القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ دَرّاج القَسْطَلّي الكل
المجموع : 47
لَكَ اللهُ بِالنَّصْرِ العزيزِ كَفيلُ
لَكَ اللهُ بِالنَّصْرِ العزيزِ كَفيلُ / أَجَدَّ مُقامٌ أَم أَجدَّ رَحيلُ
هوَ الفتحُ أَمَّا يَومُهُ فَمُعَجَّلٌ / إليكَ وَأَمَّا صُنعُهُ فَجزِيلُ
وآياتُ نصرٍ مَا تزالُ وَلَمْ تزَلْ / بهنَّ عماياتُ الضَّلالِ تَزولُ
سيوفٌ تنيرُ الحقَّ أنَّى انْتَضَيْتَها / وخيلٌ يجولُ النصرُ حَيْثُ تَجولُ
أَلا فِي سبيلِ اللهِ غزوُكَ من غَوى / وَضلَّ بِهِ فِي النَّاكثينَ سَبِيلُ
لئِنْ صَدِئَتْ أَلبابُ قومٍ بمكرِهِمْ / فسيفُ الهدى فِي راحَتَيْكَ صَقيلُ
فَإِنْ يَحْيَ فيهم بَغْيُ جالُوتَ جَدِّهِمْ / فَأَحجارُ دَاودٍ لَديْكَ مُثُولُ
هُدىً وَتُقىً يُودِي الظلامُ لَدَيْهِما / وحقٌّ بدفعِ المُبْطِلينَ كَفيلُ
بجمعٍ لَهُ من قائدِ النصرِ عاجِلٌ / إِلَيْهِ ومن حَقِّ اليقينِ دَليلُ
تحمَّلَ منه البحرُ بحراً من القَنَا / يروعُ بِهَا أَمواجَهُ وَيَهُولُ
بِكُلِّ مَعَالاةِ الشِّرَاعِ كَأَنَّها / وَقَدْ حملَتْ أُسْدَ الحَقائِقِ غِيلُ
إِذا سَابَقَتْ شَأْوَ الرِّيَاحِ تخَيَّلَتْ / خيولاً مدى فُرْسَانِهِنَّ خُيُولُ
سحائبُ تزجيها الرياح فإِنْ وَفَتْ / أَنافَتْ بِأَجْيَادِ النعامِ فُيُولُ
ظباءُ سِمَامٍ مَا لَهُنَّ مَفَاحِصٌ / وزُرْقُ حَمامٍ مَا لَهُنَّ هَدِيلُ
سَوَاكِنُ فِي أَوْطانهنَّ كَأَنْ سَمَا / بِهَا الموجُ حَيْثُ الرَّاسِيَاتُ تَزُولُ
كما رفع الآلُ الهوادجَ بالضُّحى / غَداةَ استَقَلَّتْ بالخليطِ حُمُولُ
أَراقِمُ تَقْرِي ناقعَ السّمِّ مَا لَهَا / بما حَملت دون الغواة مقيلُ
إِذا نَفَثَتْ فِي زوْرِ زِيري حُماتَها / فَوَيْلٌ لَهُ من نَكْزِها وأَليلُ
هنالك يَبْلُو مرتعَ المكْرِ أَنَّهُ / وخِيمٌ عَلَى نفس الكَفُورِ وَبِيلُ
كَتائبُ تعتامُ النفاقَ كَأَنَّها / شآبيبُ فِي أَوطانه وَسُيُولُ
بكُلِّ فتىً عارِي الأَشَاجِع مَا لَهُ / سِوَى الموت فِي حَمْيِ الوطيسِ مَثِيلُ
خفيفٌ عَلَى ظهرِ الجواد إِذَا عدا / ولكن عَلَى صَدْرِ الكَمِيِّ ثقيلُ
وجرداءَ لَمْ تبخل يداها بغايةٍ / ولا كَرُّها نحو الطعان بخيلُ
لها من خوافي لَقْوَةِ الجَوِّ أَرْبَعٌ / وَكَشحانِ من ظبي الفَلا وَتَلِيلُ
وَبيضٍ تَرَكْنَ الشِّرْكَ فِي كل مُنْتَأىً / فُلُولاً وَمَا أَزرى بهنَّ فُلُولُ
تمورُ دماءُ الكُفرِ فِي شَفَراتِها / ويرجعُ عنها الطرفُ وهوَ كليلُ
وأَسمرَ ظمآنِ الكعوبِ كَأَنَّما / بِهِنَّ إِلَى شُرْبِ الدماءِ غليلُ
إِذا مَا هوى للطعنِ أَيقنتَ أَنه / لصرف الرَّدَى نحو النفوس رسولُ
وَحنَّانَةِ الأَوتَارِ فِي كلِّ مهجةٍ / لعاصيكَ أَوْتَارٌ لَهَا وَذُحُولُ
إِذا نَبْعُها عنها أَرَنَّ فإنما / صداه نحيبٌ فِي العدى وعويلُ
كَتائبُ عِزُّ النصرِ فِي جَنَبَاتِها / فكلُّ عزيزٍ يمَّمَتْهُ ذليلُ
يُسَيِّرُها فِي البرِّ والبحر قائدٌ / يسيرٌ عَلَيْهِ الخطبُ وَهْوَ جليلُ
جوادٌ لَهُ من بهجة العزِّ غُرَّةٌ / ومن شِيَمِ الفضلِ المبينِ حُجولُ
به أَمِنَ الإسلامُ شرقاً ومغرباً / وغالت غواياتِ الضلالةِ غُولُ
يَصُولُ بسيفِ اللهِ عَنَّا وإنما / بِهِ السيف فِي ضَنْكِ المقام يصولُ
حُسامٌ لداءِ المكر والغدر حاسمٌ / وظلٌّ عَلَى الدين الحنيف ظليلُ
إِذا انْشَقَّ ليلُ الحربِ عن صُبحِ وجههِ / فقد آن من يوم الضلالِ أَصيلُ
كَريمُ التأَنِّي فِي عِقَابِ جُنَاتِهِ / وَلَكِنْ إِلَى صوت الصَّرِيخ عَجُولُ
لِيَزْهُ بِهِ بحرٌ كَأَنَّ مُدُودَدُ / نوافلُ من معروفه وفضُولُ
ويا رُبَّ نجمٍ في الدُّجى وَدَّ أَنَّه / من المركَبِ الحاوي سناه بديلُ
تهادت بِهِ أَنفاسُ رَوْحٍ من الصَّبا / وَخَدٌّ من البحر الخِضَمِّ أَسيلُ
وقد أَوْمَتِ الأَعلامُ نحوَ حُلُولِهِ / وحنَّ من الغُرِّ الجياد صهيلُ
فجلّى سناه العدْوَتَيْنِ وَبَشَّرَتْ / خوافقُ راياتٍ لَهُ وَطبولُ
وأَيقنَ باغِي حتفِه أَنَّ أُمَّه / وَقَدْ أَمَّهُ الليثُ الهصورُ هَبُولُ
فواتحُ عِزٍّ مَا لَهَا دونَ زمزمٍ / وَلا دُونَ سَعْي المروتَيْنِ قُفُولُ
وهل عائقٌ عنها وكلّ سَنِيَّةٍ / إليك تَسَامى أَوْ إليكَ تَؤولُ
سيوفٌ عَلَى الجُرْدِ العِتاقِ عَزِيزَةٌ / وَأَرْضٌ إِلَى البَيْتِ العَتيقِ ذَلُولُ
فقد أَذِنتْ تِلْكَ الفِجَاجُ وَدُمِّثَتْ / حُزونٌ لِمَهوَى مَرِّهَا وسُهولُ
وقامَ بِهَا عند المقامِ مُبَشِّرٌ / وشَامَ سناها شَامَةٌ و طَفِيلُ
فيَهنيك يَا منصورُ مبدأُ أَنْعُمٍ / عَوائدُه صنعٌ لديكَ جَمِيلُ
وفرعان من دوح الثناء نمتهما / من المجد فِي التُّرْبِ الزَّكِيِّ أُصولُ
عقيبان بَيْنَ الحربِ وَالمُلْكِ دولة / وعزٌّ مُدَالٌ منهما ومُديلُ
مليكانِ عَمَّ السّلمَ والحربَ منهما / غِنىً وَغَنَاءٌ مُبْرَمٌ وَسحيلُ
وَيَهْنِيكَ شَهْرٌ عند ذي العرش شاهِدٌ / بأَنك بَرٌّ بالصيام وَصُولُ
فَوُفِّيتَ أَجرَ الصابرين ولا عَدَا / مساعِيكَ فَوزٌ عاجلٌ وَقَبُولُ
أَضَاءَ لَهَا فجرُ النُّهى فَنَهاها
أَضَاءَ لَهَا فجرُ النُّهى فَنَهاها / عن الدَّنِفِ المُضْنى بِحَرِّ هواها
وضَلَّلها صبحٌ جلا ليلة الدُّجى / وَقَدْ كَانَ يَهدِيها إِليَّ دُجاها
ويشفع لِي منها إِلَى الوصل مَفْرِقٌ / يُهِلُّ إِلَيْهِ حَلْيُهَا وحُلاها
فيا للشبابِ الغَضِّ أَنْهَجَ بُرْدُهُ / ويا لرياضِ اللهو جَفَّ سَفَاها
وما هِيَ إِلّا الشَّمْسُ حَلَّتْ بمفرقي / فأَعشى عيونَ الغانياتِ سَناها
وعين الصِّبا عار المشيبُ سَوادَها / فَعَنْ أَيِّ عينٍ بعد تِلْكَ أراها
سلامٌ عَلَى شرخ الشباب مُرَدَّدٌ / وآهاً لوصل الغانيات وآها
ويا لديار اللهو أَقوت رُسُومُهَا / وَمَحَّتْ مغانيها وَصَمَّ صَدَاها
وَخَبَّر عَنها سَحْقُ أَثْلَمَ خَاشِعٍ / كَهالةِ بدرٍ بَشَّرتْ بحياها
فيا حبذا تِلْكَ الرسومُ وحبذا / نوافِحُ تُهْدِيها إِلَيَّ صَبَاهَا
تهادي المها الوحشيِّ فِي عَرَصَاتِها / يذكِّرُنيه آنسات مهاها
ومبتسم الأَحباب فِي جنباتها / أَقاحٍ كَساهُنَّ الربيع رُباها
دعوتُ لَهَا سُقيَا الحيا ودعا الهوى / وَبَرْحُ الهوى دمعِي لَهَا فسقاها
وقد أَستقيد الحُورَ فِيهَا بِلِمَّةٍ / تَبَارَى نفوسُ العِينِ نحو فِدَاهَا
وأُصبِحُها الشَّرْبَ الكرامَ سُلافَةً / أَهانت لَهَا أَموالَها وَنُهَاها
كُمَيْتاً كَأَنَّ النجمَ حينَ تَشُجُّها / تقحَّمَ كَأْسٌ كَأْسَهَا فَعَلاهَا
بأَيدي سُقَاةٍ مثل قُضبانِ فِضَّةٍ / جَلَت أحمر الياقوت فَهْوَ جَنَاهَا
وتُزْهى بِسحرٍ من أَحاديثَ بيننا / كَأَنَّ أَسيرَيْ بابلٍ نَفَثَاهَا
وقد عَجَمَتْ مني الخطوبُ ابنَ حُرَّةٍ / أَبِيّاً محزَّاتِي لِوَقعِ مُدَاها
جديراً إِذَا أَكْدى الزمان برحلةٍ / يُحَقِّرُ بُعْدَ الأَرضِ عَرْضُ فلاها
رَحلْتُ لَهَا أَدماءَ وَجَناءَ حُرَّةً / وشيكاً بأَوْبَاتِ السرور سُرَاها
أَقامت بمرعى خصبِ أَرضٍ مَرِيعَةٍ / أَطاع لَهَا تُنُّومُها وَأَلاها
بما أَفرغ الفَرْغانِ ثُمَّتَ أَتبعت / بنوء الثريّا فالتقى ثَرَيَاها
أَشُجُّ بِهَا والليلُ مُرْخٍ سُدُولَه / سَبَارِيتَ أَرضٍ لا يُرَاعُ قطاها
أُسَائِلُ عن مجهولِها أَنْجُمَ الهُدى / بِعَيْنٍ كَأَنَّ الفرقَدَيْنِ قذاها
وَأُحْيِي نُفُوسَ الرَّكْبِ من مِيتَةِ الكَرى / وَقَدْ عَطَفَ الليلُ التَّمامُ طُلاها
بِذِكْرِ أَيادِي العامِرِيِّ الَّتِي طَمَتْ / عَلَى نَأْيِ آفاقِ البِلادِ مُنَاها
وَمُوحشةِ الأقطارِ طامٍ جِمَامُهَا / مَرِيشٌ بأَسرابِ القَطا رَجَوَاهَا
أَهلَّ إليها بعد خَمسٍ دَلِيلُنَا / فعُجْنَا صدورَ العِيسِ نَحْوَ جَبَاها
نُغِيثُ بقايا من نفوسٍ كَأَنَّهَا / بقايا نجوم القَذْفِ غارَ سَنَاها
وقمنا إِلَى أَنْقاضِ سَفْرٍ كَأَنَّهَا / وَقَدْ رحلت شطراً شطورُ بُرَاها
وقلتُ لنِضوٍ فِي الزِّمَام رَذِيَّةٍ / تَشكَّى إِلَى الأَرْضِ الفضاءِ وَجَاها
عسى راحةُ المَنْصُورِ تُعْقِبُ رَاحةً / وَحَتْمٌ لآمال العُفَاةِ عَساها
فِللهِ منه قائدُ الحَمْدِ قادَهَا / وَمِنّيَ مَحدُوُّ الخطوبِ حَدَاها
ولله عزمي يوم وَدَّعْتُ نحوه / نُفُوساً شجاني بَيْنُهَا وَشَجاها
وَرَبَّةُ خدرٍ كَالجُمَان دُمُوعُها / عَزِيزٌ عَلَى قلبي شُطُوطُ نَوَاها
وَبِنْتُ ثمانٍ مَا يزال يَرُوعُنِي / عَلَى النّأْيِ تَذْكَارِي خُفُوقَ حَشَاها
وَمَوْقِفَها وَالبَيْنُ قَدْ جَدَّ جدُّهُ / مَنُوطاً بحبلَيْ عَاتِقَيَّ يَدَاها
تَشَكَّى جَفَاءَ الأَقْرَبِين إِذَا النَّوى / تَرَامَتْ برحلي فِي البلادِ فَتَاهَا
وَأَقسم جُودُ العَامِرِيِّ لَيَرْجعَنْ / حَفِيّاً بِهَا مَنْ كَانَ قَبلُ جَفَاها
وَرَامَتْ ثواءً من أَبٍ وَثواؤه / عَلَى الضَّيْمِ بَرْحٌ من شماتِ عِدَاها
وَأَنّى لَهَا مَثْوَى أَبيها وَقَدْ دَعَتْ / بوارقُ كَفِّ العامِريِّ أَبَاها
بُنَيَّ إليكِ اليوم عَنِي فإِنها / عزائمُ كَفُّ العامريّ مداها
فَحَطَّتْ بمغنى الجودِ والمجدِ رَحْلَها / وَأَلقت بِرَبْعِ المَكرُمَاتِ عَصَاها
لدى مَلِكٍ إِحدى لواحِظِ طَرْفِهِ / بعين الرِّضَا حَسْبُ المُنى وَكَفَاها
هو الحاجِبُ المنصورُ والمَلِكُ الَّذِي / سَعى فتعالى جَدُّه فَتَناهى
سليلُ الملوكِ الصِّيدِ من سَرْوِ حِميَرٍ / توسَّط فِي الأَحساب سَمْك ذُرَاها
لبابُ معاليها وإنسانُ عَيْنِها / وَبَدْرُ دَيَاجِيهَا وَشمسُ ضُحَاها
مُعَظَّمُها مَنْصُورُها وَجَوادُها / وفارسُها يومَ الوغى وفتاها
وَوَارِثُ مُلْكٍ أَثَّلَتْهُ مُلُوكُها / وَجَامِعُ شَمْلَيْ مَجْدِها وَعُلاها
نَمَاهُ لِقَوْدِ الخيل تُبَّعُ فخرِها / وأَوْرَثَهُ سَبْيَ المُلُوكِ سَبَاها
ذَوُو المُلْكِ وَالتِّيجَانِ والغُرَرِ الَّتِي / جَدِيرٌ بِهَا التيجانُ أَن تَتَبَاهى
شُمُوسُ اعتلاءٍ تُوِّجَتْ بِأَهِلَّةٍ / وَسُرْبِلَتِ الآجالُ فَهْو كَسَاها
محلُّك بالدنيا وبالدينِ آهِلُ
محلُّك بالدنيا وبالدينِ آهِلُ / فعِيدٌ وأَعيادٌ وعامٌ وقابلُ
وسعدٌ وإِقْبَالٌ ويمنٌ وغبطةٌ / ونصرٌ وفتحٌ عاجلٌ ثُمَّ آجلُ
وصومٌ كريمٌ بالمَبَرَّةِ رِاحِلٌ / وفِطرٌ عزيزٌ بالمَسَرَّةِ نازِلُ
ورَفْعُ لواءٍ شَدَّدَ اللهُ عَقْدَهُ / ليعلُوَ حَقٌّ أَوْ ليَسْفُلَ باِطلُ
أَلا فِي سبيلِ اللهِ عَزْمَتُكَ الَّتِي / عَلَى الدينِ والإِسلامِ منها دلائلُ
فقد نَطَقَتْ بالنصرِ فِيهَا شواهدٌ / وَقَدْ وَضَحَتْ للفتح منها مَخَائِلُ
فأَبْشِرْ فنجمُ الدين بالسَّعْدِ طالِعٌ / وأَيْقِنْ فنجم الشِّرْكِ بالخزيِ آفِلُ
وقد أُصحِبَ التسديد مَا أَنت قائلٌ / وَأُيِّدَ بالتوفيقِ مَا أَنتَ فاعِلُ
وساعَدَ صُنْعُ اللهِ مَا أَنت طالبٌ / وَأَسْعَدَ جُودُ الله مَا أنتَ سائلُ
فما تَصِلُ الأَيامُ من أَنت قاطِعٌ / ولا تقطع الأَيامُ من أنت واصلُ
وهل خَيَّبَتْ يمناك مَنْ جاءَ آمِلاً / فيُكْذِبَ ربُّ العرش مَا أَنت آملُ
وقد أفطر الإسلامُ والسيف صائِمٌ / وَعَلَّتْ ظِمَاءٌ والرماحُ نواهلُ
فأَوْرِدْ صواديها فقد طاب مَشرَعٌ / وَقَدْ حان مأْكُولٌ وَقَدْ حَنَّ آكِلُ
فما أَنتَ إِلَّا الشمسُ تطلع للعِدَى / فظِلُّهُمُ حَتْماً بِنُورك زائِلُ
كَرُمْتَ فما يَعْيَا بِحَمْدِكَ مُفْحَمٌ / وسُدْتَ فما يَغبَى بِقَدْرِكَ جاهلُ
وجودُك فِي سلْمٍ وبأَسُك فِي وَغىً / بُحُورٌ طوامٍ مَا لَهُنَّ سواحلُ
فَلا خَذْلَ الرحمنُ مَنْ أَنت ناصرٌ / ولا نصر الرحمنُ من أنت خاذلُ
لَئِنْ سَرَّتِ الدُّنْيا فأَنت سُرُورُهَا
لَئِنْ سَرَّتِ الدُّنْيا فأَنت سُرُورُهَا / وإِنْ سَطَعَت نُوراً فوجْهُكَ نورُهَا
سلامٌ عَلَى الأَيَّامِ مَا شِمْتَ لِلعُلا / أَهِلَّتَهَا واستقبلتْكَ بُدُورُهَا
وبُورِكَتِ الأَزْمانُ مَا أَشرَقَتْ لَنَا / بوجْهكَ هَيْجَاوَاتُهَا وقُصُورُهَا
فَلا أَوْحَشَتْ من عِزِّ ذكرِكَ دَولَةٌ / إِليكَ انتهى مأْمُورُهَا وَأَمِيرُهَا
فَما راقَ إِلّا في جبينِك تاجُهَا / ولا قَرَّ إلا إِذ حواك سريرُها
فلا راعها خَطْبٌ وسيفُكَ أُنْسُهَا / ولا رامها ضيمٌ وأَنتَ مُجيرُهَا
ومَنْ ذا يُناوِيهَا وأَنت أَميرُها / ومن نسْلِكَ الزاكي الكريمِ وزيرُها
فتىً طالَعَتْهُ بالسعود نجومُها / وطارت لَهُ باليُمْنِ فينا طيورُها
أَذَلَّ لَهُ عَبْدُ المليكِ ملوكَهَا / وَأَنْجَبَهُ المنصورُ فَهْوَ نصيرُها
بِحَارٌ أَمَرَّتْ للأَعادي طُعومُها / كَمَا طاب فينا شُرْبُهَا وطَهُورُها
وأَربابُ مُلْكٍ فِي رياسةِ أُمَّةٍ / لهم فِي المعالي عِيرُها ونفيرُها
وما يتساوى موتُها وحياتُها / ولا يَتَكافَى ظِلُّهَا وَحَرُورُهَا
وأَنت الَّذِي أَوْرَدْتَ لُونَةَ قاهِراً / خيولاً سماءُ الأَرْضِ فيها نُحُورُها
وقد لاح بالنصر العزيز لواؤها / وأَعْلَنَ بالفتحِ المبين بَشِيرُهَا
وَحلَّتْ حُلُولَ اللَّيلِ فِي كلِّ بلدةٍ / سَوَاءٌ بِهَا إِدْلاجُها وَبُكُورُها
وقد فَتَأَتْ سُمْرُ القنا بِدِمائِهَا / وَغَالَتْ صُدُورَ الدارعين صُدُورُها
صَلِيتَ وَقَدْ أَذْكَى الطِّعَانُ وَقُودَهَا / وَفَارَ بِنِيرانِ السُّيُوفِ سَعِيرُهَا
وَخَضْتَ وَقَدْ أَعْيَتْ نجاةُ غَرِيقِهَا / وهالَتْ بأمواجِ المنايا بُحُورُها
وقد ضربت خدراً عَلَى الشمس وانجلت / بِهَا عن شموس الغانيات خدورُها
عَقَائِلَ أَبكاراً غَدَوْنَ نواكحاً / وَمَا أَصْبَحَتْ إِلّا السيوفَ مُهُورُها
فَلا مُحِيَتْ أَفْخَاذُهَا مِنْ سِمَاتِكُمْ / ولا عَرِيت من ناصِرِيكُمْ ظُهُورُها
فَدَيْنَاكَ سَيْفاً لَمْ تَخُنْهُ مَضَارِبُهْ
فَدَيْنَاكَ سَيْفاً لَمْ تَخُنْهُ مَضَارِبُهْ / وبحرَ عَطَاءٍ مَا تَغِيضُ مواهِبُهْ
وبدراً تجَلَّى فِي سماءٍ رياسةٍ / كواكبُها آثارُهُ وَمَنَاقِبُهْ
تقلَّدَ سيفَ اللهِ وَالتَحَفَ النَّدى / فَسَدَّدَ رَاجيهِ وَأعْذَرَ هائِبُهْ
فها هو ذا في كلِّ قلبٍ ممثَّلٌ / وهاتيك عند الفرقدين مراتبُهْ
فَمَا عَرَّجَتْ عنه سبيلٌ لِطَالِبٍ / ولا رَحُبَتْ أرضٌ بِمَنْ هو طَالِبُهْ
خلائِقُ مِنْ مَاءِ الحياةِ وطَالَمَا / يَغَصُّ بِهِ يوم الكريهةِ شارِبُهْ
أَمُلْبِسَنَا النُّعْمى أَلاَ رُبَّ مَلْبَسٍ / سَنِيٍّ وتاجٍ لِلْعُلا أَنت سَالِبُهْ
