المجموع : 35
وكَرمةٍ أعراقُها في الثَّرَى
وكَرمةٍ أعراقُها في الثَّرَى / بعيدةِ المنزِعِ والمضرَبِ
كريمةٍ تلتفُّ أغصانُها ال / غضَّةُ بالأقربِ فالأقربِ
تمتاحُ من قعرِ الثَّرى رِيَّها / أشطانُها عفواً ولم تَجذِبِ
إِذا ارتوتْ من مائِها أسبلتْ / جفونُها بالواكفِ الصَّيِّبِ
وإنْ تغَشَّى سِفلها بالنَّدى / أخصبَ أعلاها ولم يُجدِبِ
ألقحَها الريحُ وصوبُ الحَيَا / والشمسُ في المشرقِ والمغربِ
فأعقبتْ عائِلَها بعدما / عاشَ زماناً وهي لم تُعقِبِ
ووضَعتها نُجُبَاً تنتمِي / إِلى أبٍ أكرِمْ به من أبِ
وألحفتها خُضْرَ أوراقِها / مغذوَّةً بالحَلَبِ الأعذَبِ
وأسكنتها الشمسُ من صنعةِ ال / تلويحِ في الأغرب فالأغربِ
فمهرتْ فيها وجاءتْ بما / يبهرُ من مستحسَنٍ مُعْجِبِ
وبَدَّلتْ خُضْرَ عناقِيدِها / بالأدهمِ اليحمومِ والأشهبِ
واستسلفتْ ماءً وجادتْ بهِ / مُدامةً كالقبَسِ المُلهَبِ
ولم تزلْ بالرِفْقِ حتى اكتسَى / لُجَيْنُها من صبغها المُذهَبِ
فالأشقرُ المنتوجُ من نَسْلِها / سليلُ ذاكَ الأشهبِ المنجِبِ
تَرى الثُّريَّا من عناقِيدِها / تلوح في أخضرَ كالغيهبِ
ألوانُها شَتَّى وأنواعها / متفقاتُ النَّجْرِ والمنْصبِ
كم سبجٍ فيها وكم جَزعةٍ / صحيحةِ التدويرِ لم تُثقَبِ
من حالكِ اللونِ كجُنْحِ الدُّجَى / وناصعٍ يلمعُ كالكوكبِ
كأنما تحمِلُ حَباتِها / أكارِعُ النغرانِ بالمخلبِ
خَيْلان من رُوم وزَنْجٍ غدتْ / في جُنَنٍ خُضْرٍ لها تجتبي
أطيِبْ بها حِلَّاً ومحظورةً / في كَرْمها أو كأسِها أطيِبِ
وجَنَّةٍ بالطِيبِ موصوفةٍ
وجَنَّةٍ بالطِيبِ موصوفةٍ / مَوشِيَّةِ الأرجَاءِ منسوجَهْ
كأنَّما أزهارُ أشجارِهَا / وَشْيٌ على حَسناءَ مغنوجَهْ
يَشُقُّها في وَسْطِها جَدْولٌ / مياهُهُ العَذْبَةُ مثلوجَهْ
له سَواقٍ طفحَتْ والتوَتْ / تلوّيَ الحيَّةِ مشجوجَهْ
فهي رماحٌ أُشْرِعَتْ نحوَها / تطعنُها سُلْكَى ومخلوجَهْ
أَما تَرى المرءَ له عِبرةٌ
أَما تَرى المرءَ له عِبرةٌ / مَتْلَفةٌ يشقَى بها الحُرُّ
لا تلتمسُ فضلَ الغِنَى إنهُ / في صدفٍ أهلكه الدُّرُّ
لا تجزعَنْ إنْ فات ما رُمْتَهُ
لا تجزعَنْ إنْ فات ما رُمْتَهُ / واشْدُدْ عُرَى عزمِكَ بالصَّبْرِ
فالجَدُّ إنْ ساعدَ نالَ الفَتَى / بُغْيَتَه من حيثُ لا يَدرِي
وإنْ نَبا الجَدُّ فكلُّ الذي / تأمُلُ من رِبْحٍ إِلى خُسْرِ
والمرءُ في إقبالِه سابِحٌ / يجري مع الماءِ كما يجري
وهو إِذا أدبر مستقبلٌ / جَرْيتَهُ منقطعَ الظَّهْرِ
عُجْنَا إِلى الجِزْعِ الذي مَدَّ في
عُجْنَا إِلى الجِزْعِ الذي مَدَّ في / أرجائِه الغيمُ بِساطَ الزَّهَرْ
حولَ غديرٍ ماؤهُ المنتمي / إِلى بناتِ المُزْنِ يشكو الخَصَرْ
لو لاذتِ الريحُ سَموماً به / لانقلبتْ وهي نَسيمُ السَّحَرْ
حصباؤهُ دُرٌّ ورَضْرَاضُهُ / سُحالةُ العسجدِ حولَ الدررْ
وقد كَستْهُ الريحُ من نَسْجِها / دِرْعاً به يلقى نِبَالَ المَطَرْ
وألبَستْهُ الشمسُ من ضوئِها / نوراً به يَخْطَفُ نورَ البَصَرْ
