المجموع : 53
أَحاوِلُ خرقاً في الحياةِ فما أجرا
أَحاوِلُ خرقاً في الحياةِ فما أجرا / وآسَفُ أن أمضي ولم أُبقِ لي ذكرا
ويُؤلمني فرطُ افتكاري بأنَّني / سأذهبُ لا نفعاً جلبتُ ولا ضُرّا
مضتْ حِججٌ عَشْرٌ ونفسي كأنها / من الغيظ سيلٌ سُدَّ في وجهه المجرى
خيَرْتُ بها ما لو تخلَّدتُ بعدَه / لمَا ازدَدْتُ عِلماً بالحياةِ ولا خُبرا
وأبصرتُ ما أهوى على مثلهِ العمى / وأُسمعتُ ما أهوى على مثلهِ الوَقْرا
وقد أبقتِ البلوى على الوجهِ طابَعاً / وخلَّفَتِ الشحناءُ في كبِدي نَغرا
تأمَّلْ إلى عيني تجدْ خَزَراً بها / ووجهي تُشاهِدْه عن الناس مُزورّا
ألم تَرَني من فرطِ شكٍّ ورِيبةٍ / أُري الناسِ حتى صاحبي نظراً شزرا
لبستُ لباسَ الثعلبيِّينَ مُكرهاً / وغطَّيتُ نفساً إنَّما خُلقت نَسرا
ومسَّحتُ من ذيلِ الحَمامِ تملّقاً / وأنزلتُ من عَليا مكانتهِ صقرا
وعُدتُ مليء الصدَّرِ حِقداً وقُرحةً / وعادت يدي من كلِّ ما أمَّلَتْ صِفرا
أقولُ اضطراراً قد صبَرتُ على الأذى / على أنني لا أعرِفُ الحُرَّ مُضطرّا
وليس بحُرٍّ مَن إذا رامَ غايةً / تخوَّفَ أن ترمي به مَسلكاً وعْرا
وما أنتَ بالمُعطي التمرُّدِ حقَّه / إذا كنت تخشى أن تجوعَ وأن تَعرى
وهل غيرَ هذا ترتجي من مَواطنٍ / تُريد على أوضاعها ثورةً كبرى
مشى الدهرُ نحوي مستثيراً خطوبَه / كأني بعينِ الدهر قيصرُ أو كسرى
وقد كانَ يكفي واحدٌ من صروفهِ / لقد أسرفتْ إذ أقبلتْ زُمراً تترى
مشى لي كعاداتِ المخانيثِ دارعاً / يُنازِل قِرْناً مُثخَناً حاسِراً صدرا
خليّاً من الأعوانِ لا ذُخرَ عندَه / سوى الصبرِ أوحشْ بالذي صحبَ الصَّبرا
وما كانَ ذنبي عندَه غيرَ أنني / إذا مسَّني بالخيرِ لم أُطِلِ الشكرا
ولم أتكفَّفْ باليسيرِ ولم أكنْ / كمستأنِسٍ بالقُلِّ مستكثِرٍ نَزْرا
طموحٌ يريني كلَّ شيءٍ أنالُه / وإنْ جلَّ قَدرْاً دونَ ما أبتغي قدرا
حلَبتُ كِلا شطرَيْ زماني تمعّناً / فلم أحمَدِ الشطر الذي فَضَلَ الشطرا
شرِبتُ على الحالينِ بؤسٍ ونعمةٍ / وكابدتُ في الحالينِ ما نغَّصَ السكرا
حُبيتُ بنَدمانٍ وخمرٍ فغاظني / بأنيَ لا مُلكاً حُبيتُ ولا قصرا
ولو بهما مُتّعتُ ما زلتُ ساخطاً / على الدهر إذ لم يَحْبُني حاجةً أُخرى
فما انفكَّ حتَّى استرجعَ الدهرُ حُلوَه / وحتَّى أراني أنني لم أذُق مرّا
وجوزِيتُ شرّاً عن طُموحي فها أنا / برغميَ لا خِلاًّ تخِذتُ ولا خمرا
فانْ يُشمِتِ الأقوامَ أخذي فلم أكن / بأوَّلِ مأخوذٍ على غِرَّةٍ غدرا
وإنْ تفترِسْني الآكلاتُ فبعدَ ما / وثِقتُ بها فاستلَّتِ النابَ والظُفرا
وإن تُلهبِ الشكوى قوافيَّ حُرقةً / وغيظاً فاني قادحٌ كبِداً حرّى
وكنتُ متى أغضبْ على الدَّهر أرتجلْ / مُحرَّقةَ الأبياتِ قاذفةً جمرا
كشأنِ " زيادٍ " حين أُحرجَ صدرُهُ / وضُويقَ حتى قال خُطبتَه البترا
أو المتنبّي حينَ قالَ تذمُّراً / " أفيقا خُمارُ الهمِّ بغَّضني الخمرا"
وما زلتُ ذاك المرءَ يوسِعُ دهرَه / وأوضاعَه والناسَ كلَّهمُ كفرا
تحولتُ من طبعٍ لآخرَ ضدِّه / من الشيمةِ الحسناءِ للشيمةِ النَكرا
وكنتُ وَديعاً طيب النفسِ هادئاً / فاصبحتُ وحشاً والِغاً في دمٍ نَمرا
فلَو دَبَّر الباغونَ للكيدِ خطةً / رأوا أنَّني منهُمْ بَتدبيرِها أحرى
وَلو ملكَ قارونٍ ملكتُ دَفعتُه / على كرهِ بعض الناسِ بعضَهم أجرا
وِشجَّعتُ ما أقوى يراعةَ كاتبٍ / يُزيحُ بها عن كلِّ ذي عورةٍ سِترا
وَمجَّدتُ من بَثَّ الدعايةَ ضدَّهم / ومن قالَ في تَسخيفِ آرائهم شعرا
وِلو حُمَّ لي أنْ أحكمَ الناسَ ساعةً / وأن أتوَلى فيهُمُ النهىَ والأمرا
لمزَّقتُ وَجهاً بالخديعةِ باسِماً / ولا شيتُ ثَغراً بالضَغينةِ مُفترّا
وَقَطَّعتُ كفَّيْ من يمدُّ يمينَهُ / يَصافحني في حين تَطعنُني اليسرى
وَعاتَبتُ سراً من يضِلُّ لنفسةِ / ومن ضلَّلَ الجمهورَ أخزيتهُ جَهْرا
رأيتُ من الإِنسانِ يُطغيه عُجْبُه / من الخزي ما تأباهُ وحشيَّةٌ تَضرى
إذا أُغرِيتْ هذي بأكلِ فريسةٍ / فهذا بأنْ يلهو بتعذيبها مُغرى
أتعرفُ كم من أصيَدٍ مُمتلٍ قهرا / وكم حُرَّةٍ تشكو ومَن حولَها الفقرا
لينعُمَ مَن إنْ عاشَ لم يُدرَ نفعُه / وإنْ ماتَ لم يعرِف له أحدٌ قبرا
أتعرفُ ما يأتيه في السرِّ ناصبٌ / على العينِ منظاراً على الناسِ مغترّا
يُقلِّبهُ بينَ الجموعِ دلالةً / على أنه أذكى من الناس أو أثرى
وما ميَّزتْهُ عن سواه فوارقٌ / سوى أنه قد أتقنَ الرَّقصَ والزمرا
وهذا الذي إحدى يديهِ بجيبهِ / وأُخراهما تلهو بشاربه كِبرا
ولو فتَّشوا منه السَّبالينِ شاهدوا / خلالَهما العاهاتِ محشورةً حشرا
وهذا الذي رغمَ النعيم وشرخهِ / يُرى حاملاٍ وجهاً من الحقدِ مُصفرّا
وهذا الذي إنْ أعجبَ الناسَ قولهُ / مشى ليُريهمْ أنه فاتحٌ مِصرا
