نَبَّهَتِ الورقاءُ ذاتُ الجناح
نَبَّهَتِ الورقاءُ ذاتُ الجناح / من غفلة الصحو إلى شرب راحْ
واللَّيل قد أجفل من صبحه / فأكثر الدِّيك عليه الصياح
مهفهف الأَعطاف من قدّه / وطرفه الفتَّان شاكي السلاح
فقامَ يسقيها ويهدي إلى / روح الندامى بالمدام ارتياح
وما ألذَّ الرَّاحَ من شادنٍ / مهفهف القدِّ وخود رداح
تستنطق العود لدى مجلس / ألسنة الأَوراق فيهِ فِصاح
والوُرق في الأَوراق ألحانها / مطربة بين الغِنا والنواح
وربَّ يوم كانَ عيد المنى / نحرت فيه الذق نحر الأَضاح
ورحتُ في الحبّ على سكرتي / بالغيِّ لا أُصغي إلى قول لاح
ومن يلمني بالهوى قوله / يمرُّ بي مثل هبوب الرِّياح
فاصطلح القوم على أنَّه / ما بين عذَّالي وبيني اصطلاح
يا صاحِ ما أنت وطيب الكرى / فبادر اللَّذَّات بالاصطباح
واشرب ولا تصغِ إلى قائلٍ / هذا حرام ولهذا مباح
ما وجد الرَّاحة إلاَّ امرؤٌ / أعرض عن عاذله واستراح
تنفَّسَ الصبحُ فقم قائماً / نحو صراحية ماء صراح
وابتسم الورد ودمع الحيا / في وجنة الورد وثغر الأقاح
فاقطع علاقات الأسى بالطلى / وَصِلْ بكاسات الغدوّ الرواح
وانفِق نفيس العمر في قهوة / تقضي على الهمّ قضاءً متاح
مستنشقاً منها عبير الشذا / تفوح كالمسك إذا المسك فاح
مع كلّ نَدمانٍ كبدر الدجى / ما افتض بكر الدن إلاَّ سفاح
حَيَّ على الراح وقم هاتها / وقل لمن لاح الفلاح الفلاح
وَلْتكُ من ريقك ممزوجة / لا أشرب الراح بماء قراح
يا أيها الساقي الَّذي أثْخَنَتْ / أحداقه في القلب مني الجراح
يشكو إليك القلب من ضعفه / فتور عينيك المراض الصحاح
ما خطر السلوان في خاطري / بلائمٍ فيه فسادي صلاح
يجدّ بالنصح فألهو به / وأدفع الجدّ ببعض المزاح
من سرّه شيء فما سرّني / في الدهر شيء كوجوه الملاح
أو فضح الصبُّ فكم مغرم / أسلَمَه الحب إلى الافتضاح
وما يرى كتمان سر الهوى / من كتم الحب زماناً وباح
إذا وضعت الشعر في أهله / فلي بزند الافتخار اقتراح
إنّي أرى المنصف في أهله / يمدح عبد الله أيّ امتداح
قد أثبت الوُدُّ بقلبي له / محبة لم يمحها قط ماح
فيا رعاه الله من ماجد / طاب به المغدى وطاب المراح
قيّدني في البرّ من فضله / فليس لي عن بابه من براح
أطرب إن شاهدته مطرباً / وما على المطرب فيه جناح
ولم أزَلْ في القرب من وُدِّه / أقرع بالأفراح باب النجاح
تالله ما شِمْتُ له بارقاً / إلاَّ ولاح الجود من حيث لاح
يلوح لي في الحال من وجهه / بشر ميامين الندى والسماح
يفعل بالأموال يوم النَّدى / ما تفعل الأبطال يوم الكفاح
أغرّ صافي القلب مستبشر / بالأنس مرهوب الظبا والصفاح
قد خصّه الله وقد زانه / برفعةِ القدر وخفض الجناح
لا يعرف الهمَّ سميراً له / ولا يلاقيه بغير انشراح
لم يُبقِ لي في أرَبٍ بغيةً / ولا على نيل الأماني اقتراح
من الذين افتخرت فيهم / بيض ظبا الهند وسمر الرماح
يُصانُ من لاذ بعلياهمُ / وما لهم من جودهم مستباح
لهم من العلياء إنْ سوهموا / سهم المعلّى من سهام القراح
محاسن المعروف يبدونها / وأوجه الأيام سود قباح
كما استهلّت ديمة أمطرت / على الرّوابي قطرها والبطاح
تشقّ يوم الروع أيمانُهم / قلب الأعادي بصدور السلاح
ترعرعوا في حجر أمِّ العلى / وأرضِعوا منها غريب اللقاح
وزاحموا الأنجم في منكب / يزيح في الأخطار ما لا يزاح
كم قدموا للحرب في موطن / فقربوا بين خطاها الفساح
وأرعفوها من دماءٍ دناً / تمرد بالطعن عيون الجراح
أسد الوغى لا زال أسيافهم / تنحًرُ بالهيجاء كبش النطاح
من كلّ من تبعثه همة / تطمح للغايات كل الطماح
لم تنبُ في مضربها عزمة / منهم ولم تصلد لدى الاقتداح
آل زهير الأنجم الزهر في / سماءِ أفلاك العلى والسماح
إن أمسكوني فبإحسانهم / أو سرَّحوني فجميل السراح
لا برحت تكسى بأمداحهم / ذات الغواني حسن ذات الوشاح