عَهْدُ هوىً كنّا عَهِدْناهُ
عَهْدُ هوىً كنّا عَهِدْناهُ / يَفْنَي اصْطباري عند ذِكْراهُ
لا أنا أنْساهُ فأسْلو ولا / تَذكُرُه أنتَ فتَرعاه
لو كان يُفْدَى فيُرَى ثانياً / ماضٍ من العَيْش فَدْيناه
فَلْيَسْقِه دَمْعي بتَسْكابِه / فإنّه أوْلَى بسُقْياه
يا قاتلي ظُلْماً بهِجْرانه / هَجْرُك ما أكثرَ قَتْلاه
سنَنْثُرُ اليومَ العِتابَ الَّذي / كنّا زماناً قد طَويْناه
تَذْكُر كم لَيْلٍ لنا سالفٍ / قُرطُكَ قد كان ثُريّاه
سَهِرْتُه عندك لَهْواً وقد / خِيطَ من الغَيْرانِ جَفْناه
ثَغْرُكَ معْ خَدِّكَ في جُنْحِه / ماءُ أخي الوَجْدِ ومَرْعاه
فَبتُّ مِن وَصْلِكَ في لَذَّةٍ / حتّى جَلا الصُّبْحُ مُحيّاه
والنَّجمُ قد أطَبقَ أجفانَه / والنَّومُ قد أطْلَقَ أسْراه
واللّيلُ سَيفُ الفَجْرِ في فَرْقِهِ / يَقْتلُه والدّيكُ يَنْعاه
والحَيُّ قد حانَ انْطلاقٌ له / وقد حَدا الحادي مَطاياه
ثار وراءَ الرَّكْبِ مُستَعْجلاً / يَلُفُّ أُولاهُ بأُخراه
والإلْفُ قد عانقَني للنَّوى / فالْتَفَّ خَدّايَ وخَدَاه
كأنّه رامٍ إلى غايةٍ / تَناوَلَ السّهْمَ بيُمْناه
حتّى إذا أدناهُ من صَدْرِه / أَبْعَدَهُ ساعةَ أَدْناه
يا مَنْ عَذيري مِن هَوى شادِنٍ / ما كنتُ نَهْبَ الوَجْدِ لَوْلاه
قد ضَمَّنا يومَ غدَوْا مَوقفٌ / ما كانَ لولا البَينُ أَحْلاه
وللهوَى كانتْ غداةَ النَّوى / رسائلٌ بَلَّغْتُها فاه
حينَ بدا كالبَدْرِ بَدْرِ الدُّجَى / يَنوسُ في خَدَّيه لَيْلاه
السِّحْرُ ما تُمليه أَلحاظُه / والحُسْنُ ما يَحْويهِ بُرْداه
والدُّرُّ مِن فيهِ مدَى الدَّهرِ ما / يُسمِعْناهُ ويُريناهُ
أَفْدي الَّذي لم أسْتَجِرْ في الهَوى / إلاّ إليه منه شَكْواه
أَدْنَى المُعنَّى منه حتّى إذا / تَيَّمَهُ في الحُبِّ أَقْصاه
وكلُّ ما لاقَيْتُ من غَدْرِه / قالَتْه لي من قَبْلُ عَيْناه
يومَ صَبا قلبي إلى طَرْفه / فقلتُ إيّاكَ وإيّاه
فاليومَ لو هَمَّ بتَرْكِ الهَوى / ثنَتْهُ عن ذاك ثَناياه
فما تَرى يا بدْرُ في مُدْنفٍ / طَيْفُك لو حَيّاهُ أَحْياه
بلْ يا أَخا الأزْدِ وأعني بها / أزْداً بحيثُ النَّجمُ عُلْياه
لا يُنْكرُ المجدُ إذا ما سَما / أَنّا وإيّاكمْ جَناحاه
نحن بنو ماء السّماء الّذي / يَخْلُفُه في المَحْلِ جَدواه
إن حُبِسَ القَطْرُ على مُجْذِبٍ / كَفاه أَن تُطلَقَ كَفّاه
ما الأزْدُ إلاّ جِذْمُ كلِّ العُلا / ونحن يَومَ الفَخْرِ فَرْعاه
لمّا دعا والنّاسُ أَتباعُنا / داعٍ إلى الحقِّ تَبِعْناه
فالمُلْكُ ما نحنُ سَبقْنا بهِ / والدِّينُ ما نحنُ نَصَرْناه
والعُرْبُ قد سارَتْ إثْرنا / فأدركَتْ سُؤْراً تَركْناه
أما كَفانا أنَّهمْ قَدَّموا / مَجْداً وطاروا بِقُداماه
وأنّ صدْرَ الدِّينِ في عَصْره / قد نصَر الدِّينَ وآواه
نَصْراً بهم ثُمَّ بهِ ثانياً / أَعادَه اللهُ وأَبْداه
فقد غدا النّصْرُ لدينِ الهُدَى / أُخْراه منّا بَعْدُ أُولاه
جَدَّدَهُ ذو كرَمٍ غامرٍ / لا يَستَحِقُّ المَدْحَ إلاّه
عبدُ اللَّطيفِ المُجتلَى مَجْدُه / عن أَن يُرَى في النّاسِ شَرْواه
قَرْمٌ إذا عَنَّ لمَسْعاتهِ / أَعْشارُ حَمْدٍ فازَ سَهْماه
