المجموع : 6
الليلُ فالأرضُ لليثِ الشرى
الليلُ فالأرضُ لليثِ الشرى / عرّسَ يبغي راحةً أو سرى
فتارةً مفترِشاً غابةً / وتارةً مفترساً مُصحِرا
والظَّفَر الحلو له إن عفا / عمداً وإن نَيَّبَ أو ظَفَّرا
مرَّ على هِزَّة ألبادِهِ / يكبُرُ أن يؤمرَ أو يُزجَرا
يَرى من العزَّة في نفسه / ما لم يكن ماحضُ نصحٍ يَرَى
أغلب لم يُخلَقْ رَكوبَ المطا / سهلاً ولم يُقصَر لخزمِ البُرى
فما تريد اليدُ من مِقودٍ / يرجِعُ عنه باعُها أبترا
للّه رامٍ سهمهُ رأيُهُ / إذا رأى شاكلةً فكَّرا
يطيع من عزمته مُقدِماً / ما غلَّس النهضةَ أو بَكَّرا
تنصره الوثبةُ من أن يُرَى / مستصرِخ الخُلسةِ مستنصِرا
لا تجذُبُ الأوطان منه ولا / يخدعه للضيم طيبُ الكرى
يأنسُ بالنعمةِ ما ساندت / جنباً منيعاً وحمىً أعسرا
فإن مشت في جوّها ذلّةٌ / رابك مذعوراً ومستنفرا
لِيمَ على غَشْمتِه فاتكٌ / هلّا ارتأى فيها وهلّا امترى
وقيل لو عُلِّلَ مستأمناً / والداءُ إن موطِلَ يوماً سَرَى
وكم جَنَى الرَّيثُ على حازمٍ / فودّ لو قدَّمَ ما أخَّرا
يا فارسَ الغرَّاء يرمِي بها / سهلَ العِنانِ الجانبَ الأوعَرا
يردُّ من غُرَّتها مُعتِماً / على الدآدي غَلَساً مقمرا
ينُصُّ من أرساغها والمطا / إما جناحاً طارَ أو مَنسِرا
قل لعميد الدولة افلح بها / قد سلَّم الخصمُ وزال المِرَا
فانظر إلى الأعقاب من صدرها / لابد للمعتم أن يُفجِرا
ركبتَها بزلاءَ مخطومةً / تحملُ منك الأَسَدَ القَسْورا
ترمِي بدار الذلِّ من خلفها / ظهراً وتبغِي في العلا مظهرا
ناجيةً تأخذ من حظّها / مقبِلةً ما تركَتْ مدْبِرا
حتى استقلَّتْ بك بحبوحةً / تشرُفُ بالبادية الحُضَّرا
محميّة الأرجاء إن هُيِّجت / زعزعتِ الأبيضَ والأسمرا
تُذكِرُك المجدَ بوفد الجدا / وسامرَ الليل ونارَ القِرى
وغلمةً حولك من عامرٍ / شَرطَك مدعُوّاً ومستنصَرا
تحسَبُها إن غضِبتْ جِنَّةً / وجانبَ الزاب بها عَبقَرا
تأمر في ذاك وتنهى بما / أنفتَ أن يُنهَى وأن يؤمَرا
عدوُّك الآملُ ما لا يرى / أصبح من بعدك مستوزَرا
دعوة داعٍ لم يجد حظُّهُ / أشقى له منك ولا أخسرا
قد أنكرتْ بَعدك خُطَّابَها / فما ترى كُفئاً ولا مُمهِرا
وابتُذلتْ حتى غدا ظهرُها / أجلبَ مما ركِضتْ أدبرا
بين بني العاهات منبوذةً / يزاحم الأعمى بها الأعورا
واستامها المفلِسُ لما غدتْ / تباعُ بالفلْس فلا تشتَرَى
كانت بكم مغنَى هوىً آهلاً / فاليومَ أضحت طللاً مقفرا
وساقَها سالبُها ظلَّكم / للذئب يَرعَى سَرحَها مُصحِرا
داميةً من ندمٍ كفُّه / يأكلها الإبهامَ والخِنصَرا
ينشُدُ منكم وطراً فاته / ويسأل الرُّكبانَ مستخبِرا
كعاشقٍ فارقَ أحبابَهُ / طوعاً وسامَ الليلَ طيفَ الكرى
أين له أين بكم نادماً / معتذراً إلا بأن يُعذَرا
