المجموع : 24
أَقِلّا مَلامي فَالحَديثُ طَويلُ
أَقِلّا مَلامي فَالحَديثُ طَويلُ / وَمِن عادَةٍ أَلّا يُطاعَ عَذولُ
إِذا المَرءُ لَم يَفرِج لَهُ الشَكَّ عَزمُهُ / وَلَم يَستَبِدَّ الأَمرَ فَهوَ ضَئيل
وَما اِستَنزَلَتني صَبوَةٌ عَن صِيانَةٍ / وَلكِنَّني مَع عِفَّتي سَأَقول
رَعى اللَهُ جيرانَ الشَبابِ وَعَهدَهُ / وَرَوّاهُ مِن نوءِ السِماكِ سَجيلُ
فَقَد كانَ لي فيهِ إِلى الأُنسِ مَسرَحٌ / وَقَد كانَ لي فيهِ سُرىً وَمَقيلُ
مَعاهِدُ أَفراحٍ وَمَوطِنُ لَذَّةٍ / إِذِ العَيشُ غَضٌّ وَالزَمانُ غفولُ
فَدَع ذِكرَ أَيّامِ الشَبابِ وَطيبِهِ / فَما حالَةٌ إِلّا وَسَوفَ تَحولُ
وَقُل حَبَّذا وَخدُ الرَكائِبِ بِالضُحى / إِذا اِخرَوَّطَت بَعدَ الحُزونِ سُهول
وَيا حَبَّا تَهويمَةٌ تَحتَ ضالَةٍ / إِذا قيلَ فيءُ الظُهرِ كادَ يَميلُ
وَتَمزيقُ جَلباتِ الظَلامِ إِذا سَجى / بِعيسٍ نَماها شَدقَمٌ وَجَديلُ
تُناهِبُ أَجوازَ الفَلا بِمَناسِمٍ / لِصُمِّ الحَصى مِن وَقعِهِنَّ صَليلُ
يُفَضِّضُ مُرفَضُّ اللُغامِ خُدودَها / كَما ذَهَّبَت أَخفافُهُنَّ هُجول
نَؤُمُّ بِها البَيتَ الحَرامَ لَعَلَّهُ / يُحَطُّ بهِ وِزرٌ هُناكَ ثَقيل
هُوَ الحرَمُ الأَمنُ الذي مَن يَحُلُّهُ / فَلَيسَ لِذي حِقدٍ عَلَيهِ سَبيلُ
فَكَم عَثرَةٍ فيهِ تُقالُ وَتائِبٍ / يُحَطُّ مِنَ الأَوزارِ عَنهُ حُمولُ
وَكَم عَبرَةٍ فيهِ تُذالُ وَزَفرَةٍ / لَها وَهَجٌ بَينَ الضُلوعِ دَخيلُ
فَمُنَّ إِلهي بِالقَبولِ عَلى الذي / أَتى زائِراً فَالفَضلُ مِنكَ جِزيلُ
وَحُط دينَنا وَاِنصُرهُ نَصراً مُؤَيَّداً / بِمَن رَايُهُ في المُسلِمينَ جَميلُ
بِمَن كانَ لِلدُنيا وَلِلدّينِ راعِياً / بِسُمرِ العَوالي حَيثُ قامَ دَليلُ
أَصيلُ الحِجى ماضي العَزيمَةِ مالَهُ / إِذا هَمَّ إِلّا المَشرَفِيُّ خَليلُ
يُجاهِدُ دونَ الخَلقِ في اللَهِ طالِباً / رِضاهُ وَيَعفو عَنهُمُ وَيُنيلُ
وَيَركَبُ أَخطارَ المَهلِكِ عالِماً / بِأَنَّ المَعالي دونَهُنَّ وُحولُ
أَقامَ مَنارَ الشَرعِ في الشَرقِ وَاِغتَدَت / إِلى الغَربِ مِنهُ هِمَّةٌ وَصُؤولُ
وَجَلَّلَ وَجهَ وَجهَ الأَرضِ خُفّاً وَحافِراً / نُجومُ سَماهُ ذُبَّلٌ وَنُصولُ
فَأَدرَكَ ثَأَرَ الدينِ مِن كُلِّ مارِقٍ / وَأَحيا رُسومَ المَجدِ وَهيَ طُلولُ
وَطَهَّرَ بَيتَ اللَهِ مِن كُلَّ بِدعَةٍ / أَكَبَّ عَلَيها مُدَّعٍ وَجَهولُ
فَأَصبَحَ وَجهُ الحَقِّ جَذلانَ باسِماً / وَأَصبَحَ في وَجهِ الضَلالِ ذُبول
وَمَن يَكُ دينُ اللَهِ سائِسَ أَمرِهِ / وَيَنبَعُ قالَ اللَهُ قالَ رَسولُ
