المجموع : 47
لَكَ اللهُ بِالنَّصْرِ العزيزِ كَفيلُ
لَكَ اللهُ بِالنَّصْرِ العزيزِ كَفيلُ / أَجَدَّ مُقامٌ أَم أَجدَّ رَحيلُ
هوَ الفتحُ أَمَّا يَومُهُ فَمُعَجَّلٌ / إليكَ وَأَمَّا صُنعُهُ فَجزِيلُ
وآياتُ نصرٍ مَا تزالُ وَلَمْ تزَلْ / بهنَّ عماياتُ الضَّلالِ تَزولُ
سيوفٌ تنيرُ الحقَّ أنَّى انْتَضَيْتَها / وخيلٌ يجولُ النصرُ حَيْثُ تَجولُ
أَلا فِي سبيلِ اللهِ غزوُكَ من غَوى / وَضلَّ بِهِ فِي النَّاكثينَ سَبِيلُ
لئِنْ صَدِئَتْ أَلبابُ قومٍ بمكرِهِمْ / فسيفُ الهدى فِي راحَتَيْكَ صَقيلُ
فَإِنْ يَحْيَ فيهم بَغْيُ جالُوتَ جَدِّهِمْ / فَأَحجارُ دَاودٍ لَديْكَ مُثُولُ
هُدىً وَتُقىً يُودِي الظلامُ لَدَيْهِما / وحقٌّ بدفعِ المُبْطِلينَ كَفيلُ
بجمعٍ لَهُ من قائدِ النصرِ عاجِلٌ / إِلَيْهِ ومن حَقِّ اليقينِ دَليلُ
تحمَّلَ منه البحرُ بحراً من القَنَا / يروعُ بِهَا أَمواجَهُ وَيَهُولُ
بِكُلِّ مَعَالاةِ الشِّرَاعِ كَأَنَّها / وَقَدْ حملَتْ أُسْدَ الحَقائِقِ غِيلُ
إِذا سَابَقَتْ شَأْوَ الرِّيَاحِ تخَيَّلَتْ / خيولاً مدى فُرْسَانِهِنَّ خُيُولُ
سحائبُ تزجيها الرياح فإِنْ وَفَتْ / أَنافَتْ بِأَجْيَادِ النعامِ فُيُولُ
ظباءُ سِمَامٍ مَا لَهُنَّ مَفَاحِصٌ / وزُرْقُ حَمامٍ مَا لَهُنَّ هَدِيلُ
سَوَاكِنُ فِي أَوْطانهنَّ كَأَنْ سَمَا / بِهَا الموجُ حَيْثُ الرَّاسِيَاتُ تَزُولُ
كما رفع الآلُ الهوادجَ بالضُّحى / غَداةَ استَقَلَّتْ بالخليطِ حُمُولُ
أَراقِمُ تَقْرِي ناقعَ السّمِّ مَا لَهَا / بما حَملت دون الغواة مقيلُ
إِذا نَفَثَتْ فِي زوْرِ زِيري حُماتَها / فَوَيْلٌ لَهُ من نَكْزِها وأَليلُ
هنالك يَبْلُو مرتعَ المكْرِ أَنَّهُ / وخِيمٌ عَلَى نفس الكَفُورِ وَبِيلُ
كَتائبُ تعتامُ النفاقَ كَأَنَّها / شآبيبُ فِي أَوطانه وَسُيُولُ
بكُلِّ فتىً عارِي الأَشَاجِع مَا لَهُ / سِوَى الموت فِي حَمْيِ الوطيسِ مَثِيلُ
خفيفٌ عَلَى ظهرِ الجواد إِذَا عدا / ولكن عَلَى صَدْرِ الكَمِيِّ ثقيلُ
وجرداءَ لَمْ تبخل يداها بغايةٍ / ولا كَرُّها نحو الطعان بخيلُ
لها من خوافي لَقْوَةِ الجَوِّ أَرْبَعٌ / وَكَشحانِ من ظبي الفَلا وَتَلِيلُ
وَبيضٍ تَرَكْنَ الشِّرْكَ فِي كل مُنْتَأىً / فُلُولاً وَمَا أَزرى بهنَّ فُلُولُ
تمورُ دماءُ الكُفرِ فِي شَفَراتِها / ويرجعُ عنها الطرفُ وهوَ كليلُ
وأَسمرَ ظمآنِ الكعوبِ كَأَنَّما / بِهِنَّ إِلَى شُرْبِ الدماءِ غليلُ
إِذا مَا هوى للطعنِ أَيقنتَ أَنه / لصرف الرَّدَى نحو النفوس رسولُ
وَحنَّانَةِ الأَوتَارِ فِي كلِّ مهجةٍ / لعاصيكَ أَوْتَارٌ لَهَا وَذُحُولُ
إِذا نَبْعُها عنها أَرَنَّ فإنما / صداه نحيبٌ فِي العدى وعويلُ
كَتائبُ عِزُّ النصرِ فِي جَنَبَاتِها / فكلُّ عزيزٍ يمَّمَتْهُ ذليلُ
يُسَيِّرُها فِي البرِّ والبحر قائدٌ / يسيرٌ عَلَيْهِ الخطبُ وَهْوَ جليلُ
جوادٌ لَهُ من بهجة العزِّ غُرَّةٌ / ومن شِيَمِ الفضلِ المبينِ حُجولُ
به أَمِنَ الإسلامُ شرقاً ومغرباً / وغالت غواياتِ الضلالةِ غُولُ
يَصُولُ بسيفِ اللهِ عَنَّا وإنما / بِهِ السيف فِي ضَنْكِ المقام يصولُ
حُسامٌ لداءِ المكر والغدر حاسمٌ / وظلٌّ عَلَى الدين الحنيف ظليلُ
إِذا انْشَقَّ ليلُ الحربِ عن صُبحِ وجههِ / فقد آن من يوم الضلالِ أَصيلُ
كَريمُ التأَنِّي فِي عِقَابِ جُنَاتِهِ / وَلَكِنْ إِلَى صوت الصَّرِيخ عَجُولُ
لِيَزْهُ بِهِ بحرٌ كَأَنَّ مُدُودَدُ / نوافلُ من معروفه وفضُولُ
ويا رُبَّ نجمٍ في الدُّجى وَدَّ أَنَّه / من المركَبِ الحاوي سناه بديلُ
تهادت بِهِ أَنفاسُ رَوْحٍ من الصَّبا / وَخَدٌّ من البحر الخِضَمِّ أَسيلُ
وقد أَوْمَتِ الأَعلامُ نحوَ حُلُولِهِ / وحنَّ من الغُرِّ الجياد صهيلُ
فجلّى سناه العدْوَتَيْنِ وَبَشَّرَتْ / خوافقُ راياتٍ لَهُ وَطبولُ
وأَيقنَ باغِي حتفِه أَنَّ أُمَّه / وَقَدْ أَمَّهُ الليثُ الهصورُ هَبُولُ
فواتحُ عِزٍّ مَا لَهَا دونَ زمزمٍ / وَلا دُونَ سَعْي المروتَيْنِ قُفُولُ
وهل عائقٌ عنها وكلّ سَنِيَّةٍ / إليك تَسَامى أَوْ إليكَ تَؤولُ
سيوفٌ عَلَى الجُرْدِ العِتاقِ عَزِيزَةٌ / وَأَرْضٌ إِلَى البَيْتِ العَتيقِ ذَلُولُ
فقد أَذِنتْ تِلْكَ الفِجَاجُ وَدُمِّثَتْ / حُزونٌ لِمَهوَى مَرِّهَا وسُهولُ
وقامَ بِهَا عند المقامِ مُبَشِّرٌ / وشَامَ سناها شَامَةٌ و طَفِيلُ
فيَهنيك يَا منصورُ مبدأُ أَنْعُمٍ / عَوائدُه صنعٌ لديكَ جَمِيلُ
وفرعان من دوح الثناء نمتهما / من المجد فِي التُّرْبِ الزَّكِيِّ أُصولُ
عقيبان بَيْنَ الحربِ وَالمُلْكِ دولة / وعزٌّ مُدَالٌ منهما ومُديلُ
مليكانِ عَمَّ السّلمَ والحربَ منهما / غِنىً وَغَنَاءٌ مُبْرَمٌ وَسحيلُ
وَيَهْنِيكَ شَهْرٌ عند ذي العرش شاهِدٌ / بأَنك بَرٌّ بالصيام وَصُولُ
فَوُفِّيتَ أَجرَ الصابرين ولا عَدَا / مساعِيكَ فَوزٌ عاجلٌ وَقَبُولُ
أَضَاءَ لَهَا فجرُ النُّهى فَنَهاها
أَضَاءَ لَهَا فجرُ النُّهى فَنَهاها / عن الدَّنِفِ المُضْنى بِحَرِّ هواها
وضَلَّلها صبحٌ جلا ليلة الدُّجى / وَقَدْ كَانَ يَهدِيها إِليَّ دُجاها
ويشفع لِي منها إِلَى الوصل مَفْرِقٌ / يُهِلُّ إِلَيْهِ حَلْيُهَا وحُلاها
فيا للشبابِ الغَضِّ أَنْهَجَ بُرْدُهُ / ويا لرياضِ اللهو جَفَّ سَفَاها
وما هِيَ إِلّا الشَّمْسُ حَلَّتْ بمفرقي / فأَعشى عيونَ الغانياتِ سَناها
وعين الصِّبا عار المشيبُ سَوادَها / فَعَنْ أَيِّ عينٍ بعد تِلْكَ أراها
سلامٌ عَلَى شرخ الشباب مُرَدَّدٌ / وآهاً لوصل الغانيات وآها
ويا لديار اللهو أَقوت رُسُومُهَا / وَمَحَّتْ مغانيها وَصَمَّ صَدَاها
وَخَبَّر عَنها سَحْقُ أَثْلَمَ خَاشِعٍ / كَهالةِ بدرٍ بَشَّرتْ بحياها
فيا حبذا تِلْكَ الرسومُ وحبذا / نوافِحُ تُهْدِيها إِلَيَّ صَبَاهَا
تهادي المها الوحشيِّ فِي عَرَصَاتِها / يذكِّرُنيه آنسات مهاها
ومبتسم الأَحباب فِي جنباتها / أَقاحٍ كَساهُنَّ الربيع رُباها
دعوتُ لَهَا سُقيَا الحيا ودعا الهوى / وَبَرْحُ الهوى دمعِي لَهَا فسقاها
وقد أَستقيد الحُورَ فِيهَا بِلِمَّةٍ / تَبَارَى نفوسُ العِينِ نحو فِدَاهَا
وأُصبِحُها الشَّرْبَ الكرامَ سُلافَةً / أَهانت لَهَا أَموالَها وَنُهَاها
كُمَيْتاً كَأَنَّ النجمَ حينَ تَشُجُّها / تقحَّمَ كَأْسٌ كَأْسَهَا فَعَلاهَا
بأَيدي سُقَاةٍ مثل قُضبانِ فِضَّةٍ / جَلَت أحمر الياقوت فَهْوَ جَنَاهَا
وتُزْهى بِسحرٍ من أَحاديثَ بيننا / كَأَنَّ أَسيرَيْ بابلٍ نَفَثَاهَا
وقد عَجَمَتْ مني الخطوبُ ابنَ حُرَّةٍ / أَبِيّاً محزَّاتِي لِوَقعِ مُدَاها
جديراً إِذَا أَكْدى الزمان برحلةٍ / يُحَقِّرُ بُعْدَ الأَرضِ عَرْضُ فلاها
رَحلْتُ لَهَا أَدماءَ وَجَناءَ حُرَّةً / وشيكاً بأَوْبَاتِ السرور سُرَاها
أَقامت بمرعى خصبِ أَرضٍ مَرِيعَةٍ / أَطاع لَهَا تُنُّومُها وَأَلاها
بما أَفرغ الفَرْغانِ ثُمَّتَ أَتبعت / بنوء الثريّا فالتقى ثَرَيَاها
أَشُجُّ بِهَا والليلُ مُرْخٍ سُدُولَه / سَبَارِيتَ أَرضٍ لا يُرَاعُ قطاها
أُسَائِلُ عن مجهولِها أَنْجُمَ الهُدى / بِعَيْنٍ كَأَنَّ الفرقَدَيْنِ قذاها
وَأُحْيِي نُفُوسَ الرَّكْبِ من مِيتَةِ الكَرى / وَقَدْ عَطَفَ الليلُ التَّمامُ طُلاها
بِذِكْرِ أَيادِي العامِرِيِّ الَّتِي طَمَتْ / عَلَى نَأْيِ آفاقِ البِلادِ مُنَاها
وَمُوحشةِ الأقطارِ طامٍ جِمَامُهَا / مَرِيشٌ بأَسرابِ القَطا رَجَوَاهَا
أَهلَّ إليها بعد خَمسٍ دَلِيلُنَا / فعُجْنَا صدورَ العِيسِ نَحْوَ جَبَاها
نُغِيثُ بقايا من نفوسٍ كَأَنَّهَا / بقايا نجوم القَذْفِ غارَ سَنَاها
وقمنا إِلَى أَنْقاضِ سَفْرٍ كَأَنَّهَا / وَقَدْ رحلت شطراً شطورُ بُرَاها
وقلتُ لنِضوٍ فِي الزِّمَام رَذِيَّةٍ / تَشكَّى إِلَى الأَرْضِ الفضاءِ وَجَاها
عسى راحةُ المَنْصُورِ تُعْقِبُ رَاحةً / وَحَتْمٌ لآمال العُفَاةِ عَساها
فِللهِ منه قائدُ الحَمْدِ قادَهَا / وَمِنّيَ مَحدُوُّ الخطوبِ حَدَاها
ولله عزمي يوم وَدَّعْتُ نحوه / نُفُوساً شجاني بَيْنُهَا وَشَجاها
وَرَبَّةُ خدرٍ كَالجُمَان دُمُوعُها / عَزِيزٌ عَلَى قلبي شُطُوطُ نَوَاها
وَبِنْتُ ثمانٍ مَا يزال يَرُوعُنِي / عَلَى النّأْيِ تَذْكَارِي خُفُوقَ حَشَاها
وَمَوْقِفَها وَالبَيْنُ قَدْ جَدَّ جدُّهُ / مَنُوطاً بحبلَيْ عَاتِقَيَّ يَدَاها
تَشَكَّى جَفَاءَ الأَقْرَبِين إِذَا النَّوى / تَرَامَتْ برحلي فِي البلادِ فَتَاهَا
وَأَقسم جُودُ العَامِرِيِّ لَيَرْجعَنْ / حَفِيّاً بِهَا مَنْ كَانَ قَبلُ جَفَاها
وَرَامَتْ ثواءً من أَبٍ وَثواؤه / عَلَى الضَّيْمِ بَرْحٌ من شماتِ عِدَاها
وَأَنّى لَهَا مَثْوَى أَبيها وَقَدْ دَعَتْ / بوارقُ كَفِّ العامِريِّ أَبَاها
بُنَيَّ إليكِ اليوم عَنِي فإِنها / عزائمُ كَفُّ العامريّ مداها
فَحَطَّتْ بمغنى الجودِ والمجدِ رَحْلَها / وَأَلقت بِرَبْعِ المَكرُمَاتِ عَصَاها
لدى مَلِكٍ إِحدى لواحِظِ طَرْفِهِ / بعين الرِّضَا حَسْبُ المُنى وَكَفَاها
هو الحاجِبُ المنصورُ والمَلِكُ الَّذِي / سَعى فتعالى جَدُّه فَتَناهى
سليلُ الملوكِ الصِّيدِ من سَرْوِ حِميَرٍ / توسَّط فِي الأَحساب سَمْك ذُرَاها
لبابُ معاليها وإنسانُ عَيْنِها / وَبَدْرُ دَيَاجِيهَا وَشمسُ ضُحَاها
مُعَظَّمُها مَنْصُورُها وَجَوادُها / وفارسُها يومَ الوغى وفتاها
وَوَارِثُ مُلْكٍ أَثَّلَتْهُ مُلُوكُها / وَجَامِعُ شَمْلَيْ مَجْدِها وَعُلاها
نَمَاهُ لِقَوْدِ الخيل تُبَّعُ فخرِها / وأَوْرَثَهُ سَبْيَ المُلُوكِ سَبَاها
ذَوُو المُلْكِ وَالتِّيجَانِ والغُرَرِ الَّتِي / جَدِيرٌ بِهَا التيجانُ أَن تَتَبَاهى
شُمُوسُ اعتلاءٍ تُوِّجَتْ بِأَهِلَّةٍ / وَسُرْبِلَتِ الآجالُ فَهْو كَسَاها
محلُّك بالدنيا وبالدينِ آهِلُ
محلُّك بالدنيا وبالدينِ آهِلُ / فعِيدٌ وأَعيادٌ وعامٌ وقابلُ
وسعدٌ وإِقْبَالٌ ويمنٌ وغبطةٌ / ونصرٌ وفتحٌ عاجلٌ ثُمَّ آجلُ
وصومٌ كريمٌ بالمَبَرَّةِ رِاحِلٌ / وفِطرٌ عزيزٌ بالمَسَرَّةِ نازِلُ
ورَفْعُ لواءٍ شَدَّدَ اللهُ عَقْدَهُ / ليعلُوَ حَقٌّ أَوْ ليَسْفُلَ باِطلُ
أَلا فِي سبيلِ اللهِ عَزْمَتُكَ الَّتِي / عَلَى الدينِ والإِسلامِ منها دلائلُ
فقد نَطَقَتْ بالنصرِ فِيهَا شواهدٌ / وَقَدْ وَضَحَتْ للفتح منها مَخَائِلُ
فأَبْشِرْ فنجمُ الدين بالسَّعْدِ طالِعٌ / وأَيْقِنْ فنجم الشِّرْكِ بالخزيِ آفِلُ
وقد أُصحِبَ التسديد مَا أَنت قائلٌ / وَأُيِّدَ بالتوفيقِ مَا أَنتَ فاعِلُ
وساعَدَ صُنْعُ اللهِ مَا أَنت طالبٌ / وَأَسْعَدَ جُودُ الله مَا أنتَ سائلُ
فما تَصِلُ الأَيامُ من أَنت قاطِعٌ / ولا تقطع الأَيامُ من أنت واصلُ
وهل خَيَّبَتْ يمناك مَنْ جاءَ آمِلاً / فيُكْذِبَ ربُّ العرش مَا أَنت آملُ
وقد أفطر الإسلامُ والسيف صائِمٌ / وَعَلَّتْ ظِمَاءٌ والرماحُ نواهلُ
فأَوْرِدْ صواديها فقد طاب مَشرَعٌ / وَقَدْ حان مأْكُولٌ وَقَدْ حَنَّ آكِلُ
فما أَنتَ إِلَّا الشمسُ تطلع للعِدَى / فظِلُّهُمُ حَتْماً بِنُورك زائِلُ
كَرُمْتَ فما يَعْيَا بِحَمْدِكَ مُفْحَمٌ / وسُدْتَ فما يَغبَى بِقَدْرِكَ جاهلُ
وجودُك فِي سلْمٍ وبأَسُك فِي وَغىً / بُحُورٌ طوامٍ مَا لَهُنَّ سواحلُ
فَلا خَذْلَ الرحمنُ مَنْ أَنت ناصرٌ / ولا نصر الرحمنُ من أنت خاذلُ
لَئِنْ سَرَّتِ الدُّنْيا فأَنت سُرُورُهَا
لَئِنْ سَرَّتِ الدُّنْيا فأَنت سُرُورُهَا / وإِنْ سَطَعَت نُوراً فوجْهُكَ نورُهَا
سلامٌ عَلَى الأَيَّامِ مَا شِمْتَ لِلعُلا / أَهِلَّتَهَا واستقبلتْكَ بُدُورُهَا
وبُورِكَتِ الأَزْمانُ مَا أَشرَقَتْ لَنَا / بوجْهكَ هَيْجَاوَاتُهَا وقُصُورُهَا
فَلا أَوْحَشَتْ من عِزِّ ذكرِكَ دَولَةٌ / إِليكَ انتهى مأْمُورُهَا وَأَمِيرُهَا
فَما راقَ إِلّا في جبينِك تاجُهَا / ولا قَرَّ إلا إِذ حواك سريرُها
فلا راعها خَطْبٌ وسيفُكَ أُنْسُهَا / ولا رامها ضيمٌ وأَنتَ مُجيرُهَا
ومَنْ ذا يُناوِيهَا وأَنت أَميرُها / ومن نسْلِكَ الزاكي الكريمِ وزيرُها
فتىً طالَعَتْهُ بالسعود نجومُها / وطارت لَهُ باليُمْنِ فينا طيورُها
أَذَلَّ لَهُ عَبْدُ المليكِ ملوكَهَا / وَأَنْجَبَهُ المنصورُ فَهْوَ نصيرُها
بِحَارٌ أَمَرَّتْ للأَعادي طُعومُها / كَمَا طاب فينا شُرْبُهَا وطَهُورُها
وأَربابُ مُلْكٍ فِي رياسةِ أُمَّةٍ / لهم فِي المعالي عِيرُها ونفيرُها
وما يتساوى موتُها وحياتُها / ولا يَتَكافَى ظِلُّهَا وَحَرُورُهَا
وأَنت الَّذِي أَوْرَدْتَ لُونَةَ قاهِراً / خيولاً سماءُ الأَرْضِ فيها نُحُورُها
وقد لاح بالنصر العزيز لواؤها / وأَعْلَنَ بالفتحِ المبين بَشِيرُهَا
وَحلَّتْ حُلُولَ اللَّيلِ فِي كلِّ بلدةٍ / سَوَاءٌ بِهَا إِدْلاجُها وَبُكُورُها
وقد فَتَأَتْ سُمْرُ القنا بِدِمائِهَا / وَغَالَتْ صُدُورَ الدارعين صُدُورُها
صَلِيتَ وَقَدْ أَذْكَى الطِّعَانُ وَقُودَهَا / وَفَارَ بِنِيرانِ السُّيُوفِ سَعِيرُهَا
وَخَضْتَ وَقَدْ أَعْيَتْ نجاةُ غَرِيقِهَا / وهالَتْ بأمواجِ المنايا بُحُورُها
وقد ضربت خدراً عَلَى الشمس وانجلت / بِهَا عن شموس الغانيات خدورُها
عَقَائِلَ أَبكاراً غَدَوْنَ نواكحاً / وَمَا أَصْبَحَتْ إِلّا السيوفَ مُهُورُها
فَلا مُحِيَتْ أَفْخَاذُهَا مِنْ سِمَاتِكُمْ / ولا عَرِيت من ناصِرِيكُمْ ظُهُورُها
فَدَيْنَاكَ سَيْفاً لَمْ تَخُنْهُ مَضَارِبُهْ
فَدَيْنَاكَ سَيْفاً لَمْ تَخُنْهُ مَضَارِبُهْ / وبحرَ عَطَاءٍ مَا تَغِيضُ مواهِبُهْ
وبدراً تجَلَّى فِي سماءٍ رياسةٍ / كواكبُها آثارُهُ وَمَنَاقِبُهْ
تقلَّدَ سيفَ اللهِ وَالتَحَفَ النَّدى / فَسَدَّدَ رَاجيهِ وَأعْذَرَ هائِبُهْ
فها هو ذا في كلِّ قلبٍ ممثَّلٌ / وهاتيك عند الفرقدين مراتبُهْ
فَمَا عَرَّجَتْ عنه سبيلٌ لِطَالِبٍ / ولا رَحُبَتْ أرضٌ بِمَنْ هو طَالِبُهْ
خلائِقُ مِنْ مَاءِ الحياةِ وطَالَمَا / يَغَصُّ بِهِ يوم الكريهةِ شارِبُهْ
أَمُلْبِسَنَا النُّعْمى أَلاَ رُبَّ مَلْبَسٍ / سَنِيٍّ وتاجٍ لِلْعُلا أَنت سَالِبُهْ
وَلَيْلٍ كريعانِ الشباب قَذَفْتَهُ / بِهَوْلِ السُّرى حَتَّى أُشِيبَتْ ذَوَائِبُهْ
