أقفرَ مِن سكانِه المعهدُ
أقفرَ مِن سكانِه المعهدُ / فهل لقربٍ منهمُ موعدُ
هيهاتَ لا قربُهمُ يُرتَجى / ولا غرامي بهمُ يَنْفَدُ
ولا دموعي بعدَ توديعِهم / تَرْقا ولا نارُ الهوى تَبرُدُ
نأوا فلا الدارُ كعهدي بها / ولا أحبائي كما أعهَدُ
وقفتُ في الأطلالِ مستخبراً / هل أتهمَ الأحبابُ أو أنجدوا
فلم تُجبني مِن أسىً نالَها / عليهمُ أحجارُها الركَّدُ
وكانَ لي في نطقِها راحةٌ / لو نطقتْ أرسُمها الهُمَّدُ
أسألُها عنهمْ وفي أضلُعي / زفيرُ وجدٍ قلَّما يَخْمَدُ
ضلالةً أسألُ عن حورِها / ما لا يعي منها ولا يُسعِدُ
بَعُدتُمُ يا أهلَها بعدَما / أدناكُم الدهرُ فلا تُبْعُدوا
ولم أجدْ لمّا ترحّلتُمُ / على النوى والبينِ مَن يُنجِدُ
أنشدُ في آثاركمْ بعدَكُمْ / قلباً بغيرِ الوصلِ لا يُنشِدُ
قد كانَ موجوداً فمذْ غِبتُمْ / ضاعَ فلا يُلفى ولا يوجَدُ
أأجحدُ الوجدَ ولي أدمعٌ / شهودُها تُثْبِتُ ما أجحَدُ
لا تحسبوا قلبي جوًى بعدكمْ / يَقَرُّ أو طرفي أسىً يَهجُدُ
ولا هدوئي ممكناً بعدَما / أصبحَ مِن دونكمُ الفَدْفَدُ
وثوَّرَتْ نجبكمُ للنوى / تَقْدُمُهنَّ العِرْمسُ الجَلْعَدُ
وغرَّدَ الحادونَ في اِثرِها / ليتَ حُداةَ العيسِ لا غرَّدوا
والبينُ ما زالَ له مَوْرِدٌ / مستوبِلٌ يكرهُهُ الورَّدُ
هل يُبْلِغَنَّي حيَّكمْ بالحِمى / وبالعقيقِ البازلُ الأقودُ
اِذا ونتْ أو كَرَبتْ عيسُكم / تلغبُ اهوى وهو بي يُسئدُ
فلا الفلا تمنعُه حثَّهُ / ولا اللَّوى والقُورُ والقَرْدَدُ
له على غاربهِ سائقٌ / لا يعرفُ الأينَ ولا يرقُدُ
ملَّ ظلامُ الليلِ من عزمهِ / فيه إذا ما هجدَ الهُجَّدُ
ما عارضٌ هَيْدَبُهُ مكثِبٌ / مُطَرَّزٌ مِن برقِه مُرْعِدُ
مجلجِلٌ شؤبوبُه دافقٌ / فهو على وجهِ الثرى مُزْبِدُ
أغزرُ مِن دمعي وقد أزمعتْ / على الرحيلِ العُرُبُ النهَّدُ
يا سربُ نعمانَ لقد شاقني / لما سنحتَ الرشاُ الأغيدُ
مرَّ أمامَ السَّرْبِ يعطو وقد / وَلَّهَ عقلي جِيدُه الأجيَدُ
يَخْجَلُ غصنُ البانِ مِن قَدَّه / اذا تثنى قده الأملد
لي من جنى مبسمه مشرب / لم يُغنني مِن غيرِه موردُ
يوعدُني الوصلَ ولكنَّهُ / يُخِلفُني بالمَطْلِ ما يوعدُ
أطالَ بالمطلِ سَقامي الى / أنْ ملَّ أسقامي بهِ العُوَّدُ
ليالي القربِ هل لكِ أن تعودي / لقد أسرفتِ في طولِ الصدودِ
حميداتٍ كما أهوى سراعاً / فاِنَّ العمرَ بالعيشِ الحميدِ
سقى أيامنَا بالنَّعْفِ دمعي / وطيبَ زمانِنا بلِوى زَرودِ
وحيّا المزنُ أكنافَ المصلى / يسوقُ عِشارَه حَدْوُ الرعودِ
ملاعبٌ خُرَّدٍ بيضٍ حسانٍ / صقيلاتِ الطُّلى هِيفِ القدودِ
نأينَ وفي الربوعِ لهنَّ عَرْفٌ / أقامَ بهنَّ مِن رَدْعِ النُّهودِ
ألا يا ضرَّةَ القمرينِ رِقَّي / لمكتئبٍ مِنَ البلوى عَميدِ
يُذيلُ الدمعَ في الأطلالِ ممّا / يُعانيهِ مِنَ الشوقِ الشديدِ
كأنَّ دموعَه فيها لآلٍ / تناثرَ دُرُّهُنَّ مِنَ العقودِ
وكانَ يرى فراقَ اليومِ صعباً / فكيف يكونُ في الأمدِ البعيدِ
ملكتِ فؤادَه بكحيلِ طرفٍ / وفاحمِ طُرَّةٍ وبياضِ جيدِ
ورمتِ زيادةً في الحبَّ منّي / وليس على غرامي مِنْ مزيدِ
أعينيني على سَهَرِ الليالي / اِذا جَنَّ الظلامُ على الهُجُودِ
فقبلَ البينِ كنتُ أُخالُ جلداً / فلمّا حَلَّ لم أكُ بالجليدِ
وَمنّيني بعودِ العيشِ غضّاً / فاِنّ الحرَّ يقنعُ بالوعودِ
فكم يسعى بيَ الواشونَ ظلماً / إليكِ وسقمُ جسمي مِن شهودي
وجودي لي بوصلكِ بعدَ هجرٍ / رضيتُ به لعلَّكِ أن تجودي
وعودي بي إلى المعهودِ ممّا / به عُوَّدتُ مِن كرمِ العهودِ
لعلَّ الدارَ أن تدنو نواها / ويورِقَ بعدَ طولِ اليُبْسِ عُودي
فقد سئمتْ مصاحبتي المَهارى / وشدَّي للحدائج والقُتودِ
وخَوضي بحرَ كلَّ سرابِ قفرٍ / عليها واعتسافي كلَّ بيدِ
وتعليلي نجائبَها بهادٍ / اِذا كلتْ مِنَ المسرى وهِيدِ
على أكوارِها أنضاءُ شوقٍ / يؤودُ قواهمُ حملُ البرودِ
ترامى بالأزمَّةِ خاضعاتٍ / لواغبَ في هبوطٍ أو صعودِ
اِذا ما القيظُ اظمأها فدمعي / سَيُغنيها عنِ العَذْبِ البَرودِ
لها ولِمنْ عليها منهُ وِردٌ / اِذا حَنَّ العِطاشُ إلى الورودِ
واِنْ ضلَّتْ سأهديها إذا ما / ألاحَ الركبُ من أرجِ الصعيدِ
تؤمُّ حبائباً مذ بِنَّ أمستْ / تُخّدَّدُ أدمعي وَرْدَ الخدودِ
لئن قُربَّنَ بعدَ البينِ منّي / وراجعَ عازبٌ الوصلِ الشريدِ
فذلكَ مِنَّةٌ للدهرِ عندي / واِقبالٌ مِنَ الحظَّ السعيدِ