
فيا مدّعي علم الأكاسيرِ ليته / تقرر في الأوزانِ وزْناً مُحرَّرا
يوافق أوزانَ الطبيعةِ كونُه / على الفعل لا يلقى عن الأمر مَخبرا
فيقلب عينَ البدرِ شمساً منيرةً / وينشىء بهراماً شموساً وأقمرا
فقال له الميزانُ لستَ بحاصلٍ / لمن ظلَّ طولُ الدَّهرِ فيّ مفكِّرا
ولكنَّ حصولي اتفاقاً فإنني / عزيزٌ عن الإدراكِ غيباً ومحضراً
وَلَيتَ أمورَ الخلقِ إذ صرت واحداً
وَلَيتَ أمورَ الخلقِ إذ صرت واحداً / عزيزاً ولا فخر لديَّ ولا زهو
تركتُ وجودَ الشفعِ يلزم بابه / فغيبتُنا توٌ وحضرتُنا توّ
أنا المحيي لا أكنى ولا أتبلد
أنا المحيي لا أكنى ولا أتبلد / أنا العربيُّ الحاتمي محمدُ
لكلِّ زمانٍ واحد هم عينه / وإني ذاك الشخصُ في العصرِ أوحدُ
وما الناس إلا واحدٌ بعد واحدٍ / حرامٌ على الأدوارِ شخصان يوجد
أقابل عضاتِ الزمان بهمةٍ / تذلُّ لها السَّبعُ الشدادُ وتخمدُ
مؤيّدنا فيه على كلِّ حالة / إله السما وهو النَّصير المؤيد
وما ذاك عن حقِّ ولكن عناية / اتتني وحُسَّادي ترومُ وتجهد
إذا علم الله الكريم سريرتي
إذا علم الله الكريم سريرتي / فلستُ أُبالي من سواه إذا سخطْ
وقد صح عندي منزلي من مهيمني / فلست أُبالي من دنا اليوم أو شحط
فيا عجباً من عارفٍ قال إنه / تولَّع حباً بالإله ولم يمطِ
سوى ربّه عنه وساءتْ ظنونه / بنا فمتى تدركْه فيستدرك الغَلَط
إذا كان من أبدى التخفي بجانبي / يغيره قول الوشاةِ فقد سقط
ولكنَّ ربي قد أتى فأتيته / وقلت لسرِّي حسبُك المنتهى فقط
ولا تلتفت مَن ظنَّ سوءاً بنا ولا / تعرِّج عليه واعف عن سيءٍ فرط
إذا أفلَّ سيفي لم تُفلَّ عزايمي
إذا أفلَّ سيفي لم تُفلَّ عزايمي / فلي عزماتٌ شاحذاتٌ صوارمي
وإلاّ فسَلْ عنا القنا هل وفت لنا / وأسيافنا يوماً بقدرِ عزائمي
لنا الجودُ إذ كنا سُلالة حاتم / وما زال مذ قلدته في تمائمي
لنا همته إن الثريا لدونها
لنا همته إن الثريا لدونها / نعم ولنا فوق السَّماكين منزلُ
تقدمتُ سَبقاً في المكارمِ والعلى / وفي كل ما ينكي العِدى أنا أوّل
ولم ألفَ صَمصاماً بقدرِ عزائمي / ولو جمعوا الأسيافَ عزمي أفضل
كذلك جودي لا يفي الغيث والثرى / إذا كان أموالاً به حين أبذل
إذا التحم الجمعان في كومة الوغى / وكانت نزال ما عليها معوَّل
نصبتُ حساماً للردى في فِرنده / شعاعٌ له بين الفريقين فَيصلُ
له عزة لا تبتغي غيرَ كبشِهم / فليس له عن قمةِ الهامِ مَعدِل
حملتُ به لا أرهب الموتَ والردى / ولا أبتغي حمداً له النفسُ تعملُ
ولكن ليعلو الدينُ عِزَّاً وشرعُنا / إلى موضعِ عنه الطواغيت تسفلُ
أنا العربيّ الحاتميّ أخو النَّدى / لنا في العلى المجدُ القديمُ المؤثَّلُ
وكلا فمجدي ليس يُعزى إلى العلى / ألا كيف يسمو والعلى منه أسفلُ
خُصصتُ بعلم لم يخصَّ بمثله
خُصصتُ بعلم لم يخصَّ بمثله / سواي من الرحمن ذي العرشِ والكرسي
وأشهدتُ من علمِ الغيوبِ عجائباً / تصانُ عن التذكارِ في عالم الحسِّ
فيا عجباً إني أروحُ وأغتدي / غريباً وحيداً في الوجود بلا جنسِ
لقد أنكر الأقوامُ قولي وشنَّعوا / عليَّ بعلمٍ لا ألومُ به نفسي
فلا هم مع الأحياء في نور ما أرى / ولا هم مع الأموات في ظلمة الرمسِ
فسبحان من أحيى الفؤاد بنورِه / وأفقدهم نور الهدايةِ بالطَّمسِ
علومٌ لنا في عالم الكونِ قد سَرَت / من المغربِ الأقصى إلى مطلع الشمس
تحلَّى بها من كان عقلاً مجرَّداً / عن الفكرِ والتخمين والوهم والحدس
وأصبحتْ في بيضاءَ مثلي نقيةً / إماماً وإن الناسَ منها لفي لَبسِ
وحقِّ الهوى إنَّ الهوى سببُ الهوى
وحقِّ الهوى إنَّ الهوى سببُ الهوى / ولولا الهوى في القلب ما عُبد الهوى
فأبدى وجود الوجد ما كان يكتم
فأبدى وجود الوجد ما كان يكتم / ولاحت رسومُ الحقِّ منا ومنهمُ
فررتُ إلى الرحمن أبغي التصرّفا
فررتُ إلى الرحمن أبغي التصرّفا / بسطوةِ جبارٍ ورحمة مصطفى
ألا إنَّ وحي الله في كلِّ كائن
ألا إنَّ وحي الله في كلِّ كائن / من الصخر والأشجارِ والحيوانِ
وفي عالم الأركان في كلِّ حالة / وفي أنفسِ الأفلاكِ والمَلوانِ
وقد نزلتْ أملاكه من مقامِها / ليلقاه منها بالتقى الثقلان
يقول لي الحق المبين فإنني
يقول لي الحق المبين فإنني / أنا الردمُ فانظره تجدهُ بمالكي
فإن كان ما قد قاله عين فهمنا / فلست أرى في العالمين بهالكِ
وإني أنا الوجه الذي قال إنه / يدومُ ويبقى في جميع المسالك
مبيناً جليَّاً ثابتاً غير زائلٍ / وءنْ كنت شخصاً من جميعِ الممالك
أنا عرشه الأعلى وكرسيُّ علمه / لذلك يلقي نفسه في المهالكِ
لذا جاءنا النصُّ الجليُّ مخبراً / بألسنةِ الإرسال عند الممالك
ألم تدر أني واحد وكثير
ألم تدر أني واحد وكثير / وإني بما أدري به لبصير
وإني شكورٌ بالذي أنا أهله / وإني كما قال الإله كفورُ
ولكن لما عندي من العلم بالذي / إذا أنا لم أذكره قيل غيور
تسترتُ عن دهري بدهري فلم يكن / لي الدهر إلاّ صاحبٌ ووزيرُ
كذا جاء في القرآنِ إياك نستعين / ولم يأتِ إلاّ والمقامُ حَظيرُ
روائحُ دعوى واشتراك فكيف بي / بتوحيدِ فعلٍ والسميعُ بصير
بما قاله والأمر فيه محققٌ / كما قاله وإنه لعسير