المجموع : 27
لِلَّهِ أيامي بقليوبِ
لِلَّهِ أيامي بقليوبِ / والعيشُ مُخضَرُّ الجَلابيبِ
والطيرُ في الأغصان فَتّانة / ما بين تَلْحين وتَطْريب
والشمس في المَغربِ مُصْفَرَّة / كعاشق من بعدِ محبوب
وجُلَّنار بين أغصانه / يُبدِي أفانينَ الأَعاجيب
كزَعْفرانِ لاحَ في لاذةٍ / حمراءَ في راحةِ مخضوب
وغاضبٍ غالَط عن شَيْبِهِ
وغاضبٍ غالَط عن شَيْبِهِ / كأنما دُلَّ على عَيْبِهِ
لو كان أَبْقاهُ على حالِه / ما أَلْجَأ الناس إلى رَيبْه
قد رامَ أَنْ يَخْفَى ومن خَلَفِه / أَدِلةٌ تُعْرِب عن غَيْبِه
والشيبُ كالسيل إذا ما طما / لم تَدْرِ ما يمنع من شَييْبِه
يا نفسُ ما عيشُك بالدائبِ
يا نفسُ ما عيشُك بالدائبِ / فقَصِّري من أملٍ خائبِ
وَيْكِ أَما يكفيك أن تُبِصري / جَنائزا تنقَل بالراتب
بالطفلِ والبالغِ والمُبتدى / شبابَه والكَهْلِ والشائب
من والدٍ أو ولد أو أخٍ / أو من غريبٍ عنكِ أو صاحِب
فهل تَبَقَّى لك من حُجّةٍ / إلا غرور الأمل الكاذب
أمَا عجيبٌ أنّ ذا كلَّه / موفر في شره الكاسب
لو لم يكن شيءٌ سوى الموتِ كا / ن الزهدُ في الدنيا من الواجب
أو لم يكن موتٌ لكانتْ هم / ومُ الدهرِ تَنْفِى رغبةَ الراغب
فكيفَ والإنسانُ من بعدِه / مُناقَشٌ من عالمٍ حاسِب
قد أَنْذَرَ الوعظُ وأَسْماعُنا / عن كلِّ ما يذكرُ في جانب
شُرْبُك حبَّ الفهمِ صعبٌ فلا
شُرْبُك حبَّ الفهمِ صعبٌ فلا / يَغرُّك ألأمرُ بأنْ تَشْرَبَهْ
لكنَّ للنسيانِ حُبّا وقد / صح لبعض الناس بالتجربْه
وشَرْحُه عند أبي عامر / فلا يَفوتَنَّك أنْ تكتبه
ففَهْمُهُ يُنْبِيك عن صِدْقه / بشاهدٍ كَذَّب مَنْ كَذَّبه
لو كان بالنسيانِ يُحْوَى العُلا / صَحَّ له أَرفعُها مَرْتبه
احفَظْ ولا تَنْسَ فإنْ لم تَكُنْ
احفَظْ ولا تَنْسَ فإنْ لم تَكُنْ / تَحفظُ فازْدَدْ رغبةً في الطَّلَبْ
فالطالبُ الأَبْلهُ مَعْ ما به / أفضلُ من ذي فِطْنٍة م طَلَب
كم ناظر ضَلَّ بلا دُرْبَةٍ / فدَلَّه الأعمى الذي قد دَرِب
وذي ذكاءٍ غرَّه فهمُه / فقَصَّرت همتُه في الدَّأَب
مُتَّكِلا أنَّ له فِطْنةً / تُنِيله العلمَ متى ما طَلَب
وغَرَّه التَّسْوِيفُ حتى غَدا / ما فيه من فَضْلٍ لنقصٍ سَبَب
يا ناظِرا يَعْجَب مما رأى
يا ناظِرا يَعْجَب مما رأى / غيرُ الذي تُبْصِرُه أَعْجَبُ
قد رفَع اللهُ لمن شادَها / منزلةً من دُونِها الكوكب
عامرةً بالشكر مأنوسةً / بالحمد لا تَفْنَى ولا تَخْرب
هِمَّتُه في تلك مرفوعة / وجُودُه في هذه يَقْرُب
لا سَلب اللهُ له نعمةً / فإنها لاشك لا تُسْلَب
انْظُرْ إلى الخالِ على خَدِّها
انْظُرْ إلى الخالِ على خَدِّها / ولونِه الأسودِ في الحُمْرَهْ
كطابَعٍ من عنبرٍ حَطَّهُ / مُبَخِّرَ في وَسَط الجَمْرَه
أو قطعةٍ من نَثرٍ مسكٍ عَلَتْ / طافيةً في رائقِ الخَمره
وساعةٍ جاد بها العُمرُ
وساعةٍ جاد بها العُمرُ / ونام عن خُلْستِها الدهرُ
والطيرُ والدُّولاب يَشْدو لنا / كمُطرِبٍ يَتْبَعه زَمْر
والوردُ فوق الماء ما بيننا / قد نُثِرتْ أوراقُه الحُمْر
لم تَر عيني منظرا مثله / ماء تَلظَّى فوقه جَمْر
