قَد بَكَرَت عاذِلَتي بُكرَةً
قَد بَكَرَت عاذِلَتي بُكرَةً / تَزعُمُ أَنّي بِالصِبا مُشتَهِر
وَإِنَّما العَيشُ بِرُبّانِهِ / وَأَنتَ مِن أَفنانِهِ مُقتَفِر
مِن طارِقٍ يَأتي عَلى خِمرَةٍ / أَو حِسبَةٍ تَنفَعُ مَن يَعتَبِر
بَل وَدَعيني طَفلُ أَنّي بَكُر / فَقَد دَنا الصُبحُ فَما أَنتَظِر
أَن تَغضَبَ الكَأسُ لِما قَد أَنتَ / إِنَّ أَناةَ الكَأسِ شَيءٌ نَكِر
أَو تَبعَثَ الناقَةَ أَهوالُها / تَجُرُّ مِن أَحبُلِها ما تَجُرُّ
أَو يُصبِحَ الرَحلُ لَنا آيَةً / لا يَعذِرُ الناسُ بِما نَعتَذِر
إِنَّ القَيسِ عَلى عَهدِهِ / في إِرثِ ما كانَ بَناهُ حُجُر
بَنَّت عَلَيهِ المُلكَ أَطنابَها / كَأسٌ رَنَوناةٌ وَطِرفٌ طِمِر
يَلهو بِهِندٍ فَوقَ أَنماطِها / وَفَرتَنى تَعدو إِلَيهِ وَهِر
حَتّى أَتَتهُ فَياقٌ طافِحٌ / لا تَتَّقي الزَجرَ وَلا تَنزَجِر
لَمّا رَأى يَوماً لَهُ هَبوَةٌ / مُرّاً عَبوساً شَرُّهُ مُقمَطِر
أَدّى إِلى هِندٍ تَحِيّاتِها / وَقالَ هَذا مِن وَداعي دُبُر
إِنَّ الفَتى يُقتِرُ بَعدَ الغِنى / وَيَغتَني مِن بَعدِ ما يَفتَقِر
وَالحَيُّ كَالمَيتِ وَيَبقى التُقى / وَالعَيشُ فَنّانِ فَحُلوٌ وَمُر
إِمّا عَلى نَفسي وَإِمّا لَها / فَعايِشِ النَفسَ وَفيما وَتَر
هَل يُهلِكَنّي بِسطُ ما في يَدي / أَو يُخلِدَنّي مَنعُ ما أَدَّخِر
أَو يَنسَأَن يَومي إِلى غَيرِهِ / أَنّي حَوالِيٌّ وَأَنّي حَذِر
وَلَن تَرى مِثلِيَ ذا شَيبَةٍ / أَعلَمَ ما يَنفَعُ مَمّا يَضُر
كَم دونَ لَيلى مِن تَنوفِيَّةٍ / لَمّاعَةٍ تُنذِرُ فيها النُذُر
يُهِلُّ بِالفَرقَدِ رُكبانُها / كَما يُهِلُّ الراكِبُ المُعتَمِر
يَظَلُّ بِالعَضرَسِ حِرباؤُها / كَأَنَّهُ قَرمٌ مُسامِ أَشِر
كَأَنَّما المُكّاءُ في بيدِها / سُرادِقٌ قَد أَوفَدَتهُ الأُصُر
لا تُفزِعُ الأَرنَبَ أَهوالُها / وَلا تَرى الضَبَّ بِها يَنجَحِر
تَرعى القَطاةُ الخِمسَ قَفورَها / ثُمَّ تَعُرُّ الماءَ فيمَن يَعُرُّ
حَتّى إِذا ما حَبَّبَت رَيَّةً / وَاِنكَدَرَت يَهوي بِها ما تَمُرُّ
صَهصَلَقُ الصَوتِ إِذا ما غَدَت / لَم يَطمَعِ الصَقرُ بِها المُنكَدِر
أَيقَظتُ أَزمَلُها فَاِستَوى / مُصَعصَعُ الرَأسِ شَخيتٌ قَفِر
تُروى لَقىً أُلقِيَ في صَفصَفٍ / تَصهَرُهُ الشَمسُ فَما يَنصَهِر
مُطلَنفِثاً لَونُ الحَصى لَونُهُ / يَحجُزُ عَنهُ الذَرَّ ريشٌ زَمِر
أَطلَسَ ما لَم يَبدُ مِن جَلدِهِ / وَبِالذنابى شائِلٌ مُقمَطِر
فَأَزعَلَت في حَلقِهِ زُغلَةً / لَم تُهطِئِ الجيدِ وَلَم تَشفَتِر
مِن ذي عِراقٍ نيطَ في جَوزِها / فَهوَ لَطيفٌ طَيُّهُ مُضطَمِر
يا قَومُ ما قَومي عَلى نأيِهِم / إِذ عَصَبَ الناسَ شَمالٌ وَقُر
وَراحَتِ الشَولُ وَلَم يَحبُها / فَحلٌ وَلَم يَعتَسَّ فيها مُدِر
أَربَطَ جَأشاً عَن ذُرى قَومِهِ / إِذ قَلَّصَت عَمّا تُواري الأُزُر