غفرتُ للأيامِ ذنبَ الفراقْ
غفرتُ للأيامِ ذنبَ الفراقْ / أنْ فزتُ من توديعهمْ بالعناقْ
ما أَنسَ لا أنسَ لهم وَقْفَةً / كالشهدِ والعلقمِ عندَ المذاق
مزجتُ فيها درَّ أسلاكهم / إذ أزفَ البين بدرِّ المآق
ساروا وقلبي بين أظعانهمْ / فلينشدوهُ بين تلكَ الرفاق
لا مرحباً بالبرقِ ما لم يكنْ / تسقي عزاليه رسومَ البُراق
حيثُ القبابُ البيضُ مضروبةٌ / تحرسُها سُمْرٌ وبيضٌ رقاق
تحملُ في أثنائها غادةً / يحملُ منها القلبُ ما لا يطاق
حاليةً تبسمُ عن مبسمٍ / كمثلِ ما قُلِّد منها التَّراق
من شَفَقِ الليلِ لها وجنةٌ / أو من دمٍ باللحظِ منها يراق
ضعيفةٌ طرفاً وخصراً فما / يُطيقُ ذا اللحظَ ولا ذا النِّطاق
تاهت على البانِ بأعْطافها / وعَيَّرَتْ بدرَ الدُّجى بالمُحاقْ
وأرسلتْ فَرْعَاً غدا لَوْنُهُ / كحالِ مَنْ يُحْرَمُ منها التَّلاق
أَعادتِ الصبحَ ليلةً / حتى تَوَهَّمْتُ صَبوحي اغتباق
سقى ديارَ الحيِّ بالمنحنى / من سَبَلِ المُزْنِ أو الدمعِ ساق
كم ليلةٍ لي بعقيقِ الحمى / قَصَّرتها باللثم والاعتناق
ما ادَّرَعَ الليلُ بظلمائه / حتى كساه الصبحُ منه رُواقْ
فانجفلت أنجمه فاشتكى / للبعضِ منها البعضُ وَشْكَ الفراق
أما الثريَّا فنَوى رأسها / يركضُ نحو الغربِ ركضَ السباق
وطار في إثرِ غرابِ الدُّجى / نسرُ النجومِ الزُّهرِ يبغي اللحاق
وانتبَه الصبحُ بُعَيْدَ الكرى / كذي هوىً مِن غَشيَةٍ قد أَفاق
ورجَّع المُكَّاءُ تَحْنِينَهُ / حتى حسِبناهُ حليفَ اشتياق
في روضةٍ علَّم أغصانُها / أهلَ الهوى العذريِّ كيف العناق
هبّتْ به ريحُ الصِّبا سُحْرةً / فالتفَّتِ الأشجارُ ساقاً بساق
تلك الليالي أعْقَبَتْ بعد ما / أحمدْتُها عيشاً بوشكِ الفراق