المجموع : 27
أقامت لدى مرآتها تتأمّل
أقامت لدى مرآتها تتأمّل / على غفلة مّمن يلوم ويعدل
وبين يديها كلّما ينبغي لمن / يصوّر أشباح الورى ويمثّل
من الغيد تقلي كلّ ذات ملاحة / كما بات يقلي صاحب المال مرمل
تغار إذا ما قيل تلك مليحة / يطيب بها للعاشقين التغزّل
فتحمرّ غيظا ثمّ تحمرّ غيرة / كأنّ بها حّمى تجيء وتقفل
وتضمر حقدا للمحدّث لو درى / به ذلك المسكين ما كاد يهزل
أثار عليه حقدها غير عامد / وحقد الغواني صارم لا يفلل
فلو وجدت يوما على الدّهر غادة / لأوشك من غلوائه يتحوّل
فتاة هي الطاووس عجبا وذيلها / ولم يك ذيلا شعرها المتهدّل
سعت لاحتكار الحسن فيها بأسره / وكم حاولت حسناء ما لا يؤمّل
وتجهل أنّ الحسن ليس بدائم / وإن هو إلاّ زهرة سوف تذبل
وأنّ حكيم القوم يأنف أن يرى / أسير طلاء بعد حين سينصل
وكلّ فتّى يرضى بوجه منمّق / من الناعمات البيض فهو مغفّل
إذا كان حسن الوجه يدعى فضيلة / فإنّ جمال النّفس أسمى وأفضل
ولكنّما أسماء بالغيد تقتدي / وكلّ الغواني فعل أسماء تفعل
فلو أمنت سخط الرّجال وأيقنت / بسخط الغواني أوشكت تترّجل
قد اتخذت مرآتها مرشدا لها / إذا عنّ أمر أو تعرّض مشكل
وما ثمّ من أمر عويص وإنّما / ضعيف النّهى في وهمه السهل معضل
تكتّم عمّن يعقل الأمر سرّها / ولكنّها تفشيه ما ليس يعقل
فلو كانت المرآة تحفظ ظلّها / رأيت بعينيك الذي كنت تجهل
وزاد بها حبّ التبّرج أنّه / حبيبّ إلى فتيان ذا العصر أوّل
ألمّوا به حتى لقد أشبهوا الدّمى / فما فاتهمواللّه إلا التكحّل
فتى العصر أضحى في تطّريه حجة / تقاتلنا فيها النساء فتقتل
إذا ابتذلت حسناء ثمّ عذلتها / تولّت وقالت كلّكم متبذّل
ألا ليت قلبا بين جنبيّ داميا
ألا ليت قلبا بين جنبيّ داميا / أصاب سلوا أو أصاب الأمانيا
أجنّ الأسى حتّى إذا ضاق بالأسى / تدفّق من عينيّ أحمر قانيا
تهيج بي الذكرى البروق ضواحكا / و تغري بي الوجد الطيور شواديا
فأبكي لما بي من جوى و صبابة / و أبكي إذا أبصرت في لأرض باكيا
فلا تحسباني أذرف الدّمع عادة / و لا تحسباني أنشد الشعر لاهيا
و لكنّها نفسي إذا جاش جأشها / و فاض عليها الهمّ فاضت قوافيا
يشقّ على خدع فؤاده / و إن خادع الدنيا و داجى المداجيا
طلبت على البلوى معينا ففاتني / يؤاسيك من يحتاج فيك مؤاسيا
و من لم تضرّسه الخطوب بنابها / يظنّ شكايات النفوس تشاكيا
رميت من الدنيا بما لو قليله / رميت به الأيّام صارت لياليا
فلا يشتك غيراي البؤوس فإنّني / ضمنت الرزايا و احتكرت العواديا
تمرّ اللّيالي ليلة إثر ليلة / و أحزان قلبي باقيات كما هيا
ولو أنّ ما بي الخمر أو بارد اللّمى / سلوت و لكن أمّتي و بلاديا
إذا خطرت من جانب الشّرق نفحة / طربت فألقى منكباي ردائيا
أحنّ إلى تلك المغاني و أهلها / و أشتاق من يشتاق تلك المغانيا
و ما سرّني أنّ الملاهي كثيرة / و في الشّرق قوم يجهلون الملاهيا
إذا مثّلوا و النوم يأخذ مقلتي / بأهدابها أمسيت و سنان صاحبا
و كيف اغتباط المرء لا أهل حوله / و لا هو من يستعذب الصّفو نائيا
تبدّلت الدنيا من السّلم بالوغى / و صار بنوها العاقلون ضواريا
