القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 53
يدي هذه رهنٌ بما يَدَّعى فمي
يدي هذه رهنٌ بما يَدَّعى فمي / لئن لم يحكِّمْ عقلَه الشعبُ يندمِ
هتفتُ وما أنفك أهتِف صارخاً / ولو حرّموا مسِّي ولو حلَّلوا دمي
ولو فتّشوا قلبي رأوا في صميمه / خلاصةَ هذا العالمِ المتألِّم
إذا تُرك الجُمهورُ يَمضي لشأنه / ويسلُك من أهوائه كلَّ مَخْرِم
وتنتابُهُ الأهواء من كلِّ جانبٍ / وترمي به شتى المهاوي فيرتمي
وتُنْشَر فيه كلَّ يوم دِعايةٌ / ويندسُّ فيها كلُ فكر مسمِّم
وتَقضي عليه فُرقة من مسدّر / وتُنْهكُه رجعيةٌ من معمَّم
ولم تلدِ الدنيا له من مؤدِّب / يهذب من عاداته ومقوِّم
فلا بد من عُقْبى تسوء ذوي النهى / وتَدمى بها سبابةُ المتندِّم
ولا بد أن يمشي العراقُ لعيشة / يشرَّفُ فيها أو لموت محتَّم
أقول لأوطانٍ تمشت جريئةً / يَمدُّ خطاها كلُّ أصيدَ ضيغم
وقرَّ بها مما تحاول أنها / رأت في اكتساب العزِّ أكبر مغنم
ألا شعلةٌ من هذه الروحِ تنجلى / على وطن ريانَ بالذُّل مُفْعَم
خذي كلَّ كذّاب فَسُلِّي لسانه / ومُرّي على ظُفر الدنيِّ فَقَلِّمي
ومُرِّي على هذي الهياكل أقبلت / عليها الجمْاهير الرُّعاع فحطِّمي
وإن كان لا يبقى على الحال هذه / سوى واحد من كل ألف فأنعم
فأحسنُ من هذي التماثيل ثُلّةٌ / تقوم على هذا البناء المرمَّم
فقد لعِبَت كفُّ التذبذب دورَها / به واستباحت منه كلَّ مُحرَّم
وقد ظهرت فيه المخازي جليةً / يضيق بها حتى مجالُ التكلُّم
وقد صيحَ نهباً بالبلادِ ومُزِّقت / بظفُرٍ وداسوها بخُفٍّ و مَنْسِم
وإني وإن لم يبق قول لقائل / ولم يتركِ الأقوامُ من متردمِّ
فلا بدَّ أن أُبكيكَ فيما أقصُّه / عليك من الوضع الغريب المذمَّم
ألا إن هذا الشَعبَ شعبٌ تواثَبَتََْ / عليهَ صروفُ الدهر من كل مَجْثم
مقيمٌ على البْلوى لِزاماً إذا انبرت / له نكبةٌ عظمى تَهون بأعظم
يجور عليه الحكمُ من متآمرٍ / وتمشي به الأهواءُ من متزعِّم
مساكينُ أمثالُ المطايا تسخَّرتْ / على غيرِ هدْيٍ منهمُ وتَفَهُّم
فلا الحكمُ بالحكم الصحيح المتمَّمِ / ولا الشعبُ بالشعب الرزين المعلَّم
تَحَدَّتْهُ أصنافُ الرزايا فضيَّقَت / عليه ولا تضييقَ فقر مخيِّم
فقد أُتخمت شمُّ " البُنوك " وأشرقت / بأموال نّهابٍ فصيحٍ وأعجم
تُنُوهِبْنَ من أقوات طاوٍ ضلوعَه / على الجْوع أو من دمع ثكلى وأيِّم
يُباع لتسديد الضرائب مِلْحَفٌ / وباقي رِتاج أو حصير مثلَّم
وما رفع الدُّستورُ حيفاً وإنما / أتونا به للنَّهْب ألطفَ سَلَم
ستارٌ بديعُ النسجِ حيكَ ليختفي / بها الشعبُ مقتولاً تضرَّجَ بالدم
به وجدت كفُّ المظالم مَكْمَناً / تحوم عليه أنَّةُ المتظلِّم
نلوذ به من صَوْلة الظلم كالذي / يفرِ من الرَّمضاءِ بالنار يحتمي
بضوء الدساتير استنارت ممالكٌ / تخبَّطُ في ليل من الجْهل مظلم
وها نحن في عصر من النور نشتكي / غَوايةَ دُستور من الغِش مبهم
هنالك في قَصْرٍ أُعدت قِبابه / لتدخينِ بطّالين هوجٍ ونُوّم
تُصَبُّ على الشعب الرزايا وإنما / يَصُبُّونها فيه بشكل منظَّم
مضت هَدرَاً تلك الدماءُ ونُصِّبَتْ / ضِخامُ الكراسي فوق هَامٍ محطَّم
ولما استَتَمَّ الامرُ وارتدَّ معشَرٌ / خلاءَ اكُفٍّ من نِهاب مقسَّم
ورُدَّت على الأعقاب زَحفاً معاشرٌ / تُحاولُ عَودْاً من حِطامٍ مركَّم
بدا الشر مخلوعَ القِناع وكُشِّفَت / نوايا صدورٍ قُنِّعت بالتكتُّم
وبان لنا الوضعُ الذي ينعَتُونَه / مضيئاً بشكل العابس المتجهِّم
ستَبقى طويلاً هذه الأزماتُ
ستَبقى طويلاً هذه الأزماتُ / إذا لم تُقصِّرْ عُمرَها الصدَّمَاتُ
إذا لم يَنَلْها مُصلحونَ بواسلٌ / جريئونَ فيما يَدَّعونَ كُفاة
سَيبقى طويلاً يَحمِلُ الشعبُ مُكْرَهاً / مَساوئَ مَنْ قد أبْقَتِ الفَتَرات
قُيوداً من الارهاقِ في الشرقِ أُحكِمَتْ / لتسخير أهليه لها حَلَقات
ألمْ ترَ أنَّ الشْعبَ جُلُّ حقوقهِ / هي اليومَ للأفرادِ مُمتلَكات؟
مشتْ كلُّ جاراتِ العراقِ طموحةٍ / سِراعاً وقامتْ دونهُ العَقَبات
ومِنْ عَجَبٍ أن الذينَ تكفَّلوا / بانقاذِ أهليهِ همُ العَثَرات
غداً يُمْنَعُ الفتيانَ أنْ يتعلَّموا / كما اليومَ ظُلماً تُمنَعُ الفتيات
أقولُ لقومٍ يَحْمَدونَ أناتهم / وما حُمِدتْ في الواجباتِ أناة :
بأسرعَ مِن هذي الخُطَى تُدرَكُ المُنى / بِطاءٌ لَعَمْري مِنكمُ الخُطُوات
وما أدَّعي أنَّ التهوُّرَ صالحٌ / متى صَلُحَتْ للناهضِ النزوات؟!
ولكنْ أُرَجي أنَّ تقوم جريئةً / لصدِّ أكُفِّ الهادمين بُناة
أُريدُ أكُفّاً مُوجِعاتٍ خفيفةً / عليها – متى شاءتِ – الَّلَطمات
فانْ ينعَ أقوامٌ علىَّ مقالتي / وما هي إلَّا لوعةٌ وشَكاة
فقد أيقَنتْ نفسي وليسَ بضائري / بأنّيَ في تلكَ العُيونِ قَذاة
وما النقدُ بالمُرضي نفوساً ضعيفةً / تهدُّ قُواها هذهِ الحَمَلات
وَهَبْني ما صلَّتْ علىَّ معاشرٌ / تُباعُ وتُشرى منهمُ الصَّلَوات
فلو كنتُ مِمَّنْ يطعمونَ بمالهِ / لعادَتْ قِداساً تلكمُ اللعنات
دَعُوها لغيري عَلَّكُمْ تحِلُبونها / ستُغنيكمُ عن مِثليَ البَقَرات
وما هيَ إلاَّ جمرةٌ تُنكرونَها / ستأتيكُمُ من بَعدِها جَمَرات
قوارصُ قولٍ تقتضيها فِعالُكُمْ / وتدعوا " الهَناتِ " القارصاتِ " هَنات "
وإنْ يُغضِبِ الغاوينَ فضحٌ معاشرٍ / همُ اليومَ فيه قادةٌ وهُداة
فما كان هذا الدينُ لولا ادّعاؤهم / لِتمتازَ في أحكامهِ الطَّبَقات
أتُجبى ملايينٌ لفردٍ وحوَلُه / أُلوفٌٌ عليهمْ حَلَّتِ الصَّدقات؟!
