المجموع : 10
فاتِنتي السمراءُ جنيَّه
فاتِنتي السمراءُ جنيَّه / في مُقلتَيها ألفُ أغنيَّه
لكنّها في الحبِّ وَحشيَّه / تقولُ في الخلوةِ عَيناها
نَعم نعم ولا يقولُ اللسان /
صغيرةٌ ضاقَ بها صَدري / وضيعةٌ ذلَّ لها كبري
كم قلتُ يا قلبُ وَهى عذري / لا حُسنَ يُغريكَ فتَهواها
فقال ما الحبُّ كعِلم البيان /
الحسنُ معنى دقَّ لا يظهرُ / لكنما الروحُ بهِ تَشعرُ
ما الوجهُ إِلا صفحةٌ تُنشرُ / والعَينُ مَعناها ومَغزاها
والقلبُ يَستَغني عن الترجمان /
على محيّاها شعاعُ الطفَلِ / وفي ثناياها بَريقُ الأمَلِ
ونحرُها زينَ بعَقدِ القُبلِ / وقُبلةُ النَّحرِ تَشهَّاها
ثغري ففيها للمحبِّ الأمان /
والخصرُ كالبسمةِ في الهمِّ / قد أنحلتهُ شِدَّة الضمِّ
وخدُّها من كثرةِ الشمِّ / ذوى فريَّا الوردِ ريَّاها
وإن تراءى فَوقه الزَّعفران /
إني لأهوى صفرةَ الخدِّ / ودقَّة الأطرافِ والقدّ
ونفرةً مِنها بلا صدٍّ / لها كذا يَهتزُّ نهداها
وهي كغُصنٍ فيه رمّانتان /
أعشقُ منها الشَّعرَ مَحلولا / جَثلاً على الرِّدفَينِ مَسدُولا
يحكي ليالي أرقي طُولا / إن جاءَني الطَّيفُ بذكراها
لكي يُريني في الجحيمِ الجنان /
ما أبعَدَ الحُسنَ عن الجودِ / أليسَ فردوسي بموجودِ
ما بينَ تلكَ الخصلِ السودِ / بَلى ففردَوسي محيَّاها
وفي الدُّجى تأتي المعاني الحِسان /
أزورُها والشَّوقُ يُغلي دَمي / فَتَلتقي الرُّوحانِ عندَ الفمِ
كسقطِ نَسرٍ في الضُّحى قد حمي / يَنتفِضُ القلبُ لمرآها
وبيننا تنشبُ حربٌ عوان /
فإن أحاوِل لمسَ نَهدَيها / حَمَتهما منّي بِكَفَّيها
وعندما أرضى بخَدَّيها / يعلو إِلى الخدَّينِ كفّاها
وهكذا يطردُني الحارسان /
ما بي بها فالحبُّ لا يخفى / واللّحظُ عما خَلفَهُ شفَّا
لكنَّها إذ ترجعُ الكفَّا / أحسِبُ شوكَ الوَردِ يُمناها
والجرحُ من ذيّالِكَ الشَّوكِ هان /
كم زفرت من حرّ قُبلاتي / أو صَرَخَت من عنف ضمّاتي
وبينَ لذَّاتي ولزَّاتي / تَنشَقُّ أضلاعي لِتلقاها
والقلبُ فيها صاهلٌ كالحصان /
كأنَّها بينَ ذراعيَّا / ألوي قَواماً ليَّناً ليّا
غصنٌ عليهِ الزّهرُ والريَّا / يا حبّذا ما ضمَّ بُرداها
قلبي وعيني منهُ لا يَشبعان /
قالت لقد ذوّبتني يا صَبي / باللهِ لا تَمزح ولا تَلعبِ
هذا أخي أشكو له أو أبي / رِفقاً بمن حُبُّكَ أضناها
فقلتُ جاءَ النّصحُ بعد الأوان /
خصرُكِ من رِدفِك ينسلُّ / وعقدةُ الزّنارِ تَنحَلُّ
منهُ ومن جَفنكِ أعتلُّ / وفي مُنى النفسِ مناياها
والقلبُ لا يَشفيه إلا الحنان /
فهو كزنّارِكِ مقلاقُ / كنّهدِكِ البارزِ خَفّاقُ
أهكذا يُحرَمُ مُشتاقُ / على اللّواتي رُمنَهُ تاها
وفي هَواكِ اليومَ يَلقي الهوان /
فأطرَقت ما بينَ نارَينِ / كيلا تُلاقي عَينُها عَيني
وإذ رأتني أقتضي دَيني / مِن وَجنتَيها وثناياها
