المجموع : 408
رأيتُ الذي يسعى ليُدركَ حَظَّهُ
رأيتُ الذي يسعى ليُدركَ حَظَّهُ / كسارٍ بليلٍ كي يُسامتَ كوكبا
يسيرُ فلا يَسْطيعُ ذاك بسيره / وكيف وأنَّى رام شأواً مُغَرِّبا
ولم لم يَسِرْ وافاهُ لا شك طِلْبُه / بغير عناءٍ بادئاً ثم عَقَّبا
أرى الحظ يأتي صاحب الحظ وادعاً / ويعيي سواه ساعياً فيه مُتعبا
إذا كان مجرى كوكبٍ سَمْتَ هامةٍ / علاها وإلا اعتاص ذلك مطلبا
عجبتُ لقومٍ يقبلون مدائحي
عجبتُ لقومٍ يقبلون مدائحي / ويأبْون تثويبي وفي ذاك مَعْجبُ
أشِعْرِي سَفسافٌ فَلِمْ يَجْتبونه / وإن لا تكن هاتي فَلِمْ لا أُثوَّبُ
حلفت بمن لو شاء سدَّ مَفاقِري / بما ليَ فيه عن ذوي اللُّؤمِ مَرْغَبُ
فَمَا آفتي شعرٌ إليهم مُبَغَّضٌ / ولكنه منعٌ إليهم محبَّبُ
وأعجبُ منهم معشرٌ ليس فيهمُ / بشعري ولا شيءٍ من الشعرِ مُعجَبُ
بَراذينُ ألهاها قديماً شعيرُها / عن الشِّعر تستوفي القضيمَ وتُركَبُ
من اللائي لا تنفكّ تجري سواكِناً / بفرسانها تِلقاءَ نارٍ تَلهَّبُ
تقُومُ بفرسانٍ تَحرَّكُ تحتها / أفانينُ فالركبان لا الظهرُ تتعبُ
فوارسُ غاراتٍ مَطاعينُ بالقنا / قناً لا يُرى فيهن رمحٌ مُكَعَّبُ
وليست بأيديهم تُهَزُّ رماحُهُم / ولكن بأحْقِيهم تُهَزّ فَتُوعَبُ
ولا رمحَ منها بالنَّجيع مُخضَّبٌ / هناك ولكن بالرَّجيع مخضّبُ
ولستَ ترى قِرناً لهم يطعنونَهُ / بل المَرْكَبُ المعلوُّ قِرنٌ ومركبُ
ترى كلَّ عبدٍ منهمُ فوق ربِّه / ونيزَكُهُ الشِّبرِيُّ فيه مُغَيَّبُ
وأعجَبُ منهم جاهلون تَعاقلوا / وكُلُّهمُ عمَّا يُتمَّمُ أنكبُ
أغِثّاءُ ما فيهم أديبٌ علمتُه / ولا قابلُ التأديب حين يؤدَّبُ
خلا أنَّ آداباً أُعيروا حُلِيَّها / فأضحت بهم يُبكى عليها وتُندبُ
وكم من مُعارٍ زينةً وكأنه / إذا ما تحلَّى حَلْيَها يَتَسلَّبُ
بحقِّهمُ أن باعدوني وقَرَّبوا / سِواي وتقريبُ المُباعَد أوجبُ
رأى القومُ لي فضلاً يعاديه نقصُهُمْ / فمالوا إلى ذي النقص والشكلُ أقربُ
خفافيشُ أعشاها نهارٌ بضوئه / ولاءَمَها قِطْعٌ من الليل غَيهبُ
بهائمُ لا تُصغي إلى شَدْوِ مَعْبدٍ / وأمَّا على جافي الحُداءِ فتَطربُ
إذا خاب داعٍ أو تناهَى دعاؤه
إذا خاب داعٍ أو تناهَى دعاؤه / فإنّيَ داعٍ والإلهُ مجيبُ
دعاءَ امرىءٍ أحييتَ بالعُرْفِ نفسَه / وذاك دعاءٌ لا يكاد يَخيبُ
أدامَ لك اللَّهُ المكارمَ والعلا / فإنهما شيءٌ إليك حبيبُ
وأبقاكَ للمُدَّاح يُهدون مدحَهم / إليك على عِلّاتهمْ وتُثيبُ
تكشَّف ذاك الشَكوُ عنك وصرَّحَتْ / محاسنُ وجهٍ بُردهُنَّ قشيبُ
كما انكشفت عن بدرِ ليلٍ غِمامةٌ / أظلَّت وولَّتْ والمَرادُ خصيبُ
أغاثت ولم تَصْعق وإن هي أرعدت / فمات بها جَدْبٌ وعاش جديبُ
شَكاةٌ أجدَّت منك ذكرى وأنشأت / سحائبَ معروفٍ لهنّ صبيبُ
وأعقبَها بُرءٌ جديدٌ كأنه / شبابٌ رَديد شُقَّ عنه مشيبُ
وبالسَّبْكِ راقت نُقرةٌ وسبيكةٌ / وبالصقل راعَ المُنتضينَ قضيبُ
ففي كل دارٍ فرحةٌ بعد ترحةٍ / وفي كل نادٍ شاعرٌ وخطيبُ
يقولون بالفضل الذي أنت أهلُهُ / وكلهُمُ فيما يقول مُصيبُ
ولو صِين حيٌّ عن شَكاةٍ لَكُنتَهُ / ولكن لكُلٍّ في الشَّكاة نصيبُ
وفي الصبر للشَّكْوِ الممحِّص مَحملٌ / وفي اللَّه والعرفِ الجسيم طبيبُ
وأنت القريبُ الغوثِ من كل بائسٍ / دعاكَ فغوثُ اللَّهِ منك قريبُ
أبى اللّهُ إخلاءَ المكان يَسُدّهُ / فتىً مَا لَهُ في العالمين ضَريبُ
أعاذك أُنْسُ المجدِ من كلِّ وحشةٍ / فإنك في هذا الأنامِ غريبُ
وتاب إليك الدهرُ من كل سَيِّئٍ / وجاءك يسترضيك وهو مُنيبُ
ولازال للأَعداء في كلِّ حالةٍ / وللمالِ يومٌ من يديك عصيبُ
كساءَ بني نُوبَخت مهلاً فإنني
كساءَ بني نُوبَخت مهلاً فإنني / أراك تُناغي طيلسانَ بني حربِ
أُعيذكَ أن تأبى مَسيرةَ ليلةٍ / وتَصبرَ للتسيير في الشرق الغربِ
كسائي كسائي إنه الدربُ بيننا / فلا تَدَعِ الثَغرَ المخُوفَ بلا دَرْبِ
ولا تحسبَنِّي لا أغرِّدُ بالتي / تَليني بها في الحَفلِ طوراً وفي الشَّربِ