وأعجبُ منها أنَّهم يُنكرِِونَها / عليهم وهمْ لو يُنصِفونَ جُباة
قذىً في عيونِ المصلحينَ شواهقٌ / بدتْ حولَها مغمورةً خَرِبات
وفي تلك مِبطانونَ صُغْرٌ نُفوُسُهم / وفي هذه غرثى البطونِ أُباة
ولو كانَ حُكْمٌ عادلٌ لتهَّدَمتْ / على أهلِها هاتيكمُ الشُرُفات
على باب " شيخِ المسلمين " تكدَّسَتْ / جِياعٌ عَلَتْهم ذِلَّةٌ وعُراة
همُ القومُ أحياءٌ تقولُ كأنَّهم / على بابِ " شيخِ المسلمين" موات
يُلَمُّ فتاتُ الخُبزِ في التربِ ضائعاً / هُناك وأحياناً تُمَصُّ نواة
بيوتٌ على أبوابها البؤسُ طافحٌ / وداخِلَهُنَّ الأنسُ والشَّهَوات
تحكَّمَ باسمِ الدّينِ كلُّ مذَمَّمٍ / ومُرتكِبٍ حفَّتْ به الشُبُهات
وما الدينُ إلا آلةٌ يَشهَرونها / إلى غرضٍ يقضُونه وأداة
وخلفَهُمُ الأسباطُ تترى ومِنهُمُ / لُصوصٌ ومنهمْ لاطةٌ وزُناة
فهَلْ قَضتِ الأديان أن لا تُذيعَها / على الناسِ إلَّا هذه النَّكِرات
يدي بيدِ المستضعَفِينَ أُريهمُ / من الظُلْمِ ما تعيا به الكَلِمات
أُريهمْ على قلبِ " الفُراتِ" شواهقاً / ثِقالاً تَشَكَّى وطأُهنَّ " فُرات"
بنتْهُنَّ أموالُ اليتامى وحولَها / يكادُ يَبينُ الدمعُ والحسَرات
بقايا أُناسٍ خلَّفوها موارداً / تسدِّدُ لهوَ الوارِثِينَ وماتوا
سقى تُربَها من ريِّقِ المزن هطّالُ
سقى تُربَها من ريِّقِ المزن هطّالُ / دياراً بعثْنَ الشوقَ والشوقُ قتالُ
خليليَّ أشجَى ما ينغِّص لذتي / مَناحٌ أقامته عيالٌ وأطفال
وأيد وأجيادٌ تُمَدّ وتلتوي / ومنهن حال بالدموع ومعطال
خليليَّ لو لم يَنطق الوجدُ لم أقل / فقد كذَّبت قبلي لذي الحبّ أقوال
وحيداً فلو رُمتم على الوجد شاهداً / لما شَهِدت الا بُكورٌ وآصال
وما برِحت أيدي الخطوب تنوشُني / بفارسَ حتى بغَّضَ الحلَّ ترحال
وما سرني في البُعد حال تحسَّنَتْ / بلاديَ أشهى لي وان ساءتِ الحال
فمن شاقه بَردُ النعيم بفارسٍ / فاني إلى حَرِّ العراقين ميّال
أُحب حصاها وهو جمر مؤجَّج / وأهوى ثراها وهو شَوكٌ وأدغال
واني على أنَّ البلادَ جميلةٌ / تروق كما ازدادت من الدلِّ مِكسال
منعَّمة أما هواها فطيّب / نسيم وأما الماءُ فيها فسَلسال
يسيل على أجبالها وهو لجّةٌ / ويجري على حَصبائها وهو أوشال
تحيط به خُضرُ الرياض أنيقةً / كما رُقِمت فوق الصحائف أشكال
أحنُّ إلى أرض العراق ويعتلي / فؤادي خُفوقٌ مثلَما يَخفُق الآل
وما الهول غِشيانَ الدروبِ وضيقُها / عراكُ الهوى والوجدُ والذكرُ أهوال
خليليَّ أدنى للبيب رُقيُّهُ / إلى النجم من أن يَسلَم العزُ والمال
ألا مُبلغٌ عني " المعرِّيَ " أحمداً / ليسمَعَه والشعر كالريح جوّال
بأني وإيّاه قرينا مصائبٍ / وان فَّرقت بين الشعورينِ أحوال
واني وإياه كما قال شعره : / " مغاني اللوي من شخصكَ اليوم أطلال "
" تمنيت أن الخمر حلَّت لنشوة / تُجَهِّلُني كيف استقرَّت بيَ الحال "
احباي بين الرافدين تيقَّنوا / بأني وان أُبعِدتُ عنكم لسّآل
لئن راقكم ماءُ الفرات وظلِّلتْ / عليكم من الصَفصاف والنخل أظلال
فانيَ من دمعٍ عليكم أُذيله / شَروبٌ ومن سَوداءٍ قلبي أكّال
لقد كان هذا القلب في القُرب مضغةً / وها هو من بعد الأحبَّة أوصال
هي النفس تأبى ان تذِلَّ وتُقهَرا
هي النفس تأبى ان تذِلَّ وتُقهَرا / ترَىَ الموتَ من صبرٍ على الضيم أيسَرا
وتختارُ محموداً من الذِكرِ خالداً / على العيش مذمومَ المغَبَة مُنكَرا
مشى ابنُ عليٍ مِشيةَ الليث مُخدِراً / تحدَّته في الغاب الذئابُ فاصحَرا
وما كان كالمعطي قِياداً محاولاً / على حينَ عضّ القيدُ أن يتحررا
ولكنْ أنَوفا أبصَرَ الذُّلَّ فانثنى / لأذيالهِ عن أن تُلاَُثَ مُشمِّرا
تسامىَ سموَّ النجم يأبى لنفسه / على رغبة الأدنَينَ أن تتحدَّرا
وقد حلفتْ بيضُ الظُبا أن تنوَشه / وسمرُ القَنا الخطيِّ أن تتكسَرا
حدا الموتُ ظعنَ الهاشميينَ نابياً / بهمْ عن مقرٍّ هاشميٍ مُنَفَّرا
وغُيِّبَ عن بطحاء مكة أزهَرٌ / أطلَّ على الطَف الحزينِ فأقمَرا
وآذَنَ نورُ " البيت " عند برِحلة / وغاصَ النَدى منه فجفَّ وأقفرا
وطاف بأرجاء الجزيرة طائفٌ / من الحزن يوحي خِيفةً وتطيُّرا
ومرّ على وادي القُرى ظِلُّ عارضٍ / من الشُؤْم لم يلبث بها أن تَمطَّرا
وساءَلَ كلٌّ نفسَهُ عن ذُهوله / أفي يقَظةٍ قد كانَ أم كان في كَرى
وما انتفضوا إلا وركبُ ابنِ هاشمٍ / عن الحج " يومَ الحج " يُعجله السُرى
أبت سَورةُ الأعراب إلا وقيعةً / بها انتكَصَ الإسلام رَجْعاً إلى الوَرَا
وننُكِّسَ يومَ الطفّ تاريخُ أمة / مشى قبلَها ذا صولةٍ متبخِترا
فما كان سهلاً قبلَها أخذُ موثق / على عَرَبيّ أن يقولَ فيغدِرا
وما زالت الأضغانُ بابن أميَّةٍ / تراجِعُ منه القَلبَ حتى تحجرا
وحتى انبرى فاجتَثّ دوحةَ أحمدٍ / مفرِّعةَ الاغصان وارفةَ الذرى
وغطَّى على الأبصار حقدٌ فلم تكن / لتَجهَدَ عينٌ أن تَمُدَّ وتُبصِرا
وما كنتُ بالتفكير في أمر قتلهِ / لازدادَ إلا دهشةً وتحيُّرا
فما كان بين القوم تنصبٌّ كتبُهمُ / عليه انصبابَ السيل لما تحدَّرا
تكشَّفُ عن أيدٍ تُمَدُّ لبيعةٍ / وأفئدَةٍ قد أوشكَت أن تَقَطَّرا
وبينَ التخلَّي عنه شِلواً ممزَّقا / سوى أن تجيءَ الماءَ خِمسٌ وتُصدِرا
تولى يزيدٌ دَفَّةَ الحكم فانطوى / على الجمر من قد كانَ بالحكم أجَدرا
بنو هاشمٍ رهطُ النبيِّ وفيهُمُ / ترَعرَع هذا الدينُ غَرساً فاثمَرا
وما طال عهدٌ من رسالة أحَمدٍ / وما زالَ عودُ الملك رّيانَ اخضَرا
وفيهِمْ حسينٌ قِبلةُ الناس أصيدٌ / إذا ما مَشَى والصِيدُ فاتَ وغبَّرا
وغاض الزبيريين ان يبصِروا الفتَى / قليلَ الحِجى فيهم أميراً مُؤمَّرا
ففي كل دارٍ نَدوة وتجمُّعٌ / لأمر يُهم القومَ أن يُتدَّبرا
وقد بُثَّت الأرصادُ في كل وِجهةٍ / تخوف منها ان تُسَرَّ وتُجهَرا
وخَفُّوا لبيت المال يستنهضونَهُ / وكان على فضِّ المشاكل أقدَرا
وقد أدرك العُقْبى مَعاوي وانجلَتْ / لعينيه أعقابُ الامور تَبصُرّا
وقد كان أدرىَ بابنه وخصومِه / وأدرى بانَ الصَيدَ أجمعُ في الفرا
وكان يزيدٌ بالخمور وعصرِها / من الحكم ملتَفَّ الوشائج أبصَرا
وكانَ عليه أن يشُدَّ بعَزمه / قُوَى الأمر منها أن يَجدَّ ويسْهَرا
فشمَّر للأمرِ الجليلِ ولم يكن / كثيراً على ما رامَه ان يشمِّرا
ولكنَّه الشيءُ الذي لا معوِّض / يعوِّضُ عنه إن تولَّى وأدبَرا
وقلَّبها من كل وجه فسرَّه / بأن راءَها مما توَّقع أيسَرا
فريقينِ دينياً ضعيفاً ومُحنَقاً / ينفِّسُ عنه المالُ ما الحِقد أوغرا
وبينهما صِنفٌ هو الموتُ عينُهُ / وان كانَ معدوداً أقلَّ وأنزَرا
وماماتَ حتى بيَّن الحزمَ لابنه / كتابٌ حوى رأساً حكيماً مفكرا
وأبلَغَه أنْ قد تَتَبَّع جهدَه / مواطنَ ضَعفِ الناقمين فخدَّرا
وإن حسيناً عثرةٌ في طريقه / فما اسطاعَ فليستغنِ ان يتعثَّرا
وأوصاه شرّاً بالزبيريِّ منذرِا / وأوصاه خيراً بالحسَين فأعذَرا
لوَ ان ابن ميسونٍ أرادَ هدايةً / ولكن غَوِيٌّ راقَهُ أن يُغرِّرا
وراح " عبيدُ الله " يغتلُّ ضعفَه / وصُحبَتهُ حتى امتطاه فسيَّرا
نشا نشأةَ المستضعفينَ مرجيِّا / من الدهر أن يُعطيه خَمراً وميسِرا
وأن يتراءى قرده متقدِّماً / يجيءُ على الفُرسان أم متأخِّرا
وأغراه حُبّاً بالأخيطلِ شعرُهُ / لو اسطاعَ نَصرانيةً لتنصَّرا
وقد كان بين الحزنِ والبِشر وجهُه / عشيّةَ وافاه البشيرُ فبشَّرا
تردَّى على كره رداءَ خِلافةٍ / ولم يُلقِ عنه بعدُ للخمرِ مِئزرا
وشقَّ عليه أن يصوِّر نفسَه / على غير ما قد عُوِّدَت أن تُصوَّرا
وأن يُبتَلى بالأمرِ والنهيِ مُكرَها / وان يَجمع الضِدَّين سُكراً ومِنبَرا
إذا سَلِمت كأسٌ يُروِّحُ مُغبّقاً / عليه بها الساقي ويغدو مبكِّرا
وغنَّتهُ من شعر " الاخيطلِ " قَينَةٌ / وطارَحَها فيها المُغنّي فأبهَرا
فكلُّ أمور المسلمينَ بساعةٍ / من المجلِسِ الزاهي تُباع وتُشتَرى
وشاعَتْ له في مجلِس الخمر فَلْتَةٌ / من الشِعر لم تَستَثْنِ بَعثا ومَحشَرا
