المجموع : 38
رَجَعتُ لِنَفسي فَاِتَّهَمتُ حَصاتي
رَجَعتُ لِنَفسي فَاِتَّهَمتُ حَصاتي / وَنادَيتُ قَومي فَاِحتَسَبتُ حَياتي
رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني / عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي / رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدتُ بَناتي
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً / وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ / وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ / فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني / وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني / أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحينَ وَفاتي
أَرى لِرِجالِ الغَربِ عِزّاً وَمَنعَةً / وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ
أَتَوا أَهلَهُم بِالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً / فَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِماتِ
أَيُطرِبُكُم مِن جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ / يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي
وَلَو تَزجُرونَ الطَيرَ يَوماً عَلِمتُمُ / بِما تَحتَهُ مِن عَثرَةٍ وَشَتاتِ
سَقى اللَهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أَعظُماً / يَعِزُّ عَلَيها أَن تَلينَ قَناتي
حَفِظنَ وِدادي في البِلى وَحَفِظتُهُ / لَهُنَّ بِقَلبٍ دائِمِ الحَسَراتِ
وَفاخَرتُ أَهلَ الغَربِ وَالشَرقُ مُطرِقٌ / حَياءً بِتِلكَ الأَعظُمِ النَخِراتِ
أَرى كُلَّ يَومٍ بِالجَرائِدِ مَزلَقاً / مِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ
وَأَسمَعُ لِلكُتّابِ في مِصرَ ضَجَّةً / فَأَعلَمُ أَنَّ الصائِحينَ نُعاتي
أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ / إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ
سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى / لُعابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ
فَجاءَت كَثَوبٍ ضَمَّ سَبعينَ رُقعَةً / مُشَكَّلَةَ الأَلوانِ مُختَلِفاتِ
إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ / بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِلى / وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي
وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ / مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ
رُوَيدَكَ حَتّى يَخفِقَ العَلَمانِ
رُوَيدَكَ حَتّى يَخفِقَ العَلَمانِ / وَتَنظُرَ ما يَجري بِهِ الفَتَيانِ
فَما مِصرُ كَالسودانِ لُقمَةُ جائِعٍ / وَلَكِنَّها مَرهونَةٌ لِأَوانِ
دَعاني وَما أَرجَفتُما بِاِحتِمالِهِ / فَإِنِّ بِمَكرِ القَومِ شِقُّ زَماني
أَرى مِصرَ وَالسودانَ وَالهِندَ واحِداً / بِها اللُردُ وَالفيكُنتُ يَستَبِقانِ
وَأَكبَرُ ظَنّي أَنَّ يَومَ جَلائِهِم / وَيَومَ نُشورِ الخَلقِ مُقتَرِنانِ
إِذا غاضَتِ الأَمواهُ مِن كُلِّ مُزبِدٍ / وَخَرَّت بُروجُ الرَجمِ لِلحَدَثانِ
وَعادَ زَمانُ السَمهَرِيِّ وَرَبِّهِ / وَحُكِّمَ في الهَيجاءِ كُلُّ يَماني
هُناكَ اِذكُرا يَومَ الجَلاءِ وَنَبِّها / نِياماً عَلَيهِم يَندُبُ الهَرَمانِ
أَيُحصي مَعانيكَ القَريضُ المُهَذَّبُ
أَيُحصي مَعانيكَ القَريضُ المُهَذَّبُ / عَلى أَنَّ صَدرَ الشِعرِ لِلمَدحِ أَرحَبُ
لَقَد مَكَّنَ الرَحمَنُ في الأَرضِ دَولَةً / لِعُثمانَ لا تَعفو وَلا تَتَشَعَّبُ
بَناها فَظَنَّتها الدَراري مَنازِلاً / لِبَدرِ الدُجى تُبنى وَلِلسَعدِ تُنصَبُ
وَقامَ رِجالٌ بِالإِمامَةِ بَعدَهُ / فَزادوا عَلى ذاكَ البِناءِ وَطَنَّبوا
وَرَدّوا عَلى الإِسلامِ عَهدَ شَبابِهِ / وَمَدّوا لَهُ جاهاً يُرَجّى وَيُرهَبُ
أُسودٌ عَلى البُسفورِ تَحمي عَرينَها / وَتَرعى نِيامَ الشَرقِ وَالغَربُ يَرقُبُ
لَها وَثَباتٌ تَحتَ ظِلِّ هِلالِها / كَما مَرَّ سَهمٌ أَو كَما اِنقَضَّ كَوكَبُ
إِذا راعَها مَسٌّ مِنَ الضَيمِ خِلتَها / كَمَن راعَهُ بِالمَسِّ سِلكٌ مُكَهرَبُ
وَإِن هَزَّها ذاكَ الهِلالُ لِحادِثٍ / رَأَيتَ قَضاءَ اللَهِ يَمشي وَيَركَبُ
إِذا ضاءَتِ الأَحسابُ يَوماً لِمُعرِقٍ / فَعُثمانُ خَيرُ الفاتِحينَ لَهُم أَبُ
وَإِن تاهَ بِالأَبناءِ وَالبَأسِ والِدٌ / فَأَولى الوَرى بِالتيهِ ذاكَ المُعَصَّبُ
فَهَذا سُلَيمانٌ وَقانونُ عَدلِهِ / عَلى صَفَحاتِ الدَهرِ بِالتِبرِ يُكتَبُ
وَذاكَ الَّذي أَجرى السَفينَ عَلى الثَرى / وَسارَ لَهُ في البَرِّ وَالبَحرِ مَركَبُ
عَلى بابِهِ العالي هُناكَ تَأَلَّقَت / سُطورٌ لِأَقلامِ الجَلالَةِ تُنسَبُ
هُنا فَاِخفِضوا الأَبصارَ عَرشُ مُحَمَّدٍ / هُنا الفاتِحُ الغازي الكَمِيُّ المُدَرَّبُ
وَما كانَ مِن عَبدِ المَجيدِ إِذِ اِحتَمى / بِأَكنافِهِ كوشوطُ وَالخَطبُ غَيهَبُ
يُناديهِمُ أَمّا نَزيلي فَدونَهُ / حَيّاتي وَأَمّا صارِمي فَمُشَطَّبُ
فَإِن كانَتِ الحُسنى فَإِنّي سَماؤُها / وَإِن كانَتِ الأُخرى فَشُدّوا وَجَرِّبوا
كَذَلِكَ كانوا يَستَقِرّونَ في الذُرا / وَأَعداؤُهُم في الغَربِ تَشقى وَتُنكَبُ
فَكَم طَلَبوا مِنهُم أَماناً فَأَمَّنوا / وَأَمسى لَهُم في الشَرقِ مَسرىً وَمَسرَبُ
فَكانَ أَمانَ القَومِ وَالشَرقُ مَشرِقٌ / فَأَضحى اِمتِيازَ القَومِ وَالشَرقُ مَغرِبُ
يَقولونَ في هَذي الرُبوعِ تَعَصُّبٌ / وَأَيُّ مَكانٍ لَيسَ فيهِ تَعَصُّبُ
فَيا شَرقُ إِنَّ الغَربَ إِن لانَ أَو قَسا / فَفيهِ مِنَ الصَهباءِ طَبعٌ مُذَوَّبُ
فَخِف بَأسَها في الرَأسِ وَالرَأسُ يَصطَلي / وَخِف ضَعفَها في الكَأسِ وَالكَأسُ تُطرِبُ
