القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِيليا أَبو ماضي الكل
المجموع : 15
يا نَبَأَ سُرَّ بِهِ مَسمَعي
يا نَبَأَ سُرَّ بِهِ مَسمَعي / حَتّى تَمَنّى أَنَّهُ الناقِلُ
أَنعَشَ في نَفسي المُنى مِثلَما / يُحيِ الجَديبَ الواكِفُ الهاطِلُ
عَرَفتُ مِنهُ أَنَّ ذاكَ الحِمى / بِالصَيدِ مِن فِطيانِنا آهِلُ
عِصابَةٌ كَالعِقدِ في أَكرِنِ / يَعتَزُّ فيها الفَضلُ وَالفاضِلُ
مِن كُلِّ مِقدامٍ رَجيحِ النُهى / كَالسَيفِ إِذ يَصقُلُهُ الصقِلُ
البَدرُ مِن أَزرارِهِ طالِعٌ / وَالغَيثُ مِن راحَتِهِ هامِلُ
وَكُلُّ طَلقِ الوَجهِ مَوفورِهِ / في بُردَتَيهِ سَيِّدٌ مائِلُ
شَبيهَةَ الشَرقِ اِنعَمي وَاِسلَمي / كَي تَسلَمَ الآمالُ وَالآمِلُ
بِكُم وَبِالراقينَ أَمثالِكُم / يَفتَخِرُ العالِمُ وَالعامِلُ
بَعَثتُمُ هَملِتَ مِن رَمسِهِ / فَهَملِتٌ بَينَكُم ماثِلُ
تَمشي وَيَمشي الطَيفُ ف إِثرِهِ / كلاهُما مِمّا بِهِ ذاهِلُ
لا يَضحَكُ السامِعُ مِن هَزلِهِ / كَم عِظَةٍ جاءَ بِها الهازِلُ
رِوايَةً يَظهَرُ فيها لَكُم / كَيفَ يُداجي الصادِقَ الخاتِلُ
وَتَنكُثُ المِرآةَ ميثاقَها / وَكَيفَ يُجزي المُجرِمُ القاتِلُ
وَإِنَّما الإِنسانُ أَخلاقُهُ / لا يَستَوي الناقِصُ وَالكامِلُ
وَالنَفسُ كَالمِرآةِ إِن أُهمِلَت / يَعلو عَلَيها الصَدَءُ الآكِلُ
وَالناسُ أَدوارٌ فَذا صاعِدٌ / يُراوِدُ الشُهبَ وَذا نازِلُ
وَالدَهرُ حالاتٌ فَيَومٌ بِهِ / تَحُسُّ وَيَومٌ سَعدُهُ كامِلُ
فَمَثَّلوا الجَهلَ وَأَضرارِهِ / حَتّى يُعادي جَهلَهُ الجاهِلُ
وَمَثَّلوا الفَضلَ وَآياتِهِ / كَي يَستَزيدَ الرَجُلُ الفاضِلُ
وَصَوَّروا المَجدَ وَلَألائِهِ / عَسى يُفيقُ الهاجِعُ الغافِلُ
وَيَرجِعُ الشَرقُ إِلى أَوجِهِ / كَما يَعودُ القَمَرُ الآفِلُ
وَاِبنوا إِلى الآتينَ مِن بَعدِكُم / يَبنِ لِمَن يَخلُفُهُ القابِلُ
ما دُمتُمُ لِلحَقِّ أَنصارَهُ / هَيهاتَ أَن يَنتَصِرَ الباطِلُ
لَو أَنَّني يا هِندُ بَدرَ السَما
لَو أَنَّني يا هِندُ بَدرَ السَما / نَزَلتُ مِن أُفقي إِلى مَخدِعِك
وَصُرتُ وَقداً لَكِ أَو خاتِماً / في جيدِكِ الناصِعِ أَو إِصبَعِك
أَو بُلبُلَ الرَوضِ ما لَذَّ لي / الاِنشادُ إِن لَم يَكُن في مَسمَعِك
وَلَو أَكونُ الأَرَجُ الذاكي / لَما هَجَرتُ لرَوضَ لَولاكِ
وَما حَواني غَيرُ مَغناكِ / وَلَم أَفُح حَتّى تَكوني مَعي
فيكِ وَفي الوَردَةِ سِرُّ الصِبا / وَفي الصِبا سِرُّ الهَوى وَالجَمال
فَإِن تَريني واجِماً باهِتاً / حَيالِها أَخشى عَلَيها الزَوال
فَإِنَّني شاهَدتُ طَيفَ الرَدى / يَنسَلُّ كَالسارِقِ بَينَ الظِلال