وهذا الذي قد فخَّمتْه شهادةٌ / خلاصتُها أنَّ الفتى قارئٌ سطرا
ويكفيكَ منه ساعةٌ لاختباره / لتعلمَ منها أنه لم يزل غِرّا
وهَبْ أنه قد أُلهِمَ العلمَ كلَّه / وحلَّلَ حتى الجوهرَ الفردَ والذرّا
وكانَ " شكسبيرٌ " خويدمَ شعره / وكانت لُغى الأكوان تخدمُه نثرا
فهل كانَ حتماً أنني أنحني له / وتصطكُ مني الركبتانِ إذا مرّا
ألمْ يدرِ هذا " الكوكب ! " الفذ أنه / كما كان حُرّاً كان كلُّ امرئٍ حرّا
ذممتُ مُقامي في العراقِ وعلَّني / متى أعتزمْ مسرايَ أن أحمَدَ المسرى
لَعلي أرى شِبْراً من الغَدر خالياً / كفاني اضطهاداً أنني طالبٌ شِبْرا
صبوت إلى أرض العراق وبَرْدها
صبوت إلى أرض العراق وبَرْدها / اذا ما تصابى ذو الهوى لربى نجدٍ
بلاد بها استعذبتُ ماء شبيبتي / هوىٍ ولبست العزَّ بُرداً على برد
وصلت بها عمرِ الشباب وشَرخَه / بذكر على قرب وشوق على بعد
بذلت لها حق الوداد رعايةً / وما حفظ الود المقيم سوى الود
سلام على أرض الرُّصافة إنها / مراح ذوي الشكوى وسلوى ذوي الوجد
لها الله ما ابهى ودجلةُ حولها / تلف كما التف السوارُ على الزند
يعطر أرجاها النسيم كأنما / تنفس فيها الروض عن عابق النَّد
هواؤكِ أم نشر من المسك نافح / وأرضك يا بغداد أم جنة الخلد
أحباي بالزوراء كيف تغيَّرت / رسوم هوىً لم يُراعَ جانبهُ بعدي
رَضِينا بحكم الدهر لا جو عيشنا / بصاف ولا حبل الوداد بممتد
كأن لم نحمِّلْ بيننا عاتق الصبَّا / رسائل أعيته من الأخذ والرد
جفوتم ولم انكر جفاكم فلستمُ / بأولِ صَحْب لم يدوموا على العهد
أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ
أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ / مزاميرَ عزّافٍ أغاريدَ ساجعِ
لِطافاً بأفواه الرُّاة نوافذاً / إلى القلب يجري سحرهُا في المسامع
تكادُ تُحِسّ القلبَ بين سُطورها / وتمسَحُ بالأردانِ مَجرى المدامع
بَرِمْتُ بلوم الَّلائمين وقولِهم ْ : / أأنتَ إلى تغريدةٍ غيرُ راجع
أأنتَ تركتَ الشعر غيرَ مُحاولٍ / أمِ الشعرُ إذ حاولتَ غيرُ مطاوع
وهْل نضَبتْ تلك العواطفُ ثَرَّةً / لِطافاً مجاريها غِرارَ المنابع
أجبْ أيّها القلبُ الذي لستُ ناطقاً / إذا لم أُشاورْهُ ولستُ بسامع
وَحدِّثْ فانَّ القومَ يَدْرُونَ ظاهراً / وتخفى عليهمْ خافياتُ الدوافِع
يظُنّونَ أنّ الشِّعْرَ قبسةُ قابسٍ / متى ما أرادُوه وسِلعةُ بائع
أجب أيُّها القلبُ الذي سُرَّ معشرٌ / بما ساءهُ مِنْ فادحاتِ القوارِع
بما رِيع منكَ اللبُّ نفَّسْتَ كُربةً / وداويتَ أوجاعاً بتلكَ الروائع
قُساةٌ مُحبّوك الكثيرونَ إنَّهمْ / يرونكَ – إنْ لم تَلْتَهِبْ – غيرَ نافع
وما فارَقَتْني المُلْهِباتُ وإنَّما / تطامَنْتُ حتّى جمرُها غيرُ لاذعي
ويا شعْرُ سارعْ فاقتَنصْ منْ لواعجي / شوارِدَ لا تُصطادُ إنْ لم تُسارِع
ترامْينَ بعضاً فوقَ بعضٍ وغُطّيتْ / شَكاةٌ بأخرى دامياتِ المقاطع
وفَجِّر قُروحاً لا يُطاقُ اختِزانُها / ولا هي مما يتقى بالمباضع
ويا مُضْغَةَ القلبِ الذي لا فَضاؤها / برَحْبٍ ولا أبعادُها بشواسِع
أأنتِ لهذي العاطفاتِ مفازَةٌ / نسائِمُها مُرْتْجَّةٌ بالزعازِع
حَمَلْتُكِ حتَّى الأربعينَ كأنَّني / حَمَلْتُ عَدُوّي من لِبانِ المراضع
وأرْعَيْتِني شَرَّ المراعي وبِيلةً / وأوْرَدْتِني مُسْتَوَبآتِ الشَّرائع
وَعَّطْلت مِنّي مَنْطِقَ العقلِ مُلقياً / لعاطفةٍ عَمْيا زِمامَ المُتابِع
تَلفَّتُّ أطرافي ألمُّ شتائتاً / من الذكرياتِ الذّاهباتِ الرواجع
تحاشَيْتُها دَهْراً أخافُ انبعاثَها / على أنَّها معدودةٌ مِنْ صنائعي
على أنَّها إذ يُعْوِزُ الشِّعْرَ رافِدٌ / تلوحُ له أشباحُها في الطلائع
فمنها الذي فوقَ الجبينِ لوقعهِ / يدٌ ويدٌ بين الحشا والأضالع
فمنها الذي يُبكي ويُضحِك أمرُهُ / فيفتُّر ثغرٌ عِنْ جُفونٍ دوامع
ومنها الذي تدنو فتبعدُ نُزَّعاً / شواخِصُهُ مِثْلَ السَّرابِ المُخادع
ومنها الذي لا أنتَ عنهُ إذا دَنا / براضٍ ولا منهُ – بعيداً – بجازع
حَوى السِجنُ منها ثُلَّةً وتحدَّرَتْ / إلى القبرِ أخرى وهي أمُّ الفجائع
وباءتْ بأقساهُنَّ كَفّي وما جَنَتْ / مِن الضُرِّ مما تَتَّقيهِ مسامعي
ومكبْوتةٍ لم يشفَعِ الصَّفْحُ عندَها / مددتُ إليها مِنْ أناةٍ بشافِع
غَزَتْ مُهجتي حتَّى ألانَتْ صَفاتَها / ولاثَتْ دمي حتى أضَرَّتْ بطابَعي
رَبتْ في فؤادٍ بالتشاحُنِ غارِقٍ / مليءٍ وفي سمَّ الحزازاتِ ناقع
كوامِنُ مِنْ حِقْدٍ وإثمٍ ونِقْمَةٍ / تَقَمَّصْنَني يَرْقُبْنَ يومَ التراجُع
وُقْلتُ لها يا فاجراتِ المَخادِع / تَزَيَّيْنَ زِيَّ المُحصَناتِ الخواشع
وقَرْنَ بصدْرٍ كالمقابر مُوحشٍ / ولُحْنَ بوجهٍ كالأثافيِّ سافِع
وكُنَّ بريقاً في عُيوني وهِزَّةً / بجسمي وبُقْيا رَجفَةٍ في أصابعي