ما أخلقَ العاثرَ يمشي به / كسيرهُ أن يبتغي مَجْبَرا
لا يعرف المعروفَ من أمره / مُعمَّرٌ حتى يرى المنكَرا
يا نعمةً ما صاحبتْ صاحباً / وعُقلَةُ النعمة أن تُشكَرا
غداً يوافيك بأيمانهِ / جاحدُك الغامطُ مستبصِرا
بغدرةٍ يرغبُ في بسطها / وزَلَّةٍ يسأل أن تُغفرا
فثَمَّ فاردد قادراً رأيَك ال / شاردَ وابرُدْ صدرَك الموغَرا
واجرِ من الصفح على عادةٍ / مثلُك مستولٍ عليها جرى
والتحِم الجُرح فقد طُوّحَتْ / جَنْبَاه بالمِسبار واستنهَرا
بادرْ بها الفوتَ فما شِلوُها / أوّل مَيْتٍ بك قد أنشِرا
واركب مطاها فقد استخضعتْ / ذلّاً لأنْ تُلْجَم أو تُثفَرا
وروّضَ البُعدُ وتأديبُهُ / لك الرقابَ الذلَّ والأظهُرا
غَرسٌ فتيٌّ أنت أنشأتَهُ / فلا تدَعْ غيرَك مستثمرا
ما أسَّسَ القادرُ إلا بنَى / عُلْواً ولا يخلُقُ إلا فَرَى
واسأل مواعيدِيَ في مثلها / هل أخلفت أو كذّبتْ مَزجَرا
لو نزل الوحيُ على شاعر / قمتُ بشيراً فيكُمُ منذرا
أو ادعى المعجِزَ من ليس بال / نبيّ كنتُ المعجِزَ المبهرا
كم آيةٍ لي لو تحفَّظتُمُ / بها وفألٍ بعلاكم جرى
يشكر مقروءاً ويشكو إذا / صح الذي حدّث أو خبّرا
لا حقُّ من قدَّم حقّاً به / يُعطَى ولا فوزَةُ ما يُشتَرى
وجُلُّ حظي عندكم فيه ما / أجودَ ما قال وما أشعرا
تناسياً في حيث تقضي العلا / وتوجبُ القدرةُ أن أُذكَرا
كنتم ربيعي وثرى أرضكم / يلقى الحيا ظمآنَ مستبشرا
فما لربعي دارساً هامداً / مذ صرتم الأنواءَ والأبحرا
إليكم الصرخةُ لا منكُمُ / ما أخونَ الحظَّ وما أجورا
قد أكلتني بعدكم فترةٌ / ما أكلت إلّا فتىً مُقْترا
واستعذبتْ لحمي وإن لم تجد / إلّا مُمِرّاً طعمه مُمقِرا
كنتُ على البِلَّةِ من مائكم / منتفضاً من ورقي مُصفِرا
فكيف حالي ونوى داركم / قد منع القطرةَ أن تقطُرا
من لي بصون العمر في ظلِّه / سِنيَّ أُحصيهنَّ والأشهرا
ومن لكم غيري طباق الملا / ما راضه فيكم وما سَيَّرا
حتى لقد سُمِّي بكم مسرفاً / حيث يُسمَّى مادحاً مكثرا
أقسمتُ إن فاتكم الدهر بي / لَيندمَنْ بَعدِيَ مَنْ قَصَّرا
يا عُروتي الوثقَى أعدْ نظرةً / في خَلَّةٍ منبوذةٍ بالعرا
تلافَ بالعاجل ميسورَها / وصُبْ ولو مؤتشِلاً مُنزِرا
واضمن على جودك من أجل ما / قد أنعم الوادي وعمّ الثرى
ولا تدعني ودعاء الصّبا / في معشرٍ أشقَى بهم مُعسِرا
نَبِّهْ على أنّ اختصاصي بكم / يُخرِجُكم بالرّغم مني يَرَا
واطلع طلوعَ البدر ما ضرّه / سرارُه ليلةَ ما أقمرا
واستخدم النيروزَ واسعد به / مستعملاً في العزّ مستعمرا
يومٌ من الأيام لكن رأى / له عليها الفضلَ والمفخَرا
كأنه من نخوة قُلِّد ال / تسويدَ عن أمرك أو أُمِّرا
ينسب كسرى فإن اختاركم / ديناً فقد وافقكم عنصُرا
يُقسم والصدق قمينٌ به / بما حبا الأرضَ وما نوّرا