فَأَحرِ بِهِ أَن يَبلُغَ السُؤلَ وَالمُنى / وَيَحظى بِدارِ الخُلدِ حينَ يَؤولُ
لَكَ اللَهُ يا عَبدَ العَزيزِ بنَ فَيصَلٍ / مُعينٌ عَلى نَصرِ الهُدى وَوَكيلُ
فَأَنتَ الذي أَيَّدتَ سُنَّةَ أَحمدٍ / وَأَحكَمتَ حَبلَ الدينِ وَهوَ سَحيلُ
وَأَعلَيتَ بَيتَ المَكرُماتِ الذي بهِ / ظِلالٌ يَكُنُّ المُسلِمينَ ظَليلُ
مَحامِدُ كانَت في سَما المَجدِ أَنجُماً / ثَوابِتَ لا يَعرو لَهُنَّ أُفولُ
تَسيرُ مَسيرَ الريحِ في كُلِّ وُجهَةٍ / وَتُصغِيَ آذانٌ لَها وَعُقولُ
فَبِالمَشرِقِ الأَقصى بِهِنَّ مَفاخِرٌ / وَبِالمَغرِبِ الأَقصى لَهُنَّ قَبيلُ
وَإِن ثارَ حَربٌ لا يُنادي وَليدُها / شَروبٌ لِأَشلاءِ الكِرامِ أَكول
أَقَمتَ لَها سوقاً مِنَ النَقعِ قاتِماً / بِهِ ذاكَ مَجروحٌ وَذاكَ قَتيل
بِجُردٍ يُعالِكنَ الشَكيمَ عَوابِساً / لَها مَرَحٌ تَحتَ القَنا وَصَهيلُ
مَتى ما تُصَبِّح دارَ قَومٍ بِغارَةٍ / فَفي دارِ قَومٍ آخَرينَ تَقيلُ
عَلَيهِنَّ مِن عُليا رَبيعَةَ فِتيَةٌ / فُروعٌ أَجادَت غَرسَهُنَّ أُصولُ
هُمُ يَستَطيبونَ المَنايا كَأَنَّما / يَهُزُّهُمُ نَحوَ الطِعانِ شَمولُ
فَكَم فَرَّجَت مِن غُمَّةِ لَم يَكُن لَها / سِوى اللَهِ ثُمَّ المَشرَفِيِّ مُزيلُ
إِذا ما رَمى الشَأوَ البَعيدَ ذَرَعنَهُ / بِهِ ناجِياتٌ سَيرُهُنَّ ذَميلُ
جَحافِلُ يَترُكنَ الرَوابي سَباسِباً / يَسوقُ الرَعيلَ المُسبَطِرَّ رَعيلُ
تَظَلُّ عَلَيهِنَّ القَشاعِمُ عُكَّفاً / لِما عُوِّدَت أَنَّ القَبيلَ أَكيلُ
فَقُل لِلذي يَبغي خِلافَ الذي مَضى / رُوَيداً فَمَرعى الناكِثينَ وَبيلُ
سَتَعلمُ غِبَّ الأَمرِ إِن كُنتَ فاعِلاً / بِما سَوفَ تَلقاهُ وَأَنتَ ذَليلُ
فَكَم جاهِلٍ ظَنَّ البُغاثَ جَوارِحاً / وَأَنَّ الخَواويرَ العِشارَ فُحولُ
فَظَلَّ يُلَوّي ليتَهُ مُتَمَتِّعاً / عَلى زَعمِهِ في حِصنِهِ وَيَقولُ
مَتى يَأتِني جَيشُ الإِمامِ فَإِنَّهُ / بِكَفَّيَّ ماضي الشَفرَتَينِ صَقيلُ
فَلَمّا رَآها كَالجَرادِ مُغيرَةً / لَها رَهَجٌ في الخافِقَينِ يَهولُ
تَوَلّى يَوَدُّ الأَرضَ ساخَت بِجِسمِهِ / قُصارى جَداهُ زَفرَةٌ وَعَويلُ
فَلِلَّهِ يَاِبنَ الأَكرَمينَ فَضائِلاً / حَوَيتَ وَمَجداً ذِكرُهُ سَيَطولُ
وَخُلِّفتَ فينا لا عَدِمناكَ حازِماً / هُماماً لِخَلّاتِ الكِرامِ فَعولُ
زِمامُ عُلاً لكِن بِكَفِّكَ ثَنيُهُ / وَثَجّاجُ جودٍ مِن نداكَ يَسيلُ
هُوَ الأَريُ لِلعافينَ ليناً وَشيمَةً / وَسُمٌّ ذُعافٌ لِلعَدُوِّ يَغولُ
رَكوبٌ لِأَثباجِ المَعالي بِعَزمَةٍ / تَخوضُ المَنايا وَالدِماءُ تَسيلُ