فأعْفِ بحقي في الشتاء فلن أرى / قَبولَ كساءٍ منك في الصيف ذي الكَرْبِ
وصبراً فإن الحُرَّ باللَّوْمِ تُبتغى / إثابَتُهُ والعبدُ بالشتمِ والضرب
وتُسْلينيَ الأيامُ لا أنَّ لوعتي
وتُسْلينيَ الأيامُ لا أنَّ لوعتي / ولا حَزَني كالشيء يُنْسى فَيَعْزُبُ
ولكنْ كَفاني مُسْلياً ومُعزِّياً / بأنْ المدى بيني وبينك يقربُ
أكلتُ رغيفاً عندَ عيسى فملَّني
أكلتُ رغيفاً عندَ عيسى فملَّني / وكان كهمِّي من محبٍّ مُقَرَّبِ
رآني قليلَ الخوف من لحظاته / وذلك من شأني لهُ غيرُ مُعجبُ
يُريدُ أَكيلاً رُزْؤهُ من طعامه / كرُزءِ كتابٍ من تراب مُتَرِّبِ
إذا لَحِظتهُ عينُهُ عند مَضْغِهِ / طوى الأُنسَ طيَّ الخائف المترقبِ
يُحبُّ الخميصَ البطن من أكلائه / ويُضحي ويُمسي بطنهُ بطنَ مقرِب
وما أُنسُ ذي أُنسٍ لعيسى بمؤنسٍ / ولا وَقْعُ أضراسِ الأكيل بمُطربِ
تزَوَّدْ إذا آكلتَهُ فهي أكلةٌ / وما أختُها إلا كعنقاءِ مُغْربِ
طَرِبْتُ ولم تَطْربْ على حين مَطْرَبِ
طَرِبْتُ ولم تَطْربْ على حين مَطْرَبِ / وكيف التصابي بابن ستَّينَ أشيبِ
ومما حداك الشوقَ نوحُ حمامة / أرنَّتْ على خُوطٍ من البانِ أهدبِ
مطوَّقةٍ تبكي ولم أرَ قبلها / بدا ما بدا من شجوها لم تسلَّبِ
تظلَّمَ عمروٌ من هِجائي وقد عَلَتْ
تظلَّمَ عمروٌ من هِجائي وقد عَلَتْ / بما قلتُ فيه حالُهُ ومراتبُهْ
وأغفلَ ظُلمِيهِ بقَصْدِيه راغباً / فواعجباً والدهرُ جمٌّ عجائبُهْ
ويا من جنى قَصْدي أبا الخَطْم إنه / تمنَّع واعتاصَتْ عليَّ مطالبُهْ
أُعيذُكَ من طَعْنِ الأعادي وقولهم / جَوادٌ تقضَّت من نَداهُ مآربُهْ
إذا خُلَّةٌ خانتك بالغيب عهدها
إذا خُلَّةٌ خانتك بالغيب عهدها / فلا تجعلنَّ الحزنَ ضربةَ لازِبِ
وهبْ أنها الدنيا التي المرءُ مُوقنٌ / بفرقتها والمرءُ في شأن لاعبِ
إذا ما كساك اللَّه سربالَ صحةٍ
إذا ما كساك اللَّه سربالَ صحةٍ / ولم تخلُ من قوتٍ يَحِلُّ ويَعذُبُ
فلا تَغْبِطنَّ المترفين فإنهم / على قدْرِ ما يكسوهُمُ الدهرُ يَسْلبُ
رأيتك شبَّهْتَ الضمير وحفظَهُ
رأيتك شبَّهْتَ الضمير وحفظَهُ / حَسائكَهُ بالحوض في حفظه الشَّربا
وقرَّضتَ منه أن يصادَف حِفْظُهُ / كحفظ حياض المورد الملحَ والعذبا
ألا كان كالغربال يَنْفِي زُؤانَهُ / وما كان من قَصْرٍ ويحتبسُ الحَبَّا
ألا كان مثل القِدْرِ تنفي غُثاءها / وتَقْنَى عُرَاقَ اللحمِ والمرقَ العذبا
أبا جعفر واصفحْ عن الفاء إنّها
أبا جعفر واصفحْ عن الفاء إنّها / تزيدك في جَعْرٍ من الأَفِّ جانبا
رأيتك للفعل الجميل مُجانباً / فآليت لا ألقاك إلا مجانبا
طَربتُ إلى رَيْحانةِ الأنفِ والقلبِ
طَربتُ إلى رَيْحانةِ الأنفِ والقلبِ / وأعمالها بين العوازف والشَّرْبِ
ولا عيشَ إلا بين أكوابِ قهوةٍ / تَوَارَثَها عَقْبٌ من الفرس عن عقبِ
من الكُمْت قبل المزج صهباءُ بعدَهُ / سليلةُ جُونٍ غير كُمْتٍ ولا صُهبِ
سُلالة كرمٍ شارفٍ غير أنها / عُلالةُ عود من دِنان القُرى ثِلْبِ
تأتَّتْ أكفُّ القاطفين قِطافَها / فسالت بلا عَصْرٍ ودَرَّت بلا عَصْبِ
أطافت بها الأيامُ حتى كأنها / حُشاشةُ نفس شارفَتْ منقضى نحبِ
لها منظرٌ في العين يشهدُ حسنُهُ / على مَخْبِرٍ يُهدي السرورَ إلى القلبِ
تردُّ صفاء العيش مثلَ صفائها / وتكشفُ عن ذي الكرب غاشية الكربِ
جلاها من الأطباع طولُ ثَوائها / وإمرارُها الأحقابَ حِقباً إلى حقبِ
فلو رُفعتْ في رأس علياءَ لاهتدى / بكوكبها السارونَ في الشرق والغربِ
غَنِيٌّ عن الريحان مجلسُ شَرْبها / بنشرٍ كنشر المسك في مُحتوىً نهبِ
ولم ترَ موموقاً إلى النفس مثلها / تُشَمُّ فتُلقى بالعبوس وبالقَطْبِ
يناضل عنها الماء حين يَشُجُّها / نفِيٌّ لها مثلُ الدَّبا لجَّ في الوَثْبِ
لها مَكْرعٌ سهلٌ يخبِّر أنها / ذَلول وفيها سَورةُ الجامح الصعبِ
سأَعصِي إليها اللَّومَ في بطنِ روضةٍ / كساها الحيا نَوْراً كأرديةِ العَصْبِ
وكم مثلها من بنتِ كرمٍ جلوتُها / على كلِّ خِرق ماجد الجَدِّ من صحبي
