المجموع : 22
في ليلة ليس بها كوكب
في ليلة ليس بها كوكب / كأنما مشرقها مغرب
يمسي سواداً كل ما بينها / ففوقها وتحتها غيهب
لا يدرك الفكر بها مطلباً / فكل ما يطلبه يهرب
جاؤا بمظلوم إلى ظالم / قالوا له هذا هو المذنب
بكى وفي الدار بكور مثله / فكل من في داره ينحب
وقد رأينا حوله صبية / تندب حين أمهم تندب
قال اجعلوه مثل أترابه / من كان من مذهبه يذهب
وأقبل الصبح على أيم / وصبية ليس لديهم أب
يا بحر لو تنطق أخبرتنا / ما قال من غيبت إذ غيبوا
يا وطني حييت من موطن
يا وطني حييت من موطن / تحيتي إليه سكب الدموعْ
أسرّ لي من نيل ما اشتهي / أن يقسم الدهر إليك الرجوعْ
أقسمت لو تفتحت وردة / فيك غدا عندي شذاها يضوع
تطلع أقمارك في أوجها / يا ليت عندي كان ذاك الطلوع
خذ من ضلوعي ما يشاء الهوى / أولا فخذ إن شئت معهُ الضلوع
شوق جوى وجد ضنى حسرةٌ / شجوٌ حنين خفقان ولوع
فيك ربوع أهّلت بالصبا / يا ليت شعري كيف تلك الربوع
نزعت عنك كارهاً فرقة / لكن أراد الله هذا النزوع
من أين جدّ اليوم هذا الخصام
من أين جدّ اليوم هذا الخصام / يا أمم الغرب نقضت الذمام
كنا استعدنا الأمسَ عهدَ الصَّفا / فلم يدم أمس ولا العهد دامْ
كنا نسينا ما جرى بيننا / وكاد يبدو في الجراح التئامْ
واستُجمعت في الصفو اهواؤنا / وعادت الوصلة بعد انصرامْ
أريتنا في الودّ معنى الجفا / وجئتنا بالحرب تحت السلام
إختلف التسليم ما بيننا / يد تحيى ويد في الحسام
لا تبسمي من بعد هذا لنا / قد غرّنا فيما مضى الابتسام
وأمّة ما اشبهت أمّة / تفردت بالغدر بين الأنام
تسومنا الضيم بلا علة / يا بنت روما إننا لن نضام
هذي قلوب لا تهاب الحمام / هذي صدور لا تبالي الصدام
فاضرمي بين الثرى والسما / ناراً تلج ما بين ذاك الضرام
هل تُستبى أمّ أسود الشرى / والأسدُ ما بين يديها قيام
أم يستباح اليوم ذاك الحمى / وفيه أمثال طغورد نيامْ
أم جندنا أضحوا كسرب المها / أم أصبح العُرب كخيط النعام
مهلاً فلا تستقدمنْ خطوة / قد يرغم الآناف هذا الرغام
يا رُبَّ همٍّ أصلهُ من هيام / ورُبَّ غرم فادح من غرام
يشوي الفراش النورُ في ناره / وقد تميت الكاس صبّ المدام
وهذه الأقدار مجهولة / والكون لا يبقى عليه انتظام
ما يبلغ الأسطول من معشر / أسطولهم في البرشم الأكام
منيفة ثابتة صلبة / منيعة جانبها لا يرام
تهوي عوالي الطير من دونها / وينثني عن مرتقاها الغمام
يا علَمُ اخفق يا طبول ارعدي / ويا أسود استقدمي للأمام
والله لا نتركها للعدا / تدوس بالأرجل تلك العظام
حتى تروّى إرضها من دمٍ / وتختفي بطاحها في الرمام
وتصبح الدأماء في حمرة / وتغتدي آفاقُها في ظلام
فلا يلمنا بعدها لائم / من أيقظ الشرّ عليه الملام
