أَذكُره وَكَيفَ لا أَذكُرُ
أَذكُره وَكَيفَ لا أَذكُرُ / لُبنانُ فيهِ المَسكُ وَالعَنبَرُ
هَواؤُهُ الطَيِّبُ روحُ الصِبا / وَماؤُهُ أَكدرهُ كَوثَرُ
أَشجارُهُ ذاهِبَةٌ في الفَضا / يَروعُ مِنها ذلِكَ المَنظَرُ
كَأَنَّها المَرّاد قامَت عَلى / آكامِهِ ساهِرَةً تَخفرُ
نَبعُ الصفا يقطُر مِن صَدرِهِ / وَالرَوضُ سَكرانُ فَلا يَشعُر
كَأَنَّما أَمواهُهُ خَمرَةٌ / مُذ يَستَقيها رَوضُهُ يسكُر
وَزُحلَةٌ شَوقي إِلى زحلَةٍ / كَأَنَّها في حُسنِها جُؤذَرُ
حَوراءُ وَالعشّاقُ ترتادُها / وَكُلُّ مَن يَعشَقها أَحوَرُ
كَم قَد تَبارى الشِعرُ في وَصفِها / وَكُلُّنا في وَصفِها قَصَّرُ
سَماؤُها وَحيٌ وَأَزهارُها / شعرٌ وَبردونيُّها أَسطُرُ
كَم أَنجَبتُ من شاعِرٍ نابِغٍ / إِذا اِنبَرى في مَوقِفٍ يسحرُ
كَأَنَّما هاروتُ في شِعرِهِ / بِالرُغمِ عَن إِخفائِهِ يَظهَرُ
وَالأَرزُ شَدَّ الخُلدُ أَعصابَهُ / فَكُلُّ طودٍ عِندَه يصغُر
جبابِرُ الأَيّامِ في مَجدِها / مَرهونَةٌ لِأَمرِها الأَعصُر
يا أَرزُ لا يُطوى الفُخارُ الَّذي / كانَ سليمانُ لهُ ينشُرُ
فَاِصبِر عَلى الدَهرِ فَما غايَةٌ / ضاعَت لمن كانَ لَها يَصبُر
هَويتُ لبنانَ وَلا أَنثَنى / عَن حُبِّ لبنانَ ولا أُدبُر
لي فيهِ شَطرٌ مِن حَياتي وَلي / مِن مُهجَتي في صَدرِه أَشطُر
لي فيهِ بَدرٌ مُشرِقٌ نَيِّرٌ / لهُ جَمالٌ مشرِقٌ نَيِّرُ
يَبذر نوراً في رِياضِ الهَوى / فَأَنثَني أَجمَعُ ما يبذُرُ
كَم لَيلَةٍ أَحيَيتُها قُربَه / وَالحُبُّ يُعطينا وَلا يخسَرُ
كَأَنَّهُ رتشيلد في عزِّه / كَأَنَّهُ روكفلر الموسرُ
وَاللَيلُ فيهِ قَمرٌ كامِلٌ / كَأَنَّهُ عبدٌ لَنا أَعوَرُ
يا أولِغا مَرَّ الصَفا عابِراً / كلَّ صفاءٍ في الوَرى يعبُرُ
وَفي فُؤادي أَدمُعٌ كُلَّما / فاضَت في آهاتِهِ تعثُرُ
يا جُؤذَراً ما ميّ في كلّ ما / أَنظِمُ إِلّا أَنتَ يا جُؤذُر
أَنتَ الَّذي أَوحَيتَ شِعري فَلا / أَجحدُ ما توحي وَلا أُنكرُ
في عَينِكِ النَجلاءِ سرُّ الهَوى / وَفي لِماكَ العَذبِ ما يُسكرُ
وَفي ثَناياكَ هَوىً طاهِرٌ / وَبَينَ جَنبَيكَ هَوىً أَطهَرُ
سَأَذكرُ المرجةَ في الفَجرِ إِذ / أَبكَرتَ كَالحَسّونِ إِذ يُبكِرُ
مُذ شَرَّفت رِجلاكَ أَعشابها / حَنى بِلُطفٍ ذلِكَ الأَخضَرُ
أَودَعتَ عِندي مُهجَةً لَم تخن / قَلبي عَلى إِكرامِها يَسهَرُ
قَطرتَ لي الودَّ فَهَل في السَما / صَفاوَةٌ مِثل الَّتي تقطُر
لي كلُّ هذا في بِلادي وَلي / في البَيتِ أُختٌ شعرُها أَشقُر