وَيا غَربُ إِنَّ الدَهرَ يَطفو بِأَهلِهِ / وَيَطويهِ تَيّارُ القَضاءِ فَيَرسُبُ
أَراكَ مَقَرَّ الطامِعينَ كَأَنَّما / عَلى كُلِّ عَرشٍ مِن عُروشِكَ أَشعَبُ
لَقَد كانَ فينا الظُلمُ فَوضى فَهُذِّبَت
لَقَد كانَ فينا الظُلمُ فَوضى فَهُذِّبَت / حَواشيهِ حَتّى باتَ ظُلماً مُنَظَّما
تَمُنُّ عَلَينا اليَومَ أَن أَخصَبَ الثَرى / وَأَن أَصبَحَ المِصرِيُّ حُرّاً مُنَعَّما
أَعِد عَهدَ إِسماعيلَ جَلداً وَسُخرَةً / فَإِنّي رَأَيتُ المَنَّ أَنكى وَآلَما
عَمِلتُم عَلى عِزِّ الجَمادِ وَذُلِّنا / فَأَغلَيتُمُ طيناً وَأَرخَصتُمُ دَما
إِذا أَخصَبَت أَرضٌ وَأَجدَبَ أَهلُها / فَلا أَطلَعَت نَبتاً وَلا جادَها السَما
نَهَشُّ إِلى الدينارِ حَتّى إِذا مَشى / بِهِ رَبُّهُ لِلسوقِ أَلفاهُ دِرهَما
فَلا تَحسَبوا في وَفرَةِ المالِ لَم تُفِد / مَتاعاً وَلَم تَعصِم مِنَ الفَقرِ مَغنَما
فَإِنَّ كَثيرَ المالِ وَالخَفضُ وارِفٌ / قَليلٌ إِذا حَلَّ الغَلاءُ وَخَيَّما
فَتى الشِعرِ هَذا مَوطِنُ الصِدقِ وَالهُدى
فَتى الشِعرِ هَذا مَوطِنُ الصِدقِ وَالهُدى / فَلا تَكذِبِ التاريخَ إِن كُنتَ مُنشِدا
لَقَد حانَ تَوديعُ العَميدِ وَإِنَّهُ / حَقيقٌ بِتَشييعِ المُحِبّينَ وَالعِدا
فَوَدِّع لَنا الطَودَ الَّذي كانَ شامِخاً / وَشَيِّع لَنا البَحرَ الَّذي كانَ مُزبِدا
وَزَوِّدهُ عَنّا بِالكَرامَةِ كُلِّها / وَإِن لَم يَكُن بِالباقِياتِ مُزَوَّدا
فَلِم لا نَرى الأَهرامَ يا نيلُ مُيَّداً / وَفِرعَونُ عَن واديكَ مُرتَحِلٌ غَدا
كَأَنَّكَ لَم تَجزَع عَلَيهِ وَلَم تَكُن / تَرى في حِمى فِرعَونَ أَمناً وَلا جَدا
سَلامٌ وَلَو أَنّا نُسيءُ إِلى الأُلى / أَساؤوا إِلَينا ما مَدَدنا لَهُم يَدا
سَنُطري أَياديكَ الَّتي قَد أَفَضتَها / عَلَينا فَلَسنا أُمَّةً تَجحَدُ اليَدا
أَمِنّا فَلَم يَسلُك بِنا الخَوفُ مَسلَكاً / وَنِمنا فَلَم يَطرُق لَنا الذُعرُ مَرقَدا
وَكُنتَ رَحيمَ القَلبِ تَحمي ضَعيفَنا / وَتَدفَعُ عَنّا حادِثَ الدَهرِ إِن عَدا
وَلَولا أَسىً في دِنشِوايَ وَلَوعَةٌ / وَفاجِعَةٌ أَدمَت قُلوباً وَأَكبُدا
وَرَميُكَ شَعباً بِالتَعَصُّبِ غافِلاً / وَتَصويرُكَ الشَرقِيَّ غِرّاً مُجَرَّدا
لَذُبنا أَسىً يَومَ الوَداعِ لِأَنَّنا / نَرى فيكَ ذاكَ المُصلِحَ المُتَوَدِّدا
تَشَعَّبَتِ الآراءُ فيكَ فَقائِلٌ / أَفادَ الغِنى أَهلَ البِلادِ وَأَسعَدا
وَكانَت لَهُ في المُصلِحينَ سِياسَةٌ / تَرَخَّصَ فيها تارَةً وَتَشَدَّدا
رَأى العِزَّ كُلَّ العِزِّ في بَسطَةِ الغِنى / فَحارَبَ جَيشَ الفَقرِ حَتّى تَبَدَّدا
وَأَمتَعَكُم بِالنيلِ فَهوَ مُبارَكٌ / عَلى أَهلِهِ خِصباً وَرِيّاً وَمَورِدا
وَسَنَّ لَكُم حُرِّيَّةَ القَولِ عِندَما / رَأى القَولَ في أَسرِ السُكوتِ مُقَيَّدا
وَآخَرُ لَم يَقصِر عَلى المالِ هَمَّهُ / يَرى أَنَّ ذاكَ المالَ لا يَكفُلُ الهُدى
فَلا يَحمَدُ الإِثراءَ حَتّى يَزينَهُ / بِعِلمٍ وَخَيرُ العِلمِ ما كانَ مُرشِدا
يُناديكَ قَد أَزرَيتَ بِالعِلمِ وَالحِجا / وَلَم تُبقِ لِلتَعليمِ يا لُردُ مَعهَدا
وَأَنَّكَ أَخصَبتَ البِلادَ تَعَمُّداً / وَأَجدَبتَ في مِصرَ العُقولَ تَعَمُّدا
قَضَيتَ عَلى أُمِّ اللُغاتِ وَإِنَّهُ / قَضاءٌ عَلَينا أَو سَبيلٌ إِلى الرَدى
وَوافَيتَ وَالقُطرانِ في ظِلِّ رايَةٍ / فَما زِلتَ بِالسودانِ حَتّى تَمَرَّدا
فَطاحَ كَما طاحَت مُصَوَّعُ بَعدَهُ / وَضاعَت مَساعينا بِأَطماعِكُم سُدى
حَجَبتَ ضِياءَ الصُحفِ عَن ظُلُماتِهِ / وَلَم تَستَقِل حَتّى حَجَبتَ المُؤَيَّدا
وَأَودَعتَ تَقريرَ الوَداعِ مَغامِزاً / رَأَينا جَفاءَ الطَبعِ فيها مُجَسَّدا
غَمَزتَ بِها دينَ النَبِيِّ وَإِنَّنا / لَنَغضَبُ إِن أَغضَبتَ في القَبرِ أَحمَدا
يُناديكَ أَينَ النابِغونَ بِعَهدِكُم / وَأَيُّ بِناءٍ شامِخٍ قَد تَجَدَّدا
فَما عَهدُ إِسماعيلَ وَالعَيشُ ضَيِّقٌ / بِأَجدَبَ مِن عَهدٍ لَكُم سالَ عَسجَدا
يُناديكَ وَلَّيتَ الوِزارَةَ هَيئَةً / مِنَ الصُمِّ لَم تَسمَع لِأَصواتِنا صَدى
فَلَيسَ بِها عِندَ التَشاوُرِ مِن فَتىً / أَبِيٍّ إِذا ما أَصدَرَ الأَمرَ أَورَدا
بِرَبِّكَ ماذا صَدَّنا وَلَوى بِنا / عَنِ القَصدِ إِن كانَ السَبيلُ مُمَهَّدا
أَشَرتَ بِرَأيٍ في كِتابِكَ لَم يَكُن / سَديداً وَلَكِن كانَ سَهماً مُسَدَّدا
وَحاوَلتَ إِعطاءَ الغَريبِ مَكانَةً / تَجُرُّ عَلَينا الوَيلَ وَالذُلَّ سَرمَدا
فَيا وَيلَ مِصرٍ يَومَ تَشقى بِنَدوَةٍ / يَبيتُ بِها ذاكَ الغَريبُ مُسَوَّدا
أَلَم يَكفِنا أَنّا سُلِبنا ضِياعَنا / عَلى حينِ لَم نَبلُغ مِنَ الفِطنَةِ المَدى
وَزاحَمَنا في العَيشِ كُلُّ مُمارِسٍ / خَبيرٍ وَكُنّا جاهِلينَ وَرُقَّدا
وَما الشَرِكاتُ السودُ في كُلِّ بَلدَةٍ / سِوى شَرَكٍ يُلقي بِهِ مَن تَصَيَّدا
فَهَذا حَديثُ الناسِ وَالناسُ أَلسُنٌ / إِذا قالَ هَذا صاحَ ذاكَ مُفَنِّدا
وَلَو كُنتُ مِن أَهلِ السِياسَةِ بَينَهُم / لَسَجَّلتُ لي رَأياً وَبُلِّغتُ مَقصِدا
وَلَكِنَّني في مَعرِضِ القَولِ شاعِرٌ / أَضافَ إِلى التاريخِ قَولاً مُخَلَّدا
فَيا أَيُّها الشَيخُ الجَليلُ تَحِيَّةً / وَيا أَيُّها القَصرُ المُنيفُ تَجَلُّدا
لَئِن غابَ هَذا اللَيثُ عَنكَ لِعِلَّةٍ / لَقَد لَبِثَت آثارُهُ فيكَ شُهَّدا
أَطَلَّ عَلى الأَكوانِ وَالخَلقُ تَنظُرُ
أَطَلَّ عَلى الأَكوانِ وَالخَلقُ تَنظُرُ / هِلالٌ رَآهُ المُسلِمونَ فَكَبَّروا
تَجَلّى لَهُم في صورَةٍ زادَ حُسنُها / عَلى الدَهرِ حُسناً أَنَّها تَتَكَرَّرُ
وَبَشَّرَهُم مِن وَجهِهِ وَجَبينِهِ / وَغُرَّتِهِ وَالناظِرينَ مُبَشِّرُ
