القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِيليا أَبو ماضي الكل
المجموع : 27
أقامت لدى مرآتها تتأمّل
أقامت لدى مرآتها تتأمّل / على غفلة مّمن يلوم ويعدل
وبين يديها كلّما ينبغي لمن / يصوّر أشباح الورى ويمثّل
من الغيد تقلي كلّ ذات ملاحة / كما بات يقلي صاحب المال مرمل
تغار إذا ما قيل تلك مليحة / يطيب بها للعاشقين التغزّل
فتحمرّ غيظا ثمّ تحمرّ غيرة / كأنّ بها حّمى تجيء وتقفل
وتضمر حقدا للمحدّث لو درى / به ذلك المسكين ما كاد يهزل
أثار عليه حقدها غير عامد / وحقد الغواني صارم لا يفلل
فلو وجدت يوما على الدّهر غادة / لأوشك من غلوائه يتحوّل
فتاة هي الطاووس عجبا وذيلها / ولم يك ذيلا شعرها المتهدّل
سعت لاحتكار الحسن فيها بأسره / وكم حاولت حسناء ما لا يؤمّل
وتجهل أنّ الحسن ليس بدائم / وإن هو إلاّ زهرة سوف تذبل
وأنّ حكيم القوم يأنف أن يرى / أسير طلاء بعد حين سينصل
وكلّ فتّى يرضى بوجه منمّق / من الناعمات البيض فهو مغفّل
إذا كان حسن الوجه يدعى فضيلة / فإنّ جمال النّفس أسمى وأفضل
ولكنّما أسماء بالغيد تقتدي / وكلّ الغواني فعل أسماء تفعل
فلو أمنت سخط الرّجال وأيقنت / بسخط الغواني أوشكت تترّجل
قد اتخذت مرآتها مرشدا لها / إذا عنّ أمر أو تعرّض مشكل
وما ثمّ من أمر عويص وإنّما / ضعيف النّهى في وهمه السهل معضل
تكتّم عمّن يعقل الأمر سرّها / ولكنّها تفشيه ما ليس يعقل
فلو كانت المرآة تحفظ ظلّها / رأيت بعينيك الذي كنت تجهل
وزاد بها حبّ التبّرج أنّه / حبيبّ إلى فتيان ذا العصر أوّل
ألمّوا به حتى لقد أشبهوا الدّمى / فما فاتهمواللّه إلا التكحّل
فتى العصر أضحى في تطّريه حجة / تقاتلنا فيها النساء فتقتل
إذا ابتذلت حسناء ثمّ عذلتها / تولّت وقالت كلّكم متبذّل
ألا ليت قلبا بين جنبيّ داميا
ألا ليت قلبا بين جنبيّ داميا / أصاب سلوا أو أصاب الأمانيا
أجنّ الأسى حتّى إذا ضاق بالأسى / تدفّق من عينيّ أحمر قانيا
تهيج بي الذكرى البروق ضواحكا / و تغري بي الوجد الطيور شواديا
فأبكي لما بي من جوى و صبابة / و أبكي إذا أبصرت في لأرض باكيا
فلا تحسباني أذرف الدّمع عادة / و لا تحسباني أنشد الشعر لاهيا
و لكنّها نفسي إذا جاش جأشها / و فاض عليها الهمّ فاضت قوافيا
يشقّ على خدع فؤاده / و إن خادع الدنيا و داجى المداجيا
طلبت على البلوى معينا ففاتني / يؤاسيك من يحتاج فيك مؤاسيا
و من لم تضرّسه الخطوب بنابها / يظنّ شكايات النفوس تشاكيا
رميت من الدنيا بما لو قليله / رميت به الأيّام صارت لياليا
فلا يشتك غيراي البؤوس فإنّني / ضمنت الرزايا و احتكرت العواديا
تمرّ اللّيالي ليلة إثر ليلة / و أحزان قلبي باقيات كما هيا
ولو أنّ ما بي الخمر أو بارد اللّمى / سلوت و لكن أمّتي و بلاديا
إذا خطرت من جانب الشّرق نفحة / طربت فألقى منكباي ردائيا
أحنّ إلى تلك المغاني و أهلها / و أشتاق من يشتاق تلك المغانيا
و ما سرّني أنّ الملاهي كثيرة / و في الشّرق قوم يجهلون الملاهيا
إذا مثّلوا و النوم يأخذ مقلتي / بأهدابها أمسيت و سنان صاحبا
و كيف اغتباط المرء لا أهل حوله / و لا هو من يستعذب الصّفو نائيا
