المجموع : 3
دارٌ بذي الأثلِ عَهدناها
دارٌ بذي الأثلِ عَهدناها / ما أطيبَ العيشَ بمغناها
فاسأل بها أروى الغوادي حياً / وروِّح القلب بذكراها
دارٌ بها كانت لأهل الهوى / تهدي بناتُ الشوق حَوراها
ناشئةُ الظلِّ تُربِّي بها / عواطِفُ الصبوةِ أبناها
من كلِّ عذريّ الهوى قلبهُ / يرفُّ ما رفَّ عَذاراها
آهٍ لأحشاءٍ على رامةٍ / قد ذهبت إلاَّ بقاياها
رقَّت إلى أن بين أيدي الجوى / تساقطت ضعفاً شظاياها
أيام تستقطر من لِمَّتي / ماءَ الصِبا الغض عِذاراها
ووفرتي منها بأيدي المها / طاقةَ ريحانٍ تهاداها
يا حبَّذا الغيدُ ودارٌ بها / في ريِّق العمر علقناها
جرَّت بها ضمياء أردانَها / فأرَّجت بالطيب أرجاها
حيثُ نشاوى بكؤوس الهوى / أماتها الشوقُ وأحياها
وافت وعمر الدهر في ليلةٍ / فينا هي العمرُ عددناها
رقَّت لنا فيها حواشي الدُجى / لكن ببرقٍ من ثناياها
ولائم والراحُ من خدِّها / تُديرهُ للسكر عيناها
قال عليكَ الوزرُ في نعتها / قلتُ وخُذ أنتَ مُهنَّاها
لا ذمَّ للوردة عندي سِوى / عادة دهرٍ ما تعدَّاها
لمُجتنيها شوكُها والشذا / منها لمن لم يدرِ مُجناها
يا دهرُ ما أطربها ليلةً / عن غفلةً منك سرقناها
فيها عقدنا مجلساً للهنا / لا لكؤوسٍ نتعاطاها
ننشرُ للأَشواق ديباجةً / من غزلٍ رقّ نسجناها
ونسمةُ الأسحار قد فاكهت / بطيب أنفاس نداماها
فاردُد عليها من أحاديثها / ما نقلتهُ عن خُزاماها
وحيِّها ناقلةً قد روت / عن خُلُق المهديِّ ريَّاها
تُسند ما ترويه عن عبقةٍ / من شيبة الحمدِ انتشقناها
للفضل أربابٌ وكلٌّ له / مزيّةٌ يسمو بعلياها
والفضلُ كلُّ الفضل في عصرنا / لجامعٍ كلَّ مزاياها
للخلف ابن الحسن القائم ال / مهديّ أتقى الخلق أهداها
يا واحدَ الدهرِ بلا مُشبهٍ / تركتَ كلَّ الناسِ أشباها
علمُك إلهامٌ وكلُّ الورى / كسبٌ ومن بيتكَ وافاها
كم لك من عارفةٍ حرَّةٍ / ألسِنَةُ الشكرِ أرِقَّاها
جودُكَ طوفانٌ وسفن الرجا / باسمك مَجراها ومَرساها
مكارمٌ مسموعُها في الندى / أعظمُ منهُ فيهِ مرآها
لو قيلَ للغيثِ انتسب للورى / مثلك جوداً ما تعدَّاها
لا شَرِقَتْ في دمِ أوداجها / عيديَّةٌ حنت لمسعاها
وارتَبعت في كلِّ مطلولةٍ / خمائل الروضِ بجرعاها
تَخضِمُ إما شِيحةً أو إلى / بَشامةٍ تدنو فترعاها
جزاء ما خفَّت بتلكَ التي / قد ثقّلت بالأجرِ مسراها
كريمةُ الشيخ إمامِ الهدى / خير كريمات الهُدى جاها
لا بَل هي الكعبةُ في سترِها / تنقُلها نحوَ مُصلاّها
قد قالَ إكباراً لها إذ مَشت / لا صغَّر الرحمنُ ممشاها
لوَ انَّ حواءَ رأت زُهدَها / والزهدُ من بعضِ سجاياها
ودَّت على كُثرِ بناتٍ لها / أن لم تلد منهُنَّ إلاّها
لم تعلقِ الآثامُ فيها ولا / بالتَبِعاتِ اغبرَّ كفَّاها
طهَّرها الرحمنُ عِلماً بها / وبالتُقى والنُسكِ زكَّاها
نزَّهتِ العِصمةُ أفعالها / وكانت العصمةُ تقواها
لو قَسمت صالحَ أعمالِها / بينَ بني الدنيا لأغناها
كلُّ أُلوفِ الخدرِ في خدرِها / لم تعرفِ التخديرَ لولاها
باهِ بها أُمّ نجومِ السما / وفاخِر الشهبَ بأبناها
إذ هيَ أمُّ الكلماتِ التي / آدمُ مِن قبلُ تلقَّاها
قد أوشَجت أعراقها في العُلى / من فاطمٍ أعراقُ علياها
نَمَت غُصوناً كلُّها أثمرت / علماً به اللهُ توخَّاها