وَلاحَ لي في الوَرَقِ / مُنطَرِحاً في الأَرضِ قُدّامي
أَشباحُ آمالي وَأَحلامي / أَحلامُ مَن أَحلامُ مَضناكِ
يا نَفسُ لَو كُنتُ تَرينَ الشُؤون
يا نَفسُ لَو كُنتُ تَرينَ الشُؤون / كَما يَراها سائِرُ الناسِ
لَما رَماني بَعضُهُم بِالجُنون / وَلَم أَجِد في الناسِ مِن باسِ
بِالأَمسِ مَرَّ المَوكِبُ الأَكبَرُ / فيهِ الفَتى الراكِبُ وَالناعِلُ
وَأَقبَلَت غيدُ الحِمى تَخطِرُ / يَهتِفنَ عادَ البَطَلُ الباسِلُ
ما لَكِ يا هَذِهِ لا تَهتُفين / لِصاهِبِ الدَولَةِ وَالباسِ
فَقُلتِ لي ضاحِكَةً تَسخَرين / وَيلَكَ هَذا قاتِلُ الناسِ
وَمَجلِسٍ دارَت بِهِ الأَكأُسُ / فَشَرِبَ القَومُ وَلَم تَشرَبي
وَاِمتَلَأَت بِلطَرَبِ الأَنفُسُ / وَأَنتِ في صَمتِكِ لَم تَطرَبي
كَأَنَّما غَيَّبَكِ الحِندِسُ / أَو تاهَتِ اللَذاتُ في سَبسَبِ
ما لَكِ يا هَذِهِ لا تَضحَكين / لِلحَبَبِ الضاحِكِ في الكاسِ
قالَت نَهاني أَنَّ مَوجَ السِنين / سَيَغمُرُ الأَقداحَ وَالحاسي
وَسِرتِ في الرَوضَةِ شاعَ الجَمال / فيها وَشاعَ الحُبُّ بَينَ الطُيور
الطَلُّ فيها كَدُموعِ الدَلال / وَالشَوكُ فيها كَحَديثِ الغُرور
مَشَيتِ في أَرجائِها كَالخَيال / يَطوفُ في الظَلماءِ بَينَ القُبور
كَأَنَّما لا وَردَ في الياسَمين / كَأَنَّما لا عِطرَ في الآسِ
وَيحَكِ لا في عُزلَتي تَطرَبين / وَلا إِذا كُنتُ مَعَ الناسِ
كانَ زَمانٌ كُنتِ تَستَأنِسين / بِكُلِّ وَهمٍ خادِعٍ كَالسَراب
حَتّى إِذا أَسفَرَ وَجهُ اليَقين / رَأَيتِهِ كَالوَهمِ شَيئاً كُذاب
دُنيا الوَرى ليلٌ وَصُبحٌ مُبين / وَلَيسَ في دُنياكِ إِلّا الضَباب
ما لاحَتِ الأَجارُ لِلناظِرين / إِلّا رَأَيتِ شَبَحَ الفاسِ
وَلا سَمِعتِ الكاسَ ذاتِ الرَنين / إِلّا سَمِعتِ حَطمَةَ الكاسِ
مَسَختِ في عَينَيَّ لَونَ النَهار / لَمّا لَمَحتِ اللَيلَ بِالمَرصَدِ
وَماتَ في أُذُنَيَّ لَحنُ الهَزار / لَمّا سَبَقتِ الصَمتَ لِلمُنشِدِ
فَرَرتِ بِلَّذّاتِ قَبلَ الفَرار / فَضاعَ يَومي حائِراً في غَدي
خالَفتِ مِقياسَ الوَرى أَجمَعين / فَكَيفَ يَرضونَ بِمِقياسي
ما بَرِحَ الناسُ كَما تَعلَمين / وَلَم أَزَل فَرداً مِنَ الناسِ
عَيناك وَالسِحرُ الَّذي فيهِما
عَيناك وَالسِحرُ الَّذي فيهِما / صَيَّرَتاني شاعِراً ساحِرا
علَّمَتنِيَ الحُب وَعَلَّمتُهُ / بَدَر الدُجى وَالغُصن وَالطائِرا
إن غِبتِ عَن عَيني وَجُنَّ الدُجى / سَأَلتُ عَنكِ القَمَرَ الزاهِرا
وَأَطرُقُ الرَوضَةَ عِندَ الضُحى / كَيما أُناجي البُلبُلَ الشاعِرا
وَأَنشُقُ الوَردَةَ في كُمِّها / لِأَنَّ فيها أَرَجاً عاطِرا
يُذَكِّرُ الصَبُّ بِذاكَ الشَذا / هَل تَذكُرينَ العاشِقَ الذاكِرا