وَصَلْتَ بِهِ يوماً أَغَرَّ صَحِبْتَهُ / غُلاماً إِلَى أَنْ طَرَّ باللَّيْلِ شَارِبُهْ
بِكُلِّ مُذَلٍّ كَرَّمَتْهُ جُدُودُهُ / وَكُلِّ كمِيٍّ أَحْكَمَتْهُ تَجَارِبُهْ
وَعَضْبٍ يَمَانٍ قَدْ تَعَرَّفْتَ يُمْنَهُ / وإِنْ يَنْتَسِبْ تَعْطِفْ عَلَيْكَ مَنَاسِبُهْ
وسُمْرٍ لِدَانٍ كالكواكب سُقْتَهَا / ليومٍ من الأَعداءِ بَادٍ كَواكِبُهْ
صليتَ ونارُ الحربِ يَذْكُو سَعِيرُهَا / وَخَضْتَ وَمَوْجُ الموتِ تَطْفُو غَوَارِبُهْ
ولا مثلَ يومٍ نحو لُونَةَ سِرْتَهُ / وقد قَنَّعَت شَمْسَ النهارِ غَيَاهِبُهْ
رَفَعْتَ لَهَا فِي عارِضِ النَّقْعِ بَارِقاً / تَسِحُّ شآبيبَ المنايا سَحَائِبُهْ
وَعَذْرَاءَ لَمْ يأَتِ الزمانُ بِكُفْئِهَا / ولا رامها بَعْلٌ وإِنْ عَزَّ جانِبُهْ
معوَّذةٍ لَمْ يَسْرِ خطبٌ بِأَرْضِهَا / ولا عَرَفَتْ بالدَّهْرِ كَيْفَ نوائِبُهْ
ثَوَتْ بَيْنَ أَحْشَاءِ الضَّلالِ وَأُشْرِعتْ / أَسِنَّتُهُ مِنْ دُونِهَا وَقَواضِبُهْ
وأَصْبَحْتَ يَا عبد المليكِ مَليكَهَا / وَأَنْجَحَ سَاعٍ جَاءَ والسَّيفُ خاطِبُهْ
وَسُقْتَ لَهَا صِدْقَ اللقاءِ مُعَجَّلاً / صَدَاقاً إِذَا مَا هَلْهَلَ الضَّرْبَ كاذِبُهْ
وجيشٍ أَضاءَ الخافِقَيْنِ رِمَاحُهُ / وفاضت عَلَى رَحْبِ البِلادِ كتائِبُهْ
وقد ضَمَّهَا فِي نَفْنَفِ الجوِّ مَعْقِلٌ / عَسِيرٌ عَلَى عُصْمِ الوُعُولِ مَرَاقِبُهْ
بَعَثْتَ عليها منكَ دَعْوَةَ واثقٍ / صَفَا شاهِدُ الإِخْلاصِ منه وغَائِبُهْ
فسَرْعَانَ مَا أَقْوى الشّرى من أُسودِهِ / وأُبرِزَ من حُرِّ الحِجَالِ كواعِبُهْ
ثَلاثَةُ آلافٍ حِسَاباً وَمِثْلُهَا / وَقَدْ غَلَّ عَازِيهِ وأَسَأَرَ حَاسِبُهْ
فيا لَيْتَ قُوطاً حين شادَ بِناءَهُ / رآه وَقَدْ خَرَّتْ إِلَيْكَ جَوانِبُهْ
ويا ليت إِذْ سَمَّاهُ بَدْراً مُعَظَّماً / رآه وَفِي كِسْفِ العَجَاجِ مَغَارِبُهْ
فَيَعْلَمَ أَن الحقَّ دَافِعُ كَيْدِهِ / وَأَنَّكَ حِزْبَ اللهِ لا شَكَّ غَالِبُهْ
فلا خُذِلَ الدِّينُ الَّذِي أَنت سَيْفُهُ / ولا أَوْحَشَ المُلْكُ الَّذِي أَنت حَاجِبُهْ
سلامٌ عَلَى البدرِ الَّذِي خَلَفَ الشَّمْسَا
سلامٌ عَلَى البدرِ الَّذِي خَلَفَ الشَّمْسَا / وَكَانَ لَنَا فِي يومِ وحشتِهِ أُنْسا
سِراجان للدنيا وللدِّينِ أَشرقا / فشمسٌ لمنْ أَضحى وبدرٌ لمن أَمسى
رمى فِي سبيلِ الله غايةَ مُقْدِمٍ / جديرٍ بأن يستعبدَ الجنَّ والإنسا
فسابَقَ حَتَّى لَمْ يَجِدْ للعُلا مَدىً / وجاهَدَ حَتَّى لَمْ يَجِد للعِدى حِسَّا
وسارَ وروحُ المُلْكِ فِي نورِ وَجههِ / وَخلّاك يَا نجلَ الملوكِ لَهُ نَفْسا
لَتَعْتَصِبَ التاجَ السَّنيَّ الَّذِي اكْتَسى / وترتَقيَ الطودَ الرفيعَ الَّذِي أَرْسى
وتجلُو لَنَا منه شمائلَ لَمْ تَغِبْ / وَتُذْكِرنا منه شمائلَ لا تُنْسى
وتكسُو ثيابَ العُرْفِ والجودِ والندى / أَمانِيَّ لا زالت بأَنعمه تُكسى
فلا أَوْحشت هذي المنازِلُ منكما / ولا فارقت أَبراجُها البدرَ والشمسا
أَفي مثلِها تنبو أَياديك عن مثلي
أَفي مثلِها تنبو أَياديك عن مثلي / وهذِي الأماني فيك جامِعةُ الشَّمْلِ
وقد أَوفتِ الدُّنيا بعهدِكَ واقْتَضَتْ / وفاءَك أَلا زِلْتَ تُعْلي وتَسْتَعْلِي
وَقَدْ أَمَّنَ المقدارُ مَا كنتُ أَتَّقِي / وأَرخَصَتِ الأَيَّامُ مَا كنتُ أَسْتَعْلِي
وأَذعَنَ صرفُ الدَّهْرِ سمعاً وطاعةً / لما فُهْتَ من قولٍ وأَمضَيْتَ من فعلِ
وناديتَ بالإنْعَامِ فِي الأرضِ فالْتَقَتْ / بيمناك أَشتاتُ الطَّرَائِقِ والسُّبْلِ
وَحَلَّتْ بِكَ الآمالُ فِي عَدَدِ الدَّبى / فوافَت أَيادٍ منكَ فِي عَدَدِ الرَّمْلِ
وهذا مُقامي منذُ تِسْعٍ وأَرْبَعٍ / رجائِيَ فِي قيدٍ وَحَظِّيَ فِي غُلِّ
كأَنِّيَ لَمْ أَحْلُلْ ذَرَاكَ وَلَمْ أُقِمْ / مُناخَ العطايا فيك مُرْتَهَنَ الرَّحْلِ
وأُغْضِ عن البرق الَّذِي شِيمَ لِلحيا / وأَعقِدْ بِحَبْلٍ منكَ بَيْنَ الورى حَبْلي
ولم أدَّخِرْ من راحَتَيْكَ وسائلاً / رضيتُ بِهَا كُفءاً عن المالِ والأَهْلِ
ولم تُصْفِني خُلقاً أَرَقَّ من الهوى / وَلَمْ تُولِني نُعْمى أَلَذَّ من الوَصْلِ
ولم تَثْنِ عنِّي فِي مواطِنَ جَمَّةٍ / سُيوفاً حِدَاداً قَدْ سُلِلْنَ عَلَى قَتْلي
ولم أَطْوِ سِنَّ الاكْتِهَالِ مُحاكِماً / إليك خُطُوباً شَيَّبَتْ مَفْرِقَ الطفلِ
وكُنتَ ومِفْتاحُ الرغائبِ ضائِعٌ / ملاذي فهذا بابُها ضائعُ القُفْلِ
وكم مُرْتَقىً وعرٍ جَذَبْتَ بساعِدي / إِلَيْهِ فقد أَفْسَحْتَ بالأَفْيَحِ السَّهْلِ
وأَنهارِ راحٍ فِي رياضٍ أَنِيقَةٍ / مُوَطَّأَةِ الأَكْنَافِ للنَّهْلِ والعَلِّ
حَرَامٍ عَلَى وِرْدِي حِمىً دونَ مَرتَعي / وَقَدْ بَرَّحَتْ فِي الناس بالطَّيِّبِ الحِلِّ
وقد شَفَّني رَشْفُ الثِّمارِ أَوَاجِناً / وأَنْضى رِكابي مجْذِبُ المرتَع المَحْلِ
وإِنَّ عَجيباً أَنَّ عِزَّكَ مَوْئِلِي / وأَكْظِمُ أَنْفاسي عَلَى غُصَصِ الذُّلِّ
وأَنِّيَ من ظُلمِي بِعَدْلِكَ عَائِدٌ / وكم مطلبٍ أَسلمتَهُ فِي يَديْ عَدْلِ
وأَنِّيَ فِي أَفياءِ ظِلِّكَ أَشْتَكِي / شَكِيَّةَ مُوسى إِذْ تولَّى إِلَى الظِّلِّ
ففي حُكمِكَ الماضي وَسُلْطَانِكَ العَدْلِ / تُمِرُّ لِيَ الدنيا وطَعْمِي لَهَا مُحْلِ
وتقلِبُ لي ظهرَ المِجَنِّ تَجَنِّياً / فَمَوْتِي بما يُحيي ومَوْتِي بما يُسْلِي
أَلَمْ تَرَنِي يومَ الرِّهَانِ مُبَرِّزاً / أَمامَ الأُلى جاؤوا إِلَى الحَظِّ مِنْ قَبْلِي
فكَمْ باتَ هَذَا الملكُ منّي مُعرِّساً / بِفَتّاَنَةٍ بكْرٍ وبتُّ عَلَى الثُّكْلِ
وأَثقَلْتُ أوتارَ الرِّكابِ جَوَاهِراً / عَلَى ثَمنٍ يَعْدُو بِهِ مُحْوِلُ النَّمْلِ
وها أَنذَا مَا إِنْ أَموت من الأسى / بوَقْرٍ عَلَى وَقْرِ وثِقْلٍ عَلَى ثقْلِ
وَليَّ النَّدى أَصْبَحتُ فِي دَوْلَةِ النَّدى / كَأَنِّي عَدُوُّ البخل فِي دَوْلَةِ البُخْلِ
يُقَتِّلُ أَخْفى اليَأْسِ أَحْيى مَطالِبي / لَيَالِيَ جلَّ الْوَعْدُ عن ريبةِ المَطْلِ
وأُبْدي لِلَسْعِ الدَّبْر وَجْهي مُنازعاً / وَقَدْ فازَ غيري سالِماً بجنى النَّحْلِ
ومَولىً يَجِرُّ البأْسُ والحَمْدُ ساجداً / إِلَى سيفِهِ الماضي ونائلِهِ الجَزْلِ
سَريع إِلَى داعي النَّدى وشَفِيعِهِ / وبَحْرُ عطاياهُ أَصمُّ عن العَذْلِ
تَذكَّرني فِي ساعة العلم والنُّهى / وأُنْسِيَني فِي ساعة الجود والبَذْلِ
وَبَوَّأَنِي فِي قَصْرِهِ أَعْلَ مَنْزِلٍ / وَحَظِّيَ مُلقىً يسْتغيثُ من السُّفْلِ
فَأَكْسُو لَهُ الأَيَّامَ مِنْ حُرِّ مَا أَشِي / وَأَمْلأُ سَمْعَ الدهرِ من سِحْرِ مَا أُملِي
أُوَاصِلُ آناءَ الأَصائِلِ بالضُّحى / وزادِيَ من جُهدِي وراحِلَتي رِجْلي
إِذا أَحْفَتِ الفُرْسانُ غُرَّ جِيادِهِ / خَصَفْتُ بوجهي مَا تَمزَّقَ من نَعْلِي
وإِنْ أَقْبَلُوا والمِسْكُ يندى عَلَيْهِمُ / أَتَيْتُ وَقَدْ ضُمِّخْتُ مِسْكاً من الوحْلِ
وإِنْ شُغِلوا لَهْواً بأَنْعُمِ كفِّهِ / فخِدْمَتُه لَهْوي وطَاعَتُهُ شُغْلي
أُقِرُّ عيونَ الشامِتينَ ولَيتَنِي / أُبَرِّدُ مَا تطوي الضلوع من الغِلِّ
أَمُرُّ بِهِمْ أَلقى الثَّرى وكأنَّمَا / فؤادِيَ من أحداقِهِمْ غَرَضُ النَّبلِ
إِذا الأَسد الضِّرغامُ أَنْفَذَ مقتَلي / فما فَزَعِي إِلّا إِلَى الأَرْقَمِ الصّلِّ
وإِن ذابَ حُرُّ الوجْهِ من حَرِّ نارِهِمْ / فما مُسْتَغَاثِي منهُ إِلّا إِلَى المُهْلِ
ومن شيمة الماء القراح وإن صفا / إذا اضطرمت من تحته النار أن يغلي
ولا وَزَرٌ إِلّا وزيرٌ لَهُ يدٌ / تُمِلُّ عَلَى أَيْدِي الربيع فيَسْتَمْلِي
أَبا الأصبَغ المَعْنيَّ هل أَنت مُصْرِخِي / وهلْ أَنتَ لي مُغْنٍ وهل أَنتَ لي مُعْلِ
وهل مَلِكُ الإِنعامِ والجودِ عائدٌ / بإِحسانِ مَا يُولي عَلَى حُسْنِ مَا أُبْلي
وهل لرياض الملك في نفحة الصبا / وهل لسماء المجد في كوكب النُّبلِ
وحتَّى مَتى أُعْطِي الزمانَ مقادَتِي / وَقَدْ قَبَضَتْ كَفّي عَلَى قائِمِ النَّصلِ
ونادَيْتُ من عُلْيا الوزارَةِ ناصِراً / يَرى خاطفاتِ الشُّهْبِ تمشي عَلَى رِسْلِ
فلا يَغْبِطِ الأَعداءَ مَا طُلَّ من دَمي / ولا يَهْنئِ الأَيَّامَ مَا فاتَ من ذَحْلي
عسى مجدُ عيسى أَن ينوءَ ببارِقٍ / يُسِحُّ حَيا الإِفضالِ فِي روضةِ الفَضْلِ
فيا ابْنَ سعيدٍ هل لِسَعْدِكَ كَرَّةٌ / عَلَى الهِمَّةِ العَلْياءِ فِي الأُفُقِ الغُفْلِ
طَوَتْ زَفَراتِ البَثِّ حَتَّى لقد أَنى / لذات مَخاضٍ أَن تُطَرِّقَ بالحَمْلِ
مطالبُ أبقى الدهرُ منها مَظالِماً / تُنادِيكَ بالشكْوى وتدعُوك للفَضْلِ
وكُلٌّ عليها شاهِدٌ غيرُ شاهِدٍ / وَلَيْسَ لَهَا حاشاكَ من حَكَمٍ عَدْلِ
أَيَحْتَقِبُ الركبانُ شرقاً ومغرِباً / غرائِبَ أَنفاسي وأَلقاكَ فِي الرَّجْلِ
ويَنْتَقِلُ الشَّرْبُ الندامى بدائِعي / وهَيهَاتَ لي من لَذَّةِ الشُّرْبِ والنُّقْلِ
وضَيفٌ بحيثُ الطَّيْرُ تُدْعى إِلَى القِرى / يضيقُ بِهِ رَحْبُ المَباءةِ والنُّزْلِ
طَوٍ وَوُجُوهُ الأَرْضِ خِصْبٌ ومَطْعَمٌ / وعيمانُ والجُلمُودُ يَفَهَقُ بالرِّسْلِ
وحَرَّانُ أَوْفى ظِمءَ تِسْعٍ وأَرْبعٍ / بحيثُ تَلاقى دافِقُ البحرِ والوَبْلِ
وسَيفٌ يقُدُّ البَيْضَ والزَّغْف مقدِماً / يروحُ بلا غِمْدٍ ويغدُو بلا صَقلِ
وذُو غُرَّةٍ معروفَةِ السبق فِي المدى / وَقَدْ قَرِحَ التَّحجيلُ من حَلَقِ الشُّكْلِ
ودَوحَةُ عِلمٍ فِي السماءِ غُصُونُها / تَرفُّ بلا سُقْيا سوى بَغَش الطَّلِّ
هَنيئاً لهذا الدَّهرِ رَوْحٌ وريْحانُ
هَنيئاً لهذا الدَّهرِ رَوْحٌ وريْحانُ / وللدِّينِ والدنيا أمانٌ وإِيمانُ
بِأَنَّ قعِيدَ الشِّرْكِ قَدْ ثُلَّ عَرْشُهُ / وأَنَّ أَميرَ المؤمنينَ سُلَيْمَانُ
سَمِيُّ الَّذِي انقادَ الأَنامُ لأَمْرِهِ / فلم يَعْصِهِ فِي الأَرضِ إِنسٌ ولا جانُ
وباني العُلا للمجدِ غَادٍ ورائحٌ / وحِلْفُ التُّقَى فِي اللهِ راضٍ وغَضْبانُ
بِهِ رُدَّ فِي جَوِّ الخلافةِ نُورُها / وَقَدْ أَظْلَمَتْ منها قصورٌ وأوطانُ
وَأَنْقَذَ دينَ اللهِ من قبضةِ العِدى / وَقَدْ قاده للشِّركِ ذلٌّ وإِذعَانُ
وقامَ فقامتْ للمَعَالي معالِمٌ / وللخيرِ أسواقٌ وللعدلِ ميزَانُ
وجدَّدَ للإسلامِ ثوبَ خلافةٍ / عليها من الرحمنِ نورٌ وبُرْهَانُ
وأَكَّدَها عهدٌ لأكرمِ من وفى / بعهدٍ زَكَتِ فِيهِ عهودٌ وأَيمانُ
بِهِ شُدَّ أَزْرُ الملكِ وابْتَهَجَ الهُدى / وفاضَ عَلَى الإسلامِ حسنٌ وإِحسانُ
فَتىً نَكَصَتْ عنهُ العيونُ مَهابَةً / فليسَ لَهُ إِلّا الرَّغَائبَ أَقْرانُ
يَهونُ عَلَيْهِ يومَ يُرْوي سيوفَهُ / دماً أَن يوَافيهِ الدُّجى وَهْوَ ظمْآنُ
سَمِيَّ النَّبيِّ المصطفى وابنُ عَمِّهِ / ووَارِثُ مَا شَادَتْ قُرَيْشٌ وعَدْنانُ
وَمَا ساقَتِ الشُّورى وأَوْجَبَتْ التُّقى / وأَوْرَثَ ذُو النُّورَيْنِ عَمُّكَ عُثْمانُ
وما حاكَمَتْ فِيهِ السيوفُ وحازهُ / إليكَ أَبو الأَملاكِ جدُّكَ مرْوانُ
مَوارِيثُ أَملاكٍ وتوكيدُ بَيْعَةٍ / جديرٌ بِهَا فتحٌ قريبٌ ورِضْوانُ
ودوحةُ مجْدٍ فِي السَّماءِ كَأَنَّمَا / كَوَاكِبُهَا منها فروعٌ وأَغصانُ
لَئِنْ عَظُمَتْ شأْناً لقد عزَّ نصرُها / بكَرَّاتِ فُرسانٍ لأَقدارِهَا شانُ
قبائلُ من أَبناءِ عادٍ وجُرْهمٍ / لَهُمْ صَفْوُ مَا تَنْمِيهِ عادٌ وَقَحْطَانُ
بَنو دُوَلِ المُلكِ الَّذِي سَلَفَتْ بِهِ / لآبائهم فِيهَا قُرونٌ وأَزْمَانُ
هُمُ عَرفُوا مثواكَ فِي هَبْوَةِ الرَّدى / وَقَدْ رَابَ معهودٌ وأَنكَرَ عِرفانُ
وللمَوْتِ فِي نَفْسِ الشُّجاع تخيُّلٌ / ولِلذُّعْرِ فِي عَيْنِ المُخاطِرِ أَلوانُ
فأَعْطَوكَ واسْتَعْصَوكَ فِي السَّلْمِ والوغى / مَوَاثِيقَ لَوْ خَانَتْكَ نفسُكَ مَا خانوا
كَأَنَّ السَّمَاءَ بدْرَها ونجومها / سُرَاكَ وَقَدْ حَفُّوكَ شِيبٌ وشُبَّانُ
وقد لَمَعَتْ حوْلَيْكَ منهمْ أَسِنَّةٌ / تُخَيِّلُ أَنَّ الحَزْنَ والسَّهْلَ نِيرانُ
أُسودُ هِياجٍ مَا تزالُ تَرَاهُمُ / تطيرُ بِهِمْ نحوَ الكريهَةِ عِقبانُ
وأقمارُ حَربٍ طالِعَاتٌ كَأَنَّمَا / عَمَائِمُهُمْ فِي موقفِ الرَّوْعِ تِيجانُ
دَلَفْتَ بِهِمْ للفتحِ تَحْتَ عَجاجَةٍ / كَأَنَّ مُثِيرَيْهَا عَلِيٌّ وهَمْدانُ
ويَومَ اقتِحامِ الحَفْرِ أَيقَنْتَ أَنَّهُمْ / يريدونَ فِيهِ أَن تعِزَّ ولو هانوا
بكُلِّ زِناتِيٍّ كَأَنَّ حُسامَهُ / وهامَةَ من لاقاهُ نارٌ وقرْبانُ
وأَبيضَ صِنْهَاجٍ كَأَنَّ سِنَانَهُ / شِهابٌ إذَا أَهوى لِقِرْنٍ وشَيطانُ
وقد عَلِمُوا يَا مُستعِينُ بأَنَّهُمْ / لرَبِّهِمُ لما أَعانوكَ أَعوانُ
ولَوْلاكَ والبيضُ الَّتِي نَهَدوا بِهَا / لما قامَ للإسلام فِي الأرض سُلطانُ
ولاستَبْدَلَتْ قَرْع النواقيسِ بالضُّحى / مَنارٌ وقامت فِي المحاريب صُلبانُ
وهم سَمِعوا داعيك لمَّا دَعَوْتَهُم / وهم أَبصَرُوا والناسُ صُمٌّ وعُمْيانُ
تصاويرَ ناسٍ مُهْطِعينَ لِصورَةٍ / يُكَلِّمُهُمْ منها سَفيهٌ ومَيَّانُ
فللهِ عَزْمٌ رَدَّ فِي الحقِّ رُوحَهُ / وأَوْدى بِهِ فِي الأرض زُورٌ وبُهتانُ
وقُلتَ لعاً للعاثِرِينَ كَأَنَّهُ / نُشورٌ لقومٍ حانَ منهم وَقَدْ حانُوا
وأصبحَ أهلُ الحَقِّ فِي دارِ حقِّهمْ / ونحنُ لهم فِي الله أهلٌ وإِخوانُ
فحَمْداً لمن رَدَّ النُّفوسَ فأَصبحَتْ / لهم كالذي كُنَّا وَهُمْ كالذي كانوا
وأُنِّسَ شَمْلٌ بالتفرُّقِ مُوحِشٌ / وحَنَّ خليطٌ بالصبابة حَنَّانُ
ورَدَّ جِماحَ الغَيِّ من غَرْبِ شَأْوِهِ / وبُرِّدَ قلبٌ بالحفيظةِ حَرَّانُ
وقد أَمِنَ التثريبَ إِخوةُ يوسُفٍ / وأدركَهُم للهِ عفوٌ وغُفْرانُ
وأَعقَبَ طَولُ الحربِ أبناءَ قَيلَةٍ / زكاةً وَرُحماً فِيهِ أَمْنٌ وإِيمانُ
وَحَنَّتْ لِدَاعِي الصُّلحِ بكْرٌ وتغلبٌ / وشَفَّعَتِ الأَرْحامَ عبسٌ وذُبيانُ
وفازَتْ قِداحُ المُشتَري بسُعُودِها / وسالم بَهرَامٌ وأَعتبَ كِيوانُ
وعُرِّفَ معروفٌ وأُنكِرَ مُنْكَرٌ / وطارَ مع العَنْقَاءِ ظُلْمٌ وعُدوانُ
وأُغْمِدَ سيفُ البَغْيِ عنَّا وعُطِّلَتْ / قُيودٌ وأَغلالٌ وسِجنٌ وسُجَّانُ
وما كَانَ منَّا الحَيُّ فِي ثوبِ ذُلِّهِ / بأَنهضَ مِمَّنْ ضَمَّ قبرٌ وأَكْفَانُ