له خُلقٌ عذبُ المذاق ولن ترى / مِزاج كؤوس الراح كالخُلُق العذبِ
يسرُّك في السراء حُلوٌ نِدَامُهُ / وأنجَدُ في العَزَّاءِ من صارم عضبِ
بمُونِقة الرُّواد حُوٍّ تِلاعُها / تُراعي بها الأُدمانُ آمنَةَ السَّربِ
صففنا أَباريق اللُّجين حِيالها / فمثَّلْنَ سِرباً مُشرئباً إلى سرْبِ
تظل تُرانيها الظباءُ تخالُها / ظِباءً وتدنو فهْي منا على قُربِ
إذا نحن شئنا عَلَّلتنا صوادحٌ / من الطير جمَّاتِ الأهازيج والنَّصْبِ
فذاك نَصيبُ السَّلم عندي ولم أكنْ / لأنسى نصيبَ الحرب في نُوُب الحربِ
أخي دون إخواني إذا الحربُ شمَّرت / حسامٌ بحدَّيه فُلولٌ من الضربِ
له حين يعلو قَوْنَسَ القِرن هَبَّةٌ / تُواصلُ ما بين الذؤابة والعَجْبِ
إذا شيم فيه بارقُ الموت أو مَضْت / به صفحةٌ مثلُ العقيقة في الجلبِ
ومُطَّردٌ مثل الرِّشاء تهزه / كعوبٌ تدانت فيه مثلَ نوى القَسْبِ
عليه سِنانٌ يَرْعُفُ الموتَ لهذمٌ / قليلُ التخفِّي بالجوانح والجنبِ
وكلّ ابن ريحٍ يسبِقُ الطرفَ مَعْجُه / تُطَوِّحُه عَطْوَى منوعاً لدى الجدبِ
صنيعٌ مَريشٌ قوَّم القَيْنُ متنَه / فجاء كما سُلَّ النخاع من الصُّلْبِ
يُغلغلُهُ في الدرع نصلٌ كأنه / لسانُ شجاع مُخرَجٌ همَّ باللَّسْبِ
ومَوْضُونَةٌ مثل الغدير حصينةٌ / تفُلُّ شباةَ السيفِ ذي المضرب العضبِ
فذاك عَتادي فوق أجردَ سابحٍ / يُريحُ زفيرَ الجري من منْخَرٍ رحبِ
ذَنوبٍ يمس الأرض عند صيامه / بضافٍ يواري فرجَهُ سَبِط الهُلْبِ
له عند إيغال الطريدة في الوغى / أَجاريُّ مضمونٌ لها دَرَكُ الطَّلْبِ
يُدِلُّ على صُمِّ الصفا بحوافر / من اللائي أُعطين الأمان من النَّكبِ
بذلك إن دارت رحَى الحرب مرةً / ثبتُّ ثباتَ القطب في مركز القطبِ
إذا أُخِّرتْ سرجُ الجبان وجدتَني / أغامسها في حومة الطعن والضربِ
متى يَلقني قِرْنِي فإنّ قُصارَهُ / على ضَربةٍ أو طعنة ثَرَّةِ الشَّخبِ
وإني لذو حلمٍ وشَغْبٍ وراءه / فحلمٌ لذي حلمٍ وشغب لذي شغبِ
وإني لنَحَّار لدى الأَزْبِ لا يَني / قِرايَ من الكُوم المقاصيد كالهَضْبِ
إذا حاردتْ خورُ العِشار حلبتها / دماءً وقدْماً كان ذلك من حلبي
وقد يَرْجعُ الوجناءَ سيري وعينُها / مُهَوَّكةٌ مثلُ الصُّبابة في الوَقْبِ
طويتُ حشاها طيّةَ البُرد بعدما / طويتُ بها سهباً عريضاً إلى سهبِ
أنا ابن شهابِ الحرب يونان ذي العلا / ولا فَخر إن الفخر فرعٌ من العُجْبِ
وكم من أبٍ لي ماجد وابن ماجد / له شرف يُرْبي على الشرف المُرْبي
إذا مَطرتْ كفّاهُ بالبذل نَوَّرتْ / له الأرضُ واهتزت رُباها من الخصْب
وإن حاول الأعداءُ يوماً بكيدِه / أحلَّ بمن عاداه راغيةَ السَّقبِ
وحُرٍّ من الفتيان ليس بقُعْدُدٍ / ولا قائلٍ من فعلِ مكرمةٍ حَسْبي
أخي ثقةٍ لو أصبح الناسُ كلهم / عليَّ معاً حِزباً لأصبح من حزبي
أنوءُ به فيما عرا وأعدُّهُ / لساناً وسيفاً في الخطاب وفي الخَطْبِ
أبحتُ حمى قلبي له دون غيره / وأنزلتُهُ في السهل منه وفي الرَّحْبِ
إذا اشتركَ الورَّادُ في الشِّرب أخلصتْ / له النفسُ وُدّاً غيرَ مشتركِ الشِّربِ
وقد حاول الواشون إفساد بيننا / فأعيى على ذي المكرِ منهم وذي الإربِ
سوى أنهم قد آذنونا بجفوةٍ / أدالت رضانا ما حَيينا من العَتْبِ
وَشَوْا فعرَفنا للتجافي مرارةً / وهبنا لها مهما أتيناه من ذنبِ
فعُدنا وأصبحنا بحيث يسرُّنا / من الوصلِ والواشون في مَزْجَر الكلبِ
أتاني مقالٌ من أخٍ فاغتفرتُهُ
أتاني مقالٌ من أخٍ فاغتفرتُهُ / وإن كان فيما دونَهُ وجهُ مَعْتَبِ
وذكَّرتُ نفسي منه عند امتعاضها / محاسنَ تعفو الذنبَ عن كل مُذنبِ
ومثلي رأى الحُسنى بعينٍ جَليَّةٍ / وأغضى عن العوراء غيرَ مُؤنِّبِ
فيا هارباً من سُخطنا مُتنصلاً / هربتَ إلى أنجى مَفرٍّ ومَهربِ
فعذرُك مبسوطٌ لدينا مُقدَّمٌ / ووُدُّك مقبولٌ بأهلٍ ومرحبِ
ولو بَلَّغْتني عنك أذْني أقمتُها / لديَّ مُقامَ الكاشح المُتكذّبِ
ولستُ بتقليب اللسان مُصارماً / خليلي إذا ما القلبُ لم يتقلبِ
دعِ اللَّومَ إن اللَّومَ عونُ النوائِبِ
