المجموع : 6
ياشعب كم في القلب من لوعة
ياشعب كم في القلب من لوعة / عليك تغلي يا مهيج الغرام
شكوت عيشاً خلته وصمة / وحبذا عيشك لو كان دام
تزاحمت فيك أماني الورى / " والمورد العذب كثير الزحام "
هم نصبوا للصيد أشراكهم / فلم يجد بداً فطار الحمام
حنَّت قلوب لك شوَّقتها / يا معهد الشوق سقاك الغمام
إن نجحت فيك أمان لنا / فهى وإّلا فعليك السلام
عاطى نباتُ الأرض ماءَ السما
عاطى نباتُ الأرض ماءَ السما / مالا تُعاطيه كؤوسُ الرحيقْ
وبات إذ حطَّ بها ثِقْلَه / يكلِّف الأرض بما لا تُطيق
أوشكتِ القِيعانُ إذ فُتّحت / لها السما مما عراها تَضيق
واهتدت الشمس لتجفيفها / فابتعثتْ شكرَ النبات الغريق
الجوُّ زاهٍ والثرى فائحٌ / ومنظر الأرض لطيفٌ أنيق
والعُود يهتزّ لمرِّ الصَّبا / والروضُ من سَكرته لا يُفيق
والغيثُ يَهمي أين من صَفوهِ / وهو جديدٌ خمرُ دنٍّ عتيق
تفتَّحي خُضْرَ الرُّبى للنَّدى / في مَبسِم الفجر – متى شئتِ – ريق
وعطّري ريحَ الصَّبا بالشَّذى / وانفتقي عن فار مسك فتيق
كلُّ فصولِ الدهر لا تُشترى / بالنزْر من نَشْرِ شذاك العبيق
جاء الربيعُ الطلق فاستبشري : / غريمُكِ البردُ طريدٌ طليق
مثل الذي لاقيت من ذا وذا / يصدف في الدهر انفراجٌ وضيق
صوبَ الحيا رفقاً فكم لطمة / أنزلتها قسراً بخدِّ الشقيق
كأن نَضْحَ القَطْرِ من فوقه / ذائبُ دُرٍّ في أواني عقيق
إني تخالفت وزهرَ الرُّبى / والكلُّ منا ذو مزاج رقيق
أنفاسها نشرُ شذىً نافحٍ / وحرّ أنفاسي شواظُ الحريق
كلُّ وجوه الأرض مكسوَّةٌ / لفائفَ الأزهار حتى الطريق
أحبابنا بين مَحاني العراقْ
أحبابنا بين مَحاني العراقْ / كلفتُمُ قلبيَ ما لا يُطاقْ
العيشُ مرٌّ طعمهُ بعَدكم / وكيف لا والبُعْدُ مرُّ المذاق
أمنيَّةٌ تَستاقُها شقوة / آهٍ على أمنيَّةٍ لا تُعاق
كلُّ لياليكُمْ هنيئاً لكم / بيضٌ ودَهري كلُّه في مِحاق
لي نَفَسٌ كيف بتَصعيده / والشوقُ مني آخِذٌ بالخِناق
الله يَرعَى " حَمَداً " إنه / غادرني ذكراه رهنَ السياق
هل جاءه ان أخاه متى / يَذكرْه يَشَرقْ بدموع المآق
يكفيكُمُ من لوعتي أنني / في فارس أشتاقُ قُطرَ العراق
لا سوحُها وهي جِنان زَهَتْ / بكلِّ ما رقَّ جمالاً وراق
ولا الربى مخضّرة تزدهي / حسناً حواشيها اللطافُ الرِقاق
خُطَّتْ على أوساطها خضرةٌ / سبحان من قدّر هذا النِطاق
تنال من شوقي وهل سلوةٌ / لمن قضى اللهُ له أن يُشاق
صبَّ الشتاء الثلج فوق الرُبى / يرفعُه فيها طباقاً طباق
حتى إذا الصيفُ انبرى واغتدتْ / تُصَبِّحُ الأرض بكأسٍ دهِاق
هبَّ عليلاً ريحُها لاصَحَا / زماسَ سُكراً روضُها لا أفاق
أحسن ما في وجهِ هذا الثرى / عيونُه لا رمُيتْ بانطباق
تجري وتجري أدمعي ثرةً / وأدمُعي أولى بشأو السباق
لمُ يحيِ هذا الماءُ مَيْتَ الثَرى / لو لم يكنْ ماءُ حياةٍ يُراق