وَأَذكَرَهُم يَوماً أَغَرَّ مُحَجَّلاً / بِهِ تُوِّجَ التاريخُ وَالسَعدُ مُسفِرُ
وَهاجَرَ فيهِ خَيرُ داعٍ إِلى الهُدى / يَحُفُّ بِهِ مِن قُوَّةِ اللَهِ عَسكَرُ
يُماشيهِ جِبريلٌ وَتَسعى وَراءَهُ / مَلائِكَةٌ تَرعى خُطاهُ وَتَخفِرُ
بِيُسراهُ بُرهانٌ مِنَ اللَهِ ساطِعٌ / هُدىً وَبِيُمناهُ الكِتابُ المُطَهَّرُ
فَكانَ عَلى أَبوابِ مَكَّةَ رَكبُهُ / وَفي يَثرِبٍ أَنوارُهُ تَتَفَجَّرُ
مَضى العامُ مَيمونَ الشُهورِ مُبارَكاً / تُعَدَّدُ آثارٌ لَهُ وَتُسَطَّرُ
مَضى غَيرَ مَذمومٍ فَإِن يَذكُروا لَهُ / هَناتٍ فَطَبعُ الدَهرِ يَصفو وَيَكدُرُ
وَإِن قيلَ أَودى بِالأُلوفِ أَجابَهُم / مُجيبٌ لَقَد أَحيا المَلايينَ فَاُنظُروا
إِذا قيسَ إِحسانُ اِمرِئٍ بِإِساءَةٍ / فَأَربى عَلَيها فَالإِساءَةُ تُغفَرُ
فَفيهِ أَفاقَ النائِمونَ وَقَد أَتَت / عَلَيهِم كَأَهلِ الكَهفِ في النَومِ أَعصُرُ
وَفي عالَمِ الإِسلامِ في كُلِّ بُقعَةٍ / لَهُ أَثَرٌ باقٍ وَذِكرٌ مُعَطَّرُ
سَلوا التُركَ عَمّا أَدرَكوا فيهِ مِن مُنىً / وَما بَدَّلوا في المَشرِقَينِ وَغَيَّروا
وَإِن لَم يَقُم إِلّا نِيازي وَأَنوَرٌ / فَقَد مَلَأَ الدُنيا نِيازي وَأَنوَرُ
تَواصَوا بِصَبرٍ ثُمَّ سَلّوا مِنَ الحِجا / سُيوفاً وَجَدّوا جِدَّهُم وَتَدَبَّروا
فَسادوا وَشادوا لِلهِلالِ مَنازِلاً / عَلى هامِها سَعدُ الكَواكِبِ يُنثَرُ
تَجَلّى بِها عَبدُ الحَميدِ بِوَجهِهِ / عَلى شَعبِهِ وَالشاهُ خَزيانُ يَنظُرُ
سَلامٌ عَلى عَبدِ الحَميدِ وَجَيشِهِ / وَأُمَّتِهِ ما قامَ في الشَرقِ مِنبَرُ
سَلوا الفُرسَ عَن ذِكرى أَياديهِ عِندَهُم / فَقَد كانَ فيهِ الفُرسُ عُمياً فَأَبصَروا
جَلا لَهُمُ وَجهَ الحَياةِ فَشاقَهُم / فَباتوا عَلى أَبوابِها وَتَجَمهَروا
يُنادونَ أَن مُنّي عَلَينا بِنَظرَةٍ / وَأَحيي قُلوباً أَوشَكَت تَتَفَطَّرُ
كِلانا مَشوقٌ وَالسَبيلُ مُمَهَّدٌ / إِلى الوَصلِ لَولا ذَلِكَ المُتَغَشمِرُ
أَطِلّي عَلَينا لا تَخافي فَإِنَّنا / بِسِرِّكِ أَوفى مِنهُ حَولاً وَأَقدَرُ
سَلامٌ عَلَيكُم أُمَّةَ الفُرسِ إِنَّكُم / خَليقونَ أَن تَحيَوا كِراماً وَتَفخَروا
وَلا أُقرِئُ الشاهَ السَلامَ فَإِنَّهُ / يُريقُ دِماءَ المُصلِحينَ وَيَهدُرُ
وَفيهِ هَوى عَبدُ العَزيزِ وَعَرشُهُ / وَأَخنى عَلَيهِ الدَهرُ وَالأَمرُ مُدبِرُ
وَلا عَجَبٌ أَن ثُلَّ عَرشُ مُمَلَّكٍ / قَوائِمُهُ عودٌ وَدُفُّ وَمِزهَرُ
فَأَلقى إِلى عَبدِ الحَفيظِ بِتاجِهِ / وَمَرَّ عَلى أَدراجِهِ يَتَعَثَّرُ
وَقامَ بِأَمرِ المُسلِمينَ مُوَفَّقٌ / عَلى عَهدِهِ مُرّاكِشٌ تَتَحَضَّرُ
وَفي دَولَةِ الأَفغانِ كانَت شُهورُهُ / وَأَيّامُهُ بِالسَعدِ وَاليُمنِ تُزهِرُ
أَقامَ بِها وَالعودُ رَيّانُ أَخضَرٌ / وَفارَقَها وَالعودُ فَينانُ مُثمِرُ
وَعَوَّذَها بِاللَهِ مِن شَرِّ طامِعٍ / إِذا ما رَمى إِدوَردُ أَو راشَ قَيصَرُ
وَفيهِ نَمَت في الهِندِ لِلعِلمِ نَهضَةٌ / أَرى تَحتَها سِرّاً خَفِيّاً سَيَظهَرُ
فَتَجري إِلى العَلياءِ وَالمَجدِ شَوطَها / وَيُخصِبُ فيها كُلُّ جَدبٍ وَيَنضُرُ
وَفيهِ بَدَت في أُفقِ جاوَةَ لَمعَةٌ / أَضاءَت لِأَهليها السَبيلَ فَبَكَّروا
فَيالَيتَهُ أَولى الجَزائِرَ مِنَّةً / تُفَكُّ لَها تِلكَ القُيودُ وَتُكسَرُ
وَفي تونُسَ الخَضراءِ يا لَيتَهُ بَنى / لَهُ أَثَراً في لَوحَةِ الدَهرِ يُذكَرُ
وَفيهِ سَرَت في مِصرَ روحٌ جَديدَةٌ / مُبارَكَةٌ مِن غَيرَةٍ تَتَسَعَّرُ
خَبَت زَمَناً حَتّى تَوَهَّمتُ أَنَّها / تَجافَت عَنِ الإيراءِ لَولا كُرومَرُ
تَصَدّى فَأَوراها وَهَيهاتَ أَن يَرى / سَبيلاً إِلى إِخمادِها وَهيَ تَزفِرُ
مَضى زَمَنُ التَنويمِ يا نيلُ وَاِنقَضى / فَفي مِصرَ أَيقاظٌ عَلى مِصرَ تَسهَرُ
وَقَد كانَ مُرفينُ الدَهاءِ مُخَدَّراً / فَأَصبَحَ في أَعصابِنا يَتَخَدَّرُ
شَعَرنا بِحاجاتِ الحَياةِ فَإِن وَنَت / عَزائِمُنا عَن نَيلِها كَيفَ نُعذَرُ
شَعَرنا وَأَحسَسنا وَباتَت نُفوسُنا / مِنَ العَيشِ إِلّا في ذُرا العِزِّ تَسخَرُ
إِذا اللَهُ أَحيا أُمَّةً لَن يَرُدَّها / إِلى المَوتِ قَهّارٌ وَلا مُتَجَبِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلى قادَةٍ تَبني وَشَعبٍ يُعَمِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلى عالِمٍ يَدعو وَداعٍ يُذَكِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلى عالِمٍ يَدري وَعِلمٍ يُقَرَّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلى حِكمَةٍ تُملى وَكَفٍّ تُحَرِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ / إِلَيكُم فَسُدّوا النَقصَ فينا وَشَمِّروا
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ لا تَترُكوا غَداً / يَمُرُّ مُرورَ الأَمسِ وَالعَيشُ أَغبَرُ
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ إِنَّ بِلادَكُم / تُناشِدُكُم بِاللَهِ أَن تَتَذَكَّروا
عَلَيكُم حُقوقٌ لِلبِلادِ أَجَلُّها / تَعَهُّدُ رَوضِ العِلمِ فَالرَوضُ مُقفِرُ
قُصارى مُنى أَوطانِكُم أَن تَرى لَكُم / يَداً تَبتَني مَجداً وَرَأساً يُفَكِّرُ
فَكونوا رِجالاً عامِلينَ أَعِزَّةً / وَصونوا حِمى أَوطانِكُم وَتَحَرَّروا
وَيا طالِبي الدُستورِ لا تَسكُنوا وَلا / تَبيتوا عَلى يَأسٍ وَلا تَتَضَجَّروا
أَعِدّوا لَهُ صَدرَ المَكانِ فَإِنَّني / أَراهُ عَلى أَبوابِكُم يَتَخَطَّرُ
فَلا تَنطِقوا إِلّا صَواباً فَإِنَّني / أَخافُ عَلَيكُم أَن يُقالَ تَهَوَّروا
فَما ضاعَ حَقٌّ لَم يَنَم عَنهُ أَهلُهُ / وَلا نالَهُ في العالَمينَ مُقَصِّرُ
لَقَد ظَفِرَ الأَتراكُ عَدلاً بِسُؤلِهِم / وَنَحنُ عَلى الآثارِ لا شَكَّ نَظفَرُ