فما تنبت الغبراء غير مصائب / و ما تمطر الأفلاك إلاّ دواهيا
وناكر حتّى اللّيل زهر نجومه / و ما الخضمّ المنشآت الجواريا
و بات سبيل كان يسري به الفتى / بلا حارس يمشي به الجيش خاشيا
تقطّعت الأسباب بيني و بينهم / فليس لهم نحوي وصول و لا ليا
و كان لنا في الكتب عون على الأسى / و في ( البرق ) ما يدني المدى المتراميا
فلم تأمن الأسرار في ( السّلك ) سارقا / و لم تأمن الأخباتر في الطرس ماحيا
إذا قيل هذا مخبر ملت نحوه / بسمعي و لو كان المحدّث واشيا
و تعلم نفسي أنّه غير عالم / و لكنّني أستدفع اليأس راجيا
سرى الشّكّ ما نصدّق راويا / و طال فبتنا ما نكذّب راويا
أقضي نهاري طائر النفس حائرا / و أقطع ليلي كاسف البال ساهيا
فما هم بأموات فنبكي عليهم / ولاهم بأحياء فنرجو التّلاقيا
كأنّي بهم أخرجوا من بيوتهم / حفاة عراة جائعين صواديا
كأنّي بالغوغاء ثارت عليهم / و بالجند تعطي الثائرين المواضيا
كأنّي بهم أعمل السّيف فيهم / كأنّ الدم القاني يسيل سواقيا
كأنّي بالدّور الحسان خرائب / كأنّي بالجنّات صارت فيافيا
مشاهد لاحت لي فهزّت فرائصي / كما ذعر الملسوع راء الأفاعيا
فبتّ كأنّ السّهم بين أضالعي / كأنّي أقلّ الشّاهقات الرّواسيا
و لو أجنبي لاتّقينا سهامه / و لكنّما الإخوان صاروا أعاديا
أطاعوا طغاة الترك فينا و طالما / عصا فيهم التركي و فينا النواهيا
و كم راغ ما بين المسيح و أحمد / و حارب " بالسوري " أخاه " اليمانيا "
فإن ينس " حورانا " فتاه و جاره / فأنّ ربى حوران لم تنس ( ساميا )
ألا ليت من باعوا على الغبن ودّنا / من الترك باعوا ذلك الودّ غاليا
و يا ليت من باع البلاد و أهلها / " بفلكين " لم يخت لها البؤس شاريا
فيا أمّة قد طال عهد سباتها / متى يكشف الإصباح عنك الدّياجيا
إلى كم تودّين البقاء لمعشر / بقاؤهم يدني إليك التّلاشيا
ثلاثة أجيال تقضّت و أنتم / تسامون منهم ما تسام المواشيا
أم آن يسترجع التاج أهله / و يسترجع التاج المهابة ثانيا
من كان ( جنكيز ) " لقحطان " سيّدا / فيسمى بنو هذا لذاك مواليا ؟
و يا عقلاء العرب هذا زمانكم / فكونوا لمن ضلّ المحجّة هاديا
إذا عذر الأعمى الروى في ضلاله / فلا يعذرون النّاظر المتعاميا
أرى ظلمات مطبقات حوالكم / فإن تطلعوا فيها رأيت الدّراريا
غدا ينشر التاريخ حديثه / و يتلو الذي يتلوه ما كان خافيا
فإن شئتم أمسى عليكم محامدا / و إن شئتم أمسى عليكم مساويا
و يا أيّها الجالون بلادكم / تناديكم لو تسمعون مناديا
لقد عقّدت فيها الخطوب عجاجة / وساق عليها جبشه الجوع غازيا
و بات ذووكم يجهلون مصيرهم / كأنّهم ماء أضاع المجاريا
من العار أن يغشى الرقاد جفونكم / على حين يغشى الدمع تلك المآقيا
من العار أين يكسو الحرير جسومكم / و لم تبق منهم شدّة الضّنك كاسيا
من العار أن يبقى عليكم جمودكم / وقد بلغت تلك النفوس التراقيا
إذا المال لم ينفقه في الخير ربّه / رآه عليه العالمون مخازيا
إذا المرء لم يسع لخير بلاده / يكن كالذي في ضرّها بات ساعيا
ألا أيّها الباكي فديتك باكيا