قالت لكَ التفَّاحُ لا الأقحوان /
فكانَ ذاكَ القولُ تَشويقا / مِنها إِلى أن أرشفَ الرّيقا
وبعد ما حدَّقتُ تَحديقا / في لثمةٍ لاقى فَمي فاها
كما التَقَت في نَسمةٍ زهرتان /
فيا لها من قبلةٍ طالتِ / ومُهجتي من حرّها سالت
ونِعمَ ما نلتُ وما قالتِ / تلك التي ما كنتُ لولاها
كما أنا ولا غَلبتُ الزمان /
قبْلَتُها قد أثّرت في الزمنْ / وعلّمتني كيفَ أهوى الوطنْ
وكيفَ أهدي أُمتي في المحنْ / وكيف أبكي من بلاياها
والدمُ والحبرُ لها جاريان /
حبيبتي سمراءُ شاميَّه / وعينُها سوداءُ شرقيَّه
فما أرى مجداً وحريَّه / لبنانُ ربّاها وغذّاها
هناكَ حيثُ الكرمُ والسنديان /
مرَّت كوردٍ في الضُّحى مُزهرِ
مرَّت كوردٍ في الضُّحى مُزهرِ / على بساطِ الرّدهةِ الأخضَرِ
ومثلَ غصنٍ رنحته الصَّبا / جرَّرَتِ الذَّيلَ على المرمر
وحسنُها الرّيانُ في ثوبها / كالسَّمنِ يوم البردِ بالسكَّر
وجنتُها شفّافةٌ لونُها / إن تمزجِ الأبيَضَ بالأحمر
فالحسنُ والصحَّةُ فاضا معاً / كما يفيضُ الماءُ في الأنهر
وخدُّها مُستَعِرٌ خلقةً / لا مُستَعارٌ فهو جانٍ بري
وشَفَتاها وردةٌ نوَّرَت / وثغرُها سمطٌ من الجَوهَر
والرِّيقُ فيهِ خمرةٌ حرمت / من غيرِ كرمِ الدَّيرِ لم تُعصَر
وعينُها زهراءُ مُستأنِسٌ / بها ضليلُ البَلدِ المُقفر
وشعرُها الأشقَرُ مُسترسِلٌ / كالموجِ يومَ الهدءِ في الأبحُر
تسيرُ والأحداقُ من خَلفِها / فَتُشبهُ القائدَ في المدفر
كم مرّةٍ بتنا على لذَّةٍ / كأننا علوةُ والبُحتري
ها رِدفُها يأخذُ من صَدرِها
ها رِدفُها يأخذُ من صَدرِها / وساقُها يأخذُ من خَصرِها
وثَغرُها يأخذُ من خدِّها / وعينُها تأخذُ من شَعرها
كلُّ قرينٍ بالقرينِ اقتَدَى / والخَبرُ الشائعُ من خبرها
هذا جناسٌ من جمالِ التي / سحرُ بياني كانَ من سِحرها
وليسَ هذا الشعرُ من حُسنِها / إلا خُماراً جاءَ من خَمرها
وكلُّ هذا الزهرِ من رَوضِها / وكلُّ هذا النَّشر من زَهرها
وكلُّ هذا النورِ من وجهها / وكلُّ هذا الدرِّ من ثغرها
وكلُّ هذا الوجد من حبِّها / وكلُّ هذا الشوق من ذكرها
فكلُّ ما فيها ومِنها لها / وقِسمتي العسرُ على يسرها
قد أرخَتِ الشَّالَ على الخدِّ
قد أرخَتِ الشَّالَ على الخدِّ / فاخضرَّ منهُ فَننُ القدِّ
والخدُّ كالوردِ على غُصنه / والشَّالُ كالأوراقِ للوردِ
والوردُ بالطلِّ لهُ نضرةٌ / والخصرُ محتاج إلى العقد
عِقدةُ هذا ضمّةٌ من يدي / وماءُ ذاكَ الدمعُ في الوَجد
قد أخرجت آدمَ تفاحةٌ / من جنّةِ النعمةِ والخلد
ولم أزَل آكلُ من جَنّتي / تُفّاحَها ولم تزَل عندي
يا شارِبَ الرّاحِ على وَردِ
يا شارِبَ الرّاحِ على وَردِ / وقاطِفَ التفَّاحِ مِن خدِّ
أراكَ من دُنياكَ في جنَّة / تدخُلُ منها جنَّةَ الخُلدِ
فافرَح ومُت ريانَ منها وعِش / مُستَهزئاً واهزُل على جِدِّ