هُمُ لَهُمُ العامُ القَديمُ مُقَدَّرٌ / وَنَحنُ عَلى الآثارِ لا شَكَّ نَظفَرُ
ثِقوا بِالأَميرِ القائِمِ اليَومَ إِنَّهُ / بِكُم وَبِما تَرجونَ أَدرى وَأَخبَرُ
فَلا زالَ مَحروسَ الأَريكَةِ جالِساً / عَلى عَرشِ وادي النيلِ يَنهى وَيَأمُرُ
أَجَل هَذِهِ أَعلامُهُ وَمَواكِبُه
أَجَل هَذِهِ أَعلامُهُ وَمَواكِبُه / هَنيئاً لَهُم فَليَسحَبِ الذَيلَ ساحِبُه
هَنيئاً لَهُم فَالكَونُ في يَومِ عيدِهِم / مَشارِقُهُ وَضّاءَةٌ وَمَغارِبُه
رَعى اللَهُ شَعباً جَمَّعَ العَدلُ شَملَهُ / وَتَمَّت عَلى عَهدِ الرَشادِ رَغائِبُه
تَحالَفَ في ظِلِّ الهِلالِ إِمامُهُ / وَحاخامُهُ بَعدَ الخِلافِ وَراهِبُه
خُذوا بِيَدِ الإِصلاحِ وَالأَمرُ مُقبِلٌ / فَإِنّي أَرى الإِصلاحَ قَد طَرَّ شارِبُه
وَرُدّوا عَلى المُلكِ الشَبابَ الَّذي ذَوى / فَإِنّي رَأَيتُ المُلكَ شابَت ذَوائِبُه
فَمَن يَطلُبُ الدُستورَ بِالسوءِ بَعدَ ما / حَمَتهُ يَدُ الفاروقِ فَاللَهُ طالِبُه
إِذا شَوكَتُ الفاروقُ قامَ مُنادِياً / إِلى الحَقِّ لَبّاهُ نِيازي وَصاحِبُه
ثَلاثَةُ آسادٍ يُجانِبُها الرَدى / وَإِن هِيَ لاقاها الرَدى لا تُجانِبُه
يُصارِعُها صَرفُ المَنونِ فَتَلتَقي / مَخالِبُها فيهِ وَتَنبو مَخالِبُه
رَوَت قَولَ بَشّارٍ فَثارَت وَأَقسَمَت / وَقامَت إِلى عَبدِ الحَميدِ تُحاسِبُه
إِذا المَلِكُ الجَبّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ / مَشَينا إِلَيهِ بِالسُيوفِ نُعاتِبُه
وَسارَ عَلى أَعقابِها كُلُّ سابِحٍ / عَلى مَتنِهِ بُرجٌ مَشيدٌ يُداعِبُه
يَصيحُ بِهِ لا رِيَّ أَو نَبلُغَ المُنى / وَلا شِبَعٌ أَو يُرجِعَ الحَقَّ غاصِبُه
هُنالِكَ فَاِنهَل وَاِتَّخِذ ثَمَّ مَربَطاً / بِيَلدِزَ وَاِحمَد في الوَغى مَن تُصاحِبُه
رِجالٌ مِنَ الإيمانِ مَلأى نُفوسُهُم / وَجَيشٌ مِنَ الأَتراكِ ظَمأى قَواضِبُه
صَوالِجُهُ سُمرُ القَنا وَكُراتُهُ / رُؤوسُ الأَعادي وَالحُصونُ مَلاعِبُه
إِذا ثارَ دُكَّت أَجبُلٌ وَتَخَشَّعَت / بِحارٌ وَأَمضى اللَهُ ما هُوَ كاتِبُه
وَثُلَّت عُروشٌ وَاِستَقَرَّت مَمالِكٌ / وَلَو أَنَّ ذا القَرنَينِ فيها يُناصِبُه
فَمَن لَم يُشاهِد يَلدِزاً بَعدَ رَبِّها / وَقَد زالَ عَنهُ المُلكُ وَاِندَكَّ جانِبُه
وَأَسلَمَهُ أَحبابُهُ لِقُضاتِهِ / وَفَرَّ وَلَم يَخشَ المَعَرَّةَ كاتِبُه
وَقَلَّمَتِ الأَقدارُ أَظفارَ بَطشِهِ / وَدَلَّ عَلى ما تَجهَلُ الجِنُّ حاجِبُه
فَما شَهِدَ الدُنيا تَزولُ وَلا رَأى / بَلاءَ قَضاءِ اللَهِ فيمَن يُحارِبُه
أُبيحَ حِماها وَاِنطَوى مَجدُ رَبِّها / وَقامَت عَلى البَيتِ الحَميدي نَوادِبُه
وَلَم يُغنِ عَن عَبدِ الحَميدِ دَهاؤُهُ / وَلا عَصَمَت عَبدَ الحَميدِ تَجارِبُه
وَلَم يَحمِهِ حِصنٌ وَلَم تَرِم دونَهُ / دَنانيرُهُ وَالأَمرُ بِالأَمرِ حازِبُه
وَلَم يُخفِهِ عَن أَعيُنِ الحَقِّ مِخدَعٌ / وَلا نَفَقٌ في الأَرضِ جَمٌّ مَسارِبُه
أَقامَ عَلَيهِ مَهلَكاً عِندَ مَهلَكٍ / يَمُرُّ بِهِ رَوحُ الصَبا فَيُواثِبُه
تَحاماهُ حَتّى الوَهمُ خَوفَ اِغتِيالِهِ / فَلَو مَسَّهُ طَيفٌ لَدارَت لَوالِبُه
وَأَسرَفَ في حُبِّ الحَياةِ فَحاطَها / بِسورٍ مِنَ الأَهوالِ لَم يَنجُ راكِبُه
فَفي كُلِّ قُفلٍ لِلمَنِيَّةِ مَكمَنٌ / وَفي كُلِّ مِفتاحٍ قَضاءٌ يُراقِبُه
وَفي كُلِّ رُكنٍ صورَةٌ لَو تَكَلَّمَت / لَما شَكَّ في عَبدِ الحَميدِ مُخاطِبُه
تَماثيلُ إيهامٍ أُنيمَت وَأُقعِدَت / تَراءى بِها أَعطافُهُ وَمَناكِبُه
تُمَثِّلُهُ في نَومِهِ وَجُلوسِهِ / وَتَخدَعُ فيهِ المَوتَ حينَ يُقارِبُه
أَقامَ عَلَيهِ أَلفَ مَوتٍ مُحَجَّبٍ / لِيَغلِبَ مَوتاً واحِداً عَزَّ غالِبُه
سَلوهُ أَأَغنَت عَنهُ في يَومِ خَلعِهِ / عَجائِبُهُ أَو أَحرَزَتهُ غَرائِبُه
وَقَد نَزَلَ المِقدارُ بِالأَمرِ صادِعاً / فَضاقَت عَلى شَيخِ المُلوكِ مَذاهِبُه
وَأَخرَجَهُ مِن يَلدِزٍ رَبُّ يَلدِزٍ / وَجَرَّدَهُ مِن سَيفِ عُثمانَ واهِبُه
وَأَصبَحَ في مَنفاهُ وَالجَيشُ دونَهُ / يُغالِبُ ذِكرى مُلكِهِ وَتُغالِبُه
يُناديهِ صَوتُ الحَقِّ ذُق ما أَذَقتَهُم / فَكُلُّ اِمرِئٍ رَهنٌ بِما هُوَ كاسِبُه
هُمُ مَنَحوكَ اليَومَ ما أَنتَ مُشتَهٍ / فَرُدَّ لَهُم بِالأَمسِ ما أَنتَ سالِبُه
وَدَع عَنكَ ما أَمَّلتَ إِن كُنتَ حازِماً / فَلَم يَبقَ لِلآمالِ فَضلٌ تُجاذِبُه
مَضى عَهدُ الاِستِبدادِ وَاِندَكَّ صَرحُهُ / وَوَلَّت أَفاعيهِ وَماتَت عَقارِبُه
لَكَ اللَهُ يا تَمّوزُ إِنَّكَ بَلسَمٌ / لِجَرحى الأَسى وَالدَهرُ تَعدو نَوائِبُه
فَكَم رُعتَ جَبّاراً وَأَرهَقتَ ظالِماً / وَأَنصَفتَ مَظلوماً تَوالَت مَصائِبُه
فَدَيناكَ مِن شَهرٍ أَغَرٍّ مُحَجَّلٍ / أَوائِلُهُ مَيمونَةٌ وَعَواقِبُه
تُقابِلُهُ الأَعيادُ في الأَرضِ كُلَّما / تَجَلّى هِلالُ الشَهرِ أَو لاحَ حاجِبُه
فَفي الغَربِ عيدٌ يَنظِمُ الغَربُ حُسنَهُ / فَتَهتَزُّ مِن وَقعِ السُرورِ جَوانِبُه
وَفي الشَرقِ عيدٌ لَم يَرَ الشَرقُ مِثلَهُ / تَدَفَّقُ في دارِ السَلامِ مَواكِبُه
يُطيفونَ بِالعَرشِ الكَريمِ وَرَبُّهُ / تُطيفُ بِهِم آلاؤُهُ وَمَناقِبُه
لِتَهنَئ أَميرَ المُؤمِنينَ مُحَمَّداً / خِلافَتُهُ فَالعَرشُ سَعدٌ كَواكِبُه
سَتَملِكُ أَمواجَ البِحارِ سَفينُهُ / كَما مَلَكَت شُمَّ الجِبالِ كَتائِبُه
مَمالِكُهُ مَحروسَةٌ وَثُغورُهُ / رَكائِبُهُ مَنصورَةٌ وَمَراكِبُه
أَيا صوفِيا حانَ التَفَرُّقُ فَاِذكُري
أَيا صوفِيا حانَ التَفَرُّقُ فَاِذكُري / عُهودَ كِرامٍ فيكِ صَلّوا وَسَلَّموا
إِذا عُدتِ يَوماً لِلصَليبِ وَأَهلِهِ / وَحَلّى نَواحيكِ المَسيحُ وَمَريَمُ
