المجموع : 18
قد أمكنَ الطالبَ مطلوبُ
قد أمكنَ الطالبَ مطلوبُ / وأسعَدَ الغُرُّ المناجيبُ
والغَيثُ قد بانَ له عارضٌ / على بِساطِ الرّوضِ مَسكوبُ
والفجرُ كالراهبِ قد مُزِّقَتْ / من طَرَبٍ عنه الجلابيبُ
فقُمْ بنا نَنعَمُ في مَنزلٍ / نعيمُه الدائمُ محبوبُ
ونشتري منه رخيصاً به / كأنه للرُّخصِ موهوبُ
بيتٌ بَنَتْهُ حُكماءُ الوَرى / فهو إلى الحكمَةِ مَنسوبُ
مُجاورُ النَّارِ ولكنَّه / يُجاورُ الروحَ به الطِّيبُ
حَرٌّ هو الظِّلُّ لأجسادِنا / والحَرُّ للأجسامِ تعذيبُ
طابَ فلو رَدَّ شبابَ امرئٍ / لارتدَّ شُبّاناً به الشِّيبُ
كأنه إذ ضَحِكَتْ جُدْرُهُ / من خالصِ الفِضَّةِ مَصبوبُ
كأَنَّ ما قُبِّبَ من سَقفهِ / قِحْفٌ من البَلَّورِ مكْبوبُ
كم سالبٍ بِزَّةَ أعدائِه / أطرقَ فيه وهو مَسلوبُ
فربَّ شَيءٍ فيه أبصرْتَه / لولاه أضحى وهو مَحجوبُ
يخلو وفيه من صُنوفِ الوَغى / للصيَّدِ والقَصْفِ أعاجيبُ
تعترضُ الخيلُ على جُدره / قُبْلاً فَمجنوبٌ ومَركوبُ
وتلتقي بالبيضِ فرسانُه / فضاربٌ منهم ومضروبُ
مَنظرُ حربٍ ما لها مَخْبَرٌ / سلاحُها بالدَّمِ مخَضوبُ
لا يَرتجي العزَّ بها غالبٌ / ولا يخافُ الذُّلَّ مغلوبُ
وتطرُدُ الوحشَ بها أكلبٌ / داميةٌ منها المَخاليبُ
فَلَبَّةٌ بالنَّابِ مَلبوبةٌ / ومَنكِبٌ بالظِّفْرِ منكوب
ويَشربُ الرَّاحَ به شاربٌ / مُرتَفِق بالتاجِ مَعْصوبُ
عِيانُه يُنْبِيكَ عن نعمةٍ / وَهْوَ بما عايْنتَ مَكذوبُ
حتى إذا نِلْتَ به لَذَّةً / ليسَ على مَن نالَها حُوبُ
مِلْنا إلى شُربٍ حلالٍ لنا / إن الحلالَ الطِّلْقَ مَشروبُ
راحَ يُحيِّيكَ بها شادنٌ / زَيَّنَه ظَرْفٌ وتأديبُ
فالمسكُ مهجورٌ إذا صُفِّقَتْ / في الكاس والكافورُ مَسبوبُ
وليسَ يكبو الهمُّ إلا إذا / أُعمِلَ فيه الكاسُ والكُوبُ
قامَت تَثَّنى بينَ أترابِها
قامَت تَثَّنى بينَ أترابِها / وفائحُ العنبرِ منها يَفوحُ
راهبةٌ للهِ في نُسوَةٍ / قد أُلبِسَتْ قُضْبَ اللُّجَينِ المُسُوحُ
كأنها إذ سَفَرَتْ روضَةٌ / ألبسَها الزَّهْرُ صَبيحاً مَليح
لولاك لم أمشِ إلى بيعةٍ / ولو مشَى حَوْلاً إليَّ المَسيحْ
أنخْتُ في حانةِ أُترُجَّةٍ
أنخْتُ في حانةِ أُترُجَّةٍ / وحبّذا حانتُها من مُنَاخْ
ثم اطَّرَحْنا الدِّينَ في بيتِها / حتى انسلَخْنا منه أيَّ انسلاخْ