دعِ اللَّومَ إن اللَّومَ عونُ النوائِبِ / ولا تتجاوز فيه حدَّ المُعاتِبِ
فما كلُّ من حطَّ الرحالَ بمخفِقٍ / ولا كلُّ من شدَّ الرحال بكاسبِ
وفي السعي كَيْسٌ والنفوسُ نفائسٌ / وليس بكَيْسٍ بيعُها بالرغائبِ
وما زال مأمولُ البقاء مُفضّلاً / على المُلك والأرباحِ دون الحرائبِ
حضضتَ على حطبي لناري فلا تدعْ / لك الخيرُ تحذيري شرورَ المَحاطبِ
وأنكرتَ إشفاقي وليس بمانعي / طِلابي أن أبغي طلابَ المكاسبِ
ومن يلقَ ما لاقيتُ في كل مجتنىً / من الشوك يزهدْ في الثمار الأَطايبِ
أذاقتنيَ الأسفارُ ما كَرَّه الغِنَى / إليَّ وأغراني برفض المطالبِ
فأصبحتُ في الإثراء أزهدَ زاهدٍ / وإن كنت في الإثراء أرغبَ راغبِ
حريصاً جباناً أشتهي ثم أنتهي / بلَحْظي جناب الرزق لحظَ المراقبِ
ومن راح ذا حرص وجبن فإنه / فقير أتاه الفقر من كل جانبِ
ولما دعاني للمثوبة سيّدٌ / يرى المدح عاراً قبل بَذْل المثَاوبِ
تنازعني رغْبٌ ورهب كلاهما / قويٌّ وأعياني اطِّلاعُ المغايبِ
فقدمتُ رجلاً رغبةً في رغيبةٍ / وأخّرتُ رجلاً رهبةً للمعاطبِ
أخافُ على نفسي وأرجو مَفازَها / وأستارُ غَيْب اللّهِ دونَ العواقبِ
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي / ومن أين والغاياتُ بعد المذاهبِ
ومِنْ نكبةٍ لاقيتُها بعد نكبةٍ / رَهِبتُ اعتساف الأرضِ ذاتِ المناكبِ
وصبري على الإقتار أيسرُ مَحْملاً / عليَّ مِنَ التغرير بعد التجاربِ
لقِيتُ من البَرِّ التّباريحَ بعدما / لقيتُ من البحر ابيضاضَ الذوائبِ
سُقيتُ على ريٍّ به ألفَ مَطْرةٍ / شُغفتُ لبغضِيها بحبّ المجَادِبِ
ولم أُسْقَها بل ساقَها لمكيدتي / تَحامُق دهرٍ جَدَّ بي كالمُلاعبِ
إلى اللَّه أشكو سخفَ دهري فإنه / يُعابثني مذ كنت غيرَ مُطائبِ
أبَى أن يُغيثَ الأرضَ حتى إذا ارتمتْ / برحلي أتاها بالغُيوثِ السواكبِ
سقى الأرضَ من أجلي فأضحتْ مَزِلَّةً / تَمايَلُ صاحيها تمايُلَ شاربِ
لتعويقِ سيري أو دحوضِ مَطيَّتي / وإخصابِ مُزوَّرٍ عن المجد ناكبِ
فملتُ إلى خانٍ مُرثٍّ بناؤُه / مميلَ غريقِ الثوب لهفانَ لاغِبِ
فلم ألقَ فيه مُستراحاً لمُتعَبٍ / ولا نُزُلاً أيانَ ذاك لساغِبِ
فما زلتُ في خوفٍ وجوعٍ ووحشةٍ / وفي سَهَرٍ يستغرقُ الليلَ واصبِ
يؤرِّقني سَقْفٌ كأّنيَ تحته / من الوكفِ تحت المُدْجِنات الهواضبِ
تراهُ إذا ما الطينُ أثقلَ متنَهُ / تَصِرُّ نواحيه صريرَ الجنادبِ
وكم خَانِ سَفْرٍ خَانَ فانقضَّ فوقهم / كما انقضَّ صقرُ الدجنِ فوق الأرانبِ
ولم أنسَ ما لاقيتُ أيامَ صحوِهِ / من الصّرِّ فيه والثلوج الأشاهبِ
وما زال ضاحِي البَرِّ يضربُ أهلَهُ / بسوطَيْ عذابٍ جامدٍ بعد ذائبِ
فإن فاته قَطْرٌ وثلج فإنه / رَهين بسافٍ تارةً أو بحاصبِ
فذاك بلاءُ البرِّ عنديَ شاتياً / وكم ليَ من صيفٍ به ذي مثالبِ
ألا رُبَّ نارٍ بالفضاء اصطليتُها / منَ الشَّمسِ يودي لَفْحُهَا بالحواجبِ
إذا ظلتِ البيداءُ تطفو إِكامُها / وترسُبُ في غَمْرٍ من الآلِ ناضبِ
فدعْ عنك ذكرَ البَرِّ إني رأيتُهُ / لمن خاف هولَ البحر شَرَّ المَهاربِ
كِلا نُزُلَيْهِ صيفُهُ وشتاؤُهُ / خلافٌ لما أهواهُ غيرُ مُصاقبِ
لُهاثٌ مُميتٌ تحت بيضاءَ سُخْنَةٍ / وَرِيٌّ مُفيتٌ تحت أسْحَمَ صائبِ
يجفُّ إذا ما أصبح الرّيقُ عاصباً / ويُغدقُ لي والرّيق ليس بعاصبِ
ويمنع منّي الماءَ واللَّوحُ جاهدٌ / ويُغرِقني والريُّ رَطْبُ المحَالِب
وما زال يَبغيني الحتوفَ مُوارِباً / يحوم على قتلي وغيرَ مُواربِ
فطوراً يُغاديني بلصٍّ مُصَلِّتٍ / وطوراً يُمَسّيني بورْدِ الشَّواربِ
إلى أنْ وقاني اللَّه محذورَ شرّهِ / بعزتِهِ واللَّه أَغلب غالبِ
فأفلتُّ من ذُؤبانهِ وأُسودِهِ / وحُرَّابِهِ إفلاتَ أَتوب تائبِ
وأما بلاءُ البحر عندي فإنه / طواني على رَوعٍ منَ الروح واقبِ
ولو ثاب عقلي لم أدعْ ذكرَ بعضهِ / ولكنه من هولِهِ غيرُ ثائبِ
وَلِمْ لا ولو أُلقيتُ فيه وصخرةً / لوافيت منه القعرَ أوّلَ راسبِ
