المجموع : 8
أقوى مصيف القوم والمربع
أقوى مصيف القوم والمربع / فالدار قفر بعدهم بلقع
سارت بنا الأرض إلى غايةٍ / لنا وللأرض هي المرجع
ونحن كالماء جرى نابعاً / لكن علينا خفي المنبع
والعلم قد أنكر منهاجنا / ولم يُبِنْ أين هو المهيَع
خرقت يا علم رداء لنا / كنا ارتديناه فِهل ترقع
فَجَعْتَنا يا علم في أمرنا / أمعتِب أنت إذا نجزع
لقد طغت حيرة أهل النهى / هل فيك يا علم لها مردع
كم نشرب الظنّ فلا نرتوي / ونأكل الحدس فلا نشبع
والناس ويل الناس في غفلةٍ / ترتع والموت بهم يرتع
والكون قد لاح بمرآته / للعيش وجه شاحب أسفع
وإن في البدر لخطباً به / في البدر لاحت بقع أربع
فالعين ما يورث حزناً ترى / والاذن ما يزعجها تسمع
والأرض في منقلب بالورى / والشمس من مشرقها تطلع
حتى إذا ما بلغت شوطها / لاحت نجوم في الدجى تلمع
وهكذا الظلمة تتلو الضيا / والضوء للظلمة يستتبع
ونحن في ذاك وفي هذه / بالنوم واليقظة نستمتع
ما بين مسعود يميت الدجى / نوماً ومنكود فلا يهجع
ومسرع يسبقه مبطىءٌ / ومبطىء يسبقه مسرع
وشامت يضحك من حادث / حلّ بباكٍ قلبه موجع
لو كان للقسوة عينٌ وقد / رأته كانت عينها تدمع
والكلّ في شغْب لهم دائم / لم يقلعوا عنه ولن يقلعوا
والماء يمسي وشلا تارة / وحوضه آونة مترع
والريح تجري وهي ريدانة / حيناً وحيناً عاصف زعزع
وبعضهم تمرع وديانه / وبعضهم واديه لا يمرع
قد يحسب الإنسان آماله / والموت مصغٍ نحوه يسمع
حتى إذا أكمل حسبانها / وأفاه ما ليس له مدفع
فخرّ للجنب صريعأً به / وأي جنبٍ ما له مصرع
وظل فوق الأرض في حالةٍ / يزَوّر عنها الحسب الأرفع
لا تعمل الأقلام في كّفه / وكان من قبلُ بها يصدع
ولم تعد تقطع أسيافه / من بعد ما كان بها يقطع
فاستّلّ مثل السيف من مُطرَف / طرائق الوشي به تلمع
ولُفّ في ثوب له واحدٍ / ليس له رقم ولا ميدع
واهاً له ثوب البلى إنه / يبلى مع الجسم ولا ينزع
ودُسّ حيث الأرض أمست له / ملحودة ضاق بها المضجع
حيث البلى يرميه حتى إذا / لم يبق في قوس البلى منزع
خالط ترب الأرض جثمانه / مطحونة منه بها الأضلع
لله دّر الموت من خطةٍ / فيها استوى ذو العيِّ والمِصقع
يخون فيها القولُ منطيقه / كما تخون البطل الأَدرع
ما أقدر الموت فمن هوله / لم ينجُ لا كسرى ولا تُبَّع
يا رافع البنيان كم للردى / من سلّم يدرك ما ترفع
ويا طبيب القوم لا تؤذِهم / إن دواء الموت لا ينجع
لابد للمغرور من مندّم / بالعضّ تدمى عنده الأصبع
وما عسى تغني وقد حشرجت / ندامةٌ ليست إذاً تنفع
يا بُرقُع الخلقة واهاً لما / فيك وآهاً منك يا برقع
قد زاغت الأبصار فيما ترى / إذ فات عنها سرّك المودع
وليس في الإمكان عند النهى / أبدعُ ممّا خلق المبدع
لم أر بين الناس ذا مَظْلِمه
لم أر بين الناس ذا مَظْلِمه / أحقّ بالرحمة من مسلمه
منقوصة حتى بميراثها / محجوبة حتى عن المَكْرُمه
قد جعلوا الجهل صواناً لها / من كل ما يدعو إلى المَأثمه
والعلم أعلى رتبةً عندهم / من أن تلقّاه وأن تعلمه
ما تصنع المرأة محبوسة / في بيتها أن أصبحت معدِمه