ومُنَّ عَلَى المُسْتَضعَفِينَ وأُنْجِزَتْ / مواعيدُ تمكينٍ وآذَنَ إِمكانُ
بيُمْنِ الإِمامِ الظَّافِرِ الغافر الَّذِي / صفا منهُ للإسلامِ سِرٌّ وإِعلانُ
مجَرِّدُ سيفِ الانتقام لِمَن عتَا / فمالَ بِهِ فِي الدِّينِ زَيغ وإِدهانُ
فَمن سَرَّهُ المَحْيا فسمع وطاعةٌ / ومن يَحْسُدِ المَوتى فكُفْرٌ وعِصيانُ
تَخَيَّرْتَ فاسْتَمْسَكتَ بالعُرْوَةِ الوُثقى
تَخَيَّرْتَ فاسْتَمْسَكتَ بالعُرْوَةِ الوُثقى / فَبُشْرَاكَ أَنْ تَفْنى عِدَاكَ وأنْ تَبقى
فما أبطلَ الرحمنُ باطِلَ من بغى / عَلَى الحَقِّ إِلّا أَن يُحقَّ بكَ الحَقَّا
وما لاح هَذَا المُلْكُ بدراً لِتِمِّهِ / بوجهِكَ إِلّا أَن يُبيرَ العِدى مَحقا
وما كُنتَ عند الله أَكْرَمَ من حَبا / خِلافَتَهُ إِلّا وأَنتَ لَهُ أَتْقى
لِيجُلو عن الدنيا بكَ الهَمَّ والأَسى / ويجمعَ فِي سلطانِكَ الغَرْبَ والشَّرْقا
رَدَدْتَ نظامَ المُلكِ فِي عِقدِ سِلكِهِ / وَمَا كَانَ إِلّا صُوفَةً فِي يَدَيْ خَرْقا
وأَضْحكْتَ سِنَّ الدهرِ من بعدِ مُقلَةٍ / مدامِعُها شوقاً إِلَى الحَقِّ مَا تَرْقا
وقلَّدْتَ والي العهدِ سَيفاً إِلَى العِدى / فسارَ كَأَنَّ الشمسَ قُلِّدَتِ البرقا
وَسيطَيْ سَمَاءٍ قَدْ جَعَلْتَ نُجُومَها / صفائِحَ بيض الهِند والأَسَلَ الزُّرقا
بَوَارِقَ لَوْ لَمْ تَخْطِفِ الهامَ فِي الوَغى / لَخَرَّتْ جُسومٌ من رَواعِدِها صعقا
كَأَنَّ الملا مِنْهُنَّ أَحشاءُ عاشِقٍ / تُبَكِّي دَماً عَيناهُ مِنْ حَرِّ مَا يَلقى
هَوادِيَ فِي ضَنكِ المَكَرِّ ولا هُدىً / نَواطِقَ بالفتح المبينِ ولا نُطقاً
يُخَبِّرْنَ عن إِلحاحِ سَعيِكَ فِي العِدى / كَأَنَّ سَطيحاً فِي سَنَاهُنَّ أَوْ شِقَّا
وَيَجْلُونَ عن لَيْلِ العَجاج كَأَنَّمَا / تُقَلِّبُ إِحداهُنَّ ناظِرَتَيْ زَرْقا
وَجُرْداً يُنازِعْنَ الكُماةَ أَعِنَّةً / يُفرِّغْنَها جُهْداً ويَمْلَأْنَها عِتقا
تَكِرُّ وِرَاداً من دِماءِ عُدَاتِها / وإِنْ أَقدَمَتْ شُهْباً عَلَى الطَّعنِ أَوْ بُلقا
رَوَائِعَ يَوْمَ الرَّوْعِ تَعدُو سَوابحاً / كِراماً وتُمْسِي فِي دِماءِ العِدى غرْقى
ضَمانٌ عليها نَفسُ كُلِّ مُنازِعٍ / ولو حَمَلَتْهُ الغُولُ أَوْ رَكِبَ العَنقا
تَبارى إِلَى الهَيجا بأُسْد خَفِيَّةٍ / إِذَا هالَ وَجْهُ المَوْتِ هَامُوا بِهِ عِشقا
وإِنْ فَزِعُوا نحو الصَّريخ فلا ونَى / وإِن وَرَدوا حَوْضَ المَنايا فلا فَرْقا
عبيدٌ مَماليكٌ وأَمْلاكُ برْبَرٍ / وكلُّ عظيم الفَخْرِ قَدْ حُزْتَهُ رِقَّا
هُمُ فئةُ الإِسلامِ إِنْ شَهِدُوا الوَغى / وهُمْ أُفُقٌ لِلْمُلْكِ إِن نَزَلوا أُفْقا
عَمَمْتَهُمُ نُعْمَى جَزَوْكَ بِهَا هَوىً / وأَوْزَعْتَهُمْ حِلْماً جَزَوْكَ بِهِ صِدقا
وأَوْرَيتَهُمْ زَنداً يُنيرُ لهم هدىً / وأَقْبَلتَهُمْ كَفَّاً يُنير لَهُمْ رِزْقا
وَعَزْماً لنصرِ الدينِ والمُلكِ مُنتضىً / ورأْياً من التوفيقِ والسَّعْدِ مُشتَقَّا
شَمَائِلُ إِنْعامٍ شمِلتَ بِهِ الوَرى / وأَخلاقُ إِكرامٍ عممتَ بِهِ الخَلقا
فَجَدُّكَ مَا أَعلى وذكرُك مَا أَبقى / وراجيكَ مَا أَغنى وشانِيكَ مَا أَشقى
ويمناكَ بالإِحسانِ حسبُ مَنِ اعتَفى / وسُقياكَ بالمعروفِ حَسبُ منِ استَسقى
وناداكَ عبدٌ يقتضِيكَ ودائِعاً / وإِن عَظُمَتْ خَطْراً فأَنفِسْ بِهِ عِلقا
به أَنْسَتِ الدنيا أَساطِيرَ من مَضى / وأَتعَبَتِ الأَيَّامُ أَقلامَ مَن يَبقى
إِذا مَا شَجا الأَعداءَ فِي قِممِ الذُّرَى / شَفاها بِحَظٍّ تَحْتَ أَقدامِها مُلقى
وإِنْ يَكُ مسبوقاً فيا رُبَّ سابقٍ / بعيدِ المَدى لا يدَّعِي معَهُ سَبقا
وإِنَّ لَهُ فِي راحَتَيْكَ وسائِلاً / تُنادِيهِ من جَوِّ السَّماءِ ألا تَرْقى
فَسِرْ فِي ضَمانِ اللهِ ناصِرَ دَوْلَةٍ / كَأَنَّ عمودَ الصُّبحِ فِي وَجْهِها انشَقَّا
وحسبُكَ مَنْ حَلّاكَ تاجَ خِلافَةٍ / رآكَ لَهَا أَهْلاً فأعطاكَها حَقَّا
جِهادُكَ حُكم اللهِ من ذا يَرُدُّهُ
جِهادُكَ حُكم اللهِ من ذا يَرُدُّهُ / وعَزْمُكَ أَمْرُ اللهِ مَنْ ذا يَصُدُّهُ
وطائِرُكَ اليُمْنُ الَّذِي أنتَ يُمنُهُ / وطَالِعُكَ السَّعدُ الَّذِي أنتَ سَعدُهُ
وبَيعةُ رِضْوَان رَعَى الله حَقَّها / لمَنْ بَيعةُ الرِّضْوَانِ إِذْ غابَ جَدُّهُ
فأَصبَحَ فِي رَأْسِ الرِّياسَةِ تاجُهُ / وَنُظِّمَ فِي جيدِ الخِلافَةِ عِقدُهُ
مَسرَّتُهُ مأْوى الغريبِ وسِتْرُهُ / ولَذَّتُهُ خَيْرُ المُقِلِّ ورِفْدُهُ
وأجنادُهُ فِي موقِفِ الرَّوْعِ رَوْضُهُ / وَأَعلامُهُ فِي مَوْرِدِ المَوْتِ وِرْدُهُ
نلاعِبُ آرَامَ الفَلا من هِباتِهِ / وآرامُهُ غُرُّ الطِّرَادِ وَجُرْدُهُ
ونَفْتَرِشُ الدِّيباجَ منْ جُودِ كَفِّهِ / وَمَا فَرْشُهُ إِلّا الجَوادُ ولِبدُهُ
ومَنْ بَرَّحَ البيضُ الحِسان بوَجْدِهِ / فبالبيضِ فِي الهَيجاءِ بَرَّحَ وَجْدُهُ
وقَرَّبَنا من رَحْمَةِ اللهِ هَدْيُهُ / وَرَغَّبَنا فِي طاعَةِ الله زُهْدُهُ
وعلَّمَنا بَذْلَ النُّفوسِ لِنَصْرِهِ / نَدى كَفِّهِ المُرْبي عَلَى القَطْرِ عَدُّهُ
ولَوْ لَمْ يُوَافِ الوافِدُونَ قِبابَهُ / لأَصبحَ من زُهر الكواكِبِ وَفْدُهُ
وأَيَّامُهُ المَوصُولُ طُولُ صِيامِهِ / بلَيلٍ تَحلَّى بالتِّلاوَةِ سُهْدُهُ
وأَبْلَجَ من قحطانَ قُربُكَ عِزُّهُ / ومُلكُكَ مَحْياهُ ونَصرُكَ مَجْدُهُ
شَديدُ مِحال الرُّمحِ فيكَ أَبيُّهُ / مُبِرُّ خِصامِ السَّيفِ عَنكَ أَلَدُّهُ
رضاكَ لَهُ يَا مُرتضى دينُ وَاثِقٍ / بأَنَّكَ للدينِ الحَنيفِ تعدُّهُ
وما يَزْدَهِيهِ مِنكَ دهْرٌ يسُودُهُ / إذَا لَمْ تُجرِّدْهُ لِثَغْرِ يَسُدُّهُ
يَوقِّرُ عنكُمْ سَمْعُهُ فيُصيخُهُ / ويَقصُرُ عَنْكُمْ طَرْفُهُ فَيَمُدُّهُ
وعهدُكَ بالآمالِ تَصْرِفُ عَنكُمُ / ورَدَّاكُمُ عَهدَ السَّموْأَلِ عَهْدُهُ
وكم حَلَّ مَوتُ الحَقِّ من شَدِّ عَقدِكم / ويُحيي ابْنُ يَحْيى عَقدَكُمْ فَيَشُدُّهُ
وإِنْ ماتَ مَوْتُ اليَأْسِ منكُم رَجاؤُهُ / تَنَسَّم فيكُم روحَهُ فيَرُدُّهُ
ونادَيْتَ فِي الإِسْلامِ حَيّ عَلَى الهُدى / فَيا لَكَ مِنْ ظَمآنَ قَدْ حانَ وِرْدُهُ
فقلَّدْتَهُ سَيفاً لِزَحْفٍ يقُودُهُ / لِخِزْيِ عِدَاكَ أَوْ لزغف يَقدُّهُ
فإِنْ لَمْ يكَنْ لِلهِنْدِ يوماً حَديدُهُ / فمِنْ يَعرُبَ العَليا شباهُ وَحَدُّهُ
وإِنْ يَكُ فِي سَرْوِ اليَمانِينَ أَصْلُهُ / فطاعتُهُ فِي عَبدِ شَمْسٍ وَوُدُّهُ
وإِنْ أَنْجَبَتْهُ أَزْدُهُ وتُجِيبُهُ / فَصَفْوَتُهُ عَدْنانُهُ وَمَعَدُّهُ
أَمَا وتَحَلَّى دُونَ مُلكِكَ نَصْلُهُ / لَقِدْماً تَحَلَّى من سَنائكَ غِمْدُهُ
لمُلكٍ نَمى عَبدُ المَلِيكِ مُلُوكَهُ / وأَنْجُمِ نورٍ من هِشامٍ تُمِدُّهُ
بكُلِّ إِمامٍ ناصِرٍ أَنتَ صِنوُهُ / وكُلِّ مليكٍ قاهِرٍ أَنتَ نِدُّهُ
نَمَوْكَ إِلَى بَيتِ النُّبُوَّةِ وابْتَنَوْا / لَكَ الشَّرَف الفَرْدَ الَّذِي أَنتَ فَرْدُهُ
فأَفخِرْ بِمَنْ قُرْبُ النِّبيينَ فَخْرُهُ / وأَمْجِدْ بمَنْ مَجدُ الخَلائِفِ مَجدُهُ
ومَنْ كُلُّ حَقٍّ فِي الخِلافَةِ حَقُّهُ / وكلُّ إِمامٍ فِي البَريَّةِ جدُّهُ
ومَنْ أُمُّهُ أَجْيادُ والرُّكْنُ ظِئرُهُ / ومُرْضِعُهُ البَطحاءُ والحِجْرُ مَهْدُهُ
لَهُ حَرَمُ الإِتْهامِ والغَوْرُ غَوْرُهُ / ومَنْهَجُ سُبلِ الحَجِّ والنَّجدُ نَجدُهُ
وحَيثُ اعْتلَى صَوْتُ المُلَبِّي وَحَجُّهُ / وحَيثُ انتهَى صَدْرُ الحَجيج وَوَخْدُهُ
مَناقِبُ سارَتْ فِي مَعالِمِ كُنْهِها / عُقولُ بَني الدُّنيا وَمَا حُدَّ حدُّهُ
وَفَخْرٌ لَوْ استَنْجدْتُ فِي وَصْفِهِ الوَرَى / لأَسْأَرَ من عَدِّ الحَصى مَنْ يَعُدُّهُ
ولمْ يُبلِ مَا أَبْلاهُ آباءُ مُنْذِرٍ / لأَوَّلهمْ بلْ مَفَخَرٌ تَسْتَجِدُّهُ
وأَلْقَوْا عَلَى مَرْوَانَ صَفوَةَ أَنْفُسٍ / تَعالى بِهَا جَدُّ الزمانِ وجَدُّهُ
وسيفُكَ منهُم سَهْمُكَ الصَّائِبُ الَّذِي / يَزيدُ غَناءً كُلَّما زادَ بُعدُهُ
رَمَيْتَ بِهِ آفاقَ رُومَةَ فانْثَنى / يقودُ بُنُودَ الرُّومِ نَحْوَكَ بَندُهُ
فَرُبَّ حمِيِّ الغِلِّ فِي غِيلِ مُلكِها / بَعيدٍ عَلَى شَأْوِ الجنائِبِ قَصْدُهُ
متى يَرْمِ صَرْفَ الدَّهْرِ لا يَعدُ نفسَهُ / وإِنْ يَرْمِهِ صَرفُ المكارِهِ يَعدُهُ
تجلَّى ابنُ يَحيى فِي سناكَ لِغَيِّهِ / فبَصَّرَهُ أَنَّ اصطناعَكَ رُشْدُهُ
فما أَبْطَأْتَ إِذ أَبطأتْ يدُ قادِحٍ / أَتاكَ وَقَدْ أَوْرى لك النُّجحَ زَنْدُهُ
ولا غابَ من وافاكَ من أرْضِ رُومَةٍ / بغابٍ من الخَطِّيِّ تَزْأَرُ أُسْدُهُ
كتائِبُ لَوْ يُرمى بِهَا الدَّهْرُ قبلَنا / لزُلزِلَ ذُو القَرْنَيْنِ منها وسَدُّهُ
كَأَنَّ فضاءَ الأَرْض أُلبِسَ منهُمُ / لَبوساً من الماذِيِّ قُدِّرَ سَرْدُهُ
تُهَدُّ بِهِمْ شُمُّ الجبالِ فإِنْ هَفَوا / فلَحْظُكَ يَرْمِي جَمْعَهُمْ فَيَهُدُّهُ
فما ينظُرُ الأَعدَاءُ إِلّا عَجَاجَةً / يسيرُ بِهَا الرَّحمنُ فِيهَا وعبدُهُ
إلى يومِ فَلْجٍ ساطِعٍ لَكَ نُورُهُ / وميقَاتِ فتحٍ صادقٍ لكَ وعْدُهُ
عَلى بادِئِ الإِنعَامِ فِيهِ تمامُهُ / وحَقٌّ عَلَى سِبْطِ الخِلافَةِ حَمدُهُ
وحَقٌّ عَلَى يُمنى يَدَيَّ بقاؤُهُ / جديداً عَلَى مَرِّ الزَّمانِ وخُلْدُهُ
بغَرْبِ لسانٍ لَوْ أُبارِي بِهِ الوَرى / مَدى الدَّهر لَمْ يَبْلُغْ نَصِيفيَ مُدُّهُ
عَليماً بأَن مَنْ أَلْحدَتْ فيكَ نَفسُهُ / ففِي لَهَواتِ الذِّيبِ والذَّيخِ لَحْدُهُ
ومَنْ يَبغِ فِي الآفاقِ عنكَ مُراغِماً / فَوِجْدانُهُ فِي مُلتَقى الخَيل فَقدُهُ
ومن يَتَّخِذْ فِي غير بَحرِكَ مَوْرداً / فلم يُتَّخَذْ إِلّا لنَعْلَيْكَ خَدُّهُ
فلا أَمَلٌ إِلّا إِليكَ انتِهاؤُهُ / ولا مَلِكٌ إِلّا إِليكَ مَرَدُّهُ
لَكَ الخَيْرُ قَدْ أَوْفى بعَهْدِكَ خَيْرانُ
لَكَ الخَيْرُ قَدْ أَوْفى بعَهْدِكَ خَيْرانُ / وبُشراكَ قَدْ آواكَ عِزٌّ وسُلطانُ
هو النُّجْحُ لا يُدْعى إِلَى الصُّبح شاهِدٌ / هو النور لا يُبغى عَلَى الشَّمْسِ بُرْهَانُ
إِليكَ شَحَنَّا الفُلكَ تَهْوي كَأَنَّها / وَقَدْ ذُعِرَتْ عن مَغْرِبِ الشَّمْسِ غِرْبانُ
عَلى لُجَجٍ خُضْرٍ إذَا هَبَّتِ الصَّبا / ترامى بنا فِيهَا ثَبيرٌ وثَهْلانُ
مَوائِلَ تَرْعى فِي ذُراها مَوَائِلاً / كما عُبدَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَوْثَانُ
وفِي طَيِّ أَسْمَالِ الغَرِيبِ غَرَائِبٌ / سَكَنَّ شَغافَ القلبِ شيبٌ وَوِلْدانُ
يُرَدِّدْنَ فِي الأَحشاءِ حَزَّ مصائِبٍ / تزيدُ ظَلاماً لَيْلَها وَهْيَ نِيرانُ
إِذا غِيضَ ماءُ البَحرِ منها مَدَدْنَهُ / بِدَمْعِ عيونٍ يَمْتَرِيهنَّ أَشْجَانُ
وإِنْ سَكَنَتْ عنَّا الرياحُ جرى بنا / زَفيرٌ إِلَى ذِكْرِ الأَحِبَّةِ حنَّانُ
يقُلْنَ ومَوْج البحْرِ والهَمِّ والدُّجى / تموجُ بنا فِيهَا عُيونٌ وآذانُ
ألا هَلْ إِلَى الدُّنيا مَعادٌ وهلْ لَنا / سِوى البحْرِ قَبْرٌ أَوْ سِوى الماءِ أَكْفانُ
وهَبنا رأينا مَعْلَمَ الأَرْضِ هلْ لنا / مِن الأَرْضِ مأْوىً أَوْ من الإِنسِ عِرْفانُ
وصَرْفُ الرَّدى من دونِ أَدْنَى منازِلٍ / تَباهى إِلينا بالسُّرورِ وتَزدانُ
تَقَسَّمَهُنَّ السيفُ والحَيفُ والبِلى / وشَطَّتْ بنا عنها عصورٌ وأَزْمانُ
كما اقْتَسَمَتْ أَخْدانَهُنَّ يدُ النَّوى / فَهُمْ للرَّدى والبَرِّ والبحرِ أَخْدانُ
ظعائِنُ عُمْرانُ المعاهِدِ مُقفِرٌ / بهنَّ وقَفْرُ الأَرْضِ منهُنَّ عُمْرانُ
هَوَتْ أُمُّهُمْ مَاذَا هَوَتْ بِرِحالِهمْ / إِلَى نازِحِ الآفاقِ سُفْنٌ وأَظْعَانُ
كوَاكِبُ إِلّا أنَّ أفلاكَ سَيْرها / زمامٌ ورَحْلٌ أَوْ شِرَاعٌ وسُكَّانُ
فَإِنْ غَرَّبَتْ أرض المغاربِ مَوئِلي / وأَنْكَرَنِي فِيهَا خَليطٌ وخِلّانُ
فكَمْ رَحَّبَتْ أَرْضُ العِراقِ بمقدمي / وأَجْزَلَتِ البُشْرى عَليَّ خُراسانُ
وإِنَّ بلاداً أَخرجَتنِي لَعُطَّلٌ / وإِنَّ زَماناً خان عَهدي لَخَوَّانُ
سَلامٌ عَلَى الإِخوانِ تَسليمَ آيسٍ / وسُقياً لِدَهْرٍ كَانَ لِي فِيهِ إِخْوانُ
ولا عَرَّفَتْ بي خَلَّةً دارُ خُلَّةٍ / عَفا رَسمَها منها جفاءٌ ونِسيانُ
وَغَرَّتْ ببَرْقِ المُزْنِ من ذكْرِ صَفقِهِ / ومن ذكْر رَبٍّ كُلَّ يَومٍ لَهُ شانُ
ويا رُبَّ يومٍ بانَ صدْعُ سلامِهِ / بصَدْعِ النَّوى أَفْلاذُ قَلْبيَ إِذْ بانوا
نُوَدِّعُهُمْ شَجْواً بشَجوٍ كَمِثلِما / أَجابت حفيفَ السَّهْمِ عوْجاءُ مِرْنانُ
ويَصْدَعُ مَا ضَمَّ الوَدَاعُ تفرُّقٌ / كما انشَعَبَتْ تَحْتَ العواصِفِ أَغصانُ
إِذا شَرَّقَ الحادي بِهِمْ غَرَّبَتْ بنا / نوىً يوْمُها يومانِ والحِينُ أَحيانُ
فلا مُؤْنِسٌ إِلّا شهيقٌ وزَفْرةٌ / ولا مُسعِدٌ إِلّا دُموعٌ وأَجفانُ
وما كَانَ ذَاكَ البَيْنُ بَيْنَ أَحِبَّةٍ / ولكنْ قلوبٌ فارَقَتْهُنَّ أَبدَانُ
فيا عَجَباً للصَّبرِ مِنَّا كَأَنَّنَا / لهمْ غَيرُ مَن كنَّا وهم غَيرُ من كانوا
قَضى عَيشُهُمْ بَعْدِي وعيشيَ بَعْدَهُمْ / بأَنِّيَ قَدْ خُنتُ الوَفاءَ وَقَدْ خانُوا
وأَفجِع بمنْ آوى صَفيحٌ وَجَلْمَدٌ / وَوَارَتْ رِمالٌ بالفَلاةِ وكُثْبانُ
وُجوهٌ تَنَاءَتْ فِي البِلادِ قُبورُها / وإِنَّهُمُ فِي القلْبِ مِنِّي لَسُكَّانُ
وَمَا بَلِيَتْ فِي التُّرْبِ إِلّا تَجدَّدَتْ / عَلَيْها مِنَ القَلْبِ المُفَجَّع أَحْزانُ
هُمُ اسْتَخْلَفُوا الأَحبابَ أَمْوَاجَ لُجَّةٍ / هِيَ المَوْتُ أَوْ فِي المَوْتِ عَنْهُنَّ سُلْوَانُ
بَقايا نُفُوسٍ منْ بَقِيَّةِ أَنْفُسٍ / يُمِيتونَ أَحْزانِي فدينوا بما دَانُوا
أَقُولُ لَهُمْ صَبْراً لَكُمْ أَوْ عَلَيْكُمُ / عَسى العيشُ مَحمودٌ أَوِ المَوْتُ عَجلانُ
وَلا قَنَطٌ واليُسرُ لِلعُسرِ غالِبٌ / وَفِي العرْشِ رَبٌّ بالخَلائِقِ رَحْمانُ
ولا يَأْسَ مِنْ رَوْحٍ وَفِي اللهِ مَطمَعٌ / وَلا بُعدَ مِن خَيْر وَفِي الأَرْض خَيْرانُ
سَتَنْسَوْنَ أَهوالَ العذَابِ ومالِكاً / إذَا ضَمَّكُمْ فِي جَنَّةِ الفَوْزِ رِضْوَانُ
مَتى تَلحَظُوا قَصْرَ المَرِيَّةِ تظفرُوا / بِبَحْرٍ حَصى يُمناهُ دُرٌّ ومَرْجَانُ
وتَسْتَبْدِلُوا مِن مَوْجِ بَحْرٍ شَجاكُمُ / ببحْرٍ لَكمْ مِنهُ لُجَيْنٌ وعِقْيانُ
