اقدَحْ بماء المزن نار المدامْ
اقدَحْ بماء المزن نار المدامْ / ليهتدي إن ضلّ ساري الظلامْ
واستجلها تشبه شمس الضحى / في هالة من بدر بدر التمامْ
مهفهفُ القامة أعطافه / تُعَلِّمُ الأغصان لين القوامْ
مئزره في عيد إفطاره / وبنده في وسط شهر الصيامْ
بات خليَّ القلب من لوعة / بتّ بها صبّاً به مستهامْ
يغضب إن حمت على ثغره / والمنهل العذبُ كثير الزِّحامْ
تذوب أحشائي به غلة / وقد تَرَوَّى منه عِقد النظامْ
وكلما رمت جنى ريقه / يقول لي شرب الحميّا حرامْ
حتى إذا جاذبت أصداغه / للثمة صارت لفيه لثامْ
وازورَّ فاستأنفت أهوي على / يديه باللثم ولين الكلامْ
فرقَّ قاسي خده خيفة / أن يتوفاني عليه الغرامْ
وبتُّ من فيه ومن كفه / أشرب من خمرين دون المُدامْ
بمجلس في لحن قيناته / فصاحة تطرب عجم الحمامْ
وظلّ دوحٌ صفرُ أوراقه / كأنها ناصلةٌ من سهامْ
حنى علينا فدنانيره / لها انتثارٌ حَوْلَها وانتظامْ
وقد سرى وفد نسيم الصَّبا / يسحب في الجو ذيول الغمام
قوضت القيظ يدٌ خيمت / له من السحب علينا خيام
أقبل في جحفل نِسْرِينِه / فَفَرَّ جيش الصيف منه وخام
ينشر فوق الأرض ندّ الندى / وقد طوت أيديه نار القَتام
ومر بالجدول ريعانه / فبات يجلو منه شبه الحسام
والورق في الأوراق تدعو ألا / هُبُّوا إلى لذاتكم يا نيام
صاح أجب داعيها راكضاً / طرف البطالات بخلع اللجام
وقم إلى لهوك مستيقظاً / بصرف دهر منك أغفى ونام
والهَمُّ إن ناجاك شيطانه / فلذ بكأس منه أو لذ بجام
إنَّ ابنة الكرم وإن عنَّسَتْ / ما حظيت إلا بشرب كرام
يُكْسَى وقار الكهل منها الفتى / وتكسب الشيخ نشاط الغلام
إن الذي لامك في شربها / أولى بأن يشرب ماء الملام
فراحة الراح لِلاهٍ غدا / يُتعِب من عنَّف فيه ولام
يمشي إلى حاناتها ساحباً / ذيول عراب الصبا والغرام
لا يسأل الخمار عن كيله / ولا يبالي كيف أغلى وسام
والكأس ما ماكس فيها فتى / لروحه والجسم منها قوام
منتهزاً فرصة أيامه / ما اقتاد منها في يديه زمام
لا خُدَعات الآلِ تقتاده / ولا تمنيه بروق الجَهام
لا يقبل الضيم وهل لائذ / بالملك الظاهر ممن يضام
ملك على الأيام من ملكه / طلاوة الروض فتيق الكِمَام
حمى حمى الإسلام معه فتى / أشم أرسى حُبْوةً من شَمام
لو منح البدر بأنواره / ما كان للنقص عليه احتكام
أو أشبه الغيثُ ندى كفه / لهَمَّ في تَهْتَانِه أو لدام
والشمس لو نالت سنى وجهه / أضحى لها يسجد كل الأنام
والبحر لو قيس إلى جوده / أصبح للوراد عذب الجِمام
والروض لو طاب كأخلاقه / ما أذنت دولته بانصرام
ولو حكت بيض الظبا عزمه / ما سلَّ يوم الروع منها كَهام
والليث لو باراه في نجدة / لعزَّ أن يغتال أو أن يرام
والنار لو تضرم من بأسه / لما انطفى بالماء منها ضرام
أزهر ماء البشر في وجهه / ينقع من قبل نداه الأوام
ليس لما يَقْصِم شدٌّ ولا / يُرَى لما شدّت يداه انفصام
ما وطئ الغبراء إلا اشتهت / كواكب الخضراء لثم اللثام
له المذاكي لو قفا إثرها / برق لصلى خلفها أو لصام
ضوامر تمرق من شُكْمِها / إلى أعاديه مروق السهام
لا تدرك الأبصار منها سوى / أجادلٍ طائرةٍ أو نعامْ
لو أطْلِقت والريح في حَلبَةٍ / لطالت الريح وجاءت أمام
والمرهفات البيض محمرّة / خدودها من وجنات وهام
لها رضاع من جسوم بها / يعود للأرواح منها فطام
كأنها في هيجات الوغى / بوارقٌ لامعةٌ في غمام
لم تر عَيْنٌ قبلها أنهراً / في غُدُرِ السرد لهنَّ اضطرام
في جحفل يحسب فرسانه / أسداً تلاقى من عداها سَوام
لو صدم السد له كلكل / لأوشكت أعجازه بانهزام
يزأر في غابته ضيغم / هماهم الأسد لديه بَغام
ناموا عن المجد فأغروا به / ذا يقظات عنهم لا ينام
إيهٍ غياث الدين ملكاً إلى / أقصى العراقين وأرض الشآم
قم لمناديك مجيباً فما / أبقت مساعيك لساع قيام
عسى تغور باكيات بهم / يعيدها فتحك ذات ابتسام