ضاقت بها العيشة إذ دونها / سُدّت جميع الطُرُق المُعلَمَه
كم في ُبيوت القوم من حرّة / تبكي من البؤس بعينَيْ أمه
قد لَوَّحت نار الطَوى وجهها / وأعمل الفقر به ميسمه
عاب عليها قومها ِضلّةً / أن تكسِب القُوت وأن تَطْعَمَه
من أيّ وجه تبتغي رزقها / وطرقها بالجهل مستَبْهِمه
وكيف والقوم رأوا سعيها / في طلب الرزق من المَلأْمه
وكم فتاة فقدت بعلها / من بعد ما قد َولَدتْ تَوْءمه
فأنقطعت في العيش أسبابها / وأصبحت للبُؤس مستسلمه
تَبِيت لم تحمَد لفرط الجوى / لا قمر الليل ولا أنجمه
من حيث لا تملك من دهرها / ما جَلَّ أو َدقَّ ولو سِمْسِمه
جَفَّ على مُرضَعها ثَديُها / فأضطرّها ذلك أن تَفطِمه
فعاش عيش الأم لم يُوفِه / ملبَسَه الدهرُ ولا مطعمه
فشبّ منهوك القُوى مثلها / يشكو من الدهر الذي أيتمه
فهذه حالة ِنسواننا / وهي لعمري حالة ُمؤلمه
ما هكذا يا قوم ما هكذا / يأمرنا الأسلام في المسلمه
فهل بكم من راحم للنسا / فهنّ أولى الناس بالمرحمه
دع مزعج اللوم وخلِّ العتاب
دع مزعج اللوم وخلِّ العتاب / واسمع إلى الأمر العجيب العُجاب
من قِصّة واقصة غصّة / تُضحك بل تدعو إلى الانتحاب
في الكرخ من بغداد مرّت بنا / يوماً فتاة من ذوات الحجاب
لَبَّتها مُوقَرةٌ بالحِلى / وكفّها مُشَبعة بالخِضاب
ووجهها يطمس سحناءه / عنّا ظلام من سواد النقاب
تمشي العِرَضْنَى في جلابيبها / مِشيةَ إحدى المومسات القحاب
تختلب اللبّ بأوضاعها / وكل ما يظهر منها خِلاب
قد وضعت تاجاً على رأسها / يلمع في الظاهر لمعَ الشهاب
يُحسَب من درّ بتَمْوِيهه / وهو إذا حققته من سِخاب
كاسيةَ الجسم أرقّ الكُسا / مَوْشِيّة الثوب بوَشيٍ كذاب
قد غُولط الناس بأثوابها / في أنّها من معمل الانتخاب
وهي لعمري دون ما رِيبةٍ / منسوجة في مَنسَج الاغتصاب
فالغِشّ في لحمتها والسَدى / وكلُّ ما يدعو إلا الارتياب
قال جليسي يوم مرّت بنا / من هذه الغادة ذات الحجاب
قلت له تلك لأوطاننا / حكومة جاد بها الانتداب
نحسبها حسناء من زيَها / وما سوى جنبول تحت الثياب
ظاهرها فيه لنا رحمةٌ / والويل في باطنها والعذاب
مُصابنا أمسى فظيعاً بها / يا ربّ ما أفظع هذا المُصاب
تالله قد حُقَّ لنا أننا / نحثو على الأرؤس كل التراب
لا تأمَنن دنياك في حالة
لا تأمَنن دنياك في حالة / مهما تكن زاهية زاهرة
وانظر لعُقبى وزراء مضَوْا / كيف عليهم دارت الدائرة
باتُوا على النَعماء في ليلة / شبَت لهم في صبحها نائرة
إذا قذفتهم عن كراسّيها / وزارة كانت بهم وازره
كانوا كعِقد رائق نظمه / فبَددتهم ضربة ناثره
ضربة جيش لم يكن ناطقاً / إلاّ بنيرانٍ له زافره
بانوا كآساد الشرى رُبَّضاً / فأصبحوا كالنَّعَم النافره
فواحد طار إلى ربّه / ولاذ من دنياه بالآخره
وواحد يصحبه أهله / طارت إلى مصر بهم طائره
لم يَصفُ بالسراء عُرس ابنه / ولم تَرُق ليلته الساهره
واثنان سارا في طريق معاً / إلى حمى سورية العامره
سارا وكل منهما قائل / قول امريء أشجانه فائره
بغداد يا خاذلتي إنني / أسكن بعد اليوم في الناصره
ولست بعد المنُتبأى قاطعاً / ما ربطتني بك من آصره