وَدُقَّت نَواقيسٌ وَقامَ مُزَمِّرٌ / مِنَ الرومِ في مِحرابِهِ يَتَرَنَّمُ
فَلا تُنكِري عَهدَ المَآذِنِ إِنَّهُ / عَلى اللَهِ مِن عَهدِ النَواقيسِ أَكرَمُ
تَبارَكتَ بَيتُ القُدسِ جَذلانُ آمِنٌ / وَلا يَأمَنُ البَيتُ العَتيقُ المُحَرَّمُ
أَيُرضيكَ أَن تَغشى سَنابِكُ خَيلِهِم / حِماكَ وَأَن يُمنى الحَطيمُ وَزَمزَمُ
وَكَيفَ يَذِلُّ المُسلِمونَ وَبَينَهُم / كِتابُكَ يُتلى كُلَّ يَومٍ وَيُكرَمُ
نَبِيُّكَ مَحزونٌ وَبَيتُكَ مُطرِقٌ / حَياءً وَأَنصارُ الحَقيقَةِ نُوَّمُ
عَصَينا وَخالَفنا فَعاقَبتَ عادِلاً / وَحَكَّمتَ فينا اليَومَ مَن لَيسَ يَرحَمُ
بَنَيتُم عَلى الأَخلاقِ آساسَ مُلكِكُم
بَنَيتُم عَلى الأَخلاقِ آساسَ مُلكِكُم / فَكانَ لَكُم بَينَ الشُعوبِ ذِمامُ
فَما لي أَرى الأَخلاقَ قَد شابَ قَرنُها / وَحَلَّ بِها ضَعفٌ وَدَبَّ سَقامُ
أَخافُ عَلَيكُم عَثرَةً بَعدَ نَهضَةٍ / فَلَيسَ لِمُلكِ الظالِمينَ دَوامُ
أَضَعتُم وِداداً لَو رَعَيتُم عُهودَهُ / لَما قامَ بَينَ الأُمَّتَينِ خِصامُ
أَبَعدَ حِيادٍ لا رَعى اللَهُ عَهدَهُ / وَبَعدَ الجُروحِ الناغِراتِ وِئامُ
إِذا كانَ في حُسنِ التَفاهُمِ مَوتُنا / فَلَيسَ عَلى باغي الحَياةِ مَلامُ
سَعَيتُ إِلى أَن كِدتُ أَنتَعِلُ الدَما
سَعَيتُ إِلى أَن كِدتُ أَنتَعِلُ الدَما / وَعُدتُ وَما أُعقِبتُ إِلّا التَنَدُّما
لَحى اللَهُ عَهدَ القاسِطينَ الَّذي بِهِ / تَهَدَّمَ مِن بُنيانِنا ما تَهَدَّما
إِذا شِئتَ أَن تَلقى السَعادَةَ بَينَهُم / فَلا تَكُ مِصرِيّاً وَلا تَكُ مُسلِما
سَلامٌ عَلى الدُنيا سَلامَ مُوَدِّعٍ / رَأى في ظَلامِ القَبرِ أُنساً وَمَغنَما
أَضَرَّت بِهِ الأولى فَهامَ بِأُختِها / فَإِن ساءَتِ الأُخرى فَوَيلاهُ مِنهُما
فَهُبّي رِياحَ المَوتِ نُكباً وَأَطفِئي / سِراجَ حَياتي قَبلَ أَن يَتَحَطَّما
فَما عَصَمَتني مِن زَماني فَضائِلي / وَلَكِن رَأَيتُ المَوتَ لِلحُرِّ أَعصَما
فَيا قَلبُ لا تَجزَع إِذا عَضَّكَ الأَسى / فَإِنّكَ بَعدَ اليَومِ لَن تَتَأَلَّما
وَيا عَينُ قَد آنَ الجُمودُ لِمَدمَعي / فَلا سَيلَ دَمعٍ تَسكُبينَ وَلا دَما
وَيا يَدُ ما كَلَّفتُكِ البَسطَ مَرَّةً / لِذي مِنَّةٍ أَولى الجَميلَ وَأَنعَما
فَلِلَّهِ ما أَحلاكِ في أَنمُلِ البِلى / وَإِن كُنتِ أَحلى في الطُروسِ وَأَكرَما
وَيا قَدَمي ما سِرتِ بي لِمَذَلَّةٍ / وَلَم تَرتَقي إِلّا إِلى العِزِّ سُلَّما
فَلا تُبطِئي سَيراً إِلى المَوتِ وَاِعلَمي / بِأَنَّ كَريمَ القَومِ مَن ماتَ مُكرَما
وَيا نَفسُ كَم جَشَّمتُكِ الصَبرَ وَالرِضا / وَجَشَّمتِني أَن أَلبَسَ المَجدَ مُعلَما
فَما اِسطَعتِ أَن تَستَمرِئي مُرَّ طَعمِهِ / وَما اِسطَعتُ بَينَ القَومِ أَن أَتَقَدَّما
فَهَذا فِراقٌ بَينَنا فَتَجَمَّلي / فَإِنَّ الرَدى أَحلى مَذاقاً وَمَطعَما
وَيا صَدرُ كَم حَلَّت بِذاتِكَ ضيقَةٌ / وَكَم جالَ في أَنحائِكَ الهَمُّ وَاِرتَمى
فَهَلّا تَرى في ضيقَةِ القَبرِ فُسحَةً / تُنَفِّسُ عَنكَ الكَربَ إِن بِتَّ مُبرَما
وَيا قَبرُ لا تَبخَل بِرَدِّ تَحِيَّةٍ / عَلى صاحِبٍ أَوفى عَلَينا وَسَلَّما
وَهَيهاتَ يَأتي الحَيُّ لِلمَيتِ زائِراً / فَإِنّي رَأَيتُ الوُدَّ في الحَيِّ أُسقِما
وَيا أَيُّها النَجمُ الَّذي طالَ سُهدُهُ / وَقَد أَخَذَت مِنهُ السُرى أَينَ يَمَّما
لَعَلَّكَ لا تَنسى عُهودَ مُنادِمٍ / تَعَلَّمَ مِنكَ السُهدَ وَالأَينَ كُلَّما
لَقَد كانَتِ الأَمثالُ تُضرَبُ بَينَنا
لَقَد كانَتِ الأَمثالُ تُضرَبُ بَينَنا / بِجَورِ سَدومٍ وَهوَ مِن أَظلَمِ البَشَر
فَلَمّا بَدَت في الكَونِ آياتُ ظُلمِهِم / إِذا بِسَدومٍ في حُكومَتِهِ عُمَر
هُنا رَجُلُ الدُنيا مَهبِطُ التُقى
هُنا رَجُلُ الدُنيا مَهبِطُ التُقى / هُنا خَيرُ مَظلومٍ هُنا خَيرُ كاتِبِ
قِفوا وَاِقرَؤوا أُمَّ الكِتابِ وَسَلِّموا / عَلَيهِ فَهَذا القَبرُ قَبرُ الكَواكِبي
سَلامٌ عَلى الإِسلامِ بَعدَ مُحَمَّدٍ
سَلامٌ عَلى الإِسلامِ بَعدَ مُحَمَّدٍ / سَلامٌ عَلى أَيّامِهِ النَضِراتِ
عَلى الدينِ وَالدُنيا عَلى العِلمِ وَالحِجا / عَلى البِرِّ وَالتَقوى عَلى الحَسَناتِ
لَقَد كُنتُ أَخشى عادِيَ المَوتِ قَبلَهُ / فَأَصبَحتُ أَخشى أَن تَطولَ حَياتي
فَوالَهفي وَالقَبرُ بَيني وَبَينَهُ / عَلى نَظرَةٍ مِن تِلكُمُ النَظَراتِ
وَقَفتُ عَلَيهِ حاسِرَ الرَأسِ خاشِعاً / كَأَنّي حِيالَ القَبرِ في عَرَفاتِ
لَقَد جَهِلوا قَدرَ الإِمامِ فَأَودَعوا / تَجاليدَهُ في موحِشٍ بِفَلاةِ
وَلَو ضَرَحوا بِالمَسجِدَينِ لَأَنزَلوا / بِخَيرِ بِقاعِ الأَرضِ خَيرَ رُفاتِ
تَبارَكتَ هَذا الدينُ دينُ مُحَمَّدٍ / أَيُترَكُ في الدُنيا بِغَيرِ حُماةِ
تَبارَكتَ هَذا عالِمُ الشَرقِ قَد قَضى / وَلانَت قَناةُ الدينِ لِلغَمَزاتِ
زَرَعتَ لَنا زَرعاً فَأَخرَجَ شَطأَهُ / وَبِنتُ وَلَمّا نَجتَنِ الثَمَراتِ
فَواهاً لَهُ أَلّا يُصيبَ مُوَفَّقاً / يُشارِفُهُ وَالأَرضُ غَيرُ مَواتِ
مَدَدنا إِلى الأَعلامِ بَعدَكَ راحَنا / فَرُدَّت إِلى أَعطافِنا صَفِراتِ
وَجالَت بِنا تَبغي سِواكَ عُيونُنا / فَعُدنَ وَآثَرنَ العَمى شَرِقاتِ
وَآذَوكَ في ذاتِ الإِلَهِ وَأَنكَروا / مَكانَكَ حَتّى سَوَّدوا الصَفَحاتِ
رَأَيتَ الأَذى في جانِبِ اللَهِ لَذَّةً / وَرُحتَ وَلَم تَهمُم لَهُ بِشَكاةِ
لَقَد كُنتَ فيهِم كَوكَباً في غَياهِبٍ / وَمَعرِفَةٍ في أَنفُسٍ نَكِراتِ
أَبَنتَ لَنا التَنزيلَ حُكماً وَحِكمَةً / وَفَرَّقتَ بَينَ النورِ وَالظُلُماتِ
وَوَفَّقتَ بَينَ الدينِ وَالعِلمِ وَالحِجا / فَأَطلَعتَ نوراً مِن ثَلاثِ جِهاتِ
وَقَفتَ لِهانوتو وَرينانَ وَقفَةً / أَمَدَّكَ فيها الروحُ بِالنَفَحاتِ
