كمنجة ((الشوّا)) عليك السلام
كمنجة ((الشوّا)) عليك السلام / بهيكل الوحي وعرش الغرام
فيك التفت أرواح أهل الهوى / نجوى وشكوى وبكا وابتسام
وأودعت فيك الصّبا همسها / وخبّأ الأسرار فيك الظلام
وذاب فيك الحبّ ذوب الندى / في مبسم الورد وجفن الخزام
ردّي إلينا اليوم دنيا الرؤى / فإنّنا نشقى بدنيا الحطام
أجنحة الأشواق مقصوصة / أو موثقات والأماني رمام
قد انقضى العمر وأرواحنا / مفطومة بالحرص بئس الفطام
ننأى عن الحسن ونشتاقه / ونهجر الماء ونشكو الأوام
ويبعث الحقل إلينا الشّذى / ونحن لا ننشق إلاّ الرّغام
نسير والأضواء من حولنا / كأنّنا في هبوة أو قتام
والماء يجري حولنا كوثرا / ونحن نستسقي السحاب الجهام
ونسهر الليل لغير الهوى / ما تنفع اليقظة والقلب نام؟
حتى نسينا كيف لون الضحى / ولم نعد نذكر سجع الحمام
خير من اليقظة عندي الكرى / إن كانت الغبطة بنت المنام
خلنا الهوى ترجع أيّامه / لم يرجع الحبّ ولا المال دام
فيا فتى ((الشهباء)) يا شاعرا / قد رفع الفنّ لأسمى مقام
رجعت بالسحر وكان انطوى / وجئتنا بالوحي في غير جام
هذا عصير الوحي في آلة / خرساء يجري فتنا للأنام
فإن تجدنا حولها عكّفا / فالمنهل العذب كثير الزّحام
فدغدغ الأوتار لا تكترث / أنّ تذهب الفتنة بالاحتشام
سعادة الأنفس في نشوة / من صورة أو نغم أو مدام
وقل لمن يحذر أن يشتكي / ويحبس الدمع لئلاّ يلام
إسمع فهذا وتر نائح / وانظر فهذا خشب مستهام
نيويورك يا ذات البروج التي / سمت وطالت كي تمس الغمام
لن تبلغي واللّه باب السما / إلاّ بأوتار كنار الشآم
فاصغي إلى ألحانه لحظة / تحتقري كلّ صنوف الكلام
وتدركي أنّ قصور المنى / تبقى وتنهدّ قصور الرّجام
فرّحبي معْنا به واهتفي: / هذا أمير الفنّ هذا الإمام