يا أرز لبنان و قد أقبلت
يا أرز لبنان و قد أقبلت / ميّ و سرب الغانيات الملاح
و انحنت الهامات من هيبة / لمجدك البادي بتلك البطاح
أمّا قرأت الحبّ في سورة / خطّت على تلك الوجوه الصباح
كافحت إعصار الردى ظافرا / فمن محا آثار ذاك الكفاح
و جرّد الدّهر عليك الظبى / فانخذل الدهر و فلّ السلاح
غالبته تسخر من صرفه / كبرا و لا تخشى القضاء المتاح
ما نال منك الدهر إلاّ الذي / نالت من الصخر الأصمّ الرياح
أين سليمان و بلقيسه / اخت هلال الأفق بنت الصباح
و أين ذاك الهيكل المرتجى / هيضت خوافيه و قصّ الجناح
فاتل على ميّ أحاديثه / من يوم شادوه إلى اليوم طاح
يا بردى الشام و قد أقبلت / ميّ الفتاة الغادة الشاعرة
لا تنكر الشّوق فقد صفّقت / من وجدها أمواهك الطاهرة
تلا عليها بردى ما جرى / عليه في أيّامه الغابرة
فاستعبرت تذكر آلامه / يا حبّذا المحبوبة الذاكره
خاطبها الماء و لا بدعة / فإنّها يا بردى ساحره
حدّث عن الماضي و أعراسه / و عن صروف الزمن الغادره
و عن جدود فيك ميمونة / و عن جدود بعدها عاثره
و عن عروش حسدت مجدها / في الأفق هذي الأنجم الزاهره
و اتل على ميّ رواياتهم / فإنّها مبكية زاجره
يا بعلبك ابتسمي إنّها / ميّ و سرب الغانيات الدمى
و استقبلي الوحي فوحي النّهى / سلّم في السرب الذي سلّما
بنيانك الخالد ما باله / أصبح لغزا غامضا مبهما
ها شاده أهل الثرى معجزا / أم شاده في الأرض أهل السما
لم يدر هذا العصر من سرّه / شيئا فما أبهى و ما أعظما
و اخجل الإنسان في كبره / لا كرّم الحقّ و لا كرّما
لقد سما الأجداد من قبله / كما سما أو فوق ما قد سما
هل عنده من يبتني تذمرا / أمغرما في الفنّ أو مرغما
فقدسيّ مبدعها مالكا / لا ينقض الأمر إذا صمّما
واتلي على ميّ أعاجبه / فالمرء مذكور بما قدّما
يا ميّ و الأرزاق مقسومة / سبحان من قسّمها في الأنام
من مصر لبّيت نداء الهوى / فزرت لبنان و زرت الشام
ثمّ تهاديت على سابح / ممتنع الجانب عند الصدام
تبغين أرض النيل مشتاقة / لمنهل عذب و أهل كرام
قبر ((التنوخي)) الطّهور الثرى / ما ضرّ لو حيّيته بالسّلام
ما أحوج القبر إلى دمعة / من جفن ميّ لا جفون الغمام
فابكي على القبر الذي ضيّعت / أمجاده الفرقة و الإنقسام
و اتلي على القوم أحاديثه / فإنّ فيها عبرة للأنام