المجموع : 6
بردك فوق الخصر جار الرؤى
بردك فوق الخصر جار الرؤى / فخلفه تطفر جنّيّتان
شيطانتان اصطفتا جنّة / قد تؤنس الجنّة شيطانتان
دارت على الظمأى حميّاهما / فاللهو في الجنّة طلق العنان
يدنيهما الشوق و لم تدنوا / فهل هما نهدان أم نجمتان
تموج ألحان الصبا فيهما / كأنّما نهداك أغرودتان
عشّان لا للطّير بل للهوى عشّان / بل للمسك قاروتان
عندي طيوب لك أعددتها / عطر لباناتي و عطر البيان
رشّا على حسنك ريّاهما / فهل درى عطراي ما يفعلان
حسنك عطر العطر في جنّتي / على غناها و لبان اللبان
فاغدي على الرمل و روحي يضع / ورد و يفرش طيبه أقحوان
عيناك بحر حين أغفى انحنت / فلملمت أحلامه الضفّتان
تغفو بعينيك طيوف المنى / عيناك للأشواق أرجوحتان
قلبي و قرطاك حليفا ضنى / ألم يئن أن يتعب الخافقان
و خصلتان ارتاحتا في يدي / من الدجى المخمور مسكوبتان
شذاهما باق و إن غابتا / كأنّما فرعاك ريحانتان
تغامزين البدر في موعد / فغرت لمّا التقت الغمزتان
ينمنم الأحلام فضّيّة / و تنسج الشمس لك الأرجوان
و ملكك البدر و شمس الضحى / و ما يصوغان و ما يغزلان
قد باح جفناك بسرّ الدجى / جفناك من سرّ الدجى مترعان
تضحك عيناك و إن جدّتا / لا سحر في عينين لا تضحكان
تنطق عيناك و لم تنطقي / و قد تطيلان و قد توجزان
و لم تضيقا بمعاني الهوى / ألا تلومان ألا تتعبان
رشيقة الأحزان و القدّ . هل / ينبت في جمر الغضا غصن بان
نزلت قلبي سدرة المنتهى / ما أرز لبنان و ما الغوطتان
و بيننا قربى الشذى للشذى / ألحسن و الشعر رضيعا لبان
ترشف من نهديك إغفاءتي / كأسين قد أترعتا بنت حان
طافت بك الكأس فرنّحتها / و جنّ لمّا شمّك الزعفران
نبع الصبا المسحور يشتفّه / قلبي و السمراء و الفرقدان
نشتفّه حتّى ثمّالاته / فنحن لا نفنى و يفنى الزمان
نشتفّه حتّى يعود الصبا / و اللّمّة السوداء و العنفوان
و بيننا في ربوة سمحة / حلو السفوح الخضر حلو الرعان
و غابة يغفو الضحى عندها / و شمسها تغرب قبل الأوان
قبورنا فيها بلا وحشة / يؤنسها في الوحدة السنديان
و قبّة تحرس كنز الدجى / كأنّها في الغابة الديدبان
و النبع و القبّة في هدأة / يسرع دهر و هما وانيان
ما هزّت الدنيا أناتيهما / فتغرب الدنيا و لا يدهشان
و لوّحت من بعض أفيائنا / كفّان بالحنّاء مخضوبتان
حضنت في السمراء دنيا المنى / حين التقينا كبّر العالمان
جزنا حدودو الكون لا مشرقان / في جلوة النّور و لا مغربان
جزنا حدود الكون حتّى التقى / كلّ مغيب عندنا بالعيان
و عاد للأنجم ما ضاع من / أضوائها و اعتنق الأزهران
و اختصر الدنيا شذا مسكر / أو لهفة عذراء أو قبلتان
بحت بأسراري فعبّوا الشذى / فضّت عن الراح العتيق الدنان
نا غاب عن أعراسنا أهلنا / ألشمس و الأنجم في المهرجان
و الناس لا تعرف أحزاننا / يرثى لنا الشوق و يبكي الحنان
يرفعني الموج . إلى شاهق / و حطّني .. لا تهدأ الكفّتان
زلزلت الأمواج زلزالها / و احتضنتها دجنة من دخان
قد رجّها العاصف حتى طغى / لؤلؤها طوع يدي و الجمان
و محنة طالت و أكرمتها / بالصبر حتّى ملّ دهر فلان
لا يقنط الحرّ و لا يشتكي / لكلّ بحر هائج شاطئان
فتّشت عن خوفي فلم ألفه / كيف أرى الخوف و أنت الأمان
قرّبنا الله ففوق الزمان / نحن مع النور و فوق المكان
يضوّئ الظلمة إيماننا / و يسكر الفجر رحيق الأذان
نحن و قلبانا و أسرارنا / شوق إلى الله و أغنيّتان