ذكرتكُمْ والنفسُ مسحورةٌ / وللخُطى بين المروج إستراق
ليس يقي النفْسَ امرؤ من هَوى / إلا إذا كانَ من الموت واق
صدقْتَ يا برق بهذا النبا
صدقْتَ يا برق بهذا النبا / ومن ليَ اليوم بأن تكذَبا
من هِزة الحزن غدا خافقاً / سلكك أم من هِزة الكهرُبا ؟
طارت بيوم النَّحس برقيةٌ / آه على الآمال طارت هبا
شقّت على الأسماع أصداؤها / وهز فيها المشرقُ المغربا
موجزةُ اللفظ وداعي الأسى / بالحزن في أثنائها أطنبا
تكاد أن تَمرُقَ من سلكها / لو وجدت من بينه مهربا
علماً بما تحمل من خطرة / بالرغم ان تقرأ أو تكتبا
لسانُها الأخرسُ من حَلَّه ؟ / ولفظُها المعجمُ من أعربا؟
قُومي البسي بغدادُ ثوب الأسى / إن الذي ترجينه غُيِّبا
إن الذي كان سراج الحمى / يشيع في غيهبه كوكبا
بات على نهضة أوطانه / ملتهب الجمرة حتى خبا
قصرَّ من أيامه همُّهُ / أن يُنقِذ الموطن والمذهبا
قومي افتحي صدرك قبراً له / وطرزيه بوُرود الرُّبى
خُطي على صفحته :" هكذا / يُرفع من مات شهيدَ الابا "
ودرِّسي نشأك تاريخَه / فان فيه المنهج الأصوبا
رُدي إلى أوطانه نَعشَه / لا تدفني في فارس " يعربا "
لا تدعي فارس تختصه / فالولد البَرْز لمن أنجبا
شمس اضاءت ههنا حقبة / وهي هنا أجدر أن تغرُبا
كان يهزُ الصُلب من غالبٍ / ويدفع المغلوب أن يغلبا
يُهيب بالطالب أن يركب الأخطارَ / حتى يبلُغَ المطلبا
لا يأتلي ينشُد حقاً ولا / ينفك ان يُغضب أو يغضبا
كان صليب العود في دنه / وكان في آرائه أصلبا
يمنعه المبدأ أن ينثني / والدين والجَرأةُ أن يكذِبا
عفٌّ عن الدنيا سوى خُطةٍ / يذبُ عنها وكفى مأربا
ورابط الجأش متى ما يشأ / جهَّز ن آرائه مقنبا
يبغضه المعجب إذ أنه / أخو اتضاع يبغض المعجَبَا
محّص بالتجريب أيامه / وكيِّسُ الأقوام من جربا
يكاد أن يُشرب من رقة / ومن جمال الروح ان يُنهبا
شاء العلى والمجد ان يجتلى / وشاءت الاقدار ان يُحجبا
تنازع للكون في اهله / صير منا الحوَّلَ القُلبا
ما الجود في أعمارنا طولها / وإنما الجود بأن توهبا
سيان طال العمر أو لم يطُلْ / ما دامت الغاية أن يسلبا
سمعاً زعيم من نادب / عزَّ عليه اليوم ان نُدْبَا
اليومَ يَرثيك وفي أمسه / كان يُغنيك لكي تَطْرَبا
كان وما زال بأنفاسه / ينفُث كالجمر وقد ألهبا
ما دأبه العجب ولكن كفى / أنك قد كنت به معجَبا
بكل غراءَ اذا أثنشِدت / تلهي العطاش الهيم ان تشربا
تزري على الشمس اذا اشرقت / وتغرُب الشمس ولن تغربا
من أين سارت وجدت قائلاً / أهلاً وسهلاً مرحبا مرحبا
ايةٍ بلادي هل يَقيك الأذى / أني انتضيت المقول المِقْضبا
تعيا القوافي ان تصُدَّ الجوى / يغلي ويعيا الدمعُ ان ينضُبا
شيئانِ ما مثلهما لذةً / في السمع ذكراك وذكرُ الصِّبا
من فلَذٍ القلب وأنياطه / حقٌ لتمثالكَ أن يُنصبا
