يا نَفسُ لَو كُنتُ تَرينَ الشُؤون
يا نَفسُ لَو كُنتُ تَرينَ الشُؤون / كَما يَراها سائِرُ الناسِ
لَما رَماني بَعضُهُم بِالجُنون / وَلَم أَجِد في الناسِ مِن باسِ
بِالأَمسِ مَرَّ المَوكِبُ الأَكبَرُ / فيهِ الفَتى الراكِبُ وَالناعِلُ
وَأَقبَلَت غيدُ الحِمى تَخطِرُ / يَهتِفنَ عادَ البَطَلُ الباسِلُ
ما لَكِ يا هَذِهِ لا تَهتُفين / لِصاهِبِ الدَولَةِ وَالباسِ
فَقُلتِ لي ضاحِكَةً تَسخَرين / وَيلَكَ هَذا قاتِلُ الناسِ
وَمَجلِسٍ دارَت بِهِ الأَكأُسُ / فَشَرِبَ القَومُ وَلَم تَشرَبي
وَاِمتَلَأَت بِلطَرَبِ الأَنفُسُ / وَأَنتِ في صَمتِكِ لَم تَطرَبي
كَأَنَّما غَيَّبَكِ الحِندِسُ / أَو تاهَتِ اللَذاتُ في سَبسَبِ
ما لَكِ يا هَذِهِ لا تَضحَكين / لِلحَبَبِ الضاحِكِ في الكاسِ
قالَت نَهاني أَنَّ مَوجَ السِنين / سَيَغمُرُ الأَقداحَ وَالحاسي
وَسِرتِ في الرَوضَةِ شاعَ الجَمال / فيها وَشاعَ الحُبُّ بَينَ الطُيور
الطَلُّ فيها كَدُموعِ الدَلال / وَالشَوكُ فيها كَحَديثِ الغُرور
مَشَيتِ في أَرجائِها كَالخَيال / يَطوفُ في الظَلماءِ بَينَ القُبور
كَأَنَّما لا وَردَ في الياسَمين / كَأَنَّما لا عِطرَ في الآسِ
وَيحَكِ لا في عُزلَتي تَطرَبين / وَلا إِذا كُنتُ مَعَ الناسِ
كانَ زَمانٌ كُنتِ تَستَأنِسين / بِكُلِّ وَهمٍ خادِعٍ كَالسَراب
حَتّى إِذا أَسفَرَ وَجهُ اليَقين / رَأَيتِهِ كَالوَهمِ شَيئاً كُذاب
دُنيا الوَرى ليلٌ وَصُبحٌ مُبين / وَلَيسَ في دُنياكِ إِلّا الضَباب
ما لاحَتِ الأَجارُ لِلناظِرين / إِلّا رَأَيتِ شَبَحَ الفاسِ
وَلا سَمِعتِ الكاسَ ذاتِ الرَنين / إِلّا سَمِعتِ حَطمَةَ الكاسِ
مَسَختِ في عَينَيَّ لَونَ النَهار / لَمّا لَمَحتِ اللَيلَ بِالمَرصَدِ
وَماتَ في أُذُنَيَّ لَحنُ الهَزار / لَمّا سَبَقتِ الصَمتَ لِلمُنشِدِ
فَرَرتِ بِلَّذّاتِ قَبلَ الفَرار / فَضاعَ يَومي حائِراً في غَدي
خالَفتِ مِقياسَ الوَرى أَجمَعين / فَكَيفَ يَرضونَ بِمِقياسي
ما بَرِحَ الناسُ كَما تَعلَمين / وَلَم أَزَل فَرداً مِنَ الناسِ