وأرعَبْنَ أطيافي وشَرَدْنَ طائفاً / مِن النوم يَسري في العيون الهواجع
ودِفْنَ زُعافاً في حياتي يُحيلُها / إلى بُؤرةٍ من قسوةٍ وتقاطُع
وعلَّمْنَني كيفَ احتباسي كآبَتي / وكيفَ اغتصابي ضِحكةَ المُتَصانِع
وثُرْنَ فظيعاتٍ إذا حُمَّ مَخْرَجٌ / وقُلْنَ ألسنا من نَتاجِ الفظائع
ألسنا خليطاً مِنْ نذالةِ شامتٍ / وَفْجرَةِ غَدّارٍ وإمْرَةِ خانع
تحلَّبَ أقوامٌ ضُرُوعً المنافِع / ورحتُ بوسقٍ من " أديبٍ " و " بارع "
وعَلَّلتُ أطفالي بَشرِّ تعلِّةٍ / خُلودِ أبيهم في بُطونِ المجامع
وراجعتُ أشعاري سِِجَّلاً فلم أجِدْ / بهِ غيرَ ما يُودي بِحِلْمِ المُراجِع
ومُسْتَنْكرٍ شَيْباً قُبيلَ أوانهِ / أقولُ له : هذا غبارُ الوقائع
طرحتُ عصا التِّرحالِ واعتَضتُ متْعباً / حياةَ المُجاري عن حياةِ المُقارِع
وتابَعْتُ أبْقَى الحالَتْينِ لمُهجتي / وإنْ لم تَقُمْ كلْتاهُما بِمطامعي
ووُقِّيتُ بالجبنِ المكارِهَ والأذى / ومَنْجى عتيقِ الجُبن كرُّ المَصارِع
رأيتُ بعيني حينَ كَذَّبْتُ مَسْمَعي / سماتِ الجُدودِ في الحدود الضَّوارع
وأمعنتُ بحثاً عن أكفٍُّ كثيرةٍ / فألفيتُ أعلاهُنَّ كَفَّ المُبايع
نأتْ بي قُرونٌ عن زُهيرٍ وردَّني / على الرُّغمِ منّي عِلْمُهُ بالطبائع
أنا اليومَ إذ صانعتُ أحسنُ حالةً / وأُحدوثةً منّي كغير مصانع
خَبَتْ جذوةٌ لا ألهبَ اللهُ نارَها / إذا كانَ حتماً أنْ تَقَضَّ مضاجعي
بلى وشكرتُ العْمرَ أنْ مُدَّ حَبْلُه / إلى أنْ حباني مُهلةً للتراجُع
وألْفَيتُني إذ علَّ قومٌ وأنهلوا / حريصاً على سُؤرِ الحياةِ المُنازَع
تمنَّيتُ مَنْ قاسَتْ عناء تطامُحي / تعودُ لِتَهْنا في رَخاءِ تواضعي
فانَّ الذي عانَتْ جرائرَهُ مَحَتْ / ضَراعتُهُ ذَنْبَ العزيزِ المُمانِع
أبن ما لهذا الدين ناحت منابره
أبن ما لهذا الدين ناحت منابره / وقل خفية أين استقلت عساكره
ولم شرق الناعي بمنعاه عله / رأى شامتا يخشى وعيناً تحاذره
فخافت فلا تفصح بما طرق الهدى / جهارا وقل قد أسلم الغاب خادره
وشكواك فاكتمها وقل متجلدا / زمان مضت أولاه هذي أواخره
وهل ينفع المفجوع حبس دموعه / وباطن ما يخفيه يبديه ظاهره
وقالوا : بنو الآمال تشكو من الظما / فقلت : نعم بحر الندى جف زاخره
لفقدك أبكى باطن الأرض ظهرها / فعادت سواءً دوره ومقابره
إذا كان ورد الموت من عمر ماجدٍ / فما عن سوى الأمجاد تهوى مصادره
أبا حسن في الصدر مني سريرة / سأكتمها حتى تباح سرائره
أعدوك للأمر الجليل وأضمرت / خلاف الذي قد أضمروه مقادره
ولم تدرك الثأر المنيم من العدى / فجفنك لم أغضى وهوم ساهره؟
سلام على النعش الخفيف فقد ثوت / ثقال المعالي عنده وأواصره
أناعيهِ خفضْ فالشريعة تعتزي / إلى شيخها فانظر لما أنت ذاكره
لفقدك حال الدين عما عهدته / فمسلمه في ذمة الشرع كافره
فلا بلغ الناعي على دين أحمد / مناه ولا حاقت يديه بواتره
فلو شاء ذاك القبر بين كم به / أماني نفوس قد طوتها ضمائره
فيا لاسقت إلا يداه ضريحه / ففيه مسح الغيث حل وماطره
أعاتب فيك الدهر لو كان يسمع
أعاتب فيك الدهر لو كان يسمع / وأشكو الليالي لو لشكواي تسمع
أكل زماني فيك هم ولوعة / وكل نصيبي منك قلب مروع
ولي زفرة لا يوسع القلب ردها / وكيف وتيار الأسى يتدفع
أغرك مني في الرزايا تجلدي / ولم تدر ما يخفي الفؤاد الملوع
خليلي قد شف السها فرط سهدها / فهل للسها مثلي فؤاد وأضلع
كأني وقد رمت المواساة في الورى / أخو ظمأ مناه بالورد بلقع
كأن ولاه الأمر في الأرض حرمت / سياستهم أن يجمع الحر مجمع
كأن الدراري حملت ما أبثه / إلى الليل من شكوى الأسى فهي ضلع
كأن بلاد الحر سجن لمجرم / وما جرمه إلا العلى والترفع
ستحملني عن مسكن الذل عزمة / باسعافه دون البرية أطمع
أرى لك في هذا التورع مقصداً / وإلا فما ضب الفلا والتورع
تلفعت بالتقوى وثوبك غيره / فلله ذياك الضلال الملفع
لعل زماناً ضيعتني صروفه / يرق فيرعى فيه قدر مضيع
وخلاً أساء الظن بي إن بدت له / حقيقة ما أخفي عن الشر يقلع
إليك زماني خذ حياة سئمتها / هي السم في ذوب الحشاشة ينقع
وإني وإن كنت القليل حماقة / فلي مبدأ عنه أحامي وأدفع
ولو أنني أعجلت خيفت بوادري / ولكن صبر الحر للحر أنفع
دعا الموت فاستحلت لديه سرائره
دعا الموت فاستحلت لديه سرائره / اخو مورد ضاقت عليه مصادره
عراه سكوت فاسترابت عداته / وما هو إلا شاعر كل خاطره
وحيدًا يحامي عن مبادئ جمة / اما في البرايا منصف فيوازره
تفرد بالشكوى فاسعده البكا / لقد ذل من فيض المدامع ناصره
يهم يبث النجم سراً فينثني / كأن رقيباً في الدراري يحاذره
وتنطقه الشكوى فيخرسه الأسى / فيسكت لاحيه إذا جد عاذره
يروم محالاً أن يرى عيش ما جد / أوائله محمودة وأواخره