ولم أتعلم قط من ذي سباحةٍ / سوى الغوص والمضعوف غيرُ مغالِب
فأيسرُ إشفاقي من الماء أنني / أمرُّ به في الكوز مرَّ المُجانبِ
وأخشى الردى منه على كل شاربٍ / فكيف بأَمْنِيه على نفس راكبِ
أظلُّ إذا هزتهُ ريحٌ ولألأتْ / له الشمسُ أمواجاً طِوالَ الغواربِ
كأني أرى فيهنّ فُرسانَ بُهمةٍ / يُليحون نحوي بالسيوف القواضبِ
فإن قُلْتَ لي قد يُركَبُ اليمُّ طامياً / ودجلةُ عند اليمِّ بعضُ المَذانبِ
فلا عذرَ فيها لامرىءٍ هابَ مثلَها / وفي اللُّجَّةِ الخضراء عذرٌ لهائبِ
فإنّ احتجاجي عنك ليس بنائمٍ / وإن بياني ليس عني بعازبِ
لدجلةَ خَبٌّ ليس لليمِّ إنها / تُرائي بحلمٍ تحته جهلُ واثبِ
تَطامَنُ حتى تطمئنَّ قلوبُنا / وتغضبُ من مزحِ الرياح اللواعبِ
وأَجرافُها رهْنٌ بكلِّ خيانةٍ / وغَدْرٍ ففيها كُلُّ عَيْبٍ لِعائبِ
ترانا إذا هاجتْ بها الرِّيحُ هَيْجةً / نُزَلزَلُ في حَوماتها بالقواربِ
نُوائِلُ من زلزالها محو خسفها / فلا خيرَ في أوساطها والجوانبِ
زلازلُ موجٍ في غمارٍ زواخرٍ / وهدَّاتُ خَسْفٍ في شطوطٍ خواربِ
ولليمِّ إعذارٌ بعرضِ متونِهِ / وما فيه من آذيِّهِ المتراكبِ
ولستَ تراهُ في الرياحِ مزلزلاً / بما فيه إِلّا في الشداد الغوالبِ
وإنْ خيفَ موجٌ عيذ منه بساحلٍ / خليٍّ من الأجرافِ ذات الكَباكبِ
ويلفظُ ما فيهِ فليس مُعاجلاً / غريقاً بغتٍّ يُزهقُ النفسَ كاربِ
يعلِّلُ غرقاهُ إلى أن يُغيثَهم / بصنعٍ لطيفٍ منه خيرِ مصاحَبِ
فتُلفَى الدلافينُ الكريمُ طباعُها / هناك رِعالاً عند نَكبِ النواكبِ
مراكبَ للقومِ الذين كبا بهم / فهم وَسْطه غرقى وهم في مراكبِ
وينقضُ ألواحَ السفينِ فكُلُّها / مُنَجٍّ لدى نَوْبٍ من الكَسْر نائبِ
وما أنا بالراضي عن البحر مركباً / ولكنني عارضتُ شَغْبَ المشاغبِ
صدقْتُك عن نفسي وأنت مُراغمي / وموضعُ سري دون أدنى الأقاربِ
وجرَّبتُ حتى ما أرى الدهرَ مُغرِباً / عليّ بشيءٍ لم يقعْ في تجاربي
أرى المرءَ مذ يلقى الترابَ بوجهِهِ / إلى أن يُوارَى فيه رهن النوائبِ
ولو لم يُصَبْ إِلّا بشرخِ شبابِهِ / لكان قد استوفى جميعَ المصائبِ
ومن صَدَق الأخيارَ داوَوْا سقامَهُ / بصِحَّةِ آراءٍ ويُمْنِ نَقائبِ
وما زال صدقُ المستشير معاوناً / على الرأي لُبَّ المستشار المحازِبِ
وأبعدُ أدواءِ الرجالِ ذوي الضّنى / من البرء داءُ المستطِبِّ المكاذبِ
فلا تنصبنَّ الحربَ لي بملامتي / وأنت سلاحي في حروب النوائبِ
وأجدى من التعنيف حسنُ معونةٍ / برأيٍ ولينٍ من خطابِ المخاطبِ
وفي النصح خيرٌ من نصيحٍ مُوادِعٍ / ولا خيرَ فيهِ من نصيحٍ مُواثبِ
ومثليَ محتاجٌ إلى ذي سماحةٍ / كريمِ السجايا أريحيِّ الضرائبِ
يلينُ على أهلِ التسحُّب مَسُّهُ / ويقضي لهم عند اقتراح الرغائبِ
له نائلٌ ما زال طالبَ طالبٍ / ومرتادَ مرتادٍ وخاطبَ خاطبِ
ألا ماجدُ الأخلاقِ حُرٌّ فَعالُهُ / تُباري عطاياهُ عطايا السحائبِ
كمثل أبي العباس إنَّ نوالَهُ / نوال الحيا يسعى إلى كلِّ طالبِ
يُسيِّر نحوي عُرْفَهُ فيزورني / هنيئاً ولم أركبْ صعابَ المراكبِ
يَسير إلى مُمتاحه فيجودُهُ / ويكفي أخا الإمحال زَمَّ الركائبِ
ومن يكُ مثلاً للحيا في عُلُوِّهِ / يكنْ مثلَهُ في جودهِ بالمواهبِ
وإنَّ نِفاري منه وهو يُريغني / لَشيءٌ لرأي فيه غيرُ مناسبِ
وإن قعودي عنهُ خيفةَ نكبةٍ / لَلؤمُ مَهَزٍّ وانثناءُ مَضاربِ
أُقرُّ على نفسي بعيبي لأنني / أرى الصدقَ يمحو بَيّنات المعايبِ
لَؤُمْتُ لَعمر اللَّه فيما أَتيتُهُ / وإن كنتُ من قومٍ كرام المناصِبِ
لهم حِلْمُ إنسٍ في عَرامة جِنّةٍ / وبأسُ أُسودٍ في دهاء ثعالبِ
يصولون بالأيدي إذا الحربُ أَعملتْ / سيوفَ سُريجٍ بعد أرماح زاعبِ
ولا بد من أن يَلؤُم المرءُ نازعاً / إلى الحَمَأ المسنونِ ضربة لازبِ
فقل لأبي العباس لُقِّيتَ وجهَهُ / وحَسْبُك مني تلك دعوةَ صاحبِ
أمَا حقُّ حامي عِرض مثلك أن يُرى / له الرفدُ والترفيهُ أَوْجَبَ واجبِ
أَمِنْ بعدِ ما لم تَرْعَ للمالِ حرمةً / وأسلمتَهُ للجود غيرَ مُجاذبِ
