المجموع : 7
حَنَّ فأجرى للنوى دموعا
حَنَّ فأجرى للنوى دموعا / مولَّهٌ قد عَدِمَ الهجوعا
مذ بانَ عن بانِ الحِمى أحبَّةٌ / كانَ بهمْ شملُ الهوى مجموعا
يسألُ أن هبَّتْ صَباً مِن نحوِهم / أو شامَ برقاً في الدُّجى لَموعا
ما شامَه إلا وأذكى عندَه / نارَ الهوى ضمَّنَها الضلوعا
عَنَّ ففاضتْ مقلةٌ بعدَهم / بُدِّلَ دُرُّ دمِعها نجيعا
أصبحَ بالحبِّ مُناطاً قلبُه / ليس يَرى عنِ الهوى تُزوعا
اِنْ نسمتْ عن حاجرٍ نُسَيْمَةٌ / باتَ بطيبِ نشرِها صريعا
كأنَّما في طيَّها مُدامةٌ / سَقَتْهُ صافي دَنِّها جميعا
واِنْ تلُح ْ بارقةُ يَبِتْ الى / لمعتِها متيَّماً وَلُوعا
كانَ الشبابُ حينَ كانوا جيرةً / اليهمُ أن هجروا شفيعا
واليومَ قد أبدى المشيبُ لهم / مِن نَوْرِهِ في فَوْدِهِ صديعا
ماكانَ لولا الحبُّ يبكي مِن جوىً / ينالهُ الطلولَ والربوعا
أحبابَهُ أصبحَلّما بنتمُ / بطيِفكمْلوزارَهُ قَنُوعا
قد كانَ يرجوأنْ يعودُ بعدما / صوَّح نبتُ وصلِكم مَريعا
وَيصبحَ الزمانُ طلقاً وجهُه / وَتنثني أوقاتُه ربيعا
فَحُلْتُمُ عن عهدِه ولم يَحُلْ / عن ودِّهِ وأحسنَ الصنيعا
فأين ما عاهَدْ تُموه عندَما / شددْ تمُ الرِّحالَ والنُّسوعا
على نياقٍ عُقِرَتْ كم مِن حشاً / راعتْهُ لمّا ثُوِّرَتْ سريعا
سارتْ حِثاثاً بكمُ كأنَّها الظِّلمانُ / تنحوا المهمهَ الشسيعا
غوارباً في حِندسِ الليلِ اِدا / أغشى وفي رأْدِ الضحى طُلوعا
كالُّسفْنِ في بحرِالسرابِ ترتمي / أضحى لها أطمارُهم قُلوعا
من كلِّ فتلاءِ الذراعِ حُرَّةٍ / عجَّزَتِ العُذافِرَ الضليعا
أهكذا أضحتْ مواثيق الهوى / مضاعةً لاتَعدِمُ المُضيعا
ما مِن حقوق أهلِه عليكمُ / أنْ تُصبحوا إلى النوى خُضوعا
رُدُّوا المطيَّ عَنقَاً اليهمُ / واذَّكَّروا الالأُّفَ والرجوعا
وواصِلوا صَبّاً غدا بعدُكمُ / مِنَ عَيْشِه وطيبِه ممنوعا
أقسمتُ ماهبَّ نسيمُ أرضِكمْ / فجاذبَ الاغْصانَ والفروعا
ألاّوجدتُ بردَه على حشاً / أبدى بهِ فراقُكمْ صُدوعا
وكنتُ مِن فرطٍ ولوعي بكمُ / منها لأخبارِكمْ سميعا
ما الوجدُاِلاّ أن أرى مُسَهَّداً / في الحبِّ أو لأمرِكمْ مطيعا
أقفرَ مِن سكانِه المعهدُ
أقفرَ مِن سكانِه المعهدُ / فهل لقربٍ منهمُ موعدُ
هيهاتَ لا قربُهمُ يُرتَجى / ولا غرامي بهمُ يَنْفَدُ