سُعودٌ أَدامَ اللَهُ سَعدَكَ وَاِرتَقى / بِعَلياهُ حَظٌّ باسِقٌ وَقُبولُ
سَتَرضاهُ في الهَيجا اِشتَجَرَ القَنا / وَقَلَّ المُحامي وَالحِفاظُ قَليلُ
وَتَرضاهُ في الرَأيِ المُصيبِ إِذا هَفَت / حُلومٌ وَرُدَّ الرَأيُ وَهوَ كَليلُ
فَشُدَّ بِهِ أَزرَ الخِلافَةِ إِنَّهُ / جَديرٌ بِما رَشَّحتَهُ وَكَفيلُ
فَفيهِ وَلا نَعدَمكَ مِنكَ مَخايِلٌ / سَيَعلو لَهُ ذِكرٌ بِها وَيَطولُ
وَجَرَّبتُ هذا الناسَ شَرقاً وَمَغرِباً / أُحَدِّدُ فيهِم فِكرَتي وَأُجيلُ
فَمَحَّضَني تَقليبُهُم وَاِختِبارُهُم / بِأَنَّكَ فَردٌ وَالأَنامُ شُكولُ
وَدونَكَها مَحبوكَةَ اللَفظِ طَلقَةً / تَظَلُّ بِأَقطارِ البِلادِ تَجولُ
تُباهي بِكَ الشُعّارَ في كُل مَوطِنٍ / سَواءٌ لَدَيها مُقصِرٌ وَمُطيلُ
فَأَنتَ الذي أَلبَستَني مِنك نِعمَةً / لَها في قُلوبِ الحاسدينَ غَليلُ
يُحَدِّثُ عَنها سامِعٌ وَمُبَلِّغٌ / وَتَسري كَما تَسري صَباً وَقُبولُ
فَإِن تُبقِني الأَيّامُ تَسمَع بِمِثلِها / وَفي عُمرِكَ الباقي وَعِزِّكَ طولُ
وَصَلِّ إِلهي ما شَدا الوُرقُ أَو هَمى / عَلى الأَرضِ رَجّاسُ السَحابِ هُمولُ
عَلى المُصطَفى وَالآلِ الصَحبِ كُلِّهِم / وَمَن بِهُداهُ يَهتَدي وَيَقولُ
أَمِن أَجلِ أَن بانَ الخَليط المُلائِمُ
أَمِن أَجلِ أَن بانَ الخَليط المُلائِمُ / دَعاكَ الهَوى وَاِستَجهَلتكَ المَعالمُ
فَخَفِّض عَليكَ الهَمَّ تَحظَ بِراحَةٍ / فَما نالَ خَفضَ العَيشِ إِلّا المُسالمُ
وَدَع عَنكَ تَسويفَ الأَماني فَإِنَّها / خَوادِعُ لا يُصغي إِلَيهِنَّ حازِم
وَأَدنِ لِقَطعِ هَوجاءَ ضامِراً / فَما العِزُّ إِلّا أَن تَخُبَّ الرَواسِمُ
إِذا ما أَحسَّت نَبأَةً مِن مُحَدِّثٍ / تَقولُ أَعارَتها الجَناحَ النَعائِم
نَزورُ فَتىً أَحيا المَكارِمَ بَعدَما / مَضى زَمَنٌ وَهيَ العِظامُ الرَمائِمُ
سُعودَ بَني الدُنيا سَليلَ إِمامِها / مَليكاً تَرَبَّتهُ المُلوكُ الأَعاظِم
فَتىً أَريحِيَّ النَفسِ يَهتَزُّ لِلنَدّى / وَيَعلَمُ أَنَّ البَخلَ لِلمَجدِ هادِمُ
فَتىً كانَ يُعطي السَيفَ في الرَوعِ حَقَّهُ / إِذا لَم يَكُن إِلّا السُيوفَ مَعاصِم
فَتىً لَم يَبِت لَيلاً يُسامِرُ مِزهَراً / وَلا تَتَصاباهُ الحِسانُ النَواعِم
وَلكِنَّهُ بِالمَجدِ صَبٌّ مُوَلَّعٌ / يَرومُ أُموراً دونَهُنَّ مَقاحِمُ
فَتىً أَورَثَتهُ المَجدَ آباؤُهُ الأولى / وَبَذلُ النَدى وَالمُرهَفاتُ الصَوارِمُ
فَهُنَّ مَفاتيحُ العُلى وَعِمادُها / إِذا سَجَدَت يَوماً لهُنَّ الجَاجِمُ
أَلَيسَ مِن القَومِ الذي طارَ ذِكرُهُم / بِبَذلِ اللُهى وَالبَأسِ وَالجَوُّ قاتِمُ