تبدّلت الدنيا من السّلم بالوغى / و صار بنوها العاقلون ضواريا
فما تنبت الغبراء غير مصائب / و ما تمطر الأفلاك إلاّ دواهيا
وناكر حتّى اللّيل زهر نجومه / و ما الخضمّ المنشآت الجواريا
و بات سبيل كان يسري به الفتى / بلا حارس يمشي به الجيش خاشيا
تقطّعت الأسباب بيني و بينهم / فليس لهم نحوي وصول و لا ليا
و كان لنا في الكتب عون على الأسى / و في ( البرق ) ما يدني المدى المتراميا
فلم تأمن الأسرار في ( السّلك ) سارقا / و لم تأمن الأخباتر في الطرس ماحيا
إذا قيل هذا مخبر ملت نحوه / بسمعي و لو كان المحدّث واشيا
و تعلم نفسي أنّه غير عالم / و لكنّني أستدفع اليأس راجيا
سرى الشّكّ ما نصدّق راويا / و طال فبتنا ما نكذّب راويا
أقضي نهاري طائر النفس حائرا / و أقطع ليلي كاسف البال ساهيا
فما هم بأموات فنبكي عليهم / ولاهم بأحياء فنرجو التّلاقيا
كأنّي بهم أخرجوا من بيوتهم / حفاة عراة جائعين صواديا
كأنّي بالغوغاء ثارت عليهم / و بالجند تعطي الثائرين المواضيا
كأنّي بهم أعمل السّيف فيهم / كأنّ الدم القاني يسيل سواقيا
كأنّي بالدّور الحسان خرائب / كأنّي بالجنّات صارت فيافيا
مشاهد لاحت لي فهزّت فرائصي / كما ذعر الملسوع راء الأفاعيا
فبتّ كأنّ السّهم بين أضالعي / كأنّي أقلّ الشّاهقات الرّواسيا
و لو أجنبي لاتّقينا سهامه / و لكنّما الإخوان صاروا أعاديا
أطاعوا طغاة الترك فينا و طالما / عصا فيهم التركي و فينا النواهيا
و كم راغ ما بين المسيح و أحمد / و حارب " بالسوري " أخاه " اليمانيا "
فإن ينس " حورانا " فتاه و جاره / فأنّ ربى حوران لم تنس ( ساميا )
ألا ليت من باعوا على الغبن ودّنا / من الترك باعوا ذلك الودّ غاليا
و يا ليت من باع البلاد و أهلها / " بفلكين " لم يخت لها البؤس شاريا
فيا أمّة قد طال عهد سباتها / متى يكشف الإصباح عنك الدّياجيا
إلى كم تودّين البقاء لمعشر / بقاؤهم يدني إليك التّلاشيا
ثلاثة أجيال تقضّت و أنتم / تسامون منهم ما تسام المواشيا
أم آن يسترجع التاج أهله / و يسترجع التاج المهابة ثانيا
من كان ( جنكيز ) " لقحطان " سيّدا / فيسمى بنو هذا لذاك مواليا ؟
و يا عقلاء العرب هذا زمانكم / فكونوا لمن ضلّ المحجّة هاديا
إذا عذر الأعمى الروى في ضلاله / فلا يعذرون النّاظر المتعاميا
أرى ظلمات مطبقات حوالكم / فإن تطلعوا فيها رأيت الدّراريا
غدا ينشر التاريخ حديثه / و يتلو الذي يتلوه ما كان خافيا
فإن شئتم أمسى عليكم محامدا / و إن شئتم أمسى عليكم مساويا
و يا أيّها الجالون بلادكم / تناديكم لو تسمعون مناديا
لقد عقّدت فيها الخطوب عجاجة / وساق عليها جبشه الجوع غازيا
و بات ذووكم يجهلون مصيرهم / كأنّهم ماء أضاع المجاريا
من العار أن يغشى الرقاد جفونكم / على حين يغشى الدمع تلك المآقيا
من العار أين يكسو الحرير جسومكم / و لم تبق منهم شدّة الضّنك كاسيا
من العار أن يبقى عليكم جمودكم / وقد بلغت تلك النفوس التراقيا
إذا المال لم ينفقه في الخير ربّه / رآه عليه العالمون مخازيا
إذا المرء لم يسع لخير بلاده / يكن كالذي في ضرّها بات ساعيا