ولا دموعي بعدَ توديعِهم / تَرْقا ولا نارُ الهوى تَبرُدُ
نأوا فلا الدارُ كعهدي بها / ولا أحبائي كما أعهَدُ
وقفتُ في الأطلالِ مستخبراً / هل أتهمَ الأحبابُ أو أنجدوا
فلم تُجبني مِن أسىً نالَها / عليهمُ أحجارُها الركَّدُ
وكانَ لي في نطقِها راحةٌ / لو نطقتْ أرسُمها الهُمَّدُ
أسألُها عنهمْ وفي أضلُعي / زفيرُ وجدٍ قلَّما يَخْمَدُ
ضلالةً أسألُ عن حورِها / ما لا يعي منها ولا يُسعِدُ
بَعُدتُمُ يا أهلَها بعدَما / أدناكُم الدهرُ فلا تُبْعُدوا
ولم أجدْ لمّا ترحّلتُمُ / على النوى والبينِ مَن يُنجِدُ
أنشدُ في آثاركمْ بعدَكُمْ / قلباً بغيرِ الوصلِ لا يُنشِدُ
قد كانَ موجوداً فمذْ غِبتُمْ / ضاعَ فلا يُلفى ولا يوجَدُ
أأجحدُ الوجدَ ولي أدمعٌ / شهودُها تُثْبِتُ ما أجحَدُ
لا تحسبوا قلبي جوًى بعدكمْ / يَقَرُّ أو طرفي أسىً يَهجُدُ
ولا هدوئي ممكناً بعدَما / أصبحَ مِن دونكمُ الفَدْفَدُ
وثوَّرَتْ نجبكمُ للنوى / تَقْدُمُهنَّ العِرْمسُ الجَلْعَدُ
وغرَّدَ الحادونَ في اِثرِها / ليتَ حُداةَ العيسِ لا غرَّدوا
والبينُ ما زالَ له مَوْرِدٌ / مستوبِلٌ يكرهُهُ الورَّدُ
هل يُبْلِغَنَّي حيَّكمْ بالحِمى / وبالعقيقِ البازلُ الأقودُ
اِذا ونتْ أو كَرَبتْ عيسُكم / تلغبُ اهوى وهو بي يُسئدُ
فلا الفلا تمنعُه حثَّهُ / ولا اللَّوى والقُورُ والقَرْدَدُ
له على غاربهِ سائقٌ / لا يعرفُ الأينَ ولا يرقُدُ
ملَّ ظلامُ الليلِ من عزمهِ / فيه إذا ما هجدَ الهُجَّدُ
ما عارضٌ هَيْدَبُهُ مكثِبٌ / مُطَرَّزٌ مِن برقِه مُرْعِدُ
مجلجِلٌ شؤبوبُه دافقٌ / فهو على وجهِ الثرى مُزْبِدُ
أغزرُ مِن دمعي وقد أزمعتْ / على الرحيلِ العُرُبُ النهَّدُ
يا سربُ نعمانَ لقد شاقني / لما سنحتَ الرشاُ الأغيدُ
مرَّ أمامَ السَّرْبِ يعطو وقد / وَلَّهَ عقلي جِيدُه الأجيَدُ
يَخْجَلُ غصنُ البانِ مِن قَدَّه / اذا تثنى قده الأملد
لي من جنى مبسمه مشرب / لم يُغنني مِن غيرِه موردُ
يوعدُني الوصلَ ولكنَّهُ / يُخِلفُني بالمَطْلِ ما يوعدُ
أطالَ بالمطلِ سَقامي الى / أنْ ملَّ أسقامي بهِ العُوَّدُ
ليالي القربِ هل لكِ أن تعودي / لقد أسرفتِ في طولِ الصدودِ
حميداتٍ كما أهوى سراعاً / فاِنَّ العمرَ بالعيشِ الحميدِ
سقى أيامنَا بالنَّعْفِ دمعي / وطيبَ زمانِنا بلِوى زَرودِ