إِذا سُئِلوا المَعروفَ كانَت أَكُفُّهُم / سَحائِبَ لكِن وَبلُهُنَّ الدَراهِمُ
وَإِن غَضِبوا فَالمَوتُ بَعضُ عِقابِهِم / وَتُستَلُّ مِنهُ بِالخُضوعِ السَخائِمُ
لَكَ المُلكُ إِرثاً مِن أَبيكَ وَمَكسَباً / وَهل تَلِدُ الأشبالَ إِلّا الضَراغِمُ
أَلَيسَ أَبوكَ العَبقَرِيُّ بنُ فَيصلٍ / هُماماً تَرَبَّتهُ العُلى وَهيَ رائِمُ
لَبِسنا به الأَيّامَ رَهواً عُبابُها / وَهَبذَت رُخاءً وَهيَ سَخمٌ سَمائِمُ
لَه نَفَحاتٌ مِن عِقابٍ وَنائِلٍ / بِها يَسعدُ المَولى وَيَشقى المُقاوِم
حَليمٌ إِذا ما كانَ لِلحِلم مَوضِعٌ / وَلِلجاهِل المَغرورِ داءٌ مُلازِم
عَفُوٌّ عَن الجاني إِذا جاءَ تائِباً / وَإِن عَظُمَت مِنهُ إِلَيهِ الجرائِم
وَكَم لكُمُ يَوما أَغَرَّ مُحَجَّلاً / به العَربُ اِنقادت لكُم وَالأَعاجِمُ
جَعَلتُم رِياضَ المَجدِ للنّاسِ مَوسِماً / فَحَجّوا وَما زالَت تُحَجُّ المَكارِم
يَروحونَ تَشكو عيسُهُم ثِقل رِفدِهِم / مَغانِمُ مِنكُم وَهيَ فيهِم مَغارِمُ
وَلِعتُم بِأَخذِ المَجدِ مِن مُستَقَرِّهِ / وَلو كَظَمتهُ في لَهاها الأَراقِمُ
فِداكُم رِجالٌ دونَ أَعناقِ مالهِم / مَغاليقُ أَقفالٍ عَلَيها خَواتِمُ
إِمامَ الهُدى إِنَّ السَعادَةَ لاحَظَت / سُعوداً وَلم تُعقَد عَلَيهِ التَمائِمُ
تَباشَرَتِ الدُنيا به حينَ بَشَّرَت / قَوابلهُ وَاستَقبَلَتهُ المَغانِمُ
فَمَهما تُرَشِّحهُ لِأَمرٍ فَإنَّهُ / مَليءٌ بِما يُرضيكَ وَالسِنُّ باسِمُ
وَيَكفيكَ مِنه أَنَّهُ لَم يَكُن له / مِنَ الناسِ في الأَرضِ العَريضَةِ لائِم
تَوَشَّحَ بِالمَجدِ الصَميمِ وَشَمَّرَت / بهِ لِاِبتِناءِ المَكرُماتِ العَزائِم
تَلاقَت عَليهِ مِن نِزارٍ ويَعرُبٍ / بُيوتٌ لها هامُ المُلوكِ دَعائِم
فَكَم فَلَقوا مِن هامَةٍ تَحتَ قَونَسٍ / وَكَم طَعَنوا حَيثُ اللها وَالغَلاصِمُ
وَما المَجدُ إِلّا هِمَّةٌ وَوِراثَة / وَقد جُمِعا فيه وَذو الضِغنِ راغِمُ
وَأزكى صلاةٍ مع سَلامٍ على الذي / به شَرُفَت بينَ العَوالم هاشِمُ
محمدٍ الهادي الشَفيعِ وَآلهِ / وَأَصحابه ما جَبَّرَ الشِعرَ ناظِمُ
قُدومٌ حَكى وَشيَ الرَبيعِ المُنَمنا
قُدومٌ حَكى وَشيَ الرَبيعِ المُنَمنا / وَأُرِّجَ أَوجُ الكَونِ لَمّا تَنَسَّما
وأَشرَقَتِ الدُنيا ضِياءً وَأُلبِسَت / مِنَ الحُسنِ بُرداً بِالسَعادَةِ مُعلَما
وَعاوَدَ نَجداً ما مَضى مِن شَبابِها / وَراجَعَها مِن حُسنِها ما تَقَدَّما
سِراجُ هُدىً عَمَّ الحِجازَ بِنورِهِ / وَأَشرَقَ ما ضَمَّ الحَطيمَ وَزَمزَما
فَلِلَّهِ كَم حَقٍّ أَقامَ وَباطِلٍ / أَزالَ وَكَم جودٍ أَفاضَ وَأَسجَما