وَلَيْلٍ كريعانِ الشباب قَذَفْتَهُ / بِهَوْلِ السُّرى حَتَّى أُشِيبَتْ ذَوَائِبُهْ
وَصَلْتَ بِهِ يوماً أَغَرَّ صَحِبْتَهُ / غُلاماً إِلَى أَنْ طَرَّ باللَّيْلِ شَارِبُهْ
بِكُلِّ مُذَلٍّ كَرَّمَتْهُ جُدُودُهُ / وَكُلِّ كمِيٍّ أَحْكَمَتْهُ تَجَارِبُهْ
وَعَضْبٍ يَمَانٍ قَدْ تَعَرَّفْتَ يُمْنَهُ / وإِنْ يَنْتَسِبْ تَعْطِفْ عَلَيْكَ مَنَاسِبُهْ
وسُمْرٍ لِدَانٍ كالكواكب سُقْتَهَا / ليومٍ من الأَعداءِ بَادٍ كَواكِبُهْ
صليتَ ونارُ الحربِ يَذْكُو سَعِيرُهَا / وَخَضْتَ وَمَوْجُ الموتِ تَطْفُو غَوَارِبُهْ
ولا مثلَ يومٍ نحو لُونَةَ سِرْتَهُ / وقد قَنَّعَت شَمْسَ النهارِ غَيَاهِبُهْ
رَفَعْتَ لَهَا فِي عارِضِ النَّقْعِ بَارِقاً / تَسِحُّ شآبيبَ المنايا سَحَائِبُهْ
وَعَذْرَاءَ لَمْ يأَتِ الزمانُ بِكُفْئِهَا / ولا رامها بَعْلٌ وإِنْ عَزَّ جانِبُهْ
معوَّذةٍ لَمْ يَسْرِ خطبٌ بِأَرْضِهَا / ولا عَرَفَتْ بالدَّهْرِ كَيْفَ نوائِبُهْ
ثَوَتْ بَيْنَ أَحْشَاءِ الضَّلالِ وَأُشْرِعتْ / أَسِنَّتُهُ مِنْ دُونِهَا وَقَواضِبُهْ
وأَصْبَحْتَ يَا عبد المليكِ مَليكَهَا / وَأَنْجَحَ سَاعٍ جَاءَ والسَّيفُ خاطِبُهْ
وَسُقْتَ لَهَا صِدْقَ اللقاءِ مُعَجَّلاً / صَدَاقاً إِذَا مَا هَلْهَلَ الضَّرْبَ كاذِبُهْ
وجيشٍ أَضاءَ الخافِقَيْنِ رِمَاحُهُ / وفاضت عَلَى رَحْبِ البِلادِ كتائِبُهْ
وقد ضَمَّهَا فِي نَفْنَفِ الجوِّ مَعْقِلٌ / عَسِيرٌ عَلَى عُصْمِ الوُعُولِ مَرَاقِبُهْ
بَعَثْتَ عليها منكَ دَعْوَةَ واثقٍ / صَفَا شاهِدُ الإِخْلاصِ منه وغَائِبُهْ
فسَرْعَانَ مَا أَقْوى الشّرى من أُسودِهِ / وأُبرِزَ من حُرِّ الحِجَالِ كواعِبُهْ
ثَلاثَةُ آلافٍ حِسَاباً وَمِثْلُهَا / وَقَدْ غَلَّ عَازِيهِ وأَسَأَرَ حَاسِبُهْ
فيا لَيْتَ قُوطاً حين شادَ بِناءَهُ / رآه وَقَدْ خَرَّتْ إِلَيْكَ جَوانِبُهْ
ويا ليت إِذْ سَمَّاهُ بَدْراً مُعَظَّماً / رآه وَفِي كِسْفِ العَجَاجِ مَغَارِبُهْ
فَيَعْلَمَ أَن الحقَّ دَافِعُ كَيْدِهِ / وَأَنَّكَ حِزْبَ اللهِ لا شَكَّ غَالِبُهْ
فلا خُذِلَ الدِّينُ الَّذِي أَنت سَيْفُهُ / ولا أَوْحَشَ المُلْكُ الَّذِي أَنت حَاجِبُهْ
سلامٌ عَلَى البدرِ الَّذِي خَلَفَ الشَّمْسَا
سلامٌ عَلَى البدرِ الَّذِي خَلَفَ الشَّمْسَا / وَكَانَ لَنَا فِي يومِ وحشتِهِ أُنْسا
سِراجان للدنيا وللدِّينِ أَشرقا / فشمسٌ لمنْ أَضحى وبدرٌ لمن أَمسى
رمى فِي سبيلِ الله غايةَ مُقْدِمٍ / جديرٍ بأن يستعبدَ الجنَّ والإنسا
فسابَقَ حَتَّى لَمْ يَجِدْ للعُلا مَدىً / وجاهَدَ حَتَّى لَمْ يَجِد للعِدى حِسَّا
وسارَ وروحُ المُلْكِ فِي نورِ وَجههِ / وَخلّاك يَا نجلَ الملوكِ لَهُ نَفْسا
لَتَعْتَصِبَ التاجَ السَّنيَّ الَّذِي اكْتَسى / وترتَقيَ الطودَ الرفيعَ الَّذِي أَرْسى
وتجلُو لَنَا منه شمائلَ لَمْ تَغِبْ / وَتُذْكِرنا منه شمائلَ لا تُنْسى
وتكسُو ثيابَ العُرْفِ والجودِ والندى / أَمانِيَّ لا زالت بأَنعمه تُكسى
فلا أَوْحشت هذي المنازِلُ منكما / ولا فارقت أَبراجُها البدرَ والشمسا
أَفي مثلِها تنبو أَياديك عن مثلي
أَفي مثلِها تنبو أَياديك عن مثلي / وهذِي الأماني فيك جامِعةُ الشَّمْلِ
وقد أَوفتِ الدُّنيا بعهدِكَ واقْتَضَتْ / وفاءَك أَلا زِلْتَ تُعْلي وتَسْتَعْلِي
وَقَدْ أَمَّنَ المقدارُ مَا كنتُ أَتَّقِي / وأَرخَصَتِ الأَيَّامُ مَا كنتُ أَسْتَعْلِي
وأَذعَنَ صرفُ الدَّهْرِ سمعاً وطاعةً / لما فُهْتَ من قولٍ وأَمضَيْتَ من فعلِ
وناديتَ بالإنْعَامِ فِي الأرضِ فالْتَقَتْ / بيمناك أَشتاتُ الطَّرَائِقِ والسُّبْلِ
وَحَلَّتْ بِكَ الآمالُ فِي عَدَدِ الدَّبى / فوافَت أَيادٍ منكَ فِي عَدَدِ الرَّمْلِ
وهذا مُقامي منذُ تِسْعٍ وأَرْبَعٍ / رجائِيَ فِي قيدٍ وَحَظِّيَ فِي غُلِّ
كأَنِّيَ لَمْ أَحْلُلْ ذَرَاكَ وَلَمْ أُقِمْ / مُناخَ العطايا فيك مُرْتَهَنَ الرَّحْلِ
وأُغْضِ عن البرق الَّذِي شِيمَ لِلحيا / وأَعقِدْ بِحَبْلٍ منكَ بَيْنَ الورى حَبْلي
ولم أدَّخِرْ من راحَتَيْكَ وسائلاً / رضيتُ بِهَا كُفءاً عن المالِ والأَهْلِ
ولم تُصْفِني خُلقاً أَرَقَّ من الهوى / وَلَمْ تُولِني نُعْمى أَلَذَّ من الوَصْلِ
ولم تَثْنِ عنِّي فِي مواطِنَ جَمَّةٍ / سُيوفاً حِدَاداً قَدْ سُلِلْنَ عَلَى قَتْلي
ولم أَطْوِ سِنَّ الاكْتِهَالِ مُحاكِماً / إليك خُطُوباً شَيَّبَتْ مَفْرِقَ الطفلِ
وكُنتَ ومِفْتاحُ الرغائبِ ضائِعٌ / ملاذي فهذا بابُها ضائعُ القُفْلِ
وكم مُرْتَقىً وعرٍ جَذَبْتَ بساعِدي / إِلَيْهِ فقد أَفْسَحْتَ بالأَفْيَحِ السَّهْلِ
وأَنهارِ راحٍ فِي رياضٍ أَنِيقَةٍ / مُوَطَّأَةِ الأَكْنَافِ للنَّهْلِ والعَلِّ
حَرَامٍ عَلَى وِرْدِي حِمىً دونَ مَرتَعي / وَقَدْ بَرَّحَتْ فِي الناس بالطَّيِّبِ الحِلِّ
وقد شَفَّني رَشْفُ الثِّمارِ أَوَاجِناً / وأَنْضى رِكابي مجْذِبُ المرتَع المَحْلِ
وإِنَّ عَجيباً أَنَّ عِزَّكَ مَوْئِلِي / وأَكْظِمُ أَنْفاسي عَلَى غُصَصِ الذُّلِّ
وأَنِّيَ من ظُلمِي بِعَدْلِكَ عَائِدٌ / وكم مطلبٍ أَسلمتَهُ فِي يَديْ عَدْلِ
وأَنِّيَ فِي أَفياءِ ظِلِّكَ أَشْتَكِي / شَكِيَّةَ مُوسى إِذْ تولَّى إِلَى الظِّلِّ
ففي حُكمِكَ الماضي وَسُلْطَانِكَ العَدْلِ / تُمِرُّ لِيَ الدنيا وطَعْمِي لَهَا مُحْلِ
وتقلِبُ لي ظهرَ المِجَنِّ تَجَنِّياً / فَمَوْتِي بما يُحيي ومَوْتِي بما يُسْلِي
أَلَمْ تَرَنِي يومَ الرِّهَانِ مُبَرِّزاً / أَمامَ الأُلى جاؤوا إِلَى الحَظِّ مِنْ قَبْلِي
فكَمْ باتَ هَذَا الملكُ منّي مُعرِّساً / بِفَتّاَنَةٍ بكْرٍ وبتُّ عَلَى الثُّكْلِ
وأَثقَلْتُ أوتارَ الرِّكابِ جَوَاهِراً / عَلَى ثَمنٍ يَعْدُو بِهِ مُحْوِلُ النَّمْلِ
وها أَنذَا مَا إِنْ أَموت من الأسى / بوَقْرٍ عَلَى وَقْرِ وثِقْلٍ عَلَى ثقْلِ
وَليَّ النَّدى أَصْبَحتُ فِي دَوْلَةِ النَّدى / كَأَنِّي عَدُوُّ البخل فِي دَوْلَةِ البُخْلِ
يُقَتِّلُ أَخْفى اليَأْسِ أَحْيى مَطالِبي / لَيَالِيَ جلَّ الْوَعْدُ عن ريبةِ المَطْلِ
وأُبْدي لِلَسْعِ الدَّبْر وَجْهي مُنازعاً / وَقَدْ فازَ غيري سالِماً بجنى النَّحْلِ
ومَولىً يَجِرُّ البأْسُ والحَمْدُ ساجداً / إِلَى سيفِهِ الماضي ونائلِهِ الجَزْلِ
سَريع إِلَى داعي النَّدى وشَفِيعِهِ / وبَحْرُ عطاياهُ أَصمُّ عن العَذْلِ
تَذكَّرني فِي ساعة العلم والنُّهى / وأُنْسِيَني فِي ساعة الجود والبَذْلِ
وَبَوَّأَنِي فِي قَصْرِهِ أَعْلَ مَنْزِلٍ / وَحَظِّيَ مُلقىً يسْتغيثُ من السُّفْلِ
فَأَكْسُو لَهُ الأَيَّامَ مِنْ حُرِّ مَا أَشِي / وَأَمْلأُ سَمْعَ الدهرِ من سِحْرِ مَا أُملِي
أُوَاصِلُ آناءَ الأَصائِلِ بالضُّحى / وزادِيَ من جُهدِي وراحِلَتي رِجْلي
إِذا أَحْفَتِ الفُرْسانُ غُرَّ جِيادِهِ / خَصَفْتُ بوجهي مَا تَمزَّقَ من نَعْلِي
وإِنْ أَقْبَلُوا والمِسْكُ يندى عَلَيْهِمُ / أَتَيْتُ وَقَدْ ضُمِّخْتُ مِسْكاً من الوحْلِ
وإِنْ شُغِلوا لَهْواً بأَنْعُمِ كفِّهِ / فخِدْمَتُه لَهْوي وطَاعَتُهُ شُغْلي
أُقِرُّ عيونَ الشامِتينَ ولَيتَنِي / أُبَرِّدُ مَا تطوي الضلوع من الغِلِّ
أَمُرُّ بِهِمْ أَلقى الثَّرى وكأنَّمَا / فؤادِيَ من أحداقِهِمْ غَرَضُ النَّبلِ
إِذا الأَسد الضِّرغامُ أَنْفَذَ مقتَلي / فما فَزَعِي إِلّا إِلَى الأَرْقَمِ الصّلِّ
وإِن ذابَ حُرُّ الوجْهِ من حَرِّ نارِهِمْ / فما مُسْتَغَاثِي منهُ إِلّا إِلَى المُهْلِ
ومن شيمة الماء القراح وإن صفا / إذا اضطرمت من تحته النار أن يغلي
ولا وَزَرٌ إِلّا وزيرٌ لَهُ يدٌ / تُمِلُّ عَلَى أَيْدِي الربيع فيَسْتَمْلِي
أَبا الأصبَغ المَعْنيَّ هل أَنت مُصْرِخِي / وهلْ أَنتَ لي مُغْنٍ وهل أَنتَ لي مُعْلِ
وهل مَلِكُ الإِنعامِ والجودِ عائدٌ / بإِحسانِ مَا يُولي عَلَى حُسْنِ مَا أُبْلي
وهل لرياض الملك في نفحة الصبا / وهل لسماء المجد في كوكب النُّبلِ
وحتَّى مَتى أُعْطِي الزمانَ مقادَتِي / وَقَدْ قَبَضَتْ كَفّي عَلَى قائِمِ النَّصلِ
ونادَيْتُ من عُلْيا الوزارَةِ ناصِراً / يَرى خاطفاتِ الشُّهْبِ تمشي عَلَى رِسْلِ
فلا يَغْبِطِ الأَعداءَ مَا طُلَّ من دَمي / ولا يَهْنئِ الأَيَّامَ مَا فاتَ من ذَحْلي
عسى مجدُ عيسى أَن ينوءَ ببارِقٍ / يُسِحُّ حَيا الإِفضالِ فِي روضةِ الفَضْلِ
فيا ابْنَ سعيدٍ هل لِسَعْدِكَ كَرَّةٌ / عَلَى الهِمَّةِ العَلْياءِ فِي الأُفُقِ الغُفْلِ
طَوَتْ زَفَراتِ البَثِّ حَتَّى لقد أَنى / لذات مَخاضٍ أَن تُطَرِّقَ بالحَمْلِ
مطالبُ أبقى الدهرُ منها مَظالِماً / تُنادِيكَ بالشكْوى وتدعُوك للفَضْلِ
وكُلٌّ عليها شاهِدٌ غيرُ شاهِدٍ / وَلَيْسَ لَهَا حاشاكَ من حَكَمٍ عَدْلِ
أَيَحْتَقِبُ الركبانُ شرقاً ومغرِباً / غرائِبَ أَنفاسي وأَلقاكَ فِي الرَّجْلِ
ويَنْتَقِلُ الشَّرْبُ الندامى بدائِعي / وهَيهَاتَ لي من لَذَّةِ الشُّرْبِ والنُّقْلِ
وضَيفٌ بحيثُ الطَّيْرُ تُدْعى إِلَى القِرى / يضيقُ بِهِ رَحْبُ المَباءةِ والنُّزْلِ
طَوٍ وَوُجُوهُ الأَرْضِ خِصْبٌ ومَطْعَمٌ / وعيمانُ والجُلمُودُ يَفَهَقُ بالرِّسْلِ
وحَرَّانُ أَوْفى ظِمءَ تِسْعٍ وأَرْبعٍ / بحيثُ تَلاقى دافِقُ البحرِ والوَبْلِ
وسَيفٌ يقُدُّ البَيْضَ والزَّغْف مقدِماً / يروحُ بلا غِمْدٍ ويغدُو بلا صَقلِ
وذُو غُرَّةٍ معروفَةِ السبق فِي المدى / وَقَدْ قَرِحَ التَّحجيلُ من حَلَقِ الشُّكْلِ
ودَوحَةُ عِلمٍ فِي السماءِ غُصُونُها / تَرفُّ بلا سُقْيا سوى بَغَش الطَّلِّ
هَنيئاً لهذا الدَّهرِ رَوْحٌ وريْحانُ
هَنيئاً لهذا الدَّهرِ رَوْحٌ وريْحانُ / وللدِّينِ والدنيا أمانٌ وإِيمانُ
بِأَنَّ قعِيدَ الشِّرْكِ قَدْ ثُلَّ عَرْشُهُ / وأَنَّ أَميرَ المؤمنينَ سُلَيْمَانُ
سَمِيُّ الَّذِي انقادَ الأَنامُ لأَمْرِهِ / فلم يَعْصِهِ فِي الأَرضِ إِنسٌ ولا جانُ
وباني العُلا للمجدِ غَادٍ ورائحٌ / وحِلْفُ التُّقَى فِي اللهِ راضٍ وغَضْبانُ
بِهِ رُدَّ فِي جَوِّ الخلافةِ نُورُها / وَقَدْ أَظْلَمَتْ منها قصورٌ وأوطانُ
وَأَنْقَذَ دينَ اللهِ من قبضةِ العِدى / وَقَدْ قاده للشِّركِ ذلٌّ وإِذعَانُ
وقامَ فقامتْ للمَعَالي معالِمٌ / وللخيرِ أسواقٌ وللعدلِ ميزَانُ
وجدَّدَ للإسلامِ ثوبَ خلافةٍ / عليها من الرحمنِ نورٌ وبُرْهَانُ
وأَكَّدَها عهدٌ لأكرمِ من وفى / بعهدٍ زَكَتِ فِيهِ عهودٌ وأَيمانُ
بِهِ شُدَّ أَزْرُ الملكِ وابْتَهَجَ الهُدى / وفاضَ عَلَى الإسلامِ حسنٌ وإِحسانُ
فَتىً نَكَصَتْ عنهُ العيونُ مَهابَةً / فليسَ لَهُ إِلّا الرَّغَائبَ أَقْرانُ
يَهونُ عَلَيْهِ يومَ يُرْوي سيوفَهُ / دماً أَن يوَافيهِ الدُّجى وَهْوَ ظمْآنُ
سَمِيَّ النَّبيِّ المصطفى وابنُ عَمِّهِ / ووَارِثُ مَا شَادَتْ قُرَيْشٌ وعَدْنانُ
وَمَا ساقَتِ الشُّورى وأَوْجَبَتْ التُّقى / وأَوْرَثَ ذُو النُّورَيْنِ عَمُّكَ عُثْمانُ
وما حاكَمَتْ فِيهِ السيوفُ وحازهُ / إليكَ أَبو الأَملاكِ جدُّكَ مرْوانُ
مَوارِيثُ أَملاكٍ وتوكيدُ بَيْعَةٍ / جديرٌ بِهَا فتحٌ قريبٌ ورِضْوانُ
ودوحةُ مجْدٍ فِي السَّماءِ كَأَنَّمَا / كَوَاكِبُهَا منها فروعٌ وأَغصانُ
لَئِنْ عَظُمَتْ شأْناً لقد عزَّ نصرُها / بكَرَّاتِ فُرسانٍ لأَقدارِهَا شانُ
قبائلُ من أَبناءِ عادٍ وجُرْهمٍ / لَهُمْ صَفْوُ مَا تَنْمِيهِ عادٌ وَقَحْطَانُ
بَنو دُوَلِ المُلكِ الَّذِي سَلَفَتْ بِهِ / لآبائهم فِيهَا قُرونٌ وأَزْمَانُ
هُمُ عَرفُوا مثواكَ فِي هَبْوَةِ الرَّدى / وَقَدْ رَابَ معهودٌ وأَنكَرَ عِرفانُ
وللمَوْتِ فِي نَفْسِ الشُّجاع تخيُّلٌ / ولِلذُّعْرِ فِي عَيْنِ المُخاطِرِ أَلوانُ
فأَعْطَوكَ واسْتَعْصَوكَ فِي السَّلْمِ والوغى / مَوَاثِيقَ لَوْ خَانَتْكَ نفسُكَ مَا خانوا
كَأَنَّ السَّمَاءَ بدْرَها ونجومها / سُرَاكَ وَقَدْ حَفُّوكَ شِيبٌ وشُبَّانُ
وقد لَمَعَتْ حوْلَيْكَ منهمْ أَسِنَّةٌ / تُخَيِّلُ أَنَّ الحَزْنَ والسَّهْلَ نِيرانُ
أُسودُ هِياجٍ مَا تزالُ تَرَاهُمُ / تطيرُ بِهِمْ نحوَ الكريهَةِ عِقبانُ
وأقمارُ حَربٍ طالِعَاتٌ كَأَنَّمَا / عَمَائِمُهُمْ فِي موقفِ الرَّوْعِ تِيجانُ
دَلَفْتَ بِهِمْ للفتحِ تَحْتَ عَجاجَةٍ / كَأَنَّ مُثِيرَيْهَا عَلِيٌّ وهَمْدانُ
ويَومَ اقتِحامِ الحَفْرِ أَيقَنْتَ أَنَّهُمْ / يريدونَ فِيهِ أَن تعِزَّ ولو هانوا
بكُلِّ زِناتِيٍّ كَأَنَّ حُسامَهُ / وهامَةَ من لاقاهُ نارٌ وقرْبانُ
وأَبيضَ صِنْهَاجٍ كَأَنَّ سِنَانَهُ / شِهابٌ إذَا أَهوى لِقِرْنٍ وشَيطانُ
وقد عَلِمُوا يَا مُستعِينُ بأَنَّهُمْ / لرَبِّهِمُ لما أَعانوكَ أَعوانُ
ولَوْلاكَ والبيضُ الَّتِي نَهَدوا بِهَا / لما قامَ للإسلام فِي الأرض سُلطانُ
ولاستَبْدَلَتْ قَرْع النواقيسِ بالضُّحى / مَنارٌ وقامت فِي المحاريب صُلبانُ
وهم سَمِعوا داعيك لمَّا دَعَوْتَهُم / وهم أَبصَرُوا والناسُ صُمٌّ وعُمْيانُ
تصاويرَ ناسٍ مُهْطِعينَ لِصورَةٍ / يُكَلِّمُهُمْ منها سَفيهٌ ومَيَّانُ
فللهِ عَزْمٌ رَدَّ فِي الحقِّ رُوحَهُ / وأَوْدى بِهِ فِي الأرض زُورٌ وبُهتانُ
وقُلتَ لعاً للعاثِرِينَ كَأَنَّهُ / نُشورٌ لقومٍ حانَ منهم وَقَدْ حانُوا
وأصبحَ أهلُ الحَقِّ فِي دارِ حقِّهمْ / ونحنُ لهم فِي الله أهلٌ وإِخوانُ
فحَمْداً لمن رَدَّ النُّفوسَ فأَصبحَتْ / لهم كالذي كُنَّا وَهُمْ كالذي كانوا
وأُنِّسَ شَمْلٌ بالتفرُّقِ مُوحِشٌ / وحَنَّ خليطٌ بالصبابة حَنَّانُ
ورَدَّ جِماحَ الغَيِّ من غَرْبِ شَأْوِهِ / وبُرِّدَ قلبٌ بالحفيظةِ حَرَّانُ
وقد أَمِنَ التثريبَ إِخوةُ يوسُفٍ / وأدركَهُم للهِ عفوٌ وغُفْرانُ
وأَعقَبَ طَولُ الحربِ أبناءَ قَيلَةٍ / زكاةً وَرُحماً فِيهِ أَمْنٌ وإِيمانُ
وَحَنَّتْ لِدَاعِي الصُّلحِ بكْرٌ وتغلبٌ / وشَفَّعَتِ الأَرْحامَ عبسٌ وذُبيانُ
وفازَتْ قِداحُ المُشتَري بسُعُودِها / وسالم بَهرَامٌ وأَعتبَ كِيوانُ
وعُرِّفَ معروفٌ وأُنكِرَ مُنْكَرٌ / وطارَ مع العَنْقَاءِ ظُلْمٌ وعُدوانُ
وأُغْمِدَ سيفُ البَغْيِ عنَّا وعُطِّلَتْ / قُيودٌ وأَغلالٌ وسِجنٌ وسُجَّانُ
وما كَانَ منَّا الحَيُّ فِي ثوبِ ذُلِّهِ / بأَنهضَ مِمَّنْ ضَمَّ قبرٌ وأَكْفَانُ