وحيّا المزنُ أكنافَ المصلى / يسوقُ عِشارَه حَدْوُ الرعودِ
ملاعبٌ خُرَّدٍ بيضٍ حسانٍ / صقيلاتِ الطُّلى هِيفِ القدودِ
نأينَ وفي الربوعِ لهنَّ عَرْفٌ / أقامَ بهنَّ مِن رَدْعِ النُّهودِ
ألا يا ضرَّةَ القمرينِ رِقَّي / لمكتئبٍ مِنَ البلوى عَميدِ
يُذيلُ الدمعَ في الأطلالِ ممّا / يُعانيهِ مِنَ الشوقِ الشديدِ
كأنَّ دموعَه فيها لآلٍ / تناثرَ دُرُّهُنَّ مِنَ العقودِ
وكانَ يرى فراقَ اليومِ صعباً / فكيف يكونُ في الأمدِ البعيدِ
ملكتِ فؤادَه بكحيلِ طرفٍ / وفاحمِ طُرَّةٍ وبياضِ جيدِ
ورمتِ زيادةً في الحبَّ منّي / وليس على غرامي مِنْ مزيدِ
أعينيني على سَهَرِ الليالي / اِذا جَنَّ الظلامُ على الهُجُودِ
فقبلَ البينِ كنتُ أُخالُ جلداً / فلمّا حَلَّ لم أكُ بالجليدِ
وَمنّيني بعودِ العيشِ غضّاً / فاِنّ الحرَّ يقنعُ بالوعودِ
فكم يسعى بيَ الواشونَ ظلماً / إليكِ وسقمُ جسمي مِن شهودي
وجودي لي بوصلكِ بعدَ هجرٍ / رضيتُ به لعلَّكِ أن تجودي
وعودي بي إلى المعهودِ ممّا / به عُوَّدتُ مِن كرمِ العهودِ
لعلَّ الدارَ أن تدنو نواها / ويورِقَ بعدَ طولِ اليُبْسِ عُودي
فقد سئمتْ مصاحبتي المَهارى / وشدَّي للحدائج والقُتودِ
وخَوضي بحرَ كلَّ سرابِ قفرٍ / عليها واعتسافي كلَّ بيدِ
وتعليلي نجائبَها بهادٍ / اِذا كلتْ مِنَ المسرى وهِيدِ
على أكوارِها أنضاءُ شوقٍ / يؤودُ قواهمُ حملُ البرودِ
ترامى بالأزمَّةِ خاضعاتٍ / لواغبَ في هبوطٍ أو صعودِ
اِذا ما القيظُ اظمأها فدمعي / سَيُغنيها عنِ العَذْبِ البَرودِ
لها ولِمنْ عليها منهُ وِردٌ / اِذا حَنَّ العِطاشُ إلى الورودِ
واِنْ ضلَّتْ سأهديها إذا ما / ألاحَ الركبُ من أرجِ الصعيدِ
تؤمُّ حبائباً مذ بِنَّ أمستْ / تُخّدَّدُ أدمعي وَرْدَ الخدودِ
لئن قُربَّنَ بعدَ البينِ منّي / وراجعَ عازبٌ الوصلِ الشريدِ
فذلكَ مِنَّةٌ للدهرِ عندي / واِقبالٌ مِنَ الحظَّ السعيدِ
برقٌ على الجِزعِ بدا يلمعُ
برقٌ على الجِزعِ بدا يلمعُ / حَنَّتْ اليهِ الاِبِلُ الضُّلَّعُ
أومضَ والركبُ نشاوى هوًى / فاندفعتْ أعينُهمْ تَدمَعُ
بَكَوا مِنَ الوجدِ على جيرةٍ / ساروا عنِ الخَيْفِ وما ودَّعوا
اَسْرَوا مِنَ الخَيْفِ إلى لَعْلَعٍ / ولم تَزَلْ دارَ الهوى لَعْلَعُ