وَخِفتَ مَقامَ اللَهِ في كُلِّ مَوقِفٍ / فَخافَكَ أَهلُ الشَكِّ وَالنَزَغاتِ
وَكَم لَكَ في إِغفاءَةِ الفَجرِ يَقظَةٍ / نَفَضتَ عَلَيها لَذَّةَ الهَجَعاتِ
وَوَلَّيتَ شَطرَ البَيتِ وَجهَكَ خالِياً / تُناجي إِلَهُ البَيتِ في الخَلَواتِ
وَكَم لَيلَةٍ عانَدتَ في جَوفِها الكَرى / وَنَبَّهتَ فيها صادِقَ العَزَماتِ
وَأَرصَدتَ لِلباغي عَلى دينِ أَحمَدٍ / شَباةَ يَراعٍ ساحِرِ النَفَثاتِ
إِذا مَسَّ خَدَّ الطِرسِ فاضَ جَبينُهُ / بِأَسطارِ نورٍ باهِرِ اللَمَعاتِ
كَأَنَّ قَرارَ الكَهرَباءِ بِشِقِّهِ / يُريكَ سَناهُ أَيسَرُ اللَمَساتِ
فَيا سَنَةً مَرَّت بِأَعوادِ نَعشِهِ / لَأَنتِ عَلَينا أَشأَمُ السَنَواتِ
حَطَمتِ لَنا سَيفاً وَعَطَّلتِ مِنبَراً / وَأَذوَيتِ رَوضاً ناضِرَ الزَهَراتِ
وَأَطفَأتِ نِبراساً وَأَشعَلتِ أَنفُساً / عَلى جَمَراتِ الحُزنِ مُنطَوِياتِ
رَأى في لَياليكِ المُنَجِّمُ ما رَأى / فَأَنذَرَنا بِالوَيلِ وَالعَثَراتِ
وَنَبَّأَهُ عِلمُ النُجومِ بِحادِثٍ / تَبيتُ لَهُ الأَبراجُ مُضطَرِباتِ
رَمى السَرَطانُ اللَيثَ وَاللَيثُ خادِرٌ / وَرُبَّ ضَعيفٍ نافِذِ الرَمَياتِ
فَأَودى بِهِ خَتلاً فَمالَ إِلى الثَرى / وَمالَت لَهُ الأَجرامُ مُنحَرِفاتِ
وَشاعَت تَعازي الشُهبِ بِاللَمحِ بَينَها / عَنِ النَيِّرِ الهاوي إِلى الفَلَواتِ
مَشى نَعشُهُ يَختالُ عُجباً بِرَبِّهِ / وَيَخطِرُ بَينَ اللَمسِ وَالقُبُلاتِ
تَكادُ الدُموعُ الجارِياتُ تُقِلُّهُ / وَتَدفَعُهُ الأَنفاسُ مُستَعِراتِ
بَكى الشَرقُ فَاِرتَجَّت لَهُ الأَرضُ رَجَّةً / وَضاقَت عُيونُ الكَونِ بِالعَبَراتِ
فَفي الهِندِ مَحزونٌ وَفي الصينِ جازِعٌ / وَفي مِصرَ باكٍ دائِمُ الحَسَراتِ
وَفي الشَأمِ مَفجوعٌ وَفي الفُرسِ نادِبٌ / وَفي تونُسٍ ما شِئتَ مِن زَفَراتِ
بَكى عالَمُ الإِسلامِ عالِمَ عَصرِهِ / سِراجَ الدَياجي هادِمَ الشُبُهاتِ
مَلاذَ عَيايِلٍ ثِمالِ أَرامِلٍ / غِياثَ ذَوي عُدمٍ إِمامَ هُداةِ
فَلا تَنصِبوا لِلناسِ تِمثالَ عَبدِهِ / وَإِن كانَ ذِكرى حِكمَةٍ وَثَباتِ
فَإِنّي لَأَخشى أَن يَضِلّوا فَيُؤمِنوا / إِلى نورِ هَذا الوَجهِ بِالسَجَداتِ
فَيا وَيحَ لِلشورى إِذا جَدَّ جِدُّها / وَطاشَت بِها الآراءُ مُشتَجِراتِ
وَيا وَيحَ لِلفُتيا إِذا قيلَ مَن لَها / وَيا وَيحَ لِلخَيراتِ وَالصَدَقاتِ
بَكَينا عَلى فَردٍ وَإِنَّ بُكاءَنا / عَلى أَنفُسٍ لِلَّهِ مُنقَطِعاتِ
تَعَهَّدَها فَضلُ الإِمامِ وَحاطَها / بِإِحسانِهِ وَالدَهرُ غَيرُ مُواتي
فَيا مَنزِلاً في عَينِ شَمسٍ أَظَلَّني / وَأَرغَمَ حُسّادي وَغَمَّ عُداتي
دَعائِمُهُ التَقوى وَآساسُهُ الهُدى / وَفيهِ الأَيادي مَوضِعُ اللَبِناتِ
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ ما لَكَ موحِشاً / عَبوسَ المَغاني مُقفِرَ العَرَصاتِ
لَقَد كُنتَ مَقصودَ الجَوانِبِ آهِلاً / تَطوفُ بِكَ الآمالُ مُبتَهِلاتِ
مَثابَةَ أَرزاقٍ وَمَهبِطَ حِكمَةٍ / وَمَطلَعَ أَنوارٍ وَكَنزَ عِظاتِ
أَيا قَبرُ هَذا الضَيفُ آمالُ أُمَّةٍ
أَيا قَبرُ هَذا الضَيفُ آمالُ أُمَّةٍ / فَكَبِّر وَهَلِّل وَاِلقَ ضَيفَكَ جاثِيا
عَزيزٌ عَلَينا أَن نَرى فيكَ مُصطَفى / شَهيدَ العُلا في زَهرَةِ العُمرِ ذاوِيا
أَيا قَبرُ لَو أَنّا فَقَدناهُ وَحدَهُ / لَكانَ التَأَسّي مِن جَوى الحُزنِ شافِيا
وَلَكِن فَقَدنا كُلَّ شَيءٍ بِفَقدِهِ / وَهَيهاتَ أَن يَأتي بِهِ الدَهرُ ثانِيا
فَيا سائِلي أَينَ المُروءَةُ وَالوَفا / وَأَينَ الحِجا وَالرَأيُ وَيحَكَ هاهِيا
هَنيئاً لَهُم فَليَأمَنوا كُلَّ صائِحٍ / فَقَد أُسكِتَ الصَوتُ الَّذي كانَ عالِيا
وَماتَ الَّذي أَحيا الشُعورَ وَساقَهُ / إِلى المَجدِ فَاِستَحيا النُفوسَ البَوالِيا
مَدَحتُكَ لَمّا كُنتَ حَيّاً فَلَم أَجِد / وَإِنّي أُجيدُ اليَومَ فيكَ المَراثِيا
عَلَيكَ وَإِلّا ما لِذا الحُزنِ شامِلاً / وَفيكَ وَإِلّا ما لِذا الشَعبِ باكِيا
يَموتُ المُداوي لِلنُفوسِ وَلا يَرى / لِما فيهِ مِن داءِ النُفوسِ مُداوِيا
وَكُنّا نِياماً حينَما كُنتَ ساهِداً / فَأَسهَدتَنا حُزناً وَأَمسَيتَ غافِيا
شَهيدَ العُلا لا زالَ صَوتُكَ بَينَنا / يَرِنُّ كَما قَد كانَ بِالأَمسِ داوِيا
يُهيبُ بِنا هَذا بِناءٌ أَقَمتُهُ / فَلا تَهدِموا بِاللَهِ ما كُنتُ بانِيا
يَصيحُ بِنا لا تُشعِروا الناسَ أَنَّني / قَضَيتُ وَأَنَّ الحَيَّ قَد باتَ خالِيا
يُناشِدُنا بِاللَهِ أَلّا تَفَرَّقوا / وَكونوا رِجالاً لا تَسُرّوا الأَعادِيا
فَروحِيَ مِن هَذا المَقامِ مُطِلَّةٌ / تُشارِفُكُم عَنّي وَإِن كُنتُ بالِيا
فَلا تُحزِنوها بِالخِلافِ فَإِنَّني / أَخافُ عَلَيكُم في الخِلافِ الدَواهِيا
أَجَل أَيُّها الداعي إِلى الخَيرِ إِنَّنا / عَلى العَهدِ ما دُمنا فَنَم أَنتَ هانِيا
بِناؤُكَ مَحفوظٌ وَطَيفُكَ ماثِلٌ / وَصَوتُكَ مَسموعٌ وَإِن كُنتَ نائِيا
عَهِدناكَ لا تَبكي وَتُنكِرُ أَن يُرى / أَخو البَأسِ في بَعضِ المَواطِنِ باكِيا
فَرَخِّص لَنا اليَومَ البُكاءَ وَفي غَدٍ / تَرانا كَما تَهوى جِبالاً رَواسِيا
فَيا نيلُ إِن لَم تَجرِ بَعدَ وَفاتِهِ / دَماً أَحمَراً لا كُنتَ يا نيلُ جارِيا
وَيا مِصرُ إِن لَم تَحفَظي ذِكرَ عَهدِهِ / إِلى الحَشرِ لا زالَ اِنحِلالُكِ باقِيا
وَيا أَهلَ مِصرٍ إِن جَهِلتُم مُصابَكُم / ثِقوا أَنَّ نَجمَ السَعدِ قَد غارَ هاوِيا
ثَلاثونَ عاماً بَل ثَلاثونَ دُرَّةً / بِجيدِ اللَيالي ساطِعاتٍ زَواهِيا
سَتَشهَدُ في التاريخِ أَنّكَ لَم تَكُن / فَتىً مُفرَداً بَل كُنتَ جَيشاً مُغازِيا
رَثاكَ أَميرُ الشِعرِ في الشَرقِ وَاِنبَرى