ألا أيّها الباكي فديتك باكيا
ألا أيّها الباكي فديتك باكيا / علام و فيما تستحثّ المآقيا ؟
رويدك ما أرضى لك الحزن خلّة / و هيهات أن أرضاك بالحزن راضيا
يعنّفني من كنت أدعوه صاحبا / فما انفكّ حتّى يتّ أدعوه لاحيا
دعوت لربّي أن دعاني لائم / و لم أعصه أن لا يجيب دعائيا
لقد أرخص العذّال عندي قولهم / إذا همّت العيان أرخصت غاليا
أأمنع ماء ما يروي أخا صدى / و قد كنت لا أحمي المناهل صاديا
عليّ و البكا و النوح ضربه لازب / و إنذي لأبكي أنّني لست باكيا
و كيف ارتياحي بعد هند و بيننا / مهامه لا تلقى بها الريح هاديا ؟
يظلّ بها السرحان يعوي من الطوى / نهارا و يطوي ليلة الخوف طاويا
لقد كنت أخشى أن يفرّق بيننا / فأصبحت أخشى اليوم أن لا تلاقيا
فيا من لقلب لا تنام همومه / و يا من لعين لا تنام اللّياليا
رأيت اللّيالي ما تزال تروعني / بأحداثها ما للّيالي و ما ليا
و ام يبق عند الدهر خطب أخافه / فكيف اعتذار الدّهر إن رحت شاكيا
إذا لم تكن لي آسيا أو مؤاسيا / فلا تك لوّاما وذرني و ما بيا
فإنّي رأيت اللّوم يذكي صبابتي / كذاك عهدت الزّند بالقدح واريا
ألا حبّذا من سالف العيش ما مضى / و يا حبّذا لو كان يرجع ثانيا
زمان كقلب الطّفل صاف و كالمنى / لذيذ و لكن كان كالحلم فانيا
أحنّ إليه في العشيّ و في الضحى / حنين جاءه الشّوق داعيا
و أذكره ذكرى العجوز شبابها / و أبكي لدى ذكراه أحمر قانيا
و لولا أمور في الفؤاد أسرّها / جعلت عليه الدهر وقفا لسانيا
خليليّ أعوام السرور دقائق / و أيّامه كادت تكون ثوانيا
و أجمل أيّام الفتى زمن الصبى / و خير الصّبا ما كان في الحبّ ناميا
رعى الله أيّامي التي قد أضعتها / فكنت كأنّي قد أضعت فؤاديا
ليالي لا هند تصدّق واشيا / و لا هي تخشى أن أصدّق واشيا
و يا طالما بتنا و لا ثالث لنا / سوى الرّاح ندنيها فتدني الأمانيا
و دار حديث الحبّ بيني و بينها / فطورا مناجاة و طورا تشاكيا
ألم تر أنّني قد نظمت حديثها / لآليء غنّاها الرواة قوافيا ؟
تولّى زمان اللّهو كالطيف في الكرى / فلست تراني بعده الدهر لاهيا
شئمت لذاذات الحياة جميعها / و لو رضيت هند سئمت شبابيا
سلام على هند و إن فات مسمعي / سلام التي أهدي إليها سلاميا
ترى عندها أنّي على العهد ثابت / و إن يك هذا البين أوهى عظاميا
فوالله ما أخشى الحمام على النّوى / و لكنّني خلودي نائيا
طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني
طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني / وذا بعضها الثاني يفيض به جفني
أبي خانني فيك الرّدى فتقوضت / مقاصير أحلامي كبيت من التّبن
وكانت رياضي حاليات ضواحكا / فأقوت وعفّى زهرها الجزع المضني
وكانت دناني بالسرور مليئة / فطاحت يد عمياء بالخمر والدّنّ
فليس سوى طعم المنّية في فمي / وليس سوى صوت النوادب في أذني
ولا حسن في ناظريَّ وقلّما / فتحتهما من قبل إلاّ على حسن
وما صور الأشياء بعدك غيرها / ولكنّما قد شوّهتها يد الحزن
على منكبي تبر الضحى وعقيقه / وقلبي في نار وعيناي في دجن
أبحت الأسى دمعي وأنهبته دمي / وكنت أعدّ الحزن ضربا من الجبن