وقد كانَ سَهلاً عندَه أن يقولَها / وقد كانَ سهلاً عنده أن يُكفَّرا
على أنه بالرَغم من سَقَطاته / وقد جاءه نَعيُ الحسين تأثَّرا
فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة / بأُخرى ولما ثَابَ رشْدٌ تَحسَّرا
وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة / زَوَت عنه ما لاقَى الحسين تأثَّرا
فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة / بأُخرى ولما ثابَ رشْدٌ تَحسَّرا
وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة / زَوَت عنه ما لاقَى الحسينُ وما جرَىَ
ولولا ذُحولٌ قدمت في معاشِرٍ / تقاضَوا بها في الطَفِّ ديناً تأخَّرا
لزُعزِع يومُ الطف عن مُستقَرِّه / وغُيِّرَ من تاريخه فتَطَوَّرا
أقول لأقوامٍ مضّوا في مُصابه / يسومونه التحريفَ حتى تغيَّرا
دعوا رَوعةَ التاريخ تأخذْ مَحَلَّها / ولا تجهدوا آياتِه أن تُحوَّرا
وخلوا لسانَ الدهر ينطقْ فإنّه / بليغٌ إذا ما حاولَ النطقَ عَبَّرا
أرى الدهر مغلوباً ضعيفا وغالبا
أرى الدهر مغلوباً ضعيفا وغالبا / فلا تَعتِبَنْ لا يسمعُ الدهرُ عاتبا
ولا تكذبنْ ما في البرية راحمٌ / ولا أنت فاترُكْ رحمةً عنك جانبا
تمكّنَ ذو طَوْلٍ فأصبح حاكماً / وجنّب مدحوراٌ فأصبح راهبا
وفاتت أناساً قدرةٌ فتمسكوا / ولم يُخْلقوا أُسداً فعاشوا ثعالبا
إلى روح " مكيافيل " نفحُ تحية / وصوبُ غمامٍ يترك القبرَ عاشبا
أبان لنا وجهَ الحقيقةِ بعدما / أقام الورى ستراً عليه وحاجبا
ولو رُمتُ للعَوْرات كشفاً أريتُكُمْ / من الناس حتى الأنبياءِ عجائبا
أريتكُمُ أنَّ المنافعَ صُوِّرتْ / محامدَ والحرمانَ منها معايبا
أريتكُمُ أنَّ ابنَ آدمَ ثعلبٌ / يماشيك منهوباً ويغزوك ناهبا
لحفظ " الأنانياتِ " سُنَّتْ مناهجٌ / على الخلق صَبَّتْ محنةً ومصائبا
يجرُّ سياسيُّ عليها خصومَه / ويدرك دينيُّ بهنّ المطالبا
فان تراني مستصرخاً من مُلِمَّة / على الناس إذ لم أخدعِ الناسَ صاخبا
فليس لأني ذو شعور وإنّما / أردتُ على الأيام عوناً وصاحبا
هي النفس نفسي يسقط الكلُّ عندها / إذا سَلِمتْ فليذهبِ الكونَُ عاطبا
بلى ربما أهوى سواها لأنه / يَجُرُّ إليها شهوةً ومآربا
ولو مُكِّنََتْ نفسي لأرسلتَ عاصفاً / على الناس يَذروهم وفجَّرتُ حاصبا
فلو كنت دينيّا تخذت محمداً / وعيسى وموسى حجة وركائبا
تناهبتُ أموالَ اليتامى أجوزُها / وأجمعُها باسم الديانة غاصبا
ومهدتُ لي عيشاً أنيقاً بظلها / ومتعتُ نفسي منه ثم الأقاربا
ولو كنتُ من أهل السياسة لم أَدَعْ / سناماً لمن أرتابُ فيهم وغاربا
تَخذتُ الورى بالظن أُحصي خطاهُمُ / ورُحْت لدقاتِ القلوبِ محاسبا
ولم أرَ في الاثم الفظيع اقترفتُه / سوى أنني أدّيتُ للحكم واجبا
فان لم أُطِقْ تهديمَ بيتٍ مصارحاً / أتيتُ فهدَّمتُ البيوتَ مواربا
لجأتُ إلى الدُّسْتُور في كل شدةٍ / أفسّر منه ما أراه مناسبا
وجردتُهُ سيفاً أمضَّ وقيعةً / من السيف هنديا وأمضى مضاربا
أكُمُّ به الأفواهَ حقا وباطلا / وأخْنُقُ أنفاسا به ومواهبا
أُهدّمُ فيه مجلساً ليَ لا أُريدهُ / وإن ضمَّ أحراراً غَيارىَ أطابيا
وأبني عليه مجلساً ليَ ثانيا / أضيّع " ألكاكاً " عليه رواتبا
أُحشّد فيه أصدقائي وأسرتي / كما ضمّ بيتٌ أُسرةً وصواحبا
فان لم تكن هذي لجأتُ لغيرها / أخفَ أذىً منها وألين جانبا
أُرشحُ من لم يعرفِ الشعبُ باسمه / أباعدَ عنه لفّقوا وأجانبا
أُسخّرهم طوراً لنفسي وتارةً / أصُبّ على الأوطان منهم مصائبا
وأغريت بالتلطيف أسْحَرُ شاعراً / وأغدقت بالأموال اخْدَعُ كاتبا
فهذا يسمى الجورَ حزماً وحكمةً / وذلك يعتدُّ المخازي مناقبا
ولو كنتُ فناناً ولو كنتُ عاملاً / ولو كنتُ أُمياً ولو كنت كاسبا
ولو كنت مهما كنت فرداً فانني / لأجهَدُ في تحطيم غيريَ دائبا
ولا أعرف التاريخَ يهتاج ساخطا / عليّ ولا الوجدانَ يرتدُّ غاضبا
فما كانت الأعذار إلا لخاملٍ / وما كنت إلا طامحَ النفسِ واثبا
دعوني دعوني لا تهيجوا لواعجي / ولا تبعثوا مني شجوناً لَواهِبا
خليليَ سَلِّ القلبَ عن هذه البلوى
خليليَ سَلِّ القلبَ عن هذه البلوى / وناجِ فانّ الهمّ تدفَعَه النَّجوى
ألا لو وجدنا عن أذانا محامياً / أقمنا على الدهر الذي ضامنا الدعوى
سل الفَلَكَ الدوارَ يرفقْ بسيره / فانا بَلَغْنا للأذى الغايةَ القصوى
نأت دجلةٌ عني وبانت ضفافُها / وأبعدَ ذاك الروضُ ذو المنبتِ الأحْوى
ألا قُوَّةٌ تسطيعُ دفع المَظالِمِ
ألا قُوَّةٌ تسطيعُ دفع المَظالِمِ / وإنعاشَ مخلوقٍ على الذُّلِّ نائِمِ
ألا أعينٌ تُلقي على الشَّعْبِ هاوياً / إلى حَمْأةِ الإدقاعِ نظرةَ راحم
وهَلْ ما يرجِّي المُصلحونَ يَرونهُ / مواجَهَةً أمْ تلكَ أضغاثُ حالم
تعالَتْ يدُ الاقطاعِ حتَّى تعطَّلَتْ / عنِ البتِّ في احكامِها يدُ حاكم
وحتَّى استبدَّتْ بالسَّوادِ زعانِفٌ / إلى نَفْعِها تستاقُهُ كالبهائم
إذا رُمْتُ أوصافاً تليقُ بحالةٍ / تعرَّفْتُها ضاقَتْ بطونُ المعاجم
ألام نستحي منْ أنْ يُقالَ بلادُهُمْ / عليها مِنَ الإذلالِ ضربةُ لازم
هي الأرضُ لم يَخْصُصُ لها اللهُ مالكاً / يُصَرَّفُها مُسْتَهْتَراً في الجرائم
ولم يَبْغِ منها أنْ يكونَ نَتاجُها / شَقاوةَ مظلومٍ ونعمةَ ظالم
عجِبتُ لخلْقٍ في المَغارِمِ رازِحٍ / يُقدِّمُ ما تجني يداهُ لغانم
وأنكا من هذا التغابُنِ قُرْحَةً / غباوةُ مَخْدومٍ وفِطنةُ خادم
وكمْ مِن خُمولٍ لاحَ في وجه متْرفٍ / وكمْ من نبوغٍ شعَّ في عينِ عادِم
لو اطَّلَعتْ عيناكَ أبصرتَ مأْتَماً / أُقيمَ على الأحياءِ قبلَ المآتم
وإلاّ فما هذا الشَّقاءُ مُسَيْطِراً / لهُ في جباهِ القومِ مثلُ المياسم
إذا أقبلََ " الشيخُ المُطاعُ "وخَلْفَهُ / منَ الزارعين الأرضَ مِثْلُ السَّوائم!
مِنَ المُزهَقي الأرواح يَصلي وجوهَهُمْ / مَهَبُّ أعاصيرٍ ولفحُ سمائم
قِياماً على أعتابهِ يُمطِرونها / خُنوعاً وذُلّاً بالشّفاهِ اللواثم
رأيتَ مثالاً ثَمَّ لابنِ ملائكٍ / تَنَزَّلَ مِن عَليْائهِ وابنِ آدم!
حَنايا مِنَ الأكواخِ تُلقي ظِلالَها / على مِثْلِ جُبٍ باهتِ النُور قاتم
تلوَّتْ سِياطٌ فوقَ ظهرِ مكرَّمٍ / مِن اللُؤمِ مأخوذٍ بسوطِ الألائم
وباتَتْ بطونٌ ساغِباتٌ على طَوىً / وأُتخِمَت الأخرى بِطيبِ المطاعم
أهذي رعايا أُمَّةٍ قد تهيَّأتْ / لِتسْقَبْلَ الدُّنيا بعزمِ المُهاجم!؟
أهذا سوادٌ يُبتغىَ لِمُلِمَّةٍ / ونحتاجُهُ في المأزِق المتلاحِم ؟
أهذي النفوسُ الخاوياتُ ضَراعةً / نُباهي بها الأقرانَ يومَ التَّصادم؟
أمِنْ ساعِدٍ رِخوٍ هَزيلٍ وكاهلٍ / عجوزٍ نُريدُ المُلْكَ ثَبْتَ الدَّعائم!
مِنَ الظلْمِ أنَّا نَطْلُبُ العزمَ صادقاً / من الشعبِ منقوضَ القُوى والعزائم
وأنْ نَنْشُدَ الاخلاصَ في تضحياتهِ / ونحنُ تركناهُ ضحيَّةَ غاشم
وأنْ نبتغي رِكضاً حَثيثاً لِغايةٍ / نُحاوِلُها مِن راسِفٍ في أداهم
لنا حاجةٌ عندَ السَّوادِ عظيمةٌ / سنفقِدُها يومَ اشتدادِ الملاحِم
هُناِلكَ لا تُجدي فتيلاً عِصابةٌ / إذا جَدَّ خطبٌ فهي أوَّلُ راجم
وإنَّ سواداً يحمِلُ الجَوْرَ مُكْرَهاً / فقيرٌ لِهادٍ بَينِ النُصْحِ حازِم
يَشُنُّ على الاقطاعِ حرباً مُبيدةً / ولا يَختشي في الحقِّ لَوْمَةَ لائم
يَمُدُّ يداً تُعطي الضّعافَ حُقوقَهُمْ / ويَسْطو بأخرى باطشاً غيرَ راحم
ويجتَثُّ إقطاعاً أقَرَّتْ جُذُورَهُ / سياسةُ تفريقٍ وحَوْزُ مغانم
سياسةُ إفقارٍ وتجويعُ أُمَّةٍ / وتَسليطُ أفرادٍ جُناةٍ غَواشم
لقد قُلْتُ لو أصغى إلى القولِ سامعٌ / وما هوَ مِّني بالظُنونِ الرّواجم
ألا إنَّ وضعاً لا يكونُ رفاهُهُ / مُشاعاً على أفرادهِ غيرُ دائم
أمبترِداتٌ بالخُمورِ تثلَّجَتْ / وبالماءِ يَغلي بالعُطورِ الفواغِم
ومُفترِشاتٌ فضلةً في زرائبٍ / يُوَسّدُها ما حولَها مِن رَكائم
أمِنْ كدحِ آلافٍ تفيضُ تَعاسةً / يُمَتَّعُ فردٌ بالنعيمِ المُلازِم
وما أنا بالهيَّابِ ثورةَ طامعٍ / ولكنْ جِماعُ الأمرِ ثورةُ ناقم!