فَتىً سَيفُهُ لِلدِّينِ أَمْنٌ وإِيمانُ / ويُمناهُ لِلآمالِ رَوْحٌ ورَيْحَانُ
تَقلَّدَ سَيفَ اللهِ فينا بحَقِّهِ / فَبَرَّتْ عُهودٌ بالوفاءِ وَأَيْمَانُ
وحَلَّى بتاجِ العِزِّ مَفرِقَ مُخبتٍ / يُقَلِّبُهُ داعٍ إِلَى اللهِ دَيَّانُ
وبالخيْرِ فَتَّاحٌ وبالخَيْرِ عائدٌ / وبالخَيْلِ ظَعَّانٌ ولِلخَيلِ طَعَّانُ
فقُضَّتْ سُيوفٌ حارَبَتْهُ وأَيْمنٌ / وشاهَتْ وُجُوهٌ فاخَرَتْهُ وتيجانُ
لَهُ الكَرَّةُ الغَرَّاءُ عنْ كُلِّ شَارِدٍ / أَضَاءَتْ لَهُمْ منها دِيارٌ وأَوْطَانُ
وَرَدَّ بِهَا يَوْمَ اللِّقاء زِنانَةً / كما انْقَلَبَتْ يَومَ الهَباءةِ ذُبيانُ
بِكُلِّ كَمِيٍّ عامِرِيٍّ يسوقُهُ / لحرِّ الوَغى قَلبٌ عَلَى الدِّينِ حَرَّانُ
حُلُيُّهُمُ بيضُ الصَّوارِمِ والْقنا / لَهَا وحُلاها سابغاتٌ وأَبْدَانُ
تَراءاكَ حزْبُ البغْي منهُم فأَقبَلوا / وَفِي كُلِّ أَنْف للغِوَايَةِ شَيطانُ
فأَيُّ صُقورٍ قَلَّبَتْ أَيَّ أَعْيُنٍ / إِلَى أَيِّ لَيثٍ ردَّهَا وَهْيَ خِلْدَانُ
عُيوناً بِهَا كادُوا الهُدى فَفَقَأْتَها / فَهمْ فِي شِعابِ الغيِّ والرُّشْدِ عُمْيانُ
وَمَا لَهُمُ فِي ظُلمَةٍ بَعدُ كَوكَبٌ / وَمَا لَهُمْ فِي مُقْلَةٍ بَعدُ إِنسانُ
يَضيقُ بِهِمْ رَحْبُ القُصورُ وَوُدُّهُمُ / لَوِ احتازَهُم عَنها كُهوفٌ وغِيرانُ
وأَنْسَيْتَهمْ حَمْلَ القنا فَسِلاحُهمُ / عَلَيْكَ إذَا لاقَوْكَ ذُلٌّ وإِذْعانُ
وأَنَّى لِفَلّ القِبطِ فِي مِصْرَ مَوْئلٌ / وَقَدْ غِيلَ فِرْعَونٌ وأُهْلِكَ هامانُ
فَيا ذُلَّ أَعلامِ الهُدى يَوْمَ عِزِّهِمْ / ويا عِزَّ أَعْلامِ الهُدى بِكَ إِذْ هانُوا
حَفَرْتَ لَهُمْ فِي يَوْمِ قَبْرَةَ بالقَنا / قُبوراً هَواءُ الجَوِّ مِنهنَّ ملآنُ
يَطيرُ بِهَا هامٌ ونسْرٌ وناعِبٌ / ويعدُو بِهَا ذيبٌ وذيخٌ وسِرْحانُ
فلَوْ شَهدَ الأَملاكُ يَومَكَ فِيهِمُ / لألقى إِليكَ التَّاجَ كِسْرى وخَاقانُ
ولَوْ رُدَّ فِي المنصور روحُ حياتِهِ / غداةَ لقيتَ الموتَ والموتُ عُرْيانُ
وَنادَيْتَ لِلهَيجَاءِ أَبناءَ مُلْكِهِ / فَلَبَّاكَ آسادٌ عَبيدٌ وفتيانُ
جبالٌ إذَا أَرْسَيْتَها حَوْمَةَ الوَغى / وإِنْ تَدْعُهُمْ يوماً إِليكَ فعقبانُ
يقودُهُمُ داعٍ إِلَى الحقِّ مُجْلبٌ / عَلَى البغي يُرضي ربَّه وهو غضبانُ
كَتائبُ بلْ كتبٌ بنَصْرِكَ سُطِّرَتْ / وَوَجْهُكَ باسمِ اللهِ والسَّيفُ عُنوانُ
هو السَّيفُ لا يَرْتَابُ أَنَّكَ سَيفُهُ / إذَا نازَلَ الأَقرَانَ فِي الحَرْبِ أَقرَانُ
كَأَنَّ العِدى لَمَّا اصْطَلَوا حرَّ نارِهِ / أَصابَ هواديهمْ مِنَ الجَوِّ حُسبانُ
وأَسمَرُ يسرِي فِي بحارٍ من النَّدى / بيُمناكَ لكنْ يَغْتدي وهوَ ظَمْآنُ
تَلألأَ نوراً من سناكَ سِنانُهُ / وَقَدْ دَعَتِ الفُرْسَانَ لِلحَرْبِ فُرْسانُ
لَحَيَّاكَ من أَحْيَيْتَ منهُ شمائلاً / يموتُ بِهَا فِي الأَرْضِ ظُلْمٌ وعُدوَانُ
وناجاكَ إِسرَاراً وناداكَ مُعلناً / وَحسبُ العُلى مِنه سِرَارٌ وإِعلانُ
أَلا هكذا فَلْيَحْفَظِ العَهْدَ حافِظٌ / أَلا هكذا فَلْيَخْلُفِ المُلكَ سُلْطَانُ
فَلِلَّهِ مَاذَا أَنْجَبَتْ منكَ عامِرٌ / وللهِ مَاذَا ناسَبتْ مِنكَ قَحطانُ
وللهِ مِنَّا أَهلَ بَيتٍ رَمَتْهُمُ / إِلَى يَدِكَ العُليا بُحورٌ وبُلدانُ
وكلَّهُمْ يُزْهى عَلَى الشَّمْسِ فِي الضُّحى / وبَدرِ الدَّياجِي أَنَّهم لَكَ جيرانُ
وَقَدْ زَادَ أَبناءُ السَّبيلِ وَسِيلَةً / وحَلُّوا فَزَادُوا أَنَّهم لَكَ ضِيفانُ
فما قَصَّرَتْ بي عن عُلاكَ شفاعَةٌ / ولا بِكَ عن مِثلي جَزَاءٌ وإَِحسانُ
أَرْحليَ مَحمولٌ عَلَى العُتُقِ النُّجْبِ
أَرْحليَ مَحمولٌ عَلَى العُتُقِ النُّجْبِ / يَؤْمُّكَ أَم سارٍ عَلَى القُتُمِ النُّكبِ
يقودُ بِهَا هادٍ إِلَى الأَمْرِ والمُنى / ويَحْدو بِهَا حادٍ عَلَى الخوفِ والرُّعْبِ
غرائبُ ممَّا أَغربَ الدهرُ أَطْلَعَتْ / عَلَيْكَ هلالَ العلم من أُفُقِ الغرْبِ
طوَتْ فَلَوَاتِ الأَرْضِ نَحوكَ وانْطَوَتْ / كَبَدْرٍ إِلَى مَحْقٍ بشَهرٍ إِلَى عُقْبِ
كؤوساً تساقَتها الليالي تنادُماً / فجاءَتكَ كالأَقداحِ رُدَّتْ عن الشُّرْبِ
تعاوَرَهُنَّ البَرُّ والبحرُ مثلَما / تُرَدُّ بأيدي الرُّسلِ أَجوِبَةُ الكتْبِ
فَليلٌ إِلَى صُبحٍ وصبحٌ إِلَى دُجىً / وكَرْبٌ إِلَى رَوْحٍ وروحٌ إِلَى كَرْبِ
وسهلٌ إِلَى حَزْنٍ وحزنٌ إِلَى فلاً / وسُهْبٌ إِلَى بَحرٍ وبَحرٌ إِلَى سُهْبِ
يُكَتِّبْنَ صَفْحَاتِ السُّعودِ نواظِراً / ويَنفُضنَ من أَقلامِهِنَّ عَلَى القَلْبِ
ويَقضِمْنَ أَطرافَ الهَشِيمِ تَبلُّغاً / إِلَى الرَّوْضَةِ الغنَّاءِ فِي المَشربِ العَذْبِ
تُنيخُ فتُلقي فِي الصُّخورِ كلاكِلاً / تنوء لأَرضِ المِسكِ زَهْواً عن التُّرْبِ
ويَفْحَصْنَ فِي رَضمِ الحَصى بمناسِمٍ / تهيم إِلَى حصباءَ من لُؤْلُؤٍ رَطْبِ
أُنَسِّمُها رَيَّاكَ فِي نفحةِ الصَّبا / وأَجلو لَهَا سِيماكَ فِي أَوْجُهِ الشُّهْبِ
وأُسْمِعُها دَاعيكَ فِي كُلِّ مَنْهَلٍ / هَلُمَّ إِلَى الإِكْرَامِ والمنزِلِ الرَّحبِ
ولاحَ لَهَا البَرْقُ الَّذِي أَغدَقَ الثَّرَى / فَهُنَّ إليه مُوفِضاتٌ إِلَى نُصبِ
مُوفَّرَةٌ مِنِّي إِليكَ وسائِلاً / تفوحُ لأَنفاسِ الركائِبِ والرَّكْبِ
ولو عَجَزَتْ عن هِمَّتِي لتبلَّغَتْ / بذي قَدَمٍ تصبو إِلَى ذي يدٍ تُصبي
فَقَلَّ لِمَنْ عاذَ الهُدى بسيوفِهِ / ودارتْ نجومُ المُلكِ منه عَلَى قُطبِ
وضاءَ بنُورِ الحقِّ غرّةُ وجهِهِ / فأطفأَ نيرانَ الضَّغائِنِ والشَّغْبِ
أخو الكَهْلِ وابنٌ للكبيرِ ووالِدٌ / لأَبنائِهِمْ فِي مُعتَرىً غير ذِي تِرْبِ
عطاءٌ بلا مَنٍّ وحكمٌ بلا هَوىً / وملكٌ بلا كِبْرٍ وعزٌّ بلا عُجبِ
ومَولىً كما تجلو المصابيحُ فِي الدُّجى / ورأْيٌ كما يشفي الهِناءُ مِنَ النُّقبِ
سَما فاشْتَرى مَثنى الوزارةِ سابقاً / بمثنى الأَيادِي البِيضِ والخُلُقُ النَّدْبِ
وحازَ عنانَ الدهرِ سَمْعاً وطاعةً / بِكشفِ قِناعِ الصبرِ والسُّمْرِ والقُضْبِ
غمامٌ أَظَلَّ الأرضَ وانهلَّ بالحَيا / ضَمانٌ عَلَى النُّعمى أَمَانٌ منَ الجَدْبِ
تفجَّر للأَيامِ بالجودِ والنَّدى / وأَثمرَ للإِسْلامِ بالحزْمِ واللُّبِّ
فتى يتلقَّى الرَّوْعَ بالبيض والقَنا / ومُعتفيَ الأَضيافِ بالأَهْلِ والرَّحبِ
مُسَمَّىً بفَتحِ اللهِ أَرْضَ العِدى بِهِ / مُكَنَّى بنَصرِ اللهِ والدِّينِ والرَّبِّ
وأَيُّ وليدٍ للمكارِمِ والعُلا / وأَيُّ رضيعٍ للوقائِع والحَرْبِ
وأَيُّ فَتىً فِي مَشْهَدِ الرَّأْيِ والنُّهى / وأَيُّ فتى فِي موقِع الطعنِ والضربِ
وأَيَّ عَرُوسٍ بالسِّيادَةِ لم يَسُقْ / سوي السيفِ من مَهرٍ إِليها وَلا خَطبِ
وأَيُّ رَجاءٍ قادَ رَحْلي إِليكُما / وَقَدْ أَصعَقَتْني مثلُ رَاغِيَةِ الصَّقْبِ
بعيدٌ مِنَ الأَوْطَانِ مُسْتَشعِرُ العِدى / غَريبٌ عَلَى الأَمْوَاهِ مُتَّهَمُ الصَّحبِ
أَقَلُّ من الرِّئْبَالِ فِي الأَرْضِ آلِفاً / وإِنْ كَانَ لَحْمِي للحسودِ ولِلخِبِّ
وأَعْظمُ تأْنيساً لدَهْرِي منَ المُنى / وأَوْحَشُ مِنهُ من فتى الجُبِّ فِي الجُبِّ
وَللهِ من عَزْمٍ إِليكَ اسْتقادَني / فأَفْرَطَ فِي بُعدٍ وَفَرَّطَ فِي قُرْبِ
حياءً منَ الحالِ الَّتِي أَنْتَ عَالِمٌ / بِهَا كيْفَ عَاثَتْ فِي سناها يَدُ الخَطْبِ
وتَسويفَ يومٍ بعدَ يومٍ تَخَوُّفاً / لَعَلِّيَ لا ألقاك مُنشرِحَ القلبِ
وَشُحّاً بباقي ماءِ وَجْهٍ بذلتُه / لَعلِّيَ أَقضي قبلَ إِنفادِهِ نَحْبِي
وَتأْخِيرَ رِجْلٍ بعدَ تقديمِ أُختِها / حِذاراً لدهرٍ لا يُغْمِّضُ عن حَربي
كما مَسَّنِي الشيطانُ نحوَكَ ساعِياً / بطائِفِ سُقْمٍ مِن عذابٍ وَمن نَصبِ
وَبارِقَةٍ منْ مُقْلَتيْ أُمِّ مِلْدَمٍ / ثَنَتْنِي صريعاً لليَدَيْنِ وللجَنْبِ
مُحجَّبةٍ لا تُتَّقى بشبا القنا / ولا يُخْتَفَى منها ببابٍ ولا حُجْبِ
يَدِقُّ عن القَلْبِ المُؤَنِّبِ قدْرُها / وَقَدْ جَلَّ مَا لاقَيت منها عن العَتْبِ
طَوَت ظِمْءَ عشرٍ بعدَ عشرٍ وأَوْرَدَتْ / عَلَى النَّفس لا تَرْضى عن الرِّفْهِ بِالغِبِّ
إِذا كَرَعَتْ فِي حَوْض نفسيَ خَضخَضتْ / ففاضت نواحيهِ بمُنْهَمِرٍ سَكبِ
فمطعَمُها لحمي وَمَشْرَبُها دَمي / وتَرْتَعُ فِي جِسْمي وتَأْوي إِلَى قلبي
كَأَنَّ لَهَا عندي مَخارِيفَ جِنَّةٍ / وأَصلى بِهَا نارَ المُعَذَّبِ بالذَّنْبِ
إِذا أَوْقدَتْ جِسمي هَجيراً تظلَّلت / فَحلَّتْ كِناساً من شَغافِيَ أَوْ خِلبي
تَحَمَّلْتُها فِي حرِّ صَدْرِي وأَضْلُعِي / وتَحمِلُ أَحشائي عَلَى المركَبِ الصَّعبِ
أُلاوِذُ عنها قلبَ مكتئِبٍ شَجٍّ / وتَحْفزُ نَحوي قلبَ ذي لَوْعةٍ صبِّ
وتَكذِبُني عنها الأماني وإِنَّهَا / إِلَيَّ لأَهدى من قطاةٍ إِلَى شِرْبِ
وإِنْ كَانَ أَضْنَى الحُبُّ فالعقلُ حاكِمٌ / بأَنَّ ضنى الشَّنآنِ فَوْقَ ضنى الحُبِّ
وفي راحَتَيْ عبدِ الفعيلِ بنِ فاعِلِ / شِفائي وَفِي نُعمى مكارِمِهِ طِبِّي
دَعَوْتُ فلبَّانِي وآوى تَغَرُّبِي / إِلَى كَرَمٍ لِلعِزِّ ذي مُرْتَقىً صَعبِ
وجَلَّى هُمُومِي منْ سَناهُ ببارِقٍ / أَضَاءَ بِهِ مَا بَيْنَ شرْقٍ إِلَى غَرْبِ
وأَسْبلَ لي من سِتره فَوْقَ سِتَّةٍ / أَهِيمُ بهمْ فِي الأَرضِ مِثلَ القطا الزُّغبِ
فأَصبحْتُ فِي إِكْرامِهِ مانِعَ الحِمى / وأَمْسيتُ فِي سلطانِهِ آمِنَ السِّرْبِ
وحَمْداً لمَنْ هدَّى لسانِي لحَمدِهِ / وحَسبي لَهُ مَنْ قَدْ قَضى أَنَّهُ حَسبي
أَنْورُكِ أَمْ أَوْقَدْتِ بالليلِ نارَكِ
أَنْورُكِ أَمْ أَوْقَدْتِ بالليلِ نارَكِ / لباغٍ قِراكِ أَوْ لباغٍ جوارَكِ
وَرَيَّاكِ أَمْ عَرْفُ المجامر أَشْعَلَتْ / بعود الكِباءِ والأَلُوَّةِ نارَكِ
وَمَبسِمُكِ الوضَّاحُ أم ضوءُ بارِقٍ / حَداهُ دُعائي أن يجودَ ديارَكِ
وخَلْخالَكِ اسْتَنضَيْتِ أَم قَمَرٌ بدا / وشمْسٌ تبدَّتْ أَمْ أَلَحْتِ سِوَارَكِ
وَطُرُّةُ صُبحٍ أَم جبينُكِ سافِراً / أَعَرْتِ الصَّباحَ نورَهُ أَمْ أَعارَكِ
وَأَنتِ أَجَرْتِ الليلَ إِذْ هزَمَ الضُّحى / كتائِبُهُ والصُّبحَ لَمَّا استجارَكِ
فلِلصُّبح فيما بَيْنَ قرْطَيكِ مطلعٌ / وَقَدْ سَكَنَ الليلُ البهيمُ خِمارَكِ
فيا لِنهارٍ لا يغيضُ ظلامُهُ / ويا لِظلامٍ لا يُغيضُ نهارَكِ
وَنَجمُ الثُّرَيَّا أم لآلٍ تقسَّمتْ / يمينَكِ إِذ ضَمَّخْتِها أم يَسارَكِ
لِسُلطانِ حسنٍ فِي بديع محاسِنٍ / يصيدُ القلوبَ النَّافِرَاتِ نفارَكِ
وَجُندِ غرامٍ فِي دروع صبابةٍ / تقلَّدْنَ أَقْدَارَ الهوى واقتدارَكِ
هو المُلكُ لا بلقيسُ أَدْرَكَ شَأْوُها / مَداكِ ولا الزَّبَّاءُ شقَّتْ غُبارَكِ
وقَادِمَةُ الجوزاءِ راعَيْتُ مَوْهِناً / بحَرِّ هواكِ أَم تَرَسَّمْتُ دَارَكِ
وَطيفُكِ أَسْرى فاستثارَ تَشوُّقي / إِلَى العهدِ أَم شوقي إليكِ استَثَارَكِ
ومُرْتَدُّ أَنْفاسي إِليكِ استطارَني / أَمِ الرُّوحُ لما رُدَّ فيَّ استطارَكِ
فكمْ جُزْتِ من بحرٍ إِليَّ وَمَهْمَهٍ / يكادُ يُنَسِّي المستهامَ ادِّكارَكِ
أَذُو الحَظِّ من علم الكتاب حدَاك لي / أَم الفلكُ الدَّوار نحوي أَدارَكِ
وكَيف كَتمتِ اللَّيل وَجْهَكِ مظلماً / أَشْعَرَكِ أَغشيْتِ السَّنا أَم شِعَارَكِ
وكيفَ اعتَسَفت البيدَ لا فِي ظعائنٍ / ولا شَجرُ الخَطِّيِّ حفَّ شِجارَكِ
ولا أذَّنَ الحَيُّ الجميعُ برحلة / أَراحَ لَهَا رَاعي المخاضِ عِشارَكِ
وَلا أَرْزَمَتْ خوصُ المهاري مُجيبةً / صهيلَ جيادٍ يكتَنِفْنَ قِطارَكِ
ولا أَذْكَتِ الرُّكْبانُ عنكِ عيونها / حِذارَ عيونٍ لا يَنَمْنَ حِذارَكِ
وكَيف رضيتِ الليلَ مَلبَسَ طارِقٍ / وَمَا ذَرَّ قَرْنُ الشمس إِلّا استنارَكِ
وكم دُونَ رحلي من قصورٍ مشيدَةٍ / تُحَرِّمُ من قرب المزار مَزَارَكِ
وَقَدْ زَأَرَتْ حوْلي أُسودٌ تَهامَستْ / لَهَا الأُسدُ أَنْ كُفِّي عن السمع زَارَكِ
وأَرْضي سُيولٌ من خُيولِ مُظَفَّرٍ / وَلَيلي نجومٌ من سَماءِ مُبارَكِ
بحَيثُ وَجدتُ الأمنَ يَهتِفُ بالمُنى / هَلُمِّي إِلَى عينَيْن جادا سَرَارَكِ
هَلُمِّي إِلَى بَحرَيْنِ قَدْ مَرَجَ النَّدى / عبابَيْهِما لا يَسأمانِ انتظارَكِ
هَلُمِّي إِلَى سيفينِ والحدُّ واحدٌ / يجيران من صرف الحوادث جارَكِ
هَلُمِّي إِلَى طِرْفَيْ رِهانٍ تقدَّما / إِلَى الأَمَدِ الجالي عَلَيْكَ اختيارَكِ
وَحَيِّي عَلَى دَوْحَيْنِ جادَ نداهُما / ظِلالَكِ واستدْنى إِليَّ ثمارَكِ
وَبُشرَاكِ قَدْ فازَتْ قِداحُكَ بالمُنى / وأُعطِيت من هَذَا الأَنامِ خِيارَكِ
شريكان فِي صِدْقِ المُنى وَكِلاهُما / إِذَا بارَزَ الأَقْرانَ غيرُ مُشارِكِ
هُما سَمِعا دَعواكِ يَا دعوَة الهدى / وَقَدْ أَوْثقَ الدهرُ الخؤونُ إِسارَكِ
وَسَلّا سيوفاً لَمْ تَزَلْ تلتَظي أَسىً / بثأْرِكِ حَتَّى أَدْركا لكِ ثارَكِ
وَيهنيكِ يَا دَارَ الخِلافَةِ منهُما / هِلالانِ لاحا يَرْفَعَانِ منارَكِ
كِلا القَمَرَيْنِ بَيْنَ عينيهِ غُرَّةٌ / أَنارَتْ كُسُوفَيكِ وَجَلَّتْ سِرَارَكِ
فقادَ إِليكِ الخيلَ شُعْثاً شَوازباً / يُلَبِّينَ بالنَّصرِ العزيز انتصارَكِ
سوابق هيجاءٍ كَأَنَّ صهيلها / يُجاوبُ تَحْتَ الخافِقَاتِ شِعارَكِ
بكلِّ سَرِيّ العِتق سَرَّى عن الهدى / وكل حَمِيِّ الأَنفِ أَحْمى ذِمارَكِ
تحلَّوْا مِنَ المَنصور نصراً وعزّةً / فأَبلوْكِ فِي يوم البَلاءِ اختِيارَكِ
إِذا انتَسبوا يومَ الطِّعانِ لِعامِرٍ / فَعُمرَكِ يَا هامَ العِدى لا عَمارَكِ
يَقُودُهُم منهم سِراجا كتائِبٍ / يقولانِ للدنيا أجدِّي افتِخارَكِ
إِذا افترَّتِ الرَّاياتُ عن غُرَّتَيهِمَا / فيا لِلعِدَى أَضلَلتِ منهُم فِرَارَكِ
وإِنْ أَشْرَقَ النَّادِي بنور سَناهُما / فَبُشرى الأَماني عَيْنَك لا ضِمَارَكِ
وكم كَشفا من كُرْبَةٍ بعدَ كُرْبَةٍ / تقولُ لَهَا النِّيرانُ كُفِّي أُوَارَكِ
وكم لَبَّيا من دعوةٍ وتَدارَكا / شَفى رَمقٍ مَا كَانَ بالمُتَدَاركِ
ويا نَفسَ غاوٍ كم أَقَرَّا نفارَكِ / وَيا رِجْلَ هاوٍ كم أَقالا عِثارَكِ
وَلستُ ببدْع حينَ قلتُ لهمَّتي / أَقِلّي لإِعتابِ الزَّمَانِ انتظارَكِ