كَم نائِمٍ في وَكرِهِ هانِئٍ / نَبَّهتِهِ مِن وَكرِهِ باكِرا
أَصبَحَ مِثلي تائِهاً حائِراً / لَما رَآني في الرُبى حائِرا
وَراحَ يَشكو لي وَأَشكو لَهُ / بَطشَ الهَوى وَالهَجر وَالهاجِرا
وَكَوكَبٍ أَسمَعتُهُ زَفرَتي / فَباتَ مِثلِيَ ساهِياً ساهِرا
زَجَرتُ حَتّى النَومَ عَن مُقلَتي / وَلَم أُبالِ اللائِمَ الزاجِرا
يا لَيتَ أَنّي مَثَلٌ ثائِرٌ / كَيما نَقولُ المَثَلَ السائِرا
مِثلِيَ هَذا النَجمُ في سُهدِهِ
مِثلِيَ هَذا النَجمُ في سُهدِهِ / وَمِثلُهُ المَحبوبُ في بُعدِهِ
يَختالُ في عَرضِ السَما تائِهاً / كَأَنَّما يَختالُ في بُردِهِ
إِن شِئتَ فَهوَ المَلِكُ في عَرشِهِ / أَو شِئتَ فَهوَ الطِفلُ في مَهدِهِ
يَرمَقُنو شَذَراً كَأَنّي بِهِ / يَحسَبُني أَطمَعُ في مَجدِهِ
يَسعى وَلا يَسعى إِلى غايَةٍ / كَمَن يَرى الغايَةَ في جَدِّهِ
كَأَنَّما يَبحَثُ عَن ضائِعٍ / لا يَستَطيعُ الصَبرَ مِن بَعدِهِ
طالَ سُراه وَهوَ في حَيرَةٍ / كَأَنَّهُ المَحزونُ في وَجدِهِ
في جُنحِ لَيلٍ حالِكٍ فاحِمٍ / كَأَنَّ حَظِيَ قُدَّ مِن جِلدِهِ
لا يَحسُدُ الأَعمى بِهِ مُبصِراً / كِلاهُما قَد ضَلَّ عَن قَصدِهِ
ساوَرَني الهَم وَساوَرتُهُ / ما أَعجَزَ الإِنسانَ عَن رَدِّهِ
ما أَعجَبَ الدَهر وَأَطوارَهُ / في عَينِ مَن يُمعِنُ في نَقدِهِ
جَرَّبتَهُ دَهراً فَما راقَني / مِن هَزلِهِ شَيء وَلا جَدِّهِ
أَكبَرَ مِنهُ أَنَّني زاهِدٌ / ما زَهِدَ الزاهِدُ في زُهدِهِ
أَكبَرَ مِنّي ذا وَأَكبَرتُ أَن / يَطمَعَ أَن أَطمَعَ في رَفدِهِ
وَعَدَّني أُعجوبَةً في الوَرى / مُذ رُحتُ لا أَعجَبُ مِن حِقدِهِ
يا رُبَّ خَلِّ كانَ دوني نُهىً / عَجِبتُ مِن نَهسي وَمِن سَعدِهِ
وَعائِشٍ يَخطُرُ فَوقَ الثَرى / أَفضَلُ مِنهُ المَيتُ في لَحدِهِ
أَصبَحَ يَجني الوَردَ مِن شَوكِهِ / وَبِتُّ أَجني الشَوكَ مِن وَردِهِ
أَكذِبُ إِن صَدَّقتُهُ بَعدَما / عَرَفتُ مِنهُ الكَذِبَ في وَعدِهِ
لا أَشتَكي الضَرَّ إِذا مَسَّني / مِنه وَلا أَطرُبُ مِن رَغدِهِ
أَعلَمُ أَنَّ البُؤسَ مُستَنفَذٌ / وَالرَغدُ ما لا بُدَّ مِن فَقدِهِ
إِذا اللَيالي قَرَّبَت نازِحاً / وَكُنتَ مُشتاقاً إِلى شَهدِهِ
أُمَلِّكُ عَنهُ النَفسَ في قُربِهِ / خَوفاً مِنَ الوَحشَةِ في صَدِّهِ
وَإِن أَرَ الحُزنَ عَلى فائِتٍ / أَضَرَّ بِيَ الحُزن وَلَم يُجدِهِ
مالي وَما لِلرَشَإِ الأَغيَدِ
مالي وَما لِلرَشَإِ الأَغيَدِ / خَلَت مِنَ الحُب وَمِنهُ يَدي
نَأى فَما في قُربِهِ مَطمَعٌ / لا تَصِلُ الكَفُّ إِلى الفَرقَدِ
قَطَعتُ بِاليَأسِ حِوطَ المُنى / وَقُلتُ لِلسَلوانِ لا تَبعُدِ
