المجموع : 5
غَيَّر وَجْهُ الجوّ في حُمْرَة
غَيَّر وَجْهُ الجوّ في حُمْرَة / كأَنَّما تُوقَدُ بالجوِّ نارْ
وأَعْقَبَتْها ظُلْمَةٌ أَيْقَنَتْ / أَنْفُسُنا من أجلها بالبوار
حتَّى عن الشَّمس وأضوائها / بذلك التَّاريخ حال الغبار
باكِر نداماك بكأسِ العقارْ
باكِر نداماك بكأسِ العقارْ / فقَدْ مضى اللَّيل وجاء النَّهار
وداوني فيها وسارع بها / فإنَّ في الخمر دواء الخمار
أما ترى الورقاء قد غرَّدَتْ / في وَرَقِ الدَّوح وعنَّى الهزار
وابتسمتْ للطلّ أزهارُه / وأدمع الطلّ عليها نثار
وقد دَعَتْ للَّهو أبناءها / أوقاتَ أيَّام السُّرور القصار
فهاتها صِرفاً وممزوجة / بين احمرار برزتْ واصفرار
وامْلأْ لنا أكبَر أقداحها / فالله يعفو عن ذنوبٍ كبار
خذها بإعلان ولا تَسْتَتِرْ / فما يطيب العيش بالاستتار
وَعَدِّ عمَّن لامَ من جهله / وعدَّها عاراً وليستْ بعار
ما عَرَفَ اللّذَّة من عافها / وقابَلَ العاذلَ بالاعتذار
وَخَلِّهِ واللَّوم في معزلٍ / لا تصغ فيها لنهيق الحمار
إذ يدَّعي النُّسْكَ ولا يهتدي / به وينعى بخراب الدِّيار
إنَّ المرائين إذا اسْتُكْشِفوا / وَجَدْتَهم شرَّ الأَنام الشّرار
لو لم يجدْ شاربُها لَذَّةً / وفي المسرَّات عليها المدار
ما وعد الله بها المتَّقي / في جنَّة الخلد ودار القرار
يا مولعاً بالمُرد إنِّي امرؤٌ / ما لي عن وجه الحبيب اصطبار
إيَّاك والإِعراض عن غادةٍ / في وجهها للحُسن نورٌ ونار
كم ليلةٍ زارَ حبيبٌ به / يشكو إلى المشتاق بُعد المزار
جمعتُ فيها بين ما أَشتهي / من غنجٍ أحوى وذات احورار
أُقْسِمُ بالعُود وأوتاره / ونغمةِ النَّاي وضرب الإِطار
ما لَذَّةُ العيش سوى ساعةٍ / في مجلسٍ يُخْلَعُ في العذار
يقضي به الماجنُ أوطارَه / وكان مبناه على الاختصار
إنَّ الخلاعات لفي فتيةٍ / لم يَلْبَسوا في الأُنس ثوب الوقار
تغنيهم الرَّاح إذا أملقوا / كأنَّها في الكأس ذوب النضار
يا طالما قد زرتُ خمَّارها / وقلتُ أَنْتَ اليوم ممَّن يُزار
فقامَ يجلوها كغصن النَّقا / يحمل في راحته الجلنار
حتَّى إذا استكفيتُ من شربها / لو شئتُ أدركتُ من الدَّهر ثار
عَفَوْتُ عن ذَنبِ زمانٍ مضى / ما أَحسنَ العفوَ مع الاقتدار
هذا هو العيش ومن لي به / قبل انْقضاء العُمرِ المستعار
لا خيرَ في العيش إذا لم يكنْ / في ظلِّ عبد الله عالي المنارْ
ما جئته إلاَّ وأَبْصَرْتَني / أَسحبُ من نعماه ذيل الفخارْ
قيَّدَني في برِّهِ ماجدٌ / كأنَّما أطْلَقَني من أسارْ
موفّق يسعى إليه الغِنى / من غير ما سعيٍ وخوض الغمار
لا يقتني المالَ ولم يدَّخرْ / شيئاً ولا مالَ إلى الادِّخار
إنِّي لأغنى النَّاس عن غيره / ولي إليه بالسُّرور افتقار
المنجزُ الوعدَ بلا منَّةٍ / ولم أكنْ من وعده بانتظار
ما فارق الأُنسَ له طلعة / بل سارَ في خدمته حيث سار
كم طائل قصَّر عن شأوه / ولاحقٍ ما شقَّ منه الغبار
ومستميحٌ نالَ ما يبتغي / منه وحاز العزَّ والافتخار
يَروق كالصّمصام إفرنده / أبيض مثل السَّيف ماضي الغرار
أمَّا جميل الصّنع منه فمِن / شعاره أَكرِمْ به من شعار