رَثاكَ أَميرُ الشِعرِ في الشَرقِ وَاِنبَرى / لِمَدحِكَ مِن كُتّابِ مِصرَ كَبيرُ
وَلَستُ أُبالي حينَ أَرثيكَ بَعدَهُ / إِذا قيلَ عَنّي قَد رَثاهُ صَغيرُ
فَقَد كُنتَ عَوناً لِلضَعيفِ وَإِنَّني / ضَعيفٌ وَما لي في الحَياةِ نَصيرُ
وَلَستُ أُبالي حينَ أَبكيكَ لِلوَرى / حَوَتكَ جِنانٌ أَم حَواكَ سَعيرُ
فَإِنّي أُحِبُّ النابِغينَ لِعِلمِهِم / وَأَعشَقُ رَوضَ الفِكرِ وَهوَ نَضيرُ
دَعَوتَ إِلى عيسى فَضَجَّت كَنائِسٌ / وَهُزَّ لَها عَرشٌ وَمادَ سَريرُ
وَقالَ أُناسٌ إِنَّهُ قَولُ مُلحِدٍ / وَقالَ أُناسٌ إِنَّهُ لَبَشيرُ
وَلَولا حُطامٌ رَدَّ عَنكَ كِيادَهُم / لَضِقتَ بِهِ ذَرعاً وَساءَ مَصيرُ
وَلَكِن حَماكَ العِلمُ وَالرَأيُ وَالحِجا / وَمالٌ إِذا جَدَّ النِزالُ وَفيرُ
إِذا زُرتَ رَهنَ المَحبَسَينِ بِحُفرَةٍ / بِها الزُهدُ ثاوٍ وَالذَكاءُ سَتيرُ
وَأَبصَرتَ أُنسَ الزُهدِ في وَحشَةِ البِلى / وَشاهَدتَ وَجهَ الشَيخِ وَهوَ مُنيرُ
وَأَيقَنتَ أَنَّ الدينَ لِلَّهِ وَحدَهُ / وَأَنَّ قُبورَ الزاهِدينَ قُصورُ
فَقِف ثُمَّ سَلِّم وَاِحتَشِم إِنَّ شَيخَنا / مَهيبٌ عَلى رَغمِ الفَناءِ وَقورُ
وَسائِلهُ عَمّا غابَ عَنكَ فَإِنَّهُ / عَليمٌ بِأَسرارِ الحَياةِ بَصيرُ
يُخَبِّرُكَ الأَعمى وَإِن كُنتَ مُبصِراً / بِما لَم تُخَبِّر أَحرُفٌ وَسُطورُ
كَأَنّي بِسَمعِ الغَيبِ أَسمَعُ كُلَّ ما / يُجيبُ بِهِ أُستاذُنا وَيُحيرُ
يُناديكَ أَهلاً بِالَّذي عاشَ عَيشَنا / وَماتَ وَلَم يَدرُج إِلَيهِ غُرورُ
قَضَيتَ حَياةً مِلؤُها البِرُّ وَالتُقى / فَأَنتَ بِأَجرِ المُتَّقينَ جَديرُ
وَسَمَّوكَ فيهِم فَيلَسوفاً وَأَمسَكوا / وَما أَنتَ إِلّا مُحسِنٌ وَمُجيرُ
وَما أَنتَ إِلّا زاهِدٌ صاحَ صَيحَةً / يَرِنُّ صَداها ساعَةً وَيَطيرُ
سَلَوتَ عَنِ الدُنيا وَلَكِنَّهُم صَبَوا / إِلَيها بِما تُعطيهِمُ وَتَميرُ
حَياةُ الوَرى حَربٌ وَأَنتَ تُريدُها / سَلاماً وَأَسبابُ الكِفاحِ كَثيرُ
أَبَت سُنَّةُ العُمرانِ إِلّا تَناحُراً / وَكَدحاً وَلَو أَنَّ البَقاءَ يَسيرُ
تُحاوِلُ رَفعَ الشَرِّ وَالشَرُّ واقِعٌ / وَتَطلُبُ مَحضَ الخَيرِ وَهوَ عَسيرُ
وَلَولا اِمتِزاجُ الشَرِّ بِالخَيرِ لَم يَقُم / دَليلٌ عَلى أَنَّ الإِلَهَ قَديرُ
وَلَم يَبعَثِ اللَهُ النَبِيّينَ لِلهُدى / وَلَم يَتَطَلَّع لِلسَريرِ أَميرُ
وَلَم يَعشَقِ العَلياءَ حُرٌّ وَلَم يَسُد / كَريمٌ وَلَم يَرجُ الثَراءَ فَقيرُ
وَلَو كانَ فينا الخَيرُ مَحضاً لَما دَعا / إِلى اللَهِ داعٍ أَو تَبَلَّجَ نورُ
وَلا قيلَ هَذا فَيلَسوفٌ مُوَفَّقٌ / وَلا قيلَ هَذا عالِمٌ وَخَبيرُ
فَكَم في طَريقِ الشَرِّ خَيرٌ وَنِعمَةٌ / وَكَم في طَريقِ الطَيِّباتِ شُرورُ
أَلَم تَرَ أَنّي قُمتُ قَبلَكَ داعِياً / إِلى الزُهدِ لا يَأوي إِلَيَّ ظَهيرُ
أَطاعوا أَبيقوراً وَسُقراطَ قَبلَهُ / وَخولِفتُ فيما أَرتَئي وَأُشيرُ
وَمِتُّ وَما ماتَت مَطامِعُ طامِعٍ / عَلَيها وَلا أَلقى القِيادَ ضَميرُ
إِذا هُدِمَت لِلظُلمِ دورٌ تَشَيَّدَت / لَهُ فَوقَ أَكتافِ الكَواكِبِ دورُ
أَفاضَ كِلانا في النَصيحَةِ جاهِداً / وَماتَ كِلانا وَالقُلوبُ صُخورُ
فَكَم قيلَ عَن كَهفِ المَساكينِ باطِلٌ / وَكَم قيلَ عَن شَيخِ المَعَرَّةِ زورُ
وَما صَدَّ عَن فِعلِ الأَذى قَولُ مُرسَلٍ / وَما راعَ مَفتونَ الحَياةِ نَذيرُ
رِياضُ أَفِق مِن غَمرَةِ المَوتِ وَاِستَمِع
رِياضُ أَفِق مِن غَمرَةِ المَوتِ وَاِستَمِع / حَديثَ الوَرى عَن طيبِ ما كُنتَ تَصنَعُ
أَفِق وَاِستَمِع مِنّي رِثاءً جَمَعتُهُ / تُشارِكُني فيهِ البَرِيَّةُ أَجمَعُ
لِتَعلَمَ ما تَطوي الصُدورُ مِنَ الأَسى / وَتَنظُرَ مَقروحَ الحَشا كَيفَ يَجزَعُ
لَئِن تَكُ قَد عُمِّرتَ دَهراً لَقَد بَكى / عَلَيكَ مَعَ الباكي خَلائِقُ أَربَعُ
مَضاءٌ وَإِقدامٌ وَحَزمٌ وَعَزمَةٌ / مِنَ الصارِمِ المَصقولِ أَمضى وَأَقطَعُ
رُحِمتَ فَما جاهٌ يُنَوِّهُ في العُلا / بِصاحِبِهِ إِلّا وَجاهُكَ أَوسَعُ
وَلا قامَ في أَيّامِكَ البيضِ ماجِدٌ / يُنازِعُكَ البابَ الَّذي كُنتَ تَقرَعُ
إِذا قيلَ مَن لِلرَأيِ في الشَرقِ أَومَأَت / إِلى رَأيِكَ الأَعلى مِنَ الغَربِ إِصبَعُ
وَإِن طَلَعَت في مِصرَ شَمسُ نَباهَةٍ / فَمِن بَيتِكَ المَعمورِ تَبدو وَتَطلُعُ
حَكَمتَ فَما حَكَّمتَ في قَصدِكَ الهَوى / طَريقُكَ في الإِنصافِ وَالعَدلِ مَهيَعُ
وَقَد كُنتَ ذا بَطشٍ وَلَكِنَّ تَحتَهُ / نَزاهَةَ نَفسٍ في سَبيلِكَ تَشفَعُ
وَقَفتَ لِإِسماعيلَ وَالأَمرُ أَمرُهُ / وَفي كَفِّهِ سَيفٌ مِنَ البَطشِ يَلمَعُ
إِذا صاحَ لَبّاهُ القَضاءُ وَأَسرَعَت / إِلى بابِهِ الأَيّامُ وَالناسُ خُشَّعُ
يُذِلُّ إِذا شاءَ العَزيزَ وَتَرتَئي / إِرادَتُهُ رَفعَ الذَليلِ فَيُرفَعُ
فَفي كَرَّةٍ مِن لَحظِهِ وَهوَ عابِسٌ / تُدَكُّ جِبالٌ لَم تَكُن تَتَزَعزَعُ
وَفي كَرَّةٍ مِن لَحظِهِ وَهوَ باسِمٌ / تَسيلُ بِحارٌ بِالعَطاءِ فَتُمرِعُ
فَما أَغلَبٌ شاكي العَزيمَةِ أَروَعٌ / يُصارِعُهُ في الغابِ أَغلَبُ أَروَعُ
بِأَجرَأَ مِن ذاكَ الوَزيرِ مُصادِماً / إِرادَةَ إِسماعيلَ وَالمَوتُ يَسمَعُ
وَفي الثَورَةِ الكُبرى وَقَد أَحدَقَت بِنا / صُروفُ اللَيالي وَالمَنِيَّةُ مَشرَعُ
نَظَرتَ إِلى مِصرٍ فَساءَكَ أَن تَرى / حُلاها بِأَيدي المُستَطيلينَ تُنزَعُ
وَلَم تَستَطِع صَبراً عَلى هَتكِ خِدرِها / فَفارَقتَها أَسوانَ وَالقَلبُ موجَعُ
وَعُدتَ إِلَيها حينَ ناداكَ نيلُها / أَقِل عَثرَتي فَالقَومُ في الظُلمِ أَبدَعوا
فَكُنتَ أَبا مَحمودَ غَوثاً وَعِصمَةً / إِلَيكَ دُعاةُ الحَقِّ تَأوي وَتَفزَعُ
وَكَم نابِغٍ في أَرضِ مِصرَ حَمَيتَهُ / وَمِثلُكَ مَن يَحمي الكَريمَ وَيَمنَعُ