وكانت الأفواه مكمومةً / فأصبحت من بعدهم فاغره
تلهج بالشتم لهم لاذعاً / وتُكثِر الضحك بهم ساخره
وهي التي كانت لهم قبل ذا / مادحةً حامدة شاكره
هذي هي الدنيا وأبناؤها / في يومنا والحِقب الغابره
لا تنفع الناس مساعيهم / إذا الجُدود انقلبت عاثره
لو قيل لي في الجيش مَن ذا الذي / كان بما أوقعه آمره
قلت سلوا الكرخ فذو أمره / في تلكم الدائرة الماكره
ففي فلسطين وثُوّارها / لهم يدٌ تعرفها القاهرة
قد دبَرت منهم لهم كيدها / حتى غدت منهم بهم واتره
أهل العراقين متى تأبهوا / للغِيَر الهاجمة الدامره
في كل يوم لكم هَيْعة / مضحكة كالنكتة النادره
رأيت إبليس عدوّ البشر
رأيت إبليس عدوّ البشر / يخطُب في جمع له قد حضر
قد لبِس الوشي على قبحه / وخضّب الشيب وقصّ الشعر
وهو يهنّي حزبه قائلاً / يا من عصى الله ومن قد كفر
اليوم قد طابت لنا لعنةٌ / جاءت من الله بحكم القدر
واليوم قد هان الخلود الذي / قدّره الله لنا في سقر
إذ أمة الطليان قد أصبحت / أكبر من خان ومن قد غدر
زلَت إلى العار بهازلّةٌ / شنعاء لا تمحَى ولا تغتفر
فهي التي هان بكفرانها / كفران من زاغ وأبدى البطر
لو ألقي الصخر بمخزاتها / لانفتّ من فرط الحيا وانفطر
ولو أصاب البحر من عارها / لغار منه ماؤه وانحسر
نحن الشياطين على أننا / جئنا من اللؤم بإحدى الكبر
صرنا إلى جنب بني رومة / ننفر من نافرنا وافتخر
فلا نبالي اليوم من لامنا / في رفضنا آدم أو من عذر
إذ في بني رومة عذر لنا / يستسلم السمع له والبصر
فهم على الله لنا حجّةٌ / في أننا أفضل من ذا البشر
وإن يوماً نقضوا عهدهم / فيه ليوم خزيه مبتكر
فلتتّخذه خير عيد لنا / نذكر فيه فوزنا والظفر
ولنجعلنْه يوم أفراحنا / نجني به الأنس ونقضي الوطر
ثم انثنى الشيخ أبو مرّة / يرقص فيما بين تلك الزمر
حتى إذا أكمل أشواطه / رنا إليهم وأحدّ النظر
ثم دعا من بينهم واحداً / مشوّه الوجه كثير القذر
وقال يا خُنزُب بادر إلى / رومة وأدخلها قبيل السَحَر
واذهب إلى عمانويل الذي / دبّ البلى في مجده فاندثر
وقل له إن أبا مرّة / أخاك يدعوك إلى المستقر
فإن يقل أين فقل إنه / في دركة سافلة من سقر
مقعد خزيٍ كتبوا حوله / بأحرف النيران أين المفر
البحر رهوٌ والسما صاحيه
البحر رهوٌ والسما صاحيه / والفخت في الليل شبيه السديم
والبدر في طلعته الزاهية / قد ضاحك البحر بثغرٍ بسيم
والصمت في الأنحاء قد خيّما / فالليل لم يسمع ولم ينطِق
والبدر في مفرق هام السما / تحسبه التاج على المَفرق
أغرق في أنواره الأنجما / وبعضها عام فلم يغرق
والبحر في جبهته الصافيه / قام طريقٌ للسنا مستقيم
لم تخفَ في أثنائه خافيه / حتى ترى فيه اهتزاز النسيم
وقفت والريح سرت سجسجا / وقفة مبهوت على الساحل
أنظر ما فيه يحار الحجا / في الكون من عالٍ ومن سافل
يا منظراً أضحك ثغر الدجى / ورد سحبان إلى باقل
ما أنت إلا صحف عاليه / كم حار في حكمتها من حكيم
إذا وعتها إذن واعيه / فقد وعت خير كتاب كريم
وزان عرض البحر ما قد بدا / من زورق يجري بمجدافتين
عام بذوب الماس أوقد غدا / يسبح في لجة ذوب اللجين