وَصِرتُ لا يُطريني مُنشِدٌ / وَلا أَنا أَصبو إِلى مُنشِدِ
أَسيرُ في الرَوضَةِ عِندَ الضُحى / حَيرانَ كَالمُدلِجِ في فَدفَدِ
أَمامِيَ الماء وَلا أَرتَوي / وَحَولِيَ النور وَلا أَهتَدي
يا لَيتَ شِعرتي أَينَ عَهدُ الصِبا / وَأَينَ أَحلامُ الفَتى الأَمرَدِ
وَلّى وَوَلَّت كَخَيالِ الكَرى / يَلوحُ في الذُهن وَلَم يوجَدِ
فَيا قُلوبَ الكاشِحينَ اِسكُني / وَيا عُيونَ الحاسِدينَ اِرقُدي
وَيا شِياهاً تَتَّقي صَولَتي / قَلَّمتُ أَظفارِيَ فَاِستَأسِدي
يا سائِلي عَن أَمسِ كَيفَ اِنقَضى / دَعه وَسَلني يا أَخي عَن غَدِ
أَروَحُ لِلنَفس وَأَهنا لَها / أَن تَحسُبَ الماضِيَ لَم يولَدِ
يا مَيِّتاً فيهِ جَمالُ الحَياة
يا مَيِّتاً فيهِ جَمالُ الحَياة / ما حازَ مِنكَ اللَحدُ إِلّا الرُفات
أَنتَ الفَتى الباقي بِئاثارِهِ / ما أَنتَ بِالمَرءِ إِذا ماتَ مات
وَكَيفَ يَمتَدُّ إِلَيكَ الرَدى / وَذاتُكَ الحَسناءُ في أَلفِ ذات
إِذا اِختَفى في الوَردِ لَونُ الضُحى / فَالذَنبُ ذَنبُ الأَعيُنِ الناظِرات
يُصَوِّحُ الزَهر وَيَبقى الشَذى / وَيَذهَبُ المَرء وَتَبقى الصِفات
يا نائِماً أَغفى عَنِ التُرَّهات / إِنّي وَجَدتُ المَوتَ في التُرَّهات
أَإِن مَضى نَقولُ اِنقَضى / إِذَن فَمِن أَينَ تَجيءُ الحَياة
أَلَيسَ دُنيا الصَحوِ دُنيا الكَرى / وَمِثلُ ظِلِّ العَيشِ ظُلُّ المَمات
تُقَسِّمُ الأَشياءَ أَفهامُنا / وَلَيسَتِ النَخلَةُ إِلّا النَواة
وَفي الغَدِ الأَمس وَلَكِنَّنا / لِلجَهلِ قُلنا الدَهرُ ماض وَآت
بَعضُ الرَدى فيهِ نَجاةُ الفَتى / وَرُبَّما كانَ الرَدى في النَجاة
يا قُرَوِيّاً عَظُمَت نَفسُهُ / حَتّى تَرَضَّتها نُفوسُ العُتاة
وَحَسَدَتهُ الصَيدُ في كوخِهِ / وَحَسَدَت قَريَتَهُ العاصِمات
تِلكَ السَجايا لَم تزَل بَينَنا / ساطِعَةً كَالأَنجُمِ الزاهِرات
وَعِلمُكَ الزاخِرُ باقٍ لَنا / ما بَقِيَت في الأَرضِ أُمُّ اللُغات
في أَنفُسِ الناس وَأَلبابُهُم / وَفي بُطونِ السَيرِ الخالِدات
وَفي تَلاميذِكَ أَهلِ الحِجى / وَالأَدَبِ الجَمِّ الجَميلِ السِمات
مِن شاعِرٍ كَالرَوضِ أَشعارُهُ / تَسمَعُ هَمسَ الحُبِّ فيهِ الفَتاة
وَسامِرٍ تَحسَبُ أَقوالَهُ / مَسروقَةً مِن مُقَلِ الغانِيات
وَكاتِبٍ تُشرِقُ أَلفاظُهُ / كَالدُرَرِ المُختارَةِ المُنتَقاة
وَصُحُبٍ أَخلاقُهُم كَالمُنى / يَروُّنَ عَنكَ الحِكَمَ الغالِيات
لَم يَختَرِمكِ المَوتُ يا دَوحَةً / باسِقَةً قَد خَلَّفَت باسِقات
يا حِجَّةَ الفُصحى وَدُهقانَها / وَبَحرِها الطامي وَشَيخَ الثُقات
الضادُ مِن بَعدِكَ في مَأتَمٍ / حاضِرُها وَالأَعصُرُ الغابِرات
فَلَيسَ في لُبنانَ غَيرُ الأَسى / وَلَيسَ غَيرُ الحُزنِ حَولَ الفُرات