فأعطيتَ ذا سلمٍ وحربٍ وَوُصلةٍ / وذنبٍ عطايا أدركتْ كلَّ هاربِ
ولم تُشخِصِ العافين لكنْ أتتهُمُ / لُهاك جَليباتٍ لأكرمِ جالبِ
عليماً بأنّ الظَّعْنَ فيه مشقّةٌ / وأنّ أَمرَّ الربح ربحُ الجلائبِ
تُكلّفني هولَ السِّفارِ وغولَهُ / رفيقَ شتاءٍ مُقْفعِلَّ الرواجبِ
ولاسيّما حين ارتدى الماءُ كِبْرَهُ / وشاغَب أنفاسَ الصَّبا والجنائبِ
وهرَّتْ على مُستطرِقي البَرَّ قَرَّةٌ / يَمسُّ أذاها دونَ لوثِ العصائبِ
كأن تمامَ الودِّ والمدح كلَّهُ / هُوِيُّ الفتى في البحر أو في السَّباسبِ
لعمري لئن حاسَبْتني في مثوبتي / بخفضي لقد أجريتَ عادةَ حاسبِ
حَنانَيْك قد أيقنتُ أنك كاتبٌ / له رتبةٌ تعلو به كلَّ كاتبِ
فدعني من حكمِ الكتابة إنهُ / عدوٌ لحكم الشعر غيرُ مقارِبِ
وإِلّا فلَم يستعملِ العدلَ جاعلٌ / أَجَدَّ مُجدٍّ قِرْنَ أَلعبِ لاعبِ
أيعزُبُ عنك الرأيُ في أن تُثيبني / مقيماً مصوناً عن عناء المطالبِ
فتُلفى وأُلفَى بين صافي صنيعةٍ / وصافي ثناءٍ لم يُشَبْ بالمعاتِبِ
وتخرج من أحكام قومٍ تشدّدوا / فقد جعلوا آلاءهم كالمصائبِ
أيذهبُ هذا عنك يا ابن محمدٍ / وأنت مَعاذٌ في الأمور الحوازبِ
لك الرأي والجودُ اللذان كلاهما / زعيمٌ بكشف المطبِقات الكواربِ
وما زلت ذا ضوء نوءٍ لمجدبٍ / وحيرانَ حتى قيل بعضُ الكواكبِ
تغيث وتَهدي عند جدبٍ وحيرةٍ / بمحتفل ثَرٍّ وأزهر ثاقِبِ
وأحسُن عرفٍ موقعاً ما تنالُهُ / يدي وغُرابي بالنوى غيرُ ناعبِ
أراك متى ثَوَّبتني في رفاهةٍ / زففتَ إليَّ المُلْكَ بين الكتائبِ
وأنت متى ثوَّبتني في مشقّةٍ / رأيتك في شخصِ المُثيب المعاقِبِ
ولو لم يكن في العرف صافٍ مهنّأٌ / وذو كَدَرٍ والعرفُ شتَّى المَشاربِ
إذاً لم يقل أعلى النوابغِ رتبةً / لمِقوَلِ غَسّانِ الملوكِ الأَشايبِ
عليَّ لعمروٍ نعمةٌ بعدَ نعمةٍ / لوالِده ليستْ بذات عقاربِ
وما عقربٌ أدهَى من البين إنه / له لَسْعةٌ بين الحشا والترائبِ
ومن أجل ما راعى من البين قوله / كليني لهمٍّ يا أميمةَ ناصبِ
أبيتَ سوى تكلِيفك العرفَ مُعْفِياً / به صافياً من مؤذيات الشوائبِ
بل المجدُ يأبي غيرَ سَوْمِك نفسَهُ / ورفعِك عن طود المُنيل المحاسبِ
فصبراً على تحميلك الثِّقلَ كلَّهُ / وإن عزَّ تحميلُ القرومِ المَصاعبِ
ولا يعجبنَّ الناسُ من سعي متعَبٍ / مُشيحٍ لجدوى مستريح مُداعبِ
فمن ساد قوماً أوجب الطولُ أن يُرى / مُجِدّاً لأدناهُمْ وهم في الملاعبِ
ومن لم يزل في مَصْعَدِ المجد راقياً / صعابَ المَراقي نال عُليا المراتبِ
ألم ترني أتعبتُ فكري مُحكِّكاً / لك الشعرَ كي لا أُبتلى بالمتاعبِ
نَحلتُك حَلْياً من مديحٍ كأنه / هَوى كلِّ صبٍّ من عِناق الحبائبِ
أنيقاً حقيقاً أن تكون حِقاقُهُ / من الدرّ لا بل من ثُدِيِّ الكواعبِ
وأنت له أهلٌ فإن تجْزني به / أزِدْك وإن تُمْسِكْ أقفْ غيرَ عاتِب
فإن سَألتْنِي عنك يوماً عصابةٌ / شهدتُ على نفسي بسوء المناقبِ
وقلت دعاني للندى فأتيتُهُ / فأمسكَهُ بل بثَّهُ في المناهبِ
وما احتجزتْ مني لُهاهُ بحاجزٍ / ولا احتجبتْ عني هناك بحاجبِ
ولكن تَصدَّتْ وانحرفتُ لحرفتي / ففاءت ولم تظلِم إلى خيرِ واهبِ
وما قلت إلا الحقَّ فيك ولم تزل / على منهجٍ من سُنّةِ المجد لاحبِ
وإني لأشقَى الناس إن زُرَّ ملبسي / على إثمِ أفَّاكٍ وحسرةِ خائبِ
وكنتَ الفتى الحرَّ الذي فيه شيمةٌ / تَشيم عن الأحرار حدَّ المَخالبِ
ولست كمن يعدو وفي كلماتِهِ / تظلُّمُ مغصوبٍ وعدوانُ غاصبِ
يحاول معروفَ الرجالِ وإن أَبوْا / تعدَّى على أعراضهم كالمُكالبِ
وأصبح يشكو الناسَ في الشعر جامعاً / شكايَة مسلوبٍ وتسليطَ سالبِ
فلا تَحرمنّي كي تُجِدَّ عجيبةً / لقومٍ فحسبُ الناس ماضي العجائبِ
ولا تنتقصْ من قدر حظّي إقامتي / سألتك بالداعين بين الأَخاشبِ
وما اعتقلتني رغبةٌ عنك يَمَّمت / سواك ولكن أيُّ رهبة راهبِ
كأني أرى بالظعن طعنَ مُطاعِنٍ / وبالضرب في الأقطار ضربَ مضاربِ
وليس جزائي أن أَخيب لأنني / جَبُنْتُ ولم أُخْلَق عتادَ مُحارِبِ