وَفي مَسجِِ المُختارِ طالَ مُقامُهُ / وَصَلّى عَلَيهِ مِن قَريبٍ وَسَلَّما
وَأَوضَحَ مِن مِنهاجِهِ كُلَّ دارِسٍ / وَجَدَّدَ مِن آثارِهِ ما تَثَلَّما
مَهابِطُ وَحيٍ قُدِّسَت مِن مَآثِمٍ / وَمِن بِدَعٍ كانَت إِلى الشَرِّ سُلَّما
وَطابَ لِأَهلِها المُقامُ بِطيبَةٍ / وَقَد شُرِّدوا مِنها فُرادى وَتَوءَما
وَأَسبَلَ فيهِم مِن شَيِبِ جودِهِ / سِجالاً أَراشَت كُلَّ مَن كانَ مُعدِما
فَكَم مِن ضَعيفٍ مِن يَتيمٍ وَأَرمَلٍ / يُنادي إِذا ما جَنَّهُ اللَيلُ مُظلِما
إِلهي أَدِم نَصرَ الإِمامِ وَعِزَّهُ / وَأَيَّدَهُ بِالتَوفيقِ يا رافِعَ السَما
فَقَد كانَ لِلمُحتاجِ كَهفاً وَمَوئِلاً / وَقَد كانَ لِلطّاغي حُساماً مُصَدَّما
فَلَمّا اِستَقَرَّت بَعدَ ما أَلقَتِ العَصا / وَأُمِّنَتِ الأَسبالُ وَالشَرعُ حُكِّما
تَوَجَّهَ لِلدّارِ التي عَمَرَت بِهِ / على الطائِرِ المَيمونِ سارَ وَخَيَّما
فَلِلَهِ هذا المَجدُ كَيفَ تَفَرَّعَت / بَواسِقُهُ شَرقاً وَغَرباً وَمَشأَما
إِمامَ الهُدى إِنَّ المَدائِحَ فيكُمُ / فَخارٌ لِمُطريكُم وَلَو كانَ مُفحَما
أَلَستَ لِهذا الدينِ رُكناً وَلِلعُلا / مَناراً وَلِلأَيّامِ عيداً وَمَوسِما
فَيَوماكَ يَومٌ بِالمَواهِبِ ماطِرٌ / وَيَومٌ بِهِ الأَسيافُ يَرعُفنَ بِالدِما
فَكَم ناكِثٍ أَهوى لِسَيفِكَ ساجِداً / وَلَم يَكُ ذا طُهرٍ وَلا مُتَيِّما
وَإِنَّ أَميرَ المُؤمِنينَ لَكافِلٌ / لِباغي الهُدى التَعليمَ حَتّى يُفَهَّما
وَمَن لا يُرِد إِلّا الشِقاقَ فَإِنَّهُ / كَفيلٌ لَهُ أَن يَجعَلَ السَوطَ مخذَما
فَلا يَغتَرِر قَومٌ رَفَعتَ جُدودَهُم / وَأَولَيتَهُم مِن سَيبِ جَدواكَ أَنعُما
فَكَم شَرَقٍ بَعدَ الزُلالِ وَغُصَّةٍ / تُذيقُ العِدى مِن جُرعَةِ المَوتِ عَلقَما
وَمَن ثاوَرَ الأُسَدَ الضَواري جَعَلنَهُ / لِأَشبالِها تَحتَ الأَظافِرِ مَطعَما
وَمَن سَلَّ سَيفَ البَغيِ أَصبَحَ حَتفُهُ / بِشَفرَةِ ما قَد سَلَّ أَو سَهمِ ما رَمى
وَكَم قادِحٍ ناراً فَكانَ وَقودَها / إِذا حَسَّهُ مِنها شَواظٌ تَنَدَّما
عَفَوتَ عَنِ الجانينَ فَضلَ تَكَرُّمٍ / وَلا عَفوَ إِلّا أَن يَكونَ تَكَرُّما
سَجِيَّةُ مَطبوع عَلى الخَيرِ لَم يَبِت / يُلاحِظُ أَعجازَ الأُمورِ تَلَوُّما
أَناةً وَحِلماً وَاِنتِظاراً بِهِم غَداً / وَإِلّا فَلا وانٍ وَلا مُتَوَهِّما
كَذاكَ المَعالي لا يَرومُ بِناءَها / سِوى مَن يَعُدُّ الحَمدَ ذُخراً وَمَغنَما
وَإِنَّ النَدى إِن لَم يَكُن يَدفَعُ الأَذى / يَكُن وَضعُ حَدِّ السَيفِ في الأَمرِ أَحزَما