ومُنَّ عَلَى المُسْتَضعَفِينَ وأُنْجِزَتْ / مواعيدُ تمكينٍ وآذَنَ إِمكانُ
بيُمْنِ الإِمامِ الظَّافِرِ الغافر الَّذِي / صفا منهُ للإسلامِ سِرٌّ وإِعلانُ
مجَرِّدُ سيفِ الانتقام لِمَن عتَا / فمالَ بِهِ فِي الدِّينِ زَيغ وإِدهانُ
فَمن سَرَّهُ المَحْيا فسمع وطاعةٌ / ومن يَحْسُدِ المَوتى فكُفْرٌ وعِصيانُ
تَخَيَّرْتَ فاسْتَمْسَكتَ بالعُرْوَةِ الوُثقى
تَخَيَّرْتَ فاسْتَمْسَكتَ بالعُرْوَةِ الوُثقى / فَبُشْرَاكَ أَنْ تَفْنى عِدَاكَ وأنْ تَبقى
فما أبطلَ الرحمنُ باطِلَ من بغى / عَلَى الحَقِّ إِلّا أَن يُحقَّ بكَ الحَقَّا
وما لاح هَذَا المُلْكُ بدراً لِتِمِّهِ / بوجهِكَ إِلّا أَن يُبيرَ العِدى مَحقا
وما كُنتَ عند الله أَكْرَمَ من حَبا / خِلافَتَهُ إِلّا وأَنتَ لَهُ أَتْقى
لِيجُلو عن الدنيا بكَ الهَمَّ والأَسى / ويجمعَ فِي سلطانِكَ الغَرْبَ والشَّرْقا
رَدَدْتَ نظامَ المُلكِ فِي عِقدِ سِلكِهِ / وَمَا كَانَ إِلّا صُوفَةً فِي يَدَيْ خَرْقا
وأَضْحكْتَ سِنَّ الدهرِ من بعدِ مُقلَةٍ / مدامِعُها شوقاً إِلَى الحَقِّ مَا تَرْقا
وقلَّدْتَ والي العهدِ سَيفاً إِلَى العِدى / فسارَ كَأَنَّ الشمسَ قُلِّدَتِ البرقا
وَسيطَيْ سَمَاءٍ قَدْ جَعَلْتَ نُجُومَها / صفائِحَ بيض الهِند والأَسَلَ الزُّرقا
بَوَارِقَ لَوْ لَمْ تَخْطِفِ الهامَ فِي الوَغى / لَخَرَّتْ جُسومٌ من رَواعِدِها صعقا
كَأَنَّ الملا مِنْهُنَّ أَحشاءُ عاشِقٍ / تُبَكِّي دَماً عَيناهُ مِنْ حَرِّ مَا يَلقى
هَوادِيَ فِي ضَنكِ المَكَرِّ ولا هُدىً / نَواطِقَ بالفتح المبينِ ولا نُطقاً
يُخَبِّرْنَ عن إِلحاحِ سَعيِكَ فِي العِدى / كَأَنَّ سَطيحاً فِي سَنَاهُنَّ أَوْ شِقَّا
وَيَجْلُونَ عن لَيْلِ العَجاج كَأَنَّمَا / تُقَلِّبُ إِحداهُنَّ ناظِرَتَيْ زَرْقا
وَجُرْداً يُنازِعْنَ الكُماةَ أَعِنَّةً / يُفرِّغْنَها جُهْداً ويَمْلَأْنَها عِتقا
تَكِرُّ وِرَاداً من دِماءِ عُدَاتِها / وإِنْ أَقدَمَتْ شُهْباً عَلَى الطَّعنِ أَوْ بُلقا
رَوَائِعَ يَوْمَ الرَّوْعِ تَعدُو سَوابحاً / كِراماً وتُمْسِي فِي دِماءِ العِدى غرْقى
ضَمانٌ عليها نَفسُ كُلِّ مُنازِعٍ / ولو حَمَلَتْهُ الغُولُ أَوْ رَكِبَ العَنقا
تَبارى إِلَى الهَيجا بأُسْد خَفِيَّةٍ / إِذَا هالَ وَجْهُ المَوْتِ هَامُوا بِهِ عِشقا
وإِنْ فَزِعُوا نحو الصَّريخ فلا ونَى / وإِن وَرَدوا حَوْضَ المَنايا فلا فَرْقا
عبيدٌ مَماليكٌ وأَمْلاكُ برْبَرٍ / وكلُّ عظيم الفَخْرِ قَدْ حُزْتَهُ رِقَّا
هُمُ فئةُ الإِسلامِ إِنْ شَهِدُوا الوَغى / وهُمْ أُفُقٌ لِلْمُلْكِ إِن نَزَلوا أُفْقا
عَمَمْتَهُمُ نُعْمَى جَزَوْكَ بِهَا هَوىً / وأَوْزَعْتَهُمْ حِلْماً جَزَوْكَ بِهِ صِدقا
وأَوْرَيتَهُمْ زَنداً يُنيرُ لهم هدىً / وأَقْبَلتَهُمْ كَفَّاً يُنير لَهُمْ رِزْقا
وَعَزْماً لنصرِ الدينِ والمُلكِ مُنتضىً / ورأْياً من التوفيقِ والسَّعْدِ مُشتَقَّا
شَمَائِلُ إِنْعامٍ شمِلتَ بِهِ الوَرى / وأَخلاقُ إِكرامٍ عممتَ بِهِ الخَلقا
فَجَدُّكَ مَا أَعلى وذكرُك مَا أَبقى / وراجيكَ مَا أَغنى وشانِيكَ مَا أَشقى
ويمناكَ بالإِحسانِ حسبُ مَنِ اعتَفى / وسُقياكَ بالمعروفِ حَسبُ منِ استَسقى
وناداكَ عبدٌ يقتضِيكَ ودائِعاً / وإِن عَظُمَتْ خَطْراً فأَنفِسْ بِهِ عِلقا
به أَنْسَتِ الدنيا أَساطِيرَ من مَضى / وأَتعَبَتِ الأَيَّامُ أَقلامَ مَن يَبقى
إِذا مَا شَجا الأَعداءَ فِي قِممِ الذُّرَى / شَفاها بِحَظٍّ تَحْتَ أَقدامِها مُلقى
وإِنْ يَكُ مسبوقاً فيا رُبَّ سابقٍ / بعيدِ المَدى لا يدَّعِي معَهُ سَبقا
وإِنَّ لَهُ فِي راحَتَيْكَ وسائِلاً / تُنادِيهِ من جَوِّ السَّماءِ ألا تَرْقى
فَسِرْ فِي ضَمانِ اللهِ ناصِرَ دَوْلَةٍ / كَأَنَّ عمودَ الصُّبحِ فِي وَجْهِها انشَقَّا
وحسبُكَ مَنْ حَلّاكَ تاجَ خِلافَةٍ / رآكَ لَهَا أَهْلاً فأعطاكَها حَقَّا
جِهادُكَ حُكم اللهِ من ذا يَرُدُّهُ
جِهادُكَ حُكم اللهِ من ذا يَرُدُّهُ / وعَزْمُكَ أَمْرُ اللهِ مَنْ ذا يَصُدُّهُ
وطائِرُكَ اليُمْنُ الَّذِي أنتَ يُمنُهُ / وطَالِعُكَ السَّعدُ الَّذِي أنتَ سَعدُهُ
وبَيعةُ رِضْوَان رَعَى الله حَقَّها / لمَنْ بَيعةُ الرِّضْوَانِ إِذْ غابَ جَدُّهُ
فأَصبَحَ فِي رَأْسِ الرِّياسَةِ تاجُهُ / وَنُظِّمَ فِي جيدِ الخِلافَةِ عِقدُهُ
مَسرَّتُهُ مأْوى الغريبِ وسِتْرُهُ / ولَذَّتُهُ خَيْرُ المُقِلِّ ورِفْدُهُ
وأجنادُهُ فِي موقِفِ الرَّوْعِ رَوْضُهُ / وَأَعلامُهُ فِي مَوْرِدِ المَوْتِ وِرْدُهُ
نلاعِبُ آرَامَ الفَلا من هِباتِهِ / وآرامُهُ غُرُّ الطِّرَادِ وَجُرْدُهُ
ونَفْتَرِشُ الدِّيباجَ منْ جُودِ كَفِّهِ / وَمَا فَرْشُهُ إِلّا الجَوادُ ولِبدُهُ
ومَنْ بَرَّحَ البيضُ الحِسان بوَجْدِهِ / فبالبيضِ فِي الهَيجاءِ بَرَّحَ وَجْدُهُ
وقَرَّبَنا من رَحْمَةِ اللهِ هَدْيُهُ / وَرَغَّبَنا فِي طاعَةِ الله زُهْدُهُ
وعلَّمَنا بَذْلَ النُّفوسِ لِنَصْرِهِ / نَدى كَفِّهِ المُرْبي عَلَى القَطْرِ عَدُّهُ
ولَوْ لَمْ يُوَافِ الوافِدُونَ قِبابَهُ / لأَصبحَ من زُهر الكواكِبِ وَفْدُهُ
وأَيَّامُهُ المَوصُولُ طُولُ صِيامِهِ / بلَيلٍ تَحلَّى بالتِّلاوَةِ سُهْدُهُ
وأَبْلَجَ من قحطانَ قُربُكَ عِزُّهُ / ومُلكُكَ مَحْياهُ ونَصرُكَ مَجْدُهُ
شَديدُ مِحال الرُّمحِ فيكَ أَبيُّهُ / مُبِرُّ خِصامِ السَّيفِ عَنكَ أَلَدُّهُ
رضاكَ لَهُ يَا مُرتضى دينُ وَاثِقٍ / بأَنَّكَ للدينِ الحَنيفِ تعدُّهُ
وما يَزْدَهِيهِ مِنكَ دهْرٌ يسُودُهُ / إذَا لَمْ تُجرِّدْهُ لِثَغْرِ يَسُدُّهُ
يَوقِّرُ عنكُمْ سَمْعُهُ فيُصيخُهُ / ويَقصُرُ عَنْكُمْ طَرْفُهُ فَيَمُدُّهُ
وعهدُكَ بالآمالِ تَصْرِفُ عَنكُمُ / ورَدَّاكُمُ عَهدَ السَّموْأَلِ عَهْدُهُ
وكم حَلَّ مَوتُ الحَقِّ من شَدِّ عَقدِكم / ويُحيي ابْنُ يَحْيى عَقدَكُمْ فَيَشُدُّهُ
وإِنْ ماتَ مَوْتُ اليَأْسِ منكُم رَجاؤُهُ / تَنَسَّم فيكُم روحَهُ فيَرُدُّهُ
ونادَيْتَ فِي الإِسْلامِ حَيّ عَلَى الهُدى / فَيا لَكَ مِنْ ظَمآنَ قَدْ حانَ وِرْدُهُ
فقلَّدْتَهُ سَيفاً لِزَحْفٍ يقُودُهُ / لِخِزْيِ عِدَاكَ أَوْ لزغف يَقدُّهُ
فإِنْ لَمْ يكَنْ لِلهِنْدِ يوماً حَديدُهُ / فمِنْ يَعرُبَ العَليا شباهُ وَحَدُّهُ
وإِنْ يَكُ فِي سَرْوِ اليَمانِينَ أَصْلُهُ / فطاعتُهُ فِي عَبدِ شَمْسٍ وَوُدُّهُ
وإِنْ أَنْجَبَتْهُ أَزْدُهُ وتُجِيبُهُ / فَصَفْوَتُهُ عَدْنانُهُ وَمَعَدُّهُ
أَمَا وتَحَلَّى دُونَ مُلكِكَ نَصْلُهُ / لَقِدْماً تَحَلَّى من سَنائكَ غِمْدُهُ
لمُلكٍ نَمى عَبدُ المَلِيكِ مُلُوكَهُ / وأَنْجُمِ نورٍ من هِشامٍ تُمِدُّهُ
بكُلِّ إِمامٍ ناصِرٍ أَنتَ صِنوُهُ / وكُلِّ مليكٍ قاهِرٍ أَنتَ نِدُّهُ
نَمَوْكَ إِلَى بَيتِ النُّبُوَّةِ وابْتَنَوْا / لَكَ الشَّرَف الفَرْدَ الَّذِي أَنتَ فَرْدُهُ
فأَفخِرْ بِمَنْ قُرْبُ النِّبيينَ فَخْرُهُ / وأَمْجِدْ بمَنْ مَجدُ الخَلائِفِ مَجدُهُ
ومَنْ كُلُّ حَقٍّ فِي الخِلافَةِ حَقُّهُ / وكلُّ إِمامٍ فِي البَريَّةِ جدُّهُ
ومَنْ أُمُّهُ أَجْيادُ والرُّكْنُ ظِئرُهُ / ومُرْضِعُهُ البَطحاءُ والحِجْرُ مَهْدُهُ
لَهُ حَرَمُ الإِتْهامِ والغَوْرُ غَوْرُهُ / ومَنْهَجُ سُبلِ الحَجِّ والنَّجدُ نَجدُهُ
وحَيثُ اعْتلَى صَوْتُ المُلَبِّي وَحَجُّهُ / وحَيثُ انتهَى صَدْرُ الحَجيج وَوَخْدُهُ
مَناقِبُ سارَتْ فِي مَعالِمِ كُنْهِها / عُقولُ بَني الدُّنيا وَمَا حُدَّ حدُّهُ
وَفَخْرٌ لَوْ استَنْجدْتُ فِي وَصْفِهِ الوَرَى / لأَسْأَرَ من عَدِّ الحَصى مَنْ يَعُدُّهُ
ولمْ يُبلِ مَا أَبْلاهُ آباءُ مُنْذِرٍ / لأَوَّلهمْ بلْ مَفَخَرٌ تَسْتَجِدُّهُ
وأَلْقَوْا عَلَى مَرْوَانَ صَفوَةَ أَنْفُسٍ / تَعالى بِهَا جَدُّ الزمانِ وجَدُّهُ
وسيفُكَ منهُم سَهْمُكَ الصَّائِبُ الَّذِي / يَزيدُ غَناءً كُلَّما زادَ بُعدُهُ
رَمَيْتَ بِهِ آفاقَ رُومَةَ فانْثَنى / يقودُ بُنُودَ الرُّومِ نَحْوَكَ بَندُهُ
فَرُبَّ حمِيِّ الغِلِّ فِي غِيلِ مُلكِها / بَعيدٍ عَلَى شَأْوِ الجنائِبِ قَصْدُهُ
متى يَرْمِ صَرْفَ الدَّهْرِ لا يَعدُ نفسَهُ / وإِنْ يَرْمِهِ صَرفُ المكارِهِ يَعدُهُ
تجلَّى ابنُ يَحيى فِي سناكَ لِغَيِّهِ / فبَصَّرَهُ أَنَّ اصطناعَكَ رُشْدُهُ
فما أَبْطَأْتَ إِذ أَبطأتْ يدُ قادِحٍ / أَتاكَ وَقَدْ أَوْرى لك النُّجحَ زَنْدُهُ
ولا غابَ من وافاكَ من أرْضِ رُومَةٍ / بغابٍ من الخَطِّيِّ تَزْأَرُ أُسْدُهُ
كتائِبُ لَوْ يُرمى بِهَا الدَّهْرُ قبلَنا / لزُلزِلَ ذُو القَرْنَيْنِ منها وسَدُّهُ
كَأَنَّ فضاءَ الأَرْض أُلبِسَ منهُمُ / لَبوساً من الماذِيِّ قُدِّرَ سَرْدُهُ
تُهَدُّ بِهِمْ شُمُّ الجبالِ فإِنْ هَفَوا / فلَحْظُكَ يَرْمِي جَمْعَهُمْ فَيَهُدُّهُ
فما ينظُرُ الأَعدَاءُ إِلّا عَجَاجَةً / يسيرُ بِهَا الرَّحمنُ فِيهَا وعبدُهُ
إلى يومِ فَلْجٍ ساطِعٍ لَكَ نُورُهُ / وميقَاتِ فتحٍ صادقٍ لكَ وعْدُهُ
عَلى بادِئِ الإِنعَامِ فِيهِ تمامُهُ / وحَقٌّ عَلَى سِبْطِ الخِلافَةِ حَمدُهُ
وحَقٌّ عَلَى يُمنى يَدَيَّ بقاؤُهُ / جديداً عَلَى مَرِّ الزَّمانِ وخُلْدُهُ
بغَرْبِ لسانٍ لَوْ أُبارِي بِهِ الوَرى / مَدى الدَّهر لَمْ يَبْلُغْ نَصِيفيَ مُدُّهُ
عَليماً بأَن مَنْ أَلْحدَتْ فيكَ نَفسُهُ / ففِي لَهَواتِ الذِّيبِ والذَّيخِ لَحْدُهُ
ومَنْ يَبغِ فِي الآفاقِ عنكَ مُراغِماً / فَوِجْدانُهُ فِي مُلتَقى الخَيل فَقدُهُ
ومن يَتَّخِذْ فِي غير بَحرِكَ مَوْرداً / فلم يُتَّخَذْ إِلّا لنَعْلَيْكَ خَدُّهُ
فلا أَمَلٌ إِلّا إِليكَ انتِهاؤُهُ / ولا مَلِكٌ إِلّا إِليكَ مَرَدُّهُ
لَكَ الخَيْرُ قَدْ أَوْفى بعَهْدِكَ خَيْرانُ
لَكَ الخَيْرُ قَدْ أَوْفى بعَهْدِكَ خَيْرانُ / وبُشراكَ قَدْ آواكَ عِزٌّ وسُلطانُ
هو النُّجْحُ لا يُدْعى إِلَى الصُّبح شاهِدٌ / هو النور لا يُبغى عَلَى الشَّمْسِ بُرْهَانُ
إِليكَ شَحَنَّا الفُلكَ تَهْوي كَأَنَّها / وَقَدْ ذُعِرَتْ عن مَغْرِبِ الشَّمْسِ غِرْبانُ
عَلى لُجَجٍ خُضْرٍ إذَا هَبَّتِ الصَّبا / ترامى بنا فِيهَا ثَبيرٌ وثَهْلانُ
مَوائِلَ تَرْعى فِي ذُراها مَوَائِلاً / كما عُبدَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَوْثَانُ
وفِي طَيِّ أَسْمَالِ الغَرِيبِ غَرَائِبٌ / سَكَنَّ شَغافَ القلبِ شيبٌ وَوِلْدانُ
يُرَدِّدْنَ فِي الأَحشاءِ حَزَّ مصائِبٍ / تزيدُ ظَلاماً لَيْلَها وَهْيَ نِيرانُ
إِذا غِيضَ ماءُ البَحرِ منها مَدَدْنَهُ / بِدَمْعِ عيونٍ يَمْتَرِيهنَّ أَشْجَانُ
وإِنْ سَكَنَتْ عنَّا الرياحُ جرى بنا / زَفيرٌ إِلَى ذِكْرِ الأَحِبَّةِ حنَّانُ
يقُلْنَ ومَوْج البحْرِ والهَمِّ والدُّجى / تموجُ بنا فِيهَا عُيونٌ وآذانُ
ألا هَلْ إِلَى الدُّنيا مَعادٌ وهلْ لَنا / سِوى البحْرِ قَبْرٌ أَوْ سِوى الماءِ أَكْفانُ
وهَبنا رأينا مَعْلَمَ الأَرْضِ هلْ لنا / مِن الأَرْضِ مأْوىً أَوْ من الإِنسِ عِرْفانُ
وصَرْفُ الرَّدى من دونِ أَدْنَى منازِلٍ / تَباهى إِلينا بالسُّرورِ وتَزدانُ
تَقَسَّمَهُنَّ السيفُ والحَيفُ والبِلى / وشَطَّتْ بنا عنها عصورٌ وأَزْمانُ
كما اقْتَسَمَتْ أَخْدانَهُنَّ يدُ النَّوى / فَهُمْ للرَّدى والبَرِّ والبحرِ أَخْدانُ
ظعائِنُ عُمْرانُ المعاهِدِ مُقفِرٌ / بهنَّ وقَفْرُ الأَرْضِ منهُنَّ عُمْرانُ
هَوَتْ أُمُّهُمْ مَاذَا هَوَتْ بِرِحالِهمْ / إِلَى نازِحِ الآفاقِ سُفْنٌ وأَظْعَانُ
كوَاكِبُ إِلّا أنَّ أفلاكَ سَيْرها / زمامٌ ورَحْلٌ أَوْ شِرَاعٌ وسُكَّانُ
فَإِنْ غَرَّبَتْ أرض المغاربِ مَوئِلي / وأَنْكَرَنِي فِيهَا خَليطٌ وخِلّانُ
فكَمْ رَحَّبَتْ أَرْضُ العِراقِ بمقدمي / وأَجْزَلَتِ البُشْرى عَليَّ خُراسانُ
وإِنَّ بلاداً أَخرجَتنِي لَعُطَّلٌ / وإِنَّ زَماناً خان عَهدي لَخَوَّانُ
سَلامٌ عَلَى الإِخوانِ تَسليمَ آيسٍ / وسُقياً لِدَهْرٍ كَانَ لِي فِيهِ إِخْوانُ
ولا عَرَّفَتْ بي خَلَّةً دارُ خُلَّةٍ / عَفا رَسمَها منها جفاءٌ ونِسيانُ
وَغَرَّتْ ببَرْقِ المُزْنِ من ذكْرِ صَفقِهِ / ومن ذكْر رَبٍّ كُلَّ يَومٍ لَهُ شانُ
ويا رُبَّ يومٍ بانَ صدْعُ سلامِهِ / بصَدْعِ النَّوى أَفْلاذُ قَلْبيَ إِذْ بانوا
نُوَدِّعُهُمْ شَجْواً بشَجوٍ كَمِثلِما / أَجابت حفيفَ السَّهْمِ عوْجاءُ مِرْنانُ
ويَصْدَعُ مَا ضَمَّ الوَدَاعُ تفرُّقٌ / كما انشَعَبَتْ تَحْتَ العواصِفِ أَغصانُ
إِذا شَرَّقَ الحادي بِهِمْ غَرَّبَتْ بنا / نوىً يوْمُها يومانِ والحِينُ أَحيانُ
فلا مُؤْنِسٌ إِلّا شهيقٌ وزَفْرةٌ / ولا مُسعِدٌ إِلّا دُموعٌ وأَجفانُ
وما كَانَ ذَاكَ البَيْنُ بَيْنَ أَحِبَّةٍ / ولكنْ قلوبٌ فارَقَتْهُنَّ أَبدَانُ
فيا عَجَباً للصَّبرِ مِنَّا كَأَنَّنَا / لهمْ غَيرُ مَن كنَّا وهم غَيرُ من كانوا
قَضى عَيشُهُمْ بَعْدِي وعيشيَ بَعْدَهُمْ / بأَنِّيَ قَدْ خُنتُ الوَفاءَ وَقَدْ خانُوا
وأَفجِع بمنْ آوى صَفيحٌ وَجَلْمَدٌ / وَوَارَتْ رِمالٌ بالفَلاةِ وكُثْبانُ
وُجوهٌ تَنَاءَتْ فِي البِلادِ قُبورُها / وإِنَّهُمُ فِي القلْبِ مِنِّي لَسُكَّانُ
وَمَا بَلِيَتْ فِي التُّرْبِ إِلّا تَجدَّدَتْ / عَلَيْها مِنَ القَلْبِ المُفَجَّع أَحْزانُ
هُمُ اسْتَخْلَفُوا الأَحبابَ أَمْوَاجَ لُجَّةٍ / هِيَ المَوْتُ أَوْ فِي المَوْتِ عَنْهُنَّ سُلْوَانُ
بَقايا نُفُوسٍ منْ بَقِيَّةِ أَنْفُسٍ / يُمِيتونَ أَحْزانِي فدينوا بما دَانُوا
أَقُولُ لَهُمْ صَبْراً لَكُمْ أَوْ عَلَيْكُمُ / عَسى العيشُ مَحمودٌ أَوِ المَوْتُ عَجلانُ
وَلا قَنَطٌ واليُسرُ لِلعُسرِ غالِبٌ / وَفِي العرْشِ رَبٌّ بالخَلائِقِ رَحْمانُ
ولا يَأْسَ مِنْ رَوْحٍ وَفِي اللهِ مَطمَعٌ / وَلا بُعدَ مِن خَيْر وَفِي الأَرْض خَيْرانُ
سَتَنْسَوْنَ أَهوالَ العذَابِ ومالِكاً / إذَا ضَمَّكُمْ فِي جَنَّةِ الفَوْزِ رِضْوَانُ
مَتى تَلحَظُوا قَصْرَ المَرِيَّةِ تظفرُوا / بِبَحْرٍ حَصى يُمناهُ دُرٌّ ومَرْجَانُ
وتَسْتَبْدِلُوا مِن مَوْجِ بَحْرٍ شَجاكُمُ / ببحْرٍ لَكمْ مِنهُ لُجَيْنٌ وعِقْيانُ
