من شاءَ أنْ تَسْكَرَ راحٌ بِرَاحْ
من شاءَ أنْ تَسْكَرَ راحٌ بِرَاحْ / فليَسْقِها خَمْرَ العيون الملاحْ
فإنّها بالسّحرِ ممزوجَةٌ / أمَا تَرَاها أسكَرَتْ كلّ صاح
فَما تَرى من شربها في الصّبا / في رِبْقَةِ السكرِ فهل من سَرَاح
يا من لِموصولِ الشَجا بالشجا / فليسَ للتّبريح عنه بَرَاح
تُشْرِقُ حولَيه الوجوهُ الَّتي / للبَدرِ والشَمسِ بِهنّ افتضاح
وا رحمتا للصبّ من لَوعةٍ / بكلّ ريّا الحقف صِفرِ الوشاح
يمشي اختيالُ التيه في مشيها / فعدِّ عن مَشْيِ قطاةِ البطاح
ألْقَى الهَوَى العذريُّ في حجره / حرب الغواني والعدى واللّواح
لو حملت منه قلوبُ العدى / جراحَ قلبٍ ما حَمَلْنَ الجراح
وجدي غريبٌ ما أرى شَرْحَهُ / يُوجَدُ في العَينِ ولا في الصّحاح
وإنّما يُحْسِنُ تفسيرَهُ / دَمْعٌ حِمَى السرّ به مُسْتَباح
إنْ مَسّني الضرُّ بِقَرْحِ الهَوى / فبرءُ دائي في الشرابِ القراح
من ظَبيةٍ تنفرُ من ظِلّها / وإن غدا الظلّ عليها وراح
ففي ثناياها جَنَى ريقةٍ / يا هل ترشّفْتَ النّدى من أقاح
كم من يدٍ قد أطْلَعَتْ في يدي / نجمَ اغتباقٍ بعد نجمِ اصطباح
من قهوةٍ في الكأسِ لمّاعةٍ / كالبرقِ شُقّ الغيمُ عنه فلاح
سخيّة بالسكر مَرّتْ على / دنانِها بالختم أيْدٍ شحاح
وهي جَمُوحٌ كُلّما أُلْجِمَتْ / بالماءِ كَفّتْ من غلوّ الجماح
كأنّما الكأسُ طلا مُغْزِلٍ / مُرْوِيَةٍ بالدَّرّ منه التياح
كأنّما الإبريقُ في جسمها / يَنفخُ للندمانِ رُوحَ ارتياح
في روضةٍ نَفْحَتُها مِسْكَةٌ / تُهْدى إلينا في جيوب الرّياح
تميسُ سُكْراً فكأنّ الحيا / باتَ يُحَيّيها بكاساتِ راح
كأنّما أشجارُها مَنْدَلٌ / إن لَذَعَتْهُ جَمْرَةُ الشمس فاح
كأنّما القَطْرُ به لؤلؤٌ / لم يجرِ منه ثُقَبٌ في نِصَاح
كأنّ خُرْسَ الطيرِ قد لُقّنَتْ / مَدْحَ عليٍّ فتغنّتْ فِصَاح
أرْوَعُ وَضّاحُ المحيّا كما / قابَلتَ في الإشراقِ بشرَ الصّباح
مُعَظَّمُ الملك مُقِرٌّ له / بالملك حتى كلّ حيّ لَقَاح
مجتمعُ الطعمينِ في طبعه / تَوَقُّدُ البأسِ وفَيْضُ السّماح
يُضْحِكُ في الغرب ثغورَ الظُّبا / وهنّ يُبْكِينَ عُيُونَ الجراح
مَهّدَ في المهديتين العلى / وعمّ منه العدلُ كلّ النّواح
والمُلْكُ إن قامَ به حازِمٌ / أضحى حِمىً والجدّ غيرُ المزاح
في سرجه اللّيثُ الَّذي لا يُرَى / مفترساً إلّا ليوثَ الكِفاح
كأنّما سَلّ على قِرْنِهِ / من غمده سيفَ القضاءِ المُتَاح
ذو هِمّةٍ شَطّتْ عُلاه فما / تُدْركُ بالأبصارِ إلّا التِماح
من حِمْيَرِ الأمْلاكِ في منصبٍ / ذو حسبٍ زاكٍ ومجدٍ صراح
أعاظِمٌ لم يمحُ آثارَهُمْ / دهرٌ لما خطَّته يمناهُ ماح
هُمُ اليَعاسيبُ لدى طَعْنِهِمْ / إنْ شوّكوا أيمانَهُمْ بالرّماح
كم لهمُ في الأُسْدِ من ضربَةٍ / كما سجاياهُ قريع اللّقاح
إن ابنَ يحيَى قد بَنى للعُلى / بيتاً فأمسى وهو جارُ الضراح
وصالَ بالجِدّ منوطاً به / جَدٌّ له الفوزُ بضربِ القداح
والصارمُ الهنديّ يسقي الردى / فكيفَ إن سُقّيَ مَوتاً ذباح
آراؤه في الرّوع أعْدى على / أعدائِهِ من مُرْهَفَاتِ السّلاح
وبطشُهُ ما زالَ عن قُدْرَةٍ / يُغْمِدُ في الصّفح شِفَارَ الصّفاح
لا تصدرُ الأنفسُ عن حُبِّهِ / فإنّهُ للسيّئاتِ اجتراح
كم طامحِ الألحاظِ نَحْوَ العُلَى / إذا رآهُ غَضَّ لحظَ الطّماح
وربّ ذئبٍ ذي مراحٍ فإن / عنّ له الضرغامُ خلّى المراح
يا طالِبَ المعروفِ ألْمِمْ به / تَخْلَعْ على المطلوبِ منك النجاح
نداهُ يُغني لا نَدَى غَيرِهِ / من للذُّنَابَى بِغَنَاءِ الجناح
فخلِّ مَنْ شَحّ على وفره / لا تُقْدَحُ النّارُ بزندٍ شحاح
فالربعُ رحبٌ والندى ساكبٌ / والعيشُ رغدٌ والأماني قماح