المجموع : 5
أرسلتُ طَرْفي يقتضي طرفَها
أرسلتُ طَرْفي يقتضي طرفَها / وَعْداً به أُبرئُ أسقامي
فعاد عنه للحشا جارحاً / كرَجْعَةِ السهمِ إلى الرّامي
فقاتلي طرفيَ لا طَرْفُهَا / والجَفْنُ من جرحِ الحشا دامِ
يا دارَ سلْمى لو رَدَدتِ السلامْ
يا دارَ سلْمى لو رَدَدتِ السلامْ / ما همّ فيك الحزْنُ بالمستهامْ
همودُ رسمٍ منكِ تحتَ البلى / مُحَرِّكٌ مِنِّي سكونَ الغَرَام
لمتُ عَلَيكِ الدَّهرَ في صَرْفِهِ / وقلتُ للأحداث صَمِّي صَمَام
وقَامَ في الخُبْرِ لِمُسْتَخْبِرٍ / سكوتُ مغناكِ مقامَ الكلام
يا بارِقَ الجَوِّ تَبَسَّمْ بِها / وابْكِ عَلَيها بِدُموعِ الغَمام
وَحَلّهَا بالنَّوْرِ من روضةٍ / تَفُضّ عن فأرَةِ مِسْكٍ خِتام
حَتّى أَرى عنها ظِباءَ الفلا / مُرَحَّلاتٍ بِظباءِ الخيام
مِن كُلِّ هَيفاءَ غُلاميّةٍ / مُلْتَبِسٌ بالغُصْنِ منها القَوَام
تُديرُ عَينَي رَشَإٍ فيهِما / من فَتْرَةِ الطرفِ شبيهُ السّقام
تروحُ والعنبرُ والعودُ في / ليلٍ من الفرعَ صقيلِ الظلام
تمنعُ أُخْتَ الشمسِ منها فماً / فيهِ أَخو الدّرِّ وَأُختُ المُدام
لو أنّ لي حكماً بربع الحمى / أعطيتُهُ من كلّ خطبٍ ذمام
حَتّى أَرى بِالوَصْلِ حَبْلَ الهوَى / لا يتُقّى بِالبَينِ مِنهُ انصِرام
خليفةُ الملك ترى عنده
خليفةُ الملك ترى عنده / خليفةَ الشمس تجلّي الظُّلَمْ
ذابلةٌ في الصُّفرِ مركوزَةٌ / لها من النّار سِنانٌ خذِم
تُبْدي من الشمع قراً مُدْمَجاً / لولا نُخاعُ القُطْنِ لم يَسْتقمْ
فجسمها من ذهبٍ جامدٍ / يُذيبُهُ روحٌ له مُضْطَرِم
تَقْطفُ من هامتها فَضْلَةً / قطفكَ بالمقراض رأسَ القلم
فنورها من ذاك مُسْتَأنَفٌ / كأنّهُ الصحّةُ بعْدَ السّقَم
يأكلها وهيَ غذاءٌ له / منها لسانٌ وهوَ في غَيرِ فم
كأنّها راقصةٌ بيننا / لم تنتقلْ في الرّقص منها قدم
قائمةٌ في مَلبَسٍ أصْفَرٍ / قد حرّكتْ منه لنا فَرْدَ كُم
قالوا صَبَا يا مَن رأى مستهامْ
قالوا صَبَا يا مَن رأى مستهامْ / حِجاهُ كهْلٌ وَهَوَاهُ غُلامْ
لعلّهُ صادَ ولم يعلموا / رئماً حلالٌ صيدُهُ لا حرام
أو زاره طيفٌ خفيّ الهوَى / يَطْرُقُهُ في الوهم لا في المنام
كأنّ تمثالَ سليمى اجتلى / عليه منها خَفَراً واحتشام
وربّما هاجَ اشتياقَ الفتى / تألّقُ البرقِ وسجعُ الحمام
أو نفحَةٌ تعبقُ من روضةٍ / تُحيي من الصّبّ رَميمَ العظام
غزالةُ السرب التي جسمها / مَعَانُ مسكٍ ما علاه ختام
للّه ما صَوّرَ في فكرتي / بردُ المنى منها وحرّ الغرام
تمشي وسكرُ التيه في عطفها / يُميلُ منها باعتدال القوام
يا من رأى في غُصُنٍ روضة / يسمعُ منها للأقاحي كلام
