صوتُ حمامِ الأيكِ عند الصّباحْ
صوتُ حمامِ الأيكِ عند الصّباحْ / جدَّد تذْكارِيَ عهْدَ الصّباحْ
علَّمْننَا الشّجْوَ فيا مَنْ رأى / عُجْماً يُعلِّمْن رجالاً فِصاح
ألحانُ ذاتِ الطَّوقِ في غُصنْهِا / مُذْكِرتي أزْمانَ ذاتِ الوِشاح
لا أشكرُ الطّائرَ إن شاقَني / على نوىً عن سَكَني وانتِزاح
وإنما أشكرُ لو أنّه / أعارني أيضاً إليه جَناح
أكلّما اشتَقْتُ الحِمَى شفَّني / لاح إذا بَرْقٌ من الغَورِ لاح
يَزيدُ إغرائي إذا لامني / وربّما أفسد باغي الصَّلاح
ماذا عسى الواشون أن يصْنَعوا / إذا تراسلْنا بأيدي الرِّياح
ورُبَّ ليلٍ قد تدرَّعتُه / رهينَ شوقٍ نحوكم وارتياح
يَرْوَي غليلُ الأرضِ من عبْرتي / وبي إليكم ظمأٌ والتْيِاح
حتى بَدتْ تُطلِقُ طَيْرَ الدُّجى / من شَكِ الأنجُمِ كفُّ الصباح
لا غرْوَ إن فاضَتْ دماً مقلتي / وقد غدتْ مِلْء فؤادي جِراح
بلُ يا أخا الحَيّ إذا زُرْتَه / فحَيِ عَنّي ساكناتِ البِطاح
وارْمِ بطرْفٍ من بعيدٍ فَمن / دونِ صِفاحِ البيِضِ بِيضٌ صِفاح
وآخِرُ العَهْدِ بأظعانِهم / يومَ حَدَوا تلك المَطِيَّ الطِّلاح
وعارَض الرَّكبَ على رِقْبةٍ / مُديرُ ألحاظٍ مِراضٍ صِحاح
لمّا جلا لي عند تَوديعِه / رِياضَ حُسْنٍ لم تكُنْ لي تُباح
جَعلْتُ ممّا هاج بي شَوقُها / وجْهِي وَقاحاً وجنَيْتُ الأقاح
وطالما قالوا ولم يَكْذِبوا / سِلاح ذي الحاجةِ وجْهٌ وقاح
فكيف ألْقى الدّهرَ قِرناً وقد / أصبَحْتُ لا أملِكُ ذاك السِّلاح
يا صاح إن أعددت لي نصرةً / فهذه حربي مع الدهر صاح
جَرَّبْتَني قِدْماً فصادفْتَني / على الأخِلاءِ قليلَ الجِماح
مُطاوِعاً كالماء إن سُقْتَه / من السّماسَحَّ أوِ الأرضِ ساح
مالكَ يا دَهْرُ على عِزَّتي / أَبيتَ إلا جَفْوتِي واطِّراح
والحُسنُ للحسناء مُستَجمَعٌ / والحظُّ قد جُنَّ بحُبِ القِباح
قلبي وشِعْري أبداً للورى / يُصبحُ كلٌ وحِماهُ مُباح
ذا لمُلوكِ العصرِ فيما أرى / نَهْبٌ وهذا للوجوهِ المِلاح
أمدَحُهمم عُمْري ولكنّني / أرجو من الله ثَوابَ امتداح
كأننّي قُمْريّةٌ عندهم / تَسجَعُ في المَغْدى لهم والمراح
ومالها في الجيدِ منهم سوى / ما قَلّدَ اللهُ بغَيْرِ امتياح
أَستَغْفِرُ اللهَ فتَشْبيهُها / ممّا على القائلِ فيهِ جُناح
فَهْي تَرى حَفْنةَ حَبٍّ لها / تُلقَى إلى جُرْعةِ ماءٍ قَراح
مَعيشةٌ رابحةٌ عندَهم / عِلّتُها كلَّ غَداةٍ تُزاح
ودون إطلاق معَاشي لهم / رِتاجُ مَطْلٍ عَسِرُ الانفتاح
أُلازِمُ الحَضْرةَ دهْراً إلى / أن يَتأنّى لي أوانُ السَّراح
حتّى إذا عُدْتُ إلى مَجْثمِي / عُدْتُ إلى عُمّالِ سُوءٍ وقاح
حان مَسيري راحلاً عنكمُ / ودونَ أوطانيَ بِيدٌ فِساح
فهل مُعينٌ لي على قَطْعها / بواضحِ الغُرّةِ بادي المراح
مُنتصِبِ الهادي سليمِ الشَّظَى / مُتّصلِ الخَطْوِ قليل الجِماح
تَنتَهب الأرض له أربَعٌ / للنّار من أطرافِهنّ انقداح