فمستنكر كيف استحالت بشاشتي / كمستنكر في عاصف رعشة الغصن
يقول المعزّي ليس يجدي البكا الفتى / وقول المعزّي لا يفيد ولا يغني
شخصت بروحي حائرا متطلعا / إلى ما وراء البحر أدنو وأستدني
كذات جناح أدرك السيل عشّها / فطارت على روع تحوم على الوكن
فواها لو اني كنت في القوم عندما / نظرت إلى العوّاد تسألهم عنّي
ويا ليتما الأرض انطوى لي بساطها / فكنت مع الباكين في ساعة الدفن
لعلّي أفي تلك الأبوّة حقّها / وإن كان لا يوفى بكيل ولا وزن
فأعظم مجدي كان أنك لي أب / وأكبر فخري كان قولك: ذا إبني
أقول : لو انّي كي أبرّد لوعتي / فيزداد شجوي كلّما قلت : لو أني
أحتّى وداع الأهل يحرمه الفتى / أيا دهر هذا منتهى الحيف والغبن
أبي! وإذا ما قلتها فكأنني / أنادي وأدعو يا بلادي ويا ركني
لمن يلجأ المكروب بعدك في الحمى / فيرجع ريّان المنى ضاحك السنّ؟
خلعت الصبا في حومة المجد ناصعا / ونزّه فيك الشيب عن لوثة الأفن
فذهن كنجم الصّيف في أول الدجى / ورأى كحدّ السّيف أو ذلك الذهن
وكنت ترى الدنيا بغير بشاشة / كأرض بلا ماء وصوت بلا لحن
فما بك من ضرّ لنفسك وحدها / وضحكك والإيناس للجار والخدن
جريء على الباغي عيوف عن الخنا / سريع إلى الداعي كريم بلا منّ
وكنت إذا حدّثت حدّث شاعر / لبيب دقيق الفهم والذوق والفنّ
فما استشعر المصغي إليك ملالة / ولا قلت إلاّ قال من طرب : زدني
برغمك فارقت الربوع وإنّنا / على الرغم منّا سوف نلحق بالظعن
طريق مشى فيها الملايين قبلنا / من المليك السامي إلى عبده القنّ
نظنّ لنا الدنيا وما في رحابها / وليست لنا إلاّ كما البحر للسفن
تروح وتغدو حرّة في عبابه / كما يتهادى ساكن السجن في السجن
وزنت بسرّ الموت فلسفة الورى / فشالت وكانت جعجعات بلا طحن
فأصدق أهل الأرض معرفةً به / كأكثرهم جهلا يرجم بالظّنّ
فذا مثل هذا حائر اللبّ عنده / وذاك كهذا ليس منه على أمن
فيا لك سفرا لم يزل جدّ غامض / على كثرة التفصيل في الشّرح والمتن
أيا رمز لبنان جلالا وهيبة / وحصن الوفاء الحصن في ذلك الحصن
ضريحك مهما يستسرّ وبلدة / أقمت بها تبني المحامد ما تبني
أحبّ من الأبراج طالت قبابها / وأجمل في عينيّ من أجمل المدن
على ذلك القبر السلام فذكره / أريج به نفسي عن العطر تستغني
وسائلة: أيّ المذاهب مذهبي
وسائلة: أيّ المذاهب مذهبي / وهل كان فرعا في الديانات أم أصلا
وأيّ نبيّ مرسل أقتدي به / وأيّ كتاب منزل عندي الأغلى؟
فقلت لها : لا يقتني المرء مذهبا / وإن جلّ إلاّ كان في عنقه غلاّ
فما مذهب الإنسان إلاّ زجاجة / تقيّده خمرا وتضبطه خلاّ
فإن كان قبحا لم يبدّله لونها / جمالا ولا نبلا إذا لم يكن نبلا
أنا آدميّ كان يحسب أنه / هو الكائن الأسمى وشرعته الفضلى
وأنّ له الدنيا التي هو بعضها / وأنّ له الأخرى إذا صام أو صلّى
أمنّ على الصّادي إذا ما سقيته / وألزمه شكري ولست أنا الوبلا
وأزهى إذا أطمعت جوعان لقمة / كأني خلقت الحبّ والحقل والحقلا
تتلمذت لإنسان في الدّهر حقبة / فلّقتني غيّا وعلّمني جهلا
نهاني عن قتل النّفوس وعندما / رأى غرّة منّي تعلّم بي القتلا!