وَخَصَّكَ رَبُّ العَرشِ بِالمُلكِ مِنَّةً / وَمَن قَدَّمَ الرَحمنُ كانَ المُقَدَّما
أَمَدَّكَ بَعدَ اللَهِ قَلبٌ مُشَيِّعٌ / وَهِمَّةُ مِقدامٍ عَلى ما تَيَمَّما
وَيَومَ كَسَوتَ الجَوَّ فيهِ قَساطِلاً / أَعادَ النَهارَ المُشرِقَ النورِ مُظلِما
مَلَأتَ بهِ الأسماعَ رَعداً سَماؤُهُ / عَلى كُلِّ باغِ قَد طَغى تُمطِرُ الدِما
فَما تَنطِقُ الأَسيافُ إِلّا تَصَلصُلاً / وَلا تَنطِقُ الأَبطالُ إِلّا تَغَمغُما
وَكَم خَدَجَت فيهِ الجِيادُ مِهارَها / وَعادَ كُمَيتُ اللَونِ مِنها مُسَوَّما
وَلَم يَعرِفِ الناعي الحَميمُ حَميمَهُ / غَداةَ رَآهُ بِالغُبارِ مُلثَّما
فَإِن أَصحَروا فَالخَيلُ قَيدُ شَريدِهِم / وَإِن حَصَنوا ذابوا لُحوماً وَأَعظُما
أَقَمتَ بِهِ عَرشَ الهُدى بَعدَ ما هَوى / وَقَوَّمتَهُ بِالبيضِ حَتّى تَقَوَّما
أَلا في سَبيلِ اللَهِ نَفسٌ عَزيزَةٌ / سَمَحتَ بِها في المَأزِقِ الضَنكِ مُقدِما
إِمامُ هُدىً ما اِعتَمَّ بِالتاجِ مِثلُهُ / وَلا عُدَّ أَندى مِنهُ كَفّاً وَأَكرَما
وَلا قادَها جرداً إِلى حَومَةِ الوَغى / وَأَنعَلَها هامَ المُلوكِ المُعَظَّما
كَمِثلِكَ يا عَبدَ العَزيزِ بنَ فَيصَلٍ / وَإِن أَطنَبَ الشُعّارُ فيمَن تَقَدَّما
وَإِنَّ اِمرءًا لَم يَعتَقِد لَكَ بيعَةً / وَيُمسي بِأَمرِ اللَهِ راضٍ مُسَلِّما
لَفي حيرَةٍ مِن دينِهِ أَو مُعانِدٌ / وَبِئسَ لَعمري مَورِداً مُتَوَخِّماً
أَلَيسَ أَطيعوا اللَهَ ثُمَّ رَسولَهُ / كذاكَ وَلِيَّ الأَمرِ أَمراً مُحمدّاً
وَقَد حَضَّ خَيرُ المُرسَلينَ محمدٌ / عَلى قَتلِ مَن شَقَّ العَصا كَيفَما اِنتَمى
وَمَن لا يُفَكِّر في العَواقِبِ رُبَّما / هَوى في مَهاوي جَهلِهِ مُتَنَدِّما
وَإِنَّ سَراةَ المَجدِ مِن آلِ مُقرِنٍ / هُمُ لِلعُلا كانوا ذِماماً وَمَحرَماً
أَبَوا يَتَوَلّاها سِواهُم وَشَرَّعوا / دُوَينَ حِماها السَمهَرِيَّ المُقَوَّما
أَحَلَّتهُمُ دارَ العَدوِ رِماحُهُم / وَبَذلُهُمُ المالَ النَفيسَ المُفَخَّما
أولئِكَ من لا يُحسِنُ الطَعنَ غَيرُهُم / إِذا كانَ وَجهُ الكَونِ بِالنَقعِ أَقتَما
فَلا مَجدَ إِلّا مَجدُهُم كانَ قَبلَهُ / وَلا جودَ إِلّا مِن نَداهُم تَعَلَّما
وَصَلِّ إلهَ العالَمينَ مُسَلِّماً / عَلى خَيرِ مَن صَلّى وَصامَ وَأَحرَما
مُحمدٍ الهادي الأمينِ وَآلِهِ / وَأَصحابِهِ ما سَحَّ غَيثٌ وَما هَمى
مَنالُ العُلى إِلّا عَلَيكَ مُحَرَّمُ
مَنالُ العُلى إِلّا عَلَيكَ مُحَرَّمُ / وَكُلُّ مَديحٍ في سِواكَ يُذَمَّمُ
وَلا مَجدَ إِلّا قَد حَوَيتَ أَجَلَّهُ / وَلا فَضلَ إِلّا أَنتَ فيهِ المُقَدَّمُ