أوجهها أم بيته قبلتي / أستغفر الله فلي قبلتان
نريد جمرا لبخور الهوى / في النار هذا الجمر لا في الجنان
صلاتنا النور فمن وهجها / شعّ الضحى و أتلق النيّران
من وردنا الأفلاك تسبيحة / و الصبح و النجمة تكبيرتان
تغمزني الشمس عناق الهوى / فلفّني من فرعها خصلتان
وجهي و لم تخدع أساريره / - و القلب مرآتان مجلوّتان
كتبت ( بسم الله ) فالطرس من / عدن ( و بسم الله ) حوريّتان
لم يعنني عسر و لا شدّة / الله و السمراء لي المستعان
عرّيت فقري عند بابيهما / و تعذّب الشكوى و يحلو الهوان
أحببتها ساخرة كالرؤى
أحببتها ساخرة كالرؤى / مبهمة غامضة كالظنون
مجنونة و الحسن لم تكتمل / فتنته إلاّ ببعض الجنون
طروبة ضحّاكة كالصّبا / كئيبة قاتمة كالمنون
اليأس في أجفانها و المنى / و الضحك في ألحانها و الأنين
و خفّة الأيّام في ثغرها / لكن بعينيها وقار السنين
قد مزّق الفجر و لم تثنه / شفاعة الحبّ و نجوى الفتون
غلالة شفّافة عذبة / على لماها من رؤى الحالمين
تثير في قلبي شكوك الهوى / لاذعة ثمّ تريد اليقين
هيهات قلبي قد غدا كافرا / و كان فيها أوّل المؤمنين
يا صورة أبدع تكوينها / في مطلع الفجر إله الفنون
و نغمة من بعض ألحانها / همس اللّيالي و ارتعاش الغصون
و نفحة لله عطريّة / ندّية حيّا بها البائسين
و زهرة أخشى على حسنها / من خطرة الفكر و نجوى العيون
لا تخدعيني إنّني عالم / بما تبينين و ما تكتمين
أرى على خدّيك فيما أرى / بألف لون قبل العاشقين
من قبلة خائنة مرّة / و قبلة وادعة في الجبين
و قبلة حمراء مثل اللّظى / و قبلة بيضاء مثل اليقين
تأبين إلاّ محو آياتها / و هنّ يا ليلاي لا يمّحين
لا تنكري حبّك لي إنّني / أستشهد الريحان و الياسمين
و النهر إذ تنظر أمواجه / لا أستحي منها و لا تخجلين
و الأيكة الخضراء إذ أبصرت / تبذّل الحسن الشهيّ المصون
و أنّه بحت بها للدجى / فعطّر اللّيل عبير الأنين
دامية موجعة وقّعت / ألحانها يمنى الرّجيم اللّعين
سأسكب الدمعة فيها الأسى / و الشعر و الحبّ الشجيّ الحزين
لعلّني يشفع بي عندها / هذا الهوى الباكي و هذا الحنين
ها صورة أبدع تكوينها / في مطلع الفجر إله الفنون
يا وردتي أين الشذى و النّدى
يا وردتي أين الشذى و النّدى / يا كبدي أين الهوى و الحنين
يا روحي الثكلى ألم تأخذي / عن ربّة الألحان أين الأنين
يا أمّ أحلامي و أمّ المنى / في فجرها أين قبرت البنين
لمحت في كأسي و قد شعشعت / طيف الأماني و الهوى و السنين
و ذكرياتي و هي عريانة / تبدو و تخفى بين حين و حين
و تلك حسناء بلون الضحى / و تلك شوهاء بلون الدّجون
يقفزن في كأسي فلا أنثني / عن خمرة الكأس و لا ينثنين
هذا جنون النفس في سكرها / و العقل من خدّام هذا الجنون
جارتي الحسناء ثرثارة / سكرى الهوى نشوى الصبى و الفتون
رأيت من أحزانها ما اختفى / و دقّ حتّى ما تراه الظنون
كلّ الأسى الصاخب يا جارتي / فداء حزن صامت في العيون
هاتي من الأحزان ما شئته / لا يفهم الأحزان غير الحزين
يا جارتي الحسناء هل تعلمين / يا جارتي ليتك لا تعلمين
عاطفتي حزن طويل على
عاطفتي حزن طويل على / ماض من العمر و مستقبل
عاطفتي أنّه مضنى بكى / على زمان للصبا أوّل
عاطفتي لحن يثير الأسى / و يخلق الهمّ بقلب الخلي
عاطفتي حبّ بعيد المدى / أصاب في رميته مقلتي
عاطفتي زفرة حرّ كليم / ثار على الدّهر و لم يحفل
من يشتري عاطفتي منكم / بغيرها من هذه العاطفات