فما الجوعُ بالأمرِ اليسيرِ احتمالُهُ / ولا الظُلْمُ بالمرعى الهنيءِ لِطاعِم
نَذيرَكَ مِن خَلْقٍ أُطيلَ امتهانُه / وإنْ باتَ في شكلِ الضَّعيفِ المُسالم
بلادٌ تردَّتْ في مهاوٍ سحيقةٍ / وناءتْ بأحمالٍ ثِقالٍ قواصِم
تَبيتُ على وعدٍ قريبٍ بفتنةٍ / وتُضحي على قَرْنٍ من الشرِّ ناجم
ولو عُولِجَ الاقطاعُ حُمَّ شِفاؤها / ومَنْ لي بطَبٍّ بّينِ الحِذْقِ حاسم؟
ولم أرَ فيما ندَّعي مِن حضارةٍ / وما يَعتري أوضاعَنا مِن تلاؤم
وها إن هذا الشَّعْبَ يَطوي جَناحَهُ / على خَطَرٍ من سَورةِ اليأس داهم
غداً يستفيقُ الحالمونَ إذا مَشَتْ / رواعدُ من غضبابتهِ كالزمازم
لقد ساءَني علمي بخُبثِ السرائرِ
لقد ساءَني علمي بخُبثِ السرائرِ / وأنّي على تطهيرِها غيرُ قادرِ
وآلمني أني أخيذُ تفكُّرٍ / بكلَّ رخيص النفسِ خِبٍّ مُماكِر
تمشَّتْ به سَوءاتُ شعبٍ تلاءَمَت / وسوءاتُه واستُدرِجَتْ بالمظاهر
وها أنا بالنيّات سوداً معذَّبٌ / تعاودُني فيهنَّ سودُ الخواطر
وألمحُ في هذي الوجوهِ كوالِحاً / من اللؤم أشباحَ الوحوش الكواسر
وتوحِشُني الأوساطُ حتى كأنَّني / أُعاشِرُ ناساً أُنهِضوا من مقابر
تصفَّحتُ أعمالَ الوَرَى فوجدتُها / مخازِيَ غطَّوها بشَتى الستائر
وفتَّشتُ عما استحدَثوا من مناقِبٍ / تُروِّجُ من أطماعهم ومفاخِر
فكانت حساناً في المظاهرِ خُدْعة / على أنها كانت قِباحَ المخابر
مشى الناسُ للغايت شتى حظوظهم / وآمالهم من مستقيم وجائر
وغطَّى على نقصِ الضعيف نجاحُه / وراح القويُّ عرضةً للعواثر
وقد حوسب الكابي بأوهَى ذنوبِه / ولم يؤخَذِ الناجي بأمّ الكبائر
وراحت أساليبُ النفاق مَفاخراً / سلاحاً قوياً للضعيف المُفاخر
وحُبِّبَ تدليسٌ وذُمَّت صراحةٌ / فلا عيشَ إلاّ عن طريقِ التآمر
وألَّفَ بين الضدِ والضدِ مغنمٌ / وفرَّقَتِ الاطماعُ بين النظائر
مُحيطٌ خَوَتْ فيه النفوسُ وأفسِدتْ / طباعُ أهاليه بعدوْى التجاور
هَوَت نبعةُ الأخلاق جراءَ ما اعتَدَتْ / على الشعب أطماعُ السَّراةِ الأكابر
وقد صِيح بالإخلاص نَهبْاً فلا تَرَى / سوى بؤَر التضليلِ جِسراً لعابر
وباتَ نصيبُ المرءَ رَهناً لِما يَرَى / أولو الأمرِ فيه مثلَ لِعبِ المقامر
فإما مُكَّبٌ للحضيض بوجهه / على أنه سامي الذرى في المفاخر
وإما إلى أوجٍ من المجد مُرتَقٍ / على سُلَّمٍ من موبقاتٍ فواجر
ولم يبقَ معنى للمناصب عندنا / سوى أنها ملكُ القريبِ المصاهِر
وإن ثيابَ الناس زُرَّت جميعُها / على عاهةٍ إلاّ ثيابَ المؤازر
تُسنُّ ذيولٌ للقوانين يُبتَغى / بها جَلْبُ قوم " الكراسي " الشواغِر
وقد يُضحِكُ الثكلى تناقضُ شارع / قوانينُه مأخوذةٌ بالتناحر
أُهينَتْ فلم تُنتَجْ قريحةُ شاعرٍ / وضيِمَتْ فلم تَنشَ ط يراعةُ ناثر
وهيمَنَ إرهابٌ على كل خَطرةٍ / تَرَدَّدُ ما بين اللَّهى والحناجر
لقد ملَّ هذا الشعبُ أوضاع ثُلَّةٍ / غدت بينه مثلَ الحروفِ النوافر
وما ضرَّ أهلَ الحكم أنْ كان ظلُّهم / ثقيلاً على أهل النُهى والبصائر
فحسبُهمُ هذي الجماهيرُ تقتَفِي / خُطى كل مقتادٍ لها : من مناصر
وحسبُهمُ أن يستجدُّوا " دعاية " / تُعدِّدُ ما لم يعرفوا من مآثر
وأوجع ما تَلقَى النفوس نكايةً / مَعِزّةُ أفرادٍ بذُلِّ أكاثر
لكي ينعُمَ الساداتُ بالحكم ترتوي / بقاعٌ ظِماءٌ من دماءٍ طَواهر
وكي لا ترى عينٌ على البَغي شاهداً / تُغيرُ عمداً ناطقاتُ المحاضر
وأهوِنْ بأرواح البريئين أُزهِقَت / وأموالِهم طارت هباً من خسائر
وكانت طباعٌ للعشائر ترتجى / فقد لُوِّثَت حتى طباعُ العشائر
وكان لنا منهم سلاحٌ فأصبحوا / سلاحاً علينا بين حين وآخر
وإنك من هذي الشنائعِ ناظرٌ / إلى مُخزياتٍ هن شوكٌ لناظر
اذا ما أجَلْتَ الطَرْف حولَك وانجلت / بعينيك يوماً مُخَبئاتُ الضمائر
وكشفت عن هذي النفوس غطاءها / وأبرزتَها مثل الاماءِ الحواسِر
وفتَّشتَ عما في زوايا الدوائر / وغربَلْتَ ما ضمَّت بطونُ الدفاتر
رجعتَ بعينٍ رقرَقَ الحزنُ ماءَها / وأُبْتَ بقلب شاردِ اللُبِّ حائر
وأيقنتَ أنّ الحالَ حالٌ تعسَّرَت / على كلِّ طَبٍّ بالطبائع ماهر
وقد يملأُ الحرَّ المفكرَ حرقةً / تفكُّرُه يوماً بعُقبى المصاير
ولا أملٌ إلاّ على يدِ مُصلحٍ / حَقودٍ على هذا التدهوُرِ ثائر
وإن عيوباً جلْبَبَ الكِذبُ كُنْهَها / فغَطَينَ أضعافَ العيوبِ السوافِر
ولا تحسبنَّ الشعرَ سهلاً مهبُّه / بهذي المساوي بين بادٍ وحاضر
فإن عظيماً أن يخلِّدَ شاعرٌ / مخازيَ جيل بالقوافي السوائر
سنُضحكُ قرّاءَ التواريخ بعدنا / ونبدو لهم فيهن إحدى النوادر
وسوف نُريهم للمهازل مَرسَحاً / نَروح ونغدو فيه هُزأةَ ساخر
فإن ترني أُذكي القوافي بنَفثَةٍ / أُراني على كِتمانها غيرَ صابر
فإني برغم العاصفات التي ترى / أُقاسي رُكوداً لا يَليق بشاعر
رجعتُ لنفسي أستثيرُ اهتمامَها / وأُلزِمُها ذنبَ الصريح المجاهر
وأُثقلها بالعَتْب أن كان لي غنى / عن الشرِّ لولا حبُّها للمَخاطر
وساءلتُها عما تُريد من التي / تُرشِّحها للمُهلكات الجوائر
أأنتِ بعَورات النفوس زعيمةٌ / مُوَكَّلة عنها بِعَدِّ الجرائر
وما أنتِ والغرمَ الذي راح مَغنَماً / لقد غامر الاقوامُ فيه فغامري
خذي وِجهةً في العيش يُرضيك غيُّها / ولا تستطيبي منه قِعدَة خائر
وإن شذوذاً أن تُثيري وتصدَعي / شَذاةَ مُحيط بالمدجاة زاخر
وأحسن مما تدَّعين صلابةً / سماحُ المحابي وانتهازُ المساير
أأنتَ رأيتَ الشمسَ إذ حُمّ يومُها
أأنتَ رأيتَ الشمسَ إذ حُمّ يومُها / تَحَدَّرُ في مهوىً سحيقٍ لتغربا
تَحدَّرُ في مهوىً تلقفَ قُرْصَها / تلقُّفَ تَنُّورٍ رغيفاً محصبا
وما خلفت في الجو من خطراتها / وما خلعت من مرقصات على الربى
وما بدلت من زرقة البحر ألهَبَتْ / بحمرتها آذيَّهُ فتلهبا
تغيّر حتى حِوَّمَ الطيرُ فوقه / يحاذر أن يدنو إليه ليشْرَبا
وقد صَمَتَ الكونَ الرهيبُ ضجيجُه / على أنّهُ في صمتهِ كان أرهبا
وهيمنَ رَوحٌ من جِمام ورقةٍ / على الشاطئين استيقظا فتوثّبا
أأنت رايتَ الغيمَ يلتَمُّ فوقها / يجاذِبُ متنَْها رداءً مذهَّبا
يغازلها ما غازلتْهُ اخو هوىً / يلاعبُها ما استمتعتْ منه ملعبا
تجَمع من أطرافها ثم مسّه / بروعته لالاؤها فتشعبا
أأنت سألت الكون عن أي باعث / بدا في غروب الشمس جذلان معجبا
وأيّ يد مرت عليه كريمةٍ / صناعٍ . فردَّتْهُ أديما مخضّبا
وما هذه الأشباحُ تترى ؟ اغيمةٌ / تولّد أظرفا ونابا ومخلبا
غرابٌ تصبّاه غرابٌ وثعلبٌ / يطارد في جَوْز السمواتِ ثََعْلبا
وثمَّ سنامٌ مُستَجدٌّ وغاربٌ / يناديك أن تسعى إليه فتركَبا
وثَمَّ سفينٌ من دخانٍ قلوعُه / ونوتيُّهُ رَوح رخيٌّ من الصبا
واولاءِ رهطُ الجنَّ بين نديّهم / يُقيمون من سحرٍ رواقا مطنّبا
كأني أرى المزمارَ في فَم عازفٍ / وأسْمَعُ – لو أقوى – الغناءَ المشببا
وتلكمْ على النادي تطوفُ عرائسٌ / بدا سافراً رهطٌ . ورهطٌ تَنَقَّبا
وهاتيك اقزاعٌ لطافٌ كؤوسُها / وخَمْرَتُها جَوْنُ السَّحاب تذوَّبا
ءألا إنما تَبغي العُلى والمكارمُ
ءألا إنما تَبغي العُلى والمكارمُ / من الله أن يَبْقى لهنَّ " مُزاحمُ "
فتى الدولةِ الغراءِ تَعْلَمُ أنَّهُ / عليها إذا نام الخليّونَ قائم
وذو الحكْمِ مرهوباً على المُلكِ ساهرٌ / وفيما يصونُ الحكْمَ والمُلْكَ حازم
وذو الخُلُقِ الضّافي يَخالُ مرّفهاً / وفي الصدر أمواجُ الأسى تتلاطم
يَبِيتُ على شوكِ القَتادَ وَينْطوي / على مَضَضِ حتى تُرَدَّ المظالم
عليمٌ بآدابِ السياسةِ تَنْجلي / لِفِطْنَتِهَ أسرارُها والطلاسم
