المجموع : 5
انْظُرْ إلى الخالِ على خَدِّها
انْظُرْ إلى الخالِ على خَدِّها / ولونِه الأسودِ في الحُمْرَهْ
كطابَعٍ من عنبرٍ حَطَّهُ / مُبَخِّرَ في وَسَط الجَمْرَه
أو قطعةٍ من نَثرٍ مسكٍ عَلَتْ / طافيةً في رائقِ الخَمره
وساعةٍ جاد بها العُمرُ
وساعةٍ جاد بها العُمرُ / ونام عن خُلْستِها الدهرُ
والطيرُ والدُّولاب يَشْدو لنا / كمُطرِبٍ يَتْبَعه زَمْر
والوردُ فوق الماء ما بيننا / قد نُثِرتْ أوراقُه الحُمْر
لم تَر عيني منظرا مثله / ماء تَلظَّى فوقه جَمْر
تِهْنا به زَهْوا كما تَزْدهِي / بالآمرِ الأحكامُ والأمر
مَنْ وجهُه بدرٌ ومن لفظُه / دُرٌّ ومن راحُته بحر
سارتْ عَطايا جودِه مثلما / قد سار فيه الحمد والشكر
وعَطَّر الدنيا بأوصافه / في الفضل حتى خَجِل القَطْر
أُفٍّ لها دُنْيا فلا تستِقرّْ
أُفٍّ لها دُنْيا فلا تستِقرّْ / وعيشُها بالطبعِ مُرٌّ كَدِرْ
جميلةُ المنظرِ لكنّها / أقبحُ شيءٍ عند مَنْ يختبِر
قد وَحِل العالم في سجنها / فكل جنسٍ تحت بؤس وضُرّ
فقيرُها يطلب نيلَ الغِنى / وذو الغِنى يجمعُ كيْ يَدَّخِر
فذاك للإملاقِ في حسرةٍ / وذاك خوفَ الفقرِ تحت الحَذر
والزاهد العابدُ في كُلْفةٍ / من شَعَث الصومِ وطولِ السَّهَر
وخوفِ مايلقاهُ من ربِّه / في آخر الأمرِ إذا ما حُشِر
وَهَمُّه في القوتِ من حِلِّه / صعبٌ شديدٌ مستحيلٌ عَسر
والفاسقُ المذنِبُ في وصمةٍ / مُسفَّه الرأيِ قبيح الأَثَر
ليس بمأمونٍ ولا آمنٍ / مُذمَّم في قومه محتقَر
منخِفض الرتبِة بين الوَرَى / يفتخِر الناسُ ولا يفتخِر
والحوتُ والطير ووَحْش الفَلا / في كُلَفٍ من وِرْدها والصَّدَر
فالوحشُ لا يأمَنُ من قانِصٍ / أو حابِل أو أسدٍ محتِضر
أو جارح يُدرِكها بَغْتةً / في الجو لا يضرِب إلا كَسَر
والطيرُ في الأقفاصِ سجنا لها / تَنوح فيه نَوْحَ صَبٍّ أُسِر
والملكُ الأعظم في خُطَّة / من شدةِ الأمرِ وطول السَّهَر
وخوفِه من ملكٍ غادرٍ / إذا رأى الفرصةَ فيه غدر
إما بسُمٍّ أو سلاحٍ فلا / يأمَنُ حاليْ سَفَرٍ أو حَضَر
يَستشعِر الخِيفةَ من مَلْبسٍ / أو مطعم أو مشرب أو خَضِر
فالناسُ في أمن به وهْو في / توهُّم الخوف فلا ينحصر
والحوتُ في اللُّجِّ على بُعْدِه / من مَلْمسِ الكفِّ ولَمْحِ البصر
يُدْلِي له الصيادُ خِيطانَه / والطُّعْم فيها فوق عُقْفِ الإِبَر
حتى إذا أَوْقَعه جَرَّه / جرَّ عنيف جار لما قَدَر
والبعضُ منها آكِلٌ بعضَه / فما جَفا يأكل ما قد صَغُر
مصائبٌ جَلَّتْ ولكنني / أوردتُ منها نُبذةَ المختِصر
تقديرُ من لا حُكْمَ إلا له / في كلِّ ما يأتِي وفيما يَذَر
حَذَّرتُك الدنيا فلا تحتِقر / نصيحتي عندك نصفُ الخَبر
ما أَبْعَدَ الأشياءَ مما يَسُرّْ
ما أَبْعَدَ الأشياءَ مما يَسُرّْ / فِعْلا وأَدْناها إلى ما يَضُرّْ
فالخير في النادر إلمامُه / والشرُّ ليلا ونهارا يَكُرّْ
والداءُ فيما لَذَّ أو ما حَلا / والنفعُ في كل كريهٍ ومُر
أولَ ما تشربُ يأتي القَذى / فاك وتبِغي صَرْفه لا يَمُر
حتى إذا حاولتَ إخراجَه / بصَبِّ بعضِ الماء وَلَّى وفَرّْ
كأنه يقصِد ذاك الذي / يفعل مختارا لكَيْدٍ وشَرّْ
انظرْ إلى بهجةِ ذا المنظرِ
انظرْ إلى بهجةِ ذا المنظرِ / ولُمْ على الصَّبْوةِ أو فاعْذُرِ
ماءٌ وروضٌ وغزال حَكَتْ / صورتُه الدُّميةَ كالمرمر
وقد حَكى الوردُ بُدرِّ النَّدَى / كأَدمُعٍ في خدِّ مُسْتَعْبِر
والشمسُ في مَشْرِقها تُجْتَلى / في حُلَل الأشجارِ في الأحمر
كأنها نارٌ وقد أُضْرِمتْ / من خلفِ سِتْرٍ خَلَقٍ أخضر