أنك تَبقَى مالكاً خالداً / ما ردّ منه الدهر أو كرّرا
كم النوى قد جَزِع الصابرُ
كم النوى قد جَزِع الصابرُ / وقَنَط المهجورُ يا هاجرُ
أأحمدَ البادون في عيشهم / ما ذمّ من بعدهم الحاضرُ
أم كان يومُ البين حاشاكُمُ / أوّلَ شيء ما له آخرُ
ما لقلوبٍ جُبلتْ لدنَةً / يعطفها العاجمُ والكاسرُ
قستْ على البعد وقد ظُنَّ بال / وفيِّ منها أنّه غادرُ
قد آن للناسين أن يرعووا / شيئاً فما عذرُك يا ذاكرُ
أما يهُزُّ الشوقُ عِطفاً ولا / يجذبُ هذا الوطنُ الساحرُ
كم يُمطَلُ الملسوعُ في الوعد بال / راقي وكم ينتظر الناظرُ
قد صُدِعَ العظمُ وأخلِقْ متى / شُظِّيَ أن لا ينفعَ الجابرُ
لا تتركوا المحصوصَ في أسركم / يخلِفُ ريشاً إنه طائرُ
اللّهَ يا فاتلَ أمراسِها / أن يتولَّى أمرَها الناسرُ
اِقبلْ من الباذل واقنعْ بما / يُعطيك من باطنه الظاهرُ
ولا تُكشِّفْ عن خفيّاتِ ما / يخفيه عنك الهائب الساترُ
وشاور الإقبال من قبل ما / تشاورُ الرأيَ وتستامِرُ
وانهضْ بجَدٍّ فلكم ناهض / بالحزمِ والحزمُ به عاثرُ
سعدُك في أمثالها ضامنٌ / أنك فيها الفائزُ الظافرُ
قد أهملَ النوَّامُ من سَرحها / ما كان يَرعَى طرفُك الساهرُ
وحَمَلَتْ بعدَك جهْلاتُها / وفرّ منها القامصُ النافرُ
وأدَّبتْها لك غَلْطاتُها / كم قاصد بَصَّرَهُ جائرُ
فمن لها مجدبةً أرضُها / إن لم يُعنها العارضُ الماطرُ
أنت لها أو رجُلٌ منكُمُ / والناسُ أكَّالٌ ومستاثِرُ
لا تُسلموها فهي خَطِّيَّةٌ / يُدعَى لها بِسطامُ أو عامرُ
إما هلالٌ منكُمُ واضحٌ / يسري لها أو كوكبٌ زاهرُ
يا راكبَ الدهماءِ تمطو به / في زافرٍ تيّارُهُ زاخرُ
ملساء تجري منه في أملسٍ / يُروِي صداها نقعُهُ الثائرُ
تطوِي السُّرى لم يتشذَّبْ لها / خُفٌّ ولم يَحفَ لها حافرُ
سابقة لا السوطُ هبهابُهُ / فيه ولا الصوتُ لها زاجرُ
إذا سوافي الريح شَقَّت على ال / ركبِ سَفتها العاصفُ العاصرُ
يزاحم القاطولَ من دِجلةٍ / رامٍ إلى البحرِ بها صائرُ
يرود روضَ الجود حيث استوى ال / ظِلُّ ورَفَّ الورَقُ الناضرُ
وحيثُ قام الماءُ معْ أنّهُ / جارٍ وحلَّ القمرُ السائرُ
قل لوزير الوزراء التظَى / بعدك ذاك الولَهُ الفاترُ
وانتحت الأشواقُ قلبي فما / يفوتني القاصدُ والعائرُ
وأَكلَتْني كلُّ جوفاءَ لا / يُشبِعها الحالبُ والجازرُ
تَسرُطني بَلْعاً وكانت وما / يُسيغ لحمي فَمُها الفاغرُ
في كلّ يومٍ قَتَبٌ ضاغطٌ / يغمزُ نضوٌ تحته ضامرُ
أدعو فلاناً وفلاناً له / دعاءَ من ليس له ناصرُ
أقمتُ أرعَى جدبَ دارٍ وفي / أخرَى ربيعٌ مائحٌ مائرُ
فمَن لظمآنَ بنجدٍ وفي / تِهامةٍ صوبُ الحيا القاطرُ
يا شرفَ الدين عسى ميِّت ال / فضلِ بأن تلحظَه ناشرُ
يا خيرَ من دُلَّت على بابه / حائرةٌ يركبُها حائرُ
