المجموع : 3
يا شعراءَ الروض أينَ البيانْ
يا شعراءَ الروض أينَ البيانْ / أين أغاريدُ الهوى والحنانْ
قد وُلِدَتْ في روضكم زهرةٌ / يا حُسْنها بين الزُّهور الحسانْ
حُلْمُ الفراشات وحبُّ الندى / وخمرةُ النحل وسحرُ الأوانْ
قد بشَّرَ الأرضَ بها مُرْسَلٌ / مُجنَّحٌ من نَسماتِ الجِنانْ
والنورُ سِرٌّ في ضَميرِ الدُّجى / والفجرُ طيفٌ لم يَبنْ للعيانْ
أبصرتُها تهفو على غُصنها / في وحشةِ الليل وصمتِ المكانْ
بيضاءُ أو حمراءُ تُزْهى بها / عرائس النرجس والأقحوانْ
تَظلُّ تُصغي وتظلُّ الرُّبى / والعشبُ والجدولُ والشاطئانْ
وليس منكم حولها هاتفٌ / تسكب موسيقاهُ سِحرَ البيانْ
هل مَلَّتِ الخمرةُ أقداحَكمْ / أم نَضَبَتْ من خمرهنّ الدّنانْ
قوموا انظروا الظِّلَّ على مهدها / يرقصُ فيهِ القمرُ الأضحيانْ
لو تقدرُ الأنسامُ زفَّتْ لها / أربِعَةَ الفردوسِ في مهرجانْ
وأسمَعتْ من خفق أنفاسها / صوتَ البشيرات وشدوَ القيانْ
يا شعراء الروضِ كم زهرةٍ / ميلادُها من حَسنَاتِ الزمانْ
حسبي من الدُّنيا على شَدْوكم / زَهْرٌ وخمرٌ ووجوهٌ حِسانْ
مِن هذه الرُّوحِ وهذا الجبينْ
مِن هذه الرُّوحِ وهذا الجبينْ / يضيءُ في مصرَ منارُ السنينْ
أشِعَّةٌ من بَسماتِ المُنى / ومن رجاءٍ كالصَّباح المبينْ
ومن قُوىً مشبوبة كاللظى / عارمة لا تنثني لا تلينْ
خَطَّتْ بناءَ الملك ثم ارتقتْ / تبني له المجدَ الرفيعَ المكينْ
أوَّلُ بانٍ أنتَ بعد الذي / شيَّدهُ فرعونُ في الأوَّلينْ
قدَّ من الصخر تماثيلهُ / حِجارةً خرساءَ ليستْ تُبينْ
وأنتَ أطلعتَ منارَ الحجا / وشُعلةَ العلم وفجرَ الفنونْ
بناءُ دنيا وحياةٍ معاً / عزَّ بهِ الشعبُ الغبين المهينْ
بعثْتَه خلقاً جديداً إلى / منزلة عَزَّت على الطامحينْ
قالوا الحضارات فقلتُ انظروا / أين كهذا الشعب في المحسنينْ
من قُطنه يلبس هذا الورى / ومن يديه مغزل الناسجينْ
والمدفعُ الصخَّابُ من صنعهِ / والحُمَمُ الحمْرُ كُرَاتُ المنونْ
قد ماجتِ الأرضُ براياته / وخوَّضَتْ ملءَ البحار السفينْ
وجيشُه منقُذُ إفريقيا / وحارسُ الشرق القويُّ الأمينْ
بهؤلاءِ السُّمْرِ جُبْتَ الثرى / ودِنتَ في سلطانك العالمينْ
ومِن بَنيكَ الصِّيدِ أبطالهُ / ومَن كإبراهيمَ في الفاتحينْ
تاجُ البطولات على رأسهِ / مؤتلقٌ والغارُ فوق الجبينْ
مَنْ زخْرَفَ الوادي وأجرَى به / جداولَ التبر كماءٍ معينْ
وأخضعَ النهرَ لسلطانه / وهو إلهٌ ساد في الأقدمينْ