كأنها المرآة مجلوَّةً / على بِساطٍ أخضرٍ قد نُشِرْ
كُراتُ دَسْتَنْبُويَةٍ نُضِّدَتْ
كُراتُ دَسْتَنْبُويَةٍ نُضِّدَتْ / مختلفاتِ الشَّكْلِ والمنظَرِ
فمستديرُ الشكلِ ذو سُمْرَةٍ / كأنَّهُ جُمْجُمةُ العنبرِ
ولابسٌ للنورِ ذو نُمرةٍ / والحسنُ كلُ الحُسْنِ للأَنْمرِ
وعسجديُّ اللونِ ذو صُفْرَةٍ / ضُمَّ إِلى تِرْبٍ لهُ أحمرِ
كأنّهُ المِرِّيخُ في لونِه / قارنَهُ في بُرْجِه المُشْتَرِي
مِلْنا إِلى النَّشْر الذي تلتقِي
مِلْنا إِلى النَّشْر الذي تلتقِي / إليه أنفاسُ الصَّبَا عاطِرَه
ثم خلعْنا لُجُمَ الخيلِ في / رياضهِ المونقةِ الناضِرَه
حولَ غديرٍ ماؤُه دارعٌ / والأرضُ من رقَّتِه حاسِرَه
فالشمس إنْ حاذَتْهُ رأْدَ الضُّحَى / حسناءُ في مرآتِها ناظِرَه
والشهب إن حاذَتْهُ جُنحَ الدُّجَى / تسبحُ في لُجَّتِه الزاخِرَه
قد ركّب الخضراء فيه فمن / حصبائِه أنجُمُها الزاهِرَه
يخصَر إن مرَّ بأرجائِه / لفحُ سَمومٍ في لَظَى الهاجِرَه
أنموذجُ الماءِ الذي جاءَنا ال / وعدُ بأنْ نُسْقَاهُ في الآخِرَه
نَيْلُوفَرٌ يسبحُ في لُجَّةٍ
نَيْلُوفَرٌ يسبحُ في لُجَّةٍ / عليهِ ألوانٌ من اللَّبْسِ
مُظاهِرٌ ثوبَ حِدادٍ على / ثوب بياضٍ عُلَّ بالوَرْسِ
فالشطرُ في أعلاهُ في مأتمٍ / وشطرُه الأسفلُ في عُرْسِ
مغَمِّضٌ طولَ الدُّجَى ناعِسٌ / جُفونُه تُفْتَحُ في الشَّمْسِ
فيمَ التجني والصّبا طِينُهُ
فيمَ التجني والصّبا طِينُهُ / رطبٌ فما يعيَى به الطابعُ
إنْ تُعْرضُوا عنِّي فمِنْ دونِكُمْ / في الأرض لي مضطَرَبٌ واسِعُ
ما من خَصاصٍ قد مَررنا بهِ / إلا عليهِ محجرٌ راقعٌ
هيهاتَ أن يخفقَ لي مطلبٌ / والشَّعَرُ الأسودُ لي شافعُ
خَدٌّ سوادُ الصُّدْغِ من فوقهِ
خَدٌّ سوادُ الصُّدْغِ من فوقهِ / قد صبغتْهُ يدُ صبَّاغِهِ
يا عجباً للجَمْرِ من خدِّهِ / لم تشتعلْ في مِسْكِ أصداغِهِ
ومفردٍ بالحُسْنِ أفردْتُهُ
ومفردٍ بالحُسْنِ أفردْتُهُ / بالحُبِّ لمَّا قَلَّ عُشَّاقُه
حيَّيتُه إذ نامَ عُذَّالُه / وطابَ للعُشَّاقِ أخلاقُه
وغضَّ من نخوتِه علمُهُ / بأنني وحديَ مُشتاقُه
انظر إِلى الجنة في وجهه
انظر إِلى الجنة في وجهه / لا ريب في ذاك ولا شكُّ
أما ترى فيه الرحيق الذي / ختامُهُ من خالِهِ مِسكُ
وفاتكٍ أفديهِ من فاتك
وفاتكٍ أفديهِ من فاتك / يَسْبِي فؤادَ العابدِ الناسكْ
قال وقد حاولتُ تقبيلَهُ / اِطْوِ الحَشا طَيّاً على ياسِكْ
ثغرِيَ هذا بَرَدٌ جامِدٌ / تُذيبُهُ جمرةُ أنفاسِكْ
وكلَّما قلتُ عفَا كَلْمُه
وكلَّما قلتُ عفَا كَلْمُه / عاودني منه عِداد السليمْ
يزيدُه طولُ البِلى جِدَّةً / وأَقتلُ الأدواءِ داءٌ قديمْ
قوموا إِلى لذّاتِكمْ يا نِيامْ
قوموا إِلى لذّاتِكمْ يا نِيامْ / ونبِّهوا العودَ وصفُّوا المُدامْ
هذا هلالُ الفِطرِ قد جاءنا / بمنجلٍ يحصدُ شهرَ الصيامْ
الحمد لله الذي خصّنا
الحمد لله الذي خصّنا / من فضله بالنعم الغامره
ألهمنا فكّ الرموز التي / تكاتمتها الأمم الغابره
بغير أستاذ ولا مرشد / إلى اختيار الطرق الجابره