عن مثلِها ما انشقَّ يوماً ثرى / نبوَّةٍ فاسأل سجاياها
من طِينةِ المجدِ إلى المرتضى / وجعفرٍ يَضرِبُ عِرقاها
للجعفريَّين ابتنَت دارها / بيض المساعي فوقَ خضراها
هم أنجمُ الدينِ وسبحانَ مَن / في أُفقهِ للرشدِ أبداها
أُسرةُ مجدٍ شَرَعٌ كلُّها / أطرَبها المجد وأطراها
حسبُهمُ فخراً بأنَّ العُلى / آخرُهم فيه كأُولاها
كأَنَّما أخلاقُهم روضةٌ / باكَرَها الطلُّ فندَّاها
تَعبِقُ في المجلسِ ألفاظُهم / كأَنَّ نشرَ المسكِ معناها
القومُ لُطفُ اللهِ في أرضِه / من رحمةٍ للخلق أنشاها
قد بسطَ الجودُ أكفًّا لهم / عاشت بنو الدنيا بنعماها
أهلُ الوجوهِ الزهرِ لو قابلوا / بنورِها الشهُبَ لأطفاها
أقسِمُ أنَّ الدهرَ أجفانُه / ما فُتِحت إلاَّ لمرآها
وسمعُهُ ما شُقَّ حتَّى يعي / شيئاً سوى حُسنِ مزاياها
من طينةٍ بيضاءَ قدسيَّةٍ / صَلصَلَها اللهُ وصفَّاها
والطينة السوداءُ من خُبثِها / هيهاتَ تبيَضُّ سجاياها
جَرت لسبقٍ فتساوت بهم / سوابقُ الفضلِ بمجراها
هم فيها كالأعينِ يُمناها / بالرمشِ لا يَسبِقُ يسراها
والقَبض والبَسط استوت فيهما / البنانُ صُغراها وكُبراها
فيا بَني الوحيِ وآل الهُدى / جِبالَه واللهُ أرساها
إليكموها مِن بناتِ الثنا / غَرَّاءَ قد راقَ مُحيَّاها
تستوهبُ الصفحَ لنا منكم / مِن عَثرةٍ فيها استقلناها
باتت تُعاطيني حُميَّاها
باتت تُعاطيني حُميَّاها / بيضاءُ كالبدر مُحيَّاها
جاءَت من الفردوسِ تهدي لنا / نفحةَ كافورٍ بمسراها
لو لم تكن من حُورِها لم يكن / رحيقُها بين ثناياها
ذاتُ قوامٍ حبَّذا بانةً / منه نسيمُ الدلِّ ثناها
ووجنةٌ تُغنيك في شمِّها / عن شمِّك الوردَ بريَّاها
بتُّ كما شئتُ بها ناعماً / مُعانقاً مُرتشفاً فاها
في روضةٍ تَروي صَباها الشذا / عن حَسنٍ لا عن خُزاماها
مَن لم يدع للفخرِ من غايةٍ / إلاَّ وقد أحرزَ أقصاها
لم تجر أهلُ السبق في شأوهِ / إلاَّ غدا العجزُ قُصاراها
ذو راحةٍ أغزرُ من ديمةٍ / تجلُها كفُّ نعاماها
تُنميهِ من حيِّ العُلى أسرةٌ / أحلى من الشهدِ سجاياها
هم أنجمُ الأرضِ بأنوارِهم / أضاءَ أقصاها وأدناها
بشرى بروج الجود بشراها
بشرى بروج الجود بشراها / ضاء بأُفق المجد بدراها
وقد تجلَّت في سماء العُلى / فاهنأ بذا السعد سراجاها
شعَّ نهارُ السعد حين ابتدا / يضيءُ في الزورا فجلاّها
واكتست الدنيا لأنواره / أشعةً تجلو محيَّاها
ثم دياجي النحس زالتْ فما / أسعدها وابيضَّ قطراها
بل أنست اليوم حديث الصبا / نسمةُ بشرٍ هبَّ ريَّاها
فيا علمتنَّ بنات الفلا / مَن أمس أضناك بأرجاها
وأيُّ وجهٍ لأغرٍّ هو اب / نُ الشمس مهما يزهُ خفَّاها
فوقكِ مبدٍ خلف حُجب السرى / زاهي سناً طرقكِ ضوَّاها
إذ كم فرى بطنَ فلاً ماؤها / آلٌ وإعناقاً تخطَّاها
لجدَّ حتَّى احتلَّ أمُّ القُرى / قد حازَ ما حازَ بمغناها
في شِقِّ نفسٍ وقت ميلاده / تقاهُ والطيب دثاراها
رِضى النهى أنجب حيَّ النهى / أشمخها قدراً وأحباها
ومصطفى أعظم به أطيبا / مثل أخيه عاد أبهاها
ذا هو طرفُ العزِّ إنسانه / وذاكَ راحُ البرِّ يمناها
أتى ارتقاب الحجّ عاماً به / مكثهما تلقى مصلاّها
فأرّخنَّه فرحاً معجباً / في أشطرٍ أحمدت رؤياها
هاك التقِ البشرَ لها مطلعا / ناشٍ هناهُ وقت أنشاها
ألا اجلونها مزهراً وافتتحْ / بشرى بروج الجود بشراها