ذو هِمّةٍ تُضْحي وتَمْسي عُلاً / والعِلْمُ والحِلْمُ خَليلاه
فالدِّينُ في ظلِّ عُلاهُ حِمىً / يَحوطُ أَدْناهُ وأَقْصاه
والدَّهرُ قد راحَ له خادماً / يأمُرُه صُغْراً ويَنْهاه
واليُمنُ واليُسرُ طَريقاهُما / للخَلْقِ يُمْناه ويُسْراه
يا راحِلاً يَطلُبُ مَعْروفَه / فُزْ بالغِنَى أوّلَ لُقْياه
ما عنده عنك إذا جِئْتَه / يُذخَرُ لا مالٌ ولا جاه
ما بَرِحَتْ تَتْرى على حالةٍ / في اليَسْرِ والعُسْر عَطاياه
قُلْ للإمامِ ابْنِ الإمام الَّذي / نَرجوه في الدَّهرِ ونَخْشاه
يا مَن عَلا مِنْ مَجْدِه باذخاً / مُهلَّبُ العَلْياءِ وَطّاه
جَدُّك ما اخْتَارَ لأبنائهِ / غيرَ ثلاث مِن وَصاياه
منهنّ أنْ قالَ اعْلَموا أنّكمْ / والفَضلَ لا تَرضَوْا بأَدْناه
ثيابُكمْ أحسَنُ ما أصبحَتْ / على سِواكمْ حينَ يُكساه
مَخْلوعةً منكمْ على كُلُّ مَنْ / يَلبسُ شُكْراً طال ثَوْباه
رُؤيتُه فيهنَّ مَدْحٌ لكمْ / فَسمْعُه للخَلْقِ مَرآه
وسَحبُه الأذيالَ سَحبانُكمْ / يَرتجِلُ الخُطبةَ مُمْساه
يَتْلو ثناءً سابغاً حَشْوُها / إذ يتَثنَّى فيه عِطْفاه
كأنّها لَفْظٌ غدا رائقاً / للمَدْحِ واللآبسُ مَعْناه
وقال قولاً لهمُ ثانياً / ليَحْمَدوا في الدَّهر عُقْباه
لن تَبلُغوا السُّؤدَدَ أَو تَصْبِروا / إذا أطالَ الحَيُّ نَجْواه
على الشُّيوخِ القُلْحِ إن قُرِّبَتْ / منهم إلى الآذان أفواه
وثالثُ الأقوالِ ما قالَهُ / في آخِرِ العَهْدِ بدُنْياه
ألْقىَ لهمْ نَبْلاً وقال اكْسِروا / وما دَرَوْا مِن ذاك مَغْزاه
فلم يُطِيقوا كسْرَ مَجْموعه / واحْتقَروا كسْرَ فُراداه
وقال أنتمْ للعدا هكذا / فاجْتَمِعوا والنّاسُ أشْباه
فالجُودُ والصّبرُ وجَمعُ الفتَى / شَمْلَ بني الجِنْسِ بنُعْماه
ثلاثةٌ هُنَّ إذا عُدّدَتْ / من شَرَفِ الأخلاقِ أَعْلاه
وأنتَ لا تُدفَعُ عنها وقد / نَماكَ مَنْ هُنَّ سَجاياه
يا أيهّا الصّدْرُ الّذي عنده / سِرُّ عُلاً أَوْدَعه الله
أوّلُ ظُلْم الدّهرِ لي أنّه / قد عاقَني عنك جَناياه
من سَقَمَيْ جِسمٍ وحالٍ معاً / واصلَ تَعْويقي ووالاه
وسادَةُ العَصْرِ جُفاةٌ لنا / من غَيْرِ ما جُرْمٍ جَنَيْناه
إلاّ قريضٌ رائقٌ رُبَّما / في نَفَرٍ منهمْ نَظَمْناه
قومٌ مديحي لهمُ ضائع / لكنَّ طَبْعي يَتَقاضاه
والسِّلْكُ يُكْسَى الدُّرُّ معْ أنّه / يَجهَلُ ما أصبَح يُكْساه
وليس صَدْرُ الدِّينِ من شَكْلِهم / فَيقْتَضي قَوْليَ حاشاه
وكيف يُسْتَثنى نَهارٌ إذا / ما ذُمَّ لَيْلٌ طالَ جُنْحاه
دُمْ للمعالي ما همَتْ دِيمةٌ / رِيّاً لرَوْضٍ فاحَ رَيّاه
وخُذْ ثناءً كأزاهيرِه / حُسْناً إذا ما الوُدُّ أمْلاه
حيّتْكَ من بُعْدٍ وقُرْبٍ معاً / شاقا فؤادي واسْتَحثّاه
بُعْدُ ديارٍ كان لكنّنا / بقُرْبِ أسْرارٍ خَلَطْناه
فلم أزَلْ أسحَبُ ذَيْلَ الدُّجَى / على بَعيرٍ مادَ ضَبْعاه
أطْوي الفلا طَيَّ امرئٍ واصل / مُصْبِحَه سَيْراً بمُمْساه
فلم يَزَلْ بي طائشاً خَطْوُه / نِضْوِيَ حتّى حُلَّ نِسْعاه
إلى فتىً آمُلُ من عِنْدِه / عَوْداً على ما أَتَمنّاه
وكيف لا يَحْوي المُنَى مَنْ غدا / مثْلُكَ يا مَوْلايَ مَوْلاه