تِهْنا به زَهْوا كما تَزْدهِي / بالآمرِ الأحكامُ والأمر
مَنْ وجهُه بدرٌ ومن لفظُه / دُرٌّ ومن راحُته بحر
سارتْ عَطايا جودِه مثلما / قد سار فيه الحمد والشكر
وعَطَّر الدنيا بأوصافه / في الفضل حتى خَجِل القَطْر
أُفٍّ لها دُنْيا فلا تستِقرّْ
أُفٍّ لها دُنْيا فلا تستِقرّْ / وعيشُها بالطبعِ مُرٌّ كَدِرْ
جميلةُ المنظرِ لكنّها / أقبحُ شيءٍ عند مَنْ يختبِر
قد وَحِل العالم في سجنها / فكل جنسٍ تحت بؤس وضُرّ
فقيرُها يطلب نيلَ الغِنى / وذو الغِنى يجمعُ كيْ يَدَّخِر
فذاك للإملاقِ في حسرةٍ / وذاك خوفَ الفقرِ تحت الحَذر
والزاهد العابدُ في كُلْفةٍ / من شَعَث الصومِ وطولِ السَّهَر
وخوفِ مايلقاهُ من ربِّه / في آخر الأمرِ إذا ما حُشِر
وَهَمُّه في القوتِ من حِلِّه / صعبٌ شديدٌ مستحيلٌ عَسر
والفاسقُ المذنِبُ في وصمةٍ / مُسفَّه الرأيِ قبيح الأَثَر
ليس بمأمونٍ ولا آمنٍ / مُذمَّم في قومه محتقَر
منخِفض الرتبِة بين الوَرَى / يفتخِر الناسُ ولا يفتخِر
والحوتُ والطير ووَحْش الفَلا / في كُلَفٍ من وِرْدها والصَّدَر
فالوحشُ لا يأمَنُ من قانِصٍ / أو حابِل أو أسدٍ محتِضر
أو جارح يُدرِكها بَغْتةً / في الجو لا يضرِب إلا كَسَر
والطيرُ في الأقفاصِ سجنا لها / تَنوح فيه نَوْحَ صَبٍّ أُسِر
والملكُ الأعظم في خُطَّة / من شدةِ الأمرِ وطول السَّهَر
وخوفِه من ملكٍ غادرٍ / إذا رأى الفرصةَ فيه غدر
إما بسُمٍّ أو سلاحٍ فلا / يأمَنُ حاليْ سَفَرٍ أو حَضَر
يَستشعِر الخِيفةَ من مَلْبسٍ / أو مطعم أو مشرب أو خَضِر
فالناسُ في أمن به وهْو في / توهُّم الخوف فلا ينحصر
والحوتُ في اللُّجِّ على بُعْدِه / من مَلْمسِ الكفِّ ولَمْحِ البصر
يُدْلِي له الصيادُ خِيطانَه / والطُّعْم فيها فوق عُقْفِ الإِبَر
حتى إذا أَوْقَعه جَرَّه / جرَّ عنيف جار لما قَدَر
والبعضُ منها آكِلٌ بعضَه / فما جَفا يأكل ما قد صَغُر
مصائبٌ جَلَّتْ ولكنني / أوردتُ منها نُبذةَ المختِصر
تقديرُ من لا حُكْمَ إلا له / في كلِّ ما يأتِي وفيما يَذَر
حَذَّرتُك الدنيا فلا تحتِقر / نصيحتي عندك نصفُ الخَبر
ما أَبْعَدَ الأشياءَ مما يَسُرّْ
ما أَبْعَدَ الأشياءَ مما يَسُرّْ / فِعْلا وأَدْناها إلى ما يَضُرّْ
فالخير في النادر إلمامُه / والشرُّ ليلا ونهارا يَكُرّْ
والداءُ فيما لَذَّ أو ما حَلا / والنفعُ في كل كريهٍ ومُر
أولَ ما تشربُ يأتي القَذى / فاك وتبِغي صَرْفه لا يَمُر
حتى إذا حاولتَ إخراجَه / بصَبِّ بعضِ الماء وَلَّى وفَرّْ
كأنه يقصِد ذاك الذي / يفعل مختارا لكَيْدٍ وشَرّْ
انظرْ إلى بهجةِ ذا المنظرِ
انظرْ إلى بهجةِ ذا المنظرِ / ولُمْ على الصَّبْوةِ أو فاعْذُرِ
ماءٌ وروضٌ وغزال حَكَتْ / صورتُه الدُّميةَ كالمرمر
وقد حَكى الوردُ بُدرِّ النَّدَى / كأَدمُعٍ في خدِّ مُسْتَعْبِر
والشمسُ في مَشْرِقها تُجْتَلى / في حُلَل الأشجارِ في الأحمر
كأنها نارٌ وقد أُضْرِمتْ / من خلفِ سِتْرٍ خَلَقٍ أخضر
أَفْرط نسياني إلى غايةٍ
أَفْرط نسياني إلى غايةٍ / لم تُبْق في النسيانِ لي جِنْسا
فصرتُ مهما عَرَضتْ حاجةٌ / أُعْنَى بها أَودعتُها طِرْسا
