دَعِ الهَوى يَتبعه الأخرقُ
دَعِ الهَوى يَتبعه الأخرقُ / لا صبوةَ اليومَ ولا مَعْشَقُ
ولا دموعٌ خَلْفَ مستوفِزٍ / تجري ولا قلبٌ له يخفقُ
ولو درى أهلُ الهوى بالّذي / جَنَى الهوى من قبل لم يعشِقوا
يا جَمْلُ لا أبصرني بعدها / أرنو إليه وجهُكِ المُشرِقُ
لو لم أُعرّضْ للهوى مهجتي / ما كان قلبي بالهوى يُسْرَقُ
لا فرعُكِ الفاحمُ يقتادني / ولا اِطّبانِي غُصنُك المورقُ
كنت أسيراً بالهوى عانياً / فالآن قلبي من هوىً مطلقُ
سَلْوانُ تجتاز به دائباً / روائحُ الحبِّ فلا يَعبقُ
فمَنْ يكن من حبّكمْ مُثْرِياً / فإنّنِي من بينهمْ مُمْلِقُ
لا طَرَقَ الطّيفُ الّذي كان مِنْ / أكبر همّي أنّه يطرُقُ
حَدَّثَ قلبي وهْوَ طوعُ الهوى / محدّثٌ باللّيل لا يصدقُ
وكيف لولا أنّه باطلٌ / يسري ولا سارتْ به الأيْنُقُ
زار وما زار سوى ذكرِهِ / وبيننا داوِيَّةٌ سَمْلَقُ
غرّاءُ لا يُمسي بِأَرجائِها / إلّا ظَليمٌ خلفه نِقْنِقُ
لَولا مَطِيٌّ كَسفينٍ بها / لكان مَن يركبها يَفْرَقُ
مَن عاذري مِن زَمنٍ كلّما / طلبتُ منه راحةً أَخفِقُ
يخصّ بالضّرّاءِ أحرارَه / ويَرزقُ السَّرّاءَ من يَرزقُ
صحبتُه أعوجَ لا ينثنِي / ومعجلاً بالشّرِّ لا يرفقُ
طوراً هو الموسعُ أقطارَه / وتارة أخرى هو الضيّقُ
لو أنّني أُنفقُ عِرْضِي به / كنتُ عليه أبداً أَنفُقُ
عزّ الفتى يكظِمُ حاجاتهِ / والنّاسُ مُستثرٍ ومسترزقُ
فما يبالِي حاقرٌ للمنى / جِيدَ اللّوى أم سُقِىَ الأبرقُ
وكلّما هوّم في سَبْسَبٍ / وَسَّدهُ السَّاعدُ والمِرفقُ
عِرْضٌ جديدٌ لا ينال البِلى / منه وثوبٌ مُنهَجٌ مُخلَقُ
وربّما نال الفتى وادعاً / ما لم ينله المزعَجُ المُقْلَقُ
ودون نيلِ المرءِ أوطارَه / فتقٌ على الأيّامِ لا يُرتَقُ
وكلُّ شيءٍ راقنا حسنهُ / فهْوَ سرابٌ في الضحى يبرقُ
وحبُّ هذي الدّارِ خوّانةً / داءٌ دويٌّ ما له مُفرِقُ
أين الأُلى حلّو قِلالَ العُلا / فُمزِّقوا من بعد أن مَزَّقوا
كأنّهمْ من بعد أن غرّبوا / لم يطلعوا قطّ ولم يشرقوا
داسوا بأقدامهم شُمَّخاً / تُرامُ بالأيدي ولا تُلْحَقُ
وكلَّ نجمٍ بالدّجَى ساطعٍ / يرميه نحو المغربِ المشرقُ
كأنّه من قَبَسٍ جذوَةٌ / أو عن لهيبٍ خلفه يُفتَقُ
كم أوضعوا في طُرُقاتِ العُلا / وحلّقوا في العزّ إذْ حلّقوا
حتّى إذا حان بلوغُ المَدى / قِيدوا إلى المكروه أو سُوِّقوا
طاحوا إلى الموتِ وكم طائحٍ / لم يُغنِ عنه حَذِرٌ مُشفِقُ
نحن أناسٌ لطِلابِ العُلا / نخُبُّ في الأيّامِ أو نَعْنِقُ
ما خَلقَ اللَّه لَنا مُشبهاً / في غابر الدّهرِ ولا يخلُقُ
كم رام أن يصعد أطوادَنا / بَواذِخاً قومٌ فلم يرتقوا
أَو يَلحقوا ما اِمتدَّ من شَأْوِنا / في طلب العزّ فلم يلحقوا
قد قلت للقوم وكم طامعٍ / يُصبِحُ بالباطل أو يغبُقُ
أين من البَوْغاءِ أسماكُنا / ومن ثِمادٍ بحرُنا المُفْهَقُ
في الغاب والغابُ مجازٌ لكمْ / ليثٌ بلا عذر الكرى يُطرِقُ
في كفّه مثلُ حِدادِ المُدى / يفرِي بها الجلدَ ولا تَخْلِقُ
يَغتالُ طولَ البعد إرقالُه / فَمُنْجِدٌ إنْ شاء أو مُعْرِقُ
فكم صريعٍ عنده للرّدَى / وكم نجيعٍ حوله يُهرقُ
كأنّما خيط على غضبةٍ / فهوَ مغيظٌ أبداً مُحنَقُ
خلّوا الّتي سكّانُها معشرٌ / هُمُ بها من غيرهمْ ألْيَقُ
قناتُهمْ في المجد لا تُرتَقَى / وجُردُهم في الجود لا تُسبَقُ
قومٌ إذا ما سنحوا في الوغى / سالوا دماً أو قدحوا أحرقوا
بكلِّ مشحوذِ الظُّبا أبيضٍ / وأسمرٍ يعلو به أزرقُ
لا باسلٌ يشبهه ناكِلٌ / ولا صميمٌ مثلُه مُلْحَقُ
ولا سواءٌ عند ذي إِرْبَةٍ / باطنُ رجلِ المرءِ والمَفْرقُ
وقد زلقتُم في مطافٍ له / بابٌ إلى العزّ ولم يزلقوا
وخلتُمُ أنّ العُلا نُهْزَةٌ / يعلقها بالكفّ مَن يَعْلِقُ
حتّى رأيناها بأيديكُمُ / تزِلُّ أو تَزلقُ أو تَمْرُقُ
ودونكمْ من لؤمِ أفعالكمْ / بابٌ إلى ساحاتها مُغلَقُ
إنّ أناساً طلبوا حُوَّماً / وِرْداً شربنا صفوَه ما سُقوا
لَيسوا منَ الفخرِ ولا عنده / ولا لهمْ في رَبْعِه مَطْرَقُ
إنْ سُئلوا في مَغْرَمٍ بَخَّلوا / أو جُمعوا في معركٍ فُرِّقوا
وليس يجري أبداً في الورى / إلّا بِما ساءَهمُ المنطقُ
قل لرواةِ الشّعر جوبوا بها / فجّاً من الإحسانِ لا يُطرَقُ
كأنّها في ربوةٍ روضةٌ / أو من شبابٍ ناعمٍ رَيِّقُ
صِينتْ عن اللّين على أنّها / غانٍ بها الإشراقُ والرَّوْنَقُ
فكم أُناسِ بقيتْ منهُمُ / محاسنُ الشِّعر وما أنْ بقوا