فَتىً سَيفُهُ لِلدِّينِ أَمْنٌ وإِيمانُ / ويُمناهُ لِلآمالِ رَوْحٌ ورَيْحَانُ
تَقلَّدَ سَيفَ اللهِ فينا بحَقِّهِ / فَبَرَّتْ عُهودٌ بالوفاءِ وَأَيْمَانُ
وحَلَّى بتاجِ العِزِّ مَفرِقَ مُخبتٍ / يُقَلِّبُهُ داعٍ إِلَى اللهِ دَيَّانُ
وبالخيْرِ فَتَّاحٌ وبالخَيْرِ عائدٌ / وبالخَيْلِ ظَعَّانٌ ولِلخَيلِ طَعَّانُ
فقُضَّتْ سُيوفٌ حارَبَتْهُ وأَيْمنٌ / وشاهَتْ وُجُوهٌ فاخَرَتْهُ وتيجانُ
لَهُ الكَرَّةُ الغَرَّاءُ عنْ كُلِّ شَارِدٍ / أَضَاءَتْ لَهُمْ منها دِيارٌ وأَوْطَانُ
وَرَدَّ بِهَا يَوْمَ اللِّقاء زِنانَةً / كما انْقَلَبَتْ يَومَ الهَباءةِ ذُبيانُ
بِكُلِّ كَمِيٍّ عامِرِيٍّ يسوقُهُ / لحرِّ الوَغى قَلبٌ عَلَى الدِّينِ حَرَّانُ
حُلُيُّهُمُ بيضُ الصَّوارِمِ والْقنا / لَهَا وحُلاها سابغاتٌ وأَبْدَانُ
تَراءاكَ حزْبُ البغْي منهُم فأَقبَلوا / وَفِي كُلِّ أَنْف للغِوَايَةِ شَيطانُ
فأَيُّ صُقورٍ قَلَّبَتْ أَيَّ أَعْيُنٍ / إِلَى أَيِّ لَيثٍ ردَّهَا وَهْيَ خِلْدَانُ
عُيوناً بِهَا كادُوا الهُدى فَفَقَأْتَها / فَهمْ فِي شِعابِ الغيِّ والرُّشْدِ عُمْيانُ
وَمَا لَهُمُ فِي ظُلمَةٍ بَعدُ كَوكَبٌ / وَمَا لَهُمْ فِي مُقْلَةٍ بَعدُ إِنسانُ
يَضيقُ بِهِمْ رَحْبُ القُصورُ وَوُدُّهُمُ / لَوِ احتازَهُم عَنها كُهوفٌ وغِيرانُ
وأَنْسَيْتَهمْ حَمْلَ القنا فَسِلاحُهمُ / عَلَيْكَ إذَا لاقَوْكَ ذُلٌّ وإِذْعانُ
وأَنَّى لِفَلّ القِبطِ فِي مِصْرَ مَوْئلٌ / وَقَدْ غِيلَ فِرْعَونٌ وأُهْلِكَ هامانُ
فَيا ذُلَّ أَعلامِ الهُدى يَوْمَ عِزِّهِمْ / ويا عِزَّ أَعْلامِ الهُدى بِكَ إِذْ هانُوا
حَفَرْتَ لَهُمْ فِي يَوْمِ قَبْرَةَ بالقَنا / قُبوراً هَواءُ الجَوِّ مِنهنَّ ملآنُ
يَطيرُ بِهَا هامٌ ونسْرٌ وناعِبٌ / ويعدُو بِهَا ذيبٌ وذيخٌ وسِرْحانُ
فلَوْ شَهدَ الأَملاكُ يَومَكَ فِيهِمُ / لألقى إِليكَ التَّاجَ كِسْرى وخَاقانُ
ولَوْ رُدَّ فِي المنصور روحُ حياتِهِ / غداةَ لقيتَ الموتَ والموتُ عُرْيانُ
وَنادَيْتَ لِلهَيجَاءِ أَبناءَ مُلْكِهِ / فَلَبَّاكَ آسادٌ عَبيدٌ وفتيانُ
جبالٌ إذَا أَرْسَيْتَها حَوْمَةَ الوَغى / وإِنْ تَدْعُهُمْ يوماً إِليكَ فعقبانُ
يقودُهُمُ داعٍ إِلَى الحقِّ مُجْلبٌ / عَلَى البغي يُرضي ربَّه وهو غضبانُ
كَتائبُ بلْ كتبٌ بنَصْرِكَ سُطِّرَتْ / وَوَجْهُكَ باسمِ اللهِ والسَّيفُ عُنوانُ
هو السَّيفُ لا يَرْتَابُ أَنَّكَ سَيفُهُ / إذَا نازَلَ الأَقرَانَ فِي الحَرْبِ أَقرَانُ
كَأَنَّ العِدى لَمَّا اصْطَلَوا حرَّ نارِهِ / أَصابَ هواديهمْ مِنَ الجَوِّ حُسبانُ
وأَسمَرُ يسرِي فِي بحارٍ من النَّدى / بيُمناكَ لكنْ يَغْتدي وهوَ ظَمْآنُ
تَلألأَ نوراً من سناكَ سِنانُهُ / وَقَدْ دَعَتِ الفُرْسَانَ لِلحَرْبِ فُرْسانُ
لَحَيَّاكَ من أَحْيَيْتَ منهُ شمائلاً / يموتُ بِهَا فِي الأَرْضِ ظُلْمٌ وعُدوَانُ
وناجاكَ إِسرَاراً وناداكَ مُعلناً / وَحسبُ العُلى مِنه سِرَارٌ وإِعلانُ
أَلا هكذا فَلْيَحْفَظِ العَهْدَ حافِظٌ / أَلا هكذا فَلْيَخْلُفِ المُلكَ سُلْطَانُ
فَلِلَّهِ مَاذَا أَنْجَبَتْ منكَ عامِرٌ / وللهِ مَاذَا ناسَبتْ مِنكَ قَحطانُ
وللهِ مِنَّا أَهلَ بَيتٍ رَمَتْهُمُ / إِلَى يَدِكَ العُليا بُحورٌ وبُلدانُ
وكلَّهُمْ يُزْهى عَلَى الشَّمْسِ فِي الضُّحى / وبَدرِ الدَّياجِي أَنَّهم لَكَ جيرانُ
وَقَدْ زَادَ أَبناءُ السَّبيلِ وَسِيلَةً / وحَلُّوا فَزَادُوا أَنَّهم لَكَ ضِيفانُ
فما قَصَّرَتْ بي عن عُلاكَ شفاعَةٌ / ولا بِكَ عن مِثلي جَزَاءٌ وإَِحسانُ
أَرْحليَ مَحمولٌ عَلَى العُتُقِ النُّجْبِ
أَرْحليَ مَحمولٌ عَلَى العُتُقِ النُّجْبِ / يَؤْمُّكَ أَم سارٍ عَلَى القُتُمِ النُّكبِ
يقودُ بِهَا هادٍ إِلَى الأَمْرِ والمُنى / ويَحْدو بِهَا حادٍ عَلَى الخوفِ والرُّعْبِ
غرائبُ ممَّا أَغربَ الدهرُ أَطْلَعَتْ / عَلَيْكَ هلالَ العلم من أُفُقِ الغرْبِ
طوَتْ فَلَوَاتِ الأَرْضِ نَحوكَ وانْطَوَتْ / كَبَدْرٍ إِلَى مَحْقٍ بشَهرٍ إِلَى عُقْبِ
كؤوساً تساقَتها الليالي تنادُماً / فجاءَتكَ كالأَقداحِ رُدَّتْ عن الشُّرْبِ
تعاوَرَهُنَّ البَرُّ والبحرُ مثلَما / تُرَدُّ بأيدي الرُّسلِ أَجوِبَةُ الكتْبِ
فَليلٌ إِلَى صُبحٍ وصبحٌ إِلَى دُجىً / وكَرْبٌ إِلَى رَوْحٍ وروحٌ إِلَى كَرْبِ
وسهلٌ إِلَى حَزْنٍ وحزنٌ إِلَى فلاً / وسُهْبٌ إِلَى بَحرٍ وبَحرٌ إِلَى سُهْبِ
يُكَتِّبْنَ صَفْحَاتِ السُّعودِ نواظِراً / ويَنفُضنَ من أَقلامِهِنَّ عَلَى القَلْبِ
ويَقضِمْنَ أَطرافَ الهَشِيمِ تَبلُّغاً / إِلَى الرَّوْضَةِ الغنَّاءِ فِي المَشربِ العَذْبِ
تُنيخُ فتُلقي فِي الصُّخورِ كلاكِلاً / تنوء لأَرضِ المِسكِ زَهْواً عن التُّرْبِ
ويَفْحَصْنَ فِي رَضمِ الحَصى بمناسِمٍ / تهيم إِلَى حصباءَ من لُؤْلُؤٍ رَطْبِ
أُنَسِّمُها رَيَّاكَ فِي نفحةِ الصَّبا / وأَجلو لَهَا سِيماكَ فِي أَوْجُهِ الشُّهْبِ
وأُسْمِعُها دَاعيكَ فِي كُلِّ مَنْهَلٍ / هَلُمَّ إِلَى الإِكْرَامِ والمنزِلِ الرَّحبِ
ولاحَ لَهَا البَرْقُ الَّذِي أَغدَقَ الثَّرَى / فَهُنَّ إليه مُوفِضاتٌ إِلَى نُصبِ
مُوفَّرَةٌ مِنِّي إِليكَ وسائِلاً / تفوحُ لأَنفاسِ الركائِبِ والرَّكْبِ
ولو عَجَزَتْ عن هِمَّتِي لتبلَّغَتْ / بذي قَدَمٍ تصبو إِلَى ذي يدٍ تُصبي
فَقَلَّ لِمَنْ عاذَ الهُدى بسيوفِهِ / ودارتْ نجومُ المُلكِ منه عَلَى قُطبِ
وضاءَ بنُورِ الحقِّ غرّةُ وجهِهِ / فأطفأَ نيرانَ الضَّغائِنِ والشَّغْبِ
أخو الكَهْلِ وابنٌ للكبيرِ ووالِدٌ / لأَبنائِهِمْ فِي مُعتَرىً غير ذِي تِرْبِ
عطاءٌ بلا مَنٍّ وحكمٌ بلا هَوىً / وملكٌ بلا كِبْرٍ وعزٌّ بلا عُجبِ
ومَولىً كما تجلو المصابيحُ فِي الدُّجى / ورأْيٌ كما يشفي الهِناءُ مِنَ النُّقبِ
سَما فاشْتَرى مَثنى الوزارةِ سابقاً / بمثنى الأَيادِي البِيضِ والخُلُقُ النَّدْبِ
وحازَ عنانَ الدهرِ سَمْعاً وطاعةً / بِكشفِ قِناعِ الصبرِ والسُّمْرِ والقُضْبِ
غمامٌ أَظَلَّ الأرضَ وانهلَّ بالحَيا / ضَمانٌ عَلَى النُّعمى أَمَانٌ منَ الجَدْبِ
تفجَّر للأَيامِ بالجودِ والنَّدى / وأَثمرَ للإِسْلامِ بالحزْمِ واللُّبِّ
فتى يتلقَّى الرَّوْعَ بالبيض والقَنا / ومُعتفيَ الأَضيافِ بالأَهْلِ والرَّحبِ
مُسَمَّىً بفَتحِ اللهِ أَرْضَ العِدى بِهِ / مُكَنَّى بنَصرِ اللهِ والدِّينِ والرَّبِّ
وأَيُّ وليدٍ للمكارِمِ والعُلا / وأَيُّ رضيعٍ للوقائِع والحَرْبِ
وأَيُّ فَتىً فِي مَشْهَدِ الرَّأْيِ والنُّهى / وأَيُّ فتى فِي موقِع الطعنِ والضربِ
وأَيَّ عَرُوسٍ بالسِّيادَةِ لم يَسُقْ / سوي السيفِ من مَهرٍ إِليها وَلا خَطبِ
وأَيُّ رَجاءٍ قادَ رَحْلي إِليكُما / وَقَدْ أَصعَقَتْني مثلُ رَاغِيَةِ الصَّقْبِ
بعيدٌ مِنَ الأَوْطَانِ مُسْتَشعِرُ العِدى / غَريبٌ عَلَى الأَمْوَاهِ مُتَّهَمُ الصَّحبِ
أَقَلُّ من الرِّئْبَالِ فِي الأَرْضِ آلِفاً / وإِنْ كَانَ لَحْمِي للحسودِ ولِلخِبِّ
وأَعْظمُ تأْنيساً لدَهْرِي منَ المُنى / وأَوْحَشُ مِنهُ من فتى الجُبِّ فِي الجُبِّ
وَللهِ من عَزْمٍ إِليكَ اسْتقادَني / فأَفْرَطَ فِي بُعدٍ وَفَرَّطَ فِي قُرْبِ
حياءً منَ الحالِ الَّتِي أَنْتَ عَالِمٌ / بِهَا كيْفَ عَاثَتْ فِي سناها يَدُ الخَطْبِ
وتَسويفَ يومٍ بعدَ يومٍ تَخَوُّفاً / لَعَلِّيَ لا ألقاك مُنشرِحَ القلبِ
وَشُحّاً بباقي ماءِ وَجْهٍ بذلتُه / لَعلِّيَ أَقضي قبلَ إِنفادِهِ نَحْبِي
وَتأْخِيرَ رِجْلٍ بعدَ تقديمِ أُختِها / حِذاراً لدهرٍ لا يُغْمِّضُ عن حَربي
كما مَسَّنِي الشيطانُ نحوَكَ ساعِياً / بطائِفِ سُقْمٍ مِن عذابٍ وَمن نَصبِ
وَبارِقَةٍ منْ مُقْلَتيْ أُمِّ مِلْدَمٍ / ثَنَتْنِي صريعاً لليَدَيْنِ وللجَنْبِ
مُحجَّبةٍ لا تُتَّقى بشبا القنا / ولا يُخْتَفَى منها ببابٍ ولا حُجْبِ
يَدِقُّ عن القَلْبِ المُؤَنِّبِ قدْرُها / وَقَدْ جَلَّ مَا لاقَيت منها عن العَتْبِ
طَوَت ظِمْءَ عشرٍ بعدَ عشرٍ وأَوْرَدَتْ / عَلَى النَّفس لا تَرْضى عن الرِّفْهِ بِالغِبِّ
إِذا كَرَعَتْ فِي حَوْض نفسيَ خَضخَضتْ / ففاضت نواحيهِ بمُنْهَمِرٍ سَكبِ
فمطعَمُها لحمي وَمَشْرَبُها دَمي / وتَرْتَعُ فِي جِسْمي وتَأْوي إِلَى قلبي
كَأَنَّ لَهَا عندي مَخارِيفَ جِنَّةٍ / وأَصلى بِهَا نارَ المُعَذَّبِ بالذَّنْبِ
إِذا أَوْقدَتْ جِسمي هَجيراً تظلَّلت / فَحلَّتْ كِناساً من شَغافِيَ أَوْ خِلبي
تَحَمَّلْتُها فِي حرِّ صَدْرِي وأَضْلُعِي / وتَحمِلُ أَحشائي عَلَى المركَبِ الصَّعبِ
أُلاوِذُ عنها قلبَ مكتئِبٍ شَجٍّ / وتَحْفزُ نَحوي قلبَ ذي لَوْعةٍ صبِّ
وتَكذِبُني عنها الأماني وإِنَّهَا / إِلَيَّ لأَهدى من قطاةٍ إِلَى شِرْبِ
وإِنْ كَانَ أَضْنَى الحُبُّ فالعقلُ حاكِمٌ / بأَنَّ ضنى الشَّنآنِ فَوْقَ ضنى الحُبِّ
وفي راحَتَيْ عبدِ الفعيلِ بنِ فاعِلِ / شِفائي وَفِي نُعمى مكارِمِهِ طِبِّي
دَعَوْتُ فلبَّانِي وآوى تَغَرُّبِي / إِلَى كَرَمٍ لِلعِزِّ ذي مُرْتَقىً صَعبِ
وجَلَّى هُمُومِي منْ سَناهُ ببارِقٍ / أَضَاءَ بِهِ مَا بَيْنَ شرْقٍ إِلَى غَرْبِ
وأَسْبلَ لي من سِتره فَوْقَ سِتَّةٍ / أَهِيمُ بهمْ فِي الأَرضِ مِثلَ القطا الزُّغبِ
فأَصبحْتُ فِي إِكْرامِهِ مانِعَ الحِمى / وأَمْسيتُ فِي سلطانِهِ آمِنَ السِّرْبِ
وحَمْداً لمَنْ هدَّى لسانِي لحَمدِهِ / وحَسبي لَهُ مَنْ قَدْ قَضى أَنَّهُ حَسبي
أَنْورُكِ أَمْ أَوْقَدْتِ بالليلِ نارَكِ
أَنْورُكِ أَمْ أَوْقَدْتِ بالليلِ نارَكِ / لباغٍ قِراكِ أَوْ لباغٍ جوارَكِ
وَرَيَّاكِ أَمْ عَرْفُ المجامر أَشْعَلَتْ / بعود الكِباءِ والأَلُوَّةِ نارَكِ
وَمَبسِمُكِ الوضَّاحُ أم ضوءُ بارِقٍ / حَداهُ دُعائي أن يجودَ ديارَكِ
وخَلْخالَكِ اسْتَنضَيْتِ أَم قَمَرٌ بدا / وشمْسٌ تبدَّتْ أَمْ أَلَحْتِ سِوَارَكِ
وَطُرُّةُ صُبحٍ أَم جبينُكِ سافِراً / أَعَرْتِ الصَّباحَ نورَهُ أَمْ أَعارَكِ
وَأَنتِ أَجَرْتِ الليلَ إِذْ هزَمَ الضُّحى / كتائِبُهُ والصُّبحَ لَمَّا استجارَكِ
فلِلصُّبح فيما بَيْنَ قرْطَيكِ مطلعٌ / وَقَدْ سَكَنَ الليلُ البهيمُ خِمارَكِ
فيا لِنهارٍ لا يغيضُ ظلامُهُ / ويا لِظلامٍ لا يُغيضُ نهارَكِ
وَنَجمُ الثُّرَيَّا أم لآلٍ تقسَّمتْ / يمينَكِ إِذ ضَمَّخْتِها أم يَسارَكِ
لِسُلطانِ حسنٍ فِي بديع محاسِنٍ / يصيدُ القلوبَ النَّافِرَاتِ نفارَكِ
وَجُندِ غرامٍ فِي دروع صبابةٍ / تقلَّدْنَ أَقْدَارَ الهوى واقتدارَكِ
هو المُلكُ لا بلقيسُ أَدْرَكَ شَأْوُها / مَداكِ ولا الزَّبَّاءُ شقَّتْ غُبارَكِ
وقَادِمَةُ الجوزاءِ راعَيْتُ مَوْهِناً / بحَرِّ هواكِ أَم تَرَسَّمْتُ دَارَكِ
وَطيفُكِ أَسْرى فاستثارَ تَشوُّقي / إِلَى العهدِ أَم شوقي إليكِ استَثَارَكِ
ومُرْتَدُّ أَنْفاسي إِليكِ استطارَني / أَمِ الرُّوحُ لما رُدَّ فيَّ استطارَكِ
فكمْ جُزْتِ من بحرٍ إِليَّ وَمَهْمَهٍ / يكادُ يُنَسِّي المستهامَ ادِّكارَكِ
أَذُو الحَظِّ من علم الكتاب حدَاك لي / أَم الفلكُ الدَّوار نحوي أَدارَكِ
وكَيف كَتمتِ اللَّيل وَجْهَكِ مظلماً / أَشْعَرَكِ أَغشيْتِ السَّنا أَم شِعَارَكِ
وكيفَ اعتَسَفت البيدَ لا فِي ظعائنٍ / ولا شَجرُ الخَطِّيِّ حفَّ شِجارَكِ
ولا أذَّنَ الحَيُّ الجميعُ برحلة / أَراحَ لَهَا رَاعي المخاضِ عِشارَكِ
وَلا أَرْزَمَتْ خوصُ المهاري مُجيبةً / صهيلَ جيادٍ يكتَنِفْنَ قِطارَكِ
ولا أَذْكَتِ الرُّكْبانُ عنكِ عيونها / حِذارَ عيونٍ لا يَنَمْنَ حِذارَكِ
وكَيف رضيتِ الليلَ مَلبَسَ طارِقٍ / وَمَا ذَرَّ قَرْنُ الشمس إِلّا استنارَكِ
وكم دُونَ رحلي من قصورٍ مشيدَةٍ / تُحَرِّمُ من قرب المزار مَزَارَكِ
وَقَدْ زَأَرَتْ حوْلي أُسودٌ تَهامَستْ / لَهَا الأُسدُ أَنْ كُفِّي عن السمع زَارَكِ
وأَرْضي سُيولٌ من خُيولِ مُظَفَّرٍ / وَلَيلي نجومٌ من سَماءِ مُبارَكِ
بحَيثُ وَجدتُ الأمنَ يَهتِفُ بالمُنى / هَلُمِّي إِلَى عينَيْن جادا سَرَارَكِ
هَلُمِّي إِلَى بَحرَيْنِ قَدْ مَرَجَ النَّدى / عبابَيْهِما لا يَسأمانِ انتظارَكِ
هَلُمِّي إِلَى سيفينِ والحدُّ واحدٌ / يجيران من صرف الحوادث جارَكِ
هَلُمِّي إِلَى طِرْفَيْ رِهانٍ تقدَّما / إِلَى الأَمَدِ الجالي عَلَيْكَ اختيارَكِ
وَحَيِّي عَلَى دَوْحَيْنِ جادَ نداهُما / ظِلالَكِ واستدْنى إِليَّ ثمارَكِ
وَبُشرَاكِ قَدْ فازَتْ قِداحُكَ بالمُنى / وأُعطِيت من هَذَا الأَنامِ خِيارَكِ
شريكان فِي صِدْقِ المُنى وَكِلاهُما / إِذَا بارَزَ الأَقْرانَ غيرُ مُشارِكِ
هُما سَمِعا دَعواكِ يَا دعوَة الهدى / وَقَدْ أَوْثقَ الدهرُ الخؤونُ إِسارَكِ
وَسَلّا سيوفاً لَمْ تَزَلْ تلتَظي أَسىً / بثأْرِكِ حَتَّى أَدْركا لكِ ثارَكِ
وَيهنيكِ يَا دَارَ الخِلافَةِ منهُما / هِلالانِ لاحا يَرْفَعَانِ منارَكِ
كِلا القَمَرَيْنِ بَيْنَ عينيهِ غُرَّةٌ / أَنارَتْ كُسُوفَيكِ وَجَلَّتْ سِرَارَكِ
فقادَ إِليكِ الخيلَ شُعْثاً شَوازباً / يُلَبِّينَ بالنَّصرِ العزيز انتصارَكِ
سوابق هيجاءٍ كَأَنَّ صهيلها / يُجاوبُ تَحْتَ الخافِقَاتِ شِعارَكِ
بكلِّ سَرِيّ العِتق سَرَّى عن الهدى / وكل حَمِيِّ الأَنفِ أَحْمى ذِمارَكِ
تحلَّوْا مِنَ المَنصور نصراً وعزّةً / فأَبلوْكِ فِي يوم البَلاءِ اختِيارَكِ
إِذا انتَسبوا يومَ الطِّعانِ لِعامِرٍ / فَعُمرَكِ يَا هامَ العِدى لا عَمارَكِ
يَقُودُهُم منهم سِراجا كتائِبٍ / يقولانِ للدنيا أجدِّي افتِخارَكِ
إِذا افترَّتِ الرَّاياتُ عن غُرَّتَيهِمَا / فيا لِلعِدَى أَضلَلتِ منهُم فِرَارَكِ
وإِنْ أَشْرَقَ النَّادِي بنور سَناهُما / فَبُشرى الأَماني عَيْنَك لا ضِمَارَكِ
وكم كَشفا من كُرْبَةٍ بعدَ كُرْبَةٍ / تقولُ لَهَا النِّيرانُ كُفِّي أُوَارَكِ
وكم لَبَّيا من دعوةٍ وتَدارَكا / شَفى رَمقٍ مَا كَانَ بالمُتَدَاركِ
ويا نَفسَ غاوٍ كم أَقَرَّا نفارَكِ / وَيا رِجْلَ هاوٍ كم أَقالا عِثارَكِ
وَلستُ ببدْع حينَ قلتُ لهمَّتي / أَقِلّي لإِعتابِ الزَّمَانِ انتظارَكِ