تُصافحُ الخمرُ به نفسَها / ونزرعُ النسلَ بها في السِّبَاخ
كلُّ سميعٍ في الهوى مُبصِرٌ / أعمى عن الرُّشدِ أصمَّ الصِّماخْ
حتى إذا الشَّمسُ بها آذَنت / خيامَها الصُّفْرَ بحلِّ الأواخ
راحوا عن الراح وقد بدَّلوا / مشيَ الفرازينِ بمشي الرِّخاخ
قد وَفَتِ المُزْنُ بميعادِها
قد وَفَتِ المُزْنُ بميعادِها / وخَصَّتِ الرَّوْضَ بإسعادِها
وأخمدَتْ شُعْلَةَ إبراقِها / وسكَّنَتْ ضَجَّةَ إرعادِها
وأضحَتِ الأغصانُ قد نُظِّمَتْ / غَرائبُ الحَلْيِ بأجيادِها
وأوجهُ الأيامِ مبيضة / تُخبرُ عن رِقَّةِ أكبادِها
والعيشُ في طيب أثانينها / إذا تَفكَّرْتَ وآحادِها
وقد صَفَتْ بالزَّهرِ المُجتلى / مَوارِدُ الرَّاحِ لوُرَّادِها
فزُرْ بنا سوداءَ مصفودةً / في غَمْرَةِ الماءِ بأصفادِها
كأنَّها زِنجيَّةٌ واصلَتْ / حَنِينَها من ضيقِ أقيادِها
إذا نضَى الصُّبحُ سوادَ الدُّجى / لم يَنْضُ عنها سُودَ أبرادِها
طريقُ مَنْ خافَ لها لُجَّةً / يقطعُ في أحشاءِ أولادِها
لا سُقِيَتْ حانةُ أُتْرُجَّةٍ
لا سُقِيَتْ حانةُ أُتْرُجَّةٍ / غَيْثاً ولا حانةُ مولودِها
مخضوبَةٌ بالخَمْرِ جاءَتْ بهِ / مُختَضَباً من دمِ عُنقودِها
تَعذيبُهُ العُشّاقَ تَعذيبُها / ووعدُه نُسخَةُ موعودَها
فَبَظْرُها إذ ولَدَتْ مِثلَهْ / أَولَى بعِقْدِ الدُّرِّ مِنْ جيدِها
كنتُ لها صَيداً ولكننَّي / أفلَتُّ من وَرْطَةِ سَفُّودِها
وحيَّةٍ في رأسِها دُرَّةٌ
وحيَّةٍ في رأسِها دُرَّةٌ / تَسبَحُ في بحرٍ قصيرِ المَدى
إنْ هي غابَتْ فالعَمى ظَاهِرٌ / وإنْ بَدَتْ بانَ طريقُ الهُدى
لابُدَّ مِنْ نفثَةِ مَصْدورِ
لابُدَّ مِنْ نفثَةِ مَصْدورِ / فحاذِروا صَوْلَةَ مَحذورِ
قد أنْسَتِ العالَمَ غاراتُه / في الشِّعرِ غاراتِ المغاويرِ
أَثكَلَني غِيدَ قَوافٍ غَدَتْ / أبهى من الغِيدِ المَعاطيرِ
أطيَبَ ريحاً من نسيمِ الصَّبا / جاءتْ بِرَيَّا الوَرْدِ من جُورِ
من بعدِ ما فتَّحْتُ أنوارَها / فابتسمَتْ مثلَ الأزاهيرِ
وباتَ فِكري تَعِباً بينَها / يَنقُشُها نَقْشَ الدَّنانيرِ
يا سارقَ الأغفالِ ما حبَّروا / من القَوافي والمَشاهيرِ
أعطِ قِفَا نَبْكِ أماناً فقَد / باتَتْ بقلبٍ منك مَذعورِ
لو رَحَّبَتْ كاسٌ بذي أوبةٍ
لو رَحَّبَتْ كاسٌ بذي أوبةٍ / لرحَّبَتْ بالوردِ إذ زارَها
جاءَ فخِلناهُ خُدوداً بدَتْ / مُضرِمَةً من خَجَلٍ نارَها
