أإنْ بَكَتْ ورقاءُ في غُضْنِ بانْ
أإنْ بَكَتْ ورقاءُ في غُضْنِ بانْ / تصَدّعتْ منك حصاةُ الجَنانْ
وأذكرَتْهُ من زمانِ الصّبا / طيبَ المغاني والغواني الحسان
كيفَ رَمَتْ بالنّارِ أحشاءَهُ / ذاتُ هديلٍ في رياضِ الجِنَان
يُرَنّحُ الغصْنَ نسيمٌ بها / مُعَانقٌ بين الغصون اللّدان
ومقلتاها لو بكتْ عنهما / فاللؤلؤ الرّطبُ له مقلتان
ما ذاك إلا لنوى غربةٍ / قسا عليها الدهرُ فيها ولان
حمامةَ الأيك أبيني لنا / من أين للعجماءِ نُطقُ البيان
هل خانكِ المخزونُ من دمعَةٍ / بكى بها عنك فمن خان هان
يا ليلةً عَنّتْ لِعَينَي شجٍ / للدمع ما بينهما لجّتان
سوداءُ تُخفي بين أحشائِها / من فَلَقِ الإصباح طفلاً هِجان
كأنّما قرطُ الثريّا لَهُ / في أُذْنِها خفقُ فؤادِ الجبان
كأنّما فوقَ قذالِ الدّجى / لجامُ طِرْفٍ ما له من عنان
كأنّما الإظلام بحرٌ طما / والشرقُ والغربُ له ساحلان
كأنّما الخضراءُ من زُهرِها / روضة خرقٍ نورها أقحوان
كأنّما النّسران قد حَلّقا / كي يُبْصِرَا حرْباً تُثيرُ العُثَان
كأنّما انقضّا وقد آنسا / مصارعَ القتلى التي ينعيان
كأنّما الجوزاءُ مختالةٌ / تسحبُ فضلاً من رداء العنان
كأنّها راقصةٌ صَوّبَتْ / وزاحمَ الغربَ بها منكبان
كأنّما شُدّتْ نطاقاً فما / تبدو لها تحتَ ثيابٍ يدان
كأنّما الشهبُ الّتي غَرّبَتْ / شهبُ خيولٍ في استباقِ الرّهان
كأنما الصّبحُ له راحةٌ / تلقط في الآفاق منها جمان
نَكّبْتُ عن ذِكْرِ الهوى والمها / ونفيها للشيخِ غير الهوان
واهاً لأيّامِ الشبابِ الذي / ظلّ به يحلم حتى اللّسان
سلني عن الدّنْيا فعندي لها / في كلّ فنّ خَبَرٌ أو عيَان
فما على الأرض عليمٌ بما / تجتمع الشهبُ له في القران
ولا مكانٌ تتجارى به / خيلُ القوافي غيرُ هذا المكان
ولا ندىً فيه ضروبُ الغنى / إلا ندى هذا مليكِ الزّمان
هذا عليٌّ نجل يحيى الّذي / في قَصْدهِ نيلُ المنى والأمان
هذا الذي في الملك أضحى له / عِرْضٌ مصونٌ ونوالٌ مُهَان
هذا الذي شامَ لنصرِ الهُدى / منْ غيرِ شمّ كلَّ عَضْبٍ يمان
مَنْ بِشرُهُ تَرْجَمَ عن جوده / والجودُ في البشر له ترجمان
من تلزمُ الناسَ له طاعةٌ / قد أمرَ اللهُ بها في القُرَان
فَمَشْرِقَا الأرضِ على فضله / لمغربيها أبداً حاسدان
القاتلُ الفقرَ بسيفِ الغنى / بحيثُ حدّاهُ له راحتان
والثابتُ الحلمِ إذا ما هَفَتْ / له من الحلم هضابُ الرّعان
لا يَعْرِضُ المطلُ لانجازه / ولا يشين المنّ منه امتنان
تمنّ ما شئتَ على فضله / من الأماني وعليه الضمان
مُملَّكٌ تخفقُ راياته / فيتّقِيهِ مّنْ حَوَى الخافقان
لقاؤه مُرْدٍ لأقرانه / إذا تلاقتْ حلقات البطان
يبني بركضِ الجرد من أرضه / سماءَ نقع يومَ حَرْبٍ عوان
يكرّ كاللّيْثِ مُبيداً إذا / ما عَرّدَ النكسُ وَخامَ الهدان
ضرْباً وطعناً بشبا مُنْصُلٍ / كأنّه لفظٌ له معنيان
نورُ هُدىً في الصّدر من دسته / ونارُ بأسٍ فوْق ظهر الحصان
لا تخشَ من كيد عدوّ الهدى / إنّ عليّاً لَعَلَيْهِ مُعَان
عانى خداعَ الحربِ طفلاً فما / يُقعْقعُ القِرْنَ له بالشنان
حَمى حِمى الإسلامِ من ضَيمهِ / واستنصرَ الحقَّ به واستعان
يقدّمُ الأبطال في جحفلٍ / والطيرُ والوحشُ له جحفلان
معتادةً أكْلَ لحوم العدى / غدت خماصاً ثم راحت بطان
من كلّ ذئبٍ أو عُقابٍ له / كلَّ مكرٍّ فيه شلوٌ خِوَان
من كلّ مرهوب الشّذا مُقدمٍ / بَرْدٌ عليه حرُّ لَذْعِ الطّعان
يَغْشَى بِهِ الطِّرْفُ صدورَ القنا / فهو سليمُ الرّدْفِ دامي اللَّبَان
إذا التقى الجمعانِ في مأزِقٍ / وَفَلّ بالطّعْن سنانٌ سنان
يا من يُفيضُ العرفَ من راحةٍ / مفاتحُ الأرزاقِ منها بنان
بقيتَ للجودِ حليفَ العُلى / فأنْتَ والجودُ رضيعا لبان
وإن تلاكَ العيدُ في بهجَةٍ / فأنْتَ عيدٌ أوّلٌ وهو ثان