فَللهِ صدْق العَزْمِ أَيَّةُ غِرَّةٍ / إِذَا لَمْ تطيعي فِي لَعَلَّ اغتِرارَكِ
وإِنْ غالَتِ البيدُ اصطبارَكِ والسُّرى / فما غالَ ضيم الكاشِحينَ اصطبارَكِ
ويا خُلَّة التَّسويفِ قُومي فأغدِقي / قناعَكِ من دُوني وشُدِّي إِزارَكِ
وَحسبك بي يَا خُلَّةَ النَّأْي خاطِري / بِنَفسي إِلَى الحَظِّ النَّفيسِ خِطَارَكِ
فقد آنَ إِعْطاءُ النَّوى صَفقةَ الهوى / وَقَوْلُكِ للأَيَّام حوري مَحارَكِ
ويا سُتُرَ البيضِ النَّواعِمِ أَعْلِني / إِلَى اليَعْمُلاتِ والرِّحالِ سِرَارَكِ
نَواجِيَ واسْتَوْدَعْتُهُنَّ نَواجِياً / حِفاظَكِ يَا هذي بذي وازدِهارَكِ
ودُونَكِ أَفلاذَ الفؤادِ فَشَمِّري / ودُونَك يَا عينَ اللبيب اعتبارَكِ
صَرَفْتُ الكَرى عنها بمُغْتَبَقِ السُّرى / وَقُلْتُ أدِيري والنُّجومَ عُقارَكِ
فإِن وَجَبتُ للمَغْرِبَينِ جُنوبُها / فداوي برَقراقِ السَّرابِ خُمارَكِ
وَأَوْرِي بزَندَيْ سُدْفَةٍ وَدُجُنَّةٍ / إذا كانتا لي مَرْخَكِ وعفارَكِ
وإِنْ خَلَعَ اللَّيلُ الأَصائلَ فاخلَعي / إِلَى المَلِكَينِ الأَكْرَمَينِ عِذَارَكِ
بَلَنْسِيَةً مثوى الأَمانِيَّ فاطلُبي / كنوزَكِ فِي أَقطارِها وادِّخَارَكِ
سيُنبيكِ زَجري عن بلاءِ نَسِيتُهُ / إِذَا أَصبَحَتْ تِلْكَ القُصورُ قُصارَكِ
وَأُظفِرَ سَعيٌ بالرِّضى من مُظَفَّرٍ / وبُورِكَ لي فِي حُسنِ رأْي مُبارَكِ
فَظِمْء المُنى قَدْ شامَ بارَقَةَ الحَيا / وأُنشِقْتِ يَا ظِئرَ الرَّجاءِ حُوارَكِ
وَحَمداً يميني قَدْ تَملَّأْتِ بالمُنى / وشُكراً يَساري قَدْ حَوَيتِ يسارَكِ
وقُلْ لسَماءِ المُزن إِنْ شِئْتِ أَقلِعي / وَيا أَرْضَنَا إِن شئت غيضي بحَارَكِ
ولا تُوحِشي يَا دَوْلَةَ العزِّ والندى / مساءَكِ من نُورَيهِمَا وابتكارَكِ
لَعَلَّ سَنَا البَرْقِ الَّذِي أَنا شائِمُ
لَعَلَّ سَنَا البَرْقِ الَّذِي أَنا شائِمُ / يهيمُ منَ الدُّنيا بِمَنْ أَنا هائِمُ
أمَا فِي حَشَاهُ مِن جوايَ مخايِلٌ / أَما فِي ذُرَاهُ من جُفُوني مَيَاسِمُ
لقد بَرَّحَتْ منهُ ضُلُوعٌ خوافِقٌ / وَقَدْ صَرَّحَتْ منه دموعٌ سواجِمُ
ونَفْحُ صَباً يَهْفُو عَلَى جَنَباتِهِ / كتَصْعِيد أَنفاسي إذَا لامَ لائِمُ
وتحنانُ رَعْدٍ صادِعٍ لمتُونِهِ / كما زَفَرَتْ نَفْسِي بِمَنْ أنا كاتِمُ
وَمِيضٌ تَشبُّ الرِّيحُ والرَّعْدُ نارَهُ / كما شَبَّ نيرانَ المَجُوسِ الزَّمازِمُ
حَمِيل بحَمْلِ الرَّاسِياتِ إِلَى الَّذِي / تَحَمَّلَنِي عنه القِلاصُ الرَّوَاسِمُ
وما أَنجَدَتْ فِيهِ النُّجُودُ تَصَبُّري / ولا أَتهمَتْ وجدِي عَلَيْهِ التَّهائِمُ
سوى لَوْعَةٍ لَوْ يَغلِبُ الصَّبرُ نارَها / لشامَني البَرْقُ الَّذِي أنا شائِمُ
فإِنْ يَسْقِ مَنْ أَهْوى فَدَمْعِيَ مُسْعِدٌ / وإِنْ يَلْقَهُ دُونِي فأَنْفِيَ راغِمُ
كفانِي الْتِماحَ الشَّمْسِ والبَدْرُ وَجْهُهُ / وَمَا اقْتَبَسَتْ منْهُ النُّجومُ العواتِمُ
وما تَجْتَنِي من طِيبِ أَرْدَانِهِ الصَّبا / ومن وَرْدِ خَدَّيْهِ الرِّياضُ النَّوَاعِمُ
فَلَهْفِي عَلَى قَرْنٍ من الشَّمْسِ ساطِعٍ / تَجَلَّلَهُ كِسْفٌ من اللَّيْلِ فاحِمُ
إذَا زارَنِي أَعْشى جُفُونَ رَقِيبِهِ / وأَخرَسَ عَنِّي مَا تقولُ اللَّوائِمُ
وآذَنَ أَنفاسِي ونَفْسِي بِنَشْرِهِ / وَرَيَّاهُ أَنْفاسُ الرِّياحِ النَّواسِمُ
وبَشَّرَني مِنْ قَبْلِهِ صَوْتُ حَلْيِهِ / تُجاوِبُهُ فَوْقَ الغصونِ الحمائِمُ
إِلى مُلتقى قَلْبَيْنِ ضَمَّ عَلَيْهِما / جوانِحَهُ جُنْحٌ منَ اللِّيلِ عاتِمُ
ومُعْتَنَقٍ كالجَفْنِ أَطْبقَ نائِماً / عَلَى ضَمِّ إِنسانَيْنِ والدَّهرُ نائِمُ
فَبِتْنَا وقاضِي الوَصْلِ يَحكُمُ فِي الهوى / وغانِمُ قلبي بالحكومَةِ غارِمُ
أَمْصُّ من الكافورِ مِسْكاً وأَجتَنِي / من الوَشْيِ رُمَّاناً زَهتْهُ المقادِمُ
وَيَرْجِعُ رُوحَ النَّفْسِ مَا أَنَا ناشِقٌ / ويَجْبُرُ صَدْعَ القلْبِ مَا أنا لازِمُ
وأَرْشُفُ من حَصْباءِ دُرٍّ وجوهَرٍ / رحيقَ مُدَامٍ سُكْرُهُ بِيَ دائِمُ
وفي كَبِدِي حَرٌّ مِنَ الشَّوْقِ لاعِجٌ / وَفِي عَضُدِي غُصْنٌ من البانِ ناعِمُ
يُقِرُّ هواهُ أَنَّهُ لِيَ قاتِلٌ / وقَلْبِي لَهُ مِنْ جَفْوَةِ الشَّوْقِ راحِمُ
أَجَنِّبُ أَنفاسِي أزاهِرَ حُسْنِهِ / لِعِلْمِيَ أَنَّ النَّوْرَ بالنَّارِ ساهِمُ
وأُغمِضُ لَحْظِي عَن جَنى وَجَنَاتِهِ / مخافَةَ أَنَّ السَّهْمَ للوَرْدِ حاطِمُ
وَمَا صَرعَ القتلى كَعَيْنَيْهِ صارِعٌ / ولا كَلَمَ الجرْحى كَصُدْغَيْهِ كالِمُ
فإِنْ أَشْفِ وَجدي من تباريحِ ظِلْمِهِ / بِضَمِّي لَهُ أَيقَنْتَ أَنِّيَ ظالِمُ
وإِنْ أُحْيِ نفسي فِيهِ من مِيتَةِ الهَوى / بلَثْمِي لَهُ لَمْ أَعْدُ أَنِّيَ آثِمُ
فَكَيْفَ وَقَدْ غارَتْ بِهِ أَنْجُمُ النَّوى / وقُيِّدَ دُونَ الماءِ حَرَّانُ هائِمُ
مَتاعٌ من الدنيا أرانِي فِراقُهُ / بعَيْنِ النُّهى والحِلْمِ أَنِّيَ حالِمُ
وقد صَرَمَتْهُ حادِثَاتٌ كَأَنَّها / بيُمْناكَ يَا مَنْصُورُ بِيضٌ صوارِمُ
يُضَرِّمُها أَمثالهُنَّ كتائِبٌ / يُقَدِّمُها أَشْبَاهَهُنَّ عَزَائِمُ
أَسِنَّتُها للمُهْتَدِينَ كواكِبٌ / وأَعلامُها للمُسْلِمينَ مَعَالِمُ
وآثارُها فِي الأَرْضِ أَشْلاءُ كافِرٍ / وغاوٍ وَفِي جَوِّ السماءِ غمائِمُ
وَفِي كَبِدِ الطَّاغُوتِ منها صوارِعٌ / وَفِي فقَرِ الشَّيْطَانِ منها قواصِمُ
بكل تُجَيَبْيٍ إِلَيْكَ انْتِسَابُهُ / وإِنْ أَنْجَبَتْهُ تَغلِبٌ والأَراقِمُ
ومُختارِ يمناكَ العَلِيَّةِ نِسْبَةً / وإِنْ سَفَرَتْ يَرْبُوعُ عنها ودارِمُ
وأَذْهَلَهُمْ جَدْوَاكَ عن كلِّ مَفْخَرٍ / وإِنْ فَخَرَتْ ذُهْلٌ بِهَا واللَّهَازِمُ
أُسُودٌ إذَا لاقَوْا وَطَيْرٌ إذا دُعُوا / أَيَامِنُهُمْ للمُعْتَدِينَ أَشَائِمُ
تَلَمَّظَ فِي الأَيْسَارِ مِنْهُمْ أَساوِدٌ / وتَهْتَزُّ فِي الأَيْمانِ منهم أَراقِمُ
ظِمَاءٌ وَمَا غَيْرَ الدماءِ مشارِبٌ / لَهُنَّ ولا غَيْرَ القُلُوبِ مَطَاعِمُ
غَرَسْتَ الفَلا منها غِياضاً أُرُومُها / حُماةُ الحِمى والصَّافِنَاتُ الصَّلادِمُ
إذَا مَا دَنَتْ مِنْ شِرْبِها أَجْنَتِ الرَّدى / وَكَانَ جَنَاهُنَّ الطُّلى والجَمَاجِمُ
فأَنسَتْكَ يَا مَنصُورُ رَوْضَ حَدَائِقٍ / تُلاعِبُ فِيهِنَّ المُنى وتُنَادِمُ
يضاحِكُ فِي أَرْضِ الزُّمُرُّدِ شَمْسَها / دنانِيرُ من ضَرْبِ الحَيَا ودَرَاهِمُ
وأَلْهَتْكَ عن لَيْلٍ كواكبُهُ المَها / وعن أَبْرُجٍ أَقمارُهُنَّ الكَرَائِمُ
وَمَا شُغِلَتْ يُمْنَاكَ عن بَذْلِ مَا حَوَتْ / وإِنْ غارَ مِنْهُنَّ النَّدى والمكارِمُ
فَخَاصَمْنَ بِيضَ الْهِنْدِ فِيكَ إِلَى العُلا / وَحَقٌّ لِمَنْ فِي القُرْبِ منكَ يُخاصِمُ
فإِنْ عَزَّها من صِدقِ بَأْسِكَ شَاهِدٌ / فقد سَنَّها مِنْ عَدْلِ حُكْمِكَ حاكِمُ
بِيَوْمٍ إِلَى الهَيْجَا ويومٍ إِلَى النَّدى / وَمَا عالَ مَقْسُومٌ ولا جَارَ قاسِمُ
وَنُودِيتَ يَوْمَ الجُودِ للسَّلْمِ فِي العِدى / فَجُدْتَ بِهِ وَالمُرْهَفَاتُ رَوَاغِمُ
حِذاراً عَلَى إِلْفِ الهَوى غُرْبَةَ النَّوى / وَمَا إِلفُها إِلّا الوَغى والمَلاحِمُ
وَعَوَّدْتَهَا طُعْمَ السِّباعِ فأَشْفَقَتْ / بإِغْبَابِهِ أَنْ تَدَّعيهِ البَهائِمُ
وكَلَّفْتَها رِزقَ الذِّئابِ فأُحشِمَتْ / لذِيبٍ عَوى تَحْتَ الدُّجى وَهْوَ صائِمُ
ومَنَّيْتَها نَفْسَ ابْنِ شَنْجٍ فأَسْمَحَتْ / مُسَالِمَةً من بَعدِهِ مَنْ تُسَالِمُ
عَلَى أَنَّ بَعْضَ العَفْوِ قَتْلٌ ومَغْنَمٌ / وَمَا رَدَّ رِبْحَ المُلْكِ فِي الحَرْبِ حازِمُ
فإِنَّ قتيلَ السَّيفِ للذِّيبِ مَطْعَمٌ / وإِنَّ قتيلَ العَفْوِ للمُلْكِ خادِمُ
فَيَا لِبُروقٍ لَمْ يَزَلْنَ صواعِقاً / عَلَى الكُفْرِ غَيْثُ الأَمْنِ منهُنَّ ساجِمُ
تُقَطِّعُ بالأَمْسِ الرِّقابِ وَوُصِّلَتْ / بِهَا اليَوْمَ أَرْحَامٌ لَهُمْ ومَحَارِمُ
غَدَتْ وَهيَ أَعْرَاسٌ لَهُمْ وَعَرَائِسٌ / وبالأَمْسِ مَوْتٌ فِيهِمُ ومآتِمُ
بعَقْدِ بناءٍ أَنْتَ شِدْتَ بناءَهُ / وَلَيْسَ لَهُ فِي الأَرْضِ غيرَكَ هادِمُ
فِرَنْجَةُ أَعْلاهُ و قَشْتِلُّ أُسُّهُ / وَسلْمُكُ أَرْكَانٌ لَهُ وَدَعائِمُ
فَمَلَّكْتَ تاجَ المُلْكِ تَاجَ مَلِيكَةٍ / لتَاجَيْهِما تَعْنُو الملوكُ الخَضَارِمُ
وَتَوَّجْتَها فَوْقَ الأَكالِيلِ والذُّرى / خَوافِقَ تَغشاها النُّسُورُ القَشَاعِمُ
وحَلَّيْتَها بَعْدَ الدَّمَالِيجِ والبُرَا / حُلِيَّاً لآلِيهِ القنا والصَّوارمُ
وضَمَّخْتَها من طيبِ ذِكْرِكَ فِي الوَرى / بأَضعافِ مَا تُهْدِي إِلَيْها اللَّطائِمُ
ونَظَّمْتَ آفاقَ الفَلا لِزِفافِها / خُيُولاً حَمَتْ مَا قَلَّدَتْها النَّوَاظِمُ
مُنىً كَانَ فِيهَا لابْنِ شَنْجٍ مَنِيَّةٌ / يُغَرْغِرُ منها راهِقُ الروحِ كاظِمُ
مَرَجْتَ عَلَيْهِ لُجَّ بَحْرَيْنِ يَلْتَقِي / عَلَى نَفْسِهِ تَيَّارُهُ المُتَلاطِمُ
وغادَرْتَهُ مَا بَيْنَ طَوْدَيْنِ أَطْبَقا / حُتُوفاً تُصَادي نَفْسَهُ وتُصَادِمُ
وأَسْلَمَهُ الأَشيَاعُ بَوَّاً بِقَفْرَةٍ / سَرَايَاكَ أَظْآرٌ عَلَيْهِ رَوَائِمُ
فَلَيْسَ لَهُ مِنْ ناصِرِ الدِّينِ ناصِرٌ / وَلَيْسَ لَهُ من عاصِمِ المُلْكِ عاصِمُ
وَقَدْ صَدَرَتْ عَنْهُ خيولُكَ آنِفاً / وَأَحْشَاؤُهُ فَيْءٌ لَهَا ومَغانِمُ
أَقاطِيعُ مِلْءُ الأَرْضِ أَصْوَاتُ خَيْلِها / وأَنعامِها عَمَّا يُكِنُّ تَرَاجِمُ
يُناجِي نُفُوساً حازَهُنَّ غَنائِماً / بأَمْنِكَ قَدْ حانَتْ عَلَيْها المغارِمُ
وأَفْعَالُ خَفْضٍ كنت تَشْكُلُها لَهُ / برَفْعِكَ قَدْ أَوْفَتْ عَلَيْها الجَوازِمُ
بغَزْوَةِ مَيْمُونِ النَّقِيبَةِ ثائِرٍ / عزائِمُهُ فِي النَّاكِثينَ هَزَائِمُ
وكم طَمَسَتْ عَيْنَيْهِ بَرْقَةُ مُقدِمٍ / تَلأْلأَ فِيهَا مَجْدُكَ المُتَقَادِمُ
تَجَلَّلَها جَدَّاك عَمرٌو وتُبَّعٌ / وأَعْقَبها عَمَّاكَ كَعْبٌ وحَاتِمُ
ومَنْ أَعْرَبتْ فِيهِ أَعاظِمُ يَعْرُبٍ / فَمُسْتَصْغَرٌ فِي أَصْغَرَيْهِ العَظَائِمُ
مآثِرُ لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِنَّ سابقٌ / ولا رامَها من قَبْلِ سَعْيِكَ رائِمُ
كَسَا العَرَبَ العَرْبَاءَ مِنْهُنَّ مَفْخَرٌ / تُصَلِّبُ مِنْهُ للوُجُوهِ الأَعاجِمُ
وشِدْتَ بِهَا فِي الرُّومِ والقُوطِ رِفْعَةً / تُسَامِي بِهَا عِندَ السُّها وتُزَاحِمُ
وصَرَّتْ بِهَا أَقْلامُ ضَيْفِكَ صَرَّةً / تُصِرُّ لَهَا الآذَانَ بُصْرى وجاسِمُ
فَزَوَّدَها الرُّكْبانُ شَرقاً ومَغرِباً / ووافَتْ بِهَا جَمْعَ الحَجِيجِ المَواسِمُ
وما لِيَ لا أُبْلِي بِذِكْرِكَ فِي الوَرى / بَلاءً تَهادَاهُ القُرُونُ النَّوَاجِمُ
وأُطْلِعُهُ شَمْساً عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ / يُكَذَّبُ فِيهَا عن سَنَا الشَّمْسِ زَاعِمُ
فَيَحْسُدُنِي فيكَ العِرَاقُ وَشامُهُ / وإِيَّاكَ فِيَّ عَبْدُ شَمْسٍ وهاشِمُ
بُخِسْتُ إِذَنْ سَعْيِي إِلَيْكَ وهجْرَتِي / وَمَا حَملَتْ مِنِّي إِلَيْكَ المَناسِمُ
وبينَ ضُلُوعِي بِضع عَشرَةَ مُهْجَةً / ظِماءٌ إِلَى جَدْوى يَدَيْكَ حَوَائِمُ
تَلَذُّ الليالي لَحْمَها ودِماءها / وَطَعْمُ الليالي عِنْدَهُنَّ عَلاقِمُ
قطعتُ بِهِنَّ الليلَ والليلُ جامِدٌ / وخُضْتُ بِهِنَّ الآلَ والآلُ جاحِمُ
إذَا مَلأَ الهَوْلُ المُمِيتُ صُدُورَها / تَحَرَّكَ من ذِكْرَاكَ فِيهَا تَمائِمُ
على شَدَنِيَّاتٍ تَطيرُ بِرُكْنِها / إِلَيْكَ خُطوبٌ فِي القلوبِ جَوَاثِمُ
فكم غالَ من أجسامِها غَوْلُ قَفْرَةٍ / وَخَرَّمَ من أَلْبابِهِنَّ المَخارِمُ
وكم عَجَزَتْ عنَّا ذواتُ قوائِمٍ / فَعُجْنا بِعُوجٍ مَا لَهُنَّ قوائِمُ
جآجِئُ غِرْبانٍ تطيرُ لنا بِهَا / عَلَى مثلِ أَطْوَادِ الفيافي نَعَائِمُ
لها من أَعاصِيرِ الشمالِ إذَا هَوَتْ / خَوَافٍ ومن عَصْفِ الجَنُوبِ قوادِمُ
يُحاجى بِهَا مَا حامِلٌ وهوَ راقِدٌ / وَمَا طائرٌ فِي جَوِّهِ وهوَ عائِمُ
سَرَتْ من عَصا مُوسى إِلَيْهِ قَرَابَةٌ / فَطَبٌّ بِفَلْقِ البحرِ والصَّخْرِ عالِمُ
وشاهَدَ لَقْمَ الحُوتِ يُونُسَ فاقْتَدى / فغادٍ وسارٍ وهو للسَّفْرِ لاقِمُ
أَعوذُ بِقَرْعِ المَوْجِ فِي جَنَبَاتِها / إِلَيْكَ بنا أن يَقْرَعَ السِّنَّ نادِمُ
وما عَبَّرَتْ عَنهُ جُسومٌ نَوَاحِلٌ / وَمَا حَسَرتْ عنهُ وجوهٌ سَوَاهِمُ
وما كَتَبَتْ فِي واضِحاتِ وجوهِنا / إِلَيْكَ الدَّياجِي والرِّياحُ السَّمائِمُ
فلا رَجَعَتْ عَنكَ الأَمانِي حَسِيرَةً / ولا فُزِّعَتْ مِنَّا لَدَيْكَ التَّمائِمُ
ولا خَتَمَتْ عَنكَ الليالي سَرِيرَةً / ولا فَضَّتِ الأَيَّامُ مَا أنتَ خاتِمُ
ولا نَظَمَ الأَعْدَاءُ مَا أَنتَ ناثِرٌ / ولا نَثَرَ الأَعداءُ مَا أَنتَ ناظِمُ
ولا عَدِمَ الإِشْرَاكُ أَنَّكَ ظافِرٌ / ولا عَدِمَ الإِسْلامُ أَنَّكَ سالِمُ
ولا زالَ للسيفِ الحَنيفيِّ قائِمٌ / وأَنتَ بِهِ فِي طاعَة اللهِ قائِمُ
جِهادٌ عَلَى الكُفَّارِ بالنَّصْرِ مُقدِمٌ / وَوَجْهٌ عَلَى الإِسْلامِ بالفَتْحِ قادِمُ
أَبى اللهُ إِلّا أَنْ يرى يَدَكَ العُلْيا
أَبى اللهُ إِلّا أَنْ يرى يَدَكَ العُلْيا / فَيُبْلِيَها سَعداً وتُبْليَهُ سَعْيا
ويُوسِعُها سَقياً وَرَعْياً كَمِثْلِ مَا / سَمَتْ للمُنى سَقياً وسامَتْ بِهَا رَعْيا
وأَيُّ حياً فِي الشَّرْقِ والغربِ للوَرى / وأَيُّ حِمىً للملكِ والدِّينِ والدُّنيا
وأَيُّ فتىً والنفسُ كاذِبَةُ المُنى / وأَيُّ فتىً والحربُ صادِقَةُ الرُّؤْيا
عَلا فَحَوى ميراثَ عادٍ وتُبَّعِ / بِهِمَّتِهِ العُلْيا ونِسْبَتِهِ الدُّنْيا
فأعْرَبَ عن إِقْدامِ يَعْرُبَ واحْتَبى / فلَمْ يَنْسَ من هُودٍ سَناءً ولا هَدْيا
ومِنْ حِميَرٍ رَدَّ القنا أَحْمَرَ الذُّرَى / ومِنْ سَبَأٍ قادَتْ كَتائِبُهُ السَّبْيا
وما نام عنهُ عِرْقُ قَحْطَانَ إِذْ فَدى / عُروقَ الثَّرى من غُلَّةِ القَحْطِ بالسُّقْيا
ولا أَسْكَنَتْ عَنْهُ السَّكُونُ سِيادَةً / وَلا رَضِيَتْ طَيٌّ لراحَتِهِ طَيَّا
ولا كَنَدَتْ أَسيافُهُ مُلْكَ كِنْدَةٍ / فَيَتْرُكَ فِي أَركانِ عِزَّتِها وَهْيَا
ولا أَقْعَدَتْهُ عن إِجابَةِ صارِخٍ / تُجِيبُ ولو حَبْواً إِلَى الطَّعْنِ أَوْ مَشْيا