يُطَالبُ بالإقدام من عُدَّ مُحْرَباً / وسُمِّي مذ ناغى بقودِ المَقانبِ
ولم يمشِ قيدَ الشبرِ إلا وفوقه / عصائبُ طيرٍ تهتدي بعصائبِ
فأمَّا فتىً ذو حكمةٍ وبلاغةٍ / فطالبْهُ بالتسديد وسط المَخاطبِ
أَثبني ورَفِّهني وأَجزلْ مثوبتي / وثابرْ على إدرارِ بِرِّي وواظبِ
لتأتيني جدواك وهي سليمةٌ / من العيب ما فيها اعتلالٌ لعائبِ
أثقِّلُ إدلالي لتحملَ ثِقْلَهُ / بطوع المُراضي لا بكرهِ المغاضبِ
وما طلبُ الرِّفْد الهَنيء ببدعةٍ / ولا عجبُ المُسترفدِيهِ بعاجبِ
وذاك مَزيدٌ في معاليك كلُّهُ / وفي صدقِ هاتيك القوافي السواربِ
وما حَقُّ باغيك المزيدَ انتقاصُهُ / ولاسيما والمالُ جَمُّ الحلائبِ
وأنت الذي يضحي وأدنى عطائِهِ / بلوغُ الأماني بل قضاءُ المآربِ
وتوزَنُ بالأموال آمالُ وفدِهِ / وإرفادُ قومٍ بالظنون الكواذبِ
أقمتُ لكي تزدادَ نعماك نعمةً / وتَغْنَى بوجهٍ ناضرٍ غيرِ شاحبِ
وكي لا يقولَ القائلون أثابَهُ / وعاقَبَهُ والقولُ جَمَّ المَشاعِبِ
وصَوْني عن التهجين عُرفَك موجِبٌ / مَزيدَك لي في الرفد يا ابن المَرازِبِ
بوجهك أضحى كلُّ شيءٍ منوراً / وأبرزَ وجهاً ضاحكاً غيرَ قاطبِ
فلا تبتذلْهُ في المَغاضب ظالماً / فلم تؤتَ وجهاً مثله للمغاضبِ
نشرت على الدنيا شعاعاً أضاءها / وكانت ظلاماً مُدلهِمَّ الغياهبِ
كأنك تلقاءَ الخليقةِ كلّها / مشارقُ شمسٍ أشرقتْ لمغاربِ
لِيَهنِ فتىً أطراك أنْ نال سُؤْلَهُ / لديك وأنْ لم يحتقِب وِزْرَ كاذبِ
رضا اللّهِ في تلك الحقائب والغنى / جميعاً ألا فوزاً لتلك الحقائبِ
كأني أراني قائلاً إنْ أعانني / نداك على ريب الخطوب الروائبِ
جُزيتَ العلا من مستغاثٍ أجابني / جوابَ ضَحوكِ البرقِ داني الهيادبِ
وفي مُستماحي العرفِ بارقُ خُلَّبٍ / ولامعُ رقراقٍ ونارُ حُباحبِ
تسحّبتُ في شعري ولان لجلدتي / ثراه فما استخشنتُ مسَّ المسَاحبِ
وليس عجيباً أن ينوبَ تكرُّمٌ / غذيتُ به عن آمِلٍ لك غائبِ
أقمْهُ مُقامي ناطقاً بمدائحي / لديك وقد صدّرتها بالمنَاسبِ
ذماميَ تَرْعَى لا ذمامَ سفينة / وحَقِّيَ لا حقَّ القِلاصِ الذَّعالبِ
وفي الناس أيقاظٌ لكل كريمةٍ / كأنهمُ العِقبانُ فوقَ المَراقبِ
يُراعون أمثالي فيستنقذونهم / وهم في كروبٍ جمّةٍ وذَباذبِ
إلى اللَّه أشكو غُمّةً لا صباحُها / يُنير ولا تنجاب عني بجائب
نُشوبَ الشَّجا في الحلق لا هو سائغ / ولا هو ملفوظ كذا كلُّ ناشِب
أرى الصبر محموداً وعنه مذاهبٌ
أرى الصبر محموداً وعنه مذاهبٌ / فكيف إذا ما لم يكن عنهُ مذهبُ
هناك يَحِقُّ الصبرُ والصبرُ واجبٌ / وما كان منه كالضرورة أوجبُ
فشدَّ أمرؤٌ بالصبر كفّاً فإنهُ / له عِصمةٌ أسبابُها لا تُقضَّبُ
هو المَهْربُ المُنجِي لمن أحدَقتْ بهِ / مكارِهُ دهرٍ ليس منهنّ مَهْربُ
أَعُدُّ خِلالاً فيه ليس لعاقل / من الناس إِن أُنصفنَ عنهنّ مرغبُ
لَبُوسُ جَمَالٍ جُنَّةٌ من شماتةٍ / شِفاءُ أسىً يُثنَى به ويُثَوَّبُ
فيا عجباً للشيء هذي خلالهُ / وتاركُ ما فيه من الحظّ أعجبُ
وقد يَتظنَّى الناسُ أنّ أَساهُمُ / وصبرَهُمُ فيهم طِباعٌ مركَّبُ
وأنهما ليسا كشيءٍ مُصَرَّفٍ / يُصرِّفُهُ ذو نكبةٍ حين يُنكبُ
فإن شاء أن يأسَى أطاع له الأسى / وإن شاء صبراً جاءهُ الصبرُ يُجلَبُ
ولكن ضروريان كالشيء يُبتلى / به المرءُ مَغْلوباً وكالشيء يذهبُ
وليسا كما ظنوهما بل كلاهما / لكل لبيبٍ مستطاعٌ مُسبَّبُ
يُصرِّفه المختارُ منا فتارةً / يُرادُ فيأتي أو يُذادُ فيذْهبُ
إذا احتج محتجٌ على النفس لم تكد / على قَدَرٍ يُمنَى لها تتعتّبُ
وساعَدَهَا الصبرُ الجميلُ فأقبلتْ / إليها له طوعاً جَنائبُ تُجنَبُ
وإنْ هو منَّاها الأباطيل لم تزل / تُقاتل بالعَتْبِ القضاءَ وتُغلَبُ
فَتُضحي جزوعاً إن أصابتْ مصيبةٌ / وتُمسي هلوعاً إن تَعذَّرَ مَطلبُ
فلا يَعذِرنَّ التاركُ الصبرَ نفسَهُ / بأن قيلَ إنَّ الصبرَ لا يُتكسَّبُ
إذا دام للمرء السوادُ ولم تَدُمْ
إذا دام للمرء السوادُ ولم تَدُمْ / غَضارتُهُ ظنَّ السوادَ خضابا