فَللهِ صدْق العَزْمِ أَيَّةُ غِرَّةٍ / إِذَا لَمْ تطيعي فِي لَعَلَّ اغتِرارَكِ
وإِنْ غالَتِ البيدُ اصطبارَكِ والسُّرى / فما غالَ ضيم الكاشِحينَ اصطبارَكِ
ويا خُلَّة التَّسويفِ قُومي فأغدِقي / قناعَكِ من دُوني وشُدِّي إِزارَكِ
وَحسبك بي يَا خُلَّةَ النَّأْي خاطِري / بِنَفسي إِلَى الحَظِّ النَّفيسِ خِطَارَكِ
فقد آنَ إِعْطاءُ النَّوى صَفقةَ الهوى / وَقَوْلُكِ للأَيَّام حوري مَحارَكِ
ويا سُتُرَ البيضِ النَّواعِمِ أَعْلِني / إِلَى اليَعْمُلاتِ والرِّحالِ سِرَارَكِ
نَواجِيَ واسْتَوْدَعْتُهُنَّ نَواجِياً / حِفاظَكِ يَا هذي بذي وازدِهارَكِ
ودُونَكِ أَفلاذَ الفؤادِ فَشَمِّري / ودُونَك يَا عينَ اللبيب اعتبارَكِ
صَرَفْتُ الكَرى عنها بمُغْتَبَقِ السُّرى / وَقُلْتُ أدِيري والنُّجومَ عُقارَكِ
فإِن وَجَبتُ للمَغْرِبَينِ جُنوبُها / فداوي برَقراقِ السَّرابِ خُمارَكِ
وَأَوْرِي بزَندَيْ سُدْفَةٍ وَدُجُنَّةٍ / إذا كانتا لي مَرْخَكِ وعفارَكِ
وإِنْ خَلَعَ اللَّيلُ الأَصائلَ فاخلَعي / إِلَى المَلِكَينِ الأَكْرَمَينِ عِذَارَكِ
بَلَنْسِيَةً مثوى الأَمانِيَّ فاطلُبي / كنوزَكِ فِي أَقطارِها وادِّخَارَكِ
سيُنبيكِ زَجري عن بلاءِ نَسِيتُهُ / إِذَا أَصبَحَتْ تِلْكَ القُصورُ قُصارَكِ
وَأُظفِرَ سَعيٌ بالرِّضى من مُظَفَّرٍ / وبُورِكَ لي فِي حُسنِ رأْي مُبارَكِ
فَظِمْء المُنى قَدْ شامَ بارَقَةَ الحَيا / وأُنشِقْتِ يَا ظِئرَ الرَّجاءِ حُوارَكِ
وَحَمداً يميني قَدْ تَملَّأْتِ بالمُنى / وشُكراً يَساري قَدْ حَوَيتِ يسارَكِ
وقُلْ لسَماءِ المُزن إِنْ شِئْتِ أَقلِعي / وَيا أَرْضَنَا إِن شئت غيضي بحَارَكِ
ولا تُوحِشي يَا دَوْلَةَ العزِّ والندى / مساءَكِ من نُورَيهِمَا وابتكارَكِ
لَعَلَّ سَنَا البَرْقِ الَّذِي أَنا شائِمُ
لَعَلَّ سَنَا البَرْقِ الَّذِي أَنا شائِمُ / يهيمُ منَ الدُّنيا بِمَنْ أَنا هائِمُ
أمَا فِي حَشَاهُ مِن جوايَ مخايِلٌ / أَما فِي ذُرَاهُ من جُفُوني مَيَاسِمُ
لقد بَرَّحَتْ منهُ ضُلُوعٌ خوافِقٌ / وَقَدْ صَرَّحَتْ منه دموعٌ سواجِمُ
ونَفْحُ صَباً يَهْفُو عَلَى جَنَباتِهِ / كتَصْعِيد أَنفاسي إذَا لامَ لائِمُ
وتحنانُ رَعْدٍ صادِعٍ لمتُونِهِ / كما زَفَرَتْ نَفْسِي بِمَنْ أنا كاتِمُ
وَمِيضٌ تَشبُّ الرِّيحُ والرَّعْدُ نارَهُ / كما شَبَّ نيرانَ المَجُوسِ الزَّمازِمُ
حَمِيل بحَمْلِ الرَّاسِياتِ إِلَى الَّذِي / تَحَمَّلَنِي عنه القِلاصُ الرَّوَاسِمُ
وما أَنجَدَتْ فِيهِ النُّجُودُ تَصَبُّري / ولا أَتهمَتْ وجدِي عَلَيْهِ التَّهائِمُ
سوى لَوْعَةٍ لَوْ يَغلِبُ الصَّبرُ نارَها / لشامَني البَرْقُ الَّذِي أنا شائِمُ
فإِنْ يَسْقِ مَنْ أَهْوى فَدَمْعِيَ مُسْعِدٌ / وإِنْ يَلْقَهُ دُونِي فأَنْفِيَ راغِمُ
كفانِي الْتِماحَ الشَّمْسِ والبَدْرُ وَجْهُهُ / وَمَا اقْتَبَسَتْ منْهُ النُّجومُ العواتِمُ
وما تَجْتَنِي من طِيبِ أَرْدَانِهِ الصَّبا / ومن وَرْدِ خَدَّيْهِ الرِّياضُ النَّوَاعِمُ
فَلَهْفِي عَلَى قَرْنٍ من الشَّمْسِ ساطِعٍ / تَجَلَّلَهُ كِسْفٌ من اللَّيْلِ فاحِمُ
إذَا زارَنِي أَعْشى جُفُونَ رَقِيبِهِ / وأَخرَسَ عَنِّي مَا تقولُ اللَّوائِمُ
وآذَنَ أَنفاسِي ونَفْسِي بِنَشْرِهِ / وَرَيَّاهُ أَنْفاسُ الرِّياحِ النَّواسِمُ
وبَشَّرَني مِنْ قَبْلِهِ صَوْتُ حَلْيِهِ / تُجاوِبُهُ فَوْقَ الغصونِ الحمائِمُ
إِلى مُلتقى قَلْبَيْنِ ضَمَّ عَلَيْهِما / جوانِحَهُ جُنْحٌ منَ اللِّيلِ عاتِمُ
ومُعْتَنَقٍ كالجَفْنِ أَطْبقَ نائِماً / عَلَى ضَمِّ إِنسانَيْنِ والدَّهرُ نائِمُ
فَبِتْنَا وقاضِي الوَصْلِ يَحكُمُ فِي الهوى / وغانِمُ قلبي بالحكومَةِ غارِمُ
أَمْصُّ من الكافورِ مِسْكاً وأَجتَنِي / من الوَشْيِ رُمَّاناً زَهتْهُ المقادِمُ
وَيَرْجِعُ رُوحَ النَّفْسِ مَا أَنَا ناشِقٌ / ويَجْبُرُ صَدْعَ القلْبِ مَا أنا لازِمُ
وأَرْشُفُ من حَصْباءِ دُرٍّ وجوهَرٍ / رحيقَ مُدَامٍ سُكْرُهُ بِيَ دائِمُ
وفي كَبِدِي حَرٌّ مِنَ الشَّوْقِ لاعِجٌ / وَفِي عَضُدِي غُصْنٌ من البانِ ناعِمُ
يُقِرُّ هواهُ أَنَّهُ لِيَ قاتِلٌ / وقَلْبِي لَهُ مِنْ جَفْوَةِ الشَّوْقِ راحِمُ
أَجَنِّبُ أَنفاسِي أزاهِرَ حُسْنِهِ / لِعِلْمِيَ أَنَّ النَّوْرَ بالنَّارِ ساهِمُ
وأُغمِضُ لَحْظِي عَن جَنى وَجَنَاتِهِ / مخافَةَ أَنَّ السَّهْمَ للوَرْدِ حاطِمُ
وَمَا صَرعَ القتلى كَعَيْنَيْهِ صارِعٌ / ولا كَلَمَ الجرْحى كَصُدْغَيْهِ كالِمُ
فإِنْ أَشْفِ وَجدي من تباريحِ ظِلْمِهِ / بِضَمِّي لَهُ أَيقَنْتَ أَنِّيَ ظالِمُ
وإِنْ أُحْيِ نفسي فِيهِ من مِيتَةِ الهَوى / بلَثْمِي لَهُ لَمْ أَعْدُ أَنِّيَ آثِمُ
فَكَيْفَ وَقَدْ غارَتْ بِهِ أَنْجُمُ النَّوى / وقُيِّدَ دُونَ الماءِ حَرَّانُ هائِمُ
مَتاعٌ من الدنيا أرانِي فِراقُهُ / بعَيْنِ النُّهى والحِلْمِ أَنِّيَ حالِمُ
وقد صَرَمَتْهُ حادِثَاتٌ كَأَنَّها / بيُمْناكَ يَا مَنْصُورُ بِيضٌ صوارِمُ
يُضَرِّمُها أَمثالهُنَّ كتائِبٌ / يُقَدِّمُها أَشْبَاهَهُنَّ عَزَائِمُ
أَسِنَّتُها للمُهْتَدِينَ كواكِبٌ / وأَعلامُها للمُسْلِمينَ مَعَالِمُ
وآثارُها فِي الأَرْضِ أَشْلاءُ كافِرٍ / وغاوٍ وَفِي جَوِّ السماءِ غمائِمُ
وَفِي كَبِدِ الطَّاغُوتِ منها صوارِعٌ / وَفِي فقَرِ الشَّيْطَانِ منها قواصِمُ
بكل تُجَيَبْيٍ إِلَيْكَ انْتِسَابُهُ / وإِنْ أَنْجَبَتْهُ تَغلِبٌ والأَراقِمُ
ومُختارِ يمناكَ العَلِيَّةِ نِسْبَةً / وإِنْ سَفَرَتْ يَرْبُوعُ عنها ودارِمُ
وأَذْهَلَهُمْ جَدْوَاكَ عن كلِّ مَفْخَرٍ / وإِنْ فَخَرَتْ ذُهْلٌ بِهَا واللَّهَازِمُ
أُسُودٌ إذَا لاقَوْا وَطَيْرٌ إذا دُعُوا / أَيَامِنُهُمْ للمُعْتَدِينَ أَشَائِمُ
تَلَمَّظَ فِي الأَيْسَارِ مِنْهُمْ أَساوِدٌ / وتَهْتَزُّ فِي الأَيْمانِ منهم أَراقِمُ
ظِمَاءٌ وَمَا غَيْرَ الدماءِ مشارِبٌ / لَهُنَّ ولا غَيْرَ القُلُوبِ مَطَاعِمُ
غَرَسْتَ الفَلا منها غِياضاً أُرُومُها / حُماةُ الحِمى والصَّافِنَاتُ الصَّلادِمُ
إذَا مَا دَنَتْ مِنْ شِرْبِها أَجْنَتِ الرَّدى / وَكَانَ جَنَاهُنَّ الطُّلى والجَمَاجِمُ
فأَنسَتْكَ يَا مَنصُورُ رَوْضَ حَدَائِقٍ / تُلاعِبُ فِيهِنَّ المُنى وتُنَادِمُ
يضاحِكُ فِي أَرْضِ الزُّمُرُّدِ شَمْسَها / دنانِيرُ من ضَرْبِ الحَيَا ودَرَاهِمُ
وأَلْهَتْكَ عن لَيْلٍ كواكبُهُ المَها / وعن أَبْرُجٍ أَقمارُهُنَّ الكَرَائِمُ
وَمَا شُغِلَتْ يُمْنَاكَ عن بَذْلِ مَا حَوَتْ / وإِنْ غارَ مِنْهُنَّ النَّدى والمكارِمُ
فَخَاصَمْنَ بِيضَ الْهِنْدِ فِيكَ إِلَى العُلا / وَحَقٌّ لِمَنْ فِي القُرْبِ منكَ يُخاصِمُ
فإِنْ عَزَّها من صِدقِ بَأْسِكَ شَاهِدٌ / فقد سَنَّها مِنْ عَدْلِ حُكْمِكَ حاكِمُ
بِيَوْمٍ إِلَى الهَيْجَا ويومٍ إِلَى النَّدى / وَمَا عالَ مَقْسُومٌ ولا جَارَ قاسِمُ
وَنُودِيتَ يَوْمَ الجُودِ للسَّلْمِ فِي العِدى / فَجُدْتَ بِهِ وَالمُرْهَفَاتُ رَوَاغِمُ
حِذاراً عَلَى إِلْفِ الهَوى غُرْبَةَ النَّوى / وَمَا إِلفُها إِلّا الوَغى والمَلاحِمُ
وَعَوَّدْتَهَا طُعْمَ السِّباعِ فأَشْفَقَتْ / بإِغْبَابِهِ أَنْ تَدَّعيهِ البَهائِمُ
وكَلَّفْتَها رِزقَ الذِّئابِ فأُحشِمَتْ / لذِيبٍ عَوى تَحْتَ الدُّجى وَهْوَ صائِمُ
ومَنَّيْتَها نَفْسَ ابْنِ شَنْجٍ فأَسْمَحَتْ / مُسَالِمَةً من بَعدِهِ مَنْ تُسَالِمُ
عَلَى أَنَّ بَعْضَ العَفْوِ قَتْلٌ ومَغْنَمٌ / وَمَا رَدَّ رِبْحَ المُلْكِ فِي الحَرْبِ حازِمُ
فإِنَّ قتيلَ السَّيفِ للذِّيبِ مَطْعَمٌ / وإِنَّ قتيلَ العَفْوِ للمُلْكِ خادِمُ
فَيَا لِبُروقٍ لَمْ يَزَلْنَ صواعِقاً / عَلَى الكُفْرِ غَيْثُ الأَمْنِ منهُنَّ ساجِمُ
تُقَطِّعُ بالأَمْسِ الرِّقابِ وَوُصِّلَتْ / بِهَا اليَوْمَ أَرْحَامٌ لَهُمْ ومَحَارِمُ
غَدَتْ وَهيَ أَعْرَاسٌ لَهُمْ وَعَرَائِسٌ / وبالأَمْسِ مَوْتٌ فِيهِمُ ومآتِمُ
بعَقْدِ بناءٍ أَنْتَ شِدْتَ بناءَهُ / وَلَيْسَ لَهُ فِي الأَرْضِ غيرَكَ هادِمُ
فِرَنْجَةُ أَعْلاهُ و قَشْتِلُّ أُسُّهُ / وَسلْمُكُ أَرْكَانٌ لَهُ وَدَعائِمُ
فَمَلَّكْتَ تاجَ المُلْكِ تَاجَ مَلِيكَةٍ / لتَاجَيْهِما تَعْنُو الملوكُ الخَضَارِمُ
وَتَوَّجْتَها فَوْقَ الأَكالِيلِ والذُّرى / خَوافِقَ تَغشاها النُّسُورُ القَشَاعِمُ
وحَلَّيْتَها بَعْدَ الدَّمَالِيجِ والبُرَا / حُلِيَّاً لآلِيهِ القنا والصَّوارمُ
وضَمَّخْتَها من طيبِ ذِكْرِكَ فِي الوَرى / بأَضعافِ مَا تُهْدِي إِلَيْها اللَّطائِمُ
ونَظَّمْتَ آفاقَ الفَلا لِزِفافِها / خُيُولاً حَمَتْ مَا قَلَّدَتْها النَّوَاظِمُ
مُنىً كَانَ فِيهَا لابْنِ شَنْجٍ مَنِيَّةٌ / يُغَرْغِرُ منها راهِقُ الروحِ كاظِمُ
مَرَجْتَ عَلَيْهِ لُجَّ بَحْرَيْنِ يَلْتَقِي / عَلَى نَفْسِهِ تَيَّارُهُ المُتَلاطِمُ
وغادَرْتَهُ مَا بَيْنَ طَوْدَيْنِ أَطْبَقا / حُتُوفاً تُصَادي نَفْسَهُ وتُصَادِمُ
وأَسْلَمَهُ الأَشيَاعُ بَوَّاً بِقَفْرَةٍ / سَرَايَاكَ أَظْآرٌ عَلَيْهِ رَوَائِمُ
فَلَيْسَ لَهُ مِنْ ناصِرِ الدِّينِ ناصِرٌ / وَلَيْسَ لَهُ من عاصِمِ المُلْكِ عاصِمُ
وَقَدْ صَدَرَتْ عَنْهُ خيولُكَ آنِفاً / وَأَحْشَاؤُهُ فَيْءٌ لَهَا ومَغانِمُ
أَقاطِيعُ مِلْءُ الأَرْضِ أَصْوَاتُ خَيْلِها / وأَنعامِها عَمَّا يُكِنُّ تَرَاجِمُ
يُناجِي نُفُوساً حازَهُنَّ غَنائِماً / بأَمْنِكَ قَدْ حانَتْ عَلَيْها المغارِمُ
وأَفْعَالُ خَفْضٍ كنت تَشْكُلُها لَهُ / برَفْعِكَ قَدْ أَوْفَتْ عَلَيْها الجَوازِمُ
بغَزْوَةِ مَيْمُونِ النَّقِيبَةِ ثائِرٍ / عزائِمُهُ فِي النَّاكِثينَ هَزَائِمُ
وكم طَمَسَتْ عَيْنَيْهِ بَرْقَةُ مُقدِمٍ / تَلأْلأَ فِيهَا مَجْدُكَ المُتَقَادِمُ
تَجَلَّلَها جَدَّاك عَمرٌو وتُبَّعٌ / وأَعْقَبها عَمَّاكَ كَعْبٌ وحَاتِمُ
ومَنْ أَعْرَبتْ فِيهِ أَعاظِمُ يَعْرُبٍ / فَمُسْتَصْغَرٌ فِي أَصْغَرَيْهِ العَظَائِمُ
مآثِرُ لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِنَّ سابقٌ / ولا رامَها من قَبْلِ سَعْيِكَ رائِمُ
كَسَا العَرَبَ العَرْبَاءَ مِنْهُنَّ مَفْخَرٌ / تُصَلِّبُ مِنْهُ للوُجُوهِ الأَعاجِمُ
وشِدْتَ بِهَا فِي الرُّومِ والقُوطِ رِفْعَةً / تُسَامِي بِهَا عِندَ السُّها وتُزَاحِمُ
وصَرَّتْ بِهَا أَقْلامُ ضَيْفِكَ صَرَّةً / تُصِرُّ لَهَا الآذَانَ بُصْرى وجاسِمُ
فَزَوَّدَها الرُّكْبانُ شَرقاً ومَغرِباً / ووافَتْ بِهَا جَمْعَ الحَجِيجِ المَواسِمُ
وما لِيَ لا أُبْلِي بِذِكْرِكَ فِي الوَرى / بَلاءً تَهادَاهُ القُرُونُ النَّوَاجِمُ
وأُطْلِعُهُ شَمْساً عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ / يُكَذَّبُ فِيهَا عن سَنَا الشَّمْسِ زَاعِمُ
فَيَحْسُدُنِي فيكَ العِرَاقُ وَشامُهُ / وإِيَّاكَ فِيَّ عَبْدُ شَمْسٍ وهاشِمُ
بُخِسْتُ إِذَنْ سَعْيِي إِلَيْكَ وهجْرَتِي / وَمَا حَملَتْ مِنِّي إِلَيْكَ المَناسِمُ
وبينَ ضُلُوعِي بِضع عَشرَةَ مُهْجَةً / ظِماءٌ إِلَى جَدْوى يَدَيْكَ حَوَائِمُ
تَلَذُّ الليالي لَحْمَها ودِماءها / وَطَعْمُ الليالي عِنْدَهُنَّ عَلاقِمُ
قطعتُ بِهِنَّ الليلَ والليلُ جامِدٌ / وخُضْتُ بِهِنَّ الآلَ والآلُ جاحِمُ
إذَا مَلأَ الهَوْلُ المُمِيتُ صُدُورَها / تَحَرَّكَ من ذِكْرَاكَ فِيهَا تَمائِمُ
على شَدَنِيَّاتٍ تَطيرُ بِرُكْنِها / إِلَيْكَ خُطوبٌ فِي القلوبِ جَوَاثِمُ
فكم غالَ من أجسامِها غَوْلُ قَفْرَةٍ / وَخَرَّمَ من أَلْبابِهِنَّ المَخارِمُ
وكم عَجَزَتْ عنَّا ذواتُ قوائِمٍ / فَعُجْنا بِعُوجٍ مَا لَهُنَّ قوائِمُ
جآجِئُ غِرْبانٍ تطيرُ لنا بِهَا / عَلَى مثلِ أَطْوَادِ الفيافي نَعَائِمُ
لها من أَعاصِيرِ الشمالِ إذَا هَوَتْ / خَوَافٍ ومن عَصْفِ الجَنُوبِ قوادِمُ
يُحاجى بِهَا مَا حامِلٌ وهوَ راقِدٌ / وَمَا طائرٌ فِي جَوِّهِ وهوَ عائِمُ
سَرَتْ من عَصا مُوسى إِلَيْهِ قَرَابَةٌ / فَطَبٌّ بِفَلْقِ البحرِ والصَّخْرِ عالِمُ
وشاهَدَ لَقْمَ الحُوتِ يُونُسَ فاقْتَدى / فغادٍ وسارٍ وهو للسَّفْرِ لاقِمُ
أَعوذُ بِقَرْعِ المَوْجِ فِي جَنَبَاتِها / إِلَيْكَ بنا أن يَقْرَعَ السِّنَّ نادِمُ
وما عَبَّرَتْ عَنهُ جُسومٌ نَوَاحِلٌ / وَمَا حَسَرتْ عنهُ وجوهٌ سَوَاهِمُ
وما كَتَبَتْ فِي واضِحاتِ وجوهِنا / إِلَيْكَ الدَّياجِي والرِّياحُ السَّمائِمُ
فلا رَجَعَتْ عَنكَ الأَمانِي حَسِيرَةً / ولا فُزِّعَتْ مِنَّا لَدَيْكَ التَّمائِمُ
ولا خَتَمَتْ عَنكَ الليالي سَرِيرَةً / ولا فَضَّتِ الأَيَّامُ مَا أنتَ خاتِمُ
ولا نَظَمَ الأَعْدَاءُ مَا أَنتَ ناثِرٌ / ولا نَثَرَ الأَعداءُ مَا أَنتَ ناظِمُ
ولا عَدِمَ الإِشْرَاكُ أَنَّكَ ظافِرٌ / ولا عَدِمَ الإِسْلامُ أَنَّكَ سالِمُ
ولا زالَ للسيفِ الحَنيفيِّ قائِمٌ / وأَنتَ بِهِ فِي طاعَة اللهِ قائِمُ
جِهادٌ عَلَى الكُفَّارِ بالنَّصْرِ مُقدِمٌ / وَوَجْهٌ عَلَى الإِسْلامِ بالفَتْحِ قادِمُ
أَبى اللهُ إِلّا أَنْ يرى يَدَكَ العُلْيا
أَبى اللهُ إِلّا أَنْ يرى يَدَكَ العُلْيا / فَيُبْلِيَها سَعداً وتُبْليَهُ سَعْيا
ويُوسِعُها سَقياً وَرَعْياً كَمِثْلِ مَا / سَمَتْ للمُنى سَقياً وسامَتْ بِهَا رَعْيا
وأَيُّ حياً فِي الشَّرْقِ والغربِ للوَرى / وأَيُّ حِمىً للملكِ والدِّينِ والدُّنيا
وأَيُّ فتىً والنفسُ كاذِبَةُ المُنى / وأَيُّ فتىً والحربُ صادِقَةُ الرُّؤْيا
عَلا فَحَوى ميراثَ عادٍ وتُبَّعِ / بِهِمَّتِهِ العُلْيا ونِسْبَتِهِ الدُّنْيا
فأعْرَبَ عن إِقْدامِ يَعْرُبَ واحْتَبى / فلَمْ يَنْسَ من هُودٍ سَناءً ولا هَدْيا
ومِنْ حِميَرٍ رَدَّ القنا أَحْمَرَ الذُّرَى / ومِنْ سَبَأٍ قادَتْ كَتائِبُهُ السَّبْيا
وما نام عنهُ عِرْقُ قَحْطَانَ إِذْ فَدى / عُروقَ الثَّرى من غُلَّةِ القَحْطِ بالسُّقْيا
ولا أَسْكَنَتْ عَنْهُ السَّكُونُ سِيادَةً / وَلا رَضِيَتْ طَيٌّ لراحَتِهِ طَيَّا
ولا كَنَدَتْ أَسيافُهُ مُلْكَ كِنْدَةٍ / فَيَتْرُكَ فِي أَركانِ عِزَّتِها وَهْيَا