وكائِنْ لَهُ فِي الأَوْسِ من حَقِّ أُسْوَةٍ / بنَصْرِ الهُدى جَهْراً وبَذْلِ النَّدى خَفْيا
هُمُ أَوْرَثُوهُ نَصْرَ دينِ مُحَمَّدٍ / وحازُوا لَهُ فَخْرَ النَّدى والقِرى وحْيا
وَهُمْ أَوْجَدُوهُ الجودَ أَعذبَ مطعَماً / منَ الرِّيقَةِ الشَّنْباءِ فِي الشَّفَةِ اللَّمْيا
مَناقِبُ أَدَّوْها إِلَيْهِ وِرَاثَةً / فكانَ لَهَا صَدْراً وكانتْ لَهُ حَلْيا
ورَوْضَةُ مُلْكٍ عاهَدَتْها عِهادُهُ / فأَغْدِقْ بِهَا رِيَّاً وأَعبِقْ بِهَا رَيَّا
وصَوْتُ ثناءٍ أَسْمَعَ اللهُ ذِكْرَهُ / لِيُسْمِعَ منه الصُّمَّ أَوْ يَهْدِيَ العُمْيا
لِمَنْ يَلْحَظُ الأَعْلَيْنَ فِي المَجْدِ مِنْ عَلٍ / وجارى فأَعْيا السَّابِقينَ وَمَا أَعيا
أَنيسُ القُلُوبِ فِي الصدورِ وَلَمْ يَكُنْ / لِيُوحِشَ مَثْوَاهُ الفَرَاقِدَ والجَدْيا
وَمَوْرِدُ مَنْ أَظْما وإِصْباحُ من سَرى / ومَبْرَكُ من أَعيا وغايةُ مَنْ أَغيا
فَقَصْرُ مُلُوكِ الأَرْضِ سُدَّةُ قصره / وإِنْ سَحَقُوا بُعْداً وإِنْ شَحَطُوا نأْيا
وأَهْدَتْ لَهُ بَغْدَاذُ ديوانَ عِلْمِها / هَدِيَّةَ مَنْ وَالى وَنُخْبَةَ مَنْ حَيَّا
فكانتْ كَمَنْ حَيَّا الرِّياضَ بِزَهْرِها / وأَهْدى إِلَى صَنْعَاءَ من نَسْجِها وَشْيا
وحَسْبُ رُوَاةِ العِلْمِ أَنْ يتدارسوا / مآثِرَهُ حِفْظاً وآثارَهُ وعْيا
ويَكفي مُلُوكَ الأَرْضِ من كُلِّ مَفْخَرٍ / إِذَا امْتَثَلُوا من بَعْضِ أَفعالِهِ شَيَّا
وأن يَسمعوا من ضَيْفِهِ فِي ثَنائِهِ / غَرَائِبَ حَلّى من جَوَاهِرِها الدُّنْيا
وأَنْ يَنْظُرُوا كَيْفَ ازْدَهى مَفْرِقُ العُلا / بعَقْدِي لَهُ تاجاً من الكَلِمِ العُلْيا
أوابِدُ حالَفْنَ اللَّياليَ أَنَّها / تموتُ الليالي وَهْيَ باقِيةٌ تَحْيا
لِمَنْ كَفَلَ الإِسْلامَ أُمَّ سِيادَةٍ / فَبَرَّتْ بِهِ حِجْراً ودَرَّتْ لَهُ ثَدْيا
ومَنْ ذَعَرَ الأَعْداءَ حَتَّى توهَّمُوا / بِهِ الصُّبحَ جَيْشاً والظَّلامَ لَهُ دَهْيا
لطاعَةِ من وَصّى المنايا بطَوْعِهِ / فلم تَعصِهِ فِي الشِّرْكِ أمراً ولا نَهْيا
فكمْ رَأْسِ كُفْرٍ قَدْ أَنافَتْ بِرَأْسِهِ / من الصَّرْعَةِ السُّفْلى إِلَى الصَّعْدَةِ العُلْيا
فأَوْفَتْ بِهِ فِي مَرْقَبِ السُّورِ كالِحاً / يُؤَذِّنُ بالأَعْداءِ حَيَّ هَلا حَيَّا
وتَفلي الصَّبا مِنهُ ذوَائِبَ لِمَّةٍ / تَفَاخَرُ أَيْدي المُصْبِياتِ بِهَا فَلْيا
فهامَتُهُ لِلْهامِ تَسْتَامُها القِرى / وأَشْلاؤُهُ للرِّيحِ تُسْتَامُها السَّفْيا
وكمَ رَدَّ عَنْ نَفْسِ ابْنِ شَنْجٍ سِهامُها / وَقَدْ أَغرقتْ نَزْعاً وأَمكَنَها رَمْيا
طَلِيقُكَ من كَفِّ الإِسارِ وَقَدْ هَوَتْ / بِهِ الرَّقِمُ الرَّقْماءُ والمُوبِدُ الدَّهْيا
فَحَكَّمْتَ فِيهِ حَدَّ سَيْفِكَ فَاقْتَضى / وشاوَرْتَ فِيهِ الفَضْلَ فاسْتَعجمَ الفُتيا
فأَخَّرْتَ عَنْهُ حُكْمَ بَأْسِكَ بالرَّدى / وأَمْضَيْتَ فِيهِ حُكْمَ عَفْوِكَ بِالبُقْيا
وَوَقَّيْتَهُ حَرَّ الحِمَامِ لَوِ اتَّقى / وزَوَّدْتَهُ بَرْدَ الحياةِ لَوِ استحْيا
فأَفلَتَ يَنْزُو فِي حَبائِلِ غَدْرِةٍ / بأَوْتَ بِهَا عِزّاً وباءَ بِهَا خِزْيا
فأَتْبَعْتَهُ تَحْتَ العَجاجَةِ رَايَةً / بَهَرْتَ بِهَا رَاياً وأَعْلَيْتَها رَأْيا
وجَرَّدْتَ سَيْفَ الحَقِّ مُدَّرِعَ الهُدى / لِمَنْ سَلَّ سَيْفَ النَّكْثِ وادَّرَعَ البَغْيا
وأَعْلَيْتَها فِي دَعْوَةِ الحَقِّ دَعْوَةً / كفاك بِهَا بُشْرى وأَعْدَاءها نَعْيا
فَجاءَتْكَ تَحْتَ الخافِقَاتِ كَتَائِباً / كَمَا حَدَتِ الأَفْلاكُ أَنجُمَها جَرْيَا
مُهِلِّينَ بالنصرِ العزيزِ لِمَنْ دَعَا / مُلَبِّينَ بالفتحِ المبين لمن أَيَّا
بكُلِّ أَميرٍ طَوْع يُمْنَاكَ جَيْشُهُ / وطاعَتُكَ العَلْيَاءُ غايَتُهُ القُصْيا
وكُلِّ كَمِيٍّ فِي مَنَاطِ نِجادِهِ / دواءٌ لِدَاءِ النَّاكِثِينَ إِذَا أَعْيا
وإِنْ لَمْ يُفِقْ دَاءُ ابْنِ شَنْجٍ بِطِبِّهِ / فَقَدْ بَلَغَتْ أَدْوَاؤُهُ النَّارَ والكَيَّا
بِسابِحَةِ الأَجيادِ فِي كُلِّ لُجَّةٍ / تُرِيكَ عُبابَ البَحرِ من هَوْلِها حِسْيا
قَدَحتَ بأَيْدِيها صَفَا الشِّرْكِ قَدْحَةً / جَعَلْتَ ضِرامَ المَشْرَفِيِّ لَهَا وَرْيا
خَوَاطِفَ إِبْراقٍ جَلاهُنَّ عارِضٌ / من النَّقْعِ لا يُوني دِمَاءَ العِدى مَرْيا
عُقِدْنَ بأَيْمانِ الضِّرابِ وعُوقِدَتْ / بأَيْمانِ عَهْدٍ لا انثِناءَ ولا ثُنْيا
وزُرقاً تَشَكَّى من ظِماءِ كُعُوبِها / وتَسْقِي رُبُوعَ الكُفْرِ من دَمِهِ ريَّا
إِذَا غَرَبَتْ ناءَتْ بِمُنْهَمِرِ الكُلى / وإِن طَلَعَتْ فاءَتْ بِمِلْءِ المَلا فَيَّا
فأُبْتَ بأَعْدادِ النُّجُومِ مَساعِياً / وأَمثالِها سُمْراً وأَضعافِها سَبْيا
وُجُوهاً سُلِبْنَ العَصْبَ والحَلْيَ فاكْتَسَتْ / مَحاسِنَ أَنْسَيْنَ المَجاسِدَ والحَلْيَا
كَأَنْ لَمْ تَدَعْ بِالبِيدِ أَيْكاً ولا غَضَى / ولا فِي شِعابِ الرَّمْلِ خِشَفاً ولا ظَبْيا
إِيَابَ مليكٍ قُلِّدَتْ عَزَمَاتُهُ / من الرُّشْدِ والتَّوْفِيقِ مَا دَمَّرَ الغَيَّا
يُقِرُّ عيونَ الخَيْلِ فِي حَوْمَةِ الوَغى / إِذَا مَا قُدُورُ الحَرْبِ فَارَتْ بِهَا غَلْيا
ويُعْرِضُ عَنْ فُرْشِ القصورِ وَثِيرَةً / ليَرْكَبَ ظَهْرَ الحربِ مُحْدَوْدِباً عُرْيا
ويَحْسُو ذُعافَ السُّمِّ فِي جاحِمِ الوَغى / ليُرْوِيَ آمالَ النُّفُوسِ بِهَا أَرْيا
ويُصْلي بِحَرِّ الشمسِ حُرَّ جبينِهِ / ليَبْسُطَ لِلإِسْلامِ من نُورِهِ فَيَّا
ويا شامِتاً أَنِّي طَريدُ حِجابِهِ / لِيُخْزِكَ أَنِّي حُزْتُهُ بَيْنَ جَنْبَيَّا
ويا حاجِباً قَدْ رَدَّ طَرْفِي دُونَهُ / تَأَمَّل تَجِدْهُ وَهْوَ إِنْسانُ عَيْنَيَّا
صَفاءُ وِدَادٍ إِنْ رَمى فَوْقَهُ القَذى / ظُنُوناً من الإِشْفاقِ طَيَّرَها نَفْيا
وصِدْقُ رَجاءٍ كُلَّما مُتُّ رَحْمَةً / عَلَى مِثْلِ أَفْراخِ القَطا رَدَّنِي حَيَّا
ظِماءٌ وَمَا يَدْرُونَ فِي الأَرْضِ مَشْرَباً / سِوى كَبِدي الْحَرّى ومُهْجَتيَ الظَّمْيا
وكم عَسَفُوا بَحْراً ولا بَحْرَ لِلنَّدى / وخاضُوا سَرابَ البيدِ نهياً ولا نِهْيا
ومانُوا يُرَاعُونَ النجُومَ وَقَدْ رَأَتْ / وسائِلُهُمْ أَلّا حِفاظَ وَلا رَعْيا
ولا خُلَّةٌ إِلّا الهَجِيرُ إِذَا الْتَظَى / فكانَ لَهُمْ جَمْراً وكانوا لَهُ شَيَّا
ولا نَسَبُ إِلّا الثُّرَيَّا إِذَا انْتَحَتْ / فكانَتْ لَهُمْ نِصْفاً وكانُوا لَهَا ثِنْيا
وكم زَجَروها بِاسْمِها وحُقُوقِهَا / فما صَدَقَتْهُمْ لا ثَرَاءً ولا ثَرْيا
ولا صِدْقَ إِلّا للرَّجاءِ الَّذِي سَرى / فقَصَّرَ طُولَ اللَّيْلِ واسْتَقْرَبَ النَّأْيا
وبارى هُوِيَّ الرِّيحِ يَسْبِقُها هَوىً / وغالَ قِفارَ البِيدِ يَنْسِفُها طَيَّا
إِلى سابِقِ الأَمْلاكِ عَلَّمَ سَيْفُهُ / نَدى كَفِّهِ أَنْ يَسْبِقَ الوَعْدَ والوَأْيا
أَبُو الحَكَمِ المُمْضِي لِحُكْمِ عُفَاتِهِ / رغائِبَ لا يَعْرِفْنَ سَوْفاً ولا لَيَّا
ومَثَّلَ لي فِي الحَرْبِ حَسْرُ ذِراعِهِ / بِحَسْرِيَ فِي حَرْبِ الخُطُوبِ ذِرَاعَيَّا
إِذَا لَمَعَتْ بِيضُ الصَّوَارِمِ حَوْلَهُ / كَإِضْرَامِ نِيرانِ الهمومِ حَوَالَيَّا
وَقَدْ عاذَ أَبْطَالُ الجَلادِ بِعِطْفِهِ / كَمَا عاذَ أَطْفالُ الجَلاءِ بِعِطْفَيَّا
وَقَدْ قَصَّرَتْ عنهُ رِماحُ عُدَاتِهِ / كَمَا قَصَّرَتْ عَنْهُمْ رِياشُ جناحَيَّا
ولكِنْ أُوَاسِي بَيْنَ عارٍ ولابِسٍ / أُقَلِّصُ عَنْ ذَيَّا لأَثْني عَلَى تَيَّا
وإِنْ لَوَتِ اللأوَاءُ مِنْ شَأْوِ هِمَّتِي / وأَلحَقَ ذُلُّ العُسْرِ وَجْهِي بِنَعْلَيَّا
فلَمْ تَلْوِ عَنْ مَدْحِ ابْنِ يَحْيى مدائحي / بأَطْيَبِ ذِكْرٍ فِي المَمَاتِ وَفِي المَحْيا
يُصِيخُ إِلَيْهِ كُلُّ سَمْعٍ مُوقَّرٍ / ويَجْلُو سَناهُ كُلَّ ناظِرَةٍ عَمْيا
وأُنشِيكَ عنهُ المِسْكَ مَا عِشْتَ يَا ورَى / وأُكْسُوكَ مِنْهُ الدُّرَّ مَا دُمْتِ يَا دُنْيا
وإِنْ بَرَتِ الأَيَّامُ مِنْ حَدِّ هِمَّتِي / وفَلَّتْ سِلامُ الحادِثاتِ غِرَارَيَّا
فَهَلْ قَلَمٌ خُطَّتْ بِهِ الأَرْضُ كُلُّها / نِظاماً ونَثْراً يُنْكِرُ القَطَّ والبَرْيا
وَزَنْدٌ يُنِيرُ الشَّرْقَ والغَرْبَ قَدْحُهُ / جَدِيرٌ بأَنْ يَسْتَلحِقَ المَحْقَ والوَهْيا
ويَا لَكِ مِنْ ذِكْرَى سَنَاءٍ ورِفْعَةٍ / إذَا وَضَعُوا فِي التُّرْبِ أَيْمَنَ جَنْبَيَّا
وفَاحَتْ لَيَالِي الدَّهْرِ مِنِّيَ مَيِّتاً / فأَخزَيْنَ أَيَّاماً دُفِنْتُ بِهَا حَيَّا
وَكَانَ ضَياعِي حَسْرَةً وَتَنَدُّمَا / إذَا لَمْ يُفِدْ شَيْئاً وَلَمْ يُغْنِنِي شَيَّا
وأَصْبَحْتُ فِي دارِ الغِنى عَنْ ذَوِي الغِنى / وعُوِّضْتُ فاسْتَقْبَلْتُ أَسْعَدَ يَوْمَيَّا
سِوى حَسْرَتَيْ عرضٍ وَوَجْهٍ تَضَعْضَعَا / لقارِعَةِ البَلْوى وَكَانَا عَتَادَيَّا
ولِلسِّتْرِ والصَّبْرِ الجَمِيلِ تَأَخَّرَا / فأَمَّهُمَا حِرْصِي وَكَانَا إِمامَيَّا
فيا عَبْرَتِي سُحِّي لَعَلِّي مُبَلَلٌ / بِبَحْرَيْكِ مَا أَنْزَفْتُ من مَاءِ عَيْنَيَّا
ويا زَفْرَتِي هَلْ فِي وَقُودِكِ جَذْوَةٌ / تُنِيرُ لَنَا صُبْحاً ثَنَاهُ الأَسى مُسْيا
ويا خَلَّتي إِنْ سَوَّفَ الغَوْثُ بالمُنى / ويا غُلَّتِي إِنْ أَبْطَأَ الغَيْثُ بالسُّقْيا
فَقُوما إِلَى رَبِّ السَّمَاءِ فَأَسْعِدَا / تَقَلُّبَ وَجْهِي فِي السَّمَاءِ وَكَفَّيَّا
عَسى مَيِّتُ الأَظْمَاءِ فِي رَوْضَةِ النَّدى / سَيَرْجِعُ عَنْ رَبِّ السَّماءِ وَقَدْ أَحْيا
ويا أَوْجُهَ الأَحْرَارِ لا تَتَبَدَّلِي / بِظِلِّ ابْنِ يَحْيَى بَعْدُ ظِلّاً ولا فَيَّا
ويا حَلْبَةَ الآمَالِ زِيدِي عَلَى المَدى / بَقَاءَ ابْنِ يَحْيَى ثُمَّ حَيِّي عَلَى يَحْيى
لَكَ الفَوْزُ مِنْ صَوْمٍ زَكِيٍّ ومِنْ فِطْرٍ
لَكَ الفَوْزُ مِنْ صَوْمٍ زَكِيٍّ ومِنْ فِطْرٍ / وَصَلْتَهُما بالبِرِّ شَهْراً إِلَى شَهْرِ
فناطِقُ صِدْقٍ عَنْكَ بالصِّدْقِ والنُّهى / وشاهِدُ عَدْلٍ فيكَ بالعَدل والبِرِّ
فهذا بِما استَقْبَلْتَ من صائِبِ النَّدى / وهذا بما زَوَّدْتَ من وافِرِ الذُّخْرِ
فكَمْ شافِعٍ فِي ظِلِّكَ الصَّوْمَ بالتُّقى / وكَمْ واصِلٍ فِي أَمْنِكَ اللَّيْلَ بالذِّكْرِ
وكم ساجِدٍ لله مِنَّا ورَاكِعٍ / يَبيتُ عَلَى شَفْعٍ ويَغْدُو عَلَى وَتْرِ
ووَجْهُكَ للهَيْجَاءِ من دُونِ وَجْهِهِ / وتَسْرِي إِلَى الأَعْداءِ عنه ولا يَسْرِي
وظِلُّكَ ممدودٌ عَلَيْهِ وتَصْطَلِي / بِجَاحِمِ نارِ الحربِ أَوْ جَامِدِ القُرِّ
خَلَعْتَ عَلَيْهِ ثَوْبَ صَوْنٍ ونِعْمَةٍ / وظاهَرْتَ عَنْهُ بَيْنَ صِنٍّ وصِنَّبْرِ
وكمْ قاطِعٍ بالنَّوْمِ لَيْلاً وَصَلْتَهُ / بِغَزْوِكَ مَا بَيْنَ الأَصِيلِ إِلَى الفَجْرِ
وأَقْدَمْتَ فِيهِ الخَيْلَ حَتَّى رَدَدْتَها / وآثارُها ثَغْرٌ لقاصِيَةِ الثَّغْرِ
كَأَنَّ دُجى لَيْلٍ يَمُرُّ عَلَى الضُّحى / إِذَا سِرْنَ أَوْ بَحْراً يمورُ عَلَى البَرِّ
فَأَنْتَ جَزَاءُ صَوْمِنا وَصَلاتِنا / وَفِيكَ رَأَيْنا مَا ابْتَغَيْنَا مِنَ الأَجْرِ
ومِنْكَ اسْتَمَدَّ الفِطْرُ مَطْعَمَ فِطْرِنا / وفيكَ أَرَتْنَا قَدْرَها لَيْلَةُ القَدْرِ
وباسْمِكَ عَزَّتْ فِي الخِطابِ مَنابِرٌ / بأَسْعَدِ عِيدٍ عادَ بالسَّعْدِ أَوْ فِطْرِ
ولاحَ لَنَا فِيهِ هِلالٌ كَأَنَّهُ / بَشِيرٌ بِفَتْحٍ مِنْكَ أَشْرَقَ بِالبِشْرِ
أَهَلَّ فأَهْلَلْنا إِلَيْهِ تَمَثُّلاً / بِرُحْبِكَ جُنْحَ اللَّيْلِ بالضَّيْفِ تَسْتَقْرِي
وأَسْفَرَ عَنْ زُهْرِ النُّجُومِ كَأَنَّما / جَبينُكَ أَبْدى عن خَلائِقِكَ الزُّهْرِ
عَلا وتَدَانى للعُيُونِ كَمَا عَلا / مَحَلُّكَ واسْتَدْنَيْتَ بُعْدَاً عَنِ الكِبْرِ
وذَكَّرَنا عَطْفاً بِعَطْفِكَ حانياً / عَلَى الدِّينِ والإِسلامِ فِي البَدْوِ والحَضْرِ
هلالُ مَساءٍ باتَ يَضْمَنُ لِلضُّحى / غَدَاةَ المُصَلَّى مطلعَ الشَّمْسِ والبَدْرِ
ومِلْءَ عُيُونِ النَاظِرِينَ كتَائِباً / كَتَبْتَ بِهَا الآفاقَ سَطْراً إِلَى سَطْرِ
مُخَطَّطَةً بالخَيْلِ والأُسْدِ والحُلى / ومُعْجَمَةً بالبَيْضِ والبِيضِ والسُّمْرِ
وصادِقَةَ الإِقْدَامِ تَهْتَزُّ لِلْوَغى / وخافِقَةَ الأَعْلامِ تَعْتَزُّ بِالنَّصْرِ
فَصَلَّيْتَ وَهْيَ النُّورُ فِي مَشْرِقِ العُلا / وأَصْلَيْتَ وَهْيَ النَّارُ فِي مَغْرِبِ الكُفْرِ
ولما اسْتَهَلَّتْ بالسَّلامِ صَلاتُهُمْ / أَهَلَّتْ إِلَى تَسْلِيمِهِمْ سُدَّةُ القصْرِ
فَكَرُّوا يُعِيدُونَ السَّلامَ عَلَى الَّذِي / يُعَاوِدُ عَنْهُمْ فِي العِدى صادِقَ الكَرِّ
يُحَيُّونَ بالإِعْظَامِ مَوْلَىً حَنانُهُ / أَخَصُّ بِهِمْ مِنْ رَأْفَةِ الوالِدِ البَرِّ
ووافَوْا سريرَ المُلْكِ يَسْتَلِمُونَهُ / كمُسْتَلَمِ الحُجَّاجِ للرُّكْنِ والحِجْرِ
مَشاهِدُ غارَتْ فِي البِلادِ وأَنْجَدَتْ / مُحَقَّقَةَ الأَنْباءِ طَيِّبَةَ النَّشْرِ
أَنارَتْ فَما بِالخُلْدِ عَنْهُنَّ مِنْ عَمىً / ولا بِزَبابِ الرَّمْلِ عَنْهُنَّ مِنْ وَقْرِ
فكيفَ بأَبْصارٍ أَضَاءَتْ لَهَا المُنى / إِلَيْكَ وأَسماعٍ صَغَتْ فِيكَ لِلْجَبْرِ
ولا مِثْلَ مَجْلُوِّ النَّواظِرِ بالْعِدى / بَياتاً ومَفْتُوقِ المَسَامِعِ بالذُّعْرِ
تَوَقَّى فأَبْلى عُذْرَ نَاجٍ مُخاطِرٍ / فَرَدَّ المنايا عنهُ مُبْلِيَةَ العُذْرِ
وآنَسَ يَا مَنْصُورُ عِنْدَكَ نَفْسَهُ / فَجَلَّى لَهَا تَحْتَ الدُّجى ناظِرَيْ صَقْرِ
فأَهْوى إِلَى مَثْوَاكَ أَمضى مِنَ الهوى / وأَسْرى إِلَى مَأْوَاكَ أخفى مِنَ السِّرِّ
فَكمْ جُزْتُ من سَيْفٍ لِقَتْلِيَ مُنْتَضىً / وجاوزتُ من لَيْثٍ لِضَغْمِيَ مُفْتَرِّ
فيا خِزْيَ ذا مِنْ سَبْقِ خَطْوٍ مُخاطِرٍ / ويا لَهْفَ ذا مِنْ فَوْتِ غِرَّةِ مُغْتَرِّ
كَأَنَّ خُفُوقَ القَلْبِ مَدَّ جوانِحي / بأَجْنِحَةٍ رِيشَتْ منَ الرَّوْعِ والذُّعْرِ
وتَحْتَ جَناحَيْ مَقْدِمِي وتَعَطُّفِي / ثمانٍ وَعَالَتْ بالْبَنينَ إِلَى الشَّطْرِ
أَخَذْتُ لَهُمْ إِصْرَ الحياةِ فأُجِّلُوا / وَقَدْ أًخَذَ الإِشْفَاقُ مِنِّي لَهُمْ إِصْرِي
