قُم فَاِسقِنيها قَبلَ صَوتِ الحَمام
قُم فَاِسقِنيها قَبلَ صَوتِ الحَمام / كَرمِيَّةً تَجمَعُ شَملَ الكِرام
صَهباءَ مِمّا عَتَّقَت بابِلٌ / مِزاجُها الأَريُ وَماءُ الغَمام
مِمّا أُدِيرَ الكَأسُ مِنها عَلى / كِسرى وَنُمرُوذَ بنِ كُوشِ بنِ حام
لَوِ اِحتَساها اِبنُ الزُبَيرِ اِغتَدى / أَكرَمَ مِن كَعبٍ وَأَوسِ بنِ لام
تَذهَبُ بِاليَأسِ وَتُدني المُنى / وَتَنشُرُ اللَهوَ وَتَطوي الغَرام
أَو ذاقَها المَنزُوفُ ضَرطاً لَما / هابَ اِبنَ ذي الجَدَّينِ يَومَ الزِحام
وَحَرِّكِ الأَوتارَ وَاِذكُر لَنا / أَيّامنا الغُرَّ بَدارِ السَلام
وَتِلكُمُ الغُزلانُ بَينَ المَها / تَمشي إِلى الشَطِّ فِئاماً فِئام
مِن كُلِّ أَظمى فاتِرٍ طَرفُهُ / تُروى بِمَرآهُ القُلوبُ الحِيام
وَغَنّنا بِالوَترِ صَوتاً وَقُل / المَوتُ أَحلى مِن سُؤالِ اللِئام
أَرى المَعالي تَقتَضي عَزمَتي / تَعَسُّفَ البِيدِ وَخَوضَ الطَوام
بِكُلِّ مَطلِيِّ المِلاطَينِ لَم / يَجرَب وَلَم يَرعَ بِمَرعى السَوام
تَسُوقُهُ الرِيحُ وَتَحتَثُّهُ ال / جَلُّ وَفي الوَجعاءِ مِنهُ الزِمام
لا يَعرِفُ الإِعياءَ في سَيرِهِ / وَلا يُبالي أَمضى أَم أَقام
وَقَد تَساوى عِندَهُ في المَدى / يَومٌ وَأُسبوعٌ وَشَهرٌ وَعام
إِذا يَمَسُّ الأَرضَ في جَريِهِ / خِيفَ عَلى راكِبِهِ الاِصطِلام
أَو كُلِّ رَوعاءَ عَزِيزِيَّةٍ / تَزِفُّ بِالرَحلِ زَفيفَ النَعام
يَصحَبُها أَجرَد عَرض النَسا / قَصيرُ الأَرساغِ طَويلُ الحِزام
كَيما أُلاقِي مَلِكاً عِندَهُ / لِلماجِدِ الأَحسابِ مِثلي مُقام
مُطَهَّرَ الأَخلاقِ تَسمُو بِهِ / إِلى المَعالي هِمَمٌ لا تُرام
أَموالُهُ مِن ضَيمِهِ تَشتَكي / وَجارُهُ في نَجوَةٍ لا يُضام
مَن يَلقَ شَمسَ الدِّينِ يَلقَ اِمرَءاً / يَقعُدُ وَالأَعداءُ مِنهُ قِيام
نَبَّهَ طُلّابَ النَدى جُودُهُ / إِلَيهِ تَنويهاً وَكانُوا نِيام
لَولاهُ لَم يَعرِف بَنُو عَصرِنا / مِن مَلِكٍ شَيئاً سِوى الإِنتِقام
يُجانِبُ اللَهوَ وَيَهوى التُقى / وَيَحفَظُ العَهدَ وَيَرعى الذِمام
لَم يَنطِقِ العَوراءَ في مَجلِسٍ / يَوماً وَلا أَصغى لِزُورِ الكَلام
لا بَرقُهُ في حالَةٍ خُلَّبٌ / وَلا سَحابُ الجُودِ مِنهُ جَهام
أَرضى إِلَهَ العَرشِ في خَلقِهِ / مُذ وَلِيَ الأَمرَ وَأرضى الإِمام
عَفٌّ فَما باتَ أَخُو ثَروَةٍ / يَلصِقُ مِنهُ صَدرَهُ بِالرَغام
كَم رَدَّ مِن حالِ مَخيفٍ وَقَد / صارَ مِن الهَمِّ كَذاتِ الوِحام
إِذا رَأى ما نالَ إِخوانَهُ / مِنَ البَلايا صاحَ صمّي صَمام
فَظَلَّ مُنكَبّاً عَلى وَجهِهِ / وَذابَ غَمّاً وَتَمَنّى الحِمام
مُنذُ تَوَلّى لَم يَبِت مُسلِمٌ / مِنهُ عَلى نِعمَتِهِ ذا اِهتِمام
راشَ ذَوي الفَقرِ وَأَحياهُمُ / وَاِحتَرَمَ المُثرِينَ أَيَّ اِحتِرام
وَغَيرُهُ لَمّا تَوَلّاهُمُ / لَم يُبقِ تَحتَ الجِلدِ غَيرَ العِظام
بِالضَربِ وَالصَلبِ وَحَلقِ اللِحا / وَقَلعِ الأَظفارِ وَشَمّ الأُيام
لَم يَرثَ لِلشَيخِ حَياءً مِن الش / شَيبِ وَلَم يَرحَم شَبابَ الغُلام
وَكَم حَصانٍ أُبرِزَت جَهرَةً / تُساقُ لِلجَلدِ بِغَيرِ اِحتِشام
وَما أَتَت فاحِشَةً تَقتَضي / حَدّاً وَلا تُوجِبُ سَلبَ الخِدام
لا تَدعُ شَمسَ الدِينِ يا ذا الحِجا / مُخاطِباً إِلّا غياثَ الأَنام
فَإِنَّ ذا الإِسمَ بِهِ لائِقٌ / لا بِالمشائِيمِ الطَغامِ اللِئام
يا أَيُّها البَصرَةُ تِيهي بِهِ / فَإِنَّهُ المَلكُ الأَغَرُّ الهُمام
وَإِنَّهُ أَوحَدُ هَذا الوَرى / حِلماً وَعِلماً وَنَدىً وَاِعتِزام
بَثَّ بِها الأَمنَ وَرَدَّ المُنى / غَضّاً وَكانا آذَنا بِاِنصِرام
وَلَم يُصَعِّر خَدَّهُ مُعرِضاً / كِبراً وَلَم يَفضُض لِجُورٍ خِتام
يابا شُجاعٍ يا ثِمالَ الوَرى / يا طاهِراً مِن كُلِّ ذَمٍّ وذام
يا شِبهَ ذي القَرنَينِ مَن رَهطِهِ ال / غُرِّ بَني العِيصِ المُلوكِ الكِرام
كَأَنَّما البَصرَةُ مُذ جُزتَها / أَشلاءُ غِمدٍ سُلَّ مِنهُ الحُسام
بُدِّلَتِ الوَحشَة مِن أُنسِها / وَأُلبِسَت بَعدَ الضِياءِ الظَلام
وَكُلُّ أَرضٍ فَقَدَت شَمسَها / غَشّى الدُجى ساحاتِها وَالخِيام
وَالآنَ إِذ عُدتَ إِلَيها زَهَت / وَاِبتَسَمَت بِالبِشرِ أَيَّ اِبتِسام
فَلا خَلَت مِنكَ الرَعايا وَلا / زِلتَ لِمُرفَضِّ المَعالي نِظام