ضمينٌ إذا ما الجوُّ غامَ بطاريءٍ / جليلٍ ؛ بأن تَنْزاحَ عنه الغمائم
على وجهِهِ سِيماءُ أصيدَ أشوسٍ / وفيه من النفس الطَّموحِ علائم
جَهيرٌ يرى الأقوامُ عندَ احتدامِهِ / إذا أغضبوهُ كيْفَ تدأى الضَراغم
وفي العنفِ فَهوّ الأبْلَقُ الفرد مَنْعَةً / وفي اللِّينِ فهو المصحبُ المتفاهم
لقد مارس الأيامَ ذو خبرةٍ بها / ذكيٌّ لحالاتِ الزمان ِ مُلائم
وما هو إن خيرٌ تحداهُ طائشٌ / ولا هو إن خيرٌ تعدّاهُ نادم
ومرتقبٌ للشرِ والشرُّ غائبٌ / و مسْتَحْقِرٌ للشرّ والشرُّ قادم
على ثقةٍ أنَّ الحياةَ تَراوُحٌ / نسائمُها جوّالةٌ والسمائم
وماشٍ إلى قلبِ الحقودِ بِحيلةٍ / يُداوي بها حتى تُسَلَّ السّخائم
وقد عَلِمَ الأقوامُ أنَّ مُزاحماً / من الشعبِ مخدومٌ وللشّعبِ خادم
ولما اعتلى دَسْتَ الوزارة وُطّدَتْ / بهمتِهِ آساسُها والدعائم
عفيفُ يدٍ لا يَحْسَبُ الحُكمَ مَغْنّما / ولو شاء لم تَعْسُر عليه المغانم
ترفعَّ عن طرْقِ الدنايا فمالَه / سوى المجدِ والقلبِ الجريءِ سلالم
لقد سرّني أنَّ الزّمانَ الذي سطا / عليكَ بحربٍ عاد وَهْوَ مُسالم
وأن ظروفاً ضايَقَتْكَ عوابساً / أتتك تُرَجِّي العفْوَ وَهْيَ بواسم
وقد أيقَنَتْ إذ قاوَمَتْكَ كوارثٌ / بأنَّكَ لا تُسطاعُ حينَ تُقاوم
وَجَدْتُك خشن المسّ تأبى انحلالةً / وتَنْحَلُّ في البلوى الجلودُ النواعم
تلقيت يَقْظانَ الفؤادِ حوادثاً / يُرَوَّعُ منها في التَّخَيُّلِ حالم
وقد كنتَ نادَمْتَ الكثيرَ فلم تَجد / على حينَ عَضَّتْ كُرْبةٌ مَنْ تُنادِم
وقد كانتِ الزلفى إليكَ تَزاحُماً / فأصْبَحَ في الزُّلفْى عليكَ التزاحُمُ
ولم تُلْفِ لما استيقظ الخطبُ واحداً / من َ المانحيكَ الوُدَّ والخَطْبُ نائم
وأنت عَضَدْتَ الملك يَومَ بدا له / يُهدِّدُهُ قَرْنٌ من الشرّ ناجم
تكفَّلْتَهُ مُسْتَعْصِماً بك لائذاً / وليس له إلاكَ واللهُ عاصم
ولم أرَ أقوى منكَ جأشاً وقد عدَتْ / عليكَ العوادي جمةً تتراكم
وأُفرِدتَ مِثْل السيفِ لا مِنْ مُساعِدٍ / سوى ثِقةٍ بالنفس أنَّكَ صارم
ولمّا أبَىَ إلا التَّبلُّجَ ناصعٌ / من الحق لم تقدِرْ عليهِ النمائم
ولم يجدِ الواشون للكيدِ مَطْمَعاً / لديكَ ولم يَخْدِشْ مساعيك واصم
خرجْتَ خروجَ البدر غطَّتْ غمامةٌ / عليه وسرُّ المجدِ أنَّكَ سالم
فللتُرْبِ أفواهٌ رمتْكَ بباطلٍ / ولا سَلِمَتْ أشداقُها والغلاصم
وحُوشيِتَ عن أيّ اجترامٍ وإنّما / تُدَبَّرُ من خَلْفِ الستارِ الجرائم
وصَقْرٍ تحامَتْهُ الصقورُ وراعها / من النظر الغضبانِ موتٌ مُداهم
لقد أحكمت منه الخوافي خؤولةً / ومتت إلى الأعمام منه القوادم
فتى " الحلةِ " الفَيْحاءِ شَدَّتْ عُروقَهُ / بناتُ الفراتِ المنجِباتُ الكرائم
فجئن بأوفى من تُحلُّ له الحُبا / وأمتنَ مَنْ شُدَّتْ عليهِ الحيازم
وطيد الحجى لم تستجدّ له الرُّقَى / صغيراً ولم تَعْلَقْ عليه التمائم
وداهية أعلى العراقَ بمجلسٍ / تصافِحُهُ فيه دُهاةٌ أعاظم
يمثل شعباً يستعدُّ لنهضةٍ / يُرَدُّ عليها مجدُهُ المتقادم
وألطفُ ميزاتِ السياسيِّ أنّه / أديبٌ بأسرارِ البلاغةِ عالم
يؤّيدهُ ذهْنٌ خصيبٌ ومنطقٌ / متينٌ كهُدابِ الدِمَقْسِ وناعم
ورنانةٍ في المحْفِلِ الضَّخْمِ فذّةٍ / تَناقَلُها عن أصغريهِ التراجم
بعيدة مرمى مستفيضٍ بيانُها / يجيْ بها عفواً فتَدْوي العواصم
ومحتملٍ للحقِ مستأنسٍ به / يُرَجّيهِ مظلومٌ ويَخشَاهُ ظالم
يَسُدُّ طريقَ الخَصْمِ حتى يردَّهُ / إلى واضحٍ منْ حُكمِهِ وَهْوَ راغم
وقد أرضت المظلوم والظلمُ مُغْضَبٌ / مواقِفُهُ المستعلياتُ الحواسم
وإنَّ بلاداً أنجبتْكَ سعيدةٌ / وشعباً تَسامَى عِزُّهُ بك غانم
نَهَضْتُمْ بها جمعيةً يُرْتَجَى بها
نَهَضْتُمْ بها جمعيةً يُرْتَجَى بها / هدى كَتْلةٍ فيما تُحاولُ خابطَه
عسى أن تُنيروا للشبابِ طريقَهمْ / وأنْ تُنْعِشوا روحاً من اليأس قانطَه
إذا فَشِلَتْ كلُّ الروابطِ بيننا / فرابطةُ الآدابِ أمتنُ رابطَه
شباب ولكن في هواكم أضعتُه
شباب ولكن في هواكم أضعتُه / وغرس ولكن ما جنيت ثمارهُ
أسَرْتُم فؤاداً لا يحب انعتاقه / بحب سواكم ما رضيتم إسارة
خذوه تُريحوا أضلعاً كابدت به / هموماً برتها أبعد الله داره
ولم أنس يوم السفح إذ طلَّه الندى / ولا كأس إلا طرفه فأداره
أقول له لا ترجع اللحظ إنني / من النظرة الأولى عَرفتُ اقتداره
تزاحمت الآمال حولكِ وانبرتْ
تزاحمت الآمال حولكِ وانبرتْ / قلوب عليهنَّ العُيون شواهدُ
مشت مهجتي في إثرِ طرفِكِ واقتفت / دليل الهوى والكلُّ منهنَّ شارد
حُشاشةُ نفسٍ أجهدت فيك والهوى / يطاردها عن قصدها وتطارد
أجابت نفوسٌ فيك وهي عصية / ولانت قلوب منك وهي جلامد
أعلَّ السُّها مسرى هواك وأوشكت / تَنازَلُ عن أفلاكهنَّ الفراقد
ورغبَني في الحب ان ليس خالياً / من الحب إلا بارد الطبع جامد
إذا كان وحي الطرف للطرف مدليا / بأسرار قلبينا فأين التباعد
خليلي ما العين في الحب ريبةٌ / إذا كُرمت للناظرين المقاصد
ولي نزعات أبعدتها عن الخنا / سجية نفس هّذبتها الشدائد
أقاويل أهل الحب يفنى نشيُدها / وأما الذي تُملي الدموع فخالد
وما الشعر إلا ما يزان به الهوى / كما زَيّنت عطلّ النحور القلائد
جَهِلْتُ أحظُّ المرءِ بالسعي يُقْتَنَى
جَهِلْتُ أحظُّ المرءِ بالسعي يُقْتَنَى / أم الحظُّ سرٌّ حَجَّبتْهُ المقادرُ
وهل مثلَما قالوا جدودٌ نواهضٌ / تقوم بأهليها وأخرى عواثر
فمن عجب أن يُمْنَحَ الرزقَ وادعٌ / ويُمْنَعَهُ ثَبْتُ الجَنانِ مُغامر
تفكّرتُ في هذي الحياةَ فراعنى / من الناسِ وحشٌ في التزاحُمِ كاسر
ولا فرقَ إلاّ أنَّ هذا مراوغٌ / كثيرُ مُداجاهٍ وهذا مجاهر
وقد ظنَّ قومٌ أنَّ في الشِعر حاجةً / إلى فاقةٍ تهتزُّ منها المشاعر
وأنَّ نَتاجَ الرفهِ أعْجَفُ خاملٌ / وأنَّ نَتاجَ البُؤسِ ريّانُ زاهر
كأنَّ شعوراً بالحياة وعيشة / بها يشتهى طَعْمَ الحياةِ ضرائر
وما إن يُرى فكرٌ كهذا مُزَيَّفٌ / لدى أمّةٍ للفنِّ فيها مناصر
ولا أمةٌ تحيا حياةً رفيهةً / يَجيشُ بها فيما يُصوّرُ شاعر
ولكنّهُ في أمّةٍ مستكينةٍ / طغى الذُّلُّ فيها فهو ناهٍ وآمر
وآنسها بؤسُ الأديبِ وأُعْجِبَتْ / بِشِعرٍ عليه مهجةٌ تتناثر
وللحزنِ هزّاتٌ وللأُنْسِ مِثْلُها / يُخالِفُ بعضٌ بَعْضَها ويُناصر
ومثلُ قصيدٍ جسَّدَ الحزنَ رائعاً / قصيدٌ بتجسيدِ المسراتِ زاخر
نُسَرُّ بشِعرٍ رقرق الدمعُ فوقَه / إذا عَصَرَ الذهنَ المفكّرَ عاصر
وقد فاتنا أنّ الذي نستلذُّهُ / قلوبٌ رقاقٌ ذُوِّبَتْ ومرائر
وما أحوجَ القلبَ الذكيَّ لعيشةٍ / يَعِنُّ بها فِكْرٌ ويَسْبَحُ خاطر
ورُبَّ خصيبِ الذهنَ مَضَّتْ خَصاصةٌ / به فهو مقتولُ المواهبِ خائر
وشتّانَ فنّانٌ على الفنِّ عاكفٌ / وآخرُ في دوّامِةِ العَيْشِ حائر
وقد يطرق البؤسُ النعيمَ اعتراضة / كما مَرّ مجتازاً غريبٌ مسافر
ولكنّ بؤساً مُفْرِخاً حَطَّ ثِقْلَهُ / وألقى عصاه فهو موتٌ مخامر
على رغم أنف الموت ذكُرك خالدُ
على رغم أنف الموت ذكُرك خالدُ / ترِنُّ بسَمع الدهر منكَ القصائدُ
نُعيتَ إلى غُرّ القوافي فأعولَتْ / عليك من الشعر الحسانُ الخرائد
وللعلم فياضاً فماجَتْ مصادرٌ / عُنيتَ بها بحثاً وجاشَتْ موارد
وفلسفةٌ أطلعتَ في الشعر نُورَها / هي اليومَ ثَكْلى عن جميلٍ تُناشد
حَلفتُ يميناً لم تَشُبْها اختلاطةٌ / وقلبي على دعوى لسانيَ شاهد
لقد كنتَ فخراً للعراق وزينةً / تُزانُ نواديه بها والمعاهد
وكنت على خِصبِ العراقِّي شاهداً / إذا أعوزتنا في التباهي شَواهد
وكنت أرقَّ الناس طبعاً ونُكتةً / وألطفَ من دارَتْ عليه المقاعد