يخبرُ من فاز بتقبيلها / عن بَرَدٍ تنبعُ منه مُدام
أذكى من المندلِ في نارِهِ / ما سَاكَتِ الدّرَّ به مِنْ بشام
كأنّ في فيها عبيراً إذا / تفجّرَ النورُ وغار الظلام
جسمُ لجينٍ ناعمٌ لَمْسُهُ / لصفرةِ العسجدِ فيه اتّهام
قد حازها البعدُ فَمِن دونها / ركوبُ طامٍ موجُهُ ذو سنام
تسافرُ الأرواحُ ما بيننا / والسّر فيما بيننا ذو اكتتام
كأنّما تحملُ أنفاسُها / لطائماً ضُمّنّ مسكَ السّلام
وهي من العفة لم تَدْرِ مَنْ / جُنّ بها دونَ الغواني وهام
فتّاكةٌ باللّحظِ وارحمتا / منها لقلبِ الدّنِفِ المستهام
كأنّما عَلّمَهُ فَتْكَهُ / سيْفُ عليّ يوْمَ تفليقِ هام
مُمَلَّكٌ في ملك آبائه / أيُّ كريمٍ أنجبته كرام
ذو هيبَةٍ تَحْسَبُ في دَسْتِهِ / قسْوَرَةَ الغيلِ وَبَدْرَ التمام
مُتَرْجِمٌ عنه لسانُ العُلى / فيما عَنَاهُ أو لسانُ الحسام
وكلّ جبّارٍ أتى أرْضَهُ / مُقَبّل بالرّغمِ منه الرّغام
يُقدِمُ ما بين العوالي إذا / ما نكلَ المقدامُ عنه وَخَام
يملأ جنبَ القرنِ من طعنةٍ / نَجْلاءَ يَرْغُو شِدْقُها وهو دام
مُؤيَّدٌ باللَّه ذو عِصْمَةٍ / للدين تأييدٌ به واعتصام
أسنّةُ الأعداءِ في حربه / أطعنُ منها إبَرٌ في ثمام
ذا كعبةُ الجودِ الذي كفُّهُ / ركنٌ لنا لثمٌ به واستلام
لا تحسبوها حجراً إنّها / من ساكبِ المعروفِ أُختُ الغمام
يَمُدّهُ المَدْحُ لبذلِ النّدى / كمدّهِ المرهفَ يوم اقتحام
وتقبضُ الحرمانَ منه يدٌ / تَبْسُطُ للوفدِ العطايا الجسام
للبحر بالرّيح عُبَابٌ كذا / جدواهُ إن أُسْمِعَ فيها الملام
إن سابقَ القُرّحَ أبصَرْتَهُ / أمامها سَبْقاً يثيرُ القتام
إنّ الأنابيب لمأمومةٌ / في الرمح واللهذمُ فيها إمام
لا يَغْتررْ بالعفوِ من سلمه / أعداؤهُ فالحربُ دار انتقام
أخافُ والموتُ بهم واقعٌ / أن يُفطِرَ الصمصامُ بعد الصيام
يُمْلي لمن يُغْرَى به نقمَةً / بالبطءِ في النزعِ نفوذُ السهام
إذا تحيّرنا فقولوا لنا / أكان رضوى حِلمُهُ أم شَمام
لو رَكَنَ الباغي إلى عزّهِ / ما قَعَدَ الذلّ عليه وقام
منفردٌ بالبأس في نفسه / سكونُهُ فيه حَرَاكُ اعتزام
كأنّه جيشٌ لهامٌ حدا / من أُسُدِ الأبْطال جيشاً لهام
أثوابُهُمْ فيه وتيجانُهُمْ / قُمْصُ الأفاعي وَتَريكُ النعام
من كلّ فتّاكٍ بأقرانِه / له حياةٌ تَغْتذي بالحِمام
فَصَيْحَةُ الرّوْعِ وطعمُ الرّدى / لديه كالشّدوْ على شربِ جام
إنّ ابن يحيى من وكوف الحيا / في زَمَنِ المحل ليهمي انسجام
فمن حياءٍ لا تَرى وَجْهَهُ / إلا وللغيم عليه لثام
لئن تزاحمنا بساحاته / فالموْردُ العذبُ كثير الزحام
