يا أيها العالي الغفورُ الصفوح
يا أيها العالي الغفورُ الصفوح / هل ترحم القمَّةُ ضَعف السُّفوح
تاجُك في النور غريقٌ وفي / عرشك غَنَّى كل نجمٍ صَدُوح
وأين هاماتُ الربى نُكِّسَت / من هامةٍ فوق مُنيفِ الصُّروح
وأين أوراقٌ خريفيّةٌ / أرجحَهَا الشكُّ فما تستريح
من باسقٍ راسٍ به خضرةٌ / ثابتةُ الرأي على كل ريح
بَرِئتَ من هذى الوِهاد التي / نَغدُو على أنَّاتِها أو نَروح
وأين في مبتسماتِ الذرَى / برقُ الأماني من وميض الجروح
أصِخ لهذي الأرضِ واسمع لما / تشكو لمن غَيرك يوماً تبوح
تطفو على طوفان آلامها / وأين في آلامها فُلكُ نوح
أروَعُ شيءٍ صامتٍ في العُلى / أفصح مُفضٍ بالبيان الصّريح
يُعَيِّرُ الأرض إذا أظلمت / بما على مَفرِقِه من وضوح
هل تسخرُ الحكمةُ ممّا بنا / من نزواتٍ وعنانٍ جَموح
حَمقَى قُصارَى كلِّ غاياتنا / عزمٌ مَهيضٌ وجَناحٌ كسيح
أُعيذُ عدلَ الحقِّ من ظلمنا / فكم على القِيعان نَسرٌ جريح
ونازحٌ من قِمَمٍ في علٍ / أوطانُه كل سَموقٍ طروح
أنت له كلُّ الحِمى المُرتَجى / وكلُّ مَبغاه إليكَ النُّزوح
ما النسرُ إلا راهبٌ في العُلَى / محرابُه وجهُ السماء الصبيح
وقلبُها السَّمحُ فما حَطَّهُ / على الثَّرَى الجَهمِ الدميمِ الشحيح
على الثَّرَى حيثُ تسابيحُه / نوح الحَزَانى ونداءُ القُروح
مبتهلٌ باكٍ بدمع الأسى / على الليالي وسقيمٌ طريح
ما أتعس الأرضَ بعُبَّادها / تُبهِجُ من أخلاطِهم ما تُبيح
قد أنكرَ الهيكلُ زُوَّارَه / وأصبح الديرُ غريبَ المُسوح
لم يعرف الجسمُ خلاصاً به / من كُدرَةِ الطين ولم تَنجُ روح
يا سيِّدَ القمَّةِ أَنصِت لنا / لا يعرفُ الإِشفاقَ قلبٌ مُشيح
وانظر إلى السِّكِّين في ساحةٍ / قد زمجرت فيها دماء الذَّبيح
واسكب نَدَى الحبِّ بأفواهِنا / كم من بَكِيٍّ وظَمِيٍّ طليح
فربما يُشرقُ بعد الضَّنى / وجهٌ مليح وزمانٌ مليح