صاحت طرابلس بأبنائها / لبّيك أمّاه دعوت الكرام
حتى م تبكي العين طال البكاء
حتى م تبكي العين طال البكاء / أما لحزن بت فيه انقضاء
قد خنتني يا دهر قد خنتني / ما كنت أحجوك قليل الوفاء
إن أبد مالي يعيني سرده / أو أخفه يزدد بهذا الخفاء
ماتت أماني ولما أمت / أحيا إذن للياس لا للرجاء
أصبحت آبى كل ما أرتجي / هيهات ما مثل الاباء الرضا
كيف أعزي القلب عما مضى / ويل لقلب ما له من عزاء
ما زلت أدعو للهدى معشراً / ضلوا فلما يجد طول الدعاء
ضاع ندائي حين ناديتهم / لو لم أضع ما ضاع ذاك النداء
هذي رسوم قد محاها البلى / وذي رسوم قد علاها العفاء
فحيثما تسع تجد مأثماً / باك ومبكي وآبي البكاء
ليس صباح بصباح لهم / ولا مساء لهم بالمساء
في ذمة الله رجال قضوا / طال بهم تحت القبور الثواء
لا التاج ذاك التاج من بعدهم / ولا بهاء الملك ذاك البهاء
تشقي جراغان بسجينها / ويجتلي بيعته من يشاء
يا رب هذي كعبة شيدت / ركناً وهذا خاتم الأنبياء
اساءني بينهما ظالمي / وقد كفى بينهما أن أساء
أعدم قوماً بت أرثيهم / والهفي ماذا يفيد الرتاء
كانوا غيوثي حين لا غيث لي / كانوا نمائي حين ما لي نماء
أقول والطلم بآفاته / يحتث للملك مطايا الفناء
لا ييأس المكروب من فرجة / ولا عليل أبداً من شفاء
العدل سلطان شديد القوى / ينصره الله بجند القضاء
إن تندموا ليس يفيد الندم
إن تندموا ليس يفيد الندم / قد قضي الأمر وجفّ القلم
الله خلاق الورى عادلٌ / فلا يلومَنْ غيره من ظلم
يا أمة يقتلها جهلها / جهلك لا يشبه جهل الأمم
ظلمتم الدهر فما ذنبه
ظلمتم الدهر فما ذنبه / يرحمه من ظلمكم ربه
شاب بكم في حسرة رأسه / أما كفى في حسرة شيبه
يا ليته عاتبكم مرة / فربما يصلحكم عتبه
لقد مضى من زمن جده / فلا يغرنكمو لعبه
ما للهدى قد ضل عن أرضكم / ما خطبه إذ ضل ما خطبه
أخواننا إن الصبا غركم / وهكذا في غيركم دأبه
قد كان مرعى فانقضى خصبه / هذا الذي بنصره جدبه
بت عليه بعده نادياً / وليس بجدي بعده ندبه
أشكو إلى الله قلوباً جنت / وإنني من قد جنى قلبه
أين الوفاء لا أرى من وفا / أمات أم أماته حزبه
أحزننا أحزننا بعده / وقبله افرحنا قربه
الحمد لله مضى ما مضى / لا يغضه باق ولا حبه
يا منزلاً بات الهوى صبه / وإنني قبل الهوى صبه
أظل ابكيك بدمعي وإن / ينفد يجد بغيره غربه
في وحدتي والناس حولي نيام
في وحدتي والناس حولي نيام / أشكو إلى الله ذنوب الغرام
يا قلبها أفنيت قلبي جوى / يا قلبها والله هذا حرام
كأن ليلي لون حظي بها / فهو ظلام دائم في ظلام
سيدتي مالكتي مهجتي / إن مت وجداً فعليك السلام
الله ما أحلاك في ناظري
الله ما أحلاك في ناظري / يا منبع الألهام للخاطر
ما في السما مثلك من فتنة / ولا الثرى مثلي من شاعر