رَعَيتَ جَمالَ الدينِ ثُمَّ اِصطَفَيتَهُ / فَأَصبَحَ في أَفياءِ جاهِكَ يَرتَعُ
وَقَد كانَ في دارِ الخِلافَةِ ثاوِياً / وَفي صَدرِهِ كَنزٌ مِنَ العِلمِ مودَعُ
فَجِئتَ بِهِ وَالناسُ قَد طالَ شَوقُهُمُ / إِلى أَلمَعِيٍّ بِالبَراهينِ يَصدَعُ
فَحَرَّكَ مِن أَفهامِهِم وَعُقولِهِم / وَعاوَدَهُم ذاكَ الذَكاءُ المُضَيَّعُ
وَوَلَّيتَ تَحريرَ الوَقائِعِ عَبدَهُ / فَجاءَ بِما يَشفي الغَليلَ وَيَنقَعُ
وَكانَت لِرَبِّ الناسِ فيهِ مَشيئَةٌ / فَأَمسَت إِلَيهِ الناسُ في الحَقِّ تَرجِعُ
وَجاؤوا بِإِبراهيمَ في القَيدِ راسِفاً / عَلَيهِ مِنَ الإِملاقِ ثَوبٌ مُرَقَّعُ
فَأَلفَيتَ مِلءَ الثَوبِ نَفساً طَموحَةً / إِلى المَجدِ مِن أَطمارِها تَتَطَلَّعُ
فَأَطلَقتَهُ مِن قَيدِهِ وَأَقَلتَهُ / وَما كانَ في تِلكَ السَعادَةِ يَطمَعُ
وَكَم لَكَ في مِصرٍ وَفي الشَأمِ مِن يَدٍ / لَها أَينَ حَلَّت نَفحَةٌ تَتَضَوَّعُ
رَفَعتَ عَنِ الفَلّاحِ عِبءَ ضَريبَةٍ / يَنوءُ بِها أَيّامَ لا غَوثَ يَنفَعُ
وَأَرهَبتَ حُكّامَ الأَقاليمِ فَاِرعَوَوا / وَكانوا أُناساً في الجَهالَةِ أَوضَعوا
فَخافوكَ حَتّى لَو تَناجَوا بِنَجوَةٍ / لَخالوا رِياضاً فَوقَهُم يَتَسَمَّعُ
أَقَمتَ عَلَيهِم زاجِراً مِن نُفوسِهِم / إِذا سَوَّلَت أَمراً لَهُم قامَ يَردَعُ
سَلِ الناسَ أَيّامَ الرُشا مُستَفيضَةٌ / وَأَيّامَ لا تَجني الَّذي أَنتَ تَزرَعُ
أَكانَ رِياضٌ عَنهُمُ غَيرَ غافِلٍ / يَرُدُّ الأَذى عَن أَهلِ مِصرَ وَيَدفَعُ
أَمُؤتَمَرَ الإِصلاحِ وَالعُرفِ قَد مَضى / رِياضٌ وَأَودى الوازِعُ المُتَوَرِّعُ
وَكانَ عَلى كُرسِيِّهِ خَيرَ جالِسٍ / لِهَيبَتِهِ تَعنو الوُجوهُ وَتَخشَعُ
فَيا وَيلَنا إِن لَم تَسُدّوا مَكانَهُ / بِذي مِرَّةٍ في الخَطبِ لا يَتَضَعضَعُ
بَعيدِ مَرامِ الفِكرِ أَمّا جَنانُهُ / فَرَحبٌ وَأَمّا عِزُّهُ فَمُمَنَّعُ
فَيا ناصِرَ المُستَضعَفينَ إِذا عَدا / عَلَيهِم زَمانٌ بِالعَداوَةِ مولَعُ
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ ما قامَ بَينَنا / وَزيرٌ عَلى دَستِ العُلا يَتَرَبَّعُ
دَعاني رِفاقي وَالقَوافي مَريضَةٌ
دَعاني رِفاقي وَالقَوافي مَريضَةٌ / وَقَد عَقَدَت هوجُ الخُطوبِ لِساني
فَجِئتُ وَبي ما يَعلَمُ اللَهُ مِن أَسىً / وَمِن كَمَدٍ قَد شَفَّني وَبَراني
مَلِلتُ وُقوفي بَينَكُم مُتَلَهِّفاً / عَلى راحِلٍ فارَقتُهُ فَشَجاني
أَفي كُلَّ يَومٍ يَبضَعُ الحُزنُ بَضعَةً / مِنَ القَلبِ إِنّي قَد فَقَدتُ جَناني
كَفانِيَ ما لُقّيتُ مِن لَوعَةِ الأَسى / وَما نابَني يَومَ الإِمامِ كَفاني
تَفَرَّقَ أَحبابي وَأَهلي وَأَخَّرَت / يَدُ اللَهِ يَومي فَاِنتَظَرتُ أَواني
وَما لي صَديقٌ إِن عَثَرتُ أَقالَني / وَما لي قَريبٌ إِن قَضَيتُ بَكاني
أَرانِيَ قَد قَصَّرتُ في حَقِّ صُحبَتي / وَتَقصيرُ أَمثالي جِنايَةُ جاني
فَلا تَعذِروني يَومَ فَتحي فَإِنَّني / لَأَعلَمُ ما لا يَجهَلُ الثَقَلانِ
فَقَد غابَ عَنّا يَومَ غابَ وَلَم يَكُن / لَهُ بَينَ هالاتِ النَوابِغِ ثاني
وَفي ذِمَّتي لِليازِجِيِّ وَديعَةٌ / وَأُخرى لِزَيدانٍ وَقَد سَبَقاني
فَيا لَيتَ شِعري ما يَقولانِ في الثَرى / إِذا اِلتَقَيا يَوماً وَقَد ذَكَراني
وَقَد رَمَيا بِالطَرفِ بَينَ جُموعِكُم / وَلَم يَشهَدا في المَشهَدَينِ مَكاني
أَيَجمُلُ بي هَذا العُقوقُ وَإِنَّما / عَلى غَيرِ هَذا العَهدِ قَد عَرَفاني
دَعاني وَفائي يَومَ ذاكَ فَلَم أَكُن / ضَنيناً وَلَكِنَّ القَريضَ عَصاني
وَقَد تُخرِسُ الأَحزانُ كُلَّ مُفَوَّهٍ / يُصَرِّفُ في الإِنشادِ كُلَّ عِنانِ
أَأَنساهُما وَالعِلمُ فَوقَ ثَراهُما / تَنَكَّسَ مِن أَعلامِهِ عَلَمانِ
وَكَم فُزتُ مِن رَبِّ الهِلالِ بِحِكمَةٍ / وَكَم زِنتُ مِن رَبِّ الضِياءِ بَياني
أَزَيدانُ لا تَبعُد وَتِلكَ عُلالَةٌ / يُنادي بِها الناعونَ كُلَّ حُسانِ
لَكَ الأَثَرُ الباقي وَإِن كُنتَ نائِياً / فَأَنتَ عَلى رَغمِ المَنِيَّةِ داني
وَيا قَبرَ زَيدانٍ طَوَيتَ مُؤَرِّخاً / تَجَلّى لَهُ ما أَضمَرَ الفَتَيانِ
وَعَقلاً وَلوعاً بِالكُنوزِ فَإِنَّهُ / عَلى الدُرِّ غَوّاصٌ بِبَحرِ عُمانِ
وَعَزماً شَآمِيّاً لَهُ أَينَما مَضى / شَبا هِندُوانِيٍّ وَحَدُّ يَماني
وَكَفّاً إِذا جالَت عَلى الطِرسِ جَولَةً / تَمايَلَ إِعجاباً بِها البَلَدانِ
أَشادَت بِذِكرِ الراشِدينَ كَأَنَّما / فَتى القُدسِ مِمّا يُنبِتُ الحَرَمانِ
سَأَلتُ حُماةَ النَثرِ عَدَّ خِلالِهِ / فَما لي بِما أَعيا القَريضَ يَدانِ
لَكَ اللَهُ قَد أَسرَعتَ في السَيرِ قَبلَنا
لَكَ اللَهُ قَد أَسرَعتَ في السَيرِ قَبلَنا / وَآثَرتَ يا مِصرِيُّ سُكنى المَقابِرِ
وَقَد كُنتَ فينا يا فَتى الشِعرِ زَهرَةً / تَفَتَّحُ لِلأَذهانِ قَبلَ النَواظِرِ
فَلَهفي عَلى تِلكَ الأَنامِلِ في البِلى / فَكَم نَسَجَت قَبلَ البِلى مِن مَفاخِرِ
وَيا وَيحَ لِلأَشعارِ بَعدَ نَجِيِّها / وَوَيحَ القَوافي ساقَها غَيرُ شاعِرِ
تَزَوَّدتَ مِن دُنياكَ ذِكراً مُخَلَّداً / وَذاكَ لَعَمري نِعمَ زادُ المُسافِرِ
وَأَورَثتَنا حُزناً عَلَيكَ وَحَسرَةً / عَلى فَقدِ سَبّاقٍ كَريمِ المَحاضِرِ
فَلَم تَثوِيا عَبدَ الحَليمِ بِحُفرَةٍ / وَلَكِن بِرَوضٍ مِن قَريضِكَ ناضِرِ
فَديوانُكَ الرَيّانُ يُغنيكَ طيبُهُ / عَنِ الزَهرِ مَطلولاً بِجودِ المَواطِرِ
فَسامِر أَبا بَكرٍ هُناكَ فَإِنَّهُ / سَيَظفَرُ في عَدنَ بِخَيرِ مُسامِرِ
هَنيئاً لَكَ الدارُ الَّتي قَد حَلَلتَها / وَأَعظِم بِمَن جاوَرتَهُ مِن مُجاوِرِ
عَلَيكَ سَلامٌ ما تَرَنَّمَ مُنشِدٌ / وَقامَ خَطيبٌ فَوقَ هامِ المَنابِرِ