ما أشبهَ الباكي بمُستَضحكٍ / وأشبَهَ الإنسان بالقِردِ
لا ترحَمِ الناسَ فلم يرحَموا / كلٌّ يقولُ الأرضُ لي وَحدي
ليتَ الوَرَى من ضِعفِهم أقبلوا / نحوي فيَغدُو سيِّدي عَبدي
فشَرُّهم يُخشى وما خَيرُهم / يُرجَى فلا تغتَرَّ بالوَعد
وكُن قويّاً وجَسُوراً لِكي / ترُدَّ عَنكَ الموتَ بالجهد
واحتَل تَنَل شيئاً وإلا تمُت / في لوعَةِ الحُرمانِ والصَدِّ
ماذا ترَجِّي مِن دمٍ فاسدٍ / أو من فؤادٍ قُدَّ مِن صَلد
ففضنَ بينَ الزَّهرِ حمراءَ عَن / صَفراءَ كالميِّتِ في اللَّحد
مِن بَعثِها بَعثٌ لآمالِنا / والموتُ منها عيشَةُ الرَّغد
واشرَب على المِصباحِ حتّى ترَى / نارَ مجوسٍ في نهاوَند
وإنُ يَلُمكَ الفدمُ مُستَنكِراً / فَقُل لهُ الطوفانُ مِن بَعدي
حَسَّنتَ لي الصَّهباءَ يا غيثُ
حَسَّنتَ لي الصَّهباءَ يا غيثُ / وليسَ لي في شِربها رَيثُ
والله لا يشرَبُها ثعلبٌ / وإنّما يَشرَبُها اللَّيث
لا تصطبِح أو تغتَبق مع فتىً / في مَجلِسِ الأُنسِ له عَيثُ
إن يَلمُسِ الكاسَ بإبهامِهِ / فاردَعهُ وليَذهَب إلى حيث
مَجلِسُها صمتٌ وإيجازُ
مَجلِسُها صمتٌ وإيجازُ / ولحظُها للقلبِ مهمازُ
ما لي على عفَّتِها طاقةٌ / تلكَ على المجروحِ إجهاز
من لي بها والدينُ دونَ الهوى / وفي يدِ القسِّيسِ عكّاز
وصورةُ العذراء في خدرها / والسبحةُ البيضاءُ إيعاز
قسِّيسُها ينهى ولا يَنتهي / وهي عجينٌ وهو خبّاز
إن قلتُ مولاتي عِديني وفي / فالقلبُ من عَينيكِ قفّاز
ميّزني حبُّك بينَ الورى / إذ كلُّ شيء فيكِ ممتاز
قالت وقد عضَّت على كفِّها / لم أدرِ ما وعدٌ وإنجاز
أرشِدهُ يا يسوعُ واغفر له / من أجلِنا جرحُكَ نزَّاز
يا خاتماً يلمعُ في أصبعي
يا خاتماً يلمعُ في أصبعي / أشرَقتَ كالنجمِ على البلقَعِ
كنتَ لأمي ثم أصبَحتَ لي / فإن أمُت في البعدِ تُدفن معي
آنستَني بالذكرِ في وَحشتي / وأنتَ في الأصبعِ والأضلُع
خاتمَ أمي أنتَ تعويذةٌ / أقوى وأوقى لي من الأدرع
كم مرةً أكسَبتَني قوةً / لولاكَ لم أُقدم ولم أشجع
تذكارُها فيكَ هَداني إلى / ما فيهِ حفظُ الشَّرَفِ الأرفع
تاللهِ لن تُنزَعَ بعد الرَّدى / منِّي وحتى اليومَ لم تُنزع
وعِندَما تَكمَدُّ يا خاتمي / أجلوكَ بالتقبيلِ والأدمع
حلٌّ لِدَعدَ الروحُ والكيسُ
حلٌّ لِدَعدَ الروحُ والكيسُ / وحبُّها غشٌّ وتَدليسُ
إن تقترف ذنباً تقل أذنَبَت / قديّسةٌ قَبلي وقدّيس
أو تعترف يوماً لقسيسها / عَلَّمَها الحيلةَ قسيس
يقولُ إن أخطأ مستخزياً / جرَّبني الملعونُ إبليس
وإنما إبليسُ في جلدِهِ / أو ثوبه فهو له خيس
يا صاحبي الساهر دونَ الورى
يا صاحبي الساهر دونَ الورى / قُربي إلى عَيني عادَ الكَرى
نفَّرهُ حبُّ التي حسنُها / كان الثريِّا فغدا في الثَّرى
إذا أتاني طيفُها قَلْ لهُ / وقُل له أن يَرجعَ القَهقَرى