ضَحّاكةٌ كَالزَهرِ في رَوضِهِ / رَقّاصَةٌ غَنّاجَةٌ تَخطرُ
صَغيرَةُ السنّ لَها أَعيُنٌ / زرقٌ وَخدّ أَبيَضُ أَحمَرُ
وَحاجِبٌ كَالسَيفِ إِن حَدَّقت / عَن غَضبٍ يَخافُها عَنتُر
الأَسودُ الحالِكُ في لَونِهِ / إِذا مَشى أَمامَها يَفخَرُ
هرٌّ لَهُ في عَينِها جاذِب / وَفي حَشاها جاذِبٌ آخرُ
إِن وَفَّق الحَظُّ لهُ فارَةً / يُسرِعُ في ساعَتِهِ يخبرُ
كَأَنَّهُ وَهوَ عَلى كَتفِها / إِسكَندَرُ الأَكبَرُ أَو قَيصرُ
أَو غَليمُ الثاني عَلى عَرشِهِ / اللَهُ مِن سَطوَتِهِ أَكبَرُ
أخت وَيا لِلَّهِ مِن جورِها / يأتمرُ الكُلُّ إِذا تَأمرُ
فَرض عَلى البَيت وَما فيه أَن / يَبقى عى مرضاتِها يسهرُ
إِن طلبَت شَيئاً وَلم يُؤتِها / جَميع ما تصدفه يُكسَرُ
الوَيل لِلأَكؤُسِ من شَرِّها / وَيل الكراسيّ إِذا تنفُرُ
وَالبَيت يا لِلَّهِ من ذكره / يُحيطُه بُستانُه الأَخضَرُ
تنظُرُ لِلأَشجارِ فيهِ وَلا / يعجبها إِلا الَّتي تثمرُ
تحبُّني حُبّاً شَديداً بِلا / حصرٍ وحبّ الأُخت لا يُحصَرُ
حُبّاً يُضاهي الأَرضَ طرّاً وَما / قَد حَمَلَت في قعرِها الأَبحرُ
من سمكٍ يسبحُ في مائِها / وَمن شخاتيرٍ بِها تَمخرُ
وَمن رِمالٍ كثُرت حَولَها / فحبّ أختي هو لي أَكثَرُ
كَم مَرَّةٍ أَفرغَت وَقتي لِكَي / أَسمَعَها تَنشدُ ما تذكرُ
فَتسكرُ الآلامُ في مُهجَتي / وَصَوتُ أُختي خَمرَةٌ تُسكِرُ
تَنظُرُ في عَينيّ طوراً وَلا / أُحرِزُ ماذا الدُرُّ وَالجَوهَرُ
وَتارَةً تفرجُ عَن مَبسَمٍ / يَلمعُ فيهِ الدرُّ وَالجَوهَرُ
كَم مَرَّةٍ جاءَت إِلى مَكتَبي / بينا اَنا أَنظُمُ أَو أَنثُر
فَبَعثَرَت أَوراقَهُ وَالهَوى / في مُهجَتي كانَ لَها يشكرُ
سَأهجر الأَوطانَ لا كارِهاً / لكِن لِأَسبابٍ دَعَت أَهجُرُ
رِجالُها مَأجورَةٌ جلَّها / كَأَنَّها الآلَة تُستَأجرُ
في أَرض زَغلولٍ سَأُمسي غَداً / هَل يا تُرى يَصفو لي المعشَرُ
أَنا أَسيرٌ في بِلادي فَهل / في مِصر أَفكار الفَتى تُؤسَرُ
ما مصرُ إِلّا زَهرَةٌ في العُلى / وَالنَيلُ من برعمِها يقطُرُ
فَالحُرُّ فيها أَسدٌ رابِضٌ / إِذا دُعي لِلوَثبِ لا يَغدرُ
يحرسُها فِرعَونُ في قَبرِهِ / فِرعونُ حيٌّ فيهِ لا يُنكَرُ
العَنبَرُ الفَيّاحُ في تربِهِ / وَالمِسكُ في أَرجائِهِ أَذفُرُ
كَاللَيثِ إِذ يَزاَرُ في تَختِهِ / عَرينُهُ يعرفُه الأُقصُرُ
لبنانُ أَنآهُ وَلكِن لَهُ / ذكرٌ بِقَلبي المِسكُ وَالعَنبَرُ
عَسى أَراهُ مُرجِعاً مجدَه / لبنانُ فيهِ المِسكُ وَالعَنبَرُ