سَلوا الجماهيرَ التي تَبصرونْ
سَلوا الجماهيرَ التي تَبصرونْ / ماذا أتاحتْ لكُمُ الاربعونْ
تخبركُم حرقةُ انفاسِهم / كيف – تقضَّت – وانتفاخُ العيون
سَلوهُمُ ما بالُكُمْ كلَّما / عنَتْ لكم خاطرةٌ تنحَبون
أكلُ شيٍْ موجبٌ للبكا / أكلُّ شيء باعثٌ للشجون
ريعتْ قلوبٌ واستضيمتْ جفون / واحتقروا أعزَّ ما يملكون
راضونَ ممتَّنون عن حالةٍ / لا يرتضيها مَن به يحتفون
يبكون للشعرِ ولا يعرفون / وللخطاباتِ ولا يسمعون
ما رقة الأشعارِ أبكتهُمُ / لكنهم بالقلب يستعبِرون
مكدودةٌ أنفسهُمْ حسرةً / وبالبكاء المرِّ يستروَحون
وهكذا الدمع بريئاً يُرى / وهكذا الحزنُ بليغاً يكون
أبكى وأشجى لوحةً أحكمت / تصويرَها كفُّ الزمانِ الخؤون
مَغنىً على دجلة مستشرفٌ / دامعة ترتدُّ عنه العيون
احتلَّت الوحشةُ أطرافَه / ورفرفَ الحزنُ به والسكون
أخلاه فرطُ العزَّ من ربِّه / والعزُّ باب مُشرَعٌ للمنون
أقولُ للقوم الغَيارى وقد / أعوزَهُم كيفَ به يحتفون
أحسن من كلِّ اقتراحاتِكم / مما تشيدون وما تنحِتون
قارورة يُحفَظ فيها دم / يعرفه الخائنُ والمخلصون
يلقَى بها تشجيعةً مخلصٌ / وعبرة مخجلة مَن يخون
مِيتةُ هذا الشهم قد بيَّنتْ / للقوم أنا غيرُ ما يدَّعون
وأننا ناسٌ أباةٌ متى / نُرهق فمضطرُّون لا مُرتَضون
وأننا بالرُغم من صبرِنا / إن حانت الفرصةُ مستغنِمون
انتبهوا لا الحزنُ يُجديكُمُ / شيئاً ولا استنزافُ هذي الشؤون
هاتوا بما نبني دليلاً على / أنا على آثاره مقتفون
السَّلم لا يُجدي بيوم الكفاحْ
السَّلم لا يُجدي بيوم الكفاحْ / فاستقبلِ الأيام شاكي السلاحْ
واغتنمِ العمرَ وساعاتِه / فانها تمر مرَّ الرياح
حسبُك فيما قد بقي عِبرةٌ / لا يَرُح اليومُ اذا الأمسُ راح
آهٍ على الفُرصةِ ضيعتَها / والآن إذ تطلُبها لا تُتاح
بالعزم نِلْ يا شرق ما لم يُنَلْ / فالغرب قد طار بِهذا الجَناح
لا تك مهما اسطعت رِخو الجماح / واستنزلِ الدهرَّ على الإقتراح
يكفيك ما كابدتَ من ذِلّة / الملكُ قد فُرِّق والعرش طاح
هلاّ إلى مَكْرُمةٍ خُطوةٌ / يا شرق يا ذا الخُطُوات الفِساح
يا أمةً أعمالُها طفرةٌ / بُشراك قد انتجت قبل اللِّقاح
سائمةُ الحيِّ اطمأنتْ به / مرعىً خصيبٌ ونميرٌ قراح!
أْلجِد ما تُضمر من طيّةٍ / وكل ما نُعلن عنه مزاح
نُحْتُ وغنَّيتُ ولا مِيزةٌ / قَبْلِيَ كم غنّى هزارٌ وناح
لا غرو أنْ سال قصيدي دماً / فانَّ قلبيْ مثخنٌ بالجِراح
يا ظلمةً قد طبقّتْ موطني / دومي : فشعبي لا يُريد الصّباح
الشؤم قد أوهم أوطاننا / أن ليس يُجدي المرء إلا النِّياح
ما لبلادي فظّةٌ روحُها / بعيدة عن هزةِ الارتياح
من لي بشعبٍ واثقٍ آمنٍ / غُدُوُّهُ لغايةٍ والرَّواح
قد فَوَّضَ الأمرَ لشُبانِهِ / فكُلِّلتْ أعماله بالنجاح
تَوَّجَهُ الوعيُ بألطافه / بِشراً كما تُوِّجَ زهرُ البِطاح