وأنت ابتعثتَ الشعرَ بعد خُموله / نشيطاً . فخوضُ الشعر بعدك راكد
ثوى اليومَ في هذي الحفيرة عالِمٌ / باسرارها . لهه بالعقل ناشد
أقامَ على العلم الصحيح اعتقادَه / عَدوٌّ لا شباح الخُرافات طارد
وكان نقياً فكرةً وعقيدةً / عزيزاً عليه ان تَسِفَّ العقائد
يؤكد أن الدينَ حُبٌّ ورحمةٌ / وعدلٌ وأن اللهَ لا شكَ واحد
وأن الذي قد سخَّر الدينَ طامعاً / يتاجرُ باسم اللهِ للهِ جاحد
ثوَى اليومَ في هذي الحفيرة شاعرٌ / على الظلم محتجٌّ عن العدل ذائد
وشيخوخةٍ مدّت على الكون ظلَّها / تكافحُ عن آرائها وتجالِد
أبا الشعرِ إنَّ الشعر هذا محلُّه / فقد نصَّت الاسماعُ والجمع حاشِد
وهذي جيوشُ العلم والشعر تبتغي / لها قائداً فذاً فهل أنَت قائد؟
فأين قصيدٌ قد نظَمتَ فريدَهُ / وأينَ من الشعر البديعِ الفرائد
وأين النكاتُ المؤنساتُ كأنها / حدائقُ تُسقى بالندى وتعاوِد
وأين العيونُ اللامعاتُ زكانةً / رغائبُ تبدو تبدو فوقها ومقاصد
جميل أعانَ الرافدينِ بثالثٍ / من الشعر تَنميه بحورٌ رَوافد
وكان حياةً للنفوس ورحمةً / تُغاثُ بها هذي النفوسُ الهوامد
تطاوعُه غُرُّ كأنها / وصائفُ في زِيناتها وَولائد
أقولُ لرهطِ الشعر يبغون باعثاً / عليه . تُثير الشعرَ هذي النضائد
هلمُّوا إلى قبر الزهاويِّ نقتنصْ / به نَفَساً من روُحه ونُطارِد
وإن خيالاً يملأُ الشعرَ رَهبةً / سكونٌ على قبرِ الزهاويِّ سائد
وحجُّوا إلى بيتٍ هو الفنُّ نفسُه / أنارَتْ " فَنيسٌ " ساحَه و " عُطارد"
فإن بيوتَ الشاعرين مناسكٌ / وإن قبورَ النابغين معابد
أبا الشعر والفكرُ المنبِّهُ أمةٌ / عزيزٌ علينا أنكَ اليومَ راقد
وأن الذي هزَّ القلوبَ هوامداً / وحرَّكَها في التُرب ثاوٍ فهامد
وأن فؤاداً شع نوراً وقوَّةً / هو اليوم مسودُّ الجوانب بارد
فهل أنت راضٍ عن حياة خبرتَها / ممارسةً أمْ أنت غضبانُ حارِد؟
أضاعوك حياً وابتغوك جنازةً / وهذا الذي تأباه صِيدٌ أماجد
رِدي يا خيولَ اللهِ مَنْهَلَكِ العَذْبا
رِدي يا خيولَ اللهِ مَنْهَلَكِ العَذْبا / ويا شرقُ عُدْ للغربِ فاقتَحمِ الغَرْبا
ويا شرقُ هَلْ سَرَّ الطواغيتَ أنَّها / فويقَكَ أشلاءٌ مبعثرةٌ إربا
يدٌ جَذَّ يومُ القيروانِ عُروقَها / وظهرٌ على القفقاسِ مستعلِياً جُبَّا
ويا طارقَ الجيلِ الجديدِ تلفُتاً / إلى جبلٍ إجتازه طارقٌ دَرْبا
أثرتَ لنا في غَمرةِ النصرِ خَطْرَةً / من الذكرِ فيها ما نحبُّ وما نأبى
هزَزْنا بها ذِكرى وتِهنا بزهوها / بُدوءاً ونُحنا من تصوَّرها عُقْبى
لمثلِ الذي تَبْغي من الحقِّ قادَها / إلى الموتِ لم تسألْ به السَّهْلَ الصَّعبْا
حَدا من جيوشِ الوحي والنصر ما حدا / وعَبَّا من الإيمانِ بالنصر ما عَبَّا
كنارِ " ابن عمرانَ " التي جاءَ قابساً / سناها حريقٌ في سفائنهِ شبَّا
وألواحُها " الألواحُ " لولا " رسالةٌ " / على " قُرَشيٍّ " لم تُرِدْ عينُه الربَّا
تخطَّتْ إلى مَحْميَّةِ الغربِ أُمَّةٌ / حمتْ فأجادت قبلَها عن حِمّى ذَبَّا
تحدَّتْ عُبابَ البحرِ تُزعجُ حُوتَهُ / ومن قبلهِ في البرّ أزعجتِ الضَّبَّا
أولاءِ " البُداةُ " الغامطُ النّاسِ حقَّهم / وتلكَ التي منها العربَ العَرْبا
لَتِلكَ قلوبٌ نَنشُدُ اليومَ مِثْلَها / أبى دينُها أنْ تجمعَ اللهَ والرُّعبا
سرَتْ كشُعاعِ النورِ في فَحمةِ الدُّجى / ومثلَ النسيم الرَّخْو في يَبَسٍ هبَّا
وفي ذلَّةٍ عزّا وفي ضَلَّةٍ هُدىً / وفي جَنَفٍ عدلاً وفي جَدَبٍ خصبْا
وفي عصبيَّاتٍ غِلاظٍ تسامُحاً / وفي مُلْتوٍ مِنْ نهجها منهجاً لحَبا
أطلت على " مدريدَ " تُسمِعُ دعوةً / وسارتْ إلى " باريسَ " تَسمعُ من لَبَّى
ودبَّتْ مَدَبَّ الروحِ في الكونِ رحمةً / وشدَّتْ لجسمٍ خائرٍ مُتْعَبٍ صُلبا
ومدَّتْ برفقٍ كفَّها فتلَمَّسَت / جراحَ بني الدُّنيا فآستْ لهم نُدْبا
وآوتْ من الأديانِ شتَّى وأطْلَعَتْ / مِن الخطراتِ النيّراتِ بها شُهْبا
وحامَتْ يَراعاً جالَ في جَنَباتِها / وصانَتْ – عليها أو لها – مِقولاً ذَرْبا
وما سَمَلَتْ عيناً وما قَطَعَتْ يداً / ولا حجزتْ رأيا ولا أحْرَقَتْ كتبا
نظرتُ إلى ما كانَ منها . وما جرى / عليها وما يأتي الشقاقُ إذا دَبَّا
وكيفَ أفاءَتْ ما أرادتْ ظِلالَها / وكيفَ اغتدَتْ مستثقلاً ظِلّها نُهْى
فقلتُ : وبعضُ القولِ عُتْبى وبعضُه / عتابٌ وشرُّ القولِ عتبٌ بلا عُتَبى
أساءَت صنيعاً أُمَّةٌٌ مستكينةٌ / صبورٌ على البلوى إلى أُمَّةٍ غَضْبى
سقى " تونساً " ما يدفعُ الخَطْبَ إنَّها / بخُضْرَتِها تُكْفَى الذي يدفعُ الجَدْبا
وحَيَّاً القِبابَ البيضَ رَوْحٌ كأهلها / رقيقُ الحواشي يَمسحُ الماءَ والعُشْبا
ورافقَها نورٌ من الوعيِ مُسْفِرٌ / كأنوارِ أسحارٍ ترقرقها سكبا
نَحنُّ لِذكراها ونشكو افتقادَها / كما شَكَتِ العينُ التَّي افتقدَتْ هُدْبا
ويا" مونتكُمري " لو سقى القولُ فاتحاً / سقَتْكَ القوافي صفَوها السلسلَ العذْبا
ولو كانَ ذَوْبُ العاطفاتِ نِثارةً / نَثْرنا لكَ الإعجابَ والشكرَ والحُبَّا
نضتْكَ لدَرْءِ الشرِّ عَضْباً " صياقلٌ " / أعَدَّتْ لِلُقْيا كلِّ مستكبرٍ عَضْبا
حلَلْتَ على " روميلَ " كَرْباً وقبلَها / أحلَّ بأدهى منه " ولنِكْتِنٌ " كربا
وأنتَ انتزعتَ النصرَ من يدِ قادرٍ / عليهِ ولم ترحَمْ معنّىً به صَبَّا
ودحرجتَهُ عن " مِصْرَ " وهوَ مُعرِّسٌ / بأحلامهِ يُحصي الخراجَ الذي يُجْبى
وغرَّتْهُ من ريحِ الصحاري قَبُولُها / فكيفَ رآها وهي مُعرِضةٌ نَكْبا
دَحَا أرضَها وانصَبَّ كالموتِ فوقَها / ولُحْتَ له مَوتاً على الموتِ مُنصَباً
تركتَ الَّذي رامَ السَّما يلمِسُ الثَّرى / ومنْ كانَ يشكُو بِطنَةً يشتكي السَّغْبا
وبَصَّرْتَهُ لَّما تَصَعَّرَ خدُّهُ / بأنَّكَ أعلْى من أخادِعِهِ كَعْبا
قصَصْتَ جناحَيْه فقَرَّتْ شَذاتُهُ / وعادتْ " نوازي " شَرِّه أفرخاً زُغبا
كشفتَ لهُ ضَعْفاً وغطَّيْتَ قُوَّةً / فكنتَ ولولا خُدعةٌ لم تكن خِبَّا
أرادَ الَّتي من دونِها أنت والوغى / وعدلُ القَضا تَبّاً لِما رامهُ تَبَّا
سددتَ عليه الرأيَ حتى تركتَه / يَرى من سَدادِ الرأيِ ما عدَّه سبَّا
وحتى رأى ذُلَّ الفِرارِ غنيمةً / وحتى رأى الداءَ الذي يشتكي طِبَّا
وضاقتْ عليه الأرضُ فهوَ مهوِّمٌ / عليها نهَتْهُ أنْ يُريحَ بها جَنْبا
تمنَّى عليهِ " رَبُّهُ " مِصْرَ مَنْحةً / وكادَ على " القطَّارِ " أنْ يُرضيَ الربَّا
وكادَ على " القَطَّارِ " يُرْسِلُ حاصباً / على " الشرقِ " لولا أنْ قذفتَ به حَصْبا
تراءى له نَهْباً ولمَّا صَدَمْتَهُ / تراءتْ له الأحلامُ صيْحَ بها نَهْبا
ومدَّتْ لهُ الأطماعُ في نَزواتهِ / إلى أنْ غَدَتْ كَلاً على نَفْسْهِ حَرْبا
وداعَبَتِ " الاسكندريَّةُ " عينَهُ / وخادَعَ منه " النيلُ " في طميْهِ اللُبَّا
ولاحَ له " الاسكندرُ " الصِّدْقُ فانثنتْ / تُزَيَّفُ منه النفسُ إسكندراً كذِِبْا
ومَنَّى بيَنْبوعِ الفراتِ حصانَهُ / وعلَّل " بالزّابَيْنِ " عسكرَهُ اللّجبْا
فيا لَكَ زَوراً ذادَ عن عينهٍ الكَرى / وشَرَّدَ عنْ أجفانهِ حُلُماً رَطْبا
فلمْ يَرَ إلاَّ مَغرِزَ الرَّجْلِ يَقْظَةً / وكانَ يناغي حالِماً عالَماً رَحْبا
من " العَلَمَيْن " استَقْتَهُ محكَمَ القُوى / وفي " تونسٍ " أدركتَهُ رازحاً لَغْبا
نثرتَ لهُ شُمَّ المتالعِ والقُرى / كما نَثَرَ الصيَّادُ للطَّائرِ الحَبَّا
وأغريتَهُ بالقرب حتَّى إذا دَنَا / إليكَ رأى منكَ الَّذي بَغَّضَ القُرْبا
عنودٌ تأبَّى الوَثْبَ في نكَساتهِ / من الكِبْرِ لولا أنْ تُطاردَهُ وَثَبْا