فَمِن يُعَزّي جَبَلاً واحِداً / عَزّى الرَواسي في جَميعِ الجِهات
سَلَخنَها سَبعينَ مِن أَجلِها / في عالَمِ الطِرس وَدُنيا الدُواة
الناسُ مِن حَولِكَ في قَيلِهِم / وَأَنتَ كَالعابِدِ وَقتَ الصَلاة
غَنَّيتَ بِالضاد وَأَسرارِها / عَنِ الغَواني وَالطَلا وَالسُقاة
أَنتَ الَّذي رَدَّ إِلَيها الصِبا / إِنَّ الهَوى يَجتَرِحُ المُعجِزات
فَاِختَلَجَت أَوضاعُها بِالمُنى / وَجالَ ماءُ الحُسنِ في المُفرَدات
وَلَهِجَت بِاِسمِكَ آفاقُها / وَرَدَّدَتهُ في البَوَدي الحُداة
وَحَنَّتِ النوقُ إِلى سَمعِهِ / وَطَرِبَت مِن ذِكرِهِ الصافِنات
فَيا شَباباً يَطلُبونَ العُلى / إِنَّ العُلى لِلأَنفُسِ الماضِيات
وَيا فَقيراً يَتَمَنّى الغِنى / هَلّا تَمَنَّيتَ غِنى المَكرُمات
وَيا سَراةً يَبذُلونَ اللُهى / هَذا فَقيرٌ كانَ يُعطي السُراة
وَِن روحِهِ لا فَيضِ أَموالِهِ / إِنَّ هِباتِ الروحِ أَسمى الهِبات
لا يَقتَضي قاصِدُهُ حَمدَهُ / وَيَشكُرُ العافي الَّذي قالَ هَت
وَإِن مَضى العافونَ عَن بابِهِ / سارَت عَطاياهُ وَراءَ العُفاة
فَكانَ كَالكَوكَبِ يَمشي عَلى / ضِيائِهِ الرَكب وَذِئبُ الفَلاة
وَكانَ كَالغَيثِ إِذا ما هَمى / أَصابَ في الأَرضِ الحَصى وَالنَبات
وَكانَ كَاليَنبوعِ يَرتادُهُ / ذو الشِيَمِ الحُسنى وَذو السَيِّئات
وَكَالفَضاءِ الرَحبِ في حِلمِهِ / يَضطَرِبُ البازي بِه وَالقُطاة
يا صاحِبَ البُستانِ نَم آمِناً / فَإِنَّ في المَوتِ زَوالَ الشُكاة
ما غابَ ماءٌ غابَ تَحتَ الثَرى / فَأَطلَعَ النَبت وَأَحيا المَوات
يا صاحِ كَم تُفّاحَةٍ غَضَّةٍ
يا صاحِ كَم تُفّاحَةٍ غَضَّةٍ / يَحمِلُها في الرَوضِ غُصنٌ رَطيب
ناضِجَةٍ تَرتَجُّ في جَوِّها / مِثلَ اِرتِجاجِ الشَمسِ عِندَ المَغيب
حَرَّضَكَ الوَجدُ عَلى قَطفِها / لَمّا غَفا الواشي وَنامَ الرَقيب
لَكِن لِأَمرٍ أَنتَ أَدرى بِهِ / رَجِعَت عَنها رَجعَةَ المُستَريب
تَقولُ لِلنَفسِ الطَموحِ اِقسُري / ما سِرقَةُ التُفّاحِ شَأنَ الأَريب
وَرُبَّ صَفراءَ كَلَونِ الضُحى / يَنفي بِها أَهلُ الكُروبِ الكُروب
دارَت عَلى الشَربِ بِها غادَةٌ / كَأَنَّها ظَبيُ الكِناسِ الرَبيب
في طَرفِكَ الساجي هُيامٌ بِها / وَبَينَ أَحشاءَكَ شَوقٌ مُذيب
لَكِن لِأَمرٍ أَنتَ أَدرى بِهِ / رَجَعتَ عَنها رَجعَةَ المُستَريب
تَقولُ لِلنَفسِ الطَموحِ اِقصُري / ما غُرَّ بِالصَهباءِ يَوماً لَبيب
إِيّاك وَإِيّاكَ أَكوابَها / أُختُ الخَنا هَذي وَأُمُّ الذُنوب
وَكَم شِفاهٍ أُرجُوانِيَّةٍ / كَأَنَّها مَخضوبَةٌ بَِلَّهيب
ساعَدَكَ الدَهرُ عَلى لَأمِها / وَرَشفِ ما خَلفَ اللَهيبِ العَجيب