فَحَمَّلْتُهُمْ وِزْراً ولَوْ خَفَّ مِنْهُمُ / جَناحِي لكانَ الطَّوْدُ أَيْسَرَ مِنْ وِزْرِي
فلِلَّهِ من أَعْدَادِ أَنْجُمِ يُوسُفٍ / تَحَمَّلَها مِنْها أَقلُّ مِنَ الْعُشْرِ
إِلَى كُلِّ مَأْوىً لِلْجَلاءِ هَوى بِنا / إِلَى حَيْثُ لا مَهْوَى عُقابٍ ولا نَسْرِ
رحَلْتُ لَهُ عُوجاً كَأَنَّ هُوِيَّها / بِنا فِيهِ أَفْلاكٌ بأَنْجُمِها تَجْرِي
طَوَيْنَ بِنا بُعْدَ السِّفَارِ كَأَنَّها / ليالٍ وأَيَّامٍ طَوَيْنَ مَدى العُمْرِ
ورُبَّتَما اسْتَوْدَعْنَنا بَطْنَ حُرَّةٍ / هَوَائِيَّةِ الأَحْشاءِ مائِيَّةِ الظَّهْرِ
رَحِيبَةِ مَأْوى الضَّيْفِ مانِعَةَ الْقِرى / وغَيْرُ ذَمِيمٍ أَنْ تُضِيفَ ولا تَقْرِي
فكَمْ ليَ بَيْنَ اللَّوْحِ واللَّوْحِ طائِراً / وأَوْكارُهُمْ فِي طائِرٍ غَيْرِ ذِي وَكْرِ
وكمْ أَسْلَمُوا لِلْعَسْفِ والخَسْفِ مِنْ حِمىً / وكمْ تَرَكُوا للغَصْبِ والنَّهْبِ من وَفْرِ
وكم وَجَّهُوا وَجْهاً لبارِقَةِ الظُّبى / وكم وَطَّنُوا نَحْراً لِنافِذَةِ النَّحْرِ
وكمْ أَقدَمُوا بَيْنَ المَنايا كَمَا هَوَتْ / فَرَائِسُ أُسْدِ الْغابِ لِلنَّابِ والظُّفْرِ
وكم بَدَّلُوا مِنْ وَجْهِ راعٍ وحافِظٍ / وُجُوهَ المنايا السُّودِ والحَدَقِ الحُمْرِ
ومِنْ رَفْرَفِ الأَسْتارِ دُونَ حِجَالِها / تَرَقْرُقَ لَمْعِ الآلِ فِي المَهْمَهِ القَفْرِ
ومن ساجِعِ الأَطْيارِ فَوْقَ غُصُونِها / مُراسَلَةَ الأَلْحَانِ فِي نَغَمِ الوَتْرِ
تُنادي عَزِيفَ الجِنِّ فِي ظُلَمِ الدُّجى / وهَوْلِ الْتِطَامِ المَوْجِ فِي لُجَجِ البَحْرِ
وكم زَفْرَةٍ نَمَّتْ عَلَيْهِمْ بِحَسْرَةٍ / أَنَارَتْ بِنارِ السِّرِّ فِي عَلَمِ الجَهْرِ
ونادَتْ عُيُونَ الشَّامِتينَ إِلَى القِرى / بأَفْلاذِ أَكْبادٍ كصَالِيَةِ الجُزْرِ
ومَاذَا جَلا وَجْهُ الجَلاءِ مَحاسِناً / تَهابُ العُيُونُ مَا نَثَرْنَ من الدُّرِّ
وماذا تَلظَّى الحَرُّ فِي حُرِّ أَوْجُهٍ / تَنَسَّمُ فِيهِ بَرْدَ ظِلٍّ عَلَى نَهْرِ
وماذَا أَجَنَّ اللَّيْلُ فِي مُوحِشِ الفَلا / أَوانِسَ بالأَتْرَابِ فِي يانِعِ الزَّهْرِ
وماذا تَرَامى المَوْجُ فِي غَوْلِ لُجَّةٍ / بِلاهِيَةٍ بَيْنَ الأَرَائِكِ والخِدْرِ
فإِنْ نَبَتِ الأَوْطَانِ مِنْ بَعْدُ عَنهُمُ / فلا مَحْجَرِي حَجْرٌ عَلَيْهِمْ ولا حِجْرِي
وإِنْ ضاقَ رَحْبُ الأَرْضِ عَنْ مُنْتَوَاهُمُ / فَرَحْبٌ لَهُمْ مَا بَيْنَ سَحْرِي إِلَى نَحْرِي
وإِنْ تَقْسُ أَكْبادٌ كِرَامٌ عَلَيْهِمُ / فواكَبِدِي مِمَّنْ تَذُوبُ لَهُ صَخْرِي
وإِنْ تَبْرَمِ الأَيْسَارُ فِي أَزَمَاتِهِمْ / فأَحْبِبْ بِأَيْسارٍ قَمَرْتُ لَهُمْ يُسْرِي
فَفازُوا بِنَفْسي غَيْرَ جُزْءٍ ذَخَرْتُهُ / لِما شَفَّ مِنْ خَطْبٍ وَمَا مَسَّ مِنْ ضُرِّ
فَعَفْوٌ لَهُمْ جَهْدِي وحُلْوٌ لَهُمْ مُرِّي / وصَفْوٌ لَهُمْ طِرْفي ويُسْرٌ لَهُمْ عُسْرِي
وإِنْ أَضْرَمُوا قَلْبِي فَجَمْرِي لَهُمْ نَدٍ / وإِنْ غَيَّضُوا شِرْبِي فَرَوْضِي لَهُمْ مُثْرِ
وَدَائِعُ نَفْسِي عِنْدَ نفسي حَفِظْتُها / بِما ضاعَ مِنْ حَقِّي وَمَا هانَ مِنْ قَدْرِي
قَليلٌ غِناهُم عَنْ يَدِي وَغَناؤُهُمْ / سِوى أَنَّهُمْ مِنْ ضَيْمِ كَسْبي لَهُمْ عُذْري
وأَنِّي لَهُمْ فِي ماءِ وَجْهِي تاجِرٌ / أُغَنِّمُهُمْ غُنْمِي وأُرْبِحُهُمْ خسُرِي
وأُسْلِمُ فِي وَخْزِ السَّفى ثَمَرَ المُنى / وأَبْذُلُ فِي قَذْفِ الحصى جَوْهَرَ الشُّكْرِ
وإِنْ نَفَقَتْ عِنْدي بِضَاعَةُ قانِعٍ / تَقَنَّعْتُ مِنْها فِي خَزَايَةِ مُعْتَرِّ
رَجاءً لِضُمْرٍ طالما قَدْ عَهِدْتُهُ / يُريني أَناةَ السَّهلِ فِي المَسْلَكِ الوَعْرِ
وخزياً لِوجهٍ هانَ فِي صَوْنِ أَوْجُهٍ / كريمٍ بهم رِبْحِي لَئيمٍ بهم تَجْرِي
بعدَّة أبراجِ السَّماءِ وَمَا سرى / مداها إِلَى صُبْحٍ يُضيءُ ولا فَجْرِ
وكيفَ وَمَا فِيهَا معرَّجُ مَنْزِلٍ / لِشَمْسٍ تُجلِّي ليلَ همٍّ ولا بَدْرِ
ولكن قُلُوبٌ قُسِّمَتْ وجوانِحٌ / منازِلَ مقدوراً لَهَا نُوَبُ الدَّهْرِ
وأَنْجَمِ أَنْواءٍ تَنْوءُ بِهَا النَّوى / وَلَيْسَ لَهَا إِلّا دُمُوعِيَ مِنْ قَطْرِ
ولا مَطْلَعٌ إِلّا مِهادِيَ أَوْ حِجْرِي / ولا مَغْرِبٌ إلّا ضُلُوعِيَ أَوْ صَدْرِي
إِذَا ازْدَحَمُوا فِي ضَنْكِ شِرْبِي تَمَثَّلُوا / بأَسْباطِ مُوسى حولَ منفَجَرِ الصَّخْرِ
ولو بعَصَا موسى أُفَجِّرُ شُرْبَهُمْ / ولكنْ بِذُلِّ الفقرِ فِي عزَّة الوَفْرِ
فما جَهِدُوا فُلْكاً كَما جَهِدُوا يَدِي / ولا أَنْقَضُوا رحلاً كَمَا أنْقَضُوا ظَهْرِي
كَأَنَّ لَهُمْ وِتْراً عَلَيَّ وَمَا انْتحى / لَهُمْ حَادِثٌ إِلّا وَفِي نَفْسِهِ وِتْرِي
ولَوْلاهُمُ لَمْ أُبْدِ صَفْحَةَ مُعْدِمٍ / وَلَمْ أُسْمِعِ الأَعْداءَ دَعْوَةَ مُضْطَرِّ
ولا جُدْتُ لِلدُّنيا بِخَلَّةِ واصِلٍ / ولَوْ بَرَزَتْ لي فِي غَلائِلِها الخُضْرِ
ولا راقني مَا فِي الخُدُودِ من الهوى / ولا شاقني مَا فِي العُيونِ من السِّحْرِ
ولم يلهني قُربُ الحبيب الَّذِي دنا / وَلَمْ يُصبني طيفُ الخيالِ الَّذِي يسري
ونادَيْتُ فِي بِيضِ النُّضارِ وصُفْرِها / لِغَيْرِيَ فابْيَضِّي إِذَا شِئْتِ واصْفَرِّي
وأَعليتُ فِي مُلْكِ القناعة همَّتي / وهديِ الهدى حصني ونهيِ النُّهى قصري
إِذَا غزت اللذّات قلبي هزمتُها / بجيشينِ من حسن التحمُّلِ والصَّبْرِ
وإِنْ غَزَتْ الآمالُ نفسي صرمتُها / بصارِمِ يأْسٍ فِي يمينِ تُقىً حُرِّ
ولكِنْ أَبى مَا فِي الفُؤَادِ مِنَ الأَسى / وأَعْضَلَ مَا بَيْنَ الضُّلُوعِ مِنَ الجَمْرِ
وَمَا لَفَّ عَهْدُ اللهِ فِي ثَوْبِ غُرْبَتِي / مِنَ الآنِساتِ الشُّعْثِ والأَفرُخِ الزُّعْرِ
وَمَا لاح يَا مَنْصُورُ مِنْكَ لزائِرٍ / وأَسْفَرَ من إِشراقِ وَجْهِكَ لِلسَّفْرِ
وَمَا أَرْصَدَتْ يمناكَ للضَّيْفِ من قِرىً / وَمَا بسطَتْ علْيَاكَ للعلمِ من بِرِّ
وتقديرُ رَبِّ الخلْقِ والأَمرِ إِذْ قَضى / بِخَلْقِكَ فاسْتَصْفَاكَ للخَلْقِ والأَمْرِ
فَمَكَّنَ سيفَ النَّصْرِ فِي عاتِقِ العُلا / وأَثْبَتَ تاجَ المُلْكِ فِي مَفْرِقِ الفَخْرِ
وكَرَّمَ نفسَ الحِلْمِ عن وَغَرِ القِلى / وَطَهَّرَ جِسْمَ المجدِ من دَنَسِ الغَدْرِ
وحَلّاكَ فِي هَذَا الأَنامِ شمائِلاً / أَدالَ بِهِنَّ اليُسْرَ من دولَةَ العُسْرِ
وسمَّاكَ فِي الأَعداءِ مُنْذِرَ بأْسِهِ / بما اشْتَقَّ فينا من وفائِكَ بالنَّذْرِ
فلَمَّا توافى فيك إبداعُ صُنْعِهِ / وقَدَّرَ أَنْ يُعْلِيكَ قَدْراً إِلَى قَدْرِ
رآكَ جديراً أن يباهِيَ خَلْقَهُ / ويُحْيِي بكَ الأَملاكَ فِي غابِرِ الدَّهْرِ
بعَبْدٍ حَبا يُمْنَاكَ مُعْجِزَ رَبِّهِ / وأَصْفاكَ منه طاعَةَ المُخْلِصِ الحُرِّ
فأَنْطَقَ غَرْبَيْ قلبِهِ ولسانِهِ / بتخليدِ مَا سَيَّرتَ من طَيِّبِ الذِّكْرِ
لَيُبلِكَ عُمْراً بالغاً بك غَايَةً / وعُمْرَ ثَناءٍ بَعْدَ مُنْصَرَمِ العُمْرِ
ويكتُبَ لي فِي آلِ يَحْيَى وسائِلاً / تتيهُ عَلَى القُرْبى وتُزْهى عَلَى الصِّهْرِ
وَلاءٌ لمن أَعْتَقْتَ من مُوبِقِ الرَّدى / ورِقٌّ لمن أَطلقْتَ من مُوثِقِ الأَسْرِ
وما رُدَّ مِنْ حَمْدِي إِلَيْكَ ومن شكري / ورُدِّدَ من نظمِي عَلَيْكَ ومن نَثْرِي
وإِنَّكَ مَا تنفكُّ مِنِّيَ مُعْرِساً / بعذراءَ من نفسِي وغَرَّاءَ من فِكْرِي
تُهِلُّ إليها كُلُّ عذراءَ غادَةٍ / وتَخْجَلُ منها كُلُّ فَتَّانَةٍ بِكْرِ
وتشرِقُ من مَبْدَا سُهَيْلٍ إِلَى السُّهى / وتَعْبَقُ من مجرى البُطَيْنِ إِلَى الغُفْرِ
تَلأْلُؤَ مَا أَسْدَتْ أَياديكَ فِي يَدِي / وتحبيرَ مَا أَعْلَتْ مساعِيكَ من حِبْرِي
وفخرُكَ محمولٌ بحمديَ فِي الورى / وذِكرُكَ موصولٌ بذكرِي إِلَى الحَشْرِ
تَتَبَيَّنُ شَمْلُ الدِّينِ أَنَّكَ ناظِمُهْ
تَتَبَيَّنُ شَمْلُ الدِّينِ أَنَّكَ ناظِمُهْ / وأَيْقَنَ حِزْبُ الشِّرْكِ أَنَّكَ قاصِمُهْ
لقد شَدَّدَ الرحمنُ أَرْكانَ دِينِهِ / فَأُيِّدَ بانِيه وهُدِّمَ هادِمُهْ
وعَدَّى بِهِ عَمَّنْ يُوالِي عَدُوَّهُ / ووَلّاهُ من والاهُ فَهْوَ مُلازِمُهْ
ومَنْ مُلْكُهُ إِنْ جَلَّ خَطْبٌ مِلاكُهُ / وأَعلامُهُ إِنْ رابَ دَهْرٌ مَعالِمُهْ
فَسَمَّاهُ منصوراً مُصَدِّقَ جَدِّهِ / وَمَا صَدَّقَتْ أَرماحُهُ وصوارِمُهْ
وتَوَّجَهُ مَثْنى الرِّياسَةِ مُعْلِناً / بما هُو من غَيْبِ السَّرَائِرِ عالِمُهْ
فَتىً وَلَدَتْهُ الحربُ واسْتُرْضِعَتْ لَهُ / وقائِعُ مَنْ أَحْمى الهُدى ومَلاحِمُهْ
مُفَدَّىً وَمَا غيرُ السُّروجِ مِهادُهْ / مُوَقَّىً وَمَا غيرُ السيوفِ تمائِمُهْ
مُجَدِّدُ مُلْكٍ أَحرَزَتْهُ جُدُودُهُ / أَعِزَّةُ أَمْلاكِ الهُدى وأَكَارِمُهْ
فَأَعْرَبَ عَنْ أَيامِ يَعْرُبَ واقْتَدى / بِما عَظُمَتْ أَذْوَاؤُهُ وأَعاظِمُهْ
وأَنْجَبهُ لِلطَّعْنِ وَالضَّرْبِ عَمْرُهُ / وأَخْلَصَهُ لِلْجُودِ والحَمْدِ حَاتِمُهْ
شُجاعٌ ولَكِنَّ الجِيادَ حُصُونُهُ / كَرِيمٌ ولكِنَّ المَعَالي كَرَائِمُهْ
تَلاقَتْ عَلَيْهِ الخَيْلُ والبِيضُ والقَنا / قِياماً لِمَنْ لا سَعْيُ ساعٍ يُقاوِمُهْ
وَخَلَّتْ له الأَمْلاكُ عَنْ سُبُلِ الهُدى / فَلَيْسَ سِوى طِيبِ الثَّناءِ يُزَاحِمُهْ
مُقَسِّمُ مَا يَحْوِيهِ فِي سُبُلِ النَّدى / وإِنْ كَانَ قَدْ حَابَاهُ فِي الحَظِّ قاسِمُهْ
فما خابَ فِي يومِ النَّدَى من يَنُوؤُهُ / ولا فازَ فِي يوم الوَغى مَنْ يُحاكِمُهْ
ولا ادُّعِيَتْ فِي المَأْثُرَاتِ حُقُوقُهُ / ولَوْ أَقبلَتْ زُهْرُ النجومِ تُخاصِمُهْ
ودَعْوى النُّهى والحِلْمِ فِي غَيْرِ مُنْذِرٍ / خيالٌ من الأَحْلامِ أَضْغَثَ حَالِمُهْ
فَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْجُو من المُلْكِ غِرَّةً / وَمَا حَوَّمَتْ إِلّا عَلَيْكَ حَوَائِمُهْ
ولا رُفِعَتْ إِلّا إِلَيْكَ عُيُونُهُ / ولا ظَأَرَتْ إِلّا عَلَيْكَ روائِمُهْ
ولا راقَ إِلّا فِي جَبينِكَ تاجُهُ / ولا قَرَّ إِلّا فِي يمينِكَ خَاتِمُهْ
فكيفَ بِذِي جَهْلٍ تَعَسَّفَ مَجْهلاً / يُبَرِّحُ واقِيهِ ويَحْتِمُ حاتِمُهْ
فَغالَته فِي غَوْلِ المَهامِهِ غُولُهُ / وهامَتْ بِهِ فِي التُّرَّهَاتِ هَوَائِمُهْ
أَباحَ حِمى الإِسْلامِ لِلْشِّرْكِ مَغْنَماً / لِتُقْسمَ بَيْنَ النَّاهِبِينَ مَغانِمُهْ
وفَضَّ خِتامَ اللهِ عن حُرُماتِهِ / ليُفْتَضَّ عَمَّا تَحْتَويهِ خَواتِمُهْ
وَعَدَّ دِماءَ المُسْلِمِينَ مُدَامَةً / فَبَرَّحَ فِي الأَعْداءِ عَمَّنْ يُنادِمُهْ
فإِنْ أَلْقَحَ الحَرْبَ العَوَانَ فَحَسْبُهُ / فَوَاقِرُ مَا شَالَتْ بِهِ وأَشائِمُهْ
وإِنْ زُجَّ فِي جَفْنِ الرَّدى فَلِحَيْنِهِ / تَخَازَرَ ساجِيهِ وأُوقِظَ نائِمُهْ
غَدَاةَ دعاكَ الدِّينُ مِنْ أَسْرِ فَعْلَةٍ / وَقَدْ أَوْشَكَتْ أَنْ تُسْتَباحَ مَحارِمُهْ
فلَبَّيْتَها فانْجَابَ عَنْها ظَلامُهُ / ووافَيْتَها فَاسْتَنْكَرَتْها مَظَالِمُهْ
وجاءَكَ مَدُّ اللهِ من كُلِّ ناصِرٍ / عَلَى الحَقِّ مَهْدِيّاً إِلَيْكَ مَقَادِمُهْ
ونادى أَبو مَسْعُودٍ النَّصْرَ مُسْعِداً / عزائِمَكَ اللاتِي تَلِيها عزائِمُهْ
بِوُدٍّ كماءِ الغَيْثِ يَسْقِي رِياضَهُ / وبَأْسٍ كَحَرِّ النَّارِ يُضْرَمُ جاحِمُهْ
عَلَى كُلِّ مَنْ حارَبْتَ فَهْوَ مُحارِبٌ / كِفاحاً ومن سالَمْتَ فَهْوَ مُسالِمُهْ
وأَعْصَمَ بالإِشْرَاكِ قائِدُ بَغْيِها / إِلَى مَلِكٍ رَبُّ السَّمواتِ عاصِمُهْ
فَما رَكَضُوا طِرْفاً إِلَيْكَ لِغارَةٍ / وأَسْهَلَ إِلّا أَسْلَمْتَهُ قوائِمُهْ
ولا أَصْلَتُوا سَيْفاً وأَنْحَوْكَ حَدَّهُ / فَعَرَّجَ عَنْ مَثْنى يَمِينِكَ قائِمُهْ
ولا أَشَّبُوا حِصْناً يَرُدُّكَ عَنْهُمُ / وقابَلْتَهُ إِلّا تَدَاعَتْ دَعَائِمُهْ
وإِنْ أَحْرَزُوا فِي قُطْرِ شَنْجٍ نُفُوسَهُمْ / فغانِمُ مَا لا يَحْفَظُ اللهُ غارِمُهْ
فكَمْ قُدْتَ فِي أَكْنافِها من مُقَنَّعٍ / نُفُوسُ الأَعادِي شُرْبُهُ ومطاعِمُهْ
خَمِيسٌ لِجُنْحِ اللَّيْلِ مِنْ أَنْجُمِ الدُّجى / حُلاهُ ومن شَمْسِ النهارِ عمائِمُهْ
كَأَنَّ شعاعَ الشمسِ تَحْتَ عَجَاجِهِ / إِذَا مَا الْتَقَى الجمعانِ سِرٌّ وكاتِمُهْ
تَجِيشُ بِوَدْقٍ من جَنى النَّبْعِ صائِبٍ / أَساوِدُهُ نَحْوَ العِدى وأَرَاقِمُهْ
كَمَا حَمَلَتْ رَحْلَ الدَّبا عاصِفُ الصَّبا / أَوِ انْهَلَّ بالوَبْلِ الأَجَشِّ غَمَائِمُهْ
وهَدَّ هَوَاءَ الجَوِّ نَحْوَ بِنائِها / هُوِيَّ سِلامٍ حانَ مَنْ لا تُسَالِمُهْ
ولَوْ لَمْ تُصَادِمْهُ بِطَوْدٍ مِنَ القَنا / لأَقْبَلَ أَطْوَادُ الجِبالِ تُصَادِمُهْ
ولَوْ لَمْ تُزَاحِمْهُ المَجانِيقُ لانْبَرَتْ / عَلَيْهِ نُجُومُ القَذْفِ عَنْكَ تُزَاحِمُهْ
وَلَيْسَ ولَوْ سامى السَّماءَ بِمُعْجِزٍ / مِنَ المَشْرَفِيِّ وَالعَوَالِي سَلالِمُهْ
فَسَرْعَانَ مَا أَقوى الشَّرى من ضِباعِهِ / وبَرْبَرَ فِي ذَاكَ العَرِينِ ضَرَاغِمُهْ
وطُيِّرَ عن لَيْلِ الأَباطِيلِ بُومُهُ / وشُرِّدَ عن بَيْضِ النفاقِ نعائِمُهْ
وبَدَّلْتَ حُكْمَ اللهِ من حُكْمِ غَيِّهِ / فأَنْفَذَ حُكْمُ اللهِ مَا أَنتَ حاكِمُهْ
فيا رُبَّ أَنفٍ للنفاقِ جَدَعْتَهُ / بِهَا وابْنُ شَنْجٍ صاغِرُ الأَنْفِ راغِمُهْ
غداةَ أَطارَ العقلَ عنه ونَفْسَهُ / بسيفِكَ يومٌ راكِدُ الهَوْلِ جاثِمُهْ
فما يَرتُقُ الأَرْوَاحَ إِلّا رِياحُهُ / ولا يَفْتُقُ الغَمَّاءَ إِلّا غَماغِمُهْ
فلا نُطْقَ إِلّا أَن يُفَدِّيكَ صارِخٌ / ويدعُوكَ بالبُقْيَا عليها أَعاجِمُهْ
فَأَبْرِحْ بيومٍ أَنتَ بالنَّصْرِ مُقْدِمٌ / وأَفْرِحْ بيومٍ أنت بالفَتْحِ قادِمُهْ
ومَنْزِلِ مَفْلُولٍ نَزَلْتَ وخيلُنا / مرابِطُها أَجسادُهُ وجَمَاجِمُهْ
ومُعْتَرِفٍ بالذَّنْبِ مُبْتَئِسٍ بِهِ / دعاكَ وَقَدْ قامَتْ عَلَيْهِ مآتِمُهْ
إِذَا صَدَّهُ الموتُ الَّذِي سامَ نَفْسَهُ / يكُرُّ بِهِ العَيْشُ الَّذِي هُوَ سائِمُهْ
فتَلْقَاهُ أَطرافُ القَنا وَهْوَ نُصْبُها / ويَصْعَقُهُ بَرْقُ الرَّدى وَهْوَ شائِمُهْ
إِذَا كادَ يقضي بالأَسى نَحْبَه قَضَت / لَهُ الرَّحِمُ الدُّنْيا بأَنَّكَ راحِمُهْ