فؤادي وإن ضاق الفضا عنه فسحة / فلابد أن تحويه يوماً مقابره
فؤادي وكم فيه انطوت لي سريرة / عظيماً أرى يبلى وتبلى سرائره
سيحمل همي عند منزل وحدتي / وتصبح آمالي طوتها ضمائره
فيا طير لا تسجع ويا ريح سكني / هبوبا على جسمي ليسكن ثائره
ويا منزل الأجداث رحمة مشفق / عليه ففيك اليوم قرت نواظره
ويا بدر من سامرته وجدك انقضى / فمن لك بعد اليوم خل تسامره؟
عساك إذا ضاقت بصدرك فرجة / تطالعه في رمسه فتذاكره
ويا خلة الباكي عليه تصنعاً / ألم تك قبل اليوم ممن يغايره؟
تحمل ما ينأى فشاطره الردى / فما ضر لو كانت الرزايا تشاطره
ويا غاضبا قلبي لترقيق حره / سراحاً فقد دارت عليه دوائره
دعا بك يستشفي فاغضيت فانطوى / وما فيه إلا الهجر داء يخامره
أمن بعدد ما وسدته بت جازعاً / إذا مات مهجوراً فلا رق هاجره
فيا ظلمة الآمال عني تقشعي / فقد تتجلى عن فؤادي دياجره
تلبَّد لكن ما حكاه غمام
تلبَّد لكن ما حكاه غمام / وناح ولكن أين منه حمام
ألا ليت إحساسا وسلوى تجمعا / وكيف وهل يلفى سنى وظلام ؟
فمن أين للحساس قلب يريحه / ومن أين للقلب الغبيِّ غرام ؟
أكلُّ نسيم للأسى هبَّ زعزع / وكل ضباب للهموم قتام ؟
تطلَّب دقيقات الأمور تفز بها / وخل التي تنوي فتلك جسام
عقابيلُ داءٍ ما لهُنَّ مطبَّبُّ
عقابيلُ داءٍ ما لهُنَّ مطبَّبُّ / ووضعٌ تغشَّاهُ الخَنا والتذَبذُبُ
ومملكةٌ رهنُ المشيئاتِ أمرُها / وأنظمةٌ يُلهى بهنَّ ويُلْعَب
وناهيكِ مِن وضعٍ يعيشُ بظّله / كما يتَمنَّى مَن يخونُ ويكذِب
وقرَّ على الضيمِ الشبابُ فلم يَثُرْ / وأخلدَ لا يُسدي النصيحةَ أشيب
كأنْ لم يكنْ في الرافدينِ مُغامرٌ / وحتى كأنْ لم يبقَ فيه مجرِّب
أعُقماً وأُمَّاتُ البلادِ ولودةٌ / وإنَّكِ يا أُمَّ الفراتينِ أنجب
وما أنكَّ يُزهى منكِ في الصِّيدِ أصيدٌّ / ويَلْمَعُ في الغُلْبِ الميامينِ أغلب
إذا قيلَ مِن أرضِ العراق تطَّلعَتْ / عيونٌ له وانهالَ أهلٌ ومرحب
يُحكِّمُ في الجُلَّى أغرُّ مُشَّهَرٌ / ويحْتاجُ في البلوى عذيقٌ مرَجَّب
فما لكِ لا بينَ السواعدِ ساعدٌ / يُحَسُّ ولا بينَ المناكبِ مَنكِب
تنادتْ بويلٍ في دياركِ بومة / وأعلنَ نَحْساً في سماكِ مُذَنَّب
وأُلْبِسْتِ من جَورٍ وهضمٍ ملابساً / أخو العزِّ عنها وهو عريانُ يرغب
تكاثرت الأقوالُ حَقاً وباطلاً / وقالَ مقالَ الصدقِ جلْفٌ مُكذَّب
وشُكِّكَ فيما تدَّعيه تظنِّياً / ولو أنَّه شحمُ الفؤادِ المذَوَّب
وباتَ سواءً من يثورُ فيغتلي / حماساً ومن يلهو مُزاحاً فيلعب
فما لكَ من أمرينِ بُدٌّ وإنما / أخفهما الشرُّ الذي تتجنب
سكوتٍ على جمرِ الغضا من فضائحٍ / تُمَثَّلُ أو قولٍ عليه تُعذَّب
تحفَّتْ أُباةٌ حين لم يُلْفَ مركبٌ / نزيهٌ إلى قصدٍ من العيشِ يُركب
فلا العلمُ مرجوٌّ ولا الفَهمُ نافعٌ / ولا ضامنٌ عيشَ الأديبِ التأدُّب
ومُدَّخَرٌ سوطُ العذابِ لناهضٍ / ومُدَّخَرٌ للخاملِ الغِرّ مَنْصِب
أقولُ لمرعوبٍ أضلَّ صوابَه / تَردّي دساتيرٍ تُضِلُّ وتُرْعِب
تداولَ هذا الحُكْمَ ناسٌ لوَ انَّهم / أرادُوهُ طيفاً في منامٍ لخُيّبوا
ودعْ عنكَ تفصيلاً لشَتَّى وسائلٍ / بها مُلِّكُوا هذي الرقابَ وقرِّبوا
فأيسَرُها أنْ قد أُطِيلَ امتهانُهم / إلى أنْ أدَرُّوا ضَرعَها وتحَلَّبوا
وأعجبُ ما قد خلَّفتْهُ حوادثٌ / قليلٌ على أمثالهنَّ التَّعّجب
سكونٌ تَغشَّى ثائرينَ عليهمُ / يُعَوَّلُ أنْ خطبٌ تجرَّمَ أخْطب
عتابٌ يحُزُّ النفسَ وقعاً وإنه / لأنزهُ من صوبِ الغوادي وأطيب
عليكُمْ لأنَّ القصدَ بالقولِ أنتمُ / وليسَ على كلّ المسيئينَ يُعتب
هَبوا أنَّ أقواماً أماتَ نفوسَهُم / وألهاهُمُ غُنْمٌ شهيٌّ ومكسَب
قصورٌ وأريافٌ يَلَذُّونَ ظِلَّها / وجاهٌ وأموالٌ ومَوطيً ومَركب
يخافونَ أنْ يَشْقوا بها فيؤاخَذو / إذا كشفوا عمَّا يَروَن وأعربوا
فما بالُ محروبينَ لم يحلُ مَطعمٌ / لهُم فيُلهيهمْ ولم يصفُ مَشْرَب
خَلِيَّينَ لا قُربى فيُ خْشَى انتقاصُها / لديهمْ ولا مالٌ يُبَزُّ فيُسْلَب
سلاحُ البلادِ المرهفُ الحدِّ ماله / نَبا منهُ في يومِ التَّصادُم مضرب؟
على أنَّني إذ أُسْعُ الأمرَ خِبْرَةً / يلوحُ ليَ العذرُ الصحيح فأصْحِب
همُ القومُ نِعم القومُ لكنْ عراهمُ / ذهولٌ به تُصْبي الغَيارى وتُخلَب
تَغوَّلَ منهم حزمَهُم إلْبُ دهرِهم / عليهم وقد يُوهي القويَّ التألّب
وكلّ شُجاعٍ عاونَ الدهرَ ضَّده / مرّجيهمُ فهو المضامُ المغلَّب
قليلونَ في حين ِ الرزايا كثيرةٌ / وطيدونَ في حينِ الأساليبُ قُلَّب
جريئونَ لكنْ للجراءةِ موضعٌ / وعاقبةٌ إنّ العواقبَ تُحْسَب
يُلاقون أرزاءاً يَشُقّ احتمالُها / وليس بميسورٍ عليها التَّغلّب
فهاهم كمَنْ سُدَّ الطريقُ أمامَه / وضلَّله داجٍ من الليلِ غَيْهَب
على أنَّهم لا يهتدُونَ بكوكبٍ / وقد يُرشِدُ الحَيرانَ في اللِّيل كوكب