لَكِن لِأَمرٍ أَنتَ أَدرى بِهِ / رَجَعَت عَنها رَجعَةَ المُستَريب
تُعَنِّفُ القَلبَ عَلى غَيِّهِ / وَتَعذُلُ العَينَ الَّتي لا تُنيب
قَتَلتَ نَزعاتِكَ في مَهدِها / وَلَم تُطِع في الحُبِّ حَتّى الحَبيب
وَالآنَ لَمّا اِنجابَ عَنكَ الصِبى / وَلاحَ في المَفرِقِ ثَلجُ المَشيب
وَاِستَسلَمَ القَلبُ كَما اِستَسلَمَت / نَفسُكَ لِليَأسِ المَخوفِ الرَهيب
أَراكَ لِلحَسرَةِ تَبكي كَما / يَبكي عَلى النائي الغَريبِ الغَريب
تَوَدُّ لَو أَنَّ الصِبى عائِدٌ / هَيهاتَ قَد مَرَّ الزَمانُ القَشيب
خَلِّ البُكا يا صاحِبي وَالأَسى / اللَيلُ لا يُقصيهِ عَنكَ النَحيب
لا خَيرَ في الشَيءِ اِنقَضى وَقتُهُ / ما لِقَتيلٍ حاجَةٌ بِالطَبيب
أَعطَيتُ مَن أَعشَقُها وردَةً
أَعطَيتُ مَن أَعشَقُها وردَةً / مِن بَعدِ أَن أَودَعتُها قَلبي
فَجَعَلَت تَنثُرُ أَوراقَها / بِأَنمُلٍ كَالغَنَمِ الرَطبِ
لا تَسأَلوا العاشِقَ عَن قَلبِهِ / قَد ضاعَ بَينَ الضِحك وَاللَعِبِ
لَم أَقطِفِ الوَردَةَ مِن غُصنِها / لَو لَم تَكُن كَالخَدِّ في الإِتِّقاد
وَلَم تُمَزِّق هِندُ أَوراقَها / لَولا اِشتِباهٌ بَينَها وَالفُؤاد
يا لهفةَ النفسِ على غابةٍ
يا لهفةَ النفسِ على غابةٍ / كنتُ وهنداً نلتقي فيها
أنا كما شاءَ الهوى والصبا / وهيَ كما شاءَتْ أمانيها
تكادُ من لُطْفِ معانيها / يشربُها خاطرُ رائيها
آمنتُ باللهِ وآياتهِ / أليسَ أنّ اللهَ باريها ؟
نباغتُ الأزهارَ عند الضحى / متَّكئاتٍ في نواحيها
ألوى على الزَنْبقِ نَسرِينُها / والتفَّ عاريها بكاسيها
واختلجتُ في الشمسِ ألوانها / كأنَّها تذكرُ ماضيها
تآلفتْ فالماءُ من حولها / يرقصُ والطيرُ تغنِّيها
مَنْ لقَّنَ الطيرَ أناشيدها؟ / وعلَّمَ الزهرَ تآخيها؟
يا هندُ هذي معجزاتُ الهوى / وإنَّها فينا كما فيها
لا تستحي الزهرُ بإعلانها / فما لنا نحنُ نواريها ؟
وتهِتفُ الطيرُ بها في الربى / فما لنا نحن نعمِّيها ؟
للهِ فيْ الغابةِ أيَّامُنا / ما عابَها إلا تلاشيها
طوراً علينا ظلُّ أدواحها / وتارةً عطفُ دواليها
وتارةً نلهو بأعنابها / وتارةً نُحصي أقاحيها
تسكتُ إذ نشكو شحاريرُها / كأنَّما التغريدُ يؤذيها
وإنْ تضاحكنا سمعنا الصُّدى / يضحكُ معنا في أقاصيها
وإنْ مَشَيْنا فوقَ كثبانها / لاحتْ فَشاقَتنا أدانيها
وفوقَنا الأغصانُ معقودةٌ / ذوائبٌ طالَ تدلِّيها
إذا هَزَزْناها عن غُرَّةٍ / ألقتْ من الذُّعرِ لآليها
نسيرُ من كهفٍ إلى جدولٍ / نكتشفُ الأرضَ في حواشيها
وتختبي هندٌ فأشتاقها / وأختبي عنها فأُغريها
كم أوهمتني الخوفَ من طارئٍ / تشجي بذا نفسي فتشجيها
فرحت أعدو نحوَهَا مشفقاً / فكانَ ما حاذرتُ تمويها !