إنا خلقنا للهوى والوفا / من أول العمر إلى الآخر
من مبلغ قلبك عن قلبي
من مبلغ قلبك عن قلبي / بعض الذي فيه من العتب
هل يستطيع الصبر طول النوى / وكان لا يصبر في القرب
نوى أتي في مستهل الهوى / كغصة في أول الشرب
لم تذنبي أنت ولكنني / أذنبت في خوفي من الذنب
عبادة الإنسان للخالق
عبادة الإنسان للخالق / عبادة الطالب للرازق
لولا عطاياه وجناته / أبوابه باتت بلا طارق
هل تعلم الحور وما خوطبت / كم بيننا من ناسك عاشق
يسجدُ لله ليحظى بها / نسك كذوب في هوى صادق
سيدتي أنتِ تقدمتها / والفضل للسابق لا للاحق
إن ندخل الجنة يوماً معاً / ندخل من الغيرة في مأزق
هذا نعيم لست ترضينهُ / في ثامر منه وفي وارق
وهذه الدنيا بنا برّة / لولا تكاليفٌ على العاتق
يأرق ناس ليلهم كلّهُ / ما أطول الليل على الآرق
يرتقبون بارقاً فوقهم / وكم بهذا الأفقِ من بارق
إنّ الأمانيّ تشوق الورى / والنفس تنقاد مع الشائق
وطالبُ النعمة من منعم / كطالب السّقيِ من الوادق
والدهر لا يخرجُ عن نهجهِ / سيّان للراضي وللحانق
ويسمعُ الخالق من صامت / ما يسمع الخالق من ناطق
إنتبهوا يا قوم من نومكم / الله لا ينظر من حالق
انظر إليها إنها تنظرُ
انظر إليها إنها تنظرُ / تسحر بالطرف ولا تسحر
نرجسة كالعين في شكلها / لو لم يشنها الحدق الأصفر
جاحظة جحظتها فتنة / تشقى بها الحوراء والأحورُ
أهدابها مثل جناح الفرا / ش أصله من طرفهِ أصغر
تزمز طيباً لك أنفاسها / فلا تزال دهرها تزفرُ
تصبر في الفرقة عن أرضها / أما عن الماء فلا تصبر
قامت على مهفهف أخضر / وحبذا المهفهف الأخضر
تُرقصهُ الشمأل إذ تجتزي / يسكره النهير إذ يعبر
أجوف كالأنبوب في خلقهِ / يكاد من ليانه يُهصر
قد نظموا الأشعار في وصفها / وحسنها من وصفهم أشعر
بالله يا مصباح بيت الدجى
بالله يا مصباح بيت الدجى / ويا أنيس المعشر الساهدين
حدث بوجدي كل أهل الهوى / وأقرأ تحياتي على العاشقين
ذكرى الصبا لله ذكرى الصبا
ذكرى الصبا لله ذكرى الصبا / في كل نفس نارها موقده
تمكث من تحت رماد المدى / وفوقها تحترق الأفئده
ما هاج في الأطيار هذا النواح
ما هاج في الأطيار هذا النواح / روض أريض ونمير قراح
تبكي على أعقاب ملك الدجى / أم هللت من فرح بالصباح
وشاعر الفجر على ربوة / مستقبل دولته بالصياح
يختال في حلة أرياشه / يضرب تيهاً بالجناح الجناح
يضطرب العرف على رأسه / كتاج ملك في مجال الكفاح
أحمر كالجمرة يسعى بها / مقتبس عند أشتداد الرياح
يا ملك الشعر أطلت المنامْ
يا ملك الشعر أطلت المنامْ / استيقظ اليوم وعد للكلام
البلبل الشادي وباكي الحمام / كلاهما يهدي إليك السلام
لكن ستر القبر لا يرفعُ / وأنت من مثواك لا تطلعُ
لكل قوم شاعر مفلقُ / لسانه عن مجدهم ينطقُ