ولا أَقْعَدَتْهُ عن إِجابَةِ صارِخٍ / تُجِيبُ ولو حَبْواً إِلَى الطَّعْنِ أَوْ مَشْيا
وكائِنْ لَهُ فِي الأَوْسِ من حَقِّ أُسْوَةٍ / بنَصْرِ الهُدى جَهْراً وبَذْلِ النَّدى خَفْيا
هُمُ أَوْرَثُوهُ نَصْرَ دينِ مُحَمَّدٍ / وحازُوا لَهُ فَخْرَ النَّدى والقِرى وحْيا
وَهُمْ أَوْجَدُوهُ الجودَ أَعذبَ مطعَماً / منَ الرِّيقَةِ الشَّنْباءِ فِي الشَّفَةِ اللَّمْيا
مَناقِبُ أَدَّوْها إِلَيْهِ وِرَاثَةً / فكانَ لَهَا صَدْراً وكانتْ لَهُ حَلْيا
ورَوْضَةُ مُلْكٍ عاهَدَتْها عِهادُهُ / فأَغْدِقْ بِهَا رِيَّاً وأَعبِقْ بِهَا رَيَّا
وصَوْتُ ثناءٍ أَسْمَعَ اللهُ ذِكْرَهُ / لِيُسْمِعَ منه الصُّمَّ أَوْ يَهْدِيَ العُمْيا
لِمَنْ يَلْحَظُ الأَعْلَيْنَ فِي المَجْدِ مِنْ عَلٍ / وجارى فأَعْيا السَّابِقينَ وَمَا أَعيا
أَنيسُ القُلُوبِ فِي الصدورِ وَلَمْ يَكُنْ / لِيُوحِشَ مَثْوَاهُ الفَرَاقِدَ والجَدْيا
وَمَوْرِدُ مَنْ أَظْما وإِصْباحُ من سَرى / ومَبْرَكُ من أَعيا وغايةُ مَنْ أَغيا
فَقَصْرُ مُلُوكِ الأَرْضِ سُدَّةُ قصره / وإِنْ سَحَقُوا بُعْداً وإِنْ شَحَطُوا نأْيا
وأَهْدَتْ لَهُ بَغْدَاذُ ديوانَ عِلْمِها / هَدِيَّةَ مَنْ وَالى وَنُخْبَةَ مَنْ حَيَّا
فكانتْ كَمَنْ حَيَّا الرِّياضَ بِزَهْرِها / وأَهْدى إِلَى صَنْعَاءَ من نَسْجِها وَشْيا
وحَسْبُ رُوَاةِ العِلْمِ أَنْ يتدارسوا / مآثِرَهُ حِفْظاً وآثارَهُ وعْيا
ويَكفي مُلُوكَ الأَرْضِ من كُلِّ مَفْخَرٍ / إِذَا امْتَثَلُوا من بَعْضِ أَفعالِهِ شَيَّا
وأن يَسمعوا من ضَيْفِهِ فِي ثَنائِهِ / غَرَائِبَ حَلّى من جَوَاهِرِها الدُّنْيا
وأَنْ يَنْظُرُوا كَيْفَ ازْدَهى مَفْرِقُ العُلا / بعَقْدِي لَهُ تاجاً من الكَلِمِ العُلْيا
أوابِدُ حالَفْنَ اللَّياليَ أَنَّها / تموتُ الليالي وَهْيَ باقِيةٌ تَحْيا
لِمَنْ كَفَلَ الإِسْلامَ أُمَّ سِيادَةٍ / فَبَرَّتْ بِهِ حِجْراً ودَرَّتْ لَهُ ثَدْيا
ومَنْ ذَعَرَ الأَعْداءَ حَتَّى توهَّمُوا / بِهِ الصُّبحَ جَيْشاً والظَّلامَ لَهُ دَهْيا
لطاعَةِ من وَصّى المنايا بطَوْعِهِ / فلم تَعصِهِ فِي الشِّرْكِ أمراً ولا نَهْيا
فكمْ رَأْسِ كُفْرٍ قَدْ أَنافَتْ بِرَأْسِهِ / من الصَّرْعَةِ السُّفْلى إِلَى الصَّعْدَةِ العُلْيا
فأَوْفَتْ بِهِ فِي مَرْقَبِ السُّورِ كالِحاً / يُؤَذِّنُ بالأَعْداءِ حَيَّ هَلا حَيَّا
وتَفلي الصَّبا مِنهُ ذوَائِبَ لِمَّةٍ / تَفَاخَرُ أَيْدي المُصْبِياتِ بِهَا فَلْيا
فهامَتُهُ لِلْهامِ تَسْتَامُها القِرى / وأَشْلاؤُهُ للرِّيحِ تُسْتَامُها السَّفْيا
وكمَ رَدَّ عَنْ نَفْسِ ابْنِ شَنْجٍ سِهامُها / وَقَدْ أَغرقتْ نَزْعاً وأَمكَنَها رَمْيا
طَلِيقُكَ من كَفِّ الإِسارِ وَقَدْ هَوَتْ / بِهِ الرَّقِمُ الرَّقْماءُ والمُوبِدُ الدَّهْيا
فَحَكَّمْتَ فِيهِ حَدَّ سَيْفِكَ فَاقْتَضى / وشاوَرْتَ فِيهِ الفَضْلَ فاسْتَعجمَ الفُتيا
فأَخَّرْتَ عَنْهُ حُكْمَ بَأْسِكَ بالرَّدى / وأَمْضَيْتَ فِيهِ حُكْمَ عَفْوِكَ بِالبُقْيا
وَوَقَّيْتَهُ حَرَّ الحِمَامِ لَوِ اتَّقى / وزَوَّدْتَهُ بَرْدَ الحياةِ لَوِ استحْيا
فأَفلَتَ يَنْزُو فِي حَبائِلِ غَدْرِةٍ / بأَوْتَ بِهَا عِزّاً وباءَ بِهَا خِزْيا
فأَتْبَعْتَهُ تَحْتَ العَجاجَةِ رَايَةً / بَهَرْتَ بِهَا رَاياً وأَعْلَيْتَها رَأْيا
وجَرَّدْتَ سَيْفَ الحَقِّ مُدَّرِعَ الهُدى / لِمَنْ سَلَّ سَيْفَ النَّكْثِ وادَّرَعَ البَغْيا
وأَعْلَيْتَها فِي دَعْوَةِ الحَقِّ دَعْوَةً / كفاك بِهَا بُشْرى وأَعْدَاءها نَعْيا
فَجاءَتْكَ تَحْتَ الخافِقَاتِ كَتَائِباً / كَمَا حَدَتِ الأَفْلاكُ أَنجُمَها جَرْيَا
مُهِلِّينَ بالنصرِ العزيزِ لِمَنْ دَعَا / مُلَبِّينَ بالفتحِ المبين لمن أَيَّا
بكُلِّ أَميرٍ طَوْع يُمْنَاكَ جَيْشُهُ / وطاعَتُكَ العَلْيَاءُ غايَتُهُ القُصْيا
وكُلِّ كَمِيٍّ فِي مَنَاطِ نِجادِهِ / دواءٌ لِدَاءِ النَّاكِثِينَ إِذَا أَعْيا
وإِنْ لَمْ يُفِقْ دَاءُ ابْنِ شَنْجٍ بِطِبِّهِ / فَقَدْ بَلَغَتْ أَدْوَاؤُهُ النَّارَ والكَيَّا
بِسابِحَةِ الأَجيادِ فِي كُلِّ لُجَّةٍ / تُرِيكَ عُبابَ البَحرِ من هَوْلِها حِسْيا
قَدَحتَ بأَيْدِيها صَفَا الشِّرْكِ قَدْحَةً / جَعَلْتَ ضِرامَ المَشْرَفِيِّ لَهَا وَرْيا
خَوَاطِفَ إِبْراقٍ جَلاهُنَّ عارِضٌ / من النَّقْعِ لا يُوني دِمَاءَ العِدى مَرْيا
عُقِدْنَ بأَيْمانِ الضِّرابِ وعُوقِدَتْ / بأَيْمانِ عَهْدٍ لا انثِناءَ ولا ثُنْيا
وزُرقاً تَشَكَّى من ظِماءِ كُعُوبِها / وتَسْقِي رُبُوعَ الكُفْرِ من دَمِهِ ريَّا
إِذَا غَرَبَتْ ناءَتْ بِمُنْهَمِرِ الكُلى / وإِن طَلَعَتْ فاءَتْ بِمِلْءِ المَلا فَيَّا
فأُبْتَ بأَعْدادِ النُّجُومِ مَساعِياً / وأَمثالِها سُمْراً وأَضعافِها سَبْيا
وُجُوهاً سُلِبْنَ العَصْبَ والحَلْيَ فاكْتَسَتْ / مَحاسِنَ أَنْسَيْنَ المَجاسِدَ والحَلْيَا
كَأَنْ لَمْ تَدَعْ بِالبِيدِ أَيْكاً ولا غَضَى / ولا فِي شِعابِ الرَّمْلِ خِشَفاً ولا ظَبْيا
إِيَابَ مليكٍ قُلِّدَتْ عَزَمَاتُهُ / من الرُّشْدِ والتَّوْفِيقِ مَا دَمَّرَ الغَيَّا
يُقِرُّ عيونَ الخَيْلِ فِي حَوْمَةِ الوَغى / إِذَا مَا قُدُورُ الحَرْبِ فَارَتْ بِهَا غَلْيا
ويُعْرِضُ عَنْ فُرْشِ القصورِ وَثِيرَةً / ليَرْكَبَ ظَهْرَ الحربِ مُحْدَوْدِباً عُرْيا
ويَحْسُو ذُعافَ السُّمِّ فِي جاحِمِ الوَغى / ليُرْوِيَ آمالَ النُّفُوسِ بِهَا أَرْيا
ويُصْلي بِحَرِّ الشمسِ حُرَّ جبينِهِ / ليَبْسُطَ لِلإِسْلامِ من نُورِهِ فَيَّا
ويا شامِتاً أَنِّي طَريدُ حِجابِهِ / لِيُخْزِكَ أَنِّي حُزْتُهُ بَيْنَ جَنْبَيَّا
ويا حاجِباً قَدْ رَدَّ طَرْفِي دُونَهُ / تَأَمَّل تَجِدْهُ وَهْوَ إِنْسانُ عَيْنَيَّا
صَفاءُ وِدَادٍ إِنْ رَمى فَوْقَهُ القَذى / ظُنُوناً من الإِشْفاقِ طَيَّرَها نَفْيا
وصِدْقُ رَجاءٍ كُلَّما مُتُّ رَحْمَةً / عَلَى مِثْلِ أَفْراخِ القَطا رَدَّنِي حَيَّا
ظِماءٌ وَمَا يَدْرُونَ فِي الأَرْضِ مَشْرَباً / سِوى كَبِدي الْحَرّى ومُهْجَتيَ الظَّمْيا
وكم عَسَفُوا بَحْراً ولا بَحْرَ لِلنَّدى / وخاضُوا سَرابَ البيدِ نهياً ولا نِهْيا
ومانُوا يُرَاعُونَ النجُومَ وَقَدْ رَأَتْ / وسائِلُهُمْ أَلّا حِفاظَ وَلا رَعْيا
ولا خُلَّةٌ إِلّا الهَجِيرُ إِذَا الْتَظَى / فكانَ لَهُمْ جَمْراً وكانوا لَهُ شَيَّا
ولا نَسَبُ إِلّا الثُّرَيَّا إِذَا انْتَحَتْ / فكانَتْ لَهُمْ نِصْفاً وكانُوا لَهَا ثِنْيا
وكم زَجَروها بِاسْمِها وحُقُوقِهَا / فما صَدَقَتْهُمْ لا ثَرَاءً ولا ثَرْيا
ولا صِدْقَ إِلّا للرَّجاءِ الَّذِي سَرى / فقَصَّرَ طُولَ اللَّيْلِ واسْتَقْرَبَ النَّأْيا
وبارى هُوِيَّ الرِّيحِ يَسْبِقُها هَوىً / وغالَ قِفارَ البِيدِ يَنْسِفُها طَيَّا
إِلى سابِقِ الأَمْلاكِ عَلَّمَ سَيْفُهُ / نَدى كَفِّهِ أَنْ يَسْبِقَ الوَعْدَ والوَأْيا
أَبُو الحَكَمِ المُمْضِي لِحُكْمِ عُفَاتِهِ / رغائِبَ لا يَعْرِفْنَ سَوْفاً ولا لَيَّا
ومَثَّلَ لي فِي الحَرْبِ حَسْرُ ذِراعِهِ / بِحَسْرِيَ فِي حَرْبِ الخُطُوبِ ذِرَاعَيَّا
إِذَا لَمَعَتْ بِيضُ الصَّوَارِمِ حَوْلَهُ / كَإِضْرَامِ نِيرانِ الهمومِ حَوَالَيَّا
وَقَدْ عاذَ أَبْطَالُ الجَلادِ بِعِطْفِهِ / كَمَا عاذَ أَطْفالُ الجَلاءِ بِعِطْفَيَّا
وَقَدْ قَصَّرَتْ عنهُ رِماحُ عُدَاتِهِ / كَمَا قَصَّرَتْ عَنْهُمْ رِياشُ جناحَيَّا
ولكِنْ أُوَاسِي بَيْنَ عارٍ ولابِسٍ / أُقَلِّصُ عَنْ ذَيَّا لأَثْني عَلَى تَيَّا
وإِنْ لَوَتِ اللأوَاءُ مِنْ شَأْوِ هِمَّتِي / وأَلحَقَ ذُلُّ العُسْرِ وَجْهِي بِنَعْلَيَّا
فلَمْ تَلْوِ عَنْ مَدْحِ ابْنِ يَحْيى مدائحي / بأَطْيَبِ ذِكْرٍ فِي المَمَاتِ وَفِي المَحْيا
يُصِيخُ إِلَيْهِ كُلُّ سَمْعٍ مُوقَّرٍ / ويَجْلُو سَناهُ كُلَّ ناظِرَةٍ عَمْيا
وأُنشِيكَ عنهُ المِسْكَ مَا عِشْتَ يَا ورَى / وأُكْسُوكَ مِنْهُ الدُّرَّ مَا دُمْتِ يَا دُنْيا
وإِنْ بَرَتِ الأَيَّامُ مِنْ حَدِّ هِمَّتِي / وفَلَّتْ سِلامُ الحادِثاتِ غِرَارَيَّا
فَهَلْ قَلَمٌ خُطَّتْ بِهِ الأَرْضُ كُلُّها / نِظاماً ونَثْراً يُنْكِرُ القَطَّ والبَرْيا
وَزَنْدٌ يُنِيرُ الشَّرْقَ والغَرْبَ قَدْحُهُ / جَدِيرٌ بأَنْ يَسْتَلحِقَ المَحْقَ والوَهْيا
ويَا لَكِ مِنْ ذِكْرَى سَنَاءٍ ورِفْعَةٍ / إذَا وَضَعُوا فِي التُّرْبِ أَيْمَنَ جَنْبَيَّا
وفَاحَتْ لَيَالِي الدَّهْرِ مِنِّيَ مَيِّتاً / فأَخزَيْنَ أَيَّاماً دُفِنْتُ بِهَا حَيَّا
وَكَانَ ضَياعِي حَسْرَةً وَتَنَدُّمَا / إذَا لَمْ يُفِدْ شَيْئاً وَلَمْ يُغْنِنِي شَيَّا
وأَصْبَحْتُ فِي دارِ الغِنى عَنْ ذَوِي الغِنى / وعُوِّضْتُ فاسْتَقْبَلْتُ أَسْعَدَ يَوْمَيَّا
سِوى حَسْرَتَيْ عرضٍ وَوَجْهٍ تَضَعْضَعَا / لقارِعَةِ البَلْوى وَكَانَا عَتَادَيَّا
ولِلسِّتْرِ والصَّبْرِ الجَمِيلِ تَأَخَّرَا / فأَمَّهُمَا حِرْصِي وَكَانَا إِمامَيَّا
فيا عَبْرَتِي سُحِّي لَعَلِّي مُبَلَلٌ / بِبَحْرَيْكِ مَا أَنْزَفْتُ من مَاءِ عَيْنَيَّا
ويا زَفْرَتِي هَلْ فِي وَقُودِكِ جَذْوَةٌ / تُنِيرُ لَنَا صُبْحاً ثَنَاهُ الأَسى مُسْيا
ويا خَلَّتي إِنْ سَوَّفَ الغَوْثُ بالمُنى / ويا غُلَّتِي إِنْ أَبْطَأَ الغَيْثُ بالسُّقْيا
فَقُوما إِلَى رَبِّ السَّمَاءِ فَأَسْعِدَا / تَقَلُّبَ وَجْهِي فِي السَّمَاءِ وَكَفَّيَّا
عَسى مَيِّتُ الأَظْمَاءِ فِي رَوْضَةِ النَّدى / سَيَرْجِعُ عَنْ رَبِّ السَّماءِ وَقَدْ أَحْيا
ويا أَوْجُهَ الأَحْرَارِ لا تَتَبَدَّلِي / بِظِلِّ ابْنِ يَحْيَى بَعْدُ ظِلّاً ولا فَيَّا
ويا حَلْبَةَ الآمَالِ زِيدِي عَلَى المَدى / بَقَاءَ ابْنِ يَحْيَى ثُمَّ حَيِّي عَلَى يَحْيى
لَكَ الفَوْزُ مِنْ صَوْمٍ زَكِيٍّ ومِنْ فِطْرٍ
لَكَ الفَوْزُ مِنْ صَوْمٍ زَكِيٍّ ومِنْ فِطْرٍ / وَصَلْتَهُما بالبِرِّ شَهْراً إِلَى شَهْرِ
فناطِقُ صِدْقٍ عَنْكَ بالصِّدْقِ والنُّهى / وشاهِدُ عَدْلٍ فيكَ بالعَدل والبِرِّ
فهذا بِما استَقْبَلْتَ من صائِبِ النَّدى / وهذا بما زَوَّدْتَ من وافِرِ الذُّخْرِ
فكَمْ شافِعٍ فِي ظِلِّكَ الصَّوْمَ بالتُّقى / وكَمْ واصِلٍ فِي أَمْنِكَ اللَّيْلَ بالذِّكْرِ
وكم ساجِدٍ لله مِنَّا ورَاكِعٍ / يَبيتُ عَلَى شَفْعٍ ويَغْدُو عَلَى وَتْرِ
ووَجْهُكَ للهَيْجَاءِ من دُونِ وَجْهِهِ / وتَسْرِي إِلَى الأَعْداءِ عنه ولا يَسْرِي
وظِلُّكَ ممدودٌ عَلَيْهِ وتَصْطَلِي / بِجَاحِمِ نارِ الحربِ أَوْ جَامِدِ القُرِّ
خَلَعْتَ عَلَيْهِ ثَوْبَ صَوْنٍ ونِعْمَةٍ / وظاهَرْتَ عَنْهُ بَيْنَ صِنٍّ وصِنَّبْرِ
وكمْ قاطِعٍ بالنَّوْمِ لَيْلاً وَصَلْتَهُ / بِغَزْوِكَ مَا بَيْنَ الأَصِيلِ إِلَى الفَجْرِ
وأَقْدَمْتَ فِيهِ الخَيْلَ حَتَّى رَدَدْتَها / وآثارُها ثَغْرٌ لقاصِيَةِ الثَّغْرِ
كَأَنَّ دُجى لَيْلٍ يَمُرُّ عَلَى الضُّحى / إِذَا سِرْنَ أَوْ بَحْراً يمورُ عَلَى البَرِّ
فَأَنْتَ جَزَاءُ صَوْمِنا وَصَلاتِنا / وَفِيكَ رَأَيْنا مَا ابْتَغَيْنَا مِنَ الأَجْرِ
ومِنْكَ اسْتَمَدَّ الفِطْرُ مَطْعَمَ فِطْرِنا / وفيكَ أَرَتْنَا قَدْرَها لَيْلَةُ القَدْرِ
وباسْمِكَ عَزَّتْ فِي الخِطابِ مَنابِرٌ / بأَسْعَدِ عِيدٍ عادَ بالسَّعْدِ أَوْ فِطْرِ
ولاحَ لَنَا فِيهِ هِلالٌ كَأَنَّهُ / بَشِيرٌ بِفَتْحٍ مِنْكَ أَشْرَقَ بِالبِشْرِ
أَهَلَّ فأَهْلَلْنا إِلَيْهِ تَمَثُّلاً / بِرُحْبِكَ جُنْحَ اللَّيْلِ بالضَّيْفِ تَسْتَقْرِي
وأَسْفَرَ عَنْ زُهْرِ النُّجُومِ كَأَنَّما / جَبينُكَ أَبْدى عن خَلائِقِكَ الزُّهْرِ
عَلا وتَدَانى للعُيُونِ كَمَا عَلا / مَحَلُّكَ واسْتَدْنَيْتَ بُعْدَاً عَنِ الكِبْرِ
وذَكَّرَنا عَطْفاً بِعَطْفِكَ حانياً / عَلَى الدِّينِ والإِسلامِ فِي البَدْوِ والحَضْرِ
هلالُ مَساءٍ باتَ يَضْمَنُ لِلضُّحى / غَدَاةَ المُصَلَّى مطلعَ الشَّمْسِ والبَدْرِ
ومِلْءَ عُيُونِ النَاظِرِينَ كتَائِباً / كَتَبْتَ بِهَا الآفاقَ سَطْراً إِلَى سَطْرِ
مُخَطَّطَةً بالخَيْلِ والأُسْدِ والحُلى / ومُعْجَمَةً بالبَيْضِ والبِيضِ والسُّمْرِ
وصادِقَةَ الإِقْدَامِ تَهْتَزُّ لِلْوَغى / وخافِقَةَ الأَعْلامِ تَعْتَزُّ بِالنَّصْرِ
فَصَلَّيْتَ وَهْيَ النُّورُ فِي مَشْرِقِ العُلا / وأَصْلَيْتَ وَهْيَ النَّارُ فِي مَغْرِبِ الكُفْرِ
ولما اسْتَهَلَّتْ بالسَّلامِ صَلاتُهُمْ / أَهَلَّتْ إِلَى تَسْلِيمِهِمْ سُدَّةُ القصْرِ
فَكَرُّوا يُعِيدُونَ السَّلامَ عَلَى الَّذِي / يُعَاوِدُ عَنْهُمْ فِي العِدى صادِقَ الكَرِّ
يُحَيُّونَ بالإِعْظَامِ مَوْلَىً حَنانُهُ / أَخَصُّ بِهِمْ مِنْ رَأْفَةِ الوالِدِ البَرِّ
ووافَوْا سريرَ المُلْكِ يَسْتَلِمُونَهُ / كمُسْتَلَمِ الحُجَّاجِ للرُّكْنِ والحِجْرِ
مَشاهِدُ غارَتْ فِي البِلادِ وأَنْجَدَتْ / مُحَقَّقَةَ الأَنْباءِ طَيِّبَةَ النَّشْرِ
أَنارَتْ فَما بِالخُلْدِ عَنْهُنَّ مِنْ عَمىً / ولا بِزَبابِ الرَّمْلِ عَنْهُنَّ مِنْ وَقْرِ
فكيفَ بأَبْصارٍ أَضَاءَتْ لَهَا المُنى / إِلَيْكَ وأَسماعٍ صَغَتْ فِيكَ لِلْجَبْرِ
ولا مِثْلَ مَجْلُوِّ النَّواظِرِ بالْعِدى / بَياتاً ومَفْتُوقِ المَسَامِعِ بالذُّعْرِ
تَوَقَّى فأَبْلى عُذْرَ نَاجٍ مُخاطِرٍ / فَرَدَّ المنايا عنهُ مُبْلِيَةَ العُذْرِ
وآنَسَ يَا مَنْصُورُ عِنْدَكَ نَفْسَهُ / فَجَلَّى لَهَا تَحْتَ الدُّجى ناظِرَيْ صَقْرِ
فأَهْوى إِلَى مَثْوَاكَ أَمضى مِنَ الهوى / وأَسْرى إِلَى مَأْوَاكَ أخفى مِنَ السِّرِّ
فَكمْ جُزْتُ من سَيْفٍ لِقَتْلِيَ مُنْتَضىً / وجاوزتُ من لَيْثٍ لِضَغْمِيَ مُفْتَرِّ
فيا خِزْيَ ذا مِنْ سَبْقِ خَطْوٍ مُخاطِرٍ / ويا لَهْفَ ذا مِنْ فَوْتِ غِرَّةِ مُغْتَرِّ
كَأَنَّ خُفُوقَ القَلْبِ مَدَّ جوانِحي / بأَجْنِحَةٍ رِيشَتْ منَ الرَّوْعِ والذُّعْرِ
وتَحْتَ جَناحَيْ مَقْدِمِي وتَعَطُّفِي / ثمانٍ وَعَالَتْ بالْبَنينَ إِلَى الشَّطْرِ
أَخَذْتُ لَهُمْ إِصْرَ الحياةِ فأُجِّلُوا / وَقَدْ أًخَذَ الإِشْفَاقُ مِنِّي لَهُمْ إِصْرِي