حتى إذا عاودتُ طالعتُها / ذَكَّرتِ العينُ بها النفسا
وأعجبُ ألأشياءَ أنْ غادرتْ / نوائب الأزمانِ لي حسا
فصرتُ أنسى الطِّرْسَ في راحتي / وصرتُ أنسى أنني أَنْسى
أُصيكَ بالبُعْدِ عن الناسِ
أُصيكَ بالبُعْدِ عن الناسِ / فالعِزُّ في الوحدة والياسِ
ووحدة الصَّمصامِ في غِمْدِه / خَصَّتْه بالعزة في الناس
له عِذارٌ أَثْرُهُ ظاهرٌ
له عِذارٌ أَثْرُهُ ظاهرٌ / للعين معدومٌ على اللَّمْسِ
كأن أُولاهُ على خَدِّهِ / ظلُّ قضيبٍ ظَلَّ في الشمس
أو ألفٌ حَرَّرها كاتبٌ / وهْيَ تُرى من ظاهرِ الطِّرْس
أو كطرازٍ في شِعارٍ وقد / شَفَّ عليه ظاهرُ اللُّبْس
وليس ما قلتُ ولكنّه / آثارُ لَمْسي فيه أو جَسِّى
مَنْ فاتَه من نفسه وَعْظُ
مَنْ فاتَه من نفسه وَعْظُ / هَيْهاتَ أَنْ يَنْفعَه اللفْظُ
ما تنفع العين إذا لم يكن / لقلبِ من يَرْنو بها لَحْظ
لو مَلك الدنيا امرؤ جاهلٌ / لكان ممن فاته الحظ
وعالمٍ لا عملٌ عنده / بالعلم لا ينفعُه الحفظ
لا تُشْبِهُ الحَمّامُ في وَضْعِها
لا تُشْبِهُ الحَمّامُ في وَضْعِها / إلا حُمَيّا الخمرِ في طَبْعِها
ففيهما منفعةٌ جَزْلةٌ / وإثْمُها أكبرُ من نَفْعها
فتلك هَتْكُ العقلِ في شُرْبِها / وتلك هتكُ الجسمِ في نَزْعِها
فإنّ في إدمانِها للفتى / مَضَرّةٌ يَعْجَز عن دفعِها
فوالِ عن كلتيهما توبةً / ينقطعُ الشيطانُ عن قَطْعِها
أَنْحَلني حبُّك يا مُتْلِفي
أَنْحَلني حبُّك يا مُتْلِفي / وزادَني الشوقُ فلم أَعْرِفِ
وذبتُ حتى لو رمى بي الهوى / في ناظرِ الناظرِ لم يَطْرف
وجُلتُ في ناحيةٍ طولُها / كعَرْضِ حَدِّ الصارِمِ المُرْهَف
انظرْ إلى الخالِ على خَدِّها
انظرْ إلى الخالِ على خَدِّها / فإنَّ فيه كلَّ معنىً دقيقْ
كوجهِ زنجيٍّ بدا من خلا / ل النار يدعو بالحريق الحريقْ
أو حبةٍ من سَبَجٍ رُصِّعت / في صفحةٍ من كرةٍ من عقيق
أو السوادِ المستحَبِّ الذي / يلمع في حمرةِ زهْرِ الشَّقيق
للهِ حمام كروضٍ أنيقْ
للهِ حمام كروضٍ أنيقْ / رافقني فيه رقيقٌ رفيقْ
صَفا ليَ العيشُ بها مثلما / صفا لقلبي ودُّ ذاك الصَّديقْ
تَنَاسبتْ شخصا وخبْرا فما / للذمّ والعيب إليها طريق
أَحَرَّها الوقّاد حتى غدا / من أجلها للروح مثل الشقيق
فالماءُ فيها كحياةٍ جَرتْ / بها العَوافِي والصِّبَا في العروق
تحت بخارٍ عَطِرٍ مثلما / شُبْتَ بماءِ الورد مِسْكا فَتيق
راقتْ حياضا فأقلُّ القَذى / فيها كشمسٍ تحت غيمٍ رقيق
خُصَّت بألوان الرخام الذي / له بها كلُّ طِرازٍ دقيق
فأعجبُ الأمرِ شموسٌ بها / طالعةٌ دائمةٌ في شروق
فالنفس منها في سرور كما / سَرَّ سُرورَ القلب شربُ الرَّحيق
فقد وَدِدنا أنَّ أعمارنا / فيها صَبوحٌ دائم أو غَبوق
أَفْرَط نسيانُ أبي عامرٍ
أَفْرَط نسيانُ أبي عامرٍ / وزاد حتى جاوز الأَبْلَها
حتى إذا حدثتُه لفظةً / ينساك في ساعِته قبلَها
حَدِّثْه بالأسرارِ مُسترسِلا / وابثُثْه محظوراتِها كلَّها
ولا تخفْ نَقْلا فنسيانُه / في وقتِها يَمنعُه نقلها
لو غابَ عن منزله ساعةً / ما عرف الدار ولا أهلها
ولا بَنيه لا ولا عِرْسَه / ولا متى كان بها بَعْلَها