فلم أَرَ أَمْضَى مِنْكَ حكْماً تَحَكَّمَتْ / عَلَى سيفِهِ يَوْمَ الحِفَاظِ مكارِمُهْ
ولا مِثْلَ حِلْمٍ أَنْتَ لِلْغَيْظِ لابِسٌ / ولا مِثْلَ غَيْظٍ أَنتَ بالحِلْمِ كاظِمُهْ
فأَوْسَعْتَهُ حُكْمَ النَّضِيرِ وَقَدْ حَكى / قُرَيظَةَ منه غِلُّهُ وَجَرائِمُهْ
فَوَلّى وَقَدْ وَلّاكَ ذُو العَرْشِ عَرْشَهُ / وطارَ وَقَدْ طارَتْ إِلَيْكَ قوادِمُهْ
وأُبْتَ وَقَدْ لاحَتْ سُعُودُكَ بالمُنى / وغارَتْ بِهِ فِي الأَخْسَريْنَ عَوَاتِمُهْ
تُغَنِّي لَكَ الرُّكْبانُ بالفَتْحِ قافِلاً / وتبكِي عَلَيْهِ بالحِمَامِ حَمَائِمُهْ
فَمَنْ يَنْصُرِ الرَّحمنُ هَذِي عَزَائِمُهْ / ومن يَخْذُلِ الرحمنُ هذِي هَزَائِمُهْ
كَذَا تَتَجَلَّى الشَّمْسُ بَعْدَ كُسُوفِها
كَذَا تَتَجَلَّى الشَّمْسُ بَعْدَ كُسُوفِها / وتَبْرُزُ أَغْمادُ الْوَغى من سُيُوفِها
ويَمْرَعُ بالأَشْجَارِ عُودُ رَبِيعِها / ويُونِعُ بالأَثْمارِ كَرُّ خَريفِها
ونَعْلَمُ أَنَّ اللهَ أَبْقى لأَرْضِهِ / رِعَايَةَ رَاعِيها وعَطْفَ عَطُوفِها
ورَحْمَتُهُ أَبْقَتْ حَيَاةَ رَحِيمِها / ورَأْفَتُهُ جَادَتْ بِنَفْسِ رَؤُوفِها
حناناً عَلَى مَكْرُوبِها وغَرِيبِها / وصُنْعاً إِلَى مَجْهُودِها وضَعِيفِها
ويا عَجَب الأَيَّامِ أَخْفَرْنَ ذِمَّةً / لِمَلْكٍ متى تَسْتَوفِهِ الْعَهْدَ يُوفِها
وكيفَ أَخافَتْنا اللَّيالِي عَلَى الَّذِي / يَقِي عَدوَ عَادِيها وخَوْفَ مُخِيفِها
وكيفَ انْتَحى صَرْفُ الخُطُوبِ لِمُهْجَةٍ / بِهَا أَمِنَ الإِسْلامُ جَوْرَ صُرُوفِها
وإِنْ غَرَّها بالجُودِ خَاتِلُ طائِفٍ / تهجَّى لَهَا الشَّكْوَى بِغَيْرِ حُرُوفِها
فَدَبَّ إِلَيْهَا فِي عَدِيدِ عُفاتِها / ورَاحَ عَلَيْها فِي سِمَاتِ ضُيُوفِها
فَما يُنْكِرُ الأَوْصابَ مَتْنُ مُهَنَّدٍ / مُعَوَّدِ قَرْعِ الباتِرَاتِ عَرُوفِها
ولا بَطْنُ كَفٍّ مَا تَغِبُّ كَواكِباً / تَنُوءُ بِمُنْهَلِّ الغُيُوثِ وَكوفِها
مَقَبِّلُ أَفُواهِ المُلُوكِ وظِلُّها / سَماءٌ عَلَى مَشْرُوفِها وشَرِيفِها
ولا قَدَمٌ لا تَسْأَمُ الدَّهْرَ تَرْتَقِي / ذُرى كُلِّ صَعْبِ المُرْتَقَاةِ مُنِيفِها
ولَوْ يَتَعاطَى عاصِفُ الرِّيحِ شَأْوَها / لعاذَ بأَرْجَاءِ الفَلا من عُصُوفِها
وإِنْ نَالَ يَا مَنْصُورُ مِنْ جِسْمِكَ الضَّنى / فأَمْضى اليَمانِيَّاتِ حَدُّ نَحِيفِها
صَفِيحَةُ ضَرْبٍ شَفَّها الْهامُ والطُّلى / فراقَتْ بِمَصْقُولِ الظُّباةِ مشُوفِها
عَنِيفٌ عَلَى الأَبْطالِ والبُذْلُ لِلَّهى / بكَفٍّ عَلَى الإِسْلامِ غَيْرِ عَنِيفِها
وإِنْ أَسْبَلَتْ شَكْوَاكَ دَمْعَ أَبِيِّها / فقد أَرْقَأَتْ بُشْراكَ عَيْنَ أَسِيفِها
وإِنْ ذَبُلَتْ من دَوْحَةِ المُلْكِ نَضْرَةٌ / فما أَوْحَشَ الدُّنْيا جَنِيُّ قُطُوفِها
لَمَدَّتْ عَلَيْنَا ظِلَّها مِنْ مِهادِها / ونُورَ سَناها مِنْ وَرَاءِ سُجُوفِها
وإِنْ طَرَحَتْ عَنْها الرِّياسَةَ حَلْيَها / وبَدَّلَها الإِشْفاقُ لَوْثَ نَصيفِها
فَوَشْكَانَ مَا عادَتْ من اللهِ نِعْمَةٌ / تَجَلَّتْ بِهَا فِي تاجِها وشُنُوفِها
فَرَدَّتْ عَلَى الإِسْلامِ نُورَ عُيُونِهِمْ / وأَهْدَتْ إِلَى الأَعْداءِ رَغْمَ أُنُوفِها
بكَرِّ نواصِي الخَيْلِ نَحْوَ ديارِها / تنُصُّ المُنى فِي نَصِّها ووَجِيفِها
يَشُبُّ سيوفَ الهِنْدِ نُورُ دَلِيلِها / ويُعْيي حِسابَ الهِنْدِ عَدُّ أُلُوفِها
وتُنْشِئُ رِيحُ النَّصْرِ مِنْها سَحائِباً / تَسُحُّ عَلَى الأَعْدَاءِ وَدْقَ حُتُوفِها
يُقَعْقِعُ رَعْدُ النَّصْرِ من جَنَباتِها / ويُومِضُ بَرْقُ الفَتْحِ بَيْنَ صُفُوفِها
وإِنْ عُجْتَ يَا مَنْصُورُ منها فَأُسْوَةٌ / بِرَدِّ جُنُودِ المُصطَفى عن ثَقِيفِها
وصَدِّ هدايا البُدْنِ دون محلِّها / وقد أكل الأوبارَ طولُ عكوفِها
وإِنْ رُدَّ زَحْفُ الخَيْلِ مِنْكَ بِأَنَّةٍ / فأَعْداؤُها رَهْنٌ بِكَرِّ زُحُوفِها
وهَلْ غَادَرَتْ يُمْنَاكَ إِلّا ودائِعاً / خَتَمْتَ عَلَيْها فِي مَقَرِّ ظُرُوفِها
عَوَائِدُ طَيْرٍ فِي وُكُورِ بُرُوجِها / وحَيَّاتُ غَوْرٍ فِي بطون كُهُوفِها
تَأَيَّى نَوَاصي الخَيْلِ مَعْقُودَةً بِهَا / عُهُودُ مَوَالِيها وحِلْفُ حَلِيفِها
كَتائِبُ يَكْسُونَ الأَباطِحَ والرُّبى / بِخَيْلٍ تَلِيدَاتِ الوَغَى وطَرِيفِها
تَرُدُّ عُيُونَ الجوِّ عَنْ لَمْحَ أَرضِها / وتَثْني أُنُوفَ البَحْرَ عَنْ سَوْفِ سِيفِها
وتُسْمِعُ خِلْدَانَ الثَّرى من صَهِيلِها / ويَخْرَسُ جِنَّانُ الفَلا عن عَزِيفِها
إِذَا أُرْسِلَتْ فِيهَا العُيُونُ تَشَكَّلَتْ / نواظِرُها فِي سَيْرِها وَوُقُوفِها
لإِيلافِ شَمْلِ المُسْلِمِينَ بِرِحْلَةٍ / تَشُجُّ بِمَشْتَاها كُؤوسَ مَصيِفِها
يَقِيها هَجيرَ القَيْظِ ظِلُّ عَجاجِها / ومُجْمِدَةَ الأَنهارِ نارُ سُيُوفِها
فلا أَوْحَشَ الإِسلامَ عامُ جهادِها / ولا أَنَّسَ الأَعداءَ يَوْمُ خُلُوفِها
ولا خَتَرَتْ منكَ المكارِمُ والعُلا / صفاءَ مُصافِيها وإِلْفَ أَلِيفِها
ولا انْصَرَفَتْ عنك الرَّغائِبُ والمُنى / ولا مِنكَ إِلّا مالِئاتِ كُفُوفِها
وإِنْ رَجَعَتْ عن صِدْقِ وَعْدِكَ بُرْهَةً / حواجِبُ آمَالِ الغَرِيبِ بِصُوفِها
أَخَفْضاً نَوَتْ فِينا النَّوى ولَعَلَّها
أَخَفْضاً نَوَتْ فِينا النَّوى ولَعَلَّها / أَجَدَّ بِهَا طُولُ السُّرى فأَمَلَّها
وَحاشَ لأَصْدَاءِ الفَلا أن تَصُدَّها / بِنا أَوْ أَضَالِيلِ الدُّجى أَنْ تُضِلَّها
وأَحْقِرْ بِهَوْلِ البَحْرِ أَنْ يَسْتَكِفَّها / وأَهْوِنْ بِغَوْلِ القَفْرِ أَنْ يَسْتَزِلَّها
ولكِنْ أَيادِي مُنْذِرٍ نَذَرَتْ بِهَا / فكانَتْ لَنَا مِنْها قَذىً وشَجاً لَهَا
فحازَتْ إِلَى عِزِّ الحَياةِ رِحالَنا / وَزَمَّتْ عَلَى خِزْيِ المَتالِفِ رَحْلَها
نَحاها مُقِيلُ العاثِرِينَ بِعَثْرَةٍ / لَعاً لِيَ مِنْها والنَّوى لا لَعاً لَهَا
فكَمْ أَقْفَرَتْ مِنَّا مَحَلّاً وغَرَّبَتْ / وُجُوهاً أَجَدَّتْ فِي الفُؤادِ مَحَلَّها
ويا رُبَّ بَلْهاءِ الصَّبا عن جَوى الهوى / لَبِسْتُ بِهَا عَيْشَ الصَّبابَةِ أَبلَها
كَشَفْتُ لِسَهْمَيْ طَرْفِها عن مَقاتِلِي / مِجَنَّ تُقىً لَمْ يَمْنَعِ النَّفْسَ قَتْلَها
وشَكَّكَني وَجْدِي بِهَا وَصَبابَتِي / أَنَفْسِيَ لِي إِنْ أَخْطَأَ الحَيْنُ أمْ لَهَا
وَحَسْبِي بِهَا عَذْلاً عَلَى سَلْوَةِ الهَوى / وعُذْراً كفانِي العاذِلاتِ وعَذْلَها
بِقَدٍّ إِلَى مُسْتَوْدَعِ القَلْبِ قادَها / ودَلٍّ عَلَى مُسْتَوْطَنِ النَّفْسِ دَلَّها
ولِلْخَفَرِ السَّحَّارِ فِي وَجَناتِها / خَوَاتِيمُ لا يَخْفِرْنَ مِنِّيَ وَصْلَها
وما خَفَرَتْ بِيضُ الصَّوارِمِ والقَنا / مَحاسِنَها مِمَّا أَصابَ فَأوْلَها
فَلِلَّهِ مِنْ بَيْنٍ تَقَسَّمَ طُرْقَهُ / طَوَارِقُ لا يُلْهِينَ عَنْ لَهْوِ مَنْ لَهَا
عَلاقَةُ حُبٍّ شَدَّ مَا عَلِقَتْ بِهَا / حَبائِلُ بَيْنٍ بَتَّ مِنِّيَ وَصْلَها
وَصَفْوَ هَوىً مَا قَرَّ حَتَّى هَوَتْ بِهِ / حوادِثُ تفريقِ القُلُوبِ هَوىً لَهَا
فكُنَّا لَهَا نَبْلاً أَصَابَتْ بِنا الصَّبا / وَمَا عَدَلَتْ عَنْ رَمْيِ قَلْبِيَ نَبْلَها
جُسُوماً أَقَلَّتْها الرِّياحُ فَلَمْ تَدَعْ / لَهُنَّ مِنَ الأَرواحِ إِلّا أَقَلَّها
نَجائِبُ وَصَّاها الجَدِيلُ وشَدْقَمٌ / بأَلّا تَمَلَّ اللَّيلَ حَتَّى يَمَلَّهَا
فَتُخْلِقُ بالإِرْقَالِ ثَوْبَ شَبابِهِ / وتَتْرُكُهُ بالأُفْقِ أَشيَبَ أَجْلَها
تُرَاوِحُهُ مِنْ خِلْفَةِ الفَجْرِ طُرَّةٌ / كَمُعْتَرَضِ الشَّقْرَاءِ تَنفُضُ جُلَّها
فكَمْ حَمَلَتْ مِنْ حُرِّ قَلْبٍ مُولَّهٍ / يُبَلِّغُ عَنْهُ النَّجْمُ قَلْباً مُوَلَّها
وكم ضَمَّ ذَاكَ اللَّيْلُ مِنْ أُمِّ شادِنٍ / أَضَلَّتْهُ فِي جَوْفِ الفَلا وأَضَلَّها
وَقَدْ بَلَّغَ الجَهْدُ القُلُوبَ حَناجِراً / تُبَشِّرُها أَنَّ التَّناهِي مَدىً لَهَا
فَوَشْكانَ يَا مَنْصُورُ مَا نُصِرَ الأَسى / بِرَدِّ أَقاصي الأَرْضِ نَحْوَكَ سُبْلَها
ونادى نَدَاكَ الرَّكْبَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ / أَلا بَلِّغُوا هَدْيَ الرِّكابِ مَحِلَّها
فَلَبَّتْكَ مِنْ غَوْرِ الجَلاءِ أَهِلَّةٌ / أَهَلَّ بِهَا مَأْوَاكَ حَتَّى أَهَلَّها
كَأَنَّا نَذَرْنا مَطْلَعَ الشَّمْسِ مَنْزِلاً / أَلِيَّةَ حَلْفٍ كَانَ وَجْهُكَ حِلَّها
فآوَيْتَ فَلَّ النَّائِبَاتِ وَطَالَما / أَبَرْتَ العِدى قَتْلاً وآوَيْتَ فَلَّها
ونادَيْتَها أَهْلاً وسَهْلاً وَلَمْ تَزَلْ / أَحَقَّ بِهَا فِي النَّازِلِينَ وأَهْلَها
فَظَلَّلْتَ مَنْ لَمْ يُدْرِكِ اللَّيْلُ ظِلَّهُ / وأَغْدَقْتَ مَنْ لَمْ تُلْحِقِ المزْنُ طَلَّها
وعَوَّضْتَنا من رَاحَةِ المَوْتِ رَاحَةً / سَكَنَّا بِهَا بَرْدَ الحياةِ وَظِلَّها
وأَعْمَرْتَ مِنَّا فِي ذَرَاكَ منازِلاً / تَفَقَّدْتَ مَثْواها وأَرْغَدْتَ نُزْلَها
وَلَمْ تَبْدَ مِنْ نُعْمَاكَ إِلّا بِبَعْضِها / وَلَكِنَّهُ عَمَّ الرَّغائِبَ كُلَّها
فَرُحْنا شُرُوباً قَدْ تَأَنَّقَ رَوْضُها / وأَنْهَلَها كَأْسُ السُّرُورِ وَعَلَّها
نَدَامَى ولكِنْ مِنْ عَطايَاكَ راحُها / وَقَدْ جَعَلَتْ من طِيبِ ذِكْرِكَ نُقْلَها
وَخَفَّتْ عَلَى يُمْناكَ مِنَّا مطالِبٌ / تَشَكَّى إِلينا البَرُّ والبَحْرُ ثِقْلَها
وما تَوَّجَتْ هَذِي الرِّياسَةُ سَيِّداً / أَكالِيلَها حَتَّى تَحَمَّلَ كَلَّها
هِيَ البِكْرُ مَجْلاهَا حَرَامٌ مُحَرَّمٌ / فَيا مَنْ بِمَهْرِ المَكْرُماتِ اسْتَحَلَّها
فَتاةٌ دَعَتْ مَنْ للحروبِ وللنَّدى / فما وَجَدَتْ إِلّا ابْنَ يَحْيَى فَتىً لَهَا
مَنِ اخْتَرَقَ الدُّنْيَا لأَوَّلِ دَعْوَةٍ / إِلَى دَعْوَةِ الإِسلامِ فافْتَكَّ غُلَّها
وشَرَّدَ أَحْزابَ العِدى عَنْ حَرِيمِها / وأَدْرَكَ منْ مُسْتَأْسِدِ الكُفْرِ ذَحْلَها
ودَوَّحَ فِي جَوِّ السَّماءِ غُصُونَها / وأَثْبَتَ فِي بَحْبُوحَةِ العِزِّ أَصْلَها
ومَدَّ هوادِي الخَيْلِ فِي طَلَبِ العِدى / فأَوْطَأَها حَزْنَ البِلادِ وسَهْلَها
وكَمْ قَدْ فَدى أَدنى النُّفُوسِ مِنَ القَنا / بِنَفْسٍ نُفُوسُ العالَمِينَ فِدىً لَهَا
فَلَوْ كَانَ للشَّمْسِ المنيرَةِ دُولَةٌ / بأُخْرى لَقِيلَ اصْعَدْ فَحِلَّ مَحَلَّها
ولَوْ لَحِقَتْ مَجْرى الكواكِبِ خَلَّةٌ / لَقِيلَ لَهُ سُسْتَ العُلا فَتَوَلَّها
ولَوْ قِيلَ زِدْها فِي هِباتِكَ واسْتَزِدْ / بِهَا الحَمْدَ من هَذَا الوَرى لاسْتَقَلَّها
ولَوْ كَانَ يَرْضاها نِظاماً لِزِينَةٍ / لَقِيلَ تَتَوَّجْ زُهْرَها وتَحَلَّها
وأَغْنِ بِهِ عنها وَفِي مَنْطِقِي لَهُ / قلائِدُ لا يَرْضى الكَوَاكِبَ بَدْلَها
جواهرُ لَمْ يَذْخَرْ لَهَا الدَّهْرُ مِثْلَهُ / مَلِيكاً ولا أَهْدى لَهُ البَحْرُ مِثْلَها
أُخَلِّدُ فِيهَا مِنْ نداهُ وبَأْسِهِ / خلائِقَ تَسْتَمْلِي الخلائِقُ فَضْلَها
فتُحْبي لَهَا حُسْنَ الأَحادِيثِ بَعْدَها / بإِحْيائِها أَيَّامَ مَنْ كَانَ قَبْلَها
وأُمْلي عَلَى الأَيَّامِ آثارَ مُنْعِمٍ / عَلَيَّ بِعَيْنِ المَكْرُمَاتِ أَمَلَّها
قضى اللهُ لي منها وسائِلَ نِسْبَةٍ / فَأَلَّفَ فِي الأَحْقابِ قَوْلي وفِعْلَها
ثنائي وعَلْياها ومَدْحِي وفَخْرَها / وشُكْرِي ونُعْماها وحَمْدي وبَذْلَهَا
ويَا عِيدَ أَعْيادٍ توافَتْ فأَشْرَقَتْ / عَلَى الدِّينِ والدُّنيا وكُنتَ أَجَلَّها
تُخَبِّرُ عن جَمْعِ المُنى فَتَهَنَّها / وعن عَوْدِ أَعْيادٍ بِهَا فَتَمَلَّها
وبِرُّكَ للأَضْيافِ قَرَّبَ بُعْدَها / وبِشْرُكَ بالزُّوَّارِ أَلَّفَ شَمْلَها
وَلا فِي سرورِ العيدِ نحنُ مُهَنُّوهُ
وَلا فِي سرورِ العيدِ نحنُ مُهَنُّوهُ / ولا فِي سريرِ الملكِ نَحْنُ مُحَيُّوهُ
فلَهفِي عَلَيْهِ والكُمَاةُ تهابُهُ / ولهفي عَلَيْهِ والملوكُ مُطِيعُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والوغى تَسْتَخِفُّهُ / ولهفي عَلَيْهِ والكتائِبُ تَقفُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والضُّيُوفُ تزورُهُ / ولهفي عَلَيْهِ والرَّكائِبُ تَنْحُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والأَمانِي تَؤُمُّهُ / ولهفي عَلَيْهِ والخلائِقُ ترجُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والمصاحِفُ حَوْلَهُ / يخُطُّ كتابَ اللهِ فِيهَا ويتلُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ حاضِراً كُلَّ مَسْجِدٍ / وداعُوهُ أَشياعٌ لَهُ ومُصَلُّوهُ
تَلَهُّفَ قلبٍ لَيْسَ يشفي غليلَهُ / سوابِقُ دمعٍ لاعِجُ الحزنِ يحدوهُ
وأَشكو إِلَى الرحمنِ تَرْحَةَ فجعَةٍ / بمن لَمْ يَبِتْ داعٍ إِلَى اللهِ يَشْكُوهُ
وأَدعو لديهِ فوزَ رَوْحٍ وراحَةٍ / لمن لَمْ يَزَلْ يدعُو إِلَيْهِ ويدعُوهُ
وإِنْ جَلَّ فينا فقدُهُ ومصابُهُ / ليبلُونا فِي الصبرِ عنهُ ويَبْلُوهُ
فقد عَوَّضَ الإِسلامَ من فقدِ نَفْسِهِ / هلالَ سماءٍ لا يضِلُّ مُهِلِّوهُ
وبحراً سقاكُمْ رِيَّ جودٍ وأَنْعُمٍ / فَسَقُّوهُ إِخلاصَ الصدورِ ورَوُّوهُ
وسيفاً حَباكُمْ صَفْحَهُ ومضاءهُ / فصُوغُوا لَهُ حُرَّ الوفاءِ فَحَلُّوهُ
فقد حتمَ الدهرُ الَّذِي حَلَّ خطبُهُ / بأَنْ لَيْسَ إِلّا بالمُظَفَّرِ يَجْلُوهُ
ومن كَانَ لا يعدو الرياسةَ سعيُهُ / فليسَ تباشِيرُ الرياسةِ تَعْدُوهُ
بهَدْي من المنصورِ لَيْسَ يُضيعُهُ / عَلَى سَنَنٍ من سعيِهِ لَيْسَ يَأْلُوهُ
فلولاكَ يَا يحيى لهُدَّتْ لِفَقْدِهِ / ذُرى عَلَمٍ أَذواؤكَ الغُرُّ بانُوهُ
ولولاكَ يَا يحيى لماتَ بِمَوْتِهِ / رجالٌ بأَحرارِ القلوبِ مُوَاسُوهُ
وَمَا رَغِبُوا عن نفسِهِ بنفوسِهِمْ / وَقَدْ ذاقَ طَعْمَ الموتِ حَتَّى يذوقُوهُ
ووُدِّعَتِ الأَرواحُ عند وداعِهِ / وضلَّ سبيلَ الصَّبْرِ عنه مُضِلُّوهُ
وقلَّبَتِ الدنيا قلوباً وأَنفُساً / فلا العيشُ محبوبٌ ولا الموتُ مكروهُ
فلا فَضَّنا دهرٌ وأَنتَ تلُمُّنا / ولا مَضَّنا جُرْحٌ ويمناكَ تَأْسُوهُ
ولا وُقِيَ الإِشراكُ مَا مِنْكَ يُتَّقى / ولا عَدِمَ الإِسلامُ مَا منكَ يرجُوهُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025