إِنَّ أُولي العِلمِ بِما في الفِتَن
إِنَّ أُولي العِلمِ بِما في الفِتَن / تَهَيَّبوها مِن قَديمِ الزَمَن
فَاستَعصَموا اللَهَ وَكانَ التُقى / أَوفى لَهُم فيها مِنَ اَوفى الجُنَن
وَاِجتَمَعوا في حُسنِ تَوفيقِهِ / وَاِفتَرَقوا في كُلِّ سَعيٍ حَسَن
فَعالِمٌ مُستَمجِدٌ عامِلٌ / يَسلُكُ بِالناسِ سَواءَ السُنَن
يَنثُرُ مِن فيهِ لَهُم جَوهَراً / مِن عِلمِهِ لَيسَ لَهُ مِن ثَمَن
يَقسِمُهُ طُلّابُهُ بَينَهُم / قِسمَةَ تَعديلٍ بِقَدرِ الفِطَن
وَبُهمَةٌ مُختَرِطٌ سَيفَهُ / يَغمِدُهُ في هامِ أَهلِ الوَثَن
يَلبَسُ مِن إيمانِهِ لَأمَةً / فَضفاضَةً يَغنى بِها عَن مِجَن
وَحابِسٌ في بَيتِهِ نَفسَهُ / مُعتَزِلٌ مُستَمسِكٌ بِالسُنَن
يَأخُذُ مِن دُنياهُ قوتاً لَهُ / مُقتَنِعاً مِثلَ عِذارِ الرَسَن
قَد جَعَلَ البَيتَ كَقَبرٍ لَهُ / وَبُردُهُ فيهِ لَهُ كَالكَفَن
فَهوَ خَفيفُ الظَهرِ لَكِنَّهُ / أَثقَلُ في ميزانِهِ مِن حَضَن
وَهارِبٌ شُحّاً عَلى دينِهِ / إِلى البَراري وَرُؤوسِ القُنَن
يَأنَسُ بِالوِحدَةِ في بيدِها / أَكثَرَ مِن تَأنيسِهِ بِالسَكَن
لا يَرهَبُ الأُسدَ وَمَن لَم يَخُن / سَيِّدَهُ في عَهدِهِ لَم يُخَن
وَتائِبٌ مِن ذَنبِهِ مُشفِقٌ / يَبكي بُكاءَ الواكِفاتِ الهُتُن
تَخالُهُ بَينَ يَدَي رَبِّهِ / في ظُلَمِ اللَيلِ كَمِثلِ الغُصُن
إِن مَهَّدَ الناسُ لِدُنياهُمُ / شَمَّرَ في تَمهيدِهِ لِلجَنَن
كَأَنَّما الأَرضُ لَهُ أَيكَةٌ / وَهوَ بِها قُمرِيَّةٌ في فَنَن
وَصامِتٌ في قَلبِهِ مِقوَلٌ / بِالذِكرِ لِلَّهِ طَويلٌ لَسِن
قَد نَوَّرَ اللَهُ لَهُ قَلبَهُ / بِالذِكرِ في السِرِّ لَهُ وَالعَلَن
فَإِن يَبِن بِالفِكرِ عَن صَحبِهِ / فَجِسمُهُ بَينَهُمُ لَم يَبِن
وَإِن لَغَوا جَليسٌ لَهُم / لَم يَلِجِ اللَغوُ لَهُ في أُذُن
في مَلَكوتِ اللَهِ سُبحانَهُ / تَجولُ أَلبابُ لُبابِ الفِطَن
فَهُم خُصوصُ اللَهِ في أَرضِهِ / حَقّاً بِهِم تُدرَأُ عَنّا المِحَن
سَمَوا بِفَضلِ اللَهِ نَحوَ الَّتي / مَن حَلَّ في جيرَتِها قَد أَمِن
وَنَزَّهوا الأَنفُسَ عَن مَنزِلٍ / نازِلُهُ مُستَوفِزٌ لِلظَعَن
وَضَمَّروا الخَيلَ لِيَومٍ بِهِ / يُنكَبَ مَن يَركَبُ فَوقَ الهُجُن
فَلَيتَني كُنتُ لَهُم خادِماً / وَلَيتَني إِذ لَم أَكُن لَم أَكُن
وَمَن سِواهُم فَرِجالٌ رَجَوا / أَن يَعبُروا البَحرَ بِغَيرِ السُفُن
وَإِنَّما قَصَّرَ بي عَنهُمُ / حُبّي لِدارٍ مُلِئَت بِالفِتَن
لا غارَتِ الدُنيا وَلا أَنجَدَت / فَالعاقِلُ الحُرُّ بِها مُمتَحَن
تَميلُ لِلأَحمَقِ مِن أَهلِها / وَهيَ عَلى عاقِلِهِم تَضطَغِن
يا عَجَباً مِن غَفلَتي بَعدَ أَن / نادانِيَ الشَيبُ أَلا فَارحَلَن
وَأَدرِكِ الفائِتَ مِن قَبلِ أَن / يَفجَأَكَ المَوتُ فَلا تُنظَرَن
أَقبَحُ مَن تَرمُقُهُ مُقلَةٌ / مُبصِرَةٌ شَيخٌ خَليعُ الرَسَن
تَقتادُهُ الدَهرَ دَواعي الهَوى / إِلى الصِبا مِثلَ اِقتِيادِ البُدُن
يَأمُلُ آمالَ فَتىً يافِعٍ / كَأَنَّهُ لَيسَ بِشَيخٍ يَفَن
لَيسَ جَمالُ الشَيخِ إِلّا التُقى / وَالمَحوُ لِلسوءِ بِفِعلٍ حَسَن
شُغِلتُ بِالوَصفِ وَلَو أَنَّني / أُشغَلُ بِالمَوصوفِ كُنتُ الفَطِن
وَلَم أَبِع رُشداً بِغَيٍّ وَلَم / أَرضَ بِعَقلي مِثلَ هَذا الغَبَن
إِنّا إِلى اللَهِ لَقَد حاقَ بي / ما يُورِثُ الخِزيَ غَداً وَالحَزَن
وَالحَمدُ لِلَّهِ فَفي كَفِّهِ / مَنحٌ لِمَن شاءَ وَفيها المِنَن
وَهوَ الَّذي أَرجو فَإِن لَم يَكُن / عِندَ رَجائي فيهِ طَولاً فَمَن