كأنما خُيِّرَ في رَوْضَةٍ / طرائِفَ الكُسوةِ فاختارَها
وعطَّرَ الدُّنيا فطابت به / لا عَدِمتَ دنياكَ عَطَّارَها
قد خلعَ القَطْرُ جلابيبَه / إلا شظَاياها وأزرارَها
يُنبيكَ عن صِحَّةِ أخباري
يُنبيكَ عن صِحَّةِ أخباري / عُسري من العِشقِ وإيساري
وسُوقَةٌ أفضلُهم مُرتَدٍ / نَقْصاً ففخري بينَهم عاري
وكانتِ الإبرَةُ فيما مضَى / صائنةً وجهي وأشعاري
فأصبحَ الرِّزقُ بها ضيِّقاً / كأنَّه من ثُقبِها جاري
أخرسُ يُنبيكَ بإطراقِهِ
أخرسُ يُنبيكَ بإطراقِهِ / عن كلِّ ما شِئتَ من الأمرِ
يُذري على قُرطاسِي دمعةً / نَمَّت عليه عَبرةٌ تَجري
كعاشِقٍ أخفَى هواه وقد / نَمَّت عليه عَبرةٌ تَجري
تُبصِرُهُ في كلِّ أحوالِه / عُريانَ يكسو الناسَ أو يُعري
يُرى أسيراً في دواةٍ وقد / أطلَقَ أقواماً من الأَسرِ
قد تَركَتْ عِرسُ أبي جَعْفَرٍ
قد تَركَتْ عِرسُ أبي جَعْفَرٍ / فؤادَه في الحُبِّ مَخلُوسا
وآثرتْ فيشةَ مُوسى لِمَا / غادرَه من بَظْرِها المُوسَى
فأطَلَقتْ فيها وفي بَعْلِها / كلَّ لسانٍ كانَ مَحبوسا
لم يُشْفَ بالدَّمْعِ عليلُ الفِراقُ
لم يُشْفَ بالدَّمْعِ عليلُ الفِراقُ / إذ شَيَّعَ الظَّعْنِ بِدَمْعٍ مُراقْ
سِيقَتْ لِوَشْكِ البَيْنِ أظعانُهُم / والنَّفْسُ من بينِهمُ في السِّياقْ
صَبابَةٌ ضاقَ بها صَدْرُه / وأَدمُعٌ ضاقَتْ بهِنَّ المَآقْ
أما اشتفى الواشونَ من عاشِقٍ / يَلقَى من البَيْنِ الذي أنتَ لاقْ
رَمَتْهُ باللَّحْظِ عيونُ العِدا / من قبلِ أن يَحْظَى بطيبِ العِناقْ
فجالَ ماءُ الشَّوقِ في جَفْنِه / واحتبَسَت أنفاسُه في التَّراقْ
وزائِرٍ أسعَفَني بالمُنى / زُوراً وقد هَوَّمَ حادي الرِّفاقْ
أعَلَّني شَوْقاً إلى حُسْنِه / إذ زارَ في النَّوْمِ عَليلَ اشتياقْ
للهِ ما أَوثَقَ عَهْدَ الهَوى / منه وما أضعَفَ عِقْدَ النِّطاقْ
يَنْشُرُ لي ذِكْراه نَشْرَ الصَّبا / وبارقٌ لاحَ بأعلى البُراقْ
في عارِضٍ أذهَبَ أعلامَه / بالبَرْقِ حتى خِلْتَهُ في احتِراقْ
لو أَنصَفَ الأعداءُ لم يَصْرِموا / لمَّا تقضَّى الودُّ حبلَ النِّفاقْ
كأنَّني بالشِّعرِ ألقاهُمُ / بمثلِ وَقْعِ المُرهَفاتِ الرِّقَاقْ
في وَقْعَةٍ ليسَ لها كاشفٌ / وصَيْحَةٍ ليسَ لها من فَواقْ
جَرى ابنُ فَهْدٍ سابقاً في العُلى / أكفاءَه والسَّبْقُ حَظُّ العِتاقْ