فَحَمَّلْتُهُمْ وِزْراً ولَوْ خَفَّ مِنْهُمُ / جَناحِي لكانَ الطَّوْدُ أَيْسَرَ مِنْ وِزْرِي
فلِلَّهِ من أَعْدَادِ أَنْجُمِ يُوسُفٍ / تَحَمَّلَها مِنْها أَقلُّ مِنَ الْعُشْرِ
إِلَى كُلِّ مَأْوىً لِلْجَلاءِ هَوى بِنا / إِلَى حَيْثُ لا مَهْوَى عُقابٍ ولا نَسْرِ
رحَلْتُ لَهُ عُوجاً كَأَنَّ هُوِيَّها / بِنا فِيهِ أَفْلاكٌ بأَنْجُمِها تَجْرِي
طَوَيْنَ بِنا بُعْدَ السِّفَارِ كَأَنَّها / ليالٍ وأَيَّامٍ طَوَيْنَ مَدى العُمْرِ
ورُبَّتَما اسْتَوْدَعْنَنا بَطْنَ حُرَّةٍ / هَوَائِيَّةِ الأَحْشاءِ مائِيَّةِ الظَّهْرِ
رَحِيبَةِ مَأْوى الضَّيْفِ مانِعَةَ الْقِرى / وغَيْرُ ذَمِيمٍ أَنْ تُضِيفَ ولا تَقْرِي
فكَمْ ليَ بَيْنَ اللَّوْحِ واللَّوْحِ طائِراً / وأَوْكارُهُمْ فِي طائِرٍ غَيْرِ ذِي وَكْرِ
وكمْ أَسْلَمُوا لِلْعَسْفِ والخَسْفِ مِنْ حِمىً / وكمْ تَرَكُوا للغَصْبِ والنَّهْبِ من وَفْرِ
وكم وَجَّهُوا وَجْهاً لبارِقَةِ الظُّبى / وكم وَطَّنُوا نَحْراً لِنافِذَةِ النَّحْرِ
وكمْ أَقدَمُوا بَيْنَ المَنايا كَمَا هَوَتْ / فَرَائِسُ أُسْدِ الْغابِ لِلنَّابِ والظُّفْرِ
وكم بَدَّلُوا مِنْ وَجْهِ راعٍ وحافِظٍ / وُجُوهَ المنايا السُّودِ والحَدَقِ الحُمْرِ
ومِنْ رَفْرَفِ الأَسْتارِ دُونَ حِجَالِها / تَرَقْرُقَ لَمْعِ الآلِ فِي المَهْمَهِ القَفْرِ
ومن ساجِعِ الأَطْيارِ فَوْقَ غُصُونِها / مُراسَلَةَ الأَلْحَانِ فِي نَغَمِ الوَتْرِ
تُنادي عَزِيفَ الجِنِّ فِي ظُلَمِ الدُّجى / وهَوْلِ الْتِطَامِ المَوْجِ فِي لُجَجِ البَحْرِ
وكم زَفْرَةٍ نَمَّتْ عَلَيْهِمْ بِحَسْرَةٍ / أَنَارَتْ بِنارِ السِّرِّ فِي عَلَمِ الجَهْرِ
ونادَتْ عُيُونَ الشَّامِتينَ إِلَى القِرى / بأَفْلاذِ أَكْبادٍ كصَالِيَةِ الجُزْرِ
ومَاذَا جَلا وَجْهُ الجَلاءِ مَحاسِناً / تَهابُ العُيُونُ مَا نَثَرْنَ من الدُّرِّ
وماذا تَلظَّى الحَرُّ فِي حُرِّ أَوْجُهٍ / تَنَسَّمُ فِيهِ بَرْدَ ظِلٍّ عَلَى نَهْرِ
وماذَا أَجَنَّ اللَّيْلُ فِي مُوحِشِ الفَلا / أَوانِسَ بالأَتْرَابِ فِي يانِعِ الزَّهْرِ
وماذا تَرَامى المَوْجُ فِي غَوْلِ لُجَّةٍ / بِلاهِيَةٍ بَيْنَ الأَرَائِكِ والخِدْرِ
فإِنْ نَبَتِ الأَوْطَانِ مِنْ بَعْدُ عَنهُمُ / فلا مَحْجَرِي حَجْرٌ عَلَيْهِمْ ولا حِجْرِي
وإِنْ ضاقَ رَحْبُ الأَرْضِ عَنْ مُنْتَوَاهُمُ / فَرَحْبٌ لَهُمْ مَا بَيْنَ سَحْرِي إِلَى نَحْرِي
وإِنْ تَقْسُ أَكْبادٌ كِرَامٌ عَلَيْهِمُ / فواكَبِدِي مِمَّنْ تَذُوبُ لَهُ صَخْرِي
وإِنْ تَبْرَمِ الأَيْسَارُ فِي أَزَمَاتِهِمْ / فأَحْبِبْ بِأَيْسارٍ قَمَرْتُ لَهُمْ يُسْرِي
فَفازُوا بِنَفْسي غَيْرَ جُزْءٍ ذَخَرْتُهُ / لِما شَفَّ مِنْ خَطْبٍ وَمَا مَسَّ مِنْ ضُرِّ
فَعَفْوٌ لَهُمْ جَهْدِي وحُلْوٌ لَهُمْ مُرِّي / وصَفْوٌ لَهُمْ طِرْفي ويُسْرٌ لَهُمْ عُسْرِي
وإِنْ أَضْرَمُوا قَلْبِي فَجَمْرِي لَهُمْ نَدٍ / وإِنْ غَيَّضُوا شِرْبِي فَرَوْضِي لَهُمْ مُثْرِ
وَدَائِعُ نَفْسِي عِنْدَ نفسي حَفِظْتُها / بِما ضاعَ مِنْ حَقِّي وَمَا هانَ مِنْ قَدْرِي
قَليلٌ غِناهُم عَنْ يَدِي وَغَناؤُهُمْ / سِوى أَنَّهُمْ مِنْ ضَيْمِ كَسْبي لَهُمْ عُذْري
وأَنِّي لَهُمْ فِي ماءِ وَجْهِي تاجِرٌ / أُغَنِّمُهُمْ غُنْمِي وأُرْبِحُهُمْ خسُرِي
وأُسْلِمُ فِي وَخْزِ السَّفى ثَمَرَ المُنى / وأَبْذُلُ فِي قَذْفِ الحصى جَوْهَرَ الشُّكْرِ
وإِنْ نَفَقَتْ عِنْدي بِضَاعَةُ قانِعٍ / تَقَنَّعْتُ مِنْها فِي خَزَايَةِ مُعْتَرِّ
رَجاءً لِضُمْرٍ طالما قَدْ عَهِدْتُهُ / يُريني أَناةَ السَّهلِ فِي المَسْلَكِ الوَعْرِ
وخزياً لِوجهٍ هانَ فِي صَوْنِ أَوْجُهٍ / كريمٍ بهم رِبْحِي لَئيمٍ بهم تَجْرِي
بعدَّة أبراجِ السَّماءِ وَمَا سرى / مداها إِلَى صُبْحٍ يُضيءُ ولا فَجْرِ
وكيفَ وَمَا فِيهَا معرَّجُ مَنْزِلٍ / لِشَمْسٍ تُجلِّي ليلَ همٍّ ولا بَدْرِ
ولكن قُلُوبٌ قُسِّمَتْ وجوانِحٌ / منازِلَ مقدوراً لَهَا نُوَبُ الدَّهْرِ
وأَنْجَمِ أَنْواءٍ تَنْوءُ بِهَا النَّوى / وَلَيْسَ لَهَا إِلّا دُمُوعِيَ مِنْ قَطْرِ
ولا مَطْلَعٌ إِلّا مِهادِيَ أَوْ حِجْرِي / ولا مَغْرِبٌ إلّا ضُلُوعِيَ أَوْ صَدْرِي
إِذَا ازْدَحَمُوا فِي ضَنْكِ شِرْبِي تَمَثَّلُوا / بأَسْباطِ مُوسى حولَ منفَجَرِ الصَّخْرِ
ولو بعَصَا موسى أُفَجِّرُ شُرْبَهُمْ / ولكنْ بِذُلِّ الفقرِ فِي عزَّة الوَفْرِ
فما جَهِدُوا فُلْكاً كَما جَهِدُوا يَدِي / ولا أَنْقَضُوا رحلاً كَمَا أنْقَضُوا ظَهْرِي
كَأَنَّ لَهُمْ وِتْراً عَلَيَّ وَمَا انْتحى / لَهُمْ حَادِثٌ إِلّا وَفِي نَفْسِهِ وِتْرِي
ولَوْلاهُمُ لَمْ أُبْدِ صَفْحَةَ مُعْدِمٍ / وَلَمْ أُسْمِعِ الأَعْداءَ دَعْوَةَ مُضْطَرِّ
ولا جُدْتُ لِلدُّنيا بِخَلَّةِ واصِلٍ / ولَوْ بَرَزَتْ لي فِي غَلائِلِها الخُضْرِ
ولا راقني مَا فِي الخُدُودِ من الهوى / ولا شاقني مَا فِي العُيونِ من السِّحْرِ
ولم يلهني قُربُ الحبيب الَّذِي دنا / وَلَمْ يُصبني طيفُ الخيالِ الَّذِي يسري
ونادَيْتُ فِي بِيضِ النُّضارِ وصُفْرِها / لِغَيْرِيَ فابْيَضِّي إِذَا شِئْتِ واصْفَرِّي
وأَعليتُ فِي مُلْكِ القناعة همَّتي / وهديِ الهدى حصني ونهيِ النُّهى قصري
إِذَا غزت اللذّات قلبي هزمتُها / بجيشينِ من حسن التحمُّلِ والصَّبْرِ
وإِنْ غَزَتْ الآمالُ نفسي صرمتُها / بصارِمِ يأْسٍ فِي يمينِ تُقىً حُرِّ
ولكِنْ أَبى مَا فِي الفُؤَادِ مِنَ الأَسى / وأَعْضَلَ مَا بَيْنَ الضُّلُوعِ مِنَ الجَمْرِ
وَمَا لَفَّ عَهْدُ اللهِ فِي ثَوْبِ غُرْبَتِي / مِنَ الآنِساتِ الشُّعْثِ والأَفرُخِ الزُّعْرِ
وَمَا لاح يَا مَنْصُورُ مِنْكَ لزائِرٍ / وأَسْفَرَ من إِشراقِ وَجْهِكَ لِلسَّفْرِ
وَمَا أَرْصَدَتْ يمناكَ للضَّيْفِ من قِرىً / وَمَا بسطَتْ علْيَاكَ للعلمِ من بِرِّ
وتقديرُ رَبِّ الخلْقِ والأَمرِ إِذْ قَضى / بِخَلْقِكَ فاسْتَصْفَاكَ للخَلْقِ والأَمْرِ
فَمَكَّنَ سيفَ النَّصْرِ فِي عاتِقِ العُلا / وأَثْبَتَ تاجَ المُلْكِ فِي مَفْرِقِ الفَخْرِ
وكَرَّمَ نفسَ الحِلْمِ عن وَغَرِ القِلى / وَطَهَّرَ جِسْمَ المجدِ من دَنَسِ الغَدْرِ
وحَلّاكَ فِي هَذَا الأَنامِ شمائِلاً / أَدالَ بِهِنَّ اليُسْرَ من دولَةَ العُسْرِ
وسمَّاكَ فِي الأَعداءِ مُنْذِرَ بأْسِهِ / بما اشْتَقَّ فينا من وفائِكَ بالنَّذْرِ
فلَمَّا توافى فيك إبداعُ صُنْعِهِ / وقَدَّرَ أَنْ يُعْلِيكَ قَدْراً إِلَى قَدْرِ
رآكَ جديراً أن يباهِيَ خَلْقَهُ / ويُحْيِي بكَ الأَملاكَ فِي غابِرِ الدَّهْرِ
بعَبْدٍ حَبا يُمْنَاكَ مُعْجِزَ رَبِّهِ / وأَصْفاكَ منه طاعَةَ المُخْلِصِ الحُرِّ
فأَنْطَقَ غَرْبَيْ قلبِهِ ولسانِهِ / بتخليدِ مَا سَيَّرتَ من طَيِّبِ الذِّكْرِ
لَيُبلِكَ عُمْراً بالغاً بك غَايَةً / وعُمْرَ ثَناءٍ بَعْدَ مُنْصَرَمِ العُمْرِ
ويكتُبَ لي فِي آلِ يَحْيَى وسائِلاً / تتيهُ عَلَى القُرْبى وتُزْهى عَلَى الصِّهْرِ
وَلاءٌ لمن أَعْتَقْتَ من مُوبِقِ الرَّدى / ورِقٌّ لمن أَطلقْتَ من مُوثِقِ الأَسْرِ
وما رُدَّ مِنْ حَمْدِي إِلَيْكَ ومن شكري / ورُدِّدَ من نظمِي عَلَيْكَ ومن نَثْرِي
وإِنَّكَ مَا تنفكُّ مِنِّيَ مُعْرِساً / بعذراءَ من نفسِي وغَرَّاءَ من فِكْرِي
تُهِلُّ إليها كُلُّ عذراءَ غادَةٍ / وتَخْجَلُ منها كُلُّ فَتَّانَةٍ بِكْرِ
وتشرِقُ من مَبْدَا سُهَيْلٍ إِلَى السُّهى / وتَعْبَقُ من مجرى البُطَيْنِ إِلَى الغُفْرِ
تَلأْلُؤَ مَا أَسْدَتْ أَياديكَ فِي يَدِي / وتحبيرَ مَا أَعْلَتْ مساعِيكَ من حِبْرِي
وفخرُكَ محمولٌ بحمديَ فِي الورى / وذِكرُكَ موصولٌ بذكرِي إِلَى الحَشْرِ
تَتَبَيَّنُ شَمْلُ الدِّينِ أَنَّكَ ناظِمُهْ
تَتَبَيَّنُ شَمْلُ الدِّينِ أَنَّكَ ناظِمُهْ / وأَيْقَنَ حِزْبُ الشِّرْكِ أَنَّكَ قاصِمُهْ
لقد شَدَّدَ الرحمنُ أَرْكانَ دِينِهِ / فَأُيِّدَ بانِيه وهُدِّمَ هادِمُهْ
وعَدَّى بِهِ عَمَّنْ يُوالِي عَدُوَّهُ / ووَلّاهُ من والاهُ فَهْوَ مُلازِمُهْ
ومَنْ مُلْكُهُ إِنْ جَلَّ خَطْبٌ مِلاكُهُ / وأَعلامُهُ إِنْ رابَ دَهْرٌ مَعالِمُهْ
فَسَمَّاهُ منصوراً مُصَدِّقَ جَدِّهِ / وَمَا صَدَّقَتْ أَرماحُهُ وصوارِمُهْ
وتَوَّجَهُ مَثْنى الرِّياسَةِ مُعْلِناً / بما هُو من غَيْبِ السَّرَائِرِ عالِمُهْ
فَتىً وَلَدَتْهُ الحربُ واسْتُرْضِعَتْ لَهُ / وقائِعُ مَنْ أَحْمى الهُدى ومَلاحِمُهْ
مُفَدَّىً وَمَا غيرُ السُّروجِ مِهادُهْ / مُوَقَّىً وَمَا غيرُ السيوفِ تمائِمُهْ
مُجَدِّدُ مُلْكٍ أَحرَزَتْهُ جُدُودُهُ / أَعِزَّةُ أَمْلاكِ الهُدى وأَكَارِمُهْ
فَأَعْرَبَ عَنْ أَيامِ يَعْرُبَ واقْتَدى / بِما عَظُمَتْ أَذْوَاؤُهُ وأَعاظِمُهْ
وأَنْجَبهُ لِلطَّعْنِ وَالضَّرْبِ عَمْرُهُ / وأَخْلَصَهُ لِلْجُودِ والحَمْدِ حَاتِمُهْ
شُجاعٌ ولَكِنَّ الجِيادَ حُصُونُهُ / كَرِيمٌ ولكِنَّ المَعَالي كَرَائِمُهْ
تَلاقَتْ عَلَيْهِ الخَيْلُ والبِيضُ والقَنا / قِياماً لِمَنْ لا سَعْيُ ساعٍ يُقاوِمُهْ
وَخَلَّتْ له الأَمْلاكُ عَنْ سُبُلِ الهُدى / فَلَيْسَ سِوى طِيبِ الثَّناءِ يُزَاحِمُهْ
مُقَسِّمُ مَا يَحْوِيهِ فِي سُبُلِ النَّدى / وإِنْ كَانَ قَدْ حَابَاهُ فِي الحَظِّ قاسِمُهْ
فما خابَ فِي يومِ النَّدَى من يَنُوؤُهُ / ولا فازَ فِي يوم الوَغى مَنْ يُحاكِمُهْ
ولا ادُّعِيَتْ فِي المَأْثُرَاتِ حُقُوقُهُ / ولَوْ أَقبلَتْ زُهْرُ النجومِ تُخاصِمُهْ
ودَعْوى النُّهى والحِلْمِ فِي غَيْرِ مُنْذِرٍ / خيالٌ من الأَحْلامِ أَضْغَثَ حَالِمُهْ
فَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْجُو من المُلْكِ غِرَّةً / وَمَا حَوَّمَتْ إِلّا عَلَيْكَ حَوَائِمُهْ
ولا رُفِعَتْ إِلّا إِلَيْكَ عُيُونُهُ / ولا ظَأَرَتْ إِلّا عَلَيْكَ روائِمُهْ
ولا راقَ إِلّا فِي جَبينِكَ تاجُهُ / ولا قَرَّ إِلّا فِي يمينِكَ خَاتِمُهْ
فكيفَ بِذِي جَهْلٍ تَعَسَّفَ مَجْهلاً / يُبَرِّحُ واقِيهِ ويَحْتِمُ حاتِمُهْ
فَغالَته فِي غَوْلِ المَهامِهِ غُولُهُ / وهامَتْ بِهِ فِي التُّرَّهَاتِ هَوَائِمُهْ
أَباحَ حِمى الإِسْلامِ لِلْشِّرْكِ مَغْنَماً / لِتُقْسمَ بَيْنَ النَّاهِبِينَ مَغانِمُهْ
وفَضَّ خِتامَ اللهِ عن حُرُماتِهِ / ليُفْتَضَّ عَمَّا تَحْتَويهِ خَواتِمُهْ
وَعَدَّ دِماءَ المُسْلِمِينَ مُدَامَةً / فَبَرَّحَ فِي الأَعْداءِ عَمَّنْ يُنادِمُهْ
فإِنْ أَلْقَحَ الحَرْبَ العَوَانَ فَحَسْبُهُ / فَوَاقِرُ مَا شَالَتْ بِهِ وأَشائِمُهْ
وإِنْ زُجَّ فِي جَفْنِ الرَّدى فَلِحَيْنِهِ / تَخَازَرَ ساجِيهِ وأُوقِظَ نائِمُهْ
غَدَاةَ دعاكَ الدِّينُ مِنْ أَسْرِ فَعْلَةٍ / وَقَدْ أَوْشَكَتْ أَنْ تُسْتَباحَ مَحارِمُهْ
فلَبَّيْتَها فانْجَابَ عَنْها ظَلامُهُ / ووافَيْتَها فَاسْتَنْكَرَتْها مَظَالِمُهْ
وجاءَكَ مَدُّ اللهِ من كُلِّ ناصِرٍ / عَلَى الحَقِّ مَهْدِيّاً إِلَيْكَ مَقَادِمُهْ
ونادى أَبو مَسْعُودٍ النَّصْرَ مُسْعِداً / عزائِمَكَ اللاتِي تَلِيها عزائِمُهْ
بِوُدٍّ كماءِ الغَيْثِ يَسْقِي رِياضَهُ / وبَأْسٍ كَحَرِّ النَّارِ يُضْرَمُ جاحِمُهْ
عَلَى كُلِّ مَنْ حارَبْتَ فَهْوَ مُحارِبٌ / كِفاحاً ومن سالَمْتَ فَهْوَ مُسالِمُهْ
وأَعْصَمَ بالإِشْرَاكِ قائِدُ بَغْيِها / إِلَى مَلِكٍ رَبُّ السَّمواتِ عاصِمُهْ
فَما رَكَضُوا طِرْفاً إِلَيْكَ لِغارَةٍ / وأَسْهَلَ إِلّا أَسْلَمْتَهُ قوائِمُهْ
ولا أَصْلَتُوا سَيْفاً وأَنْحَوْكَ حَدَّهُ / فَعَرَّجَ عَنْ مَثْنى يَمِينِكَ قائِمُهْ
ولا أَشَّبُوا حِصْناً يَرُدُّكَ عَنْهُمُ / وقابَلْتَهُ إِلّا تَدَاعَتْ دَعَائِمُهْ
وإِنْ أَحْرَزُوا فِي قُطْرِ شَنْجٍ نُفُوسَهُمْ / فغانِمُ مَا لا يَحْفَظُ اللهُ غارِمُهْ
فكَمْ قُدْتَ فِي أَكْنافِها من مُقَنَّعٍ / نُفُوسُ الأَعادِي شُرْبُهُ ومطاعِمُهْ
خَمِيسٌ لِجُنْحِ اللَّيْلِ مِنْ أَنْجُمِ الدُّجى / حُلاهُ ومن شَمْسِ النهارِ عمائِمُهْ
كَأَنَّ شعاعَ الشمسِ تَحْتَ عَجَاجِهِ / إِذَا مَا الْتَقَى الجمعانِ سِرٌّ وكاتِمُهْ
تَجِيشُ بِوَدْقٍ من جَنى النَّبْعِ صائِبٍ / أَساوِدُهُ نَحْوَ العِدى وأَرَاقِمُهْ
كَمَا حَمَلَتْ رَحْلَ الدَّبا عاصِفُ الصَّبا / أَوِ انْهَلَّ بالوَبْلِ الأَجَشِّ غَمَائِمُهْ
وهَدَّ هَوَاءَ الجَوِّ نَحْوَ بِنائِها / هُوِيَّ سِلامٍ حانَ مَنْ لا تُسَالِمُهْ
ولَوْ لَمْ تُصَادِمْهُ بِطَوْدٍ مِنَ القَنا / لأَقْبَلَ أَطْوَادُ الجِبالِ تُصَادِمُهْ
ولَوْ لَمْ تُزَاحِمْهُ المَجانِيقُ لانْبَرَتْ / عَلَيْهِ نُجُومُ القَذْفِ عَنْكَ تُزَاحِمُهْ
وَلَيْسَ ولَوْ سامى السَّماءَ بِمُعْجِزٍ / مِنَ المَشْرَفِيِّ وَالعَوَالِي سَلالِمُهْ
فَسَرْعَانَ مَا أَقوى الشَّرى من ضِباعِهِ / وبَرْبَرَ فِي ذَاكَ العَرِينِ ضَرَاغِمُهْ
وطُيِّرَ عن لَيْلِ الأَباطِيلِ بُومُهُ / وشُرِّدَ عن بَيْضِ النفاقِ نعائِمُهْ
وبَدَّلْتَ حُكْمَ اللهِ من حُكْمِ غَيِّهِ / فأَنْفَذَ حُكْمُ اللهِ مَا أَنتَ حاكِمُهْ
فيا رُبَّ أَنفٍ للنفاقِ جَدَعْتَهُ / بِهَا وابْنُ شَنْجٍ صاغِرُ الأَنْفِ راغِمُهْ
غداةَ أَطارَ العقلَ عنه ونَفْسَهُ / بسيفِكَ يومٌ راكِدُ الهَوْلِ جاثِمُهْ
فما يَرتُقُ الأَرْوَاحَ إِلّا رِياحُهُ / ولا يَفْتُقُ الغَمَّاءَ إِلّا غَماغِمُهْ
فلا نُطْقَ إِلّا أَن يُفَدِّيكَ صارِخٌ / ويدعُوكَ بالبُقْيَا عليها أَعاجِمُهْ
فَأَبْرِحْ بيومٍ أَنتَ بالنَّصْرِ مُقْدِمٌ / وأَفْرِحْ بيومٍ أنت بالفَتْحِ قادِمُهْ
ومَنْزِلِ مَفْلُولٍ نَزَلْتَ وخيلُنا / مرابِطُها أَجسادُهُ وجَمَاجِمُهْ
ومُعْتَرِفٍ بالذَّنْبِ مُبْتَئِسٍ بِهِ / دعاكَ وَقَدْ قامَتْ عَلَيْهِ مآتِمُهْ
إِذَا صَدَّهُ الموتُ الَّذِي سامَ نَفْسَهُ / يكُرُّ بِهِ العَيْشُ الَّذِي هُوَ سائِمُهْ
فتَلْقَاهُ أَطرافُ القَنا وَهْوَ نُصْبُها / ويَصْعَقُهُ بَرْقُ الرَّدى وَهْوَ شائِمُهْ
