المجموع : 3
يا لهفةَ النفسِ على غابةٍ
يا لهفةَ النفسِ على غابةٍ / كنتُ وهنداً نلتقي فيها
أنا كما شاءَ الهوى والصبا / وهيَ كما شاءَتْ أمانيها
تكادُ من لُطْفِ معانيها / يشربُها خاطرُ رائيها
آمنتُ باللهِ وآياتهِ / أليسَ أنّ اللهَ باريها ؟
نباغتُ الأزهارَ عند الضحى / متَّكئاتٍ في نواحيها
ألوى على الزَنْبقِ نَسرِينُها / والتفَّ عاريها بكاسيها
واختلجتُ في الشمسِ ألوانها / كأنَّها تذكرُ ماضيها
تآلفتْ فالماءُ من حولها / يرقصُ والطيرُ تغنِّيها
مَنْ لقَّنَ الطيرَ أناشيدها؟ / وعلَّمَ الزهرَ تآخيها؟
يا هندُ هذي معجزاتُ الهوى / وإنَّها فينا كما فيها
لا تستحي الزهرُ بإعلانها / فما لنا نحنُ نواريها ؟
وتهِتفُ الطيرُ بها في الربى / فما لنا نحن نعمِّيها ؟
للهِ فيْ الغابةِ أيَّامُنا / ما عابَها إلا تلاشيها
طوراً علينا ظلُّ أدواحها / وتارةً عطفُ دواليها
وتارةً نلهو بأعنابها / وتارةً نُحصي أقاحيها
تسكتُ إذ نشكو شحاريرُها / كأنَّما التغريدُ يؤذيها
وإنْ تضاحكنا سمعنا الصُّدى / يضحكُ معنا في أقاصيها
وإنْ مَشَيْنا فوقَ كثبانها / لاحتْ فَشاقَتنا أدانيها
وفوقَنا الأغصانُ معقودةٌ / ذوائبٌ طالَ تدلِّيها
إذا هَزَزْناها عن غُرَّةٍ / ألقتْ من الذُّعرِ لآليها
نسيرُ من كهفٍ إلى جدولٍ / نكتشفُ الأرضَ في حواشيها
وتختبي هندٌ فأشتاقها / وأختبي عنها فأُغريها
كم أوهمتني الخوفَ من طارئٍ / تشجي بذا نفسي فتشجيها
فرحت أعدو نحوَهَا مشفقاً / فكانَ ما حاذرتُ تمويها !
فاعجب لأطواري وأطوارِها / تعبثُ منِّي وأُجاريها !
أَللهُ لو دامَ زمانُ الهوى / ودامَ من هندٍ تجنِّيها
لا غابتي اليومَ كعهدي بها / ولا التي أحْبَبْتُها فيها
ولا تلالٌ كنهودِ الدُّمى / ولا سفوحٌ كتراقيها
ولا الندى درَّ على عُشبها / ولا الأقاحي في روابيها
ولا الضُّحى يُلقي على أرضِها / شباكَ تِبْرٍ مِنْ أعاليها
أهبَطني أمسُ إلى حضنِها / شوقي إلى شَجْعِ قماريها
قد بدَّلَ الإنسانُ أطوارها / واعتصبَ الطيرَ مآويها
وفتَّ بالبارودِ جلمودَهَا / واجتثَّ بالفأسِ دواليها
وشادَ من أحجارِها قريةً / سكَّانُها الناسُ وأهلوها
يا لهفةَ النفسِ على غابةٍ / كنتُ وهنداً نلتقي فيها
جنَّةُ أحلامي وأحلامِها / ودارُ حبِّي وتصابيها
نبكي من اليأسِ على شوكِها / وكانَ يُدميني ويُدميها
كانتْ تغطِّينا بأوراقِها / فصارتِ الدورُ تغطِّيها !
إذا أطلّ البدر من خدره
إذا أطلّ البدر من خدره / فإنّما يطلع كي تنظريه
و إن شدا البلبل في وكره / فإنّما يشدو لكي تسمعيه
و إن يفح عطر زهور الربى / فإنّما يعبق كي تنشقيه
يا ليتني البدر الذي تنظرين ! / يا ليتني الطير الذي تسمعين !
يا ليتني العطر الذي تنشقين / أوّاه ! لو تصدّق يا ليتني !
رأيت في عينيك سحر الهوى
رأيت في عينيك سحر الهوى / مندفقا كالنور من نجمتين
فبتّ لا أقوى على دفعه / من ردّ عنه عارضا باليدين
يا جنّة الحبّ و دنيا المنى / ما خلتني ألقاك في مقلتين