وَمَن يَعتَقِد غَيرَ الذي جاءَ نَصُّهُ / لَكُم في كِتابِ اللَهِ لا شَكَّ يَأثَمُ
أَلَستُم أَقمتُم مَيلَ نَهجِ مُحمدٍ / وَقَد كادَ يَعفو أَو يَبيدُ وَيَهرمُ
سَيَأتي قَتيلُ الطَفِّ في الحَشرِ شاهِداً / بِهذا وَحِجرٌ وَالمَقامُ وَزَمزَمُ
غَداةَ كَسَوتُم كَعبَةَ اللَهِ وَاِعتَلى / بِأَبطَحِها الدينُ القَويمُ المُعَظَّمُ
وَلَم يَبقَ فيها قُبَّةٌ أَو ذَريعَةٌ / إِلى الشِركِ إِلّا وَهيَ تُمحى وَتُهدَمُ
مَعالٍ مَتى تُذكَر تَصاغَرَ عِندَها / مَعالي مُلوكٍ أُخِّروا أَو تَقَدَّموا
فَلا مَجدَ إِلّا خَشيَةُ اللَهِ وَالتُقى / وَلا فَخرَ إِلّا الشَرعُ فيهِ المُقَدَّمُ
لِيَهنِكَ يا عَبدَ العَزيزِ بنَ فَيصَلٍ / مَغانِمُ تُدعى وَهيَ في الأَجرِ مَغنَمُ
إِذا شَقَّ أَمرَ المُسلِمينَ مُضَلِّلٌ / فَأَنتَ لَهُ المَوتُ الزُؤامُ المُحَتَّمُ
دَلَفتَ لَهُ قَبلَ الشُروقِ بِفَيلَقٍ / أَحَمَّ الرَحى فيهِ المَنايا تُقَسَّمُ
فَأَسقَيتَهُم سُمّاً زُعافاً يَشوبُهُ / بِأَفواهِهِم بِالمَوتِ صابٌ وَعَلقَمُ
تَظَلُّ بِهِ غُرثُ السِباعِ نَواهِلاً / وَعِقبانُهُ مِنها وُقوعٌ وَحُوَّمُ
كَما قَد جَرى يَوماً عَلى أَهلِ حائِلٍ / وَقَد صُرِفوا عَن مَنهَجِ الرُشدِ أَو عَموا
وَظَنّوا بِأَنَّ الدارَ كَالإِسمِ حائِلٌ / نَفورٌ عَنِ الأَزواجِ جَدّاءُ مُصرِم
فَأَنكَحتَها صُمَّ الرِماحِ فَأَصبَحَت / كِشافاً بُعيدَ الحَملِ بِالشَرِّ تُتئِمُ
فَكَم كاعِبٍ حَسناَ تَلطِمُ وَجهَها / وَأُخرى تَشُقُّ الجَيبَ بِالثُكلِ أَيِّمُ
وَكَم نَصَحوا لَو كانَ لِلنُّصحِ مَوضِعٌ / وَكَم عَذَلوا لَو كانَ فيهِم مُحَلَّمُ
وَلكِن أَبَوا إِلّا الشِقاقَ فَلَم يَكُن / لَهُم وَزَرٌ إِلّا حُسامٌ وَلَهذمُ
وَقالَ زَعيمُ القَومِ لا بَل شَقيُّهُم / إِلى اِبنِ طَلالٍ أَرسِلوا فَهوَ أَحزَمُ
فَلَمّا أَتاهُم زادَهُم مَع خَبالِهِم / خَبالاً وَعُقبى ما أَتَوهُ الَتَنَدُّمُ
وَظَنّوا بِأَنَّ اللَهَ يُخلِفُ وَعدَهُ / وَهَيهاتَ وَعدُ الصادِقِ الوَعدِ أَحكَمُ
وَقَد قالَ جُندي غالِبٌ لا مَحالَةٌ / بِذاكَ قَضائي في البَرِيَّةِ مُبرَمُ
أَطَلَّ عَلَيهِم واحِدٌ في كَمالِهِ / وَلكِنَّهُ في البَأسِ جَيشٌ عَرَمرَمُ
بِفِتيانِ صِدقٍ في اللِقاءِ أَعِزَّةٍ / لَهُم نَسَبٌ ما شابَهُ قَطُّ أَعجَمُ
عَلى ضُمَّرٍ بَينَ الوَجيهِ وَلاحِقٍ / تُعارِضُ ما أَبقى الجَديلُ وَشَدقَمُ
أُولاكَ بَنو الإِسلامِ حَيَّ هَلاً بِهِم / وَأَكرِم بِهِم أَكرِم بِهِم حَيثُ يُمَّموا
هُمُ عَرَفوا حَقَّ الإِلهِ وَرُسلِهِ / وَحَقَّ وُلاةِ المُسلِمينَ وَعَظَّموا