إلى الأممِ اللاَّتي استَتَمَّتْ وُثُوبَها / تَشَكَّى اهتِضاماً أُمَّةٌ تَتوَّثب
إذا خلصَتْ مِن عَثْرةٍ طوَّحتْ بها / عَواثرُ مَن يُؤخذْ بها فهو مُحْرَب
وإنْ فاتَها وحشٌ صَليبٌ فؤادُه / تَعَرَّضَ وحشٌ منه أقسى وأصلَب
يُعينُ سِياسياً عليها تفرُّقٌ / وَينصُرُ رَجعيّاً عليها تَعصّب
أُريدَ لها وجهٌ يُزيلُ قُطوَبها / فزيدَ بها وجهٌ أغمُّ مُقطَِّب
وَرِّبتما لاحتْ على السنِّ ضِحكةٌ / له تَنفُثُ السمَّ الزعافَ وتَلصِب
يُرى أبداً رَّيانَ بالحِقْدِ صَدرهُ / كما شالَ لَّلْدغِ الذنابَينِ عَقرب
وتلكَ من المُستَحْدثِ الحُكمِ عادةٌ / يَرى فُرصةً منه اقتِداراً فيضرِب
وما جِثتُ أهجوهُ فلمْ يبقَ مَوضعٌ / نَزيهٌ له بالهجو يُؤتى فيُثْلَب
ولكنه وصفٌ صَحيحٌ مُطابقٌ / يجىءُ به رائي عَيانٍ مُجِرّب
تُشَرَّدُ سُكَّانٌ لسُكنى طوارئ / وتُؤَخذُ أرضٌ من ذويها فتوَهب
وواللهِ لولا أنّ شَعباً مُغَلَّباً / يُلَزُّ بَقرنيهِ كمِعزى ويحلَب
لما عَبِثَتْ فيه أكُفٌّ جَذيمةٌ / ولمْ يَعُلهُ هذا الهجينُ المهلَّب
ولكن رَضوا من حُبّهمْ لبلادِهمْ / بأنَّهمُ يَبكُونها حينَ تُنكَب
فيا لكَ مِن وضعٍ تعاضلَ داؤهُ / تُشاطُ له نَفْسُ الأبيِّ وتُلهب
وللهِ تَبريحُ الغَيارى بحالةٍ / كما يَشتهيها أشعبيُّ تُقَلَّب
يُنَفَّذُ ما تَبغي وتَنهى " عقائلٌ " / وتَعزِلُ فينا " غانياتٌ " وتَنصِب
كأندلُسِ لَمَّا تَدَهْوَرَ مُلْكُها / مُكَنّى جُزافاً عِندنَا ومُلَقَّب
ورُبَّ وسامٍ فوقَ صدرٍ لو انَّهُ / يُجازَى بحّقٍ كانَ بالنعلِ يُضرَب
نشا ربُّهُ بينَ المخازي وراقهُ / وِسامٌ عليها فهو بالخزيِ مُعْجَب
أفي كلِّ يومٍ في العراقِ مؤمَّرٌ / غريبٌ به لا الأمُّ منه ولا الأب
ولم يُرَ ذا بَطْشٍ شَديدٍ وغِلظَةٍ / على بَلَدٍ إلا البعيدُ المُجنَّب
أكُلُّ بَغيضٍ يُثقِل الأرضَ ظِلُّهُ / وتأباهُ يُجبى للعراقِ ويجْلَب
وحُجَّتُهم أن كانَ فيما مضى لنا / أبٌ اسمهُ عندَ التواريخِ يَعْرُب
عِديدُ الحَصى أنباؤهُ ولِكلِّهمْ / مَجالٌ ومَلهىَ في العراقين طَيّب
وقد أصبحوا أولى بنا من نُفُوسِنا / لأنَّهمُ أرحامُنا حينَ نُنْسَب
فأمَّا بَنُوه الأقربونَ فما لهمْ / نصيبٌ به إلَّا مُشاشٌ وطَحْلب
فيا أيُّها التاريخُ فارفُضْ مَهازِلاً / سَتْرفُضها أقلامُنا حين تُكتَب
وقُلْ إنَّني أُودعتُ شتَّى غَرائبٍ / ولا مثلَ هذي فهي منهُنَّ أغرَب
لئن شكر الصبح المحبون إنني
لئن شكر الصبح المحبون إنني / شكرت الدجى إذ كان ما بيننا سترا
وليل رثى لي والأحبة نوَّم / له مقلة بالشُّهب من لوعتي عبرى
بكيت فرَّق النجم لي وهو صخرة / إلى أن جرت منه مجرَّته نهرا
ومالي صدر ينفث الهمَّ زفرة / ولكنّه الهمُّ الذي ينفث الصدرا
خليلي ما اخترت الدراري لو أنني / وجدت بكم من يحفظ العهد والسرّا
وما أهون الآلام لو كان سرُّها / يباح ولكن أحمل الوجد والصبرا
على البدر من غدر الأحبة مسحة / فكل قسى قلباً وضاحكني ثغرا
أأحمدُ ما أبْثَثَتُكَ الهمَّ والجوى
أأحمدُ ما أبْثَثَتُكَ الهمَّ والجوى / مكاشفةً إلا لأنك عارفُ
ألا لا تَنَلْ شكوايَ منكَ فانها / تُؤلِّمُ حتى الصخرَ هذي القذائف
يقولون مطبوعُ القريض لطيفُه / فهل قوبلت باللطف تلك اللطائف
ألا لو يبوحُ الشعر مني بما انطوى / لَهَبَّتْ على هذي الطُروس العواطف
وليل دجوجي الحواشي سعرته
وليل دجوجي الحواشي سعرته / بنار الأسى بين الجوانح فاستعر
نشرت به الآمال وهي هواجس / بعقد الثريا لو غدا مثلها انتثر
وردد لي همس الطبيعة نغمة / من الشعر ما كانت سوى خاطر خطر
أعرت الدراري فكرة تبعث الأسى / إلى القلب شأن الناظرين ذوي الفكر
شكوت إلى البدر الهوى شأن من مضى / قبلي فلم أسكت ولا نطق القمر
بثثت إليه أنةً توهن الصفا / فلما تغاضى صح لي أنه حجر
هو العزم لا ما تدعي السمر والقضب
هو العزم لا ما تدعي السمر والقضب / وذو الجد حتى كل ما دونه لعب
ومن أخلفته في المعالي قضية / تكفل في إنتاجها الصارم العضب
ومن يتطلب مصعبات مسالك / فأيسر شئ عنده المركب الصعب
ومن لم يجد إلا ذعاف مذلة / وروداً فموت العز مورده عذب
وهل يظمأ اللاوى من الذل جانباً / وبيض الظبا رقراقها علل سكب
إذا رمت دفع الشك بالعلم فاختبر / بعينك ماذا تفعل الأسد الغلب
أما والهضاب الراسيات ولم أقل / عظيما فكل دون موقفه الهضب
لئن أسلمتهم عزة النفس للردى / فما عودتهم أن يلم بهم عتب
أحباي لو لم تمسك القلب أضلعي / لطار أسى من برج ذكراكم القلب
قضيتم وفي صدر الليالي وليجة / وما غيركم يستلها فلها هبوا
سقاك الحيا أرض العراق ولا رقت / جفون غوادية وناحت بك السحب
تضمنت لا ضمنت شراً لظالم / كواكب ليل الخطب إن حلك الخطب
بكيت وحيداً في رباك ولم أرد / مخافة واش ان يساعدني الركب