ومَن تُرَى يَسْخو بأمثاله / حتّى أراه وهْو فَوقَ اقْتِراح
إلاّ الأميرُ الماجِدُ المُرتَجي / نَواله الواهِبُ السُناح
فهذه حالي وذا شَرْحُها / فهل لقَلْبٍ معَ هذا انشراح
إن لم تَزُرْ عُثْمانَ لي أينقٌ / غُدُوَّها يَسبِقْ طَرْفَ الرِّياح
كأن أيديها إذا شارفَتْ / فِناءه فائزةٌ بالقِداح
نجَتْ على بُعْدٍ إليه وفي / بُعْدِ نَجاءِ العيسِ قُرْبُ النّجاح
فَزُرْن مَلْكاً لم يَزلْ جاهُه / عازِبَ سُؤْلٍ لي حتى أراح
صَدْرٌ رحيبُ الصّدْرِ ذو هِمّةٍ / له إلى نيْلِ المعالي طِماح
تَهُزُّ منه الدَّهرَ أعطافُه / نَشْوةُ جُودٍ تَعْتري وهْو صاح
تَرى بكَفّيْهِ ومِن وجْههِ / بَدْرَ سماءٍ بين بَحرَي سَماح
مُتَوَّجُ يَجْعَلُ هامَ العِدا / في الروْع تيِجانَ رؤوسِ الرِماح
يَبْتَدِر الصّارخُ يومَ الوغَى / بسائلِ الغُرّة طاغِي المِراح
في سَرْجه شَمْسٌ وفي نَقْعِه / شَمْسٌ أطاح النَّورَ منها فطاح
شَمْسان لما اكتنَفا قَسْطلاً / بهِ لآفاقِ السّماء اتّشاح
أضمَرَ ليلُ النّقْعِ صُغْراهُما / وضاقَ بالأكبرِ ذرْعاً فَباح
ألْوى إذا عاقَر كأسَ الوغَى / والَى اغتِباقَ الدَّمِ بالاصطِباح
إذا تَردَّى بالحُسامِ اغتَدَى / قرينَ سَيْفِ الرّأيِ سَيْفُ الكِفاح
ذو قَلَمٍ أعجِبْ به جارياً / من مُثْبتٍ آيةَ مُلْكٍ ومَاح
تُديرُه يُمْنَى يدَيْ ماجدٍ / له بزَنْدِ المكرماتِ اقْتداح
شَدَّتْ يدُ الدّولةِ أطنابَها / إليه في أسعَدِ وقْتٍ مُتاح
حامدةٌ مَوضعَها عنده / فما لَها ما عُمِّرتْ من بَراح
عاد بُعْثمانَ اختتِامُ العُلا / كما بدا بالحَسَنِ الافتِتاح
هذا أميرُ المؤمنين الذي / أولَيتَه منك الوَلاءَ الصُراح
دَعاكَ إذ جاهَدْتَ عن مُلْكِه / شهابه والحق فيه اتضاح
ما زادك الخلفة فخراً وإن / أتَتْ جَلالاً فوق كلِّ اقْتِراح
والبَيت لا يُكْسَى لتَشْريِفه / لكنْ تُراعَى سُنّةٌ واصْطِلاح
يا كعبةً للمجدِ مَأهولةً / إذا غدا الوَفْدُ إليها ورَاح
يَفْديكَ قَومٌ حاولُوا ضلّةً / تَناوُلَ المجدِ بأيدٍ شِحاح
مَعاشِرٌ أموالُهم في حِمىً / وعِرْضُهم من لُؤمِهم مُسْتَباح
أمّلْتُهم ثم تأمّلْتُهم / فلاحَ لي أنْ ليس فيهم فَلاح
طال مُقامي بفِنا أرِضكم / من غَيْرِ نَفْعٍ فالرَّواحُ الرَّواح
ما آفةُ الإنسانِ إلا المُنَى / طُوبَى لِمَنْ طَلّقها واستَراح
إلى ذُراكَ الرَّحْبِ نوِّخْتُها / وقد بَراها السَّيرُ بَرْيَ القِداح
من بلدٍ ناءٍ ولم أعتَمِدْ / بُعْدَ المَدى إلا لقُرْبِ النَّجاح
لولاكَ يا شَمْسَ ملوكِ الورى / لم يَبْقَ في طُرْقِ الرَّجا لانفساحْ
فاسمعْ ثناءً لك أبدَعْتُه / كأنه المِسْكُ إذا المِسْك فاح
مِن كلماتٍ كلمّا نُظِمَتْ / فللآلي عندَهُنّ افتضاح
لسوفَ أُهدِي لك أمثالها / إن كان في مُدَّةِ عُمْري انفِتاح
فدُمْ لأهلِ الفضلِ تُغْنيهمُ / فواضِلاً ما شُعْشِعَتْ كأسُ راح
لا عَرفوا غيركَ مَولى لهم / ما اتَّصلَت منهم بَنانٌ بِراح