إلا بتوفيق له سابق / منّتنا عن شكره قاصره
وهمه تقضي بتسديده / قد ساعدتها مقلة ساهره
والبحث عن كل الفنون التي / بها تزكى الأنفس الزاهره
وصلوات الله تترى على / محمد والعترة الطاهره
وبعد فالحكمة مخزونة / مكتومة شاردة نافره
قد ضلّ قوم بتآويلها / فيالها من صفقة خاسره
محجوبة بالرمز لكنها / بالكشف في أثنائها سافره
نشراً بها فينا وطياً لها / في همج حائرة بائره
وربما جاءك من رمزنا / خلاف ما عندك بالنادره
فأحسن الظن بنا إنما / كلامنا في الصنعة الفاخره
وذاك كشف للرموز التي / قد أضمرتها الفطن العابره
وإنما تعريض أسلافنا / بالرمز والترجمة الساتره
ضناً بسر الله في أرضه / وخفية للفتن الثائره
فإِن تفطنت فلا تبده / إلا تكن تبغي به الآخره
وكل وأنفق غير مستأثر / فقد كفيت الفقر والفاقره
واسعَ لعقباك ولا تغترر / بهذه الغادرة الساحره
وقدّم الخيرات واسهر لها / ليلك إنّ الموعد الساهره
وكن على نفسك مستحفظا / واحذر جوار الأنفس الحائره
وطائر يخرج من حفرة
وطائر يخرج من حفرة / لطيفة مظلمة القعرِ
يعرفه الناس جميعاً ولا / يدرون ما فيه من الأمرِ
يطير في الجو إلى قُلّة / كهوفها تطبق بالصخرِ
فيحرق الصخر ويرثى على / قُلّته يا لك من وكرِ
يؤخذ حياً ثم يلقى على / نار لنا حامية الجمرِ
حتى إذا صار رماداً بلا / محَشَّةٍ تنشف في البحرِ
تبنى له في بحرنا قبة / حصينة الأرجاء كالقصرِ
يلبث فيها مدة مثلما / يبقى رميم الميت في القبر
وروحه ينفخ فيها على ال / تدريج من شهر إلى شهرِ
حتى إذا استكمل أيامه / عاد جناحاه لدى الحشرِ
قد كانت الأفلاك في بدئها
قد كانت الأفلاك في بدئها / ضعيفة ليس بها كوكبُ
قيمها الشمس التي لم تزل / بالدور في أفلاكها ترأب
وماؤها يزخر في جوفها / ولأرض في هاوية ترسبُ
ودامت الشمس زماناً على ال / ماء وفوق الأرض لا تغربُ
وأطلعت أبخرة منهما / فابتدأت أفلاكها تصلبُ
واخترعت أنجمها أنفسا / مدبّرات شأنها معجبُ
وكوّن الآثار علوية / والمعدن المكروه والطيّبُ
وكل هذا أصله واحد / منه التراكيب التي ركّبوا
يا أيها السائل عن سرنا
يا أيها السائل عن سرنا / وفيه ترتيل وتأويلُ
فتش عن الباطن من كتبنا / فظاهر الكتب أضاليل
إن الزواييق وتركيبها / مع الكباريت أباطيلُ
والمعدنيات وأجسادها / رمز لدى القوم وتمثيلُ
حر وبرد بعده منهما / يبس ولين فيه تحليلُ
تركب الأركان منها وللا / أجناس بالأركان تحصيل
وودار أعلاها على سفلها / فتمّ تمزيج وتعديلُ
وامتزج الظلمة بالنور وال / أدوار فيهن الأفاعيلُ
طبائع من واحد أربع / قد طال فيها القال والقيلُ
فهذه من سرّنا جملة / لها شروح وتفاصيلُ
في المعدنيات لنا حكمة
في المعدنيات لنا حكمة / مخبوءة في الصدور
أعمالنا فيها وأسرارنا / وما سواها فمتاع الغرور
لا شعرة نعني ولا بيضة / فعدّ عن تدبيرهم في الشعور
وأخرج الأشياء عن طبعها / فبالتصاعيد تصحّ الأمور
وفي انقلاب الأرض عن طبعها / غنى وملك دائم لا يبور
فحلّ رمز القوم واحرص على / فهم المعاني فعليها تدور