فيا شرق حتى الحشر تربك فوقه / دليل لمن يدر ما فعل الغرب
ذَخَرتُ لأحداثِ الزّمانِ يَراعا
ذَخَرتُ لأحداثِ الزّمانِ يَراعا / يُجيد نِضالاً دونَها وقِراعا
وأعددْتُه للطارئاتِ ذَخيرةً / يُزيحُ عن الشرِّ الكمينِ قناعا
وألفيتُني في كلِّ خطبٍ يَنُوبُه / أُدافعُ عنه ما استطعتُ دِفاعا
وما في يدي إلاّ فؤادي أنَرْته / لِيُلْقي على سُودِ الخطوبِ شُعاعا
وكلّفْتُ نفسي أنْ تُحَقِقَ سُؤلْها / سِراعاً أو الموتَ الزؤامَ سراعا
وما ذاك إلاّ كالمؤدّي رسالةً / رأى كَتْمَها حَيْفاً بها فأذاعا
أهبتُ بشبانِ العراقِ وإنَّما / أردتُ بشعري أن أهيجَ سباعا
أنفْتُ لهذا النشءِ بينا نُريده / طويلاً على صدّ الكوارثِ باعا
يَدِبُّ الى البلوَى هزيلا كأنه / ربيبُ خُمولٍ نَشْأةً ورَضاعا
فما استَنْهضتْ منه الرزايا عزائماً / ولا أحْكَمَ التجريبُ منهُ طباعا
فلا هو بالجَلْدِ المُطيقِ احتمالها / ولا بالشُّجاعِ المستميتِ صراعا
فكم زعزعٍ ما حرّكَتْ منه ساكناً / وكم فُرَصٍ عنّت له فأضاعا
لقد طبقّ الجهلُ البلادَ وأطْبَقَت / على الصّمتِ شبانُ البلادِ جَماعا
وإنَّك لا تَدري أنشءاً مهذباً / تَسوقُ الرزايا أم تسوقُ رعاعا
بمصرَ ومصرٌ ما تزال طريدةً / شرى الظلمُ منها ما أراد وباعا
دويُّ شبابٍ أرْجَفَ الجورُ وقعَه / وزعزعَ من بُنيانِهِ فتداعى
لنا كلُّ هيئاتِ الشبابِ تَصَنُّعاً / وأزيائهم تمويهةً وخِداعا
وليس لنا إلاّ التطاحنُ بيننا / عِراكاً على موهومةٍ ونزاعا
هَلُمّوا الى النشء المثقّفِ واكشِفوا / حجاباً يُغَطّي سَوءةً وقناعا
تروا كلَّ مفتولِ الذراعين ناهداً / قصيراً إذا جدَّ النّضالُ ذِراعا
وكلَّ أنيقِ الثوبِ شُدَّ رباطُه / إلى عُنُقٍ يُعشي العيونَ لمَاعا
يموعُ إذا مسّ الهجيرُ رداءه / كما انحلَّ شَمْعٌ بالصِلاء فماعا
تراه خليَّ البالِ أن راح داهناً / وأن قد ذكا منه الأريجُ فضاعا
وليس عليه ما تكاملَ زيُّه / إذا عَرِىَ الخَلْقُ الكثيرُ وجاعا
وأن راحَ سوطُ الذُّلِ يُلهب أمةً / كراهِيَةً يستاقُها وطَواعا
ولم تُشجِهِ رؤياً وسمعاً قوارعٌ / يسوء عياناً وقعُها وسَماعا
وربَّ رءوسٍ بَرْزَةٍ عشّشت بها / خُرافاتُ جهلٍ فاشتكَيْنَ صُداعا
وساوسُ لو حققّتَها لوجدتَها / من المهدِ كانت أذؤباً وضباعا
بها نوّمَتَنْا الأمهاتُ تخوّفاً / وما أيقظتنا الحادثاتُ تِباعا
ومُرّوا بأنحاءِ العراقِ مُضاعةً / وزوروا قرىً موبوءةً وبقاعا
تروا من عِراقٍ ضاع ناساً تسوءكم / عراةٌ حفاةٌ صاغرين جياعا
وإنَّ شباباً يرقَبُ الموتَ جائعاً / متى اسطاعَ عن حوْضِ البلاد دفاعا
وإنَّ شباباً في التبذل غاطساً / متى كان درعاً للبلاد مَناعا
غَزَتْ أمم الغربِ الحياةَ تُريدُها / وما زوُدَّت غيرَ الشبابِ متاعا
رأى شعبه مُلكاً مُشاعاً لخيره / فأصبح مُلكاً للبلاد مشاعا
إذا أصحرتْ للخطب كان شبابُها / حصوناً منيعاتٍ لها وقلاعا
فقرَّبتِ الأبعادَ عزماً وِهمّةً / وأبدلَتِ الدهرَ المطاولَ ساعا
ونحن ادّخَرْنا عُدّةً من شبابِنا / هزيلاً ومنخوبَ الفؤاد يراعا
إذا ما ألّمت نكبةٌ ببلاده / مضى ناجياً منها وحلّ يفاعا
زوى الشعبُ عنه خيرَه ورفاهَه / فلو سِيمَ فَلْساً بالبلاد لباعا
يرى في الصناعاتِ احتقاراً ويزدهي / إذا طَمْأنَ التوظيفُ منه طماعا
وها نحن في عصرٍ يَفيضُ صناعةً / نرى كلَّ من حاك الحصيرَ صناعا
نقاوِمُ بالعود البوارِجَ تلتظي / ونعتاضُ عن حدّ البخارِ شِراعا
كَرُبْتُ على حالٍ كهذي زريَّةٍ / أقول لأحلامٍ حلمتُ وَداعا
على أنّني آسٍ لعقلٍ مهذَّبٍ / وقلبٍ شُجاعٍ أن يَروحَ ضياعا
وَجَدْتُ جباناً من وَجدْتُ مُهذَّباً / وَجَدْتُ جهولاً من وَجَدتُ شُجاعا!
حمامة أيك الروض مالي ومالك
حمامة أيك الروض مالي ومالك / ذعرت فهل ظلم البرية هالك
نفرت وقد حق النفور لأنني / مجسم أحزان وقفت حيالك
ولولا جناح طار عن موقع الأسى / لكان قريباً من منالي منالك
أعندك علم أنني من معاشر / أبوهم جنى واختار أدنى المسالك
رماهم إلى شر المهالك آدم / فهم أبرياء حملوا وزر هالك
هلمى .هلمى . أن هاتيك نسبة / تقرب ما بيني وبين الملائك
ألسنا وان كنا شتاتا يضمنا / اسانا وإن لم تمس حالي كحالك
ألفت الرياض الزهر يسم ثغرها / وما ألفتي غير الوجوه الحوالك
هزجت فنظمت الدموع قلائداً / فليت مثالي كان لي من مثالك
بعيشك كم غنى مثيلك طائر / وكم نائح مثلي ثوى في ظلالك
تقولين : خلق ليس يدري سوى العنا / عجيب ..فمن أنباك أني كذلك
رأيتك قبلت الغدير لأنه / على صفحتيه لاح مرأى خيالك
وداعبت فيه البدر فانصاع مذعراً / موج ارتجافا خشية من جلالك
فقلت مطاراٍ امة الشرق هكذا / تملكت الاطيار أعلى الممالك
تباكوا وقالوا : الشرق مال دعامه / وهل دعم قامت بغير التمالك !
