أَرحَت نَفسي مِن عداة الملاح
أَرحَت نَفسي مِن عداة الملاح / لِليأسِ روح مِثلِ روحِ النَجاح
وَرُبَّما حَكَّمَت في مُهجَتي / نَشوان مِن ماء الصِبا وَالمراح
وَكَيفَ لا تُدرِكُهُ نَشوَةٌ / وَاللَحظُ راحَ وَجَنى الريق راح
لَو لَم تَكُن ريقَتُهُ خَمرَةٌ / لَمّا تَثنىَّ عطفه وَهوَ صاح
يَبسِمُ عَن ذي أَشَرٍ مِثلَما / يَلتَقِط الظَبيُ بِفيه الأَقاح
تُهدي الصَبا رَيّاهُ مِن رَوضَة / تَظَلُّ أَحياناً وَحيناً تراح
أَنيقَةٍ يَجمَعُ أَرجاؤُها / بيضُ المَقاصيرِ وَبيضُ الأَداحِ
وَلَو دَرى مسرى الصَبا نَحوَها / سَد مِنَ البُخلِ مَهَبِ الرِياح
كَم مَرَّةٍ أَعجَزَنا حِلَّهُ / فَساقَهُ النَوم إِلَينا سِفاح
أَفلَتَهُ مِنّي وَقَد صِدتُهُ / بِرَقدَةٍ صَوت مُنادي الفَلاح
تُسلِبنا اليَقظة ما زَفَّهُ / لَنا الكَرى مِن كُلِّ خود رَداح
فَنَحنُ في نَومٍ وَفي يَقَظَةٍ / بَينَ دَنوٍ مِنهُمُ وانتِزاح
وَمَوقِفٌ لَولا التَقى لالتَقى / فيهِ نَجادي ونظّام الوشاح
قُلتُ لِخلي وَثغور الرُبى / مُبتَسِماتٍ وَثغور المِلاح
أَيُهُما أَحلى تَرى مَنظَراً / فَقالَ لا أَعلَم كُلُّ أَقاح
كَيفَ رَجوعي في الهَوى بَعدَما / خَلَعته خَلع رِداء فطاح
وانجاب عَن فوديَّ لَيل الصِبا / لِكُلِّ لَيلٍ مُدلَهِمٍّ صَباح
فازوَرَّت البيضُ بِأَبصارِها / مَطروفَةً عَنّي وَكانَت صِحاح
مَن كانَ يَهواكَ لِشَيءٍ مَضى / إِذا مَضى عَنكَ تَوَلّى وَراحَ
وَخَلَّهُ أَظهَرَ ما أَضمَرَت / سَيري فَقالَت أَقلىً وَاطِّراح
فانحَلَّ سِلكَ الدَمعِ في ثَغرِها / فَشَجَّت الخَمرُ بِماءٍ قراح
وَلَيسَ يُمضي عَزمَتي لَو دَرَت / مُغرٍ وَلا يَعطِفها قَولَ لاح
لَو علمَت أَن العلى في السُرى / قالَت عَلى الرَشد انحَ ما أَنتَ ناح
آلَيت استَسقي سِوى مَنصِلي / إِن الغَوادي بِمُرادي شحاح
المَجد شرب لَم يَزَل ماؤُهُ / مُرَقرِقاً فَوقَ صفاح الصفاح
لِكُلِّ مُعتادٍ ضراب العدى / مِن فَوق مُعتاد ضَريب اللِقاح
يُديرُ وَالمَوت لَهُ فاغرٌ / طَرَفاً فَوقَ طرف وَقاح
يَنصُل في الطَعنِ حراب القَنا / كَأَنَّها أَلسِنَة في الجِراح
يَعتَصِبُ المَجد عَلى نَفسِهِ / وَقَد يُبيحُ الطَعن غَيرَ المُباح
وَمجهل مُشتَبِه طرقه / كَأَنَّما هُنَّ خُطوط بِراح
يُسعِدُني فيهِ وَفي غَيرِهِ / ذو صُدورٍ كفلاة فِساح
كَأَنَّما أَشباح أَنضائنا / قِسيٌّ نَبع وَكَأنّا قداح
حَتّى اجتَلَينا بَعدَ طولِ السُرى / بغرَّة الكامِل وَجه الصَباح
فَقالَ لي صاحِبي أَبدَرُ السَما / فَقُلتُ لا بَل هوَ بَدرُ السَماح
ينبيك عَن سؤددٍ بشره / مَخائِل السُؤدَدِ خَرس فَصاح
صَعب إِباء النَفس سَهل النَدى / إِنَّ المَعالي شَدَّةٌ في سَماح
هَل يَقبَل الضَيم فَتىً حَيَّهُ / في الكُفرِ والإِسلامِ حَيُّ لِقاح
يَذكُر التيجان آباءُهُ / بِهِ وَتِلكَ القَسمات المِلاح
إِذا رَأتهُ قلقَت هَزَّةٌ / كَأَنَّما في كُلِّ تاج جناح
تَبكي لكَسرى وَتَرا آي ابنَهُ / فَيَستَحيل الأرتياع ارتِياح
فَهَل تَرى التيجان مِنهُ عَلى / بَدرٍ لِبَدرٍ التَمِّ مِنهُ افتِضاح
يَختِم ما استَفتَح آباؤهُ / وَلِلعُلى خاتِمَة وافتِتاح
قَد عدل الدَهرُ بإِعلائِهِ / وَكُلُّ ما في الدهر ظلم صِراح
واصطَلَحَ الناس عَلى فَضلِهِ / واختَلِفوا بَعدُ فَلَيسَ اصطِلاح
شَرَّفتُ نَفسي باِمتِداحي لَهُ / فَقَد تَعَجَّلَت ثَوابُ امتِداح
لَمّا أَناخ الجودَ في كَفِّهِ / نادى بِأَعلى صَوتِهِ لا بَراح
في كَفِّهِ أَحيا وَمِن كَفِّهِ / أَحشَر إِن حُمَّ القَضاءَ المُتاح
مُقَسَّم الخاطِرِ مَكدوده / في تَعب مِن مَجدِهِ لا استِراح
يَطمَح مِن عِزٍ إِلى آخَرٍ / دامَ لَهُ العِزُّ وَدامَ الطِماح
في عَسكَرٍ مِن نَقسِهِ رأيهِ / رايَتِهِ إِن عَلِم الحَربُ لاح
يَهزِم مَن زاحَمَ عَن أَنفُسٍ / مُكَلَّمات وَجُسوم صِحاح
قَد يَغلِبُ المَرءُ بِتَدبيرِهِ / أَلفاً وَلا يَغلِبهُمُ بِالسِلاحِ
وَلِلمُعادي رُتَبٌ في العِدى / الرأي ثُمَّ الكيد ثُمَّ الكِفاح
وَلَيسَ بَعدَ الحَربِ مِن غايَةٍ / هُنَّ حُظوظ مِثلَ ضَربِ القِداح
وَلا يُبالي عِندَ فَلِّ العِدى / أَهيبَة فلتهمُ أُمَ رِجاح
حامى عَن المُلكِ فَأَضحى حِمىً / مِن بَعدِ ما شارَف أَن يُستَباح
فَصارَ عَريناً لِلَيث الشَرى / وكانَ مَرعىً لِلسوام المراح
يُوَفِّر الأَمر أَلا إِنَّما / رَأسان في تاج خِلاف الصَلاح
ثُمَّ اِنثَنى إِذ كَفَروا سَعيَهُ / لكل مطواعٍ ذَلول جِماح
ذو سَحب تنبت أَعداءَهُ / وَحاسديه في جَميع النَواح
وَالفَضلُ مَحسودٌ وَقَد حازَه / فَما عَلى حاسدِهِ مِن جُناح
كَم ناقِصٍ ترجم عَن فاضِلٍ / دَلَّ عَلى بَيت كَريم نُباح
وَمَن رأى تاج المَعالي عَلى / مَفرق لَيث فَوقَ طَرَف النَجاح
قَد نالَ بِالأَقلام ما قَصَّرت / أَو قَصُرَت عَنهُ طوال الرِماح
مِثلَ الأَفاعي الرَقش أَقلامُهُ / فَهُنَّ دُرياق وَسُمٌّ ذباح
إِن لمس الطرس بِأَطرافِها / فاضَ نَوالاً وَبَياناً وَساح
وَشمت مِن أَنمله أَبحراً / لؤلؤهنَّ الكَلِمات الفِصاح
حكمة آبائك مِن فارِسٍ / كَسَوتها لَفظ قُرَيش البِطاح
يُظهِر آلأوكَ إِخفاؤها / إِنَّ النَدى مِسك إِذا صين فاح
وَالعُرف بَدر كُلَمّا اسدَفَت / لَهُ لَيالي الجحد زادَ اتِضاح
قُل لِبَني الآمال هَبوا فَقَد / هَبَّت بِكُم بابن عَلي رِياح
مَحا بِهِ الدَهر إِساءآتِهِ / تَنَصُّلاً وَالدَهر واحٍ وَماح
يا ابن علي أَعدني بِالغِنى / كَمِثلِ ما أَعديتَني بِالسَماح
طارَ إِلى العَلياء قَوم وَما / قَصَّرتُ لَكِن كَيفَ لي بِالجَناح
دونَ العُلى ملحمة صَعبَة / سِلاحُها المال وَمالي سِلاح
آن لِجادي الغَيث أَن يَجتَدي / وَمُستَميح البَحر أَن يُستَماح
فاسلم وَعِش في رفعَة نَجمها / في فلك العِز حليفَ النَجاح
وَدَم كَما أَنتَ فَما بَعد ذا / لِمَن دَرى كَيفَ المَعالي اقتِراح
في عَزِّ إِقبال وَيُمنٍ وَفي / ظِل سُعودٍ يَقتَدي بِالصَلاح
ما شَق نور الفَجر درَع الدُجى / وَما دَعا في الأَيك طَيرٌ وَناح