فاعجب لأطواري وأطوارِها / تعبثُ منِّي وأُجاريها !
أَللهُ لو دامَ زمانُ الهوى / ودامَ من هندٍ تجنِّيها
لا غابتي اليومَ كعهدي بها / ولا التي أحْبَبْتُها فيها
ولا تلالٌ كنهودِ الدُّمى / ولا سفوحٌ كتراقيها
ولا الندى درَّ على عُشبها / ولا الأقاحي في روابيها
ولا الضُّحى يُلقي على أرضِها / شباكَ تِبْرٍ مِنْ أعاليها
أهبَطني أمسُ إلى حضنِها / شوقي إلى شَجْعِ قماريها
قد بدَّلَ الإنسانُ أطوارها / واعتصبَ الطيرَ مآويها
وفتَّ بالبارودِ جلمودَهَا / واجتثَّ بالفأسِ دواليها
وشادَ من أحجارِها قريةً / سكَّانُها الناسُ وأهلوها
يا لهفةَ النفسِ على غابةٍ / كنتُ وهنداً نلتقي فيها
جنَّةُ أحلامي وأحلامِها / ودارُ حبِّي وتصابيها
نبكي من اليأسِ على شوكِها / وكانَ يُدميني ويُدميها
كانتْ تغطِّينا بأوراقِها / فصارتِ الدورُ تغطِّيها !
إذا أطلّ البدر من خدره
إذا أطلّ البدر من خدره / فإنّما يطلع كي تنظريه
و إن شدا البلبل في وكره / فإنّما يشدو لكي تسمعيه
و إن يفح عطر زهور الربى / فإنّما يعبق كي تنشقيه
يا ليتني البدر الذي تنظرين ! / يا ليتني الطير الذي تسمعين !
يا ليتني العطر الذي تنشقين / أوّاه ! لو تصدّق يا ليتني !
رأيت في عينيك سحر الهوى
رأيت في عينيك سحر الهوى / مندفقا كالنور من نجمتين
فبتّ لا أقوى على دفعه / من ردّ عنه عارضا باليدين
يا جنّة الحبّ و دنيا المنى / ما خلتني ألقاك في مقلتين
كمنجة ((الشوّا)) عليك السلام
كمنجة ((الشوّا)) عليك السلام / بهيكل الوحي وعرش الغرام
فيك التفت أرواح أهل الهوى / نجوى وشكوى وبكا وابتسام
وأودعت فيك الصّبا همسها / وخبّأ الأسرار فيك الظلام
وذاب فيك الحبّ ذوب الندى / في مبسم الورد وجفن الخزام
ردّي إلينا اليوم دنيا الرؤى / فإنّنا نشقى بدنيا الحطام
أجنحة الأشواق مقصوصة / أو موثقات والأماني رمام
قد انقضى العمر وأرواحنا / مفطومة بالحرص بئس الفطام
ننأى عن الحسن ونشتاقه / ونهجر الماء ونشكو الأوام
ويبعث الحقل إلينا الشّذى / ونحن لا ننشق إلاّ الرّغام
نسير والأضواء من حولنا / كأنّنا في هبوة أو قتام
والماء يجري حولنا كوثرا / ونحن نستسقي السحاب الجهام
ونسهر الليل لغير الهوى / ما تنفع اليقظة والقلب نام؟
حتى نسينا كيف لون الضحى / ولم نعد نذكر سجع الحمام
خير من اليقظة عندي الكرى / إن كانت الغبطة بنت المنام
خلنا الهوى ترجع أيّامه / لم يرجع الحبّ ولا المال دام
فيا فتى ((الشهباء)) يا شاعرا / قد رفع الفنّ لأسمى مقام
رجعت بالسحر وكان انطوى / وجئتنا بالوحي في غير جام
هذا عصير الوحي في آلة / خرساء يجري فتنا للأنام
فإن تجدنا حولها عكّفا / فالمنهل العذب كثير الزّحام
فدغدغ الأوتار لا تكترث / أنّ تذهب الفتنة بالاحتشام
سعادة الأنفس في نشوة / من صورة أو نغم أو مدام
وقل لمن يحذر أن يشتكي / ويحبس الدمع لئلاّ يلام
إسمع فهذا وتر نائح / وانظر فهذا خشب مستهام
نيويورك يا ذات البروج التي / سمت وطالت كي تمس الغمام
لن تبلغي واللّه باب السما / إلاّ بأوتار كنار الشآم