يا برقُ كم هجتَ لهم من جوًى / باتتْ عليه تنطوي الأضلعُ
ما لمعتْ منكَ سنا شعلةٍ / اِلاّ وسحَّتْ منهمُ الأدمعُ
وكان في الدمعِ لهمْ راحةٌ / لو أنَّه بعدَهمُ ينفعُ
يبكونَ في أربعِ أحبابِهم / شوقاً وقد بكَّتْهُمُ الأربُعُ
خلتْ مِن السكّان أقطارُها / فهي قِفارٌ منهمُ بلقعُ
وحلَّها مِن بعدِ غِزلانِها / مِنَ الفلا غِزلانُها الرّتَّعُ
أقسمتُ ما السحبُ غدتْ حُفَّلاً / على الرُّبى مُثجِمةً تَهْمَعُ
غصَّ يَفاعُ الرضِ مِن مائِها / ليستْ تَني سَحّاً ولا تُقلِعُ
يكادُ أن يدفعَها خيفةً / يكفَّهِ مِن قربِها المُرضِعُ
اهمعَ مِن دمعي غداةَ النوى / والعيسُ في بيدِهمُ تُوضِعُ
ناديتُ بالحادي واظعانُهم / للبينِ لا كان النوى تُرفَعُ
قفْ ساعةً يحظُ بتوديِعهم / صبٌّ من التفريقِ لا يهجعُ
لم يُلهِه بعدَهمُ ملعبٌ / ولا اطبَّاهُ لهمُ مربعُ
لموقه سارتْ مطاياهمُ / قلبٌ على بينهمُ مُوجَعُ
ساروا فسارَ القلبُ في اِثرهم / كيف استقلَّتْ عيسهمْ يَتبعُ
يا سُجَّعَ الورقِ لقد شاقَني / حمامةٌ فوقَ النقا تَسجعُ
ما سمعتْ أذنٌ وقد رَّجعتْ / كصوتِها طيباً ولا تَسمعُ
أطرَبها الدوحُ فناحتْ على / أفنانهِ وهو لها مُونِعُ
ونحتُ مِن تَذكارِ عهدِ الهوى / فهل له بعدَ النوى مَرجِعُ
وعِرْمِسٍ حَنَّتْ إلى حاجرٍ / فهي برحلي في الفلا تَنْزِعُ
تشوقُها أنوارُ نُوّارِه / فروضُهُ غِبَّ الحيا مُمرِعُ
كأنَّها الهَيْقُ إذا ما بدا / نعمانُ أو لاحَ الأجرَعُ
منازلٌ راقَ لها نبتُها / مِن بعدِما راقَ لها المشرَعُ
فهي من الآل وتهاره / نحو الحمى ظامئة تطلع
يغرُّها الرقراقُ مِن بحرِه / فمِن صداها تَنثني تكرعُ
تطلبُ وصلاً فاتَ ميقاتُه / وفائتُ الأزمانِ لا يَرْجِعُ
آليتُ لا حِلْتُ ولا حِلْتُمُ
آليتُ لا حِلْتُ ولا حِلْتُمُ / عن كلَّ ما أعهدُهُ منكمُ
وبالذي ارعاه مِن عهدِكمْ / بعدَ نواكمْ يُعرَفُ المغرمُ
قد كنتُ أبكي والنوى لم تَحِنْ / بعدُ فما الحيلةُ أن بِنتمُ
وكيف لا يَقلَقُ مِنْ لم يزلْ / يُقْلِقُهُ حبُّكمُ الأقدَمُ
أرتاحُ للريحِ إذا ماسرتْ / مشمولةً تُخبِرُني عنكمُ
كأنَّها تأسو جِراحَ الهوى / فهي لقلبي دونكمْ مرهمُ
ما عَلِمَ الرُّكبانُ ما حلَّ بي / في الوجدِ لو لم يَلُحِ المَعْلَمُ
كتمتُه حتى إذا ما بدا / أظهرتِ العبرةُ ما أكتمُ