رَأَوا أَنَّهُ لا دينَ إِلّا بِطاعَةٍ / لِمَن هُوَ بِالديِ الحَنيفِيِّ قَيِّم
وَذاكَ أَميرُ المُؤمِنينَ بنُ فَيصَلٍ / إِمامُ الهُدى لِلمَكرُماتِ مُتَمِّمُ
فَلَمّا رَأوا حِزبَ الإِلهِ يَقودُهُ / إِلَيهِم رَبيطُ الجَأشِ في الهَولِ مُقدِمُ
تَوَلَّوا سِراعاً وَالسُيوفُ شَوارِعٌ / بِأَكتافِهِم وَالسَمهَرِيُّ تُحَطِّمُ
وَمَن قَد نَجا مِنهُم إِذا سَمِعَ النِدا / يُراعُ وَبِالأَمواتِ في اللَيلِ يَحلُمُ
إِلَيكَ إِمامَ المُسلِمينَ تَواهَقَت / بِها ضُمَّرٌ تَطوي المَهامِهَ عَيهَمُ
تَعومُ إِذا اِشتَدَّ الهَجيرُ كَأَنَّها / مَعَ الدَوِّ مُحمَرُّ الظَنابيبِ أَصلَمُ
تَذَكَّرُ أَفراخاً بِبَيداءَ حَردَةٍ / وَلِلرّيحِ نَئّآجٌ وَلِلغَيثِ مَسجَمُ
فَظَلَّ يُناجي النَفسَ أَينَ مَراحُهُ / وَلا عَلَمٌ يَهديهِ وَاللَيلُ مُظلِمُ
تُبَلِّغُكُم مِنّي أَلوكَةَ صادِقٍ / لَكُم مُخلِصٍ في الوُدِّ لا مُتَبَرِّمُ
فَحُبُّكُمُ عِندَ المَهَيمِنِ قُربَةٌ / وَنُصحُكُمُ فَرضٌ علَينا مُحَقَّمُ
وَمَن لا يَراهُ فَهوَ إِمّا مُغَفَّلٌ / وَإِمّا عَلى تَكذيبِهِ الوَحيَ مُقدِمُ
وَما أَنسَ لا أَنسَ بنَ سُلطانَ فَيصَلاً / لَهُ ما بَقي مِنّي الثَناءُ المُنَمنَمُ
أَخا الحَربِ إِن عَضَّت بِهِ الحَربُ لَم يَكُن / جَزوعاً وَلا مِن مَسِّها يَتَأَلَّمُ
وَزيرَ إِمامِ المُسلِمينَ الذي لهُ / مَشاهدُ فيها مَعطِسُ الفِسقِ يُرغَمُ
إِذا ناكِثٌ أَو مارِقٌ مَرَقَت بِهِ / عَنِ الدينِ نَفسٌ لِلشَّقاوَةِ تَرأَمُ
سَما مُشمَعِلّاً فَيصَلٌ نَحوَ دارِهِ / يَخوضُ بِحاراً بَعضُ خُلجانِها دَمُ
بِأَمرِ إِمامِ المُسلِمينَ وَرَأيِهِ / وَلا عِزَّ إِلّا بِالإِمامَةِ يُعصَمُ
وَإِخوانُهُ في اللَهِ لا تَنسَ فَضلَهُم / هُمُ نُصرَةُ الإِسلامِ وَاللَهُ يَعلَمُ
قَبائِلُ فيها مِن رِجالِ عُتَيبَةٍ / أُسودٌ إِذا حَميَ الوَطيسُ تَقَحَّموا
يَسومونَ في الهَيجا نُفوساً عَزيزَةً / وَلكِنَّها بِالقَتلِ في اللَهِ تُكرَمُ
وَفي الحَربِ مِن حَرب لُيوثٌ ضَراغِمٌ / أَشِدّا عَلى الباغينَ في اللَهِ رُحَّمُ
وَلَم أَترُكِ الباقينَ جَهلاً بِحَقِّهِم / وَلا أَنَّني في فَضلِهِم مُتَلَعثِمُ
وَلكِنَّما الأَسماءُ كانَت تَغُرُّني / وَلَم يَكُ عِندي مَن بِذاكَ يُفهِم
جُنودُ إِمامِ المُسلِمينَ الذي لَهُم / إِلى كُلِّ مَعروفٍ مِنَ الخَيرِ سُلَّمُ
وَصَلِّ إِلهي كُلَّما ناضَ بارِقٌ / وَما طَلَعَت شَمسٌ وَما لاحَ مِرزَمُ
عَلى سَيِّدِ الساداتِ نَفسي فِداؤُهُ / أُصَلّي عَلَيهِ مُدَّتي وَأُسلِمُ
كَذا آلِهِ الغُرِّ الكِرامِ وَصَحبِهِ / هُمُ صُفوَةُ الرَحمنِ مِنّا هُمُ هُمُ