ألا أيّها الباكي فديتك باكيا / علام و فيما تستحثّ المآقيا ؟
رويدك ما أرضى لك الحزن خلّة / و هيهات أن أرضاك بالحزن راضيا
يعنّفني من كنت أدعوه صاحبا / فما انفكّ حتّى يتّ أدعوه لاحيا
دعوت لربّي أن دعاني لائم / و لم أعصه أن لا يجيب دعائيا
لقد أرخص العذّال عندي قولهم / إذا همّت العيان أرخصت غاليا
أأمنع ماء ما يروي أخا صدى / و قد كنت لا أحمي المناهل صاديا
عليّ و البكا و النوح ضربه لازب / و إنذي لأبكي أنّني لست باكيا
و كيف ارتياحي بعد هند و بيننا / مهامه لا تلقى بها الريح هاديا ؟
يظلّ بها السرحان يعوي من الطوى / نهارا و يطوي ليلة الخوف طاويا
لقد كنت أخشى أن يفرّق بيننا / فأصبحت أخشى اليوم أن لا تلاقيا
فيا من لقلب لا تنام همومه / و يا من لعين لا تنام اللّياليا
رأيت اللّيالي ما تزال تروعني / بأحداثها ما للّيالي و ما ليا
و ام يبق عند الدهر خطب أخافه / فكيف اعتذار الدّهر إن رحت شاكيا
إذا لم تكن لي آسيا أو مؤاسيا / فلا تك لوّاما وذرني و ما بيا
فإنّي رأيت اللّوم يذكي صبابتي / كذاك عهدت الزّند بالقدح واريا
ألا حبّذا من سالف العيش ما مضى / و يا حبّذا لو كان يرجع ثانيا
زمان كقلب الطّفل صاف و كالمنى / لذيذ و لكن كان كالحلم فانيا
أحنّ إليه في العشيّ و في الضحى / حنين جاءه الشّوق داعيا
و أذكره ذكرى العجوز شبابها / و أبكي لدى ذكراه أحمر قانيا
و لولا أمور في الفؤاد أسرّها / جعلت عليه الدهر وقفا لسانيا
خليليّ أعوام السرور دقائق / و أيّامه كادت تكون ثوانيا
و أجمل أيّام الفتى زمن الصبى / و خير الصّبا ما كان في الحبّ ناميا
رعى الله أيّامي التي قد أضعتها / فكنت كأنّي قد أضعت فؤاديا
ليالي لا هند تصدّق واشيا / و لا هي تخشى أن أصدّق واشيا
و يا طالما بتنا و لا ثالث لنا / سوى الرّاح ندنيها فتدني الأمانيا
و دار حديث الحبّ بيني و بينها / فطورا مناجاة و طورا تشاكيا
ألم تر أنّني قد نظمت حديثها / لآليء غنّاها الرواة قوافيا ؟
تولّى زمان اللّهو كالطيف في الكرى / فلست تراني بعده الدهر لاهيا
شئمت لذاذات الحياة جميعها / و لو رضيت هند سئمت شبابيا
سلام على هند و إن فات مسمعي / سلام التي أهدي إليها سلاميا
ترى عندها أنّي على العهد ثابت / و إن يك هذا البين أوهى عظاميا
فوالله ما أخشى الحمام على النّوى / و لكنّني خلودي نائيا
طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني
طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني / وذا بعضها الثاني يفيض به جفني
أبي خانني فيك الرّدى فتقوضت / مقاصير أحلامي كبيت من التّبن
وكانت رياضي حاليات ضواحكا / فأقوت وعفّى زهرها الجزع المضني
وكانت دناني بالسرور مليئة / فطاحت يد عمياء بالخمر والدّنّ
فليس سوى طعم المنّية في فمي / وليس سوى صوت النوادب في أذني
ولا حسن في ناظريَّ وقلّما / فتحتهما من قبل إلاّ على حسن
وما صور الأشياء بعدك غيرها / ولكنّما قد شوّهتها يد الحزن
على منكبي تبر الضحى وعقيقه / وقلبي في نار وعيناي في دجن
أبحت الأسى دمعي وأنهبته دمي / وكنت أعدّ الحزن ضربا من الجبن