وقالوا : هي الدنيا عراك رويدكم / فانا ضعاف مالنا والتهالك
نصحنا ولا يجدي وكم قبل رددت / بمثل مقالي صحفهم ومقالك
سألتك ما معنى وجود مكون / إذا لم تكن عقباه غير المهالك
وهل هذه الدنيا سبيل لعابر / أم الأرض مهواة الغواة الهوالك
وإني أراني بين نوم ويقظة / أسيان حالي في هنا أو هناك
أجيبي فلي صوت يقطعه الأسى / فقد لذ للقلب المعنى سؤالك
فردت وأوردت مثل زند لقادح / خواطر يسمو وقعها عن مداركي
وقالت : نعم في ذلك السر حكمة / فقلت : وما شككت في غير ذلك
وبتنا كما شاءت اخوة جنسنا / خليلين أصفى من عقيل ومالك
درسنا كتاب العاطفات وما آعتنت / بنو نوعنا الا بدرس التفارك
الى ان بدا وجه الطبيعة سافراً / يضاحك من ثغر الاقاح المضاحك
وقد شردت فكري هنالك ضجة / لأطيارها تدعو بنبذ التفاكك
إذا ما السماء كانت دخانا كما أدعوا / فليس سوى أنفاس أهل الحسائك
هناك شكرت الطير رأفة مشفق / على جنسه شأن الحزين المشارك
منى خالجت نفسي وأحبب بها منى / تريني حياتي فوق الشهب النيازك
فقلت الى اللقيا سلام مودع / هنالك عيش الخالدين هنالك
لو أنَّ مقاليدَ الجَماهير في يدي
لو أنَّ مقاليدَ الجَماهير في يدي / سَلَكتُ بأوطاني سبيلَ التمرُّدِ
إذن عَلِمَتْ أنْ لا حياةَ لأمّةٍ / تُحاولُ أن تَحيا بغير التجدُّد
لوِ الأمرُ في كَفِّي لجهَّزتُ قوّةً / تُعوِّدُ هذا الشعبَ ما لم يُعوَّد
لو الأمرُ في كفِّي لاعلنتُ ثورةً / على كلِّ هدّام بألفَي مشيِّد
على كُلِّ رجعيٍّ بألفَي منُاهضٍ / يُرى اليوم مستاءً فيبكي على الغد
ولكننَّي اسعَى بِرجلٍ مَؤوفةٍ / ويا ربَّما اسطو ولكنْ بلا يَد
وحوليَ برّامونَ مَيْناً وكِذْبَةً / متى تَختَبرهُم لا تَرى غيرَ قُعدد
لعمرُكَ ما التجديدُ في أن يرى الفَتى / يَروحُ كما يَهوَى خليعاً ويغتَذي
ولكنَّه بالفكر حُرّاً تزَينهُ / تَجاريبُ مثل الكوكَبِ المُتَوقِّد
مشَتْ اذ نضَتْ ثَوبَ الجُمود مواطنٌ / رأت طَرْحَهُ حَتماً فلم تَتردَّد
وقَرَّتْ على ضَيْم بلادي تسومُها / من الخَسف ما شاءَتْ يدُ المتعبِّد
فيا لك من شعبٍ بَطيئاً لخيرِه ِ / مَشَى وحثيثاً للعَمَى والتبلُّد
متى يُدْعَ للاصلاح يحرِنْ جِماحُه / وان قيد في حبل الدَجالةِ يَنْقد
زُرِ الساحةَ الغَبراء من كل منزلٍ / تجد ما يثير الهَمَّ من كلِّ مَرقد
تجد وَكرَ أوهامٍ وملقَى خُرافةٍ / وشَتّى شُجونٍ تَنتهي حيثُ تَبتدي
هم استسلموا فاستعبَدتْهم عوائدٌ / مَشت بِهمُ في الناس مشيَ المقيَّد
لعمْركَ في الشعب افتقارٌ لنهضةٍ / تُهيِّجُ منه كل اشأمَ أربد
فإمّا حياةٌ حرّةٌ مستقيمةٌ / تَليقُ بِشَعبٍ ذي كيان وسؤدُد
وإمّا مماتٌ ينتهَي الجهدُ عِندَهُ / فتُعذَرُ فاختر أيَّ ثَوْبيَك ترتدي
وإلا فلا يُرجى نهوضٌ لأمّةٍ / تقوم على هذا الأساس المهدَّد
وماذا تُرَجِّي من بلاد بشعرة / تُقاد وشَعب بالمضلِِّّين يَهتدى
اقول لقَومٍ يجِذبون وراءهُم / مساكين أمثالِ البَعير المعبَّد
اقاموا على الأنفاس يحتكرونها / فأيَّ سبيلٍ يَسلُلكِ المرءُ يُطردَ
وما منهمُ الا الذي إنْ صَفَتْ له / لَياليه يَبْطَر او تُكَدِّرْ يُعربِد
دَعوا الشعبَ للاصلاح يأخذْ طريقَه / ولا تَقِفوا للمصلحينَ بمَرْصَد
ولا تَزرعوا اشواككم في طريقه / تعوقونه .. مَن يزرعِ الشوكَ يَحصِد
أكلَّ الذي يشكُو النبيُّ محمدٌّ / تُحلُونَه باسم النبيِّ محمّد
وما هكذا كان الكتابُ منزَّلاً / ولا هكذا قالت شريعةُ لَموعد
اذا صِحتُ قلتُم لم يَحنِ بعد مَوعد / تُريدون إشباعَ البُطون لمَوعد
هدايتَك اللهمَّ للشعب حائراً / أعِنْ خُطوات الناهضين وسدِّد
نبا بلساني أن يجامِلَ أنني / أراني وإنْ جاملتُ غير مُخَلَّد
وهب أنني أخنَتْ عليَّ صراحتي / فهل عيشُ من داجَي يكون لسرمَد
فلستُ ولو أنَّ النجومَ قلائدي / أطاوع كالأعمى يمين مقلدي
ولا قائلٌ : اصبحتُ منكم وقد أرى / غوايَتكم او انني غير مهتدي
ولكنني ان أبصِرِ الرشد أءتمرْ / به ومتى ما احرزِ الغي أبعد
وهل انا الا شاعر يرتجونَه / لنصرة حقٍ او للطمةِ معتدي
فمالي عمداً استضيمُ مواهبِي / وأورِدُ نفساً حُرَّةً شرَ مَورد
وعندي لسانٌ لم يُخِّني بمحفِلٍ / كما سَيْف عمروٍ لم يَخنُه بمشْهَد
أإن عنَّ في جنح الدجى بارق الحمى
أإن عنَّ في جنح الدجى بارق الحمى / طويت على الشوق الفؤاد المتيما
وباتت تعانيها ضلوعك جذوة / تضيئ إذا ما طارق الوجد أظلما
جهدت فلم تملك مع الحب مهجة / بها لم يصح الشوق إلا لتسقما
تود وفيه الحزم لو كانت بالحشا / ضنينا ويأبى الحب الا تكرما
سلوت الهوى فليردد النوم سالب / فجفني لم يخلق لكيلا يهوما
فما أنا من ريم الحمى بمكانه / تهون من قدري لديه ليكرما
ولا أنا ممن يقتفي الجهل كاشفاً / فؤادي مرمى للغواني مرجما
ومالي وسلسال بخد مرقرق / نصيبي منه لوعة تورث الظما
قلى لك يا ظبي الصريم وللهوى / فذاك زمان كان ثم تصرما
بمثل الذي راشت لحاظك للحشا / رماني زماني لا عفا الله عنكما
وما فيك يا عرش الشباب مزية / على الشيب الا السير فيك على عمى
سلمت وقد أسلمتني بيد الأسى / كأني إلى الموت اتخذتك سلما
خليلي هل كان السها قبل واجدا ً / خفوق الحشا أم من فؤادي تعلما ؟
وهل بحمام الأيك ما بي من الأسى / شكا فتغني واستراب فجمجما
أظنك ما رنمت إلا تجلداً / وإن قال أقوام سلا فترنما
وما ذاك من ظلم الطبيعة أن ترى / شجياً ولكن كي ترى الحزن مثلما
ولم تبكك الأزهار وجداً وانما / نثرت عليهن الجمان المنظما
فنح ينح القلب المعنى فانما / أقام علينا الليل بالحزن مأتما
وبح لي بأسرار الغرام فرحمة / بأهل الهوى غني مغن ونغما
ولا تحذر الشهب الدراري فلم يدع / لها برح الشهبين قلبا لتعلما
ومنك تعلمت القريض منمنماً / فحق بان أهديك شكري منمنما
فلا تبتئس أن آلمتك حوادث / فأن قصارى الحر ان يتالما
افي كل يوم للحواسد جولة / ارى مقدماً فيها الذي كان محجما
كأن لم أسر من مقولي في كتيبة / ولا حملت كفي اليراع المصمما
ولا كان لي البدر المعلى مسامراً / وان كنت أعلى منه قدراً واكراما
وليل به نم السنا عن سدوفه
وليل به نم السنا عن سدوفه / فنمت بما تطوى عليه الأضالع
تلامع في عرض الأثير نجومه / كأن الدجى صدر وهن مطامع
رعيت به الآمال والنسر طائر / إلى أن تبدى الفجر والنسر واقع
خليلان مذهولان من هيبة الدجى / تطالعني من أفقها وأطالع
سجية مطوي الضلوع على الأسى / متى يرم السلوى تعقه المدامع
صريع أمان لم يقر به جاذب / لما يرتجي الا وأقصاه دافع
عمى لعيون الهاجعين وأسلموا / لحر الأسى جنباً قلته المضاجع
أفي العدل صدر لم تضق عنه أضلع / تضيق به الست الجهات الشواسع
على مجلِسي مادمت حياً أخطُّها
على مجلِسي مادمت حياً أخطُّها / وفي مرقدي ان مِتُّ خطواُّ نصائحي
فهل غيرَ أن أقضي وعندي بَثّةٌ / نعم سوفَ اشكوها لأهل الضرائحِ
بعين الهوى لي بالفراتين وَقفة / أهاجَت كمينَ الشوقِ بين الجوانح
وقد خَفَت الليل البَهيمُ فما به / سوى هاجساتِ الفكرِ لي من مَطارح
أأبهَجُ من هذا جمالاً ومنظراً / فما بالُها سَدَّت علىّ قرائحي
اتعِرفُ امواجَ الفُراتين مُهجتي / اذا استنشدُوها عن قلُوبٍ طوائح
ابحتُ لكِ الشَكوى فهل تسمعينها / والا فبَعدَ اليوم لستُ ببائح
أقمنا بجوٍّ كلُّ ما عند أهله / مجالسُ ألهاها صفير المدائح
ألا هل يعودُ الشعر فينا كأنه / من الظهر يملى عن غيُوث رواشِح
فأحسنُ مما رَدَّدَت نبراتكم / من الكلم العاري غناءَ المراسِح !
قطعتُ ولم يبلغ بيَ العمرُ شوطه / من الشعر أشواطاً بِعادَ المطارح
فقل لسنَيحٍ الطير إن لم تتَرُق له / أهازيجُ شعرٍ أين عنه " سوانحي "
عِنادٌ من الأيَّامِ هذا التعَّسفُ
عِنادٌ من الأيَّامِ هذا التعَّسفُ / تحاول منّي أنْ أُضامَ وآنفُ
وتطلبُ أن يُستَّل في غير طائلٍ / لسانٌ فراتيُّ المضاربِ مُرهف
وللنفسُ مِنْ أنْ تألفَ الذلَّ خُطَّةَ / أجلُّ . ومن أن تُرخص القول أشرف
فكان جزائي شرَّ ما جُوزي امرؤ / عن العيشِ ملتاثِ المواردِ يعزف
تعرَّفْ إلى العيش الذي أنا مُرهقٌ / به . وإلى الحال التي أتكلَّف
تجِد صورةً لا يشتهي الحرُّ مثلَها / يسوءُ وقوفٌ عندَها وتَعرُّف
تجد حَنقاً كالأرقم الصلِّ نافخاً / وذا لَبدٍ غضبانَ في القيد يرسف
أُنغَصُّ في الزاد الذي أنا آكلٌ / وأشْرَق بالماءِ الذي أترَّشف
كما قذفَ المسلولُ من لُبَّة الحشا / دماً أستثيرُ الشعرَ جمر وأقذف
وإنّي وإنْ مارستُ شَّتى كوارثٍ / إذا راحَ منها مُتْلِفٌ جاء متلف
فما حزُّ في نفسي كغدرةِ غادرٍ / له ظاهرٌ بالمُغرِيات مُغلَّف
وفرحةِ أقوام شجاهم تفوُّقي / بأني عنهم في الغنى متخلِّف
قلى لك يا عصر الشبيبة والصبا
قلى لك يا عصر الشبيبة والصبا / فإنك مغدى للأسى ومراح
صحبتك مر العيش لا الروض يانع / لدىَّ ولا الماء القراح قراح
تفيأت أطلال التصابي وإنما / نصيبي منها حسرة وبراح
حشى أفسحت فيه المنى خطواتها / فضاقت به الأرجاء وهي فساح
يقولون : محصوص الجناح هفت به / هموم وماذا يستطيع جناح
على رسلكم إن الليالي قصيرة / وما هي ألا غدوة ورواح
أأحبابنا ماذا التغير لا الهوى / بصاف ولا تلك الوجوه صباح
تحولتم عن ركب الحب واستوى / مشوب وداد عندكم وصراح
إلى م انخداعي بالمنى وهي غرة / وتركي فيها الجدَّ وهو مزاح
هموم ترى في كل حين بمظهر / سواء هديل شائق ونواح
أغاض دموعي أنهن كرائم / وأن النفوس الآبيات شحاح
وما أعربت خرس الأراك بلحنها / عن الحب إلا كي يقال فصاح
لأهل الهوى ياليل فيك سرائر / عجاب وغدر ان ينمَّ صباح
رأوا فيك مخضر الأماني فعرسّوا / بجنحك ا شاء الغرام وناحوا
نغض لمرآك الجفون وإنما / عيون الدراري في دجاك وقاح
خروق نجوم في سماء تلاوحت / كما لاح في جسم الطعين جراح
ومرضى قلوب من وعود وخلفه / ولم تهو يوماً أنهن صحاح
براها الأسى حتى استطار شرارها / فرفقاً. فما هذي النفوس قداح