وذّم إلّي الرقّ ثم استرقّني / وصوّر ظلما فيه تمجيده عدلا
وكاد يريني الإثم في كلّ ما أرى / وكلّ نظام غير ما سنّ مختلا
فصار الورى عندي عدوّا وصاحبا / وأنقسم صنفين علياء أو سفلى
وصرت أرى بغضا وصرت أرى هوى / وصرت أرى عبدا وصرت أرى مولى
ويا ربّ شرّ خلته الخير كلّه / ويا ربّ خير خلته نكبة جلّى
إلى أن رأيت النجم يطلع في الدجى / لذي مقلة حسرى وذي مقلة جذل
وشاهدت كيف النهر يبذل ماءه / فلا يبتغي شكرا ولا يدّعي فضلا
وكيف يزين الطلّ وردا وعوسجا / وكيف يروّي العارض الوعر والسهلا
وكيف تغذّي الأرض ألأم نبتها / وأقبحه شكلا كأحسنه شكلا
فأصبح رأبي في الحياة كرأيها / وأصبحت لي دين سوى مذهبي قبلا
وصار نبيّ كلّ ما يطلق العقلا / وصار كتابي الكون لا صحف تتلى
فديني كدين الرّوض يعبق بالشذى / ولو لم يكن فيه سوى اللص منسلا
فليست تخوم المالكيه تخومه / وإنّ له إن يعلموا غيرهم أهلا
فكم هشّ للأنسام والنور والندى / وآوى إليه الطير والذرّ والنملا
وكم بعثته للحياة من البلى / قريحة فنّان فأورق واخضلاّ
وأصبح يجلى ((طيفه)) في قصيدة / وفي رقعة أو لوحة ((وهو)) لا يجلى
وديني الذي اختار الغدير لنفسه / ويا حسن ما اختار اغدير وما أحلى!
تجيء إليه الطير عطشى فترتوي / وإن وردنه الإبل لم يزجر الإبلا
ويغتسل الذئب الأثيم بمسائه / فلا إثم ذا يمحي ولا طهر ذا يبلى!