فمستنكر كيف استحالت بشاشتي / كمستنكر في عاصف رعشة الغصن
يقول المعزّي ليس يجدي البكا الفتى / وقول المعزّي لا يفيد ولا يغني
شخصت بروحي حائرا متطلعا / إلى ما وراء البحر أدنو وأستدني
كذات جناح أدرك السيل عشّها / فطارت على روع تحوم على الوكن
فواها لو اني كنت في القوم عندما / نظرت إلى العوّاد تسألهم عنّي
ويا ليتما الأرض انطوى لي بساطها / فكنت مع الباكين في ساعة الدفن
لعلّي أفي تلك الأبوّة حقّها / وإن كان لا يوفى بكيل ولا وزن
فأعظم مجدي كان أنك لي أب / وأكبر فخري كان قولك: ذا إبني
أقول : لو انّي كي أبرّد لوعتي / فيزداد شجوي كلّما قلت : لو أني
أحتّى وداع الأهل يحرمه الفتى / أيا دهر هذا منتهى الحيف والغبن
أبي! وإذا ما قلتها فكأنني / أنادي وأدعو يا بلادي ويا ركني
لمن يلجأ المكروب بعدك في الحمى / فيرجع ريّان المنى ضاحك السنّ؟
خلعت الصبا في حومة المجد ناصعا / ونزّه فيك الشيب عن لوثة الأفن
فذهن كنجم الصّيف في أول الدجى / ورأى كحدّ السّيف أو ذلك الذهن
وكنت ترى الدنيا بغير بشاشة / كأرض بلا ماء وصوت بلا لحن
فما بك من ضرّ لنفسك وحدها / وضحكك والإيناس للجار والخدن
جريء على الباغي عيوف عن الخنا / سريع إلى الداعي كريم بلا منّ
وكنت إذا حدّثت حدّث شاعر / لبيب دقيق الفهم والذوق والفنّ
فما استشعر المصغي إليك ملالة / ولا قلت إلاّ قال من طرب : زدني
برغمك فارقت الربوع وإنّنا / على الرغم منّا سوف نلحق بالظعن
طريق مشى فيها الملايين قبلنا / من المليك السامي إلى عبده القنّ
نظنّ لنا الدنيا وما في رحابها / وليست لنا إلاّ كما البحر للسفن
تروح وتغدو حرّة في عبابه / كما يتهادى ساكن السجن في السجن
وزنت بسرّ الموت فلسفة الورى / فشالت وكانت جعجعات بلا طحن
فأصدق أهل الأرض معرفةً به / كأكثرهم جهلا يرجم بالظّنّ
فذا مثل هذا حائر اللبّ عنده / وذاك كهذا ليس منه على أمن
فيا لك سفرا لم يزل جدّ غامض / على كثرة التفصيل في الشّرح والمتن
أيا رمز لبنان جلالا وهيبة / وحصن الوفاء الحصن في ذلك الحصن
ضريحك مهما يستسرّ وبلدة / أقمت بها تبني المحامد ما تبني
أحبّ من الأبراج طالت قبابها / وأجمل في عينيّ من أجمل المدن
على ذلك القبر السلام فذكره / أريج به نفسي عن العطر تستغني
وسائلة: أيّ المذاهب مذهبي
وسائلة: أيّ المذاهب مذهبي / وهل كان فرعا في الديانات أم أصلا
وأيّ نبيّ مرسل أقتدي به / وأيّ كتاب منزل عندي الأغلى؟
فقلت لها : لا يقتني المرء مذهبا / وإن جلّ إلاّ كان في عنقه غلاّ
فما مذهب الإنسان إلاّ زجاجة / تقيّده خمرا وتضبطه خلاّ
فإن كان قبحا لم يبدّله لونها / جمالا ولا نبلا إذا لم يكن نبلا
أنا آدميّ كان يحسب أنه / هو الكائن الأسمى وشرعته الفضلى
وأنّ له الدنيا التي هو بعضها / وأنّ له الأخرى إذا صام أو صلّى
أمنّ على الصّادي إذا ما سقيته / وألزمه شكري ولست أنا الوبلا
وأزهى إذا أطمعت جوعان لقمة / كأني خلقت الحبّ والحقل والحقلا
تتلمذت لإنسان في الدّهر حقبة / فلّقتني غيّا وعلّمني جهلا
نهاني عن قتل النّفوس وعندما / رأى غرّة منّي تعلّم بي القتلا!