في صامت الليل جرى مفردا / وبين جنبيه حوى عاشقين
من غادة في حسنها غانيه / تبسم عن لألاء درّ نظيم
ومن فتى أدمعه جاريه / قد صافح العشق بجسم سقيم
قابلها والحب قد شفه / وقابلت طلعة بدر السما
وظلّ يرنو تارةً خلفه / وتارة ينظرها مغرما
ثمّ تدانى واضعاً كفّه / في كفّها يطلب أن يلثما
وخرّ من وجد على الناصيه / وقلبه يركض ركض الظليم
وهي غدت من أجله جاثية / واحتضنته كاحتضان الفطيم
ثم رمى نظرة مسترحم / في الكون عن طرف له حائر
وقال قول الكلف المغرم / في حبّ ذات النظر الساحر
أيتها الأرض قفي واسلمي / من أجل هذا المشهد الزاهر
حتى أرى ليلتنا باقيه / محفوفةً مِن وصلنا بالنعيم
فإن هذي ليلةٌ حاليه / تزهو ببدرين وطلق النسيم
وأنت يا بدر اللطيف السنا / في الجو قف وقفة غير الرقيب
ما أبهج النور وما أحسنا / إذا دنا منك لوجه الحبيب
كأنه ندرة لما دنا / نحو المعالي يبتغيها النصيب
فحاز منها جملةً وافيه / ما حازها من أحدٍ من قديم
وصار يدعى الرجل الداهيه / في الفكر والمجد وخلق عظيم
يا آل مطران لكم ندرة / وأكرم الناس هو النادر
لكن معاليكم لها كثرةٌ / يعجز ان يحصرها الحاصر
من أجلها أمست لكم شهرةٌ / عمّ البرايا صيتها الطائر
حيث معاليكم غدت قاضيه / لكم على الناس بفضل عميم
فراية المجد لكم عاليه / و ندرة الشهم عليها زعيم
يا من بنى المجد فأعلى البنا / فكان أعلى الناس في مجده
اِقبل من العبد جميل الثنا / وإن يكن قصّر عن حدّه
ومُره ثم احكم به أن ونى / ما يحكم السيّد في عبده
إذ أنت بالمنقبة الساميه / قد خصّك الله العزيز العليم
فاهنأ ودم عيشة راضيه / رغم المعادي وسرور الحميم
قد كانت الأغصان مخضرّةً
قد كانت الأغصان مخضرّةً / وكانت الطير بها تسجع
فصارت الأوراق مصفرّةً / تُسقطها الرادة والزعزع
ثم غدت جرداء مزوَرّةً / والغيم أمست عينه تدمع
من أجل هذا المشهد المحزِن /
والليل قد طال على من شتا / وصار ليلاً بارداً مظلما
لعلّ هذا الرعد مُذ صّوتا / هرّب منه تلكم الأنجما
علام قد غيّم ليل الشتا / فارتاعت الأنجم مذ غيّما
واحتجبت فيه عن الأعين /
والريح من برد الشتا صرصر / والجوّ يبدو عابساً مطرقا
قد حار فيه الترب المعسر / إذ لم يجد فيه له مرفقاً
يا أيها الناس ألا فأذكروا / من كان منكم في الشتا مملقا
وأحسنوا فالفوز للمحسن /
أن الشتا أرحم للمعدٍم / منكم وأن أوجعه برده
لأنه بالعارض المسجم / ينبت زرعاً يرتجى حصده
حتى تفوز الناس بالأنعم / مما لهم أنبته جَوده
ويشبع المعدم والمغتني /
هذي بلودان وذا نزلها
هذي بلودان وذا نزلها / تلقي به الأنفس ما تهوى
من روضة تنعش روح الفتى / وعيشة ممحوّة الشكوى
ومن جمال كل من راءه / يبلغ منه الغاية القُصوى
ومن نسيم طيّ هبّاته / تسمع أذني للهوى نجوى
ومن علوّ في ذرا هَضْبه / لن يجد الطير بها مثوى
قد عانقته سدرة المنتهى / وغازلته جنّة المأوى
من حلّ فيه وادّعى خلده / كان لعمري صادق الدعوى
يبتسم الأنس بلا حشمة / فيه على مرأىً من التقوى
خلاعة في طيّ كتمانها / لا يفعل الفحش ولا ينوي