وديني كدين الشّهب تبدو لعاشق / وقال وفيها ما يحبّ وما يقلى
فما استترت كيما يضلّ مسافر / ولا بزغت كي يستنير الذي ضلاّ
وليس لها أن تمنع الناس ضوءها / ولو فتلوا منه لتكبيلها حبلا
وديني كدين الغيث إن سحّ لم يبل / أروى الأقاحي أم سقى الشوك والدّفلى
فلم يتخّير في الفضاء مسيره / ولم ينهمر جودا ولم ينحبس بخلا
وإن لم أكن كالروض والنجم والحيا / فحسبي اعتقادي أنّ خطّتها المثلى
يرى النحل غيري اذ يرى النحل حائما / وأبصر قرص الشهد اذ أبصر النحلا
وألمح واحات من النخل في النوى / اذا حرف الإعصار من واحتي النخلا
وان أشرب الصهباء أعلم أنني / شربت بشاشات الزمان الذي ولّى
وما همسته الريح في أذن الثرى / وما ذرفت في الليل نجمته الشكلى
وغصّات من ماتوا على اليأس في الهوى / فيا شاربيها هل لمحتم دم القتلى؟
وان مرّ طفل رأيت به الورى / من المثل الأدنى الى المثل الأعلى
فيا لك دنيا حسنها بعض قبحها / ويالك كونا قد حوى بعضه الكلاّ
أبا الشعب إطلع من حجابك يلتقي
أبا الشعب إطلع من حجابك يلتقي / بطرفك مثل العارض المتخرق
جماهير لا يحصى اليراع عديدها / هي الرمل إلا أنه لم ينسق
هو الشعب قد وافاك كالبحر زاخرا / وكالجيش يقفو فيلق إثر فيلق
تطلّع تجده حول قصرك واقفا / يحدّق تحديق المحبّ لوفّق
لقد لبسته الأرض حليا كأنهما / أياديك فيه لم تزل ذات رونق
وألقت عليه الشمس نظرة عاشق / غيور تلقّاها بنظرة مشفق
يهش لمرآك الوسيم وإنّما / يهش لمرآى الكوكب المتألّق
ويعشق منك البأس والحلم والنّدى / كذاك من ينظر إلى الحسن يعشق
يكاد به يرقى إليك اشتياقه / فيا عجبا بحر إلى البدر يرتقي
تفرّق عنك المفسدون وطالما / رموا الشعب بالتفريق خوف التفرّق
وكم أقلقوا في الأرض ثمّ تراجعوا / يقولون شعب مقلق أيّ مقلق
وكم زوّروا عنه الأراجيف وادّعوا / وأيّدهم ذيّاكم الزاهد التقي
لمن يرفع الشكوى؟ وقد وقفوا له / على الباب بالمرصاد فاسأله ينطق
وأما ولا واش ولا متجسس / فقد جاء يسعى سعي جذلان شيّق
يطارحك الحبّ الذي أنت أهله / وحسبك منه الحبّ غير مزوّق
وها جيشك الطامي يضجّ مكبرا / بما نال من عهد لديك وموثق
يطأطىء إجلالا لشخصك أرؤسا / يطأطىء إجلالا لها كلّ مفرق
لهام متى تنذر به الدهر يصعق / وإن يتعرّض للحوادث تفرّق
يفاخر بالسّلم الجيوش وإنّه / لأضربها بالسيف في كلّ مأزق
وأشجعها قلبا وأكرمها يدا / إذا قال لم يتّرك مجالا لأحمق
ألا أيها الجيش العظيم ترّفقا / ملكت قلوب الناس بالعرف فاعتق
ويا أيها الملك المقيم(بيلدز) / أرى كلّ قلب سدّة لك فارتق
ألا حبّذا الأجناد غوثا لخائف / ويا حبّذا الأحرار وردا لمستق
ويا حبّذا عيد الجلوس فإنّه / أجلّ الذي ولّى وأجمل ما بقي
أزور فتقصيني وأنأى فأتعب
أزور فتقصيني وأنأى فأتعب / وأوهم أني مذنب حين تغضب
وأرجو التلاقي كلّما بخلت به / كذلك يرجى البرق والبرق خلّب
وأعجب من لاح يطيل ملامتي / ويعجب مني عاذلي حين أعجب
هو البخل طبع في الرجال مذمم / ولكنه في الغيد شيء محبب
كلفت بها بيضاء سكرى من الصبا / وما شربت خمرا ولا هي تشرب
لها الدرّ ثغر واللجين ترائب / وشمس الضّحى أم وبدر الدّجى أب
خليلي أما خدّها فمورّد / حياء واما ثغرها فهو اشنب
لئن فرقّت بين الغواني جمالها / لدام لها ما يجعل الغيد تغضب
ولو أن رهبان الصوامع أبصروا / ملاحتها واللّه لم يترهّبوا
تكلّفني في الحبّ ما لا أطيقه / وتضحك إما جئتها أتعتّب
أفاتنتي حسب المتّيم ما به / وحسبك أني دون ذنب أعذّب
أحبك حبّ التازح الفرد أهله / فهل منك حب الأهل من يتغرّب؟
وهبتك قلبي واستعضت به الأسى / وهبتك شيئا في الورى ليس يوهب
فإن يك وصل فهو ما أتطلّب / وإن يك بعد فالمنيّة أقرب

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025