وذّم إلّي الرقّ ثم استرقّني / وصوّر ظلما فيه تمجيده عدلا
وكاد يريني الإثم في كلّ ما أرى / وكلّ نظام غير ما سنّ مختلا
فصار الورى عندي عدوّا وصاحبا / وأنقسم صنفين علياء أو سفلى
وصرت أرى بغضا وصرت أرى هوى / وصرت أرى عبدا وصرت أرى مولى
ويا ربّ شرّ خلته الخير كلّه / ويا ربّ خير خلته نكبة جلّى
إلى أن رأيت النجم يطلع في الدجى / لذي مقلة حسرى وذي مقلة جذل
وشاهدت كيف النهر يبذل ماءه / فلا يبتغي شكرا ولا يدّعي فضلا
وكيف يزين الطلّ وردا وعوسجا / وكيف يروّي العارض الوعر والسهلا
وكيف تغذّي الأرض ألأم نبتها / وأقبحه شكلا كأحسنه شكلا
فأصبح رأبي في الحياة كرأيها / وأصبحت لي دين سوى مذهبي قبلا
وصار نبيّ كلّ ما يطلق العقلا / وصار كتابي الكون لا صحف تتلى
فديني كدين الرّوض يعبق بالشذى / ولو لم يكن فيه سوى اللص منسلا
فليست تخوم المالكيه تخومه / وإنّ له إن يعلموا غيرهم أهلا
فكم هشّ للأنسام والنور والندى / وآوى إليه الطير والذرّ والنملا
وكم بعثته للحياة من البلى / قريحة فنّان فأورق واخضلاّ
وأصبح يجلى ((طيفه)) في قصيدة / وفي رقعة أو لوحة ((وهو)) لا يجلى
وديني الذي اختار الغدير لنفسه / ويا حسن ما اختار اغدير وما أحلى!
تجيء إليه الطير عطشى فترتوي / وإن وردنه الإبل لم يزجر الإبلا
ويغتسل الذئب الأثيم بمسائه / فلا إثم ذا يمحي ولا طهر ذا يبلى!