نطولُ من ساعات أفْراحهِ / بالسّعْد ما يقصرُ عنه الأنام
أقسمتُ ما بهجةُ أيّامه / في عَبْسَةِ الأيام إلّا ابتسام
يا منْ إذا مالَ زمانٌ بنا / عن حكمنا قوّمه فاستقام
لك المذاكي والمواضي الّتي / تَمَيّعَ الماءُ بها في الضرام
من كلّ يعبوبٍ كريح الصّبا / يطير جرياً ما أراد اللجام
وكلّ ماضي الحدّ في جفنه / عينُ الردى ساهرةٌ لا تنام
أنصفتَ همّاتِكَ أعْظِمْ بها / لم يُنْصِفِ الهمّاتِ مثلُ الهمام
قابلكَ العامُ الذي تشتهي / فابقَ من بعده ألفَ عام
إنّ المنى في سلكه نُظّمَتْ / وإنّه أوّلُ درِّ النظام
فقارِنِ السعدَ على أفْقِهِ / وأنْتَ في العمرِ قرينُ الدوام
موشِّحٌ شبليك في عزّةٍ / قعساءَ مرماها بعيدُ المرام
والجودُ في يمناك منه حيا / واليُمْنُ في يُسْرَاكَ منه زمام
أبكاهُ شيبُ الرأسِ لما ابتسمْ
أبكاهُ شيبُ الرأسِ لما ابتسمْ / وعادَهُ في السقم طيفٌ ألَمّ
من غادةٍ في وصل هجرانها / يَقْنَعُ منها بوصالِ الحُلُم
صَوّرَ منها شَوْقُهُ صورةً / في فكرةٍ ساهرةٍ لم تَنَم
فالقلبُ يُذكي جذوةً تلتظي / والعينُ تُذْري عَبْرَةً تنسجم
غيداءُ تاجُ الحسنِ من غيرها / يُضحي لديها وهو نَعْلُ القدم
أثمرَ بالرّمّان من قَدّها / غضْنٌ ومن أطرَافها بالعَنَم
لمياءُ تبدي الدّر من أشْنَبٍ / يحرق بالأنوار جُنْحَ الظُّلَم
يُبْرِدُ حرّ الشوْق ترشافُهُ / عنكَ بمعسولِ الثنايا شَبم
كأنّما برقٌ ومسكٌ به / إليه يدعوك بِشَيمٍ وَشمّ
والصبحُ في مشرقه هازمٌ / والليلُ في مغربه منهزم
أرى اختلافَ الناس دانوا به / في صيدِ عُرْبٍ منهم أو عجم
وابنُ عليّ حسنٌ سيّدٌ / بلا خلافٍ في جميع الأمم
مُملَّكٌ في كفّه صارم / عزّ به دينُ الهدى واعتصم
مُبَدِّدُ المعروف من كفّه / وللعلى شملٌ به منتظم
مُنفّذُ الأمرِ كريمٌ إذا / قالَ نعم فابْشِرْ بنيلِ النّعم
وَمُرْهَفِ الحدّ إذا سَلّهُ / سال إلى ضرب الطلى واضطرم
يخطفُ رأسَ الذِّمْرِ قطفاً به / كَحذفِ حرف اللين جزماً بلم
يصرّفُ الرمحَ على طوله / كأنّما صُرّفَ منه قلم
لئن همى من راحتيه الحيا / فالبدرُ منه يحتَبي بالديم
يُهْدَى به ضَلّ في ليله / تَوَقُّدَ النارِ برأسِ العلم
تُقَبِّلُ الآمالُ منه يداً / فهي لأفواه الوَرَى مُستَلَم
منتصرٌ باللّه في حربه / للّه من أعدائه منتقم
في رَبْعِهِ الرحبِ سماءُ العلى / طوالعٌ فيها نجومُ الهمم
كم ضربةٍ أوسعها سيفُهُ / فهو لسانٌ ناطقٌ وهي فم
تعدو سرَاحينُ الوَغَى حَوْلَهُ / مُجَلِّحاتٍ بأسودِ الأجَم
يا من وجدنا الجودَ من بذله / مِلءَ الأماني وعدمنا العدم
بقيتَ في الملك لِصَوْنِ العلى / ونصرةِ الدين ورَعيِ الذمم