ومَنْ بَنَى تلك السدودَ التي / تختزنُ السُّحبَ ولا يمتلينْ
غوائثُ الأرضِ إذا أقلعتْ / حواملُ الغيث الدفوقِ الهتونْ
مَنْ أتى الصحراءَ في دَوِّها / بهذه الأسوارِ شُمِّ الحصونْ
عبقريَّ الدهرِ إنَّ الذي / صَنَعْتَهُ معجزةُ الصانعينْ
مهندسٌ أنتَ سَمَا فنُّهُ / وعالِمٌ أُوتيَ عِلم السنينْ
أدركتَ ما للفنِّ من قوَّةٍ / فدِنْتَ بالقوّةِ فيما تدينْ
أبياتُ شعرٍ أنا بنَّاؤها / آجُرُّها اللفظ السريُّ السمينْ
رسمتُها بعضَ خطوطٍ كما / يُرْسَمُ أُفْقُ الكونِ للناظرينْ
يبدأُ فيها الفكر لا ينتهي / وتسبح الأعينُ لا يلتقينْ
لسيِّدِ النيل وفاروقهِ / رفعتُها في موكبِ الخالدينْ
مولايَ من جدِّكَ أنشودةٌ / مِزْهَرُها التاريخُ عذبُ الرنينْ
ألهَمها والدَك المجتبى / وأنتَ من أبنائه الملهَمينْ
وأنتَ من روحيهما آيةٌ / كآيةِ اللّه إلى المرسلينْ
وصورةٌ مشرقةٌ سمحةٌ / إطارُها الحبُّ ونورُ اليقينْ
أيَّتُها الأيام ما تصنعينْ
أيَّتُها الأيام ما تصنعينْ / بذلك العبءِ الذي تحملينْ
غُبِنْتِ يا أيام لم يلتمسْ / عذركِ حتى المستضامُ الغبينْ
يلومك الناسُ على ما بهِ / جرى يراعُ الغيبِ فوقَ الجبينْ
وقال من قال لقد أولعت / بالشرِّ فالطَّبْعُ لئيمٌ لعينْ
عدوةٌ أنتِ لمن خانَهُ / حظٌّ وإن كنتِ الصديقَ المعينْ
لحاكِ من أخطأ في رأيه / كأنما أنتِ التي تَفكرينْ
ومن أساء الصُّنْعَ في عيشه / كيف تُسيئين ولا تُحسنينْ
ولامَكِ الضّليلُ في دهره / فمنكِ لا منه الضلال المبينْ
حتى أخو الحرمان في حُبِّهِ / كأنما أنت الحبيبُ الضنينْ
وأنتِ لا شكوى ولا آهةٌ / مما ترى عيناك أو تسمعينْ
لمسْتِ ضَعْفَ الناسِ في عالَمٍ / قويُّهُ لا يرحَمُ المضعفينْ
أخذتِ بالحسنى أراجيفَهم / والضعفُ لا يشفعُ للمرجفينْ
وأنت يا أيام من رحمة / لهم تُصلِّين وتستغفرينْ
وأنت يا أيام كلُّ الرضى / تولينهم من كنزه كلَّ حينْ
فمن مرير علقم كالوزين / حلاوةً في عيشهم تسكبينْ
وتُنبتين الرفقَ في أنفس / غليظة قاسية لا تلينْ
أنا الذي أدري بما تصنعينْ / إن ضِقتُ بالعمر الذي تَفسحينْ
لديك ما يمحو عذابي وما / يرقأ دمعي وهو هامٍ سخينْ
لديك ما يُفني همومي وما / يبرئُ قلبي وهو دامٍ طعينْ
لديكِ ما يُشعرني راحةً / إن عقَّني الودُّ وخان اليمينْ
لديكِ ما يُنصفني سُلوةً / إن ظلم الحبُّ وجار الحنينْ
لولاك لم أنسَ فنائي ولم / أحْلُمْ بأنِّي خالدٌ في السنينْ