ولو غيرُ " رُوَميلٍ " لقُلْنا كغيرِها / سُقاةُ الرَّدى عاطَتْ بأكؤسُها شَرْبا
ولكنَّه نَدْمانُ موتٍ إذا سَقى / ألحَّ وعاطى مَنْ ينادمُهُ عَبَّا
وقد خَبَّأ السَمَّ الزُّعافَ فَبزَّهُ / خبيرٌ بما أبدى بصيرٌ بما خَبَّا
ولمَّا التقى الجمعانِ غُلْبٌ أشاوسٌ / دَهَتْ مثلَها شُوْساً مُدَجَّجةً غُلْبا
وحُم الحديدُ الضخمُ والصبرُ والحجى / كِلا المعدِنين استَنجدا معدِناً صُلبْا
مشى الحقُّ في الصفَّينِ يدمَغُ باطلاً / ويغمُرُ بالريحان أوفاهما كَسْبا
تَفادى ب " أرنيمٍ " وفَرَّ بنفسه / وأبقى لك الأهلَ الأعزَّةَ والصَّحبا
وأهداكَهم أسرى وقتلى كأنه / بهم يستميحُ العفوَ ممَّا جنى ذَنْبا
تَلَظَّى بهمْ بالنارِ بَرٌّ وقاءهُمْ / خِضمٌّ وراحَ الجوُّ يُمطرهم عَطْبا
كأنَّكَ إذ تُحصي رُكاماً حُطامَهُ / تُصَحِّحُ أغلاطاً فتوسِعُها شَطْبا
فمن يَرَ في الصحراءِ نَثْراً قبورَهُمْ / يخَلْها من الأجداثِ مجنونةً رُعْبا
ومن يُبصرِ الأسرى يُقادونَ هُطَّعاً / يَجِدْ حادياً يحدو إلى سَقَرٍ رَكْبا
وخَلَّى لكَ " الطليانَ " يحتَكُّ بعضُها / ببعضٍ كما تحتَكُّ منَجَربٍ جَرْبا
أتى بهمُ إلْباً عليكَ سَفاهةً / فكانوا عليهِ في تَغَنُّجِهِمْ إلبا
أرادَ لخوْضِ الموتِ أغراسَ نِعمةٍ / غذاها وليُّ الأمرِ فاكهةً أبَّا
حَسِبْنَ لاِزعاجِ ابنِ آوى بنادقِاً / وخلْنَ لمِضمار الهَوى شُزَّباً قُبَّا
وضاعَفْنَ نسجاً من حريرٍ ولأمةً / وجرْنَ بيضَ الهندِ والوشيَ والعَصْبا
ورُحْنَ كأسراب القطا نُعَّمَ الخُطَى / وقىَ اللهُ - من شَرٍّ يرادُ به - السِّرْبا
وجازى بشَرٍّ من أرادَ بجَورْهِ / وجُوهَ الحسان الغيدِ أن تْلمِس الترْبا
وأن تهبِطَ الوديانَ ليلاً لريبةٍ / وأن ترتقي صُبحاً على عَجَلٍ هُضْبا
وأن تَشْهَدَ الأشلاء تنقضُّ حولَها / وفي دَمِها الفرسانُ مخضوبةً خَضْبا
ولم ترتِكبْ إثماً سوى أنَّها دُمًى / ولم تأتِ – إلَّا أنَّها عورة – ذَنْبا
فلو كنتَ يومَ النَّقْعِ شاهِدَ أمرِها / وقد خَبَّأتْ تِرْبٌ بأثوابها تِرْبا
وسدَّتْ ثقوبَ الأرضِ مُحجرةً بها / فما غادرَتْ مأوىً لضبٍ ولا ثقبا
دعوتَ على مَنْ شَقَّ عنها حجابَها / وأقحَمَها ما ليسَ من شأنِها غْصبا
إذن لسألتَ اللهَ فَّلاً لغَربِه / جزاءً على ما فلَّ من سترِها غَرْبا
فرِفْقاً باشباهِ القواريرِ صُدِّعَتْ / وما اسْطعتمُ فاسَتدركوا صدعها رأبا
فيالكِ بُشرى ما أرقَّ وما أصفَى / أغاثَتْ نفوساً ما أحنَّ وما أصبي
ويا حُلفاءَ اليومِ والأمسِ إنَّنا / لكُمْ – ما اردتُم – في مودَتِنا قُرْبى
أريدوا بنا خيراً نَعِدْكُمْ بمثِلهِ / وكونوا لنا حِزْباً نَكُنْ لكُمُ حِزبا
وظَنُّوا بنا خَيراً فَفينا كَوامِنٌ / من الخير إنْ تُبعث تَزدْكمْ بنا عُجْبا
ولا تذكروا عَتْباً فانَّ مُوطّداً / من الودِ زِدْنا فيه ما يرفعُ العتبا
وإلا فكيلوه عتاباً بمثله / لنا . وكلانا مُعْتِبٌ بَعْدُ من أرْبى
ولا تَخْلِطوا شَغباً عليكم مُبغَّضا / إلينا وحقاً لا نريدُ به شغْبا
وآخوا بنا شعباً وهانَتْ أُخوَّةٌ / إذا كنتَ تَلقى عندها الفردَ لا الشَعبا
أُحَيّيكَ " طه " لا أُطيلُ بكَ السَّجْعا
أُحَيّيكَ " طه " لا أُطيلُ بكَ السَّجْعا / كفَى السَّجع فخراً محضُ إسمك إذ تدعى
أُحَيّيكَ فَذّاً في دِمشقَ وقبلَها / ببغدادَ قد حيَّيتُ أفذاذَكم جَمْعا
شكرناكَ : أنَّا في ضيافة نابغٍ / نُمتّعُ منه العينَ والقلبَ والسمعا
ذرفتُ – على أنْ لا يرانا بطرفه / وإنْ حسَّنا بالقلب – من أسفٍ دمعا
وكنَّا على آدابك الغُرِّ قبلَها / ضُيوفاً فما أبقيتَ في كرمٍ وُسْعا
نهضتَ بنا جيلاً وأبقيتَ بعدَنا / لأبنائنا ما يَحمدَون به المسعى
أبا الفكرِ تستوحي من العقل فذّه / وذا الأدبِ الغضِّ استثيرتَ به الطَّبعا
ويا سِحرَ موسى – إنَّ في كلّ بقعةٍ / لما تجتلي من آيةٍ حيَّةً تسعى
لكَ اللهُ محمولاً على كلّ خاطرٍ / ومِن كلّ قلبٍ رُحْتَ تحتلُّهُ ترعى
أُنَبّيكَ أنَّ " الرافدينِ " تطلَّعتْ / ضِفافُهما واستَنْهضَ الشَّجرُ الزرعا
نمى خبرٌ أنْ سوف تسَعى إليهما / فكادَ إليك النخلُ من طربٍ يسعى
وقد نذَرَ الصَّفصافُ وارفَ ظلَّه / عليك وأوصى – أنْ يساقيَكَ – النبعا
هلمَّ لشُطئانِ الفراتينِ واستمِع / أهازيجهَا تستطرفِ المعجِزَ البَدعا
وطارِحْ به سجعَ الحَمام فانَّه / لُهاثٌ على الجْرحى نُواحٌ على الصَّرعْى
ووأسِ عليه الرازحينَ من الهوى / وطّببْ هناكَ النازعاتِ بهِ نزعا
هناك تلمَّسْ " ضائعَ الحبّ " وافتقِد / ضحاياه وارأبْ للقُلوب به صَدعا
وجدِّدْ لنا عهدَ المْعريِّ : إنَّه / قضى وهوى بغدادَ يلذعُه لذعا
وكَّنا إذا ضاقتْ بلادٌ برائدٍ / أتانا فلا المُرتادَ ذمَّ ولا المراعى
إلى الآنَ في بغدادَ نستافُ مِسكةً / لناقتهِ مما أثارت بها نقعا
ونمزجُ من ماء الفراتينِ جَرعة / بذكراهُ مما عبَّ من صفوه جرْعا
ونهوى السفينَ الحائراتِ كأنْها / سفينتُه إذ تشتكي الأينَ والضَّلْعا
أجلْ قد خطفناها مخافةَ فُرقةٍ / وخشيةَ إزماعٍ نضيقُ به ذرعا
هلمَّ به ذرعاً إلى بغدادَ لا تخشَ خاطفاً / فانَّا نسجنا من " فريدٍ " لك الدرعا
سنحجزهُ نرتادُ ذكراك عنده / وينفَخنا من طيب أنفاسك الردعا
بلادٌ مُفَدّاةٌ وجيشٌ مظفرُ
بلادٌ مُفَدّاةٌ وجيشٌ مظفرُ / وقائدُ جيشٍ في البلاد موقّرُ
وفتحٌ مُبينٌ يَقْصُرُ الشعر دونَهُ / وللنثرُ عما يعجز الشعر أقصر
وحراس حق يرقب الكون كلّه / مصيراً على أيديهم يتقرّر
اذا خَطَروا فالبِيضُ تنطفُ بالدِّماء / تحييّ خُطاهم . والجماجمُ تنشر
وذكرى كأن الدهرَ في جَريَانه / يُقاسُ بها والشمسَ منها تَنَوَّر
ستالينَ يا لحنَ التخيّل والمنى / تغنيه أجيالٌ وتَرْويه أعصُر
ويا كوكباً في عالَمٍ غَمَّ جوُّهُ / بلألائه يَسْترشِدُ المتحيّر
أرد خطةً تَقْدِرْ وتَنْجَحْ فاننا / عَرَفْناك تُمضي ما تُريد وتَقْدِر
كأنَّ بناتِ الفكرِ في كُل خُطةٍ / تَخُطُّ ورأيٍ عبقريٍ تُدبِّر
حظايا ترجى نظرةً منك أيَّها / تُريدُ وأيَّاً تنتقي وتَخَيَّر
سكُت وصدري فيه تغلي مراجلُ
سكُت وصدري فيه تغلي مراجلُ / وبعض سكوتِ المرءِ للمرءِ قاتلُ
وبعضُ سكوتِ المرءِ عارٌّ وهُجْنَةٌ / يحاسَبُ من جّراهُما ويُجادَل
ولا عجبٌ أنْ يُخْرِسَ الوضعُ ناطقاً / بلى عجبٌ أنْ يُلْهَمَ القولَ قائل
جزى الله والشعرُ المجوَّدُ نَسْجُهُ / بأنكد ما تُجْزَى لئامٌ أراذل
مخامِرُ غدرٍ طوَّحَتْ بي وعودُهُ / فغُِررتُ والتفَّتْ علىَّ الحبائل
وكنتُ امرَءاً لي عاجلٌ فيه بُلْغَةٌ / سدادٌ ومرجُوٌّ من الخير آجل
رخياً أمينَ السربِ محسودَ نِعمةٍ / تَرِفُّ على جنَبيَّ منها مباذل
فغُودرتُ منها في عَراءٍ تَلُفُّني / مَفاوِزُ لا أعتادُها ومجاهل
طُموحٌ إلى الحتفِ المدبَّر قادني / وقد يُزهِقُ النفسَ الطُموحُ المُعاجل
كَرِهْتُ مداجاةً فرُحْتُ مشاغبا / ولم يُجدِني شَغْب فرُحْتُ أُجامل
وأغْرقْتُ في إطراءِ من لا أهابُه / وساجلت بالتقريع من لا يساجَل
وأصْحَرْتُ عن قلبي فكان تكالُبٌ / عليّ لإصحاري وكان تواكُل
نزولاً على حكمٍ وحفظاً لغاية / يكون وسيطاً بينهن التعاُدل
وما خِلْتُني عبْءا عليهم وأنهم / يريدون أن يُجتَثَّ متنٌ وكاهل
ولما بدا لي أنه سدُّ مَخْرَجٍ / وقد أُرتِجَ البابُ الذي أنا داخل
وأخلَتْ صدورٌ عن قلوبٍ خبيثةٍ / ولاحت من الغدرِ الصريحِ مخايل
رجعت لعُش ٍّ مُوحشٍ أقبلتْ به / علي الهمومُ الموحشاتُ القواتل
وكنتُ كعُصفورٍ وديعٍ تحاملت / عليه ممن الستِ الجهاتِ أجادِل