ولم تزلْ تُظهِرُ سرَّ الهوى / منّي إذا ما زرتُها الأرسُمُ
أسألُها عن أهلِها ضَلَّةً / كأنّها تسمعُ أو تَفْهَمُ
وربَّما أعربَ عن كلَّ ما / يزيدُ وجدي ربعُها الأعجَمُ
منازلٌ قد صِرْتُ أبكي لها / مِن بعدِ ما كنتُ بها أَبسِمُ
بادمعٍ مِن بعدِ أهلِ الهوى / على ثرى أطلالِهم تَسْجُمُ
اِنْ أعوزَ الغيثُ وان أنجمَتْ / سحائبُ الرَّىَّ انبرتْ تَثجِمُ
والدهرُ حالانِ فطوراً له / بؤسي وطوراً بعدها أنعُمُ
فلا تَضيقَنَّ بأفعالِه / فربَّما هانَ الذي يَعظُمُ
أحبابَنا لا تَرِدوا أدمعي / فاِنَّها بعدَ نواكُمْ دَمُ
بَعُدْتُمُ فالدهرُ في ناظري / بغيرِ أنوارِكمُ مُظلِمُ
وعيشتي البيضاءُ بعدَ النوى / كدَّرها هجركُمُ الأدهَمُ
لولا دموعي يومَ توديعكمْ / لم تكُ أسرارُ الهوى تُعلَمُ
أأشتكيكمْ أم إلى جورِكمْ / أشكو الذي قد حلَّ بي منكمُ
ولا أرى في مذهبي أَنَّهٌ / يُنصِفُني مَنْ لم يزلْ يَظلِمُ
شِنْشنَةٌ صارتْ له مذهباً / وهو لها دونَ الورى أخزَمُ
أحبَّةٌ لو قيلَ ماذا الذي / نختارُه ما قلتُ إلا همُ
هم أسلموني لاِسارِ الهوى / ظلماً وظنُّوا أنَّني أسلمُ
قلبي على ما نالَهُ منهمُ / لا يعرفُ البثَّ ولا يسأمُ
اِنْ أنجدوا أو أتهموا لم يزلْ / وهو المَرُوعُ المنجِدُ المتهِمُ
وناظرٍ لم يَغْفُ خوفَ النوى / والبينِ لمّا هجعَ النوَّمُ
جيرانَنا ها أنا باقٍ على / عهدي فهل أنتمْ كما كنتمُ
ما غيَّرَ الدهرُ لنا وجهُهُ / عنِ الرَّضى حتى تغيَّرتُمُ
وفَيْتُ لمّا خانَ أهلُ الهوى / ولم أقلْ إِنكمُ خنتُمُ
كنايةٌ في طيَّها كلُّ ما / يُوهنُني منكمْ وما يؤلمُ
فليتكمْ لمّا سرتْ عيسُكمْ / عن أبْرَقِ الحنّانِ ودَّعتُمُ
آهاً على طيبِ ليالي الغَضا / لو أنَّها عادَتْ ولو عُدْتُمُ
غبتمْ فما لذَّ لنا عيشُنا / ولا استُحِثَّ الكاسُ مذ غِبتُمُ
فالغيثُ والمنثورُ هذا أسًى / للبينِ يبكيكمْ وذا يَلطِمُ
وأصفرُ الزهرِ ومبيضُّهُ / هذاكَ دينارٌ وذا درهمُ
والروضُ مخضلٌّ بقطرِ الندى / فالطيبُ مِن أرجائهِ يَفْغَمُ
وللهوى في كبدي جذوةٌ / تبيتُ مِن خوفِ النوى تُضرَمُ
فهل أرى حيَّهمُ باللَّوى / يُدنيهِ منّي البازلُ المُكْدَمُ
كأنَّه في هَبَواتِ السُّرى / يُثيرُهنَّ الخاضِبُ الأصلَمُ
كم رُفِعَتْ أخفافهُ عنْ دَمٍ / كأنَّه في اِثرِه عَنْدَمُ