فعاشَ في عَيْشِ منيعِ الحِمى / منتشرِ الظِّلِّ فَسيحِ الرِّواقْ
وإنْ جَفا عَبْداً له واصلاً / مُعتَلِقاً بالوُدِّ أيَّ اعتِلاق
لا يترجَّى فَكَّ رقٍّ ولا / يُخشى عليه مُوبِقاتُ الإباق
وكم أردتُ الهجرَ لكَّنني / وجدتُه مُرّاً كريهَ المَذاق
عرابدُ عندَك أُرْمَى بها / بينَ صَبوحٍ دائمٍ واغتباق
وتهمةٌ في الشِّعْرِ من جاهلٍ / ما زالَ فيه عاجزاً عن لَحاق
لقد أتاحَ الدَّهرُ لي شَقوَةً / إذ خصَّني منك بهذا الشِّقاق
وكلُّ أخلاقِكَ مَرضِيةٌ / فما لِخُلٍّ ذَمَّها من خَلاَقْ
للهِ حَسَّانٌ فتىً مٌعْرِقاً
للهِ حَسَّانٌ فتىً مٌعْرِقاً / في حِذْقِه وابنُ فتىً مُعْرِقِ
يَفتُكُ بالمَرْءِ شفَيقاً به / أَعجبْ به من فاتكٍ مُشْفِقِ
لهُ حُسامٌ مُطلَقٌ حَدَّه / يَدْمى وطَوْراً ليسَ بالمُطلَقِ
إذا كسا الوجهَ به رَونَقاً / عادَ إلى سِنٍّ له ضَيِّقِ
حمراءُ لم تَكذِبْ ولم تَصدُقِ
حمراءُ لم تَكذِبْ ولم تَصدُقِ / لها لِسانٌ قَطُّ لم يَنْطِقِِ
يَفْرُقُها العالِمُ لكنَّها / قَطُّ من العالِمِ لم تَفَرَقِ
يُزْهِرُ في ذي أربعٍ مُقْعَدٌ / كالشَّمْسِ إذ تُزْهِرُ في المشرِقِ
تَرى به الجَمْرَ إذا ما صَفا
تَرى به الجَمْرَ إذا ما صَفا / يُشرِقُ مِثلَ الذَّهَبِ المُشرِقِ
جَمرَتُه تُشرِقُ من عَبْرَتي / وحَرُّه من قلبيَ المُقْلِقِ
إذا بَدا نَحوَكَ شبَّهْتَهُ / بقَهْوَةٍ في قَدَحٍ أزرَقِ
أصبحتَ فَرداً يا أبا جَعفرٍ
أصبحتَ فَرداً يا أبا جَعفرٍ / لا سَلَفٌ دانٍ ولا نَسلُ
فأنتَ كالكَمأةِ مَجنِيَّةً / ليسَ لها فَرعٌ ولا أصلُ
بَرَّزَ إبراهيمُ في عِلمِه
بَرَّزَ إبراهيمُ في عِلمِه / فراحَ يُدعى وارِثَ العِلمِ
أوضحَ نَهْجَ الطُّبِّ في مَعْشَرٍ / ما زالَ فيهم دارِسَ الرَّسمِ
كأنه من لُطفِ أفكارِه / يَجولُ بين الدَّمِ واللَّحمِ
لو غَضِبَتْ روحٌ على جِسمِها / أصلحَ بينَ الروحِ والجِسمِ
بَعَثتَ في المِيلادِ لي بِدعةً
بَعَثتَ في المِيلادِ لي بِدعةً / تَحارُ فيها عينُ رائِيها
هَدِيَّةً لم أدْرِ من ظَرفِها / أعجَبُ أم مِن ظَرفِ مُهديها
قبابَ شَمعٍ يَتَحَامى الدُّجَى / مَجلِسَنا عندَ تَلالِيها
كأنَّها أغصانُ تِبرٍ بدَت / زَهرةُ نارٍ في أعاليها
أرواحُها تأكلُ أجسامَها / عَمداً وتَفنَى حينَ تُفنِيها
سَيَّافُها يَضرِبُ أعناقَها / وَهْوَ بذاكَ الِفعلِ يُحييها