أظلعها التطوافُ معْ فرط ما / ورَّثها من جَلَدٍ داعرُ
بقَّى السُّرَى منها ومنه كما / بَقَّى من المأطورةِ الآطرُ
لم يَرَيَا قبلك بيتاً له / نادٍ ولا ناراً لها سامرُ
حتى قضى اللّهُ لحظَّيْهما / عندك قسماً كلُّه وافرُ
فَحُوِّلا في عَطَنٍ واسع / يذرَعُ فيه الأملُ الشابرُ
لم يبقَ من فوق الثرى للعلا / غيرك لا سمعٌ ولا ناظرُ
قد كانت الأرضُ وَلوداً فمذ / وُلِدْتَ فهي المقلتُ العاقرُ
وسَلَّم الإجماعُ من أهلها / أنَّك فيها المعجزُ الباهرُ
إن نَجَمَتْ ناجمةٌ بالظُّبى / أبدع فيها سيفُك الباترُ
أو كانت الشورى غِطاءً على ال / بطيءِ جلَّى رأيُكَ الحاضرُ
وإن أخذتَ الدستَ والصدرَ فال / قضاءُ ناهٍ فيهما آمرُ
أو وردَ الناسُ فلم يصدروا / عجزاً فأنت الواردُ الصادرُ
وكم أراك اليومُ ما في غدٍ / ما أنت من أمر غدٍ حائرُ
إن تُنزَع الدولةُ ما أُلبِستْ / منك وأنتَ الملبسُ الفاخرُ
أو يُكفَر الحقُّ ولابدَّ أن / يُحرَمَ طيبَ النعمةِ الكافرُ
فاسأل مَن الناجي إذا بُويعتْ / نفسٌ بنفسٍ ومَن الخاسرُ
غداً يُرى عند اختلاف القنا / كيف غناءُ الدِّرعِ يا حاسرُ
ويعكُفُ النادمُ مسترجعاً / عادةَ ما عوَّده الغافرُ
اللّهُ إن تَرضوا وإن تسخطوا / قدَّر وهو العالمُ القادرُ
أنَّ العلا بحبوحةٌ بيتُها ال / مُشرقُ هذا الحسبُ الطاهرُ
ناصَى بها عبدُ الرحيم السها / وبعدَه الكابرُ والكابرُ
حتى انتهى الفخرُ إلى هضبةٍ / ليس لمن يصعَدُها حادرُ
ساهَمَ في المجد فعلَّى به / مُقادحٌ ليس له قامرُ
قد فرضَ اللّهُ لتدبيره ال / أمرَ وهذا الفَلكُ الدائرُ
فكلَّما ندّ إلى غيره / فهو إليه صاغراً صائرُ
يا ملبسَ النُّعمى التي لم يزل / عليَّ منها الشاملُ الغامرُ
ومَنبَعي العذبَ إذا قلَّص ال / سَجلُ وأكدى الرجلُ الحافرُ
مضت بطرحي أشهرٌ تسعةٌ / حاشاك أن يَعقُبَها العاشرُ
هذا وما قصَّر شعرٌ ولا اس / تحالَ عن عادته شاكرُ
وما لخلَّاتي سوى جودكم / خبيئةٌ يذخرها الذاخرُ
قد أقحط الوادي فلا لابنٌ / لطارقِ الحيّ ولا تامرُ
فلا وَنتْ تطرقكم في النوى / فتائلٌ أبرمها الضافرُ
زوائرٌ تُهدِي لأعراضكم / ألطفَ ما يحملهُ الزائرُ
يؤثَرُ عنها خبرٌ صادقٌ / في مجدكم أو مَثَلٌ سائرُ
في كلِّ نادٍ نازحٍ غائبٍ / لها حديثٌ بكُمُ حاضرُ
تعرِضُ أيَّام التهاني بها / ما تعرِضُ المعشوقةُ العاطر
تميس منها بين أيّامكم / خاطرة يتبعها الخاطرُ
لثَّمَها التحصينُ عن غيركم / وهي على أبوابكم سافرُ
شاهدةٌ أني لكم حافظٌ / إذا نبا أو نكَثَ الغادرُ
وكمَّل الفخرُ لها أنّك ال / ممدوح فيها وأنا الشاعرُ
بلوتُ هذا الدهر أطوارَهْ
بلوتُ هذا الدهر أطوارَهْ / عليَّ طوراً ومعي تارَهْ
وبصَّرتْني كيف أخلاقُه / تجاربٌ كشَّفن أخبارَهْ
فصرتُ لا أنكر إحلاءَهُ / يوماً ولا أنكر إمرارَهْ