وأنت من سابقهم أسبقُ / تفوت من فات ولا تُلحق
كالبرق في عليائه يلمعُ / وكل طرف إثره يطلعُ
بكى امرؤ القيس على منزل / بين الدخول القفر أو حوامل
وضج من ليل الهوى الأليلِ / فصاح يا ليل ألا فانجلي
وراح في ضلته يمزعُ / إذا دعت أهواؤهُ يتبعُ
وشأن هومير بإلياذته / شأن إله الحرب في غارته
جرى مع الشعب على عادته / كالعبد لا يعصى هوى سادته
وشاعر الأمة إذ يخضعُ / كالخادم الخائن إذ يخدعُ
هل يعقل الدهر وهل يسمع
هل يعقل الدهر وهل يسمع / فما الذي يشكو له الموجع
تجري صروف لا على نية / نخالها تبطئ إذ تسرع
وكلنا شاك وباك على / تكاد لا تمسكها الأضلع
وصاحب النعمة لاه بها / وحامل النقمة لا يهجع
رحماك يا خالق هذا الورى / إرث لبلواه إذا يضرع
صعب علينا بعض ما قد جرى / أما إذا شئت فما نصنع
بالله يا خنجر من جردك
بالله يا خنجر من جردك / من جفنك البالي شديد السواد
أي فؤاد ظالم أغمدك / من بعد ذاك الجفن في ذا الفؤاد
ظلمت لكن ليس ذا الأوّلا / عُوِّدتَ يا خنجر أن تقتلا
الناس في أوطاننا يقتلون / عودهم ذلك آباؤهم
تمضي قرون ثم تمضي قرون / ويتبع الآباء أبناؤهم
ما بدلوا والكون قد بدلا / كأنهم من غير هذا الملا
فروق ضجت قلت ماذا جرى / فاضطربت عند جوابي فروق
ماذا دهى أم ملوك الورى / كيف عراها من سؤالي الخفوق
من عادة الشاعر أن يسألا / وعادة المنزل أن يبخلا
أرى عيوناً ملؤها أدمع / وأسمع الأنات تحت الصدور
لا بد أن تحترق الأضلع / لا بد للحزن بها أن يثور
جل مصاب الناس أن يحملا / أثقلهم ما شاء أن يثقلا
في مشهد من حرس جامد / وأمة صاحية نائمه
صبت رصاصات على القائد / وافتقد الجيشئ ناظمه
فحق للأكبد أن تشعلا / وحق للأعين أن تهملا
يا روح خيري حين جد الرحيل
يا روح خيري حين جد الرحيل / قفي قليلاً وكفانا القليل
الموت قد بت الذي بيننا / لم يبق منه غير حزن طويل
أما عهود أنت ثبتها / فهي كما ثبتها لا تزول
وحيلة المحزون في حزنه / دمع وبعض الدمع يأبى المسيل
في ذمة الله شباب مضى / ككوكب الصبح عراه الأفول
وهمة طالت على غيرها / لولا الردى ما سئمت أن تطول
وجمع أخلاق كزهر الربى / فكل ما فيها رقيق جميل
وعزة في الطبع موروثة / والنبل طبع ثابت في النبيل
يل وجه خيري هل يحيل الثرى / بشرك كلا إنه لا يحول
أنت جليل رغم حكم الثرى / ولا يهين الموت قدر الجليل
وإن من أوجع ما في الأسى / طول النوى ثم انقطاع السبيل
أمتعك الله بجناته / وحسب أخوانك حمل الغليل
كأنما يراعه سوطه
كأنما يراعه سوطه / يضرب إن جد ولا يكتب
لا تدع العجمة أسلوبه / فليس في أسلوبه معرب
والله يا ملعون قد غظتني
والله يا ملعون قد غظتني / فلست أدري ما الذي أصنع
أهجوك إن الهجو لي مأثم / وقدرك الأدنى به يرفع