فاصغي إلى ألحانه لحظة / تحتقري كلّ صنوف الكلام
وتدركي أنّ قصور المنى / تبقى وتنهدّ قصور الرّجام
فرّحبي معْنا به واهتفي: / هذا أمير الفنّ هذا الإمام
ما وعظ الإنسان مثل الحمام
ما وعظ الإنسان مثل الحمام / فليتّعظ بالصّمت أهل الكلام
أفصح من كلّ فصيح بنا / هذا الذي أعياه ردّ السلام
إنّي أراه وهو صمته / أروع من جيش كبير لهام
نامت جفون سهرت للعلى / من قبل أن ينجاب جنح الظلام
وسكن الوّثاب في صدره / من قبل أن يدرك كلّ المرام
يا لهفة القوم على كوكب / لاح قليلا واختفى في الغمام
ولهفة الدّين على سيّد / كان يرّجى في الخطوب الجسام
وصاحب قد كان في صحبه / كالروض فيه أرج وابتسام
ما غاب عنّا وكأنّي به / يفصله عن صحبه ألف عام
من الذي يطفىء من بعده / في المهج الحرّى ذكي الضرام؟
من الذي يمسح دمع الأسى / وماسح الأدمع تحت الرغام؟
يا نائما مستغرقا في الكرى / خطبك قد أقلق حتى النيام
خبّر فإنّ القوم في حيرة / هل الرّدى فاتحه أم ختام
وهل صحيح أنّ كلّ المنى / يطحنها صرف الرّدى كالعظام ؟
وهل حقيق أنّ أهل العلى / والفضل بعد الموت مثل الطغام؟
أم بعد هذا يقظة حلوة / ينسى بها المرء الشقا والسّقام؟
ويصبح النابه في مأمن / من عنت المال وعيث الحسام؟
وتستوي الحالات في حالة / لا حيف فيها لا أذى لا انتقام؟
خبّر وحدّث كلّنا حائر / ذو الجهل منّا والأريب الهمام
لأيّما أمر يعيش الورى ؟ / لأيّما أمر يموت الأنام؟
وأين دار ليس فيها شقا / إن لمتكن هاتيك دار السلام؟
نم آمنا فالمرء بعد الردى / كالفكر لا يزرى به لا يضام
يا نبأ سرّ به مسمعي
يا نبأ سرّ به مسمعي / حتى تمنّى ؟أنّه النّاقل
أنعيش في المنى مثلما / يحيي الجديب الواكف الهاطل
عرفت منه أنّ ذاك الحمى / بالصيّد من فتياننا آهل
عصابة كالعقد في ((أكرن)) / يعتزّ فيها الفضل والفاضل
من كلّ مقدام رجيح النّهى / كالسّيف إذ يصقله الصّاقل
البدر من أزراره طالع / والغيث من راحته هامل
وكلّ طلق الوجه موفوره / في بردتيه سيّد مائل
شبيهة الشّرق انعمي واسلمي / كي تسلم الآمال والآمل
بكم وبالرّاقين أمثالكم / يفتخر العالم والعمل
بعثتم ((هملت)) من رمسه / ((فهملت)) بينكم مائل
تمشي ويمشي الطّيف في إثره / كلاهما مّما به ذاهل
لا يضحك السّامع من هزله / كم عظة جاء بها الهازل
رواية يظهر فيها لكم / كيف يداجي الصّادق الخاتل
وتنكث المرآة ميثاقها / وكيف يجزي المجرم القاتل
وإنّما الانسان أخلاقه / لا يستوي النّاقص والكامل
والنّفس كالمرآة إن أهملت / يعلو عليها الصّدأ الآكل
والنّاس أدوار فذا صاعد / يراود الشّهب وذا نازل
والدّهر حالات فيقوم به / نحس ويوم سعده كامل
فمثلوا الجهل وأضراره / حتّى يعادي جهله الجاهل
ومثّلوا الفضل وآياته / كي يستزيد الرّجل الفاضل
وصوّروا المجد بلألائه / عسى يفيق الهاجع الغافل
ويرجع الشّرق إلى أوجه / كما يعود القمر الآفل
وانبوا إلى الآتين من بعدكم / يبن لمن يخلفه القابل
ما دمتم للحق أنصاره / هيهات أن ينتصر الباطل

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025