إِذَا كادَ يقضي بالأَسى نَحْبَه قَضَت / لَهُ الرَّحِمُ الدُّنْيا بأَنَّكَ راحِمُهْ
فلم أَرَ أَمْضَى مِنْكَ حكْماً تَحَكَّمَتْ / عَلَى سيفِهِ يَوْمَ الحِفَاظِ مكارِمُهْ
ولا مِثْلَ حِلْمٍ أَنْتَ لِلْغَيْظِ لابِسٌ / ولا مِثْلَ غَيْظٍ أَنتَ بالحِلْمِ كاظِمُهْ
فأَوْسَعْتَهُ حُكْمَ النَّضِيرِ وَقَدْ حَكى / قُرَيظَةَ منه غِلُّهُ وَجَرائِمُهْ
فَوَلّى وَقَدْ وَلّاكَ ذُو العَرْشِ عَرْشَهُ / وطارَ وَقَدْ طارَتْ إِلَيْكَ قوادِمُهْ
وأُبْتَ وَقَدْ لاحَتْ سُعُودُكَ بالمُنى / وغارَتْ بِهِ فِي الأَخْسَريْنَ عَوَاتِمُهْ
تُغَنِّي لَكَ الرُّكْبانُ بالفَتْحِ قافِلاً / وتبكِي عَلَيْهِ بالحِمَامِ حَمَائِمُهْ
فَمَنْ يَنْصُرِ الرَّحمنُ هَذِي عَزَائِمُهْ / ومن يَخْذُلِ الرحمنُ هذِي هَزَائِمُهْ
كَذَا تَتَجَلَّى الشَّمْسُ بَعْدَ كُسُوفِها
كَذَا تَتَجَلَّى الشَّمْسُ بَعْدَ كُسُوفِها / وتَبْرُزُ أَغْمادُ الْوَغى من سُيُوفِها
ويَمْرَعُ بالأَشْجَارِ عُودُ رَبِيعِها / ويُونِعُ بالأَثْمارِ كَرُّ خَريفِها
ونَعْلَمُ أَنَّ اللهَ أَبْقى لأَرْضِهِ / رِعَايَةَ رَاعِيها وعَطْفَ عَطُوفِها
ورَحْمَتُهُ أَبْقَتْ حَيَاةَ رَحِيمِها / ورَأْفَتُهُ جَادَتْ بِنَفْسِ رَؤُوفِها
حناناً عَلَى مَكْرُوبِها وغَرِيبِها / وصُنْعاً إِلَى مَجْهُودِها وضَعِيفِها
ويا عَجَب الأَيَّامِ أَخْفَرْنَ ذِمَّةً / لِمَلْكٍ متى تَسْتَوفِهِ الْعَهْدَ يُوفِها
وكيفَ أَخافَتْنا اللَّيالِي عَلَى الَّذِي / يَقِي عَدوَ عَادِيها وخَوْفَ مُخِيفِها
وكيفَ انْتَحى صَرْفُ الخُطُوبِ لِمُهْجَةٍ / بِهَا أَمِنَ الإِسْلامُ جَوْرَ صُرُوفِها
وإِنْ غَرَّها بالجُودِ خَاتِلُ طائِفٍ / تهجَّى لَهَا الشَّكْوَى بِغَيْرِ حُرُوفِها
فَدَبَّ إِلَيْهَا فِي عَدِيدِ عُفاتِها / ورَاحَ عَلَيْها فِي سِمَاتِ ضُيُوفِها
فَما يُنْكِرُ الأَوْصابَ مَتْنُ مُهَنَّدٍ / مُعَوَّدِ قَرْعِ الباتِرَاتِ عَرُوفِها
ولا بَطْنُ كَفٍّ مَا تَغِبُّ كَواكِباً / تَنُوءُ بِمُنْهَلِّ الغُيُوثِ وَكوفِها
مَقَبِّلُ أَفُواهِ المُلُوكِ وظِلُّها / سَماءٌ عَلَى مَشْرُوفِها وشَرِيفِها
ولا قَدَمٌ لا تَسْأَمُ الدَّهْرَ تَرْتَقِي / ذُرى كُلِّ صَعْبِ المُرْتَقَاةِ مُنِيفِها
ولَوْ يَتَعاطَى عاصِفُ الرِّيحِ شَأْوَها / لعاذَ بأَرْجَاءِ الفَلا من عُصُوفِها
وإِنْ نَالَ يَا مَنْصُورُ مِنْ جِسْمِكَ الضَّنى / فأَمْضى اليَمانِيَّاتِ حَدُّ نَحِيفِها
صَفِيحَةُ ضَرْبٍ شَفَّها الْهامُ والطُّلى / فراقَتْ بِمَصْقُولِ الظُّباةِ مشُوفِها
عَنِيفٌ عَلَى الأَبْطالِ والبُذْلُ لِلَّهى / بكَفٍّ عَلَى الإِسْلامِ غَيْرِ عَنِيفِها
وإِنْ أَسْبَلَتْ شَكْوَاكَ دَمْعَ أَبِيِّها / فقد أَرْقَأَتْ بُشْراكَ عَيْنَ أَسِيفِها
وإِنْ ذَبُلَتْ من دَوْحَةِ المُلْكِ نَضْرَةٌ / فما أَوْحَشَ الدُّنْيا جَنِيُّ قُطُوفِها
لَمَدَّتْ عَلَيْنَا ظِلَّها مِنْ مِهادِها / ونُورَ سَناها مِنْ وَرَاءِ سُجُوفِها
وإِنْ طَرَحَتْ عَنْها الرِّياسَةَ حَلْيَها / وبَدَّلَها الإِشْفاقُ لَوْثَ نَصيفِها
فَوَشْكَانَ مَا عادَتْ من اللهِ نِعْمَةٌ / تَجَلَّتْ بِهَا فِي تاجِها وشُنُوفِها
فَرَدَّتْ عَلَى الإِسْلامِ نُورَ عُيُونِهِمْ / وأَهْدَتْ إِلَى الأَعْداءِ رَغْمَ أُنُوفِها
بكَرِّ نواصِي الخَيْلِ نَحْوَ ديارِها / تنُصُّ المُنى فِي نَصِّها ووَجِيفِها
يَشُبُّ سيوفَ الهِنْدِ نُورُ دَلِيلِها / ويُعْيي حِسابَ الهِنْدِ عَدُّ أُلُوفِها
وتُنْشِئُ رِيحُ النَّصْرِ مِنْها سَحائِباً / تَسُحُّ عَلَى الأَعْدَاءِ وَدْقَ حُتُوفِها
يُقَعْقِعُ رَعْدُ النَّصْرِ من جَنَباتِها / ويُومِضُ بَرْقُ الفَتْحِ بَيْنَ صُفُوفِها
وإِنْ عُجْتَ يَا مَنْصُورُ منها فَأُسْوَةٌ / بِرَدِّ جُنُودِ المُصطَفى عن ثَقِيفِها
وصَدِّ هدايا البُدْنِ دون محلِّها / وقد أكل الأوبارَ طولُ عكوفِها
وإِنْ رُدَّ زَحْفُ الخَيْلِ مِنْكَ بِأَنَّةٍ / فأَعْداؤُها رَهْنٌ بِكَرِّ زُحُوفِها
وهَلْ غَادَرَتْ يُمْنَاكَ إِلّا ودائِعاً / خَتَمْتَ عَلَيْها فِي مَقَرِّ ظُرُوفِها
عَوَائِدُ طَيْرٍ فِي وُكُورِ بُرُوجِها / وحَيَّاتُ غَوْرٍ فِي بطون كُهُوفِها
تَأَيَّى نَوَاصي الخَيْلِ مَعْقُودَةً بِهَا / عُهُودُ مَوَالِيها وحِلْفُ حَلِيفِها
كَتائِبُ يَكْسُونَ الأَباطِحَ والرُّبى / بِخَيْلٍ تَلِيدَاتِ الوَغَى وطَرِيفِها
تَرُدُّ عُيُونَ الجوِّ عَنْ لَمْحَ أَرضِها / وتَثْني أُنُوفَ البَحْرَ عَنْ سَوْفِ سِيفِها
وتُسْمِعُ خِلْدَانَ الثَّرى من صَهِيلِها / ويَخْرَسُ جِنَّانُ الفَلا عن عَزِيفِها
إِذَا أُرْسِلَتْ فِيهَا العُيُونُ تَشَكَّلَتْ / نواظِرُها فِي سَيْرِها وَوُقُوفِها
لإِيلافِ شَمْلِ المُسْلِمِينَ بِرِحْلَةٍ / تَشُجُّ بِمَشْتَاها كُؤوسَ مَصيِفِها
يَقِيها هَجيرَ القَيْظِ ظِلُّ عَجاجِها / ومُجْمِدَةَ الأَنهارِ نارُ سُيُوفِها
فلا أَوْحَشَ الإِسلامَ عامُ جهادِها / ولا أَنَّسَ الأَعداءَ يَوْمُ خُلُوفِها
ولا خَتَرَتْ منكَ المكارِمُ والعُلا / صفاءَ مُصافِيها وإِلْفَ أَلِيفِها
ولا انْصَرَفَتْ عنك الرَّغائِبُ والمُنى / ولا مِنكَ إِلّا مالِئاتِ كُفُوفِها
وإِنْ رَجَعَتْ عن صِدْقِ وَعْدِكَ بُرْهَةً / حواجِبُ آمَالِ الغَرِيبِ بِصُوفِها
أَخَفْضاً نَوَتْ فِينا النَّوى ولَعَلَّها
أَخَفْضاً نَوَتْ فِينا النَّوى ولَعَلَّها / أَجَدَّ بِهَا طُولُ السُّرى فأَمَلَّها
وَحاشَ لأَصْدَاءِ الفَلا أن تَصُدَّها / بِنا أَوْ أَضَالِيلِ الدُّجى أَنْ تُضِلَّها
وأَحْقِرْ بِهَوْلِ البَحْرِ أَنْ يَسْتَكِفَّها / وأَهْوِنْ بِغَوْلِ القَفْرِ أَنْ يَسْتَزِلَّها
ولكِنْ أَيادِي مُنْذِرٍ نَذَرَتْ بِهَا / فكانَتْ لَنَا مِنْها قَذىً وشَجاً لَهَا
فحازَتْ إِلَى عِزِّ الحَياةِ رِحالَنا / وَزَمَّتْ عَلَى خِزْيِ المَتالِفِ رَحْلَها
نَحاها مُقِيلُ العاثِرِينَ بِعَثْرَةٍ / لَعاً لِيَ مِنْها والنَّوى لا لَعاً لَهَا
فكَمْ أَقْفَرَتْ مِنَّا مَحَلّاً وغَرَّبَتْ / وُجُوهاً أَجَدَّتْ فِي الفُؤادِ مَحَلَّها
ويا رُبَّ بَلْهاءِ الصَّبا عن جَوى الهوى / لَبِسْتُ بِهَا عَيْشَ الصَّبابَةِ أَبلَها
كَشَفْتُ لِسَهْمَيْ طَرْفِها عن مَقاتِلِي / مِجَنَّ تُقىً لَمْ يَمْنَعِ النَّفْسَ قَتْلَها
وشَكَّكَني وَجْدِي بِهَا وَصَبابَتِي / أَنَفْسِيَ لِي إِنْ أَخْطَأَ الحَيْنُ أمْ لَهَا
وَحَسْبِي بِهَا عَذْلاً عَلَى سَلْوَةِ الهَوى / وعُذْراً كفانِي العاذِلاتِ وعَذْلَها
بِقَدٍّ إِلَى مُسْتَوْدَعِ القَلْبِ قادَها / ودَلٍّ عَلَى مُسْتَوْطَنِ النَّفْسِ دَلَّها
ولِلْخَفَرِ السَّحَّارِ فِي وَجَناتِها / خَوَاتِيمُ لا يَخْفِرْنَ مِنِّيَ وَصْلَها
وما خَفَرَتْ بِيضُ الصَّوارِمِ والقَنا / مَحاسِنَها مِمَّا أَصابَ فَأوْلَها
فَلِلَّهِ مِنْ بَيْنٍ تَقَسَّمَ طُرْقَهُ / طَوَارِقُ لا يُلْهِينَ عَنْ لَهْوِ مَنْ لَهَا
عَلاقَةُ حُبٍّ شَدَّ مَا عَلِقَتْ بِهَا / حَبائِلُ بَيْنٍ بَتَّ مِنِّيَ وَصْلَها
وَصَفْوَ هَوىً مَا قَرَّ حَتَّى هَوَتْ بِهِ / حوادِثُ تفريقِ القُلُوبِ هَوىً لَهَا
فكُنَّا لَهَا نَبْلاً أَصَابَتْ بِنا الصَّبا / وَمَا عَدَلَتْ عَنْ رَمْيِ قَلْبِيَ نَبْلَها
جُسُوماً أَقَلَّتْها الرِّياحُ فَلَمْ تَدَعْ / لَهُنَّ مِنَ الأَرواحِ إِلّا أَقَلَّها
نَجائِبُ وَصَّاها الجَدِيلُ وشَدْقَمٌ / بأَلّا تَمَلَّ اللَّيلَ حَتَّى يَمَلَّهَا
فَتُخْلِقُ بالإِرْقَالِ ثَوْبَ شَبابِهِ / وتَتْرُكُهُ بالأُفْقِ أَشيَبَ أَجْلَها
تُرَاوِحُهُ مِنْ خِلْفَةِ الفَجْرِ طُرَّةٌ / كَمُعْتَرَضِ الشَّقْرَاءِ تَنفُضُ جُلَّها
فكَمْ حَمَلَتْ مِنْ حُرِّ قَلْبٍ مُولَّهٍ / يُبَلِّغُ عَنْهُ النَّجْمُ قَلْباً مُوَلَّها
وكم ضَمَّ ذَاكَ اللَّيْلُ مِنْ أُمِّ شادِنٍ / أَضَلَّتْهُ فِي جَوْفِ الفَلا وأَضَلَّها
وَقَدْ بَلَّغَ الجَهْدُ القُلُوبَ حَناجِراً / تُبَشِّرُها أَنَّ التَّناهِي مَدىً لَهَا
فَوَشْكانَ يَا مَنْصُورُ مَا نُصِرَ الأَسى / بِرَدِّ أَقاصي الأَرْضِ نَحْوَكَ سُبْلَها
ونادى نَدَاكَ الرَّكْبَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ / أَلا بَلِّغُوا هَدْيَ الرِّكابِ مَحِلَّها
فَلَبَّتْكَ مِنْ غَوْرِ الجَلاءِ أَهِلَّةٌ / أَهَلَّ بِهَا مَأْوَاكَ حَتَّى أَهَلَّها
كَأَنَّا نَذَرْنا مَطْلَعَ الشَّمْسِ مَنْزِلاً / أَلِيَّةَ حَلْفٍ كَانَ وَجْهُكَ حِلَّها
فآوَيْتَ فَلَّ النَّائِبَاتِ وَطَالَما / أَبَرْتَ العِدى قَتْلاً وآوَيْتَ فَلَّها
ونادَيْتَها أَهْلاً وسَهْلاً وَلَمْ تَزَلْ / أَحَقَّ بِهَا فِي النَّازِلِينَ وأَهْلَها
فَظَلَّلْتَ مَنْ لَمْ يُدْرِكِ اللَّيْلُ ظِلَّهُ / وأَغْدَقْتَ مَنْ لَمْ تُلْحِقِ المزْنُ طَلَّها
وعَوَّضْتَنا من رَاحَةِ المَوْتِ رَاحَةً / سَكَنَّا بِهَا بَرْدَ الحياةِ وَظِلَّها
وأَعْمَرْتَ مِنَّا فِي ذَرَاكَ منازِلاً / تَفَقَّدْتَ مَثْواها وأَرْغَدْتَ نُزْلَها
وَلَمْ تَبْدَ مِنْ نُعْمَاكَ إِلّا بِبَعْضِها / وَلَكِنَّهُ عَمَّ الرَّغائِبَ كُلَّها
فَرُحْنا شُرُوباً قَدْ تَأَنَّقَ رَوْضُها / وأَنْهَلَها كَأْسُ السُّرُورِ وَعَلَّها
نَدَامَى ولكِنْ مِنْ عَطايَاكَ راحُها / وَقَدْ جَعَلَتْ من طِيبِ ذِكْرِكَ نُقْلَها
وَخَفَّتْ عَلَى يُمْناكَ مِنَّا مطالِبٌ / تَشَكَّى إِلينا البَرُّ والبَحْرُ ثِقْلَها
وما تَوَّجَتْ هَذِي الرِّياسَةُ سَيِّداً / أَكالِيلَها حَتَّى تَحَمَّلَ كَلَّها
هِيَ البِكْرُ مَجْلاهَا حَرَامٌ مُحَرَّمٌ / فَيا مَنْ بِمَهْرِ المَكْرُماتِ اسْتَحَلَّها
فَتاةٌ دَعَتْ مَنْ للحروبِ وللنَّدى / فما وَجَدَتْ إِلّا ابْنَ يَحْيَى فَتىً لَهَا
مَنِ اخْتَرَقَ الدُّنْيَا لأَوَّلِ دَعْوَةٍ / إِلَى دَعْوَةِ الإِسلامِ فافْتَكَّ غُلَّها
وشَرَّدَ أَحْزابَ العِدى عَنْ حَرِيمِها / وأَدْرَكَ منْ مُسْتَأْسِدِ الكُفْرِ ذَحْلَها
ودَوَّحَ فِي جَوِّ السَّماءِ غُصُونَها / وأَثْبَتَ فِي بَحْبُوحَةِ العِزِّ أَصْلَها
ومَدَّ هوادِي الخَيْلِ فِي طَلَبِ العِدى / فأَوْطَأَها حَزْنَ البِلادِ وسَهْلَها
وكَمْ قَدْ فَدى أَدنى النُّفُوسِ مِنَ القَنا / بِنَفْسٍ نُفُوسُ العالَمِينَ فِدىً لَهَا
فَلَوْ كَانَ للشَّمْسِ المنيرَةِ دُولَةٌ / بأُخْرى لَقِيلَ اصْعَدْ فَحِلَّ مَحَلَّها
ولَوْ لَحِقَتْ مَجْرى الكواكِبِ خَلَّةٌ / لَقِيلَ لَهُ سُسْتَ العُلا فَتَوَلَّها
ولَوْ قِيلَ زِدْها فِي هِباتِكَ واسْتَزِدْ / بِهَا الحَمْدَ من هَذَا الوَرى لاسْتَقَلَّها
ولَوْ كَانَ يَرْضاها نِظاماً لِزِينَةٍ / لَقِيلَ تَتَوَّجْ زُهْرَها وتَحَلَّها
وأَغْنِ بِهِ عنها وَفِي مَنْطِقِي لَهُ / قلائِدُ لا يَرْضى الكَوَاكِبَ بَدْلَها
جواهرُ لَمْ يَذْخَرْ لَهَا الدَّهْرُ مِثْلَهُ / مَلِيكاً ولا أَهْدى لَهُ البَحْرُ مِثْلَها
أُخَلِّدُ فِيهَا مِنْ نداهُ وبَأْسِهِ / خلائِقَ تَسْتَمْلِي الخلائِقُ فَضْلَها
فتُحْبي لَهَا حُسْنَ الأَحادِيثِ بَعْدَها / بإِحْيائِها أَيَّامَ مَنْ كَانَ قَبْلَها
وأُمْلي عَلَى الأَيَّامِ آثارَ مُنْعِمٍ / عَلَيَّ بِعَيْنِ المَكْرُمَاتِ أَمَلَّها
قضى اللهُ لي منها وسائِلَ نِسْبَةٍ / فَأَلَّفَ فِي الأَحْقابِ قَوْلي وفِعْلَها
ثنائي وعَلْياها ومَدْحِي وفَخْرَها / وشُكْرِي ونُعْماها وحَمْدي وبَذْلَهَا
ويَا عِيدَ أَعْيادٍ توافَتْ فأَشْرَقَتْ / عَلَى الدِّينِ والدُّنيا وكُنتَ أَجَلَّها
تُخَبِّرُ عن جَمْعِ المُنى فَتَهَنَّها / وعن عَوْدِ أَعْيادٍ بِهَا فَتَمَلَّها
وبِرُّكَ للأَضْيافِ قَرَّبَ بُعْدَها / وبِشْرُكَ بالزُّوَّارِ أَلَّفَ شَمْلَها
وَلا فِي سرورِ العيدِ نحنُ مُهَنُّوهُ
وَلا فِي سرورِ العيدِ نحنُ مُهَنُّوهُ / ولا فِي سريرِ الملكِ نَحْنُ مُحَيُّوهُ
فلَهفِي عَلَيْهِ والكُمَاةُ تهابُهُ / ولهفي عَلَيْهِ والملوكُ مُطِيعُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والوغى تَسْتَخِفُّهُ / ولهفي عَلَيْهِ والكتائِبُ تَقفُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والضُّيُوفُ تزورُهُ / ولهفي عَلَيْهِ والرَّكائِبُ تَنْحُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والأَمانِي تَؤُمُّهُ / ولهفي عَلَيْهِ والخلائِقُ ترجُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ والمصاحِفُ حَوْلَهُ / يخُطُّ كتابَ اللهِ فِيهَا ويتلُوهُ
ولهفي عَلَيْهِ حاضِراً كُلَّ مَسْجِدٍ / وداعُوهُ أَشياعٌ لَهُ ومُصَلُّوهُ
تَلَهُّفَ قلبٍ لَيْسَ يشفي غليلَهُ / سوابِقُ دمعٍ لاعِجُ الحزنِ يحدوهُ
وأَشكو إِلَى الرحمنِ تَرْحَةَ فجعَةٍ / بمن لَمْ يَبِتْ داعٍ إِلَى اللهِ يَشْكُوهُ
وأَدعو لديهِ فوزَ رَوْحٍ وراحَةٍ / لمن لَمْ يَزَلْ يدعُو إِلَيْهِ ويدعُوهُ
وإِنْ جَلَّ فينا فقدُهُ ومصابُهُ / ليبلُونا فِي الصبرِ عنهُ ويَبْلُوهُ
فقد عَوَّضَ الإِسلامَ من فقدِ نَفْسِهِ / هلالَ سماءٍ لا يضِلُّ مُهِلِّوهُ
وبحراً سقاكُمْ رِيَّ جودٍ وأَنْعُمٍ / فَسَقُّوهُ إِخلاصَ الصدورِ ورَوُّوهُ
وسيفاً حَباكُمْ صَفْحَهُ ومضاءهُ / فصُوغُوا لَهُ حُرَّ الوفاءِ فَحَلُّوهُ
فقد حتمَ الدهرُ الَّذِي حَلَّ خطبُهُ / بأَنْ لَيْسَ إِلّا بالمُظَفَّرِ يَجْلُوهُ
ومن كَانَ لا يعدو الرياسةَ سعيُهُ / فليسَ تباشِيرُ الرياسةِ تَعْدُوهُ
بهَدْي من المنصورِ لَيْسَ يُضيعُهُ / عَلَى سَنَنٍ من سعيِهِ لَيْسَ يَأْلُوهُ
فلولاكَ يَا يحيى لهُدَّتْ لِفَقْدِهِ / ذُرى عَلَمٍ أَذواؤكَ الغُرُّ بانُوهُ
ولولاكَ يَا يحيى لماتَ بِمَوْتِهِ / رجالٌ بأَحرارِ القلوبِ مُوَاسُوهُ
وَمَا رَغِبُوا عن نفسِهِ بنفوسِهِمْ / وَقَدْ ذاقَ طَعْمَ الموتِ حَتَّى يذوقُوهُ
ووُدِّعَتِ الأَرواحُ عند وداعِهِ / وضلَّ سبيلَ الصَّبْرِ عنه مُضِلُّوهُ
وقلَّبَتِ الدنيا قلوباً وأَنفُساً / فلا العيشُ محبوبٌ ولا الموتُ مكروهُ
فلا فَضَّنا دهرٌ وأَنتَ تلُمُّنا / ولا مَضَّنا جُرْحٌ ويمناكَ تَأْسُوهُ
ولا وُقِيَ الإِشراكُ مَا مِنْكَ يُتَّقى / ولا عَدِمَ الإِسلامُ مَا منكَ يرجُوهُ