يركبُ في الجدِّ جوادَ المنى / إذ يأمن الرَّاكبُ فيه العثار
حديقةُ الأَفراح في ربعه / للمجتني منها شهيّ الثمار
فلم أبلْ ما دمت خلاًّ له / ما كانَ من أمري ولا كيف صار
وكلّ ما اسْتَطْيَبْتُه كائن / من طيّب الذَّات كريم النجار
من كابرٍ ينمى إلى كابرٍ / ومن خيار قد نمّته الخيار
هم الزّهيريُّون زهر الرُّبا / والأَنجُم الزّهر الَّتي تستنار
فهم أجلُّ النَّاس قدراً وهم / أعزُّ من تعرف في النَّاس جار
فلا يمسّ السُّوء جاراً لهم / ما ذلَّ مَنْ لاذَ بهم واستجار
يُوفُونَ بالعَهد ويَرْعَوْنَهُ / في زمنٍ لم يُرْعَ فيه الذمار
ألا ترى كلّ امرئٍ منهم / لنائل يرجى ونقعٍ مثار
يلتمس المعروف من برِّهم / ويستفاض الجود فيض البحار
من كلِّ معروفٍ بمعروفه / في كلّ قطرٍ من نداه قطار
إذا دَعَتْهُ للوغى همَّةٌ / كانَ هو المقدام والمستشار
تغدو رياضي فيه مخضرَّةً / أَشبهَ شيءٍ باخضرار العذار
أُصلح شاني بأبي صالح / وأغتدي فيه نقيّ الإزار
باهى بي الأَزهار في روضها / فرحْتُ أزهو مثل ورد البهار
لا زلت في نور صباح الهنا / يا كوكباً لاحَ بدراً أنار
يَهنا أبو عيسى وإخوانُهُ
يَهنا أبو عيسى وإخوانُهُ / بالفَرَحِ الباقي ممرَّ الدُّهورِ
يلقى المسرّاتِ كما ينبغي / في عَقْدِه هذا ويلقى الحبور
قد جَمَعَ الأشراف في مجلسٍ / فكلّ أهل الفضل فيه حضور
زاروه للعَقد على موعدٍ / زيارةً يأنَسُ فيها المزور
من كلّ مَن أشْبَهَه قطرَ النَّدى / بالجود والإقدام ليث هصور
فباشَروا بالعَقدِ واستبشروا / بأوجهٍ تُشْرِقُ منها البدور
وأرَّخوه المصطفى عَقْدُهُ / عَقْدُ نكاحٍ بالهنا والسرور
زُرْتُم فُحُيِّيتُم كما يَنبغي
زُرْتُم فُحُيِّيتُم كما يَنبغي / لصاحِب زارَ وخِلٍّ يَزورْ
مجلسكم هذا وإيناسكم / منكم عليه في المسرّات نور
يا حبذا مجلسُ أنسٍ زها / والسادة الأشراف فيه حضور
بطلعة مقرونة بالهنا / وأوجهٍ تطلع منها البدور
قَرَّتْ عيون المجد في عقدكم / وانشرحت منَّا لذاك الصدور
جاءَ بكم عُرسُ فتًى ماجدٍ / لباطن الأفراح فيه ظهور
في طالع السعد وإقباله / فيه البشارات وفيه الحبور
هَنَّيتُ محموداً وإخوانه / لهمّة لا يعتريها فتور
لفعله البر وأفعاله / ليسَ بها من كلّ وجه قصور
قد سَرَّنا الله فأرَّخْتُه / بعُرسِ إبراهيم أقصى السُّرور
أُنْظُرْ إلى مجلس أُنْسٍ زَها
أُنْظُرْ إلى مجلس أُنْسٍ زَها / لِصاحبٍ زارَ وخلٍّ يَزورُ
قد قُصِرَ الحسنُ عليه فما / ترى بحمد الله فيه قصور
لا أحضَرَ الله ثقيلاً به / ما دامَت الأحباب فيه حضور
إنْ بزغَت شمس الحميا وإنْ / طافَتْ بكاسات المدام البدور
وغابَ مَن قد سَرَّنا فقْدُه / وأُرْخِيَتْ دون الوشاة الستور
داراً أُعِدَّتْ بعدما زُخْرِفَتْ / لقهوةٍ تُسقى وساقٍ يدور
فاشرب على زخرفها قهوةً / مَضَتْ عليها بالهناء العصور
فإنْ تكنْ في شربها آثماً / فربُّك الله العفوُّ الغفور
واغتنِم اللّذاتِ من مثلها / في نعمةٍ لكلّ عبدٍ شكور
سُرَّتْ به أحبابنا كلُّها / وأرَّخَتْه ذا محلّ السرور