لا تعذلوني حين أبكي أسى / العدل كلّ العدل أن أعذر
سبّب لي هذا الشعور الأسى / مصيبة الإنسان أن يشعرا
من يشتريه منكم خاسرا / أولى بشاري الدمع أن يخسرا
قضى عليّ الدهر و اشقوتي / بالدّهر أن أبكي و أن أسهرا
من يشتري منّي عقود النظيم / ببسمة تسلمني للكرى
من يشتري الشعر و ألحانه / ببسمة واحدة في الحياة
عاطفتي مرحمة واذهبي / لم يبق من عمري غير القليل
أبليت من جدّة عهد الصبا / ظلما و عجّلت أوان الرحيل
أنا عليل بائس فاهربي / لا خير في صحبة نضو عليل
ماذا جاد يا عاطفتي . و الكريم / يضنّ عند الفقر ضنّ البخيل
لم يبق فيه ويحه من قرى / يرضى صروف الدّهر و العاديات
سألت قربانا فقدّمته / للهيكل الأقدس قربانا
و فوق ذا المذبح ضحيّته / و ما درى الناس ببلوانا
ويحي تلاشت فيك أجزاؤه / كأنّه بالأمس ما كانا
أعطاك ما شئت و أعطيته / ما لم يشأ همّا و أحزانا
أهكذا يجزى المحبّ القديم / و يوسع الآمل حرمانا
أفنيته ظالمة فارقبي / غدا عقاب الله للظالمات
أكلّما أنّ أخو لوعة / كلّفتني الحزن و طول الأنين
أكلّما ناح محبّ أسى / حشرتني في زمرة النائحين
أكلّما مرّت على خاطري / صورة بؤس رحت في البائسين
أشقى مع الأيتام مستعبرا / و أسهر الليل مع العاشقين
كتبت آيات العذاب الأليم / غضون همّ فوق هذا الجبين
تتلى و لا يخطئها قارئ / فيا لآيات الأسى البيّنات
عاطفتي رحماك و استبدلني / بجسمي الناحل جسما صحيح
جسم فتى لم يدر معنى الأسى / و لا مشى يوما بقلب جريح
و لا حبته بالأسى مقلة / دعجاء أو وجه بهيّ صبيح
دعيه يحيا بعض ساعاته بمهجة / حرّى و جفن قريح
جرّر ما شاء ذيول النعيم / و لم يطمع بالكأس نصح النصيح
فعلّميه كيف يشقى الفتى / و كيف ترعى سرحه النائبات
رأيتها صبحا و قد أرسلت / ذكاء في الأفق نثير الذهب
و هبّ في الروض نسيم الصبا / محمّلا طيب الربى حين هب
و للرياحين شذا مسكر / يفعل ما تفعل بنت العنب
عروسة الأحلام أحببتها / و هل يلام المرء في من أحب
أحببتها جمرا على مهجتي / و للهوى في الناس شأن عجب
و همت فيها و أنا ذرّة / هائمة في هذه الكائنات
ألصّبر محمود و لكنّني / لم يرضني الصبر و لم أرضه
أهوى نعم أهوى و لي ناظر / فارق مذ فارقته غمضه
ضعي على حرّ فؤادي يدا / كأنّها من خالص الفضّه
و ابتسمي عن لؤلوء و اسفري / عن بشرة ناعمة بضّه
في خدّك القاني الشهيّ الوسيم / تفاحة مترفة غضّه
حكمك الحسن بأهل الهوى / حسبي الهوى ما أظلم الحاكمات
هل نسيت هند زمان الصبا
هل نسيت هند زمان الصبا / لله ما أحلى زمان الصبا
إذ نحن كالأطيار في شدوها / طفلان يختالان بين الربى
نلعب في الكرم و لا بدعة / سعادة الطفلين أن يلعبا
أحذر أن تغضب من هفوة / و تحذر الحسناء أن أغضبا
يا هند عفوا و اغفري زلّتي / إن أنا هيّجت لهيبا خبا
إن كانت الذكرى تثير الأسى / لا تذكري الماضي و لا تحزني
الكرم هل أطياره لم تزل / تشدو على أغصانه الناعمة
و الروض هل أزهاره لم تزل / ثغورها مفترّة باسمة
صفصافة الجدول هل مسّها / داعي الردى أم لم تزل قائمة
يا طالما غنّى بألحانه / و أنت في أفيائها نائمة
لا تنفري منّي و لا تغضبي / و لا تكوني في الهوى ظالمة
إن كانت الذكرى تثير الأسى / لا تذكري الماضي و لا تحزني
مررت بالغابة مستعبرا / و الليل قد أرخى سدول الظلام
فقلت و الذكرى أثارت هوى / خبا بقلبي منذ عام و عام
هنا تساقينا كؤوس الهوى / هنا تعانقنا عناق الغرام