لا هو إن شدّ رأى كاهلي / رِخواً ولا نفسيَ خوَّارَهْ
ولا تصبَّانِيَ من سَلمِهِ / زخارفٌ للعين غرَّارَهْ
من عاذري منه على أنني / ضرورةً أقبلُ أعذارَهْ
دعه وبِتْ منه على نجوةٍ / خائفةِ الرقبةِ حذَّارَهْ
واسلم فما تسلَمُ من جَوْرِهِ / إلا إذا ما لم تكن جارَهْ
تنقَّلي يا رُكُبَ العيس بي / منجدةً يوماً وغَوَّارَهْ
لا خطر الضيمُ ببالِ امرىء / وأنتِ بالبيداء خطّارَهْ
قد نبتِ البيداءُ بي جالساً / أرجو الأماني وهي غدّارَهْ
أظلِمُ نفسي بين أبنائها / والنفسُ لا تُظلَم مختارَهْ
ويطَّبيني وطَنٌ تربُهُ / مستعبَدٌ يلفِظ أحرارَهْ
وكم تُرَى تَسحرني بابلٌ / وبابلٌ بالطبع سحّارَهْ
إن كنتَ يا قلبيَ منّي فلا / تخدَعْك منها هذه الشارَهْ
أَوْلى بمن تحمله قدرةً / فراقُ من تجهلُ مقدارَهْ
لا شِمتُ برقَ الهُون في دُوركم / والعزُّ في الأبرقِ والدَّارَهْ
اللّهُ لي منتصفٌ من أخٍ / يكِيلُني بالعُرفِ إنكارَهْ
يحمي لساني أبداً عِرضَه / ويبتغي في عِرضِيَ الغارَهْ
أعِفُّ عن جمّته مفْعَماً / تُناهزُ الوُرَّادُ تيَّارَهْ
ولا يراني ناسياً عهدَهُ / إن غاض أو كابد إعسارَهْ
فليته صان مكاني كما / صان عن البذلةِ دينارَهْ
لولا بنو أيّوبَ لولاهُمُ / ما وجدَ المظلومُ أنصارَهْ
قومٌ إذا استنجدتهم لم أخف / سهماً ولو ناضلَني القارَهْ
وبتُّ فيهم حيث لا يؤكل ال / جارُ ولا تُنتَهَك الجارَهْ
البيتُ لا ينكِرُ طُرّاقَهُ / والليلُ لا يعدَم سُمّارَهْ
والجفناتُ الغُرُّ يُسنَى لها / كلُّ غضوبِ الغلْي هدَّارَهْ
ترى الجَزورَ العَبْلَ في قلبها / أعشارُهُ تلعَنُ جزَّارَهْ
إن صَمَّ عنك الناسُ أو غَمَضتْ / في الخطب عينٌ وهي نظّارَهْ
فتحتَ منهم في مغاليقه / أسماعَ ذا الدهرِ وأبصارَهْ
نَموا شهاباً من أبي طالبٍ / خيراً وبثَّ اللّه أنوارَهْ
والأفُقُ العُلويّ إن غَوَّرتْ / شموسُه أطلعَ أقمارَهْ
قَصَّ حديثَ المجد عنهم فتىً / يُصدِّقُ السودَدُ أخبارَهْ
وبرَّزوا سبقاً ولكنّهم / لم يُدركوا في المجد مِضمارَهْ
ناصَى عميدُ الرؤساء العلا / والناسُ يقتصُّون آثارَهْ
وطالت النجمَ به همّةٌ / تقضي من الغايات أوطارَهْ
أبلجُ ودّ البدرُ لو صُيِّرتْ / لوجهه عِمّتُهُ دارَهْ
مَوَّلَهُ المجدُ فلم يكترِثْ / إقلالَهُ المالَ وإكثارَهْ
كفَت به القدرةُ لما سطت / أيدٍ مع القدرة جبّارَهْ
سالِمْهُ واحذَرْ صافياً ماءَهُ / وهِجْه واحذَرْ صالياً نارَهْ
إن نام راعى السَّرحِ في الأمن لم / يكحَلْ بطعم النوم أشفارَهْ
ولم تكن ثَلَّتُهُ نهزةً / يُطمِعُ فيها الذئبُ أظفارَهْ
أو شَرَعوا في الشرّ عافت له / نفسٌ بفعل الخير أمَّارَهْ
كفى الإمامين بتدبيره / مخاوفَ الخطبِ وأخطارَهْ
واستسبغا من رأيه نَثْلةً / ضافيةَ الأذيالِ جرّارَهْ