ورَوَّضْتُ بالتوطينِ نفساً غريبةً / تراني وما تبغيه لا نتشاكل
وقلتُ لها صبراً وان كان وطؤهُ / ثقيلا ولكن ليس في الحزن طائل
وكَظْمُ الفتى غيظاً على ما يسوؤه / من الأمر دربٌ عبَّدته الأماثل
ولِلعْقلِ من معنى العقالِ اشتقاقُه / إذا اقتِيدَ إنسان به فهو عاقل
وكنتُ ودعوايَ احتمالا كفاقدٍ / حُساماً وقد رَفَّت عليه الحمائل
حبستُ لساني بين شِدْقَيَّ مُرغماً / على أنه ماضي الشَّبا إذ يناضل
وعهدي به لا يُرسلُ القولَ واهناً / ولا في بيانٍ عن مرادٍ يعاضل
وبيني وبينَ الشعرِ عهدٌ نكثتُه / ورثَّتْ حبالٌ أُحكِمَتْ ووسائل
وجهّلتُ نفسي لا خمولا وإنما / تيقنت – ان السيّدَ المتجاهل
وما خلت أني في العراق جميعِه / سأفقِدُ حراً عن مغيبي يسائل
سَتَرْتُ على كَرْهٍ وضِعْنٍ مَقاتلي / إلى أن بدتْ للشامتينّ المقاتل
أهذا مصيري بعد عشرين حِجَّةً / تحلت بأشعاري فهن أواهل ؟
أهذا مصيرُ الشعرِ ريّانَ تنتمي / إليه القوافي المغدقاتُ الحوافل!؟
سلاسلُ صِيغتْ من معانٍ مُبَغَّضٍ / لها الذهبُ الأبريزُ وهو سلاسل
ومن عجبٍ أنّ القوافي سوائلا / اذا شُحِذَتْ للحَصْدِ فِهي مَناجل
وهنَّ كماءِ المُزْنِ لطفاً ورقةً / وهنَّ إذا جدَّ النضالُ مَعاول
فأمّا وقد بانت نفوسٌ وكُشِّفَتْ / ستائرُ قومٍ واستُشِفَّت دخائل
ولم يبق إلا أن يقالَ مساومٌ / أخو غرضٍ أو ميّتُ النفسِ خامل
فلا عذرَ للأشعار حتى يردَّها / إلى الحق مرضيُّ الحكومةِ فاصل
لأمِّ القوافي الويلُ إن لم يَقُمْ لها / ضجيجٌ ولم ترتجَّ منها المحافل
سأقذِفُ حُرَّ القولِ غيرَ مُخاتِل / ولا بدّ أن يبدو فيُخْزَى المُخاتل
لئن كان بالتهديم تُبْنى رغائبٌ / وبلخبط والتكديرِ تصفو مناهل
وإن كان بالزلفى يؤمَّلُ آيسٌ / وبالخُطَّةِ المُثلى يُخيَيَّبُ آمل
فَلَلْجهلُ مرهوبُ الغرارين صائبٌ / ولَلْحِلْمُ رأيٌ بَيّنُ النقصِ فائل
ولَلْغَرَضُ الموصومُ أعلى محلةً / من المرءِ منبوذاً علته الأسافل
أرى القومَ من يُقرَّبْ إليهِمُ / ومن يَجْتَنِبْ يَكْثُرْ عليه التحامل
على غيرِ ما سنَّ الكرامُ وما التقت / عليه شعوبٌ جمةٌ وقبائل
فلا ينخدعْ قومٌ بفرط احتجازةٍ / تَخَيَّلَ أني قُعْدُدٌ متكاسل
فإني لذاكَ النجمُ لم يخبُ نَوُؤه / ولا كَذَبَتْ سيماؤُه والشمائل
وما فَلَّتِ الايامُ مني صرامة / ولا زحزحت علمي بانيَ باسل
ولكنني مما جناه تسرُّعٌ / توهمت أنَّ الأسْبَقَ المتثاقل
وإنّي بَعْدَ اليومِ بالطيش آخذُّ / وإني على حكمٍ الجهالةِ نازل
وإني لوثابٌ إلى كل فرصةٍ / تعِنُّ وعدّاءٌ إليها فواصل
بخيرٍ وشرٍ ان ما ادرك الفتى / به سُؤْلَه فهو الخدينُ المماثل
وأعلَمُ علماً يقطعُ الظنَّ أنَّه / لكلِ امرئٍ في كلِّ شيءٍ عواذل
فانْ لم يقولوا إنَّه مُتعنِّتٌ / عَنُودٌ يقولوا مُصْحِبٌ متساهل
تخالُفَ أذواقٍ وبغياً وإثْرَةً / ومن آدمٍ في العيش كان التّقاتُل
فما اسطعتَ فاجعلْ دأبَ نفسِكَ خَيرَها / ولا تُدخِلَنَّ الناسَ فيما تحاول
فما الحرّ إلا من يُشاورُ عَقْلَهُ / وأمُّ الذي يستنصِحُ الغيرَ ثاكل
نَصيحُكَ إما خائفٌ أو مغَرَّرٌ / كلا الرجلينِ في الملماتِ خاذل
وبينهما رأيٌ هو الفصلُ فيهما / ومعنىً هو الحقُ الذي لا يجادَل
على أنها العقبى – فباطلُ ناجحٍ / يَحِقُّ . وحق العاثرِ الجَدِّ باطل
رَبَأتُ بنفسي أن تظل كما هيا
رَبَأتُ بنفسي أن تظل كما هيا / تُرَجِّي سراباً او تخافُ دواهيا
واكبرتُ أني لا ازالُ دريئة / يجرب فيها المُغرضون المراميا
نظائرُ مما احكم الغدرُ نسجَها / تذكِّرُني ما كنتُ بالأمس ناسيا
تجاريبُ لم أنعُم بعُقبى احتمالِها / على أن عندي غيرَها ما كفانيا
فلم ألف من خيرٍ ونُصح مُعوِّضاً / لأحمدَ عن شَرٍّ وغدرٍ جوازيا
كَفَى مُخبراً بي ان تكونَ مطامحي / مباهجَ أقوام تجيءُ ورائيا
ولم أرَ الا انني غيرَ منطوٍ / على خِسّة لما ابتغيتُ الدواعيا
إذا ما أدَرت الفكر فيما ارومُه / وما أبتغيه ان يكون مثاليا
وفي حالةٍ أُرغِمتُ ان أصطلي بها / مُحَلِّقَ نفسٍ عاثرَ الجد كابيا
رثَيتُ نفوسَ الشاعرين طموحةً / أريدُ لها ان تستَذلَّ جواثيا
عجِبْتُ لشعبٍ يُنجبُ الفَرد نَابغاً / حريقاً حصيفاً واثب النفس واعيا
يريد له نهجاً من المجد لاحِباً / وعصراً به يشأى العصورَ الزواهيا
يُزيل الشباب الرِخوَ عن مُستقرِّهِ / ويدفعه دفعَ الأتيِّ الجواريا
ويرهق بالتفكير نفساً عزيزةً / ليُعتِقَ رِقّاً او ليُرشدَ غاويا
ويستنهض الارواحَ غُفلاً مؤثِّلاً / قوادِمَه من شعره والخوافيا
له كلَّ يوم قطعةٌ من فؤادِه / يُساقطها للناشئين قوافيا
ولا سائلٌ عن ليلة كيف باته / ولا كيف لاقى الصبحَ اسودَ داجيا
تشكَّى الطموحَ من مُحيطٍ أجاعه / فاطعمتُه غُرَّ القوافي دواميا
وما هي بالشكوى ولكن أثارة / وقد يُحسَب الليثُ المزمجرُ شاكيا
لعَنْتُ الضميرَ الحرّ لعنةَ غاضبٍ / رأي الغُنْم محموداً فذمَّ التفاديا
لقد كنتُ عما اصطلي في كِفاية / لو انيَ كنتَ المستغِلَّ المُحابيا
وقد كنت في بحبوحة لو عَدِمتُه / شعوراً حباني العُدمَ فيما حبانيا
لعمريَ أني سَوف اختطُّ خُطّة / تُضاعف دائي أو تكونُ دوائيا
وسوفَ أُري الايامَ نقمةَ حاقدٍ / اذا ما تقاضاها أساءَ التقاضيا
وما أبتغي رَدَّ العوادي منيخةً / على يدِ من يُزجِي إليَّ العواديا
ولكن بكفٍّ علَّمَ الزندُ كفَّها / مُقارعَةً او يسقطُ الزندُ واهيا
ألا هل أراني مُرسِلاً في شكيمتي / تُصرَّف كفّي كيف شاءت عنانيا
اذنْ لاستشَفَّ الناسُ نفساً تجلببتْ / غباراً يغطي اقتمَ الريشِ بازيا
وجدتُ دواءً في الصراحة ناجعاً / إذا افتَقَدتْ نفسي طبيباً مُداويا
وقد كان سِلمٌ في التغابي وراحةٌ / بقلبي لو أنّي أطَقتُ التغابيا
حباني العراق السمحُ أحسنَ ما حبا / به شاعراً للحق والعدل داعيا
وجاء كما استمطرتُ في الصيف مزنةً / وعيشاً كما اسأرتُ في الكأسِ باقيا
وعيشاً إذا استعرضته قلت عنده : / " كفى بك داء ان تَرىَ الموت شافيا"
وأوعدني بعد المماتِ احتفاءةً / يجوِّدُ فيها المُنشدون المراثيا
وحَفْلاً ترى فيه اكُفّاً تعجَّلَت / ظِمائيَ تستسقي عليّ الغواديا
وتلك " يد " أعيا لساني وفاؤها / فاوصيتُ اولادي بها وعياليا!
وان " فراتاً " للكفيءُ بشكرها / اذا مِتُ فليردُدْ عليها العواديا
مَضَت زَهرةُ العمر التي يحسبونَها / هي العمرُ لا عُوداً مع الشيب ذاويا
وراجعت في هذا السجل فصولَه / اقلِّبُ اياماً به ولياليا
أحاسِب نفسي كيف ألفَتْ يبيسة / ضروعاً سقت وغداً وغِرّاً وجافيا
وعما أفادت من بلادٍ تكالَبَتْ / على الغُنم وارتدَّت سِباعاً ضواريا
الم تجِدي والدهرُ نشوانُ طالِعٌ / على الناس بالأفراح إلاّ المآسيا
يقصُّون احوالََ الحياة تمتُّعاً / وأنتِ تقصيِّن الحياة أمانيا
ولمّا أبَتْ عُذراً يقوم بحالها / مَضَت تدَّعي إن لم تُجَلبَبْ مخازيا
محاذيرُ يسترضي المغرِّرُ نفسَه / بها ويُخلِّيها جَسورٌ تحاشيا
ولا خيرَ في بَغيٍ تحاول نيلَها / إذا لم يُنهِكْ بيِّنَ البطش عاتيا
ولم يَعدُ في قصدي ولا سدَّ مذهبي / ولم يُنهِكْ الصبرَ المملِّ اعتزاميا
لئن كرهتْ مني الحضارةُ ناقماً / فقد حَمِدتْ مني البداوةُ باديا
صَبوراً على بأسائِها لا يخالُها / اشدَّ أذى من أن يُداري اعاديا
ولكنَّني آسَي لأخلاق عصبة / تعُدُّ المزايا الطيباتِ مساويا
ترى كل مَرهوبِ الشَذاة عدوَّها / وكلِّ رخيِّ العودِ خِلاٍّ مُصافيا
وهذا بلاء يُمطر الشرَّ منذراً / وهذا وباءٌ يَجرف الشَعب غاشِيا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025