وديني كدين الشّهب تبدو لعاشق / وقال وفيها ما يحبّ وما يقلى
فما استترت كيما يضلّ مسافر / ولا بزغت كي يستنير الذي ضلاّ
وليس لها أن تمنع الناس ضوءها / ولو فتلوا منه لتكبيلها حبلا
وديني كدين الغيث إن سحّ لم يبل / أروى الأقاحي أم سقى الشوك والدّفلى
فلم يتخّير في الفضاء مسيره / ولم ينهمر جودا ولم ينحبس بخلا
وإن لم أكن كالروض والنجم والحيا / فحسبي اعتقادي أنّ خطّتها المثلى
يرى النحل غيري اذ يرى النحل حائما / وأبصر قرص الشهد اذ أبصر النحلا
وألمح واحات من النخل في النوى / اذا حرف الإعصار من واحتي النخلا
وان أشرب الصهباء أعلم أنني / شربت بشاشات الزمان الذي ولّى
وما همسته الريح في أذن الثرى / وما ذرفت في الليل نجمته الشكلى
وغصّات من ماتوا على اليأس في الهوى / فيا شاربيها هل لمحتم دم القتلى؟
وان مرّ طفل رأيت به الورى / من المثل الأدنى الى المثل الأعلى
فيا لك دنيا حسنها بعض قبحها / ويالك كونا قد حوى بعضه الكلاّ
أبا الشعب إطلع من حجابك يلتقي
أبا الشعب إطلع من حجابك يلتقي / بطرفك مثل العارض المتخرق
جماهير لا يحصى اليراع عديدها / هي الرمل إلا أنه لم ينسق
هو الشعب قد وافاك كالبحر زاخرا / وكالجيش يقفو فيلق إثر فيلق
تطلّع تجده حول قصرك واقفا / يحدّق تحديق المحبّ لوفّق
لقد لبسته الأرض حليا كأنهما / أياديك فيه لم تزل ذات رونق
وألقت عليه الشمس نظرة عاشق / غيور تلقّاها بنظرة مشفق
يهش لمرآك الوسيم وإنّما / يهش لمرآى الكوكب المتألّق
ويعشق منك البأس والحلم والنّدى / كذاك من ينظر إلى الحسن يعشق
يكاد به يرقى إليك اشتياقه / فيا عجبا بحر إلى البدر يرتقي
تفرّق عنك المفسدون وطالما / رموا الشعب بالتفريق خوف التفرّق
وكم أقلقوا في الأرض ثمّ تراجعوا / يقولون شعب مقلق أيّ مقلق
وكم زوّروا عنه الأراجيف وادّعوا / وأيّدهم ذيّاكم الزاهد التقي
لمن يرفع الشكوى؟ وقد وقفوا له / على الباب بالمرصاد فاسأله ينطق
وأما ولا واش ولا متجسس / فقد جاء يسعى سعي جذلان شيّق
يطارحك الحبّ الذي أنت أهله / وحسبك منه الحبّ غير مزوّق
وها جيشك الطامي يضجّ مكبرا / بما نال من عهد لديك وموثق
يطأطىء إجلالا لشخصك أرؤسا / يطأطىء إجلالا لها كلّ مفرق
لهام متى تنذر به الدهر يصعق / وإن يتعرّض للحوادث تفرّق
يفاخر بالسّلم الجيوش وإنّه / لأضربها بالسيف في كلّ مأزق
وأشجعها قلبا وأكرمها يدا / إذا قال لم يتّرك مجالا لأحمق
ألا أيها الجيش العظيم ترّفقا / ملكت قلوب الناس بالعرف فاعتق
ويا أيها الملك المقيم(بيلدز) / أرى كلّ قلب سدّة لك فارتق
ألا حبّذا الأجناد غوثا لخائف / ويا حبّذا الأحرار وردا لمستق
ويا حبّذا عيد الجلوس فإنّه / أجلّ الذي ولّى وأجمل ما بقي
أزور فتقصيني وأنأى فأتعب
أزور فتقصيني وأنأى فأتعب / وأوهم أني مذنب حين تغضب
وأرجو التلاقي كلّما بخلت به / كذلك يرجى البرق والبرق خلّب
وأعجب من لاح يطيل ملامتي / ويعجب مني عاذلي حين أعجب
هو البخل طبع في الرجال مذمم / ولكنه في الغيد شيء محبب
كلفت بها بيضاء سكرى من الصبا / وما شربت خمرا ولا هي تشرب
لها الدرّ ثغر واللجين ترائب / وشمس الضّحى أم وبدر الدّجى أب
خليلي أما خدّها فمورّد / حياء واما ثغرها فهو اشنب
لئن فرقّت بين الغواني جمالها / لدام لها ما يجعل الغيد تغضب
ولو أن رهبان الصوامع أبصروا / ملاحتها واللّه لم يترهّبوا
تكلّفني في الحبّ ما لا أطيقه / وتضحك إما جئتها أتعتّب
أفاتنتي حسب المتّيم ما به / وحسبك أني دون ذنب أعذّب
أحبك حبّ التازح الفرد أهله / فهل منك حب الأهل من يتغرّب؟
وهبتك قلبي واستعضت به الأسى / وهبتك شيئا في الورى ليس يوهب
فإن يك وصل فهو ما أتطلّب / وإن يك بعد فالمنيّة أقرب