حلّتْ عن الماضي فعادت يدُ ال / باقي بها تَعقِدُ أزرارَهْ
قام بأمرِ اللّه مستخلفٌ / كنت لجرح الدين مِسبارَهْ
أرهفَ من نصحِك صَمصمامةً / بيضاءَ مثلَ البدرِ نَيَّارَهْ
أُخرِست الفتنةُ عن ملكه / بالأمس والفتنةُ نعَّارَهْ
وزارة حصَّنْتَ أموالَه / فيها كما حصَّنْتَ أسرارَهْ
فابلغ به أقصى المنى مثلما / بلَّغهُ سعيُك إيثارَهْ
واستخدم الأيّامَ نَفّاعةً / تجري بما شئتَ وضرَّارَهْ
لا يرفع الإقبالُ مستقبلاً / غطاءَه عنك وأستارَهْ
يزيرك النيروزُ في روضةٍ / من مِدَحي أحسنَ زوّارَهْ
غنَّاء شقّ الشِّعرُ ثرثارَه / لها وأجرى الفكرُ أخطارَهْ
مقيمة عندك لكنّها / بِعَرفها في الأرض سيّارَهْ
تحقّقتْ بالكَلِم الفصْلِ فال / مُلك لها والناسُ نَظَّارَهْ
تشربُ من حوضِ المعاني وما / تُفضِلُ للوارد أسآرَهْ
وهي مع الإفراط في حبِّكم / حاملةٌ للهجر صبّارَهْ
تُنسَى وتقصَى غير منسيّة / وهي مع الإعراض ذكَّارَهْ
تحنُّ للجافي وتحتال لل / مقَصِّر المهمِلِ أعذارَهْ
يُقنِعها الإنصاف لو أُنصفَتْ / وتطلبُ المالَ وإكثارَه
حظُّك منها صفوُ سلسالها / إن رنَّقَ المادحُ أشعارَهْ
وإنّ صدقي فيك أعتدّه / من كذبي في الناس كفّارَهْ
دلَّ عى الخير وأنبائه
دلَّ عى الخير وأنبائه / ودلَّ أحياناً على الشرِّ
للطالبين الوِترَ عوناً إذا / ثاروا ومأخوذ بلا وِترِ
باح بما استودعتَه صدرُهُ / لا ضيِّق الباعِ ولا الصدرِ
تمَّ بقدٍّ لم يطلْ وانطوى / مجتمعَ الأعضاء بالنشرِ
غير ضعيف أبداً أسره / وهو طَوالَ الدهر في الأسرِ
ما سائر بين الورى دائرٌ
ما سائر بين الورى دائرٌ / بآيةٍ سائرةٍ دائرَهْ
يجولُ في مستبهِم ضيِّق / منه حِذاءَ الحلَق الوافرهْ
تنظرُ منه أبداً كلمّا / ليست له عينُك بالناظرهْ
يوجَدُ منه ناحلٌ مسمِنٌ / يُحمَلُ في واردةٍ صادرهْ
ووادعٌ يُدئب أقرانَهُ / وغائبٌ صورتهُ حاضرهْ
قضت به خرقاءُ مضعوفةٌ / قضيةَ القادرة القاهرهْ
كأنما تعقِد في نظمه / سحراً ولكن أختها الساحرهْ
تعطيك إما ظفَراً أو ردىً / سماتُه العادلة الجائرهْ
فساعةً متجرُها مربح / وساعةً خائبة خاسرهْ
شواهد الإيمان في صمته / ودِينُه في أُمَّةٍ كافرهْ
لا لنوازِي كبدٍ هاجها
لا لنوازِي كبدٍ هاجها / بالبان من خنساءَ تَذكارُ
عاد لها من بعد إقلاعها / دينٌ من الحبِّ وإصرارُ
يا قوم لي من أسرتي قاتلٌ / مَنْ لقتيلٍ ما له ثارُ
أرى دَمِي يقطُرُ من أنملٍ / شفارُها مُؤْقٌ وأشفارُ
ظبيٌ رخيمٌ لفظهُ ناسكٌ / وطرفُه الفاتك عَيَّارُ
ضعُفتُ تحت الغمز من عاجمٍ / يصرَعُ لبِّي وهو خَوَّارُ
أصبحتُ عبداً باختياري له / وفارسٌ قوميَ أحرارُ
يا موتُ نفسي لك إن أعرضتْ / خنساءُ أو شطّت بها الدارُ
خوَّفني بالنارِ في وصلها / قومٌ وفي هجرانها النارُ