ترتاعُ للصوتِ واِرهابِه / كأنَّما في ثِنيهِ أرقمُ
يا أيُّها النظمُ نداءَ امرئٍ / يَشغَفُهُ مذهبُكَ الأقومُ
تَعُبُّ كالسيلِ على خاطرٍ / طمى عليه بحرُكَ المُفْعَمُ
أُثني بما فيكَ على رُتْبَةٍ / لم يُعْطَها عادٌ ولا جُرْهُمُ
لو كنتَ في عصرِ رجالٍ مَضَوا / صَلَّوا على لفظكَ او سَلَّموا
يا أيُّها البدرُ الذي ريقُه
يا أيُّها البدرُ الذي ريقُه / خمرٌ له في فيهِ جِرْيالُ
خدُّكَ أضحى كالشقيقِ الذي / له على وجنتهِ خالُ
بي مِن جوى التبريحِ اشِفاقُ
بي مِن جوى التبريحِ اشِفاقُ / فهل لدائي منه اِفراقُ
ولي فؤادٌ مِن حذارِ النوى / ورحلةِ الأحبابِ خَفّاقُ
ومقلةٌ جادتْ بأمواهِها / على الطلولِ الخُرْسِ آماقُ
لا نومُها عادَ ولا طيفُهمْ / بعدَ النوى والبينِ طرّاقُ
منازلٌ مذ بانَ سكّانُها / عاودَني هَمٌّ واِيراقُ
ذِكْرٌ ووجدٌ بهما تلتظي / أضالِعٌ تَفْنَى وأشواقُ
وأربعٌ يشقى بها مغرمٌ / تُقلِقُه الذكرى ومشتاقُ
ووقفةٌ فيها واِنْ أرمضتْ / بِسُّمِ يومِ البينِ درياقُ
ما أنسَ لا أنسَ وقد ثوَّرَ ال / حادونَ عن نجدٍ وقد ساقوا
وراعني لا راعني بعدها / للبين اِرعادٌ واِبراقَ
واندفعتْ كلُّ بجاويَّةٍ / اِعمالُها نصٌّ واِعناقُ
وكلُّ وخادٍ رمينا بهِ / غُبرَ الموامي فهو سبّاقُ
له وراءَ القومِ أن غلَّلُوا / في البيدِ اِشآمٌ واِعراقُ
فهل يُرجَّى لفؤادي وقد / سارَ مع الأظعانِ اِطلاقُ
ظعائنٌ قامَ لأشواقِنا / بعد تنائيهنَّ أسواقُ
وأنفسُ العُشّاقِ بعدَ النوى / قد بقيتْ منهنَّ أَرْماقُ
ذاقوا مِنَ الوجدِ وأسبابِه / بعدَ نوى الجيرةِ ما ذاقوا
حواجبُ الغيدِ قِسيٌّ لها / في الحُسنِ قبلَ اليومِ اِغراقُ
كم فتكتْ يوُماً بعُشّاقِها / منهنَّ أهابٌ وأحداقُ
والحبُّ داءٌ راحَ مِن قبلِنا / عليه أحبابٌ وعُشّاقُ
أحبَّةٌ قد كان ناديهمُ / له بنورِ القومِ اِشراقُ
فوابلُ الدمع وقد أزمعوا / عن الحمى في الدارِ غَيداقُ
هم نقضوا عهدي ومَنْ ذا الذي / ما خانَهُ عهدٌ وميثاقُ
وما حماماتٌ بوادي الغَضا / مِن لحنها يَخْجَلُ اسحاقُ
لنوحِها في كبدي كلَّما / ناحتْ على الأغصانِ اِحراقُ
كأنَّها فيها قيانٌ غدتْ / يستُرها منهنَّ أوراقُ
يوماً كَنَوحي عندما كظَّني / مِن ألمِ التبريحِ اِرهاقُ
ولا سحيقُ المسكِ قد حبَّه / في الحيَّ عطارٌ وسحّاقُ