فكيف يظنُّ الشيخُ أن خضابَهُ / يُظَّنُّ سواداً أو يُخالُ شَبابا
حماهُ الكَرى همٌّ سرى فتأوَّبا
حماهُ الكَرى همٌّ سرى فتأوَّبا / فبات يُراعي النجم حتى تَصوَّبا
أعينيَّ جودا لي فقد جُدْتُ للثرى / بأكثرَ مما تَمنعانِ وأطيبا
بُنِيَّ الذي أهديتُهُ أمسِ للثرى / فلِلّهِ ما أقوى قَناتي وأصلَبا
فإن تمنعاني الدمعَ أرجعْ إلى أسىً / إذا فَتَرتْ عنه الدموعُ تلهَّبا
أبا حسنٍ لا زلتَ منّا على قُربِ
أبا حسنٍ لا زلتَ منّا على قُربِ / على غير تلك الحالِ في الخوفِ والرعبِ
سقى اللَّهُ أيامَ الصيام وإن مضتْ / بغير الذي نهوى من الأكل والشربِ
على أنها قد أحسنت في اجتماعنا / وإدنائها قلباً يميلُ إلى قلبِ
أَقلِّبُ طَرفي في ربيعٍ مُبَكِّر / من العلمِ والآدابِ تترى وفي الكتب
لقاؤك للأبدان روح وراحةٌ / وما كل من تلقاهُ بعدك ذا لُبِّ
صرفتَ قلوبَ الناسِ عن كلِّ صاحبٍ / إليك بما أُلبستَ من قِلَّةِ العُجْبِ
إذا نحن فارقنا حديثَك خِلتَنا / نَردُّ إلى الأسماع نوعاً من السَّبِّ
وإن نحن عبّرنا عن الحقِّ قصَّرَتْ / حُلُومُ أناسٍ عن مقامي وعن ذبّي
صفا لك شِربُ العيشِ غيرَ مُثَرَّبِ
صفا لك شِربُ العيشِ غيرَ مُثَرَّبِ / ولا زلتَ تسمو بين بدرٍ وكوكَبِ
تُدبّرُ أمرَ المُلكِ غيرَ مُعنَّفٍ / وتُؤثرُ أمرَ اللَّهِ غيرَ مؤنَّبِ
وتَجبي إلى السلطان أوفى خَراجِهِ / وتكسبُ حمدَ الناسِ من خيرِ مكسَبِ
أحين أَسرتُ الدهرَ بعد عُتوّهِ / وفلَّلتُ منه كلَّ نابٍ ومخلبِ
فأصبحتُ مَكفيّاً همُومي مُزايلاً / غمومي مُوقّىً كُلَّ سوءٍ ومَعطبِ
ولم يبقَ لي إلا تمنِّي بقائِهِ / على الدهرِ ما أرستْ قواعدُ كبكبِ
تهضّمُني أنثى وتَغصِبُ جَهرةً / عَقارى وفي هاتيك أعجبُ مَعْجبِ
لقد أَذكرتْني لامرىءِ القيس قولَه / فإنك لم يَغْلبك مثلُ مُغلَّبِ
وما قَهْرُ أنثى قِرنَ جِدٍّ ولم تكن / لتقهر إلا قِرنَ هزل وملعبِ
عرفنا لها غَصْبَ الغَرير حُقوقَهُ / فما غضبُها حقَّ الحكيم المُدرّبِ
لها كلُّ سلطانٍ على قلبِ أمردٍ / ولم تعطُ سلطاناً على قلب أشيبِ
إليكم شكاتي آل وهب ولم تكن / لتَصمِدَ إلا للوزير المهذَّبِ
لعمري لقد أَعتطيتُمُ العدل حقَّهُ / فلا يتجاوزْهُ ولا يتعتّبِ
له أن يَذُبَّ الليثَ عن ظلم ثعلبٍ / وليس له إذلالُ ليثٍ لثعلبِ
أجِرْني وزيرَ الدين والملك إنني / إليك بحقي هاربٌ كلّ مَهْربِ
توثّبَ خصمٌ واهنُ الركن والقُوى / على أيِّدِ الأركان لم يتَوثّبِ
هو النُّكرُ من وجهين غَصبٌ وبدعةٌ / وفي النكر من وجهين موضعُ مَعْتبِ
وكم غَضبتْ للحقّ منك سجيةٌ / تؤدّب بالتنكير من لم يُؤدَّبِ
فلا تسلمَنّي للأعادي وقولهم / ألا من رأى صقراً فريسةَ أرنبِ
أريد ارتجاعَ الدار لي كيف خَيَّلتْ / بِحُكمٍ مُمِرٍّ أو بلطفٍ مُسبَّبِ
وإن انتزاعَ الحقّ من كفّ غاصبٍ / وقد نَشَبتْ أظفارُهُ كلَّ مَنْشبِ
لَخُطَّةُ فَصلٍ من سديدٍ قضاؤُهُ / وخُطَّةُ فضلٍ من كريمِ المُرَكَّبِ
وإن انتظامَ الفصلِ والفضلِ في يدٍ / لشيءٌ إلى السادات جِدُّ مُحبَّبِ
فرأيك في تيسير أمري بعَزْمةٍ / كوقعةِ مسنونِ الغرارين مِقْضَبِ
وتاللَّه لا أرضى بردّ ظُلامتي / إلى أن أرى لي ألفَ عبدٍ ومركَبِ
وقد ساءني أَنِّي مُحبٌّ مُقرَّبٌ / وأَنْ ليس لي إذنُ المحبّ المقرَّبِ
فماليَ في قلبِ الوزير مُرتَّباً / وفي داره حيرانَ غيرَ مرتّبِ
ولا بد لي من رتبةٍ تُرغمُ العدا / وتسهيل إذنٍ بين أهل ومَرْحبِ
ولو لم أؤملْ منك ذاك وضِعْفهُ / ذهبتُ من التأميل في غير مذهَبِ
فلا ينكرنّ المنكرون تسحّبي / فلولا الجَنابُ السّهلُ لم أتسحَّبِ
أتيتُكَ لم أقصِدْ إلى غير مَقصِدٍ / بأمري ولم أرغبْ إلى غير مَرغَبِ
ولي منك آمالٌ عريضٌ مُرادُها / وواللَّهِ لا كانتْ مطامعَ أشعبِ
فإن أنتَ صدَّقت الرجاءَ ببُغيتي / فكم من رجاءٍ فيك غيرِ مكذَّبِ
وقد صدّق اللَّهُ الرجاءَ وإنما / طلبتُ مزيدَ الخيرِ من خيرِ مَطْلبِ
وعِشْ عيشَ مغشيِّ الفِناءِ محجَّبٍ / جَدا كفِّه في الناس غيرُ محجَّبِ