هنا تلاقينا هنا ودّعت / هنا أشارت كفّها بالسلام
مالي أرى دمعك واحسرتي / منسجما يا هند أيّ انسجام
من ذا الذي قبلته أثّرت / بورد خدّيك فدته الورود
إستقبلي يا هند فتّانة / ضاحكة عهد غرام جديد
أنا أشقي في الهوى فابسمي / بسمة عطف لمحب سعيد
و ذلك الحبّ القديم الذي / مات تناسيه و تلك العهود
إن كانت الذكرى تثير الأسى / لا تذكري الماضي و لا تحزني
يا هند و الموت مشى مسرعا / إلى شبابي مؤذنا بالفراق
قضى على جسمي يا ليته / قضى على اللّوعة و الإشتياق
حين تمدّين يدا بضّة / ناعمة مترفة للعناق
فيلتقي الثغران في قبلة / تسكر كالخمر نديّ المذاق
إن كانت الذكرى تثير الأسى / لا تذكري الماضي و لا نحزني
و حين تمشين الهوينا و قد / أقبلت الشمس تريد المغيب
بين ورود ضحكت للندى / ثغورها نشوى اخضلال و طيب
لا تدخلي الغابة لا تدخلي / فإنّ في الغابة قبر الغريب
قبرحبيب قد تناسيته أهكذا / ينسى الحبيب الحبيب
و اجتنبي الغابة لا تخرقي / حرمة ذيّاك السكون المهيب
فإنّما الذكرى تثير الأسى / لا تذكري الماضي و لا تحزني
يا أرز لبنان و قد أقبلت
يا أرز لبنان و قد أقبلت / ميّ و سرب الغانيات الملاح
و انحنت الهامات من هيبة / لمجدك البادي بتلك البطاح
أمّا قرأت الحبّ في سورة / خطّت على تلك الوجوه الصباح
كافحت إعصار الردى ظافرا / فمن محا آثار ذاك الكفاح
و جرّد الدّهر عليك الظبى / فانخذل الدهر و فلّ السلاح
غالبته تسخر من صرفه / كبرا و لا تخشى القضاء المتاح
ما نال منك الدهر إلاّ الذي / نالت من الصخر الأصمّ الرياح
أين سليمان و بلقيسه / اخت هلال الأفق بنت الصباح
و أين ذاك الهيكل المرتجى / هيضت خوافيه و قصّ الجناح
فاتل على ميّ أحاديثه / من يوم شادوه إلى اليوم طاح
يا بردى الشام و قد أقبلت / ميّ الفتاة الغادة الشاعرة
لا تنكر الشّوق فقد صفّقت / من وجدها أمواهك الطاهرة
تلا عليها بردى ما جرى / عليه في أيّامه الغابرة
فاستعبرت تذكر آلامه / يا حبّذا المحبوبة الذاكره
خاطبها الماء و لا بدعة / فإنّها يا بردى ساحره
حدّث عن الماضي و أعراسه / و عن صروف الزمن الغادره
و عن جدود فيك ميمونة / و عن جدود بعدها عاثره
و عن عروش حسدت مجدها / في الأفق هذي الأنجم الزاهره
و اتل على ميّ رواياتهم / فإنّها مبكية زاجره
يا بعلبك ابتسمي إنّها / ميّ و سرب الغانيات الدمى
و استقبلي الوحي فوحي النّهى / سلّم في السرب الذي سلّما
بنيانك الخالد ما باله / أصبح لغزا غامضا مبهما
ها شاده أهل الثرى معجزا / أم شاده في الأرض أهل السما
لم يدر هذا العصر من سرّه / شيئا فما أبهى و ما أعظما
و اخجل الإنسان في كبره / لا كرّم الحقّ و لا كرّما
لقد سما الأجداد من قبله / كما سما أو فوق ما قد سما
هل عنده من يبتني تذمرا / أمغرما في الفنّ أو مرغما
فقدسيّ مبدعها مالكا / لا ينقض الأمر إذا صمّما
واتلي على ميّ أعاجبه / فالمرء مذكور بما قدّما
يا ميّ و الأرزاق مقسومة / سبحان من قسّمها في الأنام
من مصر لبّيت نداء الهوى / فزرت لبنان و زرت الشام
ثمّ تهاديت على سابح / ممتنع الجانب عند الصدام
تبغين أرض النيل مشتاقة / لمنهل عذب و أهل كرام
قبر ((التنوخي)) الطّهور الثرى / ما ضرّ لو حيّيته بالسّلام
ما أحوج القبر إلى دمعة / من جفن ميّ لا جفون الغمام
فابكي على القبر الذي ضيّعت / أمجاده الفرقة و الإنقسام
و اتلي على القوم أحاديثه / فإنّ فيها عبرة للأنام