ينفحُ بالطيبِ فيستافُه / مِن نسماتِ الريحِ نشّاقُ
يوماً كأشعاري وقد عُطَّرَتْ / منهنَّ أمصارٌ وآفاقُ
لنظمهِ في طبقاتِ النُّهى / يدٌ وفي الاِعرابِ اِعراقُ
شكايةُ الصبَّ إلى الأربُعِ
شكايةُ الصبَّ إلى الأربُعِ / ضلالةٌ في الوجدِ لم تنفعِ
وكيف يشكو فَعِلاتِ الهوى / فيهنَّ والأطلالُ لم تسمعِ
فهل لذاكَ الوصلِ مِن عودةٍ / أم هل لماضي العيش من مَرجِعِ
أم هل لمَنْ روَّعني صوتُه / بالصبحِ والاِصباحُ لم يَطلُعِ
أذانهُ شَتَّتَ شملَ الهوى / ليت المنادي بالنوى قد نُعي
مِن غفلةٍ عنه واِلاّ فيا / ليت أذانَ الصبحِ لم يُسمَعِ
فأيُّ دمعٍ لم يَفِضْ حُرْقَةً / وأيُّ قلبٍ منه لم يُصْدَعِ
يا دارُ سقّاكِ مُلِثُّ الحيا / مِن دِيمةٍ وطفاءَ لم تُقلِعِ
كأنَّها في الدارِ بعدَ النوى / وبعدَ جيرانِ النقا أدمعي
للهِ مِن نارِ هوًى بعدّهمْ / تُحنى على زفرتِها أضلعي
ومِن مقامٍ قمتُ فيه على / حُكْمِ وَدَاعٍ لهمُ مُفظِعِ
ومِن نوًى قد بَسَطَتْ شقَّةً / طالتْ على أينقنا الظلَّعِ
وليلةٍ قلتُ وقد أطنبتْ / عاذلتي في عذلِها
الموجِعِ /
لومي على فرطِ غرامي بهم / اِنْ شئتِ يا لائمتي أو دعي
فلستُ بالقابلِ عذلاً وهل / يقبلُه منكِ فتًى لا يعي
هذا فؤادٌ بعدَهمْ خافقٌ / ومقلةٌ للبينِ لم تَهجَعِ
ومغرمٍ قالَ لأيامِه / بعدَ النوى ما شئتِ بي فاصنعي
فليس لي مِن راحةٍ بعدَهمْ / كلاّ ولا في العيشِ مِن مطمعِ
يقلقُني البرقُ إذا ما بدا / كالسيفِ مسلولاً على لَعْلَعِ
فَيَنْفِرُ النومُ لأيماضِه / ويَصدِفُ العاني عنِ المضجعِ
ويطَّبيهِ فوقَ بانِ الحِمى / نوحُ حمامٍ بالغَضا سُجَّعِ
يَنُحْنَ في الأيكِ فيُبدي أسًى / مِن نوحِها سرُّ الهوى المودَعِ
ويذكرُ العهدَ فيخشى على / أعشارِ قلبٍ بهمُ مولَعِ
مالي وللآثارِ ابكي على / رسومِ أطلالهمُ البلقعِ
وأُنشدُ الأشعارَ في أربُعٍ / للشوقِ أسقيهنَّ بالأربَعِ
شعراً غدا كالماءِ مِن رقَّةٍ / بغيرِه الغُلَّةُ لم تَنقَعِ
أنظِمُ منه كلَّ سيارةٍ / تُنشَدُ في نادٍ وفي مجمعِ
اِذا حدا الحادي بها نجبَهُ / طوتْ شِقاقَ البيدِ بالأذرعِ
بحملِها وهي على أينها / دامية الأخفاف والأنسع
جوهرُ لفظٍ قد أشارَ النهى / اليه في النضيدِ بالاصبَعِ
فأيُّ لفظٍ فيه لا يُشتهى / وأيُّ فضلِ فيه لم يُجمَعُ