المجموع : 4
رأيتُ في البستان إنسانةً
رأيتُ في البستان إنسانةً / صفراء للألباب سلاَّبَهْ
كأنّها لمَّا بدَتْ ظبيةٌ / من الظباء العُفْر مُرْتَابَهْ
أَذْهب ماءُ الحسن تَفْضِيضَها / فَجوَّد الخالق إذهابَه
يا حسنَها تُومي بِنيلُوفَرٍ / قد ركّبته فوق عُنَّابه
تَشَمُّه طوراً وأرواحُها / على رياح النَّوْر غلابهْ
فقلتُ نِيلُوفَرةٌ هذه / أَمْ بفؤادي أنتِ لعَّابَه
إن كانت الألحاظُ رُسْلَ القلوبْ
إن كانت الألحاظُ رُسْلَ القلوبْ / فِينا فما أَهْونَ كَيْدَ الرّقيبْ
قّبلتُ من أَهْوى بعيني ولم / يشعر بتقبيليَ خَدُّ الحبيبْ
لكنّه قد فَطنَتْ عينُه / بسرِّ عيني فطْنَةَ المُسْتَريب
إن كان علمُ الغيب مُسْتَخْفياً / عنّا فعند اللّحظ علُم الغيوب
لومُ لئيم كلّما اشتدّ خابْ
لومُ لئيم كلّما اشتدّ خابْ / والشَّوقُ لا يُصْغِي لبعض العِتاب
مَنْ لام في الحب كئيب الحشا / فإنما أغراه بالاكتئاب
واكَبِداً لم يُبْقِ منها الجَوَى / بين ضُلوعي للجوى ما يُذَابْ
صبابَةٌ تقدَح في مُهْجَتي / بِلاعج البَثّ شجىً والتهابْ
يا مَنْ تَشَفَّى بعذابي به / إني لاستَعْذِب منك العَذاب
لو فتَّشوا جِسْميَ ما أبصروا / غيرَ الأسى يَسْرَح بين الثّياب
لا زال سُقْمِي وعذابي على / سُقْم المآقِي والثَّنايَا العِذاب
لا خيرَ في الحُبّ إذا لم يكن / في أنْفُس العُشّاق ماضي الحِراب
في خدّ مَنْ يَتمّنى من دمي / رَشْحٌ وفي كَفَّيْه منه خِضاب
كأنما الإصباحُ من وجهه / لاح ومن خَدَّيْه ذاب الشَّراب
فما رَمى عن قوس أجفانه / قلبَي بالألحاظ إلاّ أصاب
لما تَشكَّيتُ إليه الهوى / بأَلْسُن الدَّمع رَثَى واستجابْ
وزارني تحت رِواق الدُّجى / واللَّيلُ في صِبْغ جَناح الغُرابْ
يَلُوح في الظلماء لألاَؤُه / كالبدر في مِدْرَعة من سَحاب
مُكْتَتِماً يفرقُ من ظلمة / مُسْتَحْسِراً من فلَقٍ واكتِئاب
والبدرُ في أوّل إقباله / كخطّ نونٍ مُذْهَب في كتاب
فبات يُعْطينَي من وصله / أضعافَ ما أَعطى من الاجتِناب
إذا سقاني الرَّاحَ من كفّه / مَزْجْتُها لَثْماً براح الرُّضَاب
كأنّها في الكأس ما جال في / خدَّيْه من رقّة ماء الشباب
حتى تولّى الليلُ في جيشه / وحلّ ضَوءُ الصّبح عَقْدَ النِّقاب
كأنّما الليل بإصباحه / كان عِذاراً حالكاً ثم شابْ
أو كان مثل الجَوْر في لونه / فحلّه عدلُ نِزارٍ فغاب
قل لأبي المنصور يا خيرَ من / أقام أو حثَّ لمجدٍ ركاب
ويا إماماً قَابَلتْ مُلْكَه / لوائحُ الإقبال من كلّ باب
خوَّلك القدرةَ والنّصَر مَنْ / حَباكَ بالحُكم وفصل الخِطاب
إن ابن حمدان عدا رُشْدَه / ورام أن يَظفَر جهلاً فخاب
ظنّ الذي أخْلَفه ظنّه / فيها وخال الماء لَمْعَ السَّراب
فيا أبا تَغْلِبَ سُؤْتَ المُنى / ومتَّ بالتّهديد قبل الضِّراب
كيف يُلاقي الأسْدَ منك امرؤٌ / قد فرّ من أدنى نُباح الكِلاب
حارَبْتَ بالبَغْي إمامَ الهدى / ولم تَهَبْ منها عزيزاً يُهاب
وكان قد طاب لكم عفُوه / فعاد مُرّاً منه ما كان طاب
وجَّهَ بالبِيضِ كتاباً له / إليك مَنْشوراً فكنُتَ الجواب
وعجَّلتْ رأسَك سُمْرُ القنا / وخلّفت جسمَك رهنَ التراب
كذاك من حُيِّر عن سعده / مِثْلُك لا يَزداد إلاَّ اغتراب
يا بن معزّ الدين أَبْشِر فقد / مدّتْ لك الأملاك طوعَ الرِّقابْ
وانحلّ عن مُلْكك عَقْدُ الأذى / قَسْراً وذلّت لك فيه الصِّعاب
لأنّك الغُرّة من هاشم / والصفو من ساداتها واللُّباب
وابن الصَّفا والحِجرُ ابن الهدى / ابن نبيّ الله ابن الكتاب
كفّاك كفٌّ تَنْهمي بالثّواب / عفواً وكفٌّ تَنْهمي بالعِقاب
كم من يدٍ أَوليْتني جمَّةٍ / أُبْتُ بنُعماها لخير المآب
ما زلتَ تُدْنيني وتُعْلى يدي / فعلَ كريم الأصَل حُرِّ النِّصاب
فُرحتُ من نُعماك بادِي الغِنى / مُتَمَّمَ الآمال رَحْبَ الجنَاب
والله ما في جسدي شعرةٌ / إلاّ وشكري لك فيها سِخَاب
وبركة تزهو بنيلُوفَرٍ
وبركة تزهو بنيلُوفَرٍ / نسيمه يشبه نَشْرُ الحبيبْ
مفتَّح الأجفان في نومه / حتى إذا الشمس دنت للمغيبْ